4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الثورات يأكلها ابناؤها عبد الامير المجر
العرب

عندما اخذ روبسبير، يبطش برفاقه، بعيد نجاح الثورة الفرنسية، صرخ به احدهم وهو يقاد الى المقصلة، مبشرا اياه بالمصير الحتمي الذي سيأتي به الى المقصلة ذاتها. دارت الايام، واذا بروبسبير يقاد فعلا الى مصيره الاسود، لكن بفك مكسور ينزف دما، والم مبرّح، لم تنهه الاّ المقصلة التي فصلت راسه عن جسده، وطوت صفحة مؤلمة من صفحات الثورة الفرنسية التي اصابت الكثيرين من المثقفين والشعراء الفرنسيين، قبل غيرهم، بالكآبة والاحباط، لما آل اليه مصير بلادهم، بعد ان ظنوا انها عانقت اهدافها الكبرى في الحرية والاخاء والمساواة.

ليست الثورة الفرنسية وحدها من يخبرنا التاريخ عن مجازرها، ولم تكن هي وحدها من اهدت الادب السياسي المقولة التاريخية “الثورة تأكل ابناءها”، بل ثورات اخرى امتدت على مدى قرون، قبلها او بعدها. لكن السؤال الذي بات في ذمة علم الاجتماع السياسي، هو لماذا يحصل هذا عند كل ثورة، ولن تستقر الاّ بعد ان تأكل ثوارها، ليتسلمها غيرهم، وهنا نتوقف عند مقولة اخرى اهدتها الثورات للادب السياسي ايضا، وهي ان الثورات “خطط لها المفكرون وينفذها الشجعان ويخطفها الجبناء”! وبعيدا عن التفسيرات الجاهزة لتلك المقولات، لابد من ان نتوقف عند حقيقة البشر انفسهم، قبل ان يكونوا ثوارا او مسؤولين، فالمشكلة لم تكن بروبسبير ولا بغيره ممن عرفوا بتحولهم الغريب واقصائهم رفاقهم، لان النفس البشرية واحدة، والطموحات المكبوتة، تبحث عن فرصة، وهي عند الراديكاليين تتمثل بالثورات التي تعقبها الفوضى عادة، ومن هذه الحقيقة، يبدأ صراع الثوار فيما بينهم، تحت مبررات شتى، ويحللون “اكلهم لبعضهم”، مستفيدين من غياب قوانين الدولة الضابطة لافعالهم، لاسيما في المراحل البرزخية، وان وجدت فلم تكن وسيلة انفاذها بيد المهنيين، بل الثوار انفسهم، فتنشأ الشلليات داخل قدر الثورة الفائر للامساك بالسلطة، وهكذا تاتي الثورات على ابنائها، قبل ان تستقر على الشلة الناجية منهم.

لم نجد اختلافا كبيرا بين اغلب ساسة العالم في التطلع للنفوذ والسلطة، ولعل ما نشهده اليوم، حيث التغالب والجشع والحروب الخفية والعلنية، على الرغم من التقدم العلمي الهائل، هو انعكاس لحقيقة واحدة، مفادها ان البشرية لم تصل بعد مرحلة النضج التي تؤهلها لقيادة نفسها بعدالة، ولو نسبية، لان الصراع على المغانم مازال مفتوحا وقوة القانون الدولي، غير راسخة كرسوخ القوانين المحلية في الدول المتقدمة التي تجاوزت مرحلة الثورات الى الاستقرار المؤسسي، كبريطانيا واميركا وفرنسا مثلا، وان اتخذت هذه الدول المتقدمة نفسها، البلدان الضعيفة، ميادين للصراع الدموي مع منافسيها، وهذا بالتأكيد، اكثر عارا واوضع معيارا ايضا.

يتحدث البعض عن الديمقراطية في العراق، ونقول ان هذا الواقع لم يتحقق بعد، لان سقف الدولة ما زال عاريا تقريبا، وارضها مازالت رخوة، الامر الذي يتيح لكل من يعتقد به القدرة على الامساك بها، العمل على ذلك وبمختلف الوسائل، وايضا يدفع بالاغراب للعمل على النفوذ والتمكن، قبل ان تستقر الدولة العراقية على اثافي لا نصيب لهم فيها. والسبب هو اننا لم نؤسس اولا، لدولة قوية تحمي الديمقراطية، ولا تسمح ايضا، لابنائها ان يأكلوا بعضهم، وانما اقمنا ديمقراطية مهلهلة على امل ان ننتج من خلالها دولة، ففقدنا الدولة وما كان منها، في خضم الصراع الذي احتدم منذ سبعة عشر عاما، ولم نحقق الديمقراطية، لانها تحتاج الى حاضنة مؤسسية، يصعب وجودها من دون دولة، مثلما يصعب قيادة الدولة بطريقة سلمية من دون الديمقراطية، لاسيما اذا كانت هناك قوى سياسية كثيرة، متناشزة الاهداف والرؤى والثقافات، ولايضبط المعادلة بينها سوى نظام ديمقراطي، يفتقد اليوم مصداقية وجوده.

خلاصة ما نريد قوله، انه ليس مهما اليوم ان يكون الوزير في الحكومة المؤقتة القادمة مستقلا او حزبيا، بل المهم هو ان تعاد هيبة الدولة من خلال حصر السلاح بيدها فعلا، وان ترصّن المؤسسات الامنية القادرة على انفاذ القانون، وحينذاك، تستقيم الوزارات وينضبط عمل وزرائها، مثلما يستقيم الشارع وتبدا عجلة الحياة بالدوران من جديد.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الصحوة العراقية… وما بعدها
فـــؤاد مطـــر

الشرق الاوسط

على رغم انشغال البال العربي بالتداعيات الناشئة صحياً واقتصادياً عن «كورونا» التي لا تخلو دولة من أذاها صغُر الأذى أو كبُر، فإن خطوات يتم الإعلان عنها ثم الأخذ بمضامينها تبعث على الطمأنينة، بأن ما أصاب الكيان العربي من جراح وكدمات إلى علاج. أو في الحد الأدنى إلى تضميد. فعندما تم الإعلان من الرياض يوم الأربعاء 8 أبريل (نيسان) 2020 من جانب المتحدث باسم «تحالف دعم الشرعية في اليمن» عن وقف شامل لإطلاق النار لمدة أسبوعين، بدءاً من اليوم التالي (الخميس 9 أبريل) كثرت التمنيات بأن يقرأ الحوثيون البادرة بتبصر للأمور، وبالتالي يكون الرد عليها بالتجاوب، وعندما يؤخذ بها تتجدد المهلة مرة واثنتين وأكثر، إلى أن تتكرر صيغة القبول بوقف إطلاق النار التي كان أعلنها الخميني قبل 32 سنة، بعد ثماني سنوات من الحرب ضد العراق. ويومها (18 يوليو/ تموز 1988) أفتى القبول بعبارة: «كمَن يتجرع السم».
وحيث إن الحوثيين هم من تلامذة المدرسة الخمينية، فمن تحصيل الحاصل أن يأخذوا ولو بعد مكابرة بما أخذ به الخميني، وبذلك وضعت الحرب أوزارها.
لكن الذي كان لافتاً هو أن النفس الحوثية التي اقتنصت شرعية وطنية وقامت بتجيير مفاعيلها للغريب، وامتهنت لهذا الغرض إيذاء الجار الأَوْلى بالحرص عليه من جانبها، خشيت بخروقات قامت بها أن يتحول وقف إطلاق النار إنْ هي ارتضت الأخذ به التزاماً مسؤولاً إلى خلو اليد من أي ورقة تلعبها؛ بل ربما خشيت أن تؤسس بادرة الوقف الشامل لإطلاق النار لمدة أسبوعين من جانب «تحالف دعم الشرعية في اليمن» إلى نزوع النظام الإيراني إلى المرونة التي تُحقق له حالة من إعادة النظر في اجتياحاته الخارجية، بأمل الخروج من شرانق الحصار والعقوبات، والانصراف إلى معالجة الكم الهائل من القضايا العالقة داخلياً وخارجياً، فضلاً عن تأزيم من جانبه للعلاقات مع بعض جيرانه الخليجيين، وكذلك مع كثير من دول العالم. وفي حال حدث ذلك، فإن الورقة الحوثية تُطوى كما سائر الأوراق الخارجية، وبالذات الورقة اللبنانية التي حالها من حال الورقة الحوثية، وتوأمها الحالة الغزاوية بشقيها «الحمساوي» و«الجهادي».
والذي يجعل الخشية تقترب من نفوس الأذرع الثلاث التي طالما مارست إيران الخامنئية بها مواجهات غير محسوبة بدقة مع المجتمع الدولي، وتحرشات بالغة الأذى بكل من السعودية ولبنان، أن هنالك في العراق حالة صحوة نوعية، على رغم أنها بطيئة الخطوات، وتتمثل في أن التشكيل المتعثر للحكومة وما نشأ عن التعثر من خسائر وارتباكات، بدأ يسلك طريقاً غير تلك التي كانت الحكومات السابقة تسير عليها، وجاءت المحصلة في النهاية لا تبشر بأي مستقبل لنهوض العراق من كبوته، بفعل انتزاع إرادة القرار الوطني منه من جانب الجار الإيراني.
بداية هذه الصحوة تعود إلى سنتين خلتا. وحيث إن ما بين السعودية والعراق ليس مثل الذي بينها وبين الجيب الحوثي المقتنِص الشرعية اليمنية، والمستعمَل كأداة تحرش وإلحاق الأذى بشرياً واقتصادياً بها، فإن المملكة راعها الذبول العروبي في العراق والتمدد الفارسي فيه، فكان الرد على زيارات نوعية لها من جانب قامات سياسية ودينية عراقية تسريعاً متدرجاً للتطبيع الأخوي، بدءاً بفتح معبر عرعر بين الدولتين، وإنشاء «المجلس التنسيقي السعودي – العراقي». وتلك خطوة تركت الأثر الطيب في نفوس عموم العراقيين، ورأى فيها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي خلال استقباله مساء يوم الخميس 4 أبريل 2019 أعضاء الوفد السعودي في المجلس «ما يؤكد تصميم الحكومة العراقية على إقامة أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية». وزيادة في التوضيح قال بما يثلج صدور الحاضرين من الجانبين، ويُبهج قلوب العراقيين الذين ضاقوا ذرعاً بالأثقال الإيرانية عليهم: «إن العراق حريص على توسيع علاقاته مع محيطه العربي والإقليمي، وانتهاج سياسة تركز على المشتركات الكثيرة، وفرص التعاون الواسعة في جميع المجالات، ويتطلع إلى تحقيقها في المحادثات الجارية في بغداد، وخلال زيارته المقبلة إلى السعودية».
تزامن مع هذا الكلام الودي ترحيب القطاع الشبابي والرياضي بهدية المملكة إلى الأجيال العراقية، والمتمثلة ببناء مدينة رياضية متكاملة، قال حولها وكيل وزير الشباب عصام الديوان، إنه سيكون لها أثر كبير في إحداث نقلة كبيرة، ليس لكرة القدم العراقية فحسب؛ بل على مستوى الشباب والرياضة بشكل عام. كما أن المدينة ستشمل مواقع تُظهر الإرث العراقي والسعودي المشترَك على مدى العقود الماضية.
هذا الحرص الطيب من جانب المملكة زاد من حنين العراقيين إلى طبيعتهم وجذورهم، عروبيين حريصين على سيادة وطنهم، يميزون بين الطامع بهم والقابض على إرادتهم. كما أن إضفاء ملمح ثقافي للإطلالة على العراق شكَّل نوعاً من توق السعودية إلى العراق الشعر والرواية والبحوث والفنون مسرحاً ورسماً. وهذا ما عكستْه لفتة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة، أحد أعضاء الوفد، والذي استحضر من مخزون الذاكرة أهمية شارع المتنبي في الحياة الثقافية العراقية، والعربية عموماً، فقام بجولة في الشارع العابق.
وكان قد حدث تعزيز نوعي لهذا التوجه من جانب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، عندما ارتأى في ضوء زيارة قام بها إلى بغداد الرئيس الإيراني حسن روحاني دامت ثلاثة أيام، وانتهت الأربعاء 13 مارس (آذار) 2018، القول في بيان صدر عن مكتبه، إنه يرحب «بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه، وفقاً لمصالح الطرفين، وعلى أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها». وزيادة في التوضيح – بحيث لا يكون كلام السيستاني من العموميات – أضاف أن «أهم التحديات التي يواجهها العراق في هذه المرحلة هي مكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة، وحصْر السلاح بين الدولة وأجهزتها الأمنية، وضرورة أن تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والاعتدال، لتُجنب شعوبها مزيداً من المآسي والأضرار».
وأن يقول السيستاني ما قاله فإنه يكتسب أهمية مضافة، كونه ارتبط بزيارة الرئيس روحاني التي اتسمت بالأصول ومراعاة الخصوصية العراقية، خلاف زيارات الجنرال قاسم سليماني الذي كان يزور عراقه، بينما السيستاني يريد أن تكون الزيارة التي تحترم السيادة والخصوصية. كما يكتسب كلام السيستاني أهمية، كون عملية تصفير صادرات النفط الإيراني كانت قد وصلت إلى الخط الأحمر، بسبب حرمان الخزينة منذ عام 2017 من عشرة مليارات دولار.
هذه الأجواء عموماً ومعها الانتفاضة، ثم تداعيات «كورونا» معيشياً وصحياً واقتصادياً، جعلت لا بد من حكومة تترجم معاني الصحوة التي بدأت، وما بعد هذه الصحوة. ومن هنا استقر التوافق بعد طول خيارات مرفوضة، على مصطفى الكاظمي لتشكيل حكومة عراقية قلباً وعروبية قالباً. وللحديث حول هذه الصحوة بقية.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 بعد رصْد 10 ملايين دولار لمعلوماتٍ عن الشيخ كوثراني المكافآت الأميركية على رأس قادة “حزب الله”: كيف تؤثّر في التنظيم؟
ايليا ج. مغناير
الراي الكويتية

تضع الولايات المتحدة مكافآت مالية لمَن يساعد في إلقاء القبض على قياديي “حزب الله” أو الكشْف عن نشاطاتهم. وتراوح قيمة هذه المكافآت بين خمسة وعشرة ملايين دولار، إلا أنه لم يتسنّ لأي شخص الحصول على دولار واحد منذ العام 1985، تاريخ الإعلان الرسمي عن إنطلاق “حزب الله” العلني. فكيف يتأثّ ر التنظيم وقادته بالإعلانات الأميركية المُغْرِية؟ مما لا شك فيه أن “محور المقاومة” في لبنان يتواجد خارج المنظومة الأميركية.
فلا توجد لديه أملاك خارج لبنان ولا حسابات مصرفية في أي مصرف مدني داخل البلاد وخارجها وخصوصاً في دول الغرب. ولا تتواجد عائلات القادة في بلاد الغرب ولا أبناؤهم ليكون هؤلاء ورقة ضغط عليهم. وتالياً فإن قرار وضْعهم على لائحة الإرهاب ومصادرة أموالهم – غير الموجودة – ما هو في رأي مصادر “المحور” إلا خطوة إستعراضية تريد منها أميركا إبراز نفسها كشرطيّ العالم، هي التي تعتقد أن إعلان أسماء قادة “حزب الله” من الممكن أن يُعْطي دفعاً لحلفاء أميركا في لبنان، فهؤلاء أضعف من أن يجابهوا “حزب الله”. ومن المفروض أن العقوبات الأميركية غير نافذة في أي دولة ذات سيادة مثل لبنان وسورية والعراق.
ويأخذنا هذا إلى العراق حين دَخَلَ مبعوث الرئيس الأميركي لمكافحة “داعش” السفير برت ماكغورك على وزير الأمن القومي فالح الفياض في مكتبه في بغداد لمساءلته بعدما بَلَغَهُ أنه إستقبل الشيخ محمد كوثراني – الموضوع على لائحة الإرهاب الأميركية وحددت واشنطن مكافأة بـ 10 ملايين دولار لمن يساعد بالكشف عن نشاطاته – فأجابه الفياض: “ليس من المسموح لك التدخل بالشؤون العراقية الداخلية ولا بما يفعله مواطن عراقي. الشيخ هو مواطن عراقي ولا سلطة لأميركا علينا بمَن نستقبل مِن عدمه”.
وتقول المصادر في “محور المقاومة” إن “الشيخ محمد كوثراني لم يكن يوماً قائداً عسكرياً بل جزءاً من المكتب السياسي (في حزب الله). وبحكم دراسته وتَواجُد والده العالِم الفقيه في النجف الأشرف لسنوات مع عائلته، فقد وُلد وترعرع الشيخ محمد في المدينة وتزوّج من سيدة عراقية وأتقن اللغة وكذلك العقلية العراقية ما جعله الأنجح في إدارة الملف العراقي والتواصل مع القادة العراقيين. وما مهّد له الطريق إلى ذلك، أنه أمضى مدة من الزمن في سجون صدام حسين وكان رفيقاً لصيقاً للسيد عباس الموسوي، الأمين العام لـ “حزب الله” الذي إغتالته إسرائيل العام 1992. وإستطاع نسج علاقات وثيقة مع القادة العراقيين لتواجدهم في لبنان كلاجئين أيام سلطة صدام حسين”.
ليس للشيخ كوثراني أعداء بين القادة العراقيين لأن طريقته بالتعامل معهم بعيدة عن الفوقية أو فرْض أجندته أو الشروط عليهم. بل كان عمله جمْع شملهم، وهي مهمة من أصعب الأهداف، وخصوصاً بين الأحزاب الشيعية العراقية. وتتابع المصادر ان “أميركا تعلم أن الشيخ كوثراني لا يعمل ضمن الجهاز الأمني – العسكري لحزب الله بل هو مُساعِد الأمين العام السيد حسن نصرالله لشؤون العراق بحُكم أن الأخير قائد “محور المقاومة” ويتمتّع بعلاقات جيدة مع الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين ودول عدة. وبالتالي فإن أميركا أرادتْ من قرار محاولة عرْقلة عودة الشيخ كوثراني إلى العراق منْعَ التضامن الشيعي العراقي وخصوصاً بعدما ساهم الشيخ كوثراني في لمّ الشمل وإفهام القادة العراقيين أن الأحزاب الشيعية لن ترضى برئيس وزراء لا توافق عليه، وبالتالي فإن العراق في خطر داخلي على الشيعة والسنة والأكراد. وهذا ما أنْتج اختيار مصطفى الكاظمي الذي طرحتْه الأحزاب الشيعية بدايةً وفضّلتْه على مرشح واشنطن عادل الزرفي”.
وتؤكد المصادر أن “الشيخ كوثراني تمتّع بعلاقات مع السياسيين العراقيين أفضل من أي قائد أو شخصية عراقية أو غير عراقية. وهذا ما سمح له بالعمل لخدمة العراق، والمكافآت المالية لن تمنعه من السفر إلى العراق حين يرغب في ذلك”. أما المكافآت المالية الأميركية فهي، بحسب المصادر نفسها، توجِد جواً إيجابياً لكل مسؤول من “حزب الله” كلما إرتفعت المبالغ المعروضة على رأسه “لأن هذا من شأنه تعزيز وضعه الإجتماعي في لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن وفلسطين حيث يُنظر للمعاقَب بظرة إهتمام وإكبار لإزعاجه أميركا، فتزداد حقوقه (المستحقات المالية) وتُصرف له ميزانيات إضافية وحرس وأمنيون وسيارات متعددة يبدّلها بإستمرار وأكثر من منزل ينام فيه مع أخْذ الإحتياط بوجود مصعد كهربائي يصل إلى الموقف تحت الأرض لحجْب أوقات وصوله ومغادرته وحركته. وتُسَبِّب المكافأة الأميركية نوعاً من الغيرة لدى مسؤولي “حزب الله” الذين يتمنون الحصول على نفس “الوسام” الأميركي وملايين أكثر كمكافأة على رأسهم ليتمتعوا بمكانة أرفع في المجتمع”.
وتضيف: “تصبح الملفات أو الملف الذي يتعاطى به المسؤول الموجود على اللائحة الأميركية أكثر حساسية وتعطي له صلاحيات إضافية وتزداد صدقيته لدى القادة والحلفاء خصوصاً ليتباهى كل حليف بمعرفته أو أخذ الصور إلى جانبه. ويصبح المسؤول أكثر تأثيراً في جلساته ولقاءاته”. وتتابع: “كلما زاد المبلغ، زادَ شأن المسؤول عن المسؤولين الآخَرين حتى ولو لم تفعل هذه المكافآت فعلها طوال 35 عاماً من تواجد حزب الله. فقد وضعت أميركا الحاج عماد مغنية على لائحتها لمدة 25 عاماً حتى وصل إلى مستوى القائد العسكري العام ونائب الأمين العام المساعد للمجلس الجهادي.
وهذا دليل أن مكافآت أميركا تعطي موقعية رفيعة للمطلوبين الذين لم تتأثر أعمالهم إلا إيجاباً عليهم بعد المكافآت أكثر منه قبْلها”. أما بحال إستهدفت أميركا “المطلوب” لديها، فيصبح الرد، وفق المصادر في “محور المقاومة” أكثر تزلْزلاً “لأن هؤلاء أوصلتْهم أميركا إلى درجة من الشأنية بأن يصبح إستهدافهم ضمن معادلة جديدة للردع. وبالتالي فإن رب ضارة نافعة”.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 في مئوية ثورة العشرين العراقية ماذا عن دور الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم ومعركة الرارنجية ودور عشائر الشامية؟
محمد عبدالرحمن عريف

العرب اليوم
اعتبر يوم 30 حزيران عام 1920 هو التاريخ الحقيقي لقيام ثورة العشرين. تلك الثورة التي انطلقت من مدينة الرميثة, عندما امر القائد العسكري لمدينة الديوانية نائبه في الرميثة بإلقاء القبض على الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم وقد استدعى ذلك القائد الشيخ شعلان طالبًا منه القدوم للتباحث في بعض الأمور التي تخص مدينة الرميثة ولما وصل الشيخ إلى المركز تم اعتقاله. وعندما عرفت عشيرته أنه اعتقل انتفضت وقامت بقطع خطوط سكة الحديد لمنع مرور القوات البريطانية شمالًا وجنوبًا, وبعدها عمّت شرارة الثورة كل مدن الفرات الأوسط ومنها مدينة الشامية. حيث كانت توجد فيها حامية بريطانية بقيادة ضابط انجليزي اسمه الكابتن (مين). وكان هذا الضابط يمارس سلطاته باعتباره الحاكم العسكري للمدينة.
معركة السوير
رغم سقوط السماوة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر1920 إلا أن عشائر بني حجيم ظلت صامدة بقيادة شعلان أبو الجون وغثيث الحرجان وبقية رؤساء العشائر الأبطال حاول القائد الانجليزي الجنرال كوتنغهام حل القضية بالمفاوضات وطالت المفاوضات وكانت شروط بني حجيم بقيادة شعلان ابو الجون هي أن تكون لهم حكومة عربية مستقلة. وأن لا يطالب عرب قبائل بنى جحيم بكل شيء خسرته الحكومة الانجليزية اثناء الحرب.كذلك لا تؤدي القبائل شيئًا من الضرائب لعام 1920، وأن يأخذوا على عهدتهم محافظة السكك الحديد التي تمر في اراضيهم. وأن يتعهدوا بتوطيد وحماية السلم في جميع مناطقهم، يسلموا للحكومة البريطانية (2400) بندقية (وإن لم يسلموا شيئًا).
في البداية لم يستجب الجنرال كوتغهام لهذه الشروط واراد أن يسحق مقاومة بني جحيم الذين اثاروا الثورة ومازالوا يقاتلون وببسالة. اختار الثوار رجلًا منهم معروفًا بالشجاعة ورباطه الجاش اسمه (برجس الجياد) وهو اختار بدوره سبعين رجلًا انتقاهم من مختلف العشائر اعتمادًا على شجاعتهم وبراعتهم في اصابة الهدف وتوجه بهم إلى نهر جاف بالقرب من جسر السوير فكمنوا فيه ليراقبوا منه حركات الانجليز، وطلب برجس من جماعتة عدم اطلاق النار إلا عندما يأمرهم بذلك.
تقدمت القوات البريطانية إلى مقربة منهم جدًا وامرهم برجس باطلاق النار فبوغتت القوات الانجليزية بهذه النيران الشديدة التي لم تكن تتوقعها وساد الاضطراب الشديد ثم جاءت العشائر وانظمت إلى جماعة برجس الجياد فوقعت معركة تعد من أكبر معارك الثورة وهي التي عرفت بـ(معركة السوير).
على اثر هذه المعركة وافق القائد الانجليزي الجنرال كونتغهام على شروط الثوار الستة المذكورة في اعلاه، هكذا انتهت ثورة 1920 من الناحية العسكرية ولكنها اجبرت بريطانيا على تغيير سياستها.
بعد أن علمت عشائر الشامية بانطلاق الثورة توجه وفد من هذه العشائر لمقابلة الكابتن مين وضم الوفد رؤساء تلك العشائر التي لها ثقل في المدينة وهي عشائر الحميدات والعوابد والخزاعل وهم كل من الشيخ رايح العطية والشيخ عواد المرزوك والشيخ سلمان العبطان, وقد طلب الوفد من الحاكم البريطاني أن يغادر الشامية وإلا فإنهم غير مسؤولين عن حياته وحياة افراد قوته التي كانت قد اتخذت معسكرًا لها داخل المدينة. وقد طلب الكابتن مين مهلة ثلاثة أيام لمشاورة قيادته في حامية أبي صخير.
خلال تلك المدة كان رجال العشائر يجوبون المدينة وهم يحملون السلاح بصورة علنية في اشارة واضحة للجنود الانجليز وفعلًا وقبل انقضاء المهلة الممنوحة لهم غادرت الوحدة البريطانية الشامية متوجهة نحو أبي صخير حيث عمّت الأفراح المدينة لهذا الانتصار. وقد شكلت العشائر مجلسًا لإدارة المدينة رأسه الشيخ رايح العطية شيخ عشيرة الحميدات وضم المجلس رؤساء عشائر العوابد مرزوك العواد والشيخ سلمان العبطان شيخ عشيرة الخزاعل وشيخ عشيرة آل فتلة صكبان العبادي. ثم جاءت الاخبار إلى الشامية وهي تفيد بانطلاق ثورة مسلحة شعبية لطرد الانجليز من عموم العراق واقامة حكومة وطنية. وعلى الفور تم تسليح ابناء العشائر والاستعداد للتوجه إلى أبي صخير وطرد الحامية الإنجليزية منها. وكان مكان تجمع العشائر المفترض في مضيف الشيخ رايح العطية في منطقة الخشانية جنوب الشامية وفي نفس اليوم جاءت الطائرات البريطانية وقصفت مدينة الشامية وقد قتل واصيب العشرات جرّاء هذا القصف وعلى هذا الأساس اقترح الشيخ مرزوك العواد شيخ عشيرة العوابد بأن يكون مكان التجمع في مضيفه شرق مدينة الشامية وهو اقرب إلى مدينة ابو صخير.
فعلا تجمعت العشائر وانطلقوا في يوم 15 تموز/ يوليو نحو ابي صخير وحاصروا الحامية التي تقع على نهر الفرات وبعد مفاوضات سمح لهم بالمغادرة على البارجة الحربية المسماة (نور فلاي) التي اخذت تقصف العشائر على طول طريقها وهي تنسحب وعلى جانبي النهر وقد لاحقها الثوار إلى الكوفة واغرقوها في النهر بعد أن استولوا على احد المدافع من القوات الانجليزية حيث قاموا بعمل ابرة له واصلحوه واغرقوا تلك السفين الحربية به.
هناك قرروا تغيير وجهتهم والذهاب نحو الرارنجية حيث يتواجد هناك معسكر كبير للقوات الانجليزية يضم المئات من القوميات من (سيخ وكركه وانجليز) ولما علمت القيادة البريطانية في الحلة بهذه القوات وهي تتجه إلى الرارنجية ارسلت تعزيزات من النخبة من قواتها متمثلة برتل (مانشستر) لمساعدة قواتها المتمركزة في الرارنجية. وعندما حلّ المساء بدأت المعركة بين قوات العشائر وهم يتسلحون باسلحة بسيطة وبين القوات البريطانية ذات التسليح الجيد ودارت بين الطرفين معركة كبيرة استبسل فيها رجال العشائر وكبدوا الانجليز خسائر كبيرة. واستعملوا (حيلة) رائعة اسهمت في كسب المعركة وتتمثل تلك الحيلة بأن قامت العشائر بجلب بعض الحيوانات (الحمير) وحملوها بكميات كبيرة من الحطب ووجوهها نحو الجنود واشعلوا النار فيها ولما وصلت بالقرب من القطعات البريطانية ارتبك هؤلاء الجنود وقد استغل رجال العشائر هذا الارتباك في صفوف الجنود وهجموا عليهم واوقعوا فيهم خسائر كبيرة وقد غنموا الكثير من الاسلحة والمعدات من القوات البريطانية التي انسحبت نحو مدينة الحلة.
يبقى للشيخ شعلان بن عناد أبو الجون والذي يُكنى “شعلان الشهد” هو رئيس عشيرة الظوالم إحدى عشائر مدينة الرميثة جنوب العراق، أنه بسببه انطلقت أول رصاصات ثورة العشرين بعد أن حاول معاون الحاكم السياسي الإنجليزي لبلدة الرميثة (هبات) الزج به في السجن عقاباً لهُ على تحريضهِ الناس على الأستقلال وأعلان الثورة ضد الأنجليز. ويبقى أنه تقلد بعض المناصب والأعمال السياسية في حكومة العراق بعد ثورة العشرين، حيث انتخب شعلان نائبًا عن لواء الديوانية عام 1930، ولغاية عام 1932، وجدد انتخابهُ في شهر شباط/ فبراير 1937، وكان رئيس عشيرة البدير في عفك وآلت الرئاسة إلى إبنه عبد الأمير شعلان الذي انتخب نائبًا عن لواء الديوانية في عام 1943 ثم عام 1947. وجاءت وفاته توفي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1941.