ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 مصطفى الكاظمي أمام مهمة “انتحارية”!
حامد شهاب
العرب
ربما أدرك رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي مقدما، أن ما جرى من محاولات قوى سياسية شيعية لترشيحه لمنصب رئاسة الوزراء هو فخ من أفخاخ قادة العملية السياسية، قد نصب له، للإيقاع به، وليس رغبة من الرجل بأن يتولى هذا المنصب في قرارة نفسه.
وتشير كل الدلائل التي تصب في مصلحة السيد الكاظمي أنه لو ترك الفرصة فعلا للسيد عدنان الزرفي لأن يمضي بترشيحه، ولا يكون الكاظمي الورقة التي تشهرها الكتل السياسية الشيعية الكبيرة بوجهه، أو حولوه الى مصدر تهديد للزرفي، لكان له أفضل، ولحافظ على موقع ريادي مهم مثل جهاز المخابرات، الذي لن تضاهيه من حيث الأهمية كل المناصب الأخرى، حتى لو كان منصب رئاسة الوزراء، وقد كان الرجل قد رفض الترشيح من قبل أكثر من مرة، بل لم يتفق عليه احد بينهم أصلا.
والمعروف أن مصطفى الكاظمي، بالرغم من أنه يعرف كل أوراق الساسة وألاعيبهم، وهو يملك من الملفات السرية الكثيرة عنهم، ما يضعه في موقف القوي، لكن شخصيته الأقرب الى الهدوء والدبلوماسية، وهو ليس من المحسوبين على أخطبوط العملية السياسية وصراعات أحزابها وقواها، بحسب مراقبين، لا تتيح له ان يواجه وحوشا كاسرة تتربص به الفرص للانقضاض على كرسي السلطة في أي وقت، وربما يكون هو مجرد ورقة تمرير مؤقتة للانقضاض على كرسي السلطة في وقت لاحق، كونها قد تريد من ترشيح الكاظمي، كسر شوكة رئيس الجمهورية، الذي أغاضهم وأشعل نار غضبهم، عندما تم تمرير السيد عدنان الزرفي خارج ارادتهم، وهم الذين شنوا ضده حربا ضروسا لن تنتهي فصولها في وقت قريب.
أجل.. أن منصب مدير جهاز المخابرات من حيث الأهمية يوازي مناصب الرئاسات الثلاث مجتمعة، وهو لن يضيف الى الرجل منازل أكبر، ربما سوى تشريفية بعد أن تجد فيه الكتل السياسية بدون إستثناء، حتى من بينها السنية والكردية، أنه قد يكون من وجهة نظرها، فرصة لها للحصول على ما وضعت من سيناريوهات مطالب، تجد في الكاظمي أنه قد يحققها لهم، وبخاصة انها ستعد نفسها هي صاحبة الفضل عليه، بالرغم من انه يدرك في قرارة نفسه، أن “إخوة يوسف” يكيدون له، ولم يكن جادين فعلا، في أن يلعبوا معه بحسن نية، وربما سيكون مصيره مصير يوسف الصديق بأن يلقى في وقت لاحق في غياهب الجب.
ويدرك القاصي والداني أن من يتولى منصب رئاسة الوزراء في العراق، لابد وأن يضع في الحسبان أنه أمام “عملية انتحارية” ليس من السهل مواجهة تعقيداتها واخطبوطها الاقليمي والدولي والمحلي وصراعات السلطة حتى بين أقرب المقربين من عتاد قادة العملية السياسية، وبخاصة من الطرف الشيعي، الذي يتحكم بمساراته شخصيات مثل المالكي، العامري، الحكيم، الصدر، والخزعلي مع مجاميع مسلحة ترفض الإنصياع علنا لسلطة الدولة في ظل أي رئيس وزراء يتولى مقاليد السلطة في العراق، إضافة الى تعقيدات العلاقة مع ايران والجماعات الموالية لها، وتعقيدات العلاقة مع الولايات المتحدة والصراع الذي يحتدم بين الطرفين على أرض العراق، والتي لها الكلمة الفصل في حلبة الصراع، وهي أي الجماعات المسلحة تبقى فوق كل سلطة وفوق كل قانون أو دستور، ولعقد من السنين على الأقل، وان أية محاولة لتحجيم أدوارها تبوء بفشل ذريع، من أول محاولة للإصطدام بها، أما اكبر أكذوبة صدقها العراقيون هي أن السلاح لا بد وان يكون تحت سيطرة الدولة، وهم أنفسهم من يحملون هويات الدولة ومن يسيطرون على سوق السلاح، والمقصود بالسلاح خارج الدولة هي المكونات الاخرى التي لا يحق لأي منها أن يكون بمقدورها حمل السلاح.
وينبغي أن يدرك السيد مصطفى الكاظمي أن المهللين لمجيئه والمرحبين بمقدمه، بعد ان تنتهي أزمة ترشيح الزرفي وربما يسقطه ساسة الشيعة الكبار، أو يتم تمريره، هم منافقون من الدرجة الأولى، وغير ميالين بالمرة للتعامل معه، بالرغم من انهم قد يرون فيه، بسبب طبيعته الهادئة والدبلوماسية، كما قلنا، فرصة لكي يكون بمقدورهم إضعاف دوره ومكانته إن تولى مقاليد السلطة، وهم يجدون فيه ضالتهم في ان يكونوا هم سادة المشهد السياسي وهم من يديرون لعبة كراسي العملية السياسية وعمليات الهيمنة، ويحاولون فرض إملاءاتهم عليه، لانه يعدون أنفسهم بأنهم المتفضلين عليه، وما على الكاظمي الا أن يساير رغباتهم إن قبل بمنصب رئاسة الوزراء، الذي يدرك الكاظمي أنه تحول الى منصب تشريفي ليس له أية قيمة من الناحية الاعتبارية، بل أن منصب مدير جهاز المخابرات هو أعلى بكثير وأهم من منصب رئاسة الوزراء، واكثر واجهية وتأثيرا في صنع القرار.
كما أن السيد الكاظمي، لن يكون على شاكلة من تولوا ادارة أجهزة مخابرات، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي السابق جورج بوش (الأب). فبوتين مثلا هو سياسي وقيادي محنك في صفوف الحزب الشيوعي الروسي، قبل أن يتولى قيادة هذا الجهاز وهو مدعوم من قيادته السياسية العليا، وحظي بمقبولية كبيرة، وبقي لسنوات طوال، رئيسا لروسيا، وتلاعب بالدستور الروسي أكثر من مرة، لضمان بقائه في منصبه، لكن ليس بمقدور الكاظمي أن يتولى ادارة بلد، لايجد فيها من يدعمه سياسيا، بل سيجد نفسه وحيدا في سفينة على وشك الغرق، من كثرة حبائل المكر والخداع من ساسة محنكين، عرفوا كيف يتشبثون بكراسي السلطة ويرسمون أدوارها على راحتهم، وقد يخفق السيد الكاظمي في أول محاولة للاصطدام معهم، وبخاصة بشأن تعقيدات العلاقة مع ايران والولايات المتحدة، التي تعد عملية التوازن بينها من أصعب الأمور على الاطلاق، كون المطلوب منه ان ينفذ رغبات إيران على طول الخط، في وقت سيضغط الاميركان للحيلولة دون تحويل العراق مرة اخرى الى تابع لايران.
ولو كنت مكان السيد الكاظمي، لفضلت البقاء مديرا لجهاز المخابرات، وأكون في أكثر الأجهزة سطوة وفاعلية ومكانة، والساسة هم من يتملقون للجهاز ويسعون للتقارب معه وعدم الاصطدام به، بدل أن أقدم حياتي قربانا لشهية الطامعين بكراسي السلطة والذين لاتفوتهم أية فرصة للتنكيل ببعضهم البعض، عندما تصدم مصلحتهم مع مصلحة الطرف الآخر، حتى تجري بينهم رحى حرب ضروس، لن تنتهي في وقت قريب، وان التوافق الشكلي الذي جرى بينهم على السيد الكاظمي أقرب الى حيلة المضطر نكاية بالزرفي وبرهم صالح، الذي رشحه رغما عن أنف ساسة الشيعة وخارج ارادتهم، وهي تعد من وجهة نظرهم “القشة التي قصمت ظهر البعير” في العلاقة بين برهم صالح وقادة ساسة الشيعة، الذين عدوا خطوة الرئيس برهم صالح على أنها إعلان حالة الحرب عليهم، ومن الممكن ان يخرج فلك العملية السياسية ودفة سفينتها وتغرق في مستنقع السقوط.
وقبل هذا كان الكاظمي نفسه محل إتهام خطير بأن له علم بمحاولة إغتيال سليماني والمهندس، وهو ربما من سهل للأميركان مهمة الوصول اليهما، وشنوا ضده حربا شعواء، هددوه أكثر من مرة، بإعتباره تواطأ مع الاميركان، بحسب إتهامهم له، في بيانات من جماعات مسلحة موالية لايران، الى أن إضطر الرجل لإصدار بيان شديد اللهجة ضد من يوجه له أو لجهازه الإتهام في عمليات كهذه، نافيا أن يكون لديه أية صلة بالموضوع، بل وهدد من يتهمه بأن يتم إحالته الى المحاكم لينال جزاءه، لكن دائرة الاتهام ضده لم تتوقف.
في ظل كل تلك المعطيات، يبقى من الأفضل للسيد الكاظمي أن يحافظ على بقية حياته، ويبقى تاريخه ناصعا، وغير متورط في “حرب الكبار”، وهو الذي لم تكن مؤهلاته سوى صحفيا، إرتقى مجد الصعود الأمني، بين ليلة وضحاها، وربما ساعدته الأقدار على عبور المحنة، لأن أغلب من تولوا أجهزة المخابرات من الإعلاميين في سنوات وعهود سابقة، في العراق، حصدوا المرارات، ولم تكن مهمتهم سهلة بكل تأكيد، كما أن مصيرهم يبقى على كف عفريت، والرجل لا يبدو أنه يريد تقديم حياته قربانا لنزوات حيتان السياسة الآخرين، وليس له في منصب كهذا لا ناقة ولا جمل.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 في العراق… لم يعد لدى ايران ما تقدمه
خير الله
العرب
ليس اصعب من اقناع الايرانيين، اركان النظام، انّ تصفية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” غيّرت معطيات كثيرة في داخل “الجمهورية الاسلامية” وفي المنطقة كلّها. كان قاسم سليماني القريب من “المرشد” علي خامنئي لاعبا أساسيا في غير مكان، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان… واليمن. كان له ايضا دور أساسي في الأراضي الفلسطينية، لاسيّما في قطاع غزّة الذي استثمرت فيه ايران عبر “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. فعلت ذلك من اجل التأكد من ان القطاع، الذي انسحبت منه إسرائيل صيف العام 2005، سيبقى سجنا في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني.
يظلّ العراق المكان الاهمّ الذي ترك فيه قاسم سليماني فراغا يبدو واضحا انّ من الصعب ان يجد من يملأه. ما يدلّ على ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها لبغداد إسماعيل قآني القائد الجديد لـ”فيلق القدس”. لم يستطع قآني تأدية أي دور من الأدوار التي كان يتولاها قاسم سليماني. لم يستطع ممارسة دور المفوّض السامي الايراني القادر على فرض رئيس الوزراء الذي تريده ايران. لم يستطع حتّى وضع فيتو على شخصية معيّنة كما حصل في العام 2018 عندما منعت ايران حيدر العبادي من العودة الى موقع رئيس الوزراء وارتضت بان يحل مكانه عادل عبدالمهدي.
هذه المرّة، ما يزال اسم عدنان الزرفي الذي تعترض عليه طهران مطروحا، على الرغم من انّ هناك مآخذ كثيرة عليه من شخصيات عرفته عن كثب ولم تظهر أي اعجاب بسلوكه الشخصي، خصوصا كمحافظ للنجف.
لم يتمكّن قآني، وقبله علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للامن القومي، من استعادة الدور الايراني في العراق من جهة ولعب دور المصلح بين العراقيين من جهة أخرى، على غرار ما كان يفعل قاسم سليماني. الى اشعار آخر، صار الخيار بين الزرفي ومصطفى الكاظمي مدير جهاز المخابرات الذي لا يمكن اعتباره محسوبا على ايران، اقلّه بسبب العلاقات المتنوعة التي اقامها. بعض هذه العلاقات عربي والبعض الآخر أميركي واوروبي.
لا يمكن الربط بين الضعف الايراني في العراق وغياب قاسم سليماني فقط. هناك أسباب أخرى لا يمكن تجاهلها تفسّر هذا الضعف الذي يمكن تسميته ازمة ايران في العراق. تعني هذه الازمة، بين ما تعنيه، تراجعا سريعا للمشروع التوسّعي الايراني في كلّ المنطقة. بدأ التراجع بمقتل قاسم سليماني في الأسبوع الاوّل من السنة الحالية في بغداد بعيد وصوله الى مطارها. اصطاده الاميركيون من الجوّ بواسطة طائرة من دون طيّار كانت ترصد تحركاته. قتل مع قائد “فيلق القدس” ابومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” الذي كان يمثّل جانبا أساسيا من النفوذ الايراني في العراق. مثلما ان لا بديل لايران في المنطقة من قاسم سليماني، يتبيّن حاليا ان أبو مهدي المهندس كان شخصا لا غنى عنه لايران في العراق. يظلّ “الحشد الشعبي” هدفا إيرانيا بحدّ ذاته. انّه الأداة التي تأمل ايران من خلالها السيطرة نهائيا على العراق، تماما مثلما انّ “حزب الله” أداة إيرانية لوضع اليد على لبنان وتحويله مجرّد مستعمرة تدور في الفلك الايراني. من دون أبو مهدي المهندس، ذي التاريخ الطويل في العمل لمصلحة ايران، فقدت “الجمهورية الإسلامية” شخصا محوريا. تؤكّد ذلك حال التجاذب التي تسود حاليا داخل “الحشد الشعبي” تحديدا وفي اوساط الميليشيات المذهبية التابعة لإيران والتي تعمل في الداخل العراقي وتتناتش بقايا مؤسسات الدولة العراقية.
كشفت تصفية أبو مهدي المهندس مدى اهميّته بالنسبة الى ايران. لم يوجد، الى الان من يحل مكانه. انهّ بالفعل خسارة إيرانية لا تعوض يمثلها رجل قاتل في صفوف الايرانيين الجيش العراقي بين العامين 1980 و1988 واضعا الانتماء المذهبي فوق انتمائه لوطن اسمه العراق!
بات واضحا انّه لن تقوم قيامة للمشروع التوسّعي الايراني، لا في العراق ولا في غير العراق. ليست الروح العدوانية التي يظهرها الحوثيون في اليمن حاليا سوى دليل ضعف اكثر مما هي دليل قوّة. لا مستقبل للمشروع الحوثي حتّى لو استطاع هؤلاء بسط نفوذهم في اليمن كلّه. يستطيعون الاستفادة من ضعف “الشرعية” اليمنية، لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا ام آجلا ما الذي يمكن لـ”انصار الله” تقديمه الى اليمنيين غير الضرائب العشوائية والخوّات… فضلا عن البؤس والجهل والشعارات الفارغة.
ما يمكن اعتباره اهمّ من تصفية قاسم سليماني هو هبوط أسعار النفط في وقت ادّت العقوبات الاميركية على ايران مفعولها. لم يعد لدى ايران ما تقدّمه من مال لميليشياتها لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في اليمن ولا في غزّة. ثمّة عالم جديد بدأت تظهر ملامحه. ترسم هذه الملامح الازمة الاقتصادية العالمية التي تسبّب بها وباء كورونا في ظلّ هبوط قياسي لاسعار النفط. سيجعل هذا الهبوط دولا عدّة تراجع حساباتها. بين هذه الدول ايران، المحرومة أصلا من تصدير النفط… والعراق نفسه. لم يعد لدى ايران ما تقدّمه للتابعين لها في العراق، ولم يعد لدى العراق الذي جفّ ضرعه المالي ما يقدّمه الى ايران.
منعت ايران الزرفي من الوصول الى موقع رئيس الوزراء ام لم تستطع ذلك. حلّ مصطفى الكاظمي مكان الزرفي ام لم يحلّ. ما بدأ باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قبل نحو أربعة اشهر، اشبه بكرة ثلج تتدحرج. لم يعد لكلّ ما تقوم به ايران في العراق من طائل. تغيّرت قوانين اللعبة من أساسها. ما تغيّر على وجه الخصوص ان إدارة دونالد ترامب لم تعد مستعدة لاسترضاء ايران في العراق او غير العراق. ليس مستبعدا ان تتخذّ خطوات ذات طابع هجومي في العراق نفسه تتمّة لاغتيال سليماني والمهندس.
عندما أقدمت هذه الإدارة على خطوة التخلّص من قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لم تتصوّر ان ما قامت به ستكون له كلّ هذه النتائج، بما في ذلك انكشاف العجز الايراني عن الردّ والفراغ الذي حصل في العراق. سيترك هذا الفراغ اثارا على الداخل الايراني نفسه في وقت التقت عوامل عدّة عند نقطة واحدة. هذه النقطة هي الإفلاس الايراني على كلّ صعيد. لن ينقذ ايران التي تمتلك حضارة عظيمة متابعة الهروب الى خارج حدودها. ما ينقذها هو البدء بكف شرّها عن الشعوب العربية وغير العربية التي تعيش في المنطقة. في مقدم هذه الشعوب الشعب العراقي الذي سيتوجب عليه مواجهة استحقاقات الفشل في إقامة نظام قابل للحياة في ضوء انهيار النظام السابق في مثل هذه الايّام من العام 2003.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 آن الأوان يا شعب العراق لانتزاع حريتكم وحقوقكم من العدوين الخارجي والداخلي
بسام ابو شريف
راي اليوم
يواجه الشعب العربي في العراق لحظة لابد معها من حسم الأمورمهما كلف الأمر، فمنذ احتلال اميركا للعراق نشأت طبقة من السياسيين الذين استغلوا، ومازالوا الخلافات الهامشية كي يكونوا طبقة تنهب أموال الشعب تحت أعلام حزبية وسياسية، وجميع هذه القوى لم تحاول ولم تفكر بأن أولى الأولويات، هي مواجهة المحتل وطرده حتى تعود ثروة العراق للشعب العراقي، ونشأ تحالف مصالح بين الاحتلال وهذه الواجهات السياسية، فأصبح هؤلاء أدوات يستخدمها الاميركيون لعرقلة أي محاولة لطرد المحتل أو لاعادة سيطرة الشعب على ثرواته، وأتاح هذا التحالف لنهب العراق ( 80 % للأجنبي و20 % للسياسيين الفاسدين).
ومحاربة الفساد التي يتحدث عنها الجميع، هي في حقيقة الأمر محاسبة المحتل من ناحية، ومحاسبة الزعماء السياسيين الذين لم يقيموا أو ينظموا تجمعاتهم السياسية الا على أساس حصص النهب والسرقة لمال الشعب.
لا يوجد في العراق أي حزب يقوم برنامجه على تحرير العراق من الأجنبي، وبسط سيادة الشعب على ثروة البلاد وضع برنامج خمس سنوات لاعادة البناء لكل النواقص (التي لايوجد سبب لعدم سدها سوى نهب أموال الشعب)، ومثل هذا البرنامج سيعني التحقيق مع معظم القادة وسؤالهم حول الأموال وكيف هدرت أو نهبت ، فهنالك مشاريع ضخمة في العراق مثل مشاريع الكهرباء دفعت تكاليفها دون أن يرى الشعب الكهرباء.
كان النظام الصحي في العراق من أرقى النظم في المنطقة واذا به الآن أسوأ نظام وهلم جرا العراق هو أغنى الدول العربية ليس بالنفط والغاز فقط، بل بمواد أولية نادرة ومطلوبة وسهوله الشاسعة ان خضعت لبرنامج ازالة الملوحة تستطيع أن تقيم نظام أمن غذائي مثاليا لكن المخلصين للعراق وللأمة العربية غائبون عن المسرح المؤثر سياسيا الا حركة المقاومة وفصائلها، فهي تعطي أملا للشعب بأن الليل سينجلي وسيبزغ فجر الحرية ولاحرية للعراق وشعبه الا بطرد المحتل حتى يفقد الفاسدون حليفهم الذي سهل لهم التهام فتات ما تبقى من ثروة العراق المنهوبة.
العراق هو المؤهل أن يكون لديه أرقى نظام تعليمي يطل على G5 بسهولة وأرقى نظام صحي، وأرقى صناعة عربية (وكان قد وصل الى حدود انتاج أول سيارة عربية)، وهو القادر على تطوير سلاح جيشه، وعدم انتظار تطبيق المحتل الاميركي لمخطط”، عدم اقامة تكوين جيش”، الجيش العراقي هو أعرق الجيوش العربية وأرقاها من حيث تقدمه في برامج التطوير الذاتي والتقني، لذلك كان قرار المحتلين شل هذا الجيش وشرذمته، واقامة جيش يدين بالولاء لزعامات اخترعها المحتل أو للمحتل مباشرة ، ولكن هذا لن يستمر فقد ثار الجيش الذي كان يدرب أن يكون ولاءه للعرش ثار على العرش، وأطل على العالم بوجه العراق الحر العراقيون أنزلوا بالانجليز خسائر أكثر مما خسروا في أية معركة خاضوها، وثار رشيد عالي الكيلاني وأوسعهم ضربا ، ثم تتالت الثورات فسحقت الملكية وشق العراق طريقه الى أن أصبح الدولة الوحيدة التي تسيطر على ثرواتها النفطية تحت الأرض وبراميلها المنتجة ونقلها وتوزيعها عراقية من الألف الى الياء، والآن يصمت السياسيون على نهب تريليونات الدولارات منذ الاحتلال دون حسيب أو رقيب.
ونفط الشمال يباع وتشترى به أسلحة للانفصال عن العراق دون محاسبة أو رقابة ….الأمل هو المقاومة، المقاومة التي تستهدف طرد المحتل وعليها أن ترفع منذ الآن شعار تطهير العراق من قادة الأحزاب الذين أنشأوا أحزابهم ضمن مخطط واشنطن للسيطرة، ويجب ألا يغيب عن الذهن أو البرنامج تطهير صفوف قيادة الجيش الذي أنشأته واشنطن، فهي لم تنشئ ولن تنشئ جيشا يستهدف الاستقلال وطرد المحتل!… معركة لاهوادة فيها، والرؤية يجب ألا تنحصر بضرب قاعدة هنا أو هناك، هذا الوضع السياسي العام يجب أن يكون هدفا فلا مكان لمن يساوم على حرمة واستقلال العراق وامتلاك الشعب لثروات البلاد ، فقواعد واشنطن العسكرية الآن في كردستان فأين ذلك من برامج السياسيين؟
على المقاومة أن تبادر حتى يفهم المحتل أن سيادة العراق، هي سيادة على كل أرض العراق وليس على جزء منها، تأتي مافيات واشنطن هذه الأيام بمذكرة للحوار حول معاهدة بين واشنطن وبغداد ودون اللغوصة – المشروع المقدم ، هو تكريس للاحتلال والنهب والتبعية والضعف وعدم التنمية الاقتصادية والعسكرية – دون وجود قوات اميركية وتحويل الجيش العراقي الى أداة بيد واشنطن .
ان الموافقة على مناقشة هذه المذكرة (طلب استسلام العراق)، هو استسلام للمحتل.
الواجب يقتضي رفض هذه المذكرة كما هي، ورفض تسلمها أو مناقشتها، فالأمر يبدأ بالرحيل وبعد أن ترحل قوات الاحتلال يمكن أن يبدأ حوار حول العلاقات وآفاقها في جو يضمن سيدة العراق على أرضه وقراره.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 ما خيوط اللعبة الأميركية للبقاء في العراق؟
براء سمير إبراهيم
راي اليوم
لم يُبقِ قرار البرلمان العراقي القاضي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد الذي صوت عليه النواب بالاغلبية في شهر كانون الثاني الماضي، أي شرعية للأميركيين تبقيهم على الأراضي العراقية خاصة بعد ان اعلن العراق النصر في العام 2017 على تنظيم داعش، الذي كانت محاربته ذريعة الأميركيين وحلفائهم للتدخل في شؤون العراق.
ورغم كل ذلك الا ان الأميركيين لم يأبهوا لقرار مجلس النواب العراقي ولم ينصاعوا للضغوط الشعبية جراء ذلك، بل قالوا وعلى لسان عدد من المسؤولين بانهم لن ينسحبوا من العراق على الإطلاق، والأميركيون أدلوا بتصريحاتهم تلك رغم التهديدات التي اطلقتها فصائل المقاومة العراقية عن انها ستزلزل الأرض من تحت أقدام الأميركيين وستعمل على إخراجهم من العراق مهما كلف الثمن.
فلماذا تحدث الأميركيون بكل تلك الثقة؟؟.
لا أحد يخفى عليه حجم الذكاء الخبيث لمسؤولي البيت الأبيض، ولذلك فإن كل شيء كان مخططاً له منذ اللحظة الأولى التي اغتالت فيها القوات الأميركية قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، سواء من حيث التوقيت الزمني لتلك العملية او حتى تداعياتها ونتائجها، فأما التوقيت فيتزامن مع الفراغ السياسي الذي يعاني منه العراق بعد استقالة عادل عبد المهدي، كما يترافق مع تصاعد خطر ظهور تنظيم داعش الإرهابي من جديد، لاسيما مع تنفيذ خلاياه النائمة عمليات نوعية بين الحين والآخر ضد قوات الجيش والمقاومة العراقية، علاوة على الفساد الذي ينخر كراسي السلطة في العراق، اما فيما يخص عواقب الجريمة الأميركية، فقد كان الأميركيون مستعدين لسيناريو انتقام فصائل المقاومة العراقية للمهندس، بدليل تسليمهم الجانب العراقي قواعد القيارة والحبانية وكي وان، فضلاً عن تزويدهم قاعدة عين الأسد شمال بغداد بمنظومة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي، ولكن كل هذه الإجراءات كانت من أجل الدفاع والحماية فقط، اما بالنسبة لإجرائاتهم الرامية إلى ضمان بقائهم في العراق، فتتمثل بالرسالة التي بعثت بها الخارجية الأميركية إلى نظيرتها العراقية يوم الاثنين مقترحةً عليها البدء في مفاوضات جادة حول مستقبل العلاقات بين الطرفين وهو مارحبت به الخارجية العراقية التي أعلنت قبولها العرض الأميركي.
وربما السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان الآن هو.. ماعلاقة المفاوضات ببقاء الأميركيين في العراق؟؟.
إجابة هذا السؤال، ربما تتمثل بالدعاية والفقاعة الإعلامية التي روجها الأميركيون حول ان هناك مخطط تقوده وزارة الدفاع الأميركية لشن هجوم عسكري كبير على كتائب حزب الله العراق لتدميرها والقضاء عليها، وبالتالي فإن الأميركيين وبعد وقوع عدة هجمات متبادلة بينهم وبين فصائل المقاومة العراقية أطلقوا هذه الدعاية الخبيثة لخلق حالة من الذعر والترقب لدى العراقيين عموماً وفصائل المقاومة خصوصاً، ومن ثم بعثت واشنطن بهذه الرسالة الى بغداد في نفس اليوم الذي وقع فيه هجوم مجهول بثلاثة صواريخ ضد المنشأة النفطية الأميركية هاليبرتون في منطقة البرجسية بمحافظة البصرة جنوب العراق، و هي بذلك كأنها تريد أن تقول للمقاومين بأن الذريعة والحجة لمهاجمتهم باتت جاهزة الآن فأما القبول بالتفاوض او الدخول بحرب واسعة مع الولايات المتحدة الأميركية.
والسؤال الآن هل تقبل المقاومة العراقية بعرض التفاوض هذا؟؟
صحيح ان المقاومة العراقية أكدت على الدوام بأن إخراج الأميركيين هو هدفها وردها على اغتيال المهندس، إلا أن مبادئها القائمة على الدفاع عن العراقيين وحماية العراق وحفظ مصالحه، ربما ستجعلها توافق على إجراء مفاوضات مع الأميركيين، لحقن دماء العراقيين التي ستهدر اذا ما اندلعت الحرب بين الطرفين، إلى جانب ذلك فإن العقوبات الاقتصادية القاسية جدا والتعويضات المالية الكبيرة التي هدد بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب العراق حال إخراج قواته من هناك، قد تجعل فصائل المقاومة تفكر ملياً قبل رفض العرض الأميركي، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، خاصة بعد انتشار فايروس كورونا فيه.
إذاً العدو الأميركي يعمل على تثبيت وجوده وضمان بقاءه في العراق مستغلاً الأوضاع الحرجة التي تعصف ببلاد الرافدين من شتى النواحي السياسية والامنية والاقتصادية والصحية، ولكن من المؤكد والثابت أنه مهما طال الصبر العراقي فلا بد أن يأتي يوماً تشرق فيه شمس بغداد معلنةً تحرير البلاد من الجيش الأميركي وغيره من قوى الجبروت والطغيان.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 العراق… إكرام الميت دفنه
مصطفى فحص
الشرق الاوسط
وفقاً للتقاليد الدينية والاجتماعية، تميل المجتمعات العربية والإسلامية عند حدوث الوفاة إلى مقولة «إكرام الميت دفنه». لكن حجم الكارثة العراقية أن خلافاً بين أهل الفقيد على هوية من سيوكل إليه القيام بمراسم الدفن يؤخره، فالبيت لما فيه من ارتكابات ومعاصٍ يحتاج إلى من يستره، والثابت أن سترة البيت السياسي الشيعي العراقي لم تعد على عاتق قاطنيه، فهم ليسوا سوى «وكلاء تفليسة» لنظام بات خارج الحياة، والمصيبة أن خيارات سكان البيت محدودة وضيّقة، وأمامهم خياران فقط، والمفارقة أن أحلاهما مرّ، فالمرشحان نشآ وترعرعا بعيداً عن أعينهم، ولم يظهرا التزاماً كاملاً بالثوابت، وفي أصول التعامل والتراتبية والولاءات داخل البيت. إلا أن صراع الورثاء، وعجز أصحاب الوصاية، أجبر جميع اللاعبين على البحث عن الأقل مرارة بين اثنين لا ثالث لهما.
عشية الذكرى السابعة عشرة لإنشائه، ينعَى نظام 2003 نفسه سياسياً، بعد فشل البيت السياسي الشيعي في إعادة إنتاج نفسه، وتجاوز أزمة استقالة آخر وجوه حرسه القديم عادل عبد المهدي، واستحالة ملء الفراغ الذي يسببه غياب رب البيت وناظره الجنرال قاسم سليماني، الذي رسم لوحده على مدى 17 عاماً لوحة سياسية عراقية بألوان إيرانية، ومن بعده تعدد الرسامون، لكنهم حتى الآن فشلوا في اختيار الألوان، ودمجها، وانكشفوا أنهم هواة، مقارنة بمحترف يحاولون وراثته والحفاظ على إرثه.
لا شك أن طهران التي أوفدت مبعوثيْها، وعادا بخفي حنين، قد سلمت أمرها وأقرت بأن الإنكار لم يعد لمصلحتها، فلا وجوه البيت الشيعي تصلح لإدارة المرحلة، ولا في جعبتها من يمكن تعويمه، أو الثقة به، وتستطيع أن تأمن جانبه، فهي تتعامل مع واقع فاشل صنعته بيديها، لذلك اتخذت قراراً بالتراجع مضطرة عن خطوطها الحمراء تجنباً لما هو أسوأ.
أما واشنطن، وبالرغم من انشغالها في مكافحة وباء «كورونا»، لم تزل تملك زمام المبادرة، ولم تغب عيونها عن العراق، وهي تثير قلق طهران وأتباعها، خصوصاً الميليشيات المسلحة التي تعمل ضمن إطار ما يسمى «المقاومة الإسلامية»، وتتبنى تحت أسماء وهمية الهجمات المتكررة على قواعد أميركية، لكن هذه الهجمات دفعت واشنطن إلى القيام بإعادة تموضع لجنودها المنتشرين في العراق، وتقليص عدد قواعدها، الأمر الذي يوفر حماية أكبر لما تبقى من قواعد، الأمر الذي سيساعدها على تحديد هوية الجهة المهاجمة، فإعادة التموضع هذه لا يمكن فصلها عما يشاع من تحذيرات أميركية لإيران من عدم القيام بمغامرة غير محسوبة من قبل فصائل غير منضبطة، ما سيؤدي إلى تداعيات استراتيجية داخل العراق وخارجه، خصوصاً أن واشنطن قد تخلت عن كافة الضمانات بعد اغتيالها الجنرال سليماني.
بين اعتذار محمد توفيق علاوي، وتكليف عدنان الزرفي، حضر شامخاني ولحقه قاآني، في زيارتهما لم ينجحا في ترميم تصدعات البيت الشيعي؛ فالأول بوصفه وكيلاً مؤقتاً لم ينجح في مهمة تحديد المخاطر، والثاني بوصفه وريثاً أصيلاً فشل في تجاوزها، فأقرّت طهران بعجزها وفشلها، ولحفظ ماء الوجه، أعطت لنفسها أحقية التفضيل بين الزرفي والكاظمي، ولكن غاب عن بالها أن الاثنين خارج سياقاتها، وينتميان إلى جيل تشكل خارج أطرها السياسية والعقائدية، وبأنهما برزا سياسياً في عهد خصمها الجدي رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهما يكملان المنهجية السياسية وتوازناتها المحلية والإقليمية والدولية التي مارسها أثناء ولايته.
عملياً لم يعد لطهران ما تعطيه لأتباعها، وهي عاجزة عن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي، لذلك تزايدت أعداد القافزين من فوق أسوار بيتها السياسي، فارين يبحثون عن مصالحهم الخاصة مع المرشحين، فالفتور بينها وبين بعض القوى السياسية الشيعية يزداد، والشرخ الداخلي بين هذه القوى وصل إلى مرحلة التصادم، فالفصائل التي اتهمت رئيس جهاز المخابرات بالضلوع في اغتيال الجنرال سليماني باتت تؤيده، فيما الفصائل التي دعت إلى تشكيل مقاومة دولية لإجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق، لم تتراجع حتى الآن عن دعمها للزرفي الذي تتهمه فصائل شيعية مسلحة بالعمالة لواشنطن.
بينما يسير نظام 2003 إلى مثواه الأخير، فإن عراقاً جديداً يتشكل، بصرف النظر ما إذا نجح الزرفي في انتزاع الثقة تحت قبة البرلمان، أو استطاع الكاظمي أن يكون حلاً لمعضلة الجميع، لكن في النهاية فإن واحداً منهما سيكلف قراءة إعلان الوفاة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6 العراق في «سنة أولى لبنان»
عبدالله ناصر العتيبي
الاتحاد
لم يكن أكثر المتشائمين من المتظاهرين العراقيين الذين أسقطوا رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي قبل أشهر، يتوقع أن يجد نفسه اليوم محاصراً بين كماشتي «الطرف الرابع: فيروس كورونا»!
كان المتظاهرون في الشارع العراقي واثقين من أنهم سيعبرون مرحلة «العراق المريض» خلال فترة وجيزة. ظلوا طوال الأشهر الأربعة الماضية يرفضون «بدلاء» عادل عبدالمهدي واحداً بعد الآخر، ظناً منهم أنهم قادرون على تمرير اسم رئيس مجلس الوزراء الذي يريدونه، وفرضه بالقوة على البرلمان المتشكل في غالبه منه «كتل طائفية».
كانوا يظنون أن بقاءهم في الشارع، وضغطهم على الكتل السياسية المتصدرة للمشهد السياسي في العراق منذ سنوات، سيحوّل البلاد خلال أشهر قليلة إلى واحة من المدنية والديموقراطية. فعلوا كل ما كان يجب عليهم فعله. اقتدوا بسلوك ثوار العالم على امتداد التاريخ. قالوا لا لمن يتسيد المشهد السياسي في بلادهم، ووقفوا بصدورهم العارية أمام رصاص «الطرف الثالث» الذي لم يُعرف حتى الآن من أمره بإطلاق النار، ولا من أخفاه عن الأنظار بعد ذلك.
كل شيء يفعله الثوار فعلوه، لكن فات عليهم أن يضعوا في حسبانهم عاملين مهمين جداً. الأول هو إمكانية تطور الأحداث مع الزمن، وتعقّدها من خلال دخول متغيرات جديدة ليست في مصلحتهم مثلما حصل مع جائحة كورونا، والثاني يتمثل في أن كل عملية تغيير جذرية تستلزم وجود مرحلة وسيطة تنقل البلاد من مرحلة الفشل واللاجدوى السياسية، إلى دولة المدنية والمواطنة. مرحلة وسيطة ليست بيضاء، وليست سوداء. ليست ديمقراطية خالصة، وليست ديكتاتورية خالصة. مرحلة تحمي حقوق الإنسان، لكنها لا تعطيه الكثير من الحريات! بل إنها في أحايين كثيرة قد تقسو عليه بلا سبب واضح!
جاءت «كورونا» للوجوه السياسية المعتادة في المشهد العراقي «الطرف الثاني» على طبق من ذهب. أعادت المحتجين إلى بيوتهم بالقوة، وأخرجت كل الزعامات القديمة التي توارت خلال الأشهر الماضية بشكل مؤقت، خضوعاً لرغبة الشارع، وخوفاً من انتقامه. عادت هذه الزعامات لتفرض من جديد رؤيتها القديمة التي تحمل عنواناً واحد فقط: «سنة أولى لبنان»!!
اختفى صوت الشارع، وتعالت أصوات المختلفين في اللقاءات الطائفية والجهوية من جديد، وبدأوا في ممارسة لعبة «اللبننة» من جديد: العراق ليس هو بلدنا، وإنما الدولة هي الطائفة! وهنا لا أجد في الحقيقة فرقاً كبيراً بين أن يتمكن «عدنان الزرفي» من تشكيل حكومة جديدة بمباركة مجلس النواب في الأيام القليلة المقبلة، أو أن تتمكن الكتل الشيعية المعارضة له من إقصائه والإتيان بمصطفى الكاظمي كبديل له. لا فرق أبداً بين الرجلين ما دام الزعماء التقليديون هم من يديرون المشهد من وراء ستار كما هو الوضع في البلد الأصل: لبنان!
أما العامل الثاني الذي لم ينتبه له المحتجون في الشارع، فهو الحاجة لصناعة مرحلة وسطى تنقل البلد من تاريخه القريب المليء بالخيبات السياسية والاقتصادية، إلى مرحلة مزدهرة تجعل منه بلداً قادراً على الاستفادة من ثرواته وموارده الطبيعية التي تكفي حاجته وتزيد.
لا جيش في العراق الآن يستطيع أن ينقل البلد من مرحلة إلى مرحلة، كما حدث في السودان ومصر وتونس، وبالتالي فظهور «سوار ذهب عراقي» في المرحلة الحالية يُعد أمراً صعب الحدوث، لكن المتظاهرين قادرون بشكل أو بآخر على تسمية «حكومة ظل»، تحصل على مباركة الشعب «الطرف الأول دائماً وأبداً» من خلال استفتاء عام، وتتولى مقاليد الأمور في البلاد لفترة معينة تستطيع فيها إصلاح مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية، ثم تحل نفسها وتدعو لانتخابات عامة بعد ما يكون الشعب العراقي قد وعى حجم الدمار الذي خلفته الارتهانات لزعماء سياسيين مرتهنين في الأصل لإملاءات خارجية.