4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 تجربة العراقيين مع فيروس كورونا
محسن القزويني
راي اليوم

فيروس كورونا المستجد: حطم كبرياء الدول الكبرى ..أحال عواصم العالم إلى مدن مهجورة .. وأطاح بزعماء كبار وجعلهم أسرى في بيوتهم.
وأفشل عمل أكبر البوارج الحربية، وأفرغ القواعد العسكرية من الجنود والضباط.
فيروس كورونا في تصاعد عالمياً كموجة بحر كعاصفة رملية اجتاحت العالم بأسره.
أرقام تتصاعد.. عدد الموتى بالعشرات ثم بالمئات … ثم …عدد المصابين بالعشرات … ثم بالمئات … ثم بالآلاف ثم بعشرات الآلاف ثم … وخلال فترة قياسية لا تزيد عن عدة أسابيع زاد عدد المصابين عن المليون والنصف وفاق عدد الموتى عن الثمانين الفا.
الا بلدٌ واحد توقع خبراء الصحة العالمية أن يكون الثالث بعد الصين وإيران وهوالعراق.
العراق .. البلد الذي يحد إيران التي أصبحت البؤرة الرئيسية لكورونا بعد الصين.
العراق الخارج لتوه من أشرس أربعة حروب كان آخرها حرب داعش.
العراق الذي يفتقر لكل شيء، حكومته تصريف أعمال، ونظامه صحي متعثر ومشافي تفتقر لكل شيء واقتصاد منهار بسبب تراجع أسعار النفط.
إضافة إلى كل ذلك زيارات مليونية واحدة بعد أخرى..
زيارة اول من رجب إلى كربلاء ..
زيارة النصف من رجب إلى كربلاء ..
زيارة الثالث عشر من رجب إلى النجف ..
زيارة الخامس والعشرين من رجب إلى الكاظمية ..
زيارة النصف من شعبان إلى كربلاء مرة أخرى..
هذه الزيارات التي تقول لفيروس كورونا تعال تفضل فنحن على استعداد للموت.
كل هذا !!!
وعدد الإصابات لتوه بلغ الألف
وعدد الوفيات لتوه بلغ الستين.
حتى ان دوائر الصحة العالمية بدأت تشكك في هذه النتائج، وفي الخبر ان أمريكا طالبت منظمة الصحة العالمية باجراء تحقيق حول هذه الأرقام غير المتوقعة وفي كل يوم نسمع تعليق من أدهم إسماعيل ممثل منظمة الصحة العالمية وهو يؤكد بأن الأرقام التي تعلنها خلية الأزمة العراقية صحيحة.
فما السر في هذا الاستثناء العراقي!!
طبعاً خبراء الصحة لايستطيعون تفسير ذلك..
فهم عاجزون عن تفسير لماذا لم تحصل ولا إصابة واحدة في زيارة الامام الكاظم في الخامس والعشرين من رجب كما ذكر ذلك مدير صحة الكرخ في لقاء تلفزيوني حيث أعلن وعلى رؤوس الأشهاد.. لم تحصل ولا إصابة واحدة في الزيارة الشعبانية على رغم كسر الحظر من قبل الآلاف من الزوار.
وكان البعض من المخالفين يرصد الأرقام علها ترتفع مع هذه الزيارة ليرمي بما لديه من سهام ضد الزيارة.
لكن لم يحدث ما توقعه خبراء الصحة ولم تحدث أية إصابة في الكاظمية ولا من الذين زاروا الامام موسى بن جعفر عليه السلام.
فما السر إذاً في علاقة العراق مع الكورونا.
السر يكمن في ثلاثة أمور:
الامر الأول التزام الشعب العراقي بقواعد السلامة الصحية امتثالا لفتوى مراجعه العظام الذين أوجبوا عليه الانصياع لتعليمات الخبراء والأطباء فامتثلوا لهذه التعليمات كامتثالهم للصلاة والعبادات،
فشعب العراق معروف في انتمائه لمراجع التقليد الذين كانوا دائما الخط المدافع الأول والحصن الحصين للشعب العراقي خلال تاريخه المديد، كان آخرها موقف المرجعية وفتوى السيد السيستاني التي أنقذت العراق من داعش.
وفتواه الأخيرة التي أوجب على الشعب العراقي تطبيق قواعد الصحة العالمية لمواجهة فيروس كورونا.
الأمر الثاني الذي يكمن خلف سر العراق مع كورونا هو الطاقم الطبي الذي أعلن الجهاد ضد هذا الفيروس وقاتله بضراوة كما قاتل العراقيون فيروس داعش.
لم يترك هذا الطاقم ساحة المواجهة والبعض منهم ظل في المشفى لأكثر من أسبوع بلا نوم ولا راحة كمقاتل في خندقه يعالج مرضاه ويقدم له كل ما يملك حتى يتعافى.
الأمر الثالث: وراء هذا السر هو تعاطف العراقيين وتعاونهم فيما بينهم الذي لا نظير له فالجار يُقسّم ما لديه مع جاره، لقد استنفر الشعب بكامله ليقدم المساعدة لأخيه ولابن بلده حتى أصبحت (السلة الغذائية) العنوان الأكبر لحديث الشارع العراقي.
لقد ملأت السلة العراقية ما عجزت عنه الحكومة وسدت كل الفراغات الموجودة في هذا البلد ولم يكن بمقدور أية دولة في العالم أن تتكفل طعام المحتاجين من اليتامى والأرامل الذين لايعدهم عد في بلد النكبات والحروب كالعراق.
فبينما كانت بقية الشعوب تزحف نحو المولات لتشفط كل ما فيها من مواد غذائية كان العراقي يحمل كيساً مملوءا بما يحتاجه أخوه ليضعه أمام بيت فقير لا يعرف صاحبه ولا حتى ينتظر خروجه من بيته بل يكتفي بطرق الباب اعلاناً عن وصول المساعدة.
هل وجدتم هذا الكرم في مكان آخر من العالم ربما هناك مشاهد كثيرة من هذا القبيل هنا وهناك في بلدان الخير سجلتها عدسات التلفاز العالمية.
لكن في العراق شيء آخر.
الكرم في العراق أصبح ظاهرة .. وليس أبياتا شعرية.
والرحمة في العراق أصبحت حقيقة لا كلاما معسولا.
فالراحمون يرحمهم الرحمان
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 هل جُنَّ مقتدى الصدر!؟
زكي رضا
العرب

لو أعتبرنا جميع الأفعال والخطب والمواقف المتناقضة لمقتدى الصدر منذ أن أبتليَ به العراق وشعبه، فيها شيء من العقل والمنطق والسياسة بل وحتّى الدين، فأنّ تغريدته الأخيرة والتي يطالب فيها الناس في العالم بأكمله ولمواجهة فايروس كورونا، من السجود لمدّة ثلاثين دقيقة بعد صلاة الجمعة القادمة، تدلّ على أنّ هذا الرجل مريض نفسي.

ففي تغريدته اليوم (7/4/2020)، لا يخاطب مقتدى شيعة العراق ولا حتى الشيعة بكل العالم ولا حتى المسلمين، بل يتوهم من أنّه رجل على مستوى عال من الأهميّة على سطح هذا الكوكب، فتراه يخاطب البشر في كل أرجاء الأرض، وبشكل يؤكّد مرضه النفسي حينما يقول “أنا مُلزم أن أبلغكم بأمر لابد من تحقيقه لرفع البلاء”، وكأنّ الله قد أصطفاه من بين الناس أجمعين، ليبلّغهم رسالة تطالبهم بالسجود والتوسّل له والتباكي أثناء الدعاء، لينقذهم (الله) من جائحة كورونا. والكارثة أنّه يريد من الناس أن تضحك على الله، فهو لا يطالبها بالتضرّع لله والبكاء والتوسّل إليه وهو دلالة على اليأس من عجز الأنسان في مواجهة الجائحة وترك الأمر للسماء والله، بل يطالبهم بالتباكي أثناء السجود، متوهّما على ما يبدو من أنّ الله لا يميّز بين البكاء والتباكي كما هو (الصدر)! ويبدو أنّ الصدر والذي قضى سنوات طويلة لليوم في الدراسة الحوزية لا يعرف لليوم من أنّ الشخص المتباكي باللغة تعني “تكلّف البكاء، وتظاهر به”، فهل يريد مقتدى من الله أن يلبّي دعوات من “يقشمروه” أي يضحكون عليه والعياذ بالله!

في جانب آخر من تغريدته يعاهد أنصاره وباقي المصلّين في كل أرجاء العالم من أنّه سيسجد مثلهم، وهو يصلّي في مكان سرّي بالنجف الأشرف مع بعض المؤمنين ونيابة عن المؤمنين، وهنا من حقنا أن نتساءل إن كان بين المؤمنين الذين سيصلّون معه، عناصر من جيش المهدي التي قتلت الناس على الهويّة، أو من كتلة الأحرار التي سرقت ما سرقت، ما دفعه الصدر لحرق المراكز التجارية للفاسدين واللصوص منهم، وسجنهم في معتقلات الحنّانة، بإعتباره أكبر من الدولة التي لا تتشكل الا بموافقته! وهل بينهم من هم في سرايا السلام، الذين قتلوا وأختطفوا وأغتالوا المتظاهرات والمتظاهرين، وآخرهنّ شهيدة ساحة الحبوبي “الملّاية أم عبّاس”؟

إنّ إقامة صلاة الجمعة التي دعا إليها مقتدى الصدر في مكان سري وبصحبة عدد صغير من المصلّين، يتناقض وتغريدته التي أطلقها لزيارة الإمام موسى الكاظم بمناسبة ذكرى وفاته في العشرين من الشهر الماضي، والتي طلب من الناس فيها إتمام الزيارة، والتي ساهمت “الزيارة” بإنتشار الفايروس بشكل أكبر بين الناس.

أنّ العالم اليوم وهو يخوض حربا ضد فايروس كورونا، ليس بحاجة الى “علماء” ورجال دين بل الى عالمات وعلماء في مختبرات الطب ومعامل صناعة الأدوية. العالم اليوم بحاجة الى نصائح من ذوي الأختصاص لتقليل حجم الإصابات على مستوى الكوكب، وليس لنصائح من ملّا أو قس أو حبر أو أي رجل دين آخر. هل يعرف الصدر من أنّ جميع المستشفيات ومراكز الأبحاث الطبية في كل أرجاء المعمورة تعمل كخلية نحل، لمعالجة المصابين بالفيروس والعمل على أنتاج دواء ولقاح له لأنقاذ البشر؟ وهل يعرف من أنّ جميع المساجد ودور العبادة والمراقد في كل أرجاء العالم، بل وحتى بيت الله والقدس والفاتيكان والمسجد النبوي قد تمّ إغلاقها.

الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب (الإمام علي)
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 مصطفى الكاظمي أمام مهمة “انتحارية”!
حامد شهاب
العرب

ربما أدرك رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي مقدما، أن ما جرى من محاولات قوى سياسية شيعية لترشيحه لمنصب رئاسة الوزراء هو فخ من أفخاخ قادة العملية السياسية، قد نصب له، للإيقاع به، وليس رغبة من الرجل بأن يتولى هذا المنصب في قرارة نفسه.

وتشير كل الدلائل التي تصب في مصلحة السيد الكاظمي أنه لو ترك الفرصة فعلا للسيد عدنان الزرفي لأن يمضي بترشيحه، ولا يكون الكاظمي الورقة التي تشهرها الكتل السياسية الشيعية الكبيرة بوجهه، أو حولوه الى مصدر تهديد للزرفي، لكان له أفضل، ولحافظ على موقع ريادي مهم مثل جهاز المخابرات، الذي لن تضاهيه من حيث الأهمية كل المناصب الأخرى، حتى لو كان منصب رئاسة الوزراء، وقد كان الرجل قد رفض الترشيح من قبل أكثر من مرة، بل لم يتفق عليه احد بينهم أصلا.

والمعروف أن مصطفى الكاظمي، بالرغم من أنه يعرف كل أوراق الساسة وألاعيبهم، وهو يملك من الملفات السرية الكثيرة عنهم، ما يضعه في موقف القوي، لكن شخصيته الأقرب الى الهدوء والدبلوماسية، وهو ليس من المحسوبين على أخطبوط العملية السياسية وصراعات أحزابها وقواها، بحسب مراقبين، لا تتيح له ان يواجه وحوشا كاسرة تتربص به الفرص للانقضاض على كرسي السلطة في أي وقت، وربما يكون هو مجرد ورقة تمرير مؤقتة للانقضاض على كرسي السلطة في وقت لاحق، كونها قد تريد من ترشيح الكاظمي، كسر شوكة رئيس الجمهورية، الذي أغاضهم وأشعل نار غضبهم، عندما تم تمرير السيد عدنان الزرفي خارج ارادتهم، وهم الذين شنوا ضده حربا ضروسا لن تنتهي فصولها في وقت قريب.

أجل.. أن منصب مدير جهاز المخابرات من حيث الأهمية يوازي مناصب الرئاسات الثلاث مجتمعة، وهو لن يضيف الى الرجل منازل أكبر، ربما سوى تشريفية بعد أن تجد فيه الكتل السياسية بدون إستثناء، حتى من بينها السنية والكردية، أنه قد يكون من وجهة نظرها، فرصة لها للحصول على ما وضعت من سيناريوهات مطالب، تجد في الكاظمي أنه قد يحققها لهم، وبخاصة انها ستعد نفسها هي صاحبة الفضل عليه، بالرغم من انه يدرك في قرارة نفسه، أن “إخوة يوسف” يكيدون له، ولم يكن جادين فعلا، في أن يلعبوا معه بحسن نية، وربما سيكون مصيره مصير يوسف الصديق بأن يلقى في وقت لاحق في غياهب الجب.

ويدرك القاصي والداني أن من يتولى منصب رئاسة الوزراء في العراق، لابد وأن يضع في الحسبان أنه أمام “عملية انتحارية” ليس من السهل مواجهة تعقيداتها واخطبوطها الاقليمي والدولي والمحلي وصراعات السلطة حتى بين أقرب المقربين من عتاد قادة العملية السياسية، وبخاصة من الطرف الشيعي، الذي يتحكم بمساراته شخصيات مثل المالكي، العامري، الحكيم، الصدر، والخزعلي مع مجاميع مسلحة ترفض الإنصياع علنا لسلطة الدولة في ظل أي رئيس وزراء يتولى مقاليد السلطة في العراق، إضافة الى تعقيدات العلاقة مع ايران والجماعات الموالية لها، وتعقيدات العلاقة مع الولايات المتحدة والصراع الذي يحتدم بين الطرفين على أرض العراق، والتي لها الكلمة الفصل في حلبة الصراع، وهي أي الجماعات المسلحة تبقى فوق كل سلطة وفوق كل قانون أو دستور، ولعقد من السنين على الأقل، وان أية محاولة لتحجيم أدوارها تبوء بفشل ذريع، من أول محاولة للإصطدام بها، أما اكبر أكذوبة صدقها العراقيون هي أن السلاح لا بد وان يكون تحت سيطرة الدولة، وهم أنفسهم من يحملون هويات الدولة ومن يسيطرون على سوق السلاح، والمقصود بالسلاح خارج الدولة هي المكونات الاخرى التي لا يحق لأي منها أن يكون بمقدورها حمل السلاح.

وينبغي أن يدرك السيد مصطفى الكاظمي أن المهللين لمجيئه والمرحبين بمقدمه، بعد ان تنتهي أزمة ترشيح الزرفي وربما يسقطه ساسة الشيعة الكبار، أو يتم تمريره، هم منافقون من الدرجة الأولى، وغير ميالين بالمرة للتعامل معه، بالرغم من انهم قد يرون فيه، بسبب طبيعته الهادئة والدبلوماسية، كما قلنا، فرصة لكي يكون بمقدورهم إضعاف دوره ومكانته إن تولى مقاليد السلطة، وهم يجدون فيه ضالتهم في ان يكونوا هم سادة المشهد السياسي وهم من يديرون لعبة كراسي العملية السياسية وعمليات الهيمنة، ويحاولون فرض إملاءاتهم عليه، لانه يعدون أنفسهم بأنهم المتفضلين عليه، وما على الكاظمي الا أن يساير رغباتهم إن قبل بمنصب رئاسة الوزراء، الذي يدرك الكاظمي أنه تحول الى منصب تشريفي ليس له أية قيمة من الناحية الاعتبارية، بل أن منصب مدير جهاز المخابرات هو أعلى بكثير وأهم من منصب رئاسة الوزراء، واكثر واجهية وتأثيرا في صنع القرار.

كما أن السيد الكاظمي، لن يكون على شاكلة من تولوا ادارة أجهزة مخابرات، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي السابق جورج بوش (الأب). فبوتين مثلا هو سياسي وقيادي محنك في صفوف الحزب الشيوعي الروسي، قبل أن يتولى قيادة هذا الجهاز وهو مدعوم من قيادته السياسية العليا، وحظي بمقبولية كبيرة، وبقي لسنوات طوال، رئيسا لروسيا، وتلاعب بالدستور الروسي أكثر من مرة، لضمان بقائه في منصبه، لكن ليس بمقدور الكاظمي أن يتولى ادارة بلد، لايجد فيها من يدعمه سياسيا، بل سيجد نفسه وحيدا في سفينة على وشك الغرق، من كثرة حبائل المكر والخداع من ساسة محنكين، عرفوا كيف يتشبثون بكراسي السلطة ويرسمون أدوارها على راحتهم، وقد يخفق السيد الكاظمي في أول محاولة للاصطدام معهم، وبخاصة بشأن تعقيدات العلاقة مع ايران والولايات المتحدة، التي تعد عملية التوازن بينها من أصعب الأمور على الاطلاق، كون المطلوب منه ان ينفذ رغبات إيران على طول الخط، في وقت سيضغط الاميركان للحيلولة دون تحويل العراق مرة اخرى الى تابع لايران.

ولو كنت مكان السيد الكاظمي، لفضلت البقاء مديرا لجهاز المخابرات، وأكون في أكثر الأجهزة سطوة وفاعلية ومكانة، والساسة هم من يتملقون للجهاز ويسعون للتقارب معه وعدم الاصطدام به، بدل أن أقدم حياتي قربانا لشهية الطامعين بكراسي السلطة والذين لاتفوتهم أية فرصة للتنكيل ببعضهم البعض، عندما تصدم مصلحتهم مع مصلحة الطرف الآخر، حتى تجري بينهم رحى حرب ضروس، لن تنتهي في وقت قريب، وان التوافق الشكلي الذي جرى بينهم على السيد الكاظمي أقرب الى حيلة المضطر نكاية بالزرفي وبرهم صالح، الذي رشحه رغما عن أنف ساسة الشيعة وخارج ارادتهم، وهي تعد من وجهة نظرهم “القشة التي قصمت ظهر البعير” في العلاقة بين برهم صالح وقادة ساسة الشيعة، الذين عدوا خطوة الرئيس برهم صالح على أنها إعلان حالة الحرب عليهم، ومن الممكن ان يخرج فلك العملية السياسية ودفة سفينتها وتغرق في مستنقع السقوط.

وقبل هذا كان الكاظمي نفسه محل إتهام خطير بأن له علم بمحاولة إغتيال سليماني والمهندس، وهو ربما من سهل للأميركان مهمة الوصول اليهما، وشنوا ضده حربا شعواء، هددوه أكثر من مرة، بإعتباره تواطأ مع الاميركان، بحسب إتهامهم له، في بيانات من جماعات مسلحة موالية لايران، الى أن إضطر الرجل لإصدار بيان شديد اللهجة ضد من يوجه له أو لجهازه الإتهام في عمليات كهذه، نافيا أن يكون لديه أية صلة بالموضوع، بل وهدد من يتهمه بأن يتم إحالته الى المحاكم لينال جزاءه، لكن دائرة الاتهام ضده لم تتوقف.

في ظل كل تلك المعطيات، يبقى من الأفضل للسيد الكاظمي أن يحافظ على بقية حياته، ويبقى تاريخه ناصعا، وغير متورط في “حرب الكبار”، وهو الذي لم تكن مؤهلاته سوى صحفيا، إرتقى مجد الصعود الأمني، بين ليلة وضحاها، وربما ساعدته الأقدار على عبور المحنة، لأن أغلب من تولوا أجهزة المخابرات من الإعلاميين في سنوات وعهود سابقة، في العراق، حصدوا المرارات، ولم تكن مهمتهم سهلة بكل تأكيد، كما أن مصيرهم يبقى على كف عفريت، والرجل لا يبدو أنه يريد تقديم حياته قربانا لنزوات حيتان السياسة الآخرين، وليس له في منصب كهذا لا ناقة ولا جمل.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 تعقيدات «خريطة الطريق» العراقية الأمريكية
د. محمد السعيد إدريس

الخليج

قبل وقوع الهجوم على منشآت شركة هالبيرتون، كانت هناك مؤشرات ترجح إمكانية التوصل إلى «خريطة طريق» حتى لو كانت ضمن عملية إعادة انتشار في العراق.
الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له منشآت شركة «هالبيرتون» النفطية الأمريكية قرب مدينة البصرة جنوبي العراق، وإن كان لم يتسبب في أضرار أو إصابة ضحايا، إلا أنه يحمل الكثير من الدلائل التي تؤكد أن التهديدات المتصاعدة بين الجانب الأمريكي من ناحية، وبين عدد غير قليل من التنظيمات والميليشيات الموالية لإيران، باتت تدفع الطرفين إلى مواجهة عسكرية لن تكون إيران بمنأى عنها، على الرغم مما قد يبدو من حرص متبادل على تجنب هذه المواجهة، وبالتحديد في إطارها الأمريكي الإيراني؛ نظراً للظروف الداخلية شديدة الصعوبة بسبب ما يفرضه الانتشار المخيف لفيروس كورونا من تحديات وتهديدات داخلية، تجعل كلاً منهما بعيداً عن ترف التورط في مواجهة عسكرية، وتفرض عليهما إبداء كل الحرص على إبقاء أي مواجهة عسكرية ضمن إطار ما قد يبدو «توافقاً غير معلن» بين واشنطن وطهران، يحمل مسمى «اشتباكات الضرورة».
الالتزام المتبادل بقبول صيغة «اشتباكات الضرورة» بات مهدداً بعد هذا الهجوم الذي وقع يوم الاثنين الفائت على منشآت شركة هالبيرتون النفطية الأمريكية؛ لأنه سيفرض ضغوطاً على الإدارة الأمريكية للتشبث بوجودها العسكري في العراق لحماية مصالحها الاقتصادية، كما أنه ربما يحول دون التوصل إلى ما تأمله حكومة تسيير الأعمال العراقية برئاسة عادل عبد المهدي من دفع الحوار مع الإدارة الأمريكية قدماً، للتوصل إلى «خريطة طريق» بشأن مطالب تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان العراقي، بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق، وهو القرار الذي جاء بتوصية من عادل عبد المهدي شخصياً.
قبل وقوع الهجوم على منشآت شركة هالبيرتون، الذي جرى تصنيفه على أنه «اعتداء على مصالح اقتصادية أمريكية»، كانت هناك مؤشرات متعددة ترجح إمكانية التوصل إلى مثل «خريطة الطريق» هذه، حتى لو كانت ضمن عملية «إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق» كمقدمة لمعالجة أوسع للوجود العسكري الأمريكي، وبالتحديد خروج القوات الأمريكية من العراق.
من بين هذه المؤشرات، اتجاه الأمريكيين إلى تنفيذ عملية «إعادة انتشار» اختيارية لقواتهم بالانسحاب من عدد من القواعد العسكرية إلى أخرى، وسواء كانت هذه الخطوة تفادياً للتعرض لاعتداءات من جانب تنظيمات وميليشيات عراقية معادية للوجود العسكري الأمريكي في العراق، وفقاً
لمعلومات استخباراتية أمريكية، أم كانت ضمن تركيز الوجود العسكري الأمريكي في قواعد بعينها، يمكن الدفاع عنها مثل «قاعدة عين الأسد» وغيرها، فإنها كانت تتضمن إدراكاً أمريكياً بتصعيد العداء ضد الوجود العسكري في العراق، فضلاً عن أن ظروف الانتخابات الأمريكية وبعدها ظروف انتشار وباء كورونا، فرضت على واشنطن التفكير بجدية في خوض حوار مع الحكومة العراقية لوضع «خريطة طريق» تنظم الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ضمن مراجعة تأخذ في اعتبارها المتغيرات الجديدة التي باتت تفرض هذه المراجعة.
من بين هذه المؤشرات أيضاً، القرار الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بسحب قواتها من العراق. وربط اللواء عبد الكريم خلف القائد العام للقوات العراقية، ذلك بإيضاح أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أخلى «قاعدة القائم» على الحدود السورية العراقية، وأن القيادة العسكرية الأمريكية تخطط لانسحاب وشيك من قاعدتين أخريين من مجموع
ثمان لها. ويبدو أن هذا الانسحاب الفرنسي أزعج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي شن انتقادات لاذعة بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدتين متلاحقتين؛ الأولى انتقد فيها الرئيس الفرنسي بسبب الضرائب المرتفعة التي كانت الحكومة الفرنسية قررت فرضها على الشركات الرقمية وأغلبيتها أمريكية، والثانية كانت بخصوص «الوساطة» التي كان يسعى ماكرون للقيام بها بين الولايات المتحدة وإيران، وحذره فيها ترامب «من التحدث باسم الولايات المتحدة»؛ الأمر الذي استدعى تدخلاً من وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان دافع فيه عن الدور الفرنسي، وأكد أن فرنسا «تعبر عن موقفها، وهي تلتزم بقوة بالسلام والأمن في المنطقة».
هذا التلاسن المتبادل يكشف «هشاشة» أخذت تعتري العلاقة بين أركان التحالف الدولي في العراق، وهو أمر كانت ومازالت له أصداؤه على قرار واشنطن المنتظر بخصوص مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
على الجانب الآخر، هناك ضغوط تعرقل أي جدية أمريكية للانسحاب من العراق؛ بل تهدد بتصعيد متبادل مع الميليشيات والتنظيمات الموالية لإيران، خاصة بعد أن أصدرت ثمانية فصائل عراقية بياناً توعدت فيه بالتصدي والرد على ما سمتها «الاعتداءات الأمريكية»، واتهمت رئيس الوزراء المكلف عادل الزرفي بأنه «مرشح الاستخبارات الأمريكية».
هذا التصعيد تزامن مع تداعي فرص عادل الزرفي في الحصول على تصويت لصالحه من مجلس النواب، ما يعني أن واشنطن لن تخاطر بإجراء حوار حول «خريطة طريق» لتنظيم وجودها العسكري في العراق، في ظل وجود رئيس حكومة جديد يمكن التفاهم معه، حول كيفية حماية المصالح الأمريكية في العراق، كما أن عادل عبد المهدي الذي يترأس حكومة تسيير أعمال لا يصلح لهذه المهمة؛ نظراً لحالة عدم الاستقرار التي تحيط بحكومته وتعرقل أداءها لمهامها.
وجاء الهجوم الأخير على شركة هالبيرتون النفطية الأمريكية ليفرض ضغوطاً جديدة على الإدارة الأمريكية للتريث في البحث في هذه الخريطة، ولعل ما يؤكد ذلك، إعطاء الإدارة الأمريكية الأولوية الآن لدعم الوجود العسكري النوعي الأمريكي في العراق، سواء عبر تركيز هذا الوجود في عدد أقل من القواعد التي يمكن الدفاع عنها، أو بنشر بطاريات صواريخ «باتريوت» في هذه القواعد؛ الأمر الذي بات يهدد بتصعيد عسكري منتظر في العراق، ربما يتجاوز حدود ما كان يعرف ب«اشتباكات الضرورة» على الأراضي العراقية.4