ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 عندما يعجز الصحافيون عن الحصول على المعلومات يكتفون بتبادلها
كرم نعمة
العرب
ليس الصحافيون وحدهم من يعيشون الحيرة المتصاعدة والمستمرة من دون أن يعرف العالم سيناريو نهاية محتملة، لكن حيرة الصحافيين تصبح مضاعفة عندما ينتظر منهم الجمهور معلومة باعتبارهم المصدر الموثوق أكثر من الحكومات.
هنا تكمن مهمة الصحافيين في عالم تم فيه التعامل مع الحقائق على أنها اختيارية، الصحافيون وجدوا أنفسهم فجأة كأي طرف آخر في معادلة تبادل المعلومات بين الأطراف المختلفة، بعد أن كانوا يتحينون الفرص للحصول عليها. تلك معادلة جديدة تعيشها الصحافة في زمن ليس عادلا بحقها عندما تتراجع فرص الصحافيين بالحصول على الأخبار، ويكتفون بتبادلها.
الصحافي ليس كأي مُستقبل للمعلومة من المرسل، بل يتحتم عليه الحصول على المعلومة وإعادة صناعتها وفق تعريف اللورد نورثكليف مؤسس صحيفة ديلي ميل قبل قرن تقريبا، حين اعتبر أن الأخبار معلومات يريد أحدهم منع الناس من معرفتها، وما تبقى هو مجرد إعلانات.
في الماضي غير البعيد، كانت وسائل الإعلام موجودة للدفاع عن جمهورها، كما بيّنت بيت هاميل في كتابها “الأخبار فعل”، ومع ذلك لم يتغير التعريف الكلاسيكي للأخبار وبقي كما هو، فيما تراجع تأثيرها. اليوم انتشار الوباء بشكل عشوائي وتغيير طبيعة انسيابية العالم أعادا الأهمية للأخبار بالنسبة إلى الجمهور، لكن لسوء حظ الصحافة مرة أخرى، أن الصحافيين في زمن كورونا عاجزون عن الحصول عليها وهم يتشبثون بأجهزتهم مثل أي متابع آخر!
لقد اعتدنا على التفكير في المستقبل بشأن ما قد يتغير بعد ترويض الوباء، لذلك تطالبنا إميلي بيل مديرة مركز الصحافة الرقمية في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، باستبدال ما أسمته العلاقة الصامتة التي أوجدها فايروس كورونا بين وسائل الإعلام والحكومات، وإنقاذها من “مسرح البانتوميم” عبر جرعة أكبر من الكلام الواقعي.
هذا يعني أن الصحافة تعيش أصعب الاختبارات في تاريخها وهي تربض مثل كل الناس في الحجر المنزلي، كيف يمكنها حث السياسيين على التخطيط لمواجهة الكوارث التي لم تأت، بعد أن تأخرت في استيعاب خطورة انتشار الوباء على الحياة برمتها؟
ثمة الكثير مما يضمره المستقبل للعالم، ويجب على الصحافة أن تكون أول من ينتبه له، فهل بمقدورها أن تعيد الأنظار إليها من جديد؟ ذلك هو الاختبار.
وبطبيعة الحال أن غالبية الحكومات، حتى الديمقراطية منها، تستغل فرصة الوباء لانتزاع سلطات استثنائية من وسائل الإعلام، وهي في ذلك لا تستهدف الأخبار المزيفة بقدر ما تعصف بأي نقد حيال الرعاية الصحية ونقص المستلزمات الضرورية في المستشفيات. بل إن فرصة الحكومات مواتية اليوم لخنق حرية التعبير وحصر المعلومات بيدها وجعل الصحافة تدور منصاعة في فلكها.
الأمر الذي يدفع كاس مود، الكاتب في صحيفة الغارديان وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجيا، إلى التحذير من التضحية بحرية الرأي حتى في وقت المعركة الشرسة مع وباء كورونا. لأن هذه الحرية “هي أول الضحايا في أوقات الأزمات”.
ويدعونا مود، الذي صدر له مؤخرا كتاب “اليمين المتطرف اليوم”، إلى ألا ندع حرية التعبير تسقط ضحية لفايروس كورونا. نحن بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى. فالأخبار قيّمة ومن المناسب توقّع أن يتم تقييمها، وفق تعبير ديفيد تشافيرن الرئيس التنفيذي لتحالف شبكات إخبارية في الولايات المتحدة.
ويكتب مود “بما أن دونالد ترامب أضفى شعبية على مصطلح الأخبار الكاذبة، فلا ينبغي أن يكون من المستغرب أن يتبنى الشعبويون في السلطة، بحماس، المعركة ضد الأخبار المزيفة. والآن منحهم فايروس كورونا فرصة لتكثيف تلك المعركة من خلال تمرير قوانين صارمة جديدة، بزعم منع الأخبار المزيفة من زيادة تفاقم الأزمة”.
ويحذر من أن هذا الأمر لا يقل خطورة عن أزمة كورونا نفسها في الديمقراطيات الكبرى، فكيف يبدو الحال في الدول المقيدة بالحكومات الفاسدة وتعيش شعوبها تحت وطأة انتشار الفايروس وانهيار الأنظمة الصحية وتراجع الصحافة فيها.
هذا الأسبوع أوقف ترخيص عمل وكالة رويترز في العراق، على خلفية نشرها خبرًا اتهمت فيه سلطات البلاد بإخفاء الأرقام الحقيقية لمصابي فايروس كورونا.
ونشرت الوكالة خبرًا عن مسؤولين عراقيين، قالت فيه إن هناك آلاف الحالات المصابة بكورونا في العراق، وأن الحكومة أخفت الأعداد وطلبت من الكوادر الطبية عدم التحدث مع الإعلام حولها. لكن الحكومة نفسها التي تشن معركتها على الصحافة عاجزة عن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بانتشار الوباء.
وقبلها نشبت أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وروسيا لمجرد أن صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية شككت في أهمية المساعدة الروسية لإيطاليا بشأن تقديم معدات طبية تعالج فايروس كورونا.
وفي كل الذي يحدث أن الحكومات تريد منع الصحافة من كتابة مسودة التاريخ بشأن كورونا، وتجعلها مجرد ناقل لما تود إعلانه للناس وللأجيال المقبلة.
ضرر الوباء لا يقتصر على فئة دون غيرها في العالم، والصحافة تدرك أنها صوت هذا العالم، وتعيش الضرر نفسه، لكنها لا تقبل وفق جوهرها أن تكون متواطئة ومنصاعة لرغبة الحكومات بإخفاء حقائق ما يجري، في وقت عليها أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية بدعم السلطات بأقصى قدر من أجل إنقاذ الناس. في المقابل فإن التجربة الطويلة علمت الصحافة أن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما، بل تعمل من أجل أن تتمكن من فرض سيطرتها ومنع الصحافة من الحصول على المعلومات التي ينتظرها الناس.
ما أريد قوله هو أن المعلومات التي تتوفر لدينا عن أنفسنا كأفراد وجماعات وحشود وعوام عندما تترك للحكومات وحدها من دون أن تمر على مجهر صحافة مخلصة لقيمها، يجري استخدامها بوعي وعن قصد من جانب خبراء توظفهم كل حكومات العالم تقريبا -حسب تأكيد حكيمة الأفكار الروائية الراحلة دوريس ليسنغ- لإدارة رعاياها بمكر ودهاء.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 حين يجتمع الارهاب والفساد على مائدة واحدة
فاروق يوسف
العرب
هناك شقان ظاهران للأزمة العراقية هما الارهاب والفساد. وإذا أمعنا النظر في الظاهرتين سنكتشف أنهما يصدران عن الجهة نفسها فهما في النهاية الشيء نفسه لكن لكل واحدة منهما تقنيتها الخاصة.
الارهاب يحمي الفساد حين يشكل غطاء له وفي المقابل فإن الفساد هو ما يمول الارهاب بأسبابه وعدته ويمهد له.
عمليا فإن الميليشيات التي هي تنظيمات غير قانونية ولا تعترف بسيادة أية حكومة عليها بل إنها لا تخفي ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني كانت قد تحولت إلى تنظيمات سياسية وفاز مرشحوها بمقاعد في مجلس النواب فصارت تتحدث بلغة سياسية بالرغم من أنها لا تزال ممسكة بسلاحها.
بسبب ذلك التحول المظهري صار الارهابيون وهم زعماء الميليشيات يحملون جوازات سفر دبلوماسية. ولديهم حصانة برلمانية. وهم يمثلون السلطة التشريعية.
وإذا ما عرفنا أن الجزء الأكبر من عمليات الفساد انما يجري تحت قبة البرلمان فإن ذلك يعني أن الارهابيين انتقلوا بحكم مقاعدهم النيابية إلى مرحلة إدارة عمليات الفساد من خلال استعمال الوسائل الناعمة.
والغريب في الأمر أن القانون العراقي لم يقل كلمته في ما يتعلق بالازدواجية التي تنطوي عليها تلك الظاهرة. فقادة الكتل النيابية هم في الوقت نفسه زعماء ميليشيات. لا فرق بين العمل السياسي والعمل الميليشاوي.
والغريب أكثر أن الخارجين على القانون هم من أنيطت بهم مهمة سن القوانين.
إنها معادلة لا تستقيم مع فكرة بناء الدولة فكيف بها وقد فرضت نفسها بقوة الديمقراطية التي صارت صناديق الاقتراع هي المناسبة الوحيدة التي يتم من خلالها الاعلان عنها؟
الخارجون على القانون إذاُ موجودون في مجلس النواب لأنهم يمثلون اصوات من أنتخبوهم. وهم بسبب صفتهم التمثيلية تلك يملكون القدرة على سن القوانين بما ينسجم مع مصالحهم.
بذلك تكون السلطة التشريعية قد استسلمت للإرهاب.
العراق بلد فريد من نوعه في ذلك المجال. فلو كانت المافيا قد استولت على السلطة التشريعية في ايطاليا لما بقي شيء من ايطاليا.
المشهد السياسي العراقي كئيب إلى درجة تدعو إلى الأسى.
فبالرغم من أن اخراج ذلك المشهد قد استند إلى سيناريو اللعبة الديمقراطية غير أن ذلك لم يكن متقنا بطريقة مخاتلة. فمبدأ انفصال واستقلالية السلطات الثلاث ليس له وجود على أرض الواقع.
فالأحزاب التي مارست عمليات فسادها كانت ولا تزال تستمد قوتها من سيطرتها على السلطات الثلاث الضعيفة أو المستضعفة.
إذا وضعنا السلطة القضائية جانبا بسبب تسييسها فإن رئيس السلطة التنفيذية الذي هو رئيس الحكومة لا يمكن أن يحل في منصبه ما لم تتفق على ذلك الاجراء الأحزاب التي تملك القدرة في مجلس النواب على تثبيته في منصبه أو طرده من خلال عدم حصوله على الثقة.
الارهابيون الذين هم زعماء الأحزاب يملكون الحق القانوني في اختيار الحكومة التي تناسبهم. لذلك فإن تلك الحكومة لن تكون سوى واجهة تغطي على عمليات الفساد.
دائرة شيطانية ليس من اليسير اختراقها. فعلى أساس حلقاتها المتلاحقة بني نظام المحاصصة الطائفي والعرقي في العراق. ذلك النظام الذي اعتبرته سلطة الاحتلال الأميركي قدرا عراقيا لا مفر منه.
ستكون المطالبة بتغيير ذلك النظام انقلابا على الديمقراطية. وهنا تكمن المزحة الرثة التي فرضها الأميركيون وورطوا أنفسهم فيها.
منذ سنة 2006 وهي السنة التي تولى فيها نوري المالكي الحكم تمت مأسسة الميليشيات وفي الوقت نفسه بدأ العمل على ارساء قواعد الدولة السرية التي تقوم بنهب المال العام في ظل اصدار قوانين لا تزال سارية حتى اليوم.
لذلك يمكن النظر إلى ما يجري اليوم باعتباره ثمرة طبيعية لعملية ديمقراطية جردت الشعب العراقي من ثرواته وأفقرته بل أنها أثقلت العراق بمدينوية لن تُسد قبل خمسين سنة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 بغداد.. بحاجة لأمثال النَّاصر لدين الله
رشيد الخيون العرب
بدأت الدولة العباسية بالانهيار، بعد هيمنة الغلمان التُّرك ومسلحيهم على الخلفاء، حتى قيل: «خليفةٌ مقتسم/بين وصيف وبغا/ يقول ما قيل له/ كما تقول الببغا» (الصَّابئ، تحفة الأُمراء)، ثم تمكنت ميليشيات تشكلت ببلاد فارس وما وراءها، نمت عنها سلطنات قاهرة كالبويهية والسلجوقية، ولم يبق للخليفة سوى الدعاء والخطبة، فكثرت الحروب الداخلية، وتعاظمت الطَّائفية، بين بويهيين ديالمة وسلاجقة أتراك.
قضى السَّلاجقة على البويهيين، وتعاظم أمرهم، حتى فتحوا مدرسة «النَّظامية»، وكانت مغلقة للشافعية (الأسنوي طبقات الشّافعية)، قيل في مدرس اضطر لتبديل مذهبه، كي يعمل فيها: «وما اخترت رأي الشَّافعي ديانةً/ ولكنْ لأن تهوى الذي منه حاصلُ»(نفسه)، أما البويهيون فانشغلوا بالحروب مع إمارة البطائح والحمدانيين والفاطميين، وكان المتحاربون شيعةً كافة.
ظلت الدولة العباسية اسماً بلا محتوى، وصل حالها إلى أن زعيم الميليشيا البويهي سحب الخليفة على الأرض، أمام الشريف الرَّضي (ت406هـ)، فامتعض الأخير مِن السعي إلى الخلافة، قائلاً: «أمسيت أرحم مَن قد كنت أغبطه/لقد تقارب بين العزِّ والهونِ»(أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر)، كلُ جماعةٍ تُريد السيطرة لا بد أن تكون وجهتها بغداد، فإذا هيمنت عليها هيمنت على أمصار الخلافة كافة، وهذا ما كان للبويهيين والسلجوقيين.
إنها تجارب تتكرر بأشكال مختلفة، قوى تمتد فلولها مِن الخارج إلى بغداد، ولكلٍّ منها عنوانه وشعاره، والطَّائفية العتاد، وما للخليفة غير الراتب والدعاء والخُطبة، وهنا لا نستغرب ما آل إليه واقع الحال ببغداد اليوم، أن أصغر قائد ميليشيا أقوى مِن رئيس وزراء، وأن قائد ميليشيا يُهدد صاحب أعلى مركز في الدَّولة، والحال كان في السابق قائماً، حتى جاء الخليفة النَّاصر لدين الله (ت622هـ)، فقمع آخر فلول السَّلاجقة بالشَّرق.
بدأت الخلافة العباسية، منذ عهد المستنجد بالله (اغتيل 566هـ) تستعيد قوتها، ودخلت بحروب مع ميليشيات السَّلاجقة، خصوصاً بعد انهيار الدَّولة الفاطمية بمصر(334-567هـ)، إلى أن تمكن النَّاصر لدين الله بالقضاء التَّام على السلاجقة، فأعاد للدولة هيبتها، وكان يجول بين الأحياء لبسط الأمن، وقمع الخارجين، وقلل المكوس والضرائب، وظهر كأنه أسّس الدَّولة مِن جديد، استفاد مِن فترة حكمه الطويلة (575-622هـ)، فلم يزل «مدة حياته في عزٍّ وجلالة، وقمع الأعداء، والاستظهار على الملوك، لم يجد ضيماً، ولا خرج عليه خارج إلا قمعه، ولا مخالف إلا دمغه، وكان شديد الاهتمام بالمُلك ومصالحه، لا يكاد يخفى عليه شيء، مِن أمور رعيته كبارهم وصغارهم» (الصَّفدي، نَكت الهميان في نُكت العميان)، فقد النَّاصر البصر في أواخر حياته، لذا عده صلاح الدِّين الصَّفدي(ت764هج) ضمن ما عد مِن أعلام العميان.
بعد وفاة النَّاصر، جاء ولده الظَّاهر بأمر الله (ت623هـ)، فوسع ما شيده والده، وقلل مِن الشَّدة بعد استقامة الأمور، وقمع الخارجين، ولأن فترة والده قد طالت، استفحلت مِن جديد قوى مِن داخل السُّلطة، فلما أتى خاطبهم: «انتهزتم فرصاً مختلسة، مِن براثن (مخالب) ليث باسل، وأنياب أسد مهيب، تتفقون بألفاظٍ مختلفة على معنى، وأنتم أمناؤه وثقاته، فتميلون رأيه إلى هواكم، وتمزجون باطلكم بحقه، فيطيعكم وأنتم له عاصون»(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ).
كان الأغرب، على عصر بغداد اليوم، أن يتخذ النَّاصر الإمامية مذهباً (نفسه/ابن الطقطقي، الفخري) خاصاً وليس للدولة، ويتعاضد مع صلاح الدين الأيوبي (ت589هـ) الشَّافعي، ويُعيد الأخير مكانة الخليفة بمصر والشَّام، وإن اختلف المذهب، وعند أخذ القّدس من الإفرنج، يضع لوحاً على باب بيت المقدس (583هـ) يسند الانتصار للناصر بأمر الله! أما ما كتبه ابن الأثير (ت630هـ) ضد النَّاصر، فلا يؤخذ إلا مِن موقف خاصٍ به، لا يتفق مع مؤرخي ذلك العصر.
أقول بغداد بحاجة إلى قوة، كي يُعاد الاعتبار للدّولة المنهكة، مِن قِبل الميليشيات والفاسدين، ليس بالضرورة أن يكون النَّاصر، في عصرنا، شخصاً، ليكن برلماناً ورئاسات شديدة البأس على حملة السلاح، وأمينة على العراق وأهله، لا حكومة ضعيفة توزع الغنائم على أصحاب الميليشيات، بعذر أنها قوى سياسة، وهم يعلون وينزلون مِن يضمن مصالحهم مِن الوزراء ورؤسائهم.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 هل ستشنّ أميركا حرباً على العراق؟
ايليا ج. مغناير الراي الكويتية
تنظر الإدارة الأميركية للعراق كساحةٍ لمواجهة إيران بهدف إخضاعها للهيمنة الأميركية ومنْعها من تهريب نفطها عبر “بلاد الرافدين” وعرقلة بيع الغاز وإمداد جنوب العراق بالكهرباء لتثقل كاهلها بالعقوبات الإقتصادية. وقد سرّبت أميركا عبر إعلامها نيّتَها القيام بهجمات ضد “كتائب حزب الله العراق” لاعتقادها أن هذا التنظيم هو إمتداد لـ “حزب الله” اللبناني، وهي مقاربة خاطئة تماماً لإختلاف القيادة والأهداف والتعامل مع الحليف الإيراني.
إلا أن قراراتِ الإدارة الأميركية، التي تنوء تحت ثقل “فيروس كورونا” والوضع الإقتصادي الأسوأ الذي تعيشه ولم تشهد مثله منذ أعوام وأسباب أخرى، تمنعها من شنّ أي حربٍ مستقبلية وخصوصاً إذا كانت غير محسوبة النتائج. وثمة من يعتقد أن الولايات المتحدة تملك القوةَ العسكرية لشنّ أي حربٍ تريدها ضد أي دولة صغيرة أو متوسطة القدرة، إلا أنها لا تملك أبداً قرار وقْف الحرب حين تشاء وليس لديها أي تصوّر حقيقي لنتائج حروبها. فحرب أفغانستان والعراق وسورية أَصْدق الأدلة، إذا لم يجر التطرق إلى التاريخ القديم وإقتصر الأمر على إستحضار التاريخ المعاصر فقط.
وتالياً فإن شنّ حرب على العراق في 2020 لن يكون أبداً مماثلاً لما جرى في حرب 2003. وعلى الرغم من تمكُّن أميركا من احتلال العراق، فقد فشلت في تطويعه بسبب بروز المقاومة التي أخرجتها في العام 2011. وعند عودة أميركا – بطلب من الحكومة العراقية – العام 2014 للقضاء على “داعش”، كان الإتفاق على محاربة التنظيمات المتطرفة وعدم القيام بأي عملية عسكرية من دون إذن الحكومة المركزية في بغداد.
وقد خالفت واشنطن الإتفاق وهاجمت الجيش العراقي والشرطة الإتحادية والحشد الشعبي على الحدود العراقية -السورية لتقتل وتجرح 56 عنصراً. وسمحتْ لإسرائيل بمهاجمة قواعد القوات الأمنية العراقية بحسب ما أسّر السفير الأميركي في العراق لرئيس الحكومة في بغداد.
وتوَّجت أميركا أعمالها المُخالِفة للمعاهدة بإغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ليطلب منها البرلمان مغادرة العراق. وتقول مصادر في مركز القرار في بغداد إن “ديبلوماسياً بريطانياً رفيعاً قال لمسؤول عراقي كبير في بغداد إن أميركا تعتقد أن الحشد الشعبي يملك صواريخ دقيقة جداً من الممكن أن تطال أي دولة في المنطقة وهذا ما يُقْلِق أميركا ودول المنطقة”. وعلى الرغم من إنسحاب القوات الأميركية من 6 قواعد ومراكز عسكرية في العراق، إلا أن هناك تشكيكاً قوياً بجدية إنسحابها النهائي. وتعتقد مصادر المقاومة العراقية أن وجود أميركا هو للسيطرة على إيران ووضْع اليد على منابع النفط، وبالتالي فإن خروجَها لن يكون سهلاً حتى ولو وجدتْ أميركا أنها فشلت في العراق بعد 17 عاماً من إحتلالها ووجودها العسكري في بلاد الرافدين.
وفيما كانت أميركا تعتقد بعد إغتيال قاسم سليماني أن إسماعيل قاآني لن يستطيع أخْذ موقع سلفه، فإن محور المقاومة وبحسب مصادره لم يعتمد يوماً على شخص مهما كانت مكانته الرفيعة. لقد كان قاسم سليماني صاحب قرار ولكنه يتبع لمؤسسة الحرس الثوري – لواء القدس الذي يترأسه المرشد السيد على خامنئي. أما على الأرض، فقد تولى السيد حسن نصرالله، زعيم “حزب الله” اللبناني، ملء الفراغ الموقت لمتابعة شؤون الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، فنرى وجود حزب الله اللبناني على كافة هذه المحاور.
وقد برزت في العراق بياناتٌ أخرى لتنظيماتٍ أظهرتْ، بحسب دوائر مهتمة في الشأن العراقي، كفاءةً في الإعلان الحربي والتدريب والتجهيز وأسلوب العمل الذي دأب عليه “حزب الله” اللبناني، إلى درجة أن البيان الأخير “للمقاومة الإسلامية في العراق – أصحاب الكهف” أظهر “دعوة وشكراً للسنة العراقيين” على الإلتحاق بالمقاومة ضد القوات الأميركية. الدعوةُ “لتسليح وتدريب وتسليم أسلحة وكل ما يلزم للأخوان السنة”، أما الشكر فلمشاركتهم “بالمساعدة على ضرْب قافلة أميركية بالعبوات أثناء نقلها معدات حربية”.
أما السبب الآخَر لإستبعاد أي حرب أميركية فهو تفشي فيروس “كورونا” والقرار الذي اتخذه البنتاغون بوقف جميع التنقلات العسكرية بين القواعد وبين دول الإنتشار العسكري وأميركا، وتالياً فإن أي حرب ستكون مغامَرة خطرة جداً على الجيش الأميركي وخصوصاً أن أميركا إحتلت المرتبة الأولى لجهة عدد الإصابات وعدد الوفيات بـ “كوفيد – 19” ولن يخاطر الرئيس دونالد ترامب بضرْب جيشه بالفيروس الخفي. ومن هذه الأسباب أيضاً رفْض ترامب الهجوم على إيران في مناسبات عدة. فإيران أعلنت إنها ستدافع عن العراق – كما قال الأميرال علي شمخاني الأمين العام للأمن القومي – وبالتالي فإن أميركا لا تريد رؤية إيران داخل المعركة في العراق.
فقد أسقطت إيران أكثر الطائرات المسيّرة تطوراً وقصفت قاعدة عين الأسد الأميركية في أول هجوم ضد القوات الأميركية منذ بيرل هاربر أيام الحرب العالمية الثانية، وفضّلت أميركا عدم الرد. أما السبب الإضافي فيتمثل بعدم رغبة الرئيس ترامب بأن يخوض حرباً قبل أشهر من الإنتخابات الرئاسية ولا سيما ان الحرب غير محسوبة النتائج. وبالتالي فإن تسريب معلومات للإعلام الغربي مفادها أن البنتاغون أصدر أمراً لقادته بالتحضير لحرب في العراق يدخل ضمن الحرب النفسية ليس إلا. لقد خالفتْ أميركا الإتفاقَ مع العراق أكثر من مرة. وأخيراً أحضرت صواريخ “باتريوت” لحماية قواعدها داخل العراق وإعادة إنتشارها إلى قواعد أقلّ عرضة للهجمات. إلا أن الباتريوت أثبت عدم قدرته على صدّ الصواريخ في لبنان وفلسطين. وبالتالي فإنها تدابير دفاعية لن توقف القرار الذي يبدو أن التنظيمات العراقية قد اتخذته بقصف أميركا داخل قواعدها العراقية عند تدحْرج الأمور رويداً نحو المواجهة إذا لم تخرج من العراق. ومن هنا فإن أميركا لم تعد تملك وحدها قرار الحرب في بلاد الرافدين.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 عن بدايات السينما والموسيقى… في العراق وإيران وتركيا (1-2)
خليل علي حيدر
الجريدة الكويتية
كان العراق، وبخاصة بغداد العاصمة، من بوابات دخول بعض السلع الحديثة والآلات الموسيقية إلى الكويت وإلى الدول الخليجية، ويبدو أن أوروبا لم تكن المصدر الوحيد لكل ما كان يصل إلى أسواق العراق نفسها من مختلف السلع الحديثة، فالباحث د. خالد السعدون يؤكد في كتاب “شذرات بغدادية”، أن القنصلية الأميركية في بغداد كانت مطلع القرن العشرين “حريصة على الترويج للسلع الأميركية في أسواق بغداد”.
(ص113)
ويقول إن القنصلية كانت تتلقى الكثير من الاستفسارات من المنتجين الأميركيين عن إمكانية تسويق منتجاتهم، ولهذا حوت تقارير القنصلية الأميركية معلومات طريفة عن تطور الطلب على هذه السلع بعد أن كان محدوداً، وعن دخول سلع جديدة لم يكن لها سابق عهد في سوق بغداد.
كانت بغداد قد عرفت أول عرض سينمائي في يوليو 1909 كما يقول أحد الباحثين، ويقول د. السعدون إن بغداد عرفت أول عرض سينمائي، بموجب وثائق القنصلية قبل ذلك بعام، وذلك على يدي مواطن أميركي من أصل يوناني يدعى “ميشيل مانتريس” الذي وصل مع آلة العرض إلى بغداد في أكتوبر 1908، وبدأ منذئذ تقديم عروضه للجمهور، وقد اعتبر القنصل الأميركي نشاطه هذا مفيداً، “لأنه يؤدي إلى زيادة الاهتمام بالشأن الأميركي في هذه المنطقة التي كانت عمليا لا تعرف شيئا عن الولايات المتحدة ومنتجاتها”.
وقد فتحت خطوة الأميركي اليوناني “مانتريس” الطريق لوصول آلة عرض أخرى استوردتها شركة أجنبية عاملة في بغداد، وقد رد نائب القنصل الأميركي على أحد الاستفسارات في يونيو 1914 أن آلة العرض الوحيدة الموجودة في بغداد تملكها شركة “بلوكي وكري” Blockey, Cree and co، وأنها تعرض فيها الأفلام للجمهور كل ليلة، وأضاف القنصل أن مؤسسة “جوزيف عيسى وشركاه” طلبت مؤخرا آلتين أخريين من أوروبا، كان من المتوقع حينها وصولهما إلى بغداد خلال عدة أيام.
كانت إيران قد سبقت العراق في هذا المجال، وتقول موسوعة ويكيبيديا إن تاريخ السينما في إيران يرجع إلى عام 1900، يوم كان الشاه الإيراني “مظفر الدين شاه” في زيارة لإحدى الدول الأوروبية وأحضر معه أول آلة تصوير في البلاد، وفي عام 1904 افتتحت أول صالة عرض للسينما بإيران. وتضيف الموسوعة أن “بالاك” هي أول صالة سينمائية أحضر إليها الجهاز الناطق في إيران، و”تقع هذه الصالة في نهاية شارع إسطنبول بالقرب من تقاطع فردوسي في مركز العاصمة الإيرانية طهران، وكانت هذه الصالة تقع تحت فندق “بالاس” بالضبط، وبعد مدة أصبحت تدعى بسينما القصر، وبعدها سميت “سينما طهران”، واليوم أصبح ذلك المكان يدعى سوق الكويتيين”!
وتقول الموسوعة الإلكترونية إن تاريخ السينما التركية يرجع إلى تصوير حدث وقع في أياصوفيا عام 1914 وهو “انهيار النصب الروسي”، ويقال إن فن السينما في تركيا بدأ بتصوير زيارة السلطان محمد رشاد الخامس الى مناطق يونانية عام 1911، ولا تذكر الموسوعة في الموضع نفسه إنشاء أول دار عرض للسينما في تركيا، وربما كان افتتاح ذلك بعد تأسيس الجمهورية عام 1923، وإنتاج أول فيلم تركي باسم “نوري بابا” خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917. (موقع الجزيرة).
ومما يدل على المكانة المتميزة للسينما المصرية أنها سبقت هؤلاء جميعاً، إذ تقول المراجع إن أول عرض سينمائي في مصر- كما ذكرنا في مقال سابق 31/ 3/ 2016، كان يوم 5 نوفمبر 1896 في بورصة طوسون بالاسكندرية، ثم في القاهرة بعد أيام، وافتتحت دور العرض السينمائية الأولى خلال العام التالي في المدينتين.
(انظر “وقائع السينما المصرية” علي أبو شادي، القاهرة، 2004)
ونعود الى “شذرات” د. السعدون عن دخول السلع الترفيهية والموسيقية إلى العراق وبغداد ويقول:
“إن استقرار بعض الأوروبيين في بغداد فتح الطريق أمام استيراد بعض أدوات الموسيقى الغربية، فقد كتب القنصل الأميركي في بغداد في السادس عشر من آذار (مارس) 1912 مبينا وجود قرابة ثلاثين جهاز بيانو في بغداد بحوزة مقيمين أوروبيين، جميعها من منشأ إنكليزي أو ألماني، وذكر وجود وكالة تجارية لبيعها في بغداد، وأضاف أن بعض تلك الأجهزة التي سوقت كانت من منشأ أميركي، حيث جرى استيراد خمسة وعشرين جهازا من هناك سنة 1911، وبيع الجهاز الواحد منها بسعر تراوح بين ثلاثين وخمسين دولارا أميركيا، ولم يقتصر الطلب على تلك الأجهزة على سوق بغداد فقط، بل كان هناك طلب عليها في البصرة أيضا أدى إلى فتح مكتب لتسويقها هناك قبل خمس أو ست سنين. وذكر القنصل استيراد ما قيمته قرابة أربعة آلاف وأربعمئة دولار أميركي من أجهزة الحاكي والأسطوانات خلال سنة 1911، كانت حصة الولايات المتحدة منها ثلاثة آلاف دولار حيث وصلت مستورداتها عبر ميناء الإسكندرية، أما باقي المبلغ فقد توزع بين إنكلترا وألمانيا، واستطرد القنصل للقول إن أغلبية الطلب متوجه للأسطوانات المسجل عليها مختارات عربية وتركية”.
(ص115)
وتضمنت رسالة القنصل شكوى من تأثير الطقس الحار، وربما الشمس خلال الصيف على الأسطوانات، بما يؤدي إلى تميعها وخرابها حين تستخدم، ولا يعتبر القنصل هذا الانصهار والتقوس في الأسطوانات الغنائية مشكلة! فما إن يبرد الجو، يقول، حتى “تعود للتصلب من جديد دون أن يترك ذلك نتيجة على محتوياتها على ما يبدو”.
ومن أدوات الترفيه التي لاقت شعبية بين العراقيين “لعب الورق” أو التي تسمى “الكوتشينة” أو “الجنجفة”، فورد في موسوعة خالد عبدالقادر الرشيد في اللجهة الكويتية- الطبعة الجديدة 2014 عن “الجنجفة”- أنها “هي ورق اللعب، والكلمة هنا فارسية من قانجفة والجمع جناجف”، ويشير خالد الرشيد إلى “قاموس فرهنك عميد” وهو مرجع معروف من قواميس اللغة الفارسية، والكلمة موجودة في قواميس فارسية أخرى مثل “فرهنك نوين بيوسنة”، لكل من عباس ومنوجهر آريان كاشاني، الولايات المتحدة 1986: “كنجفة: ورق بازي”. (ص 222)
ويوردها قاموس “فرهنك كزيدة فارسي” لغلام حسين إفشار وآخرين، طهران 2005، ويورد القاموس الإملاء اللاتيني للكلمة ganjafe، ويقول المؤلف إن الكلمة قديمة في الاستخدام، وهي تصف نوعاً من ألعاب الورق (نوعي بازي باورق).
ما الكمية التي كان العراقيون يستخدمونها من “ورق اللعب” آنذاك؟ ومن أين كانوا يستوردونها؟ يتبين من رسالة للقنصل سنة 1913 ردا على استفسار شركة أميركية منتجة لها محدودية تسويق ورق اللعب في سوق بغداد، وأنها تستورد حاليا من النمسا والمجر، وكانتا دولة واحدة قبل الحرب العالمية الأولى، ومن إيطاليا والهند… ونادرا من إنكلترا.
وورد للقنصل استفسار من شركة أميركية عن سوق الساعات، فذكر “أن عدد الساعات المنبهة المستوردة إلى بغداد لا يعد كبيراً، وقدر القيمة الإجمالية لما تستورده بغداد من الساعات وساعات الحائط سنويا بما يتراوح بين خمسة وستة آلاف دولار. وظهر من تقرير للقنصلية أن عدد الساعات المستوردة إلى بغداد خلال سنة 1912 بلغ ثلاثة آلاف وتسعمئة وسبعين ساعة قدرت قيمتها بنحو 11176 دولاراً، استوردت كلها من سويسرا، من بينها سبعون ساعة مطعمة أو مطلية بالذهب وعددها 250 ساعة فبلغت قيمتها 792 دولاراً.
ومن اللوازم التي ظهرت الحاجة إليها في التنقل حقائب السفر! فعامة السكان كانوا في تنقلاتهم يضعون أمتعتهم القليلة في صُرر- جمع صرة- يسمونها “بقجة”، أو في “خرج” مصنوع من نسيج صوفي خشن، ولكن الحقائب الحديثة بدأت تظهر في أسواق بغداد، كما لاحظ القنصل، ولكن الطلب ظل محدوداً، وقد شرح القنصل سبب قلة الإقبال في رسالة لأحد المهتمين بمحدودية حركة السفر في المنطقة، واقتصار سفر الكثيرين “على التوجه لزيارة الأضرحة الدينية، وهي لا تستلزم استخدام الحقائب”، ولكن الحقائب كما ذكرنا بدأت تظهر في السوق، ومنها حقائب على شكل صندوق معدني مصنع في الهند، سعر الواحدة منها ما بين دولار ونصف وأقل من خمسة.
ويقول د. السعدون إن القنصل الأميركي نقل في نهاية تقريره عن “عزيز عزو” أحد مستوردي الحقائب في بغداد، توقعه “أن يؤدي إنجاز مشروع سكة حديد برلين- بغداد، بعد أربع سنوات إلى زيادة كبيرة جدا في مبيعات الحقائب في بغداد، لأنه سيزيد دون شك في إقبال الناس على السفر، وبذلك ستنشأ حينئذ سوق رائجة للحقائب الغالية الثمن في بغداد”.
سنرى في المقال القادم بدايات الإقبال على “الكماليات” الأخرى!