ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 أميركا التي حررتهم من النزاهة
فاروق يوسف العرب
“تحرير أم احتلال؟” كان ذلك واحد من أهم الأسئلة التي انشغل بها مثقفون عراقيون بعد الغزو الأميركي عام 2003. وكان ذلك الانشغال برهانا على ضعف الروح الوطنية لديهم.
وحين اجابت الولايات المتحدة بنفسها على ذلك السؤال يوم اعتبرت وجودها في العراق احتلالا فإن أحدا من أولئك المثقفين لم يحسم موقفه وظل حائرا وفي عقله حشرة تفصح عن شعوره بالدونية.
كان أولئك المثقفون في حاجة إلى درس محلي يعيدهم إلى الصواب. وكان ذلك الدرس جاهزا. لقد أعدت الولايات المتحدة ميليشيات إيرانية سيكون عليها أن تدير شؤون الدولة في حال قررت أن تغادر قواتها العراق.
وهو ما حدث فعلا.
لقد تم تسليم العراق لنوري المالكي باعتباره حاكما مطلقا عام 2011 حين انسحبت القوات الأميركية، بالرغم من أن الادارة الأميركية كانت على علم مسبق بعمليات الفساد الضخمة التي كان يديرها.
وهكذا تكون الولايات المتحدة قد حررت العراق من مبدأ النزاهة عطفا على تحرير الفاسدين واطلاق يدهم في وضع العراق تحت هيمنة الميليشيات الموالية لإيران التي تدار من قبل الحرس الثوري الإيراني.
اليوم ترفع تلك الميليشيات شعار تحرير العراق من الوجود العسكري الأميركي في سياق مشروع المقاومة الذي كان المالكي قد أعتبر نفسه قبل سنوات عرابه بالرغم من أنه ما كان في إمكانه أن يصل إلى بغداد لولا التحاقه وحزب الدعوة الذي يتزعمه بمشروع الغزو الأميركي.
اللعبة الخطيرة التي أدى مثقفون عراقيون أدوارا قذرة فيها تصل اليوم إلى نهايتها بعد أن أدار مستخدمو الولايات المتحدة السابقون ظهورهم للولايات المتحدة وصاروا يتفاخرون بتبعيتهم لإيران.
غير أن ذلك التحول لا يضر في شيء المشروع الأميركي في العراق الذي يعتبر بحكم الناجز بقدر ما يقف بالعراق على حافة هاوية سحيقة، إن سقط فيها فلا مخرج له منها بعد أن أظهرت الولايات المتحدة عدم اكتراثها بما يمكن أن يؤول إليه مصير شعبه.
ذلك كان واضحا من خلال صمت الولايات المتحدة على الجرائم التي ارتكبت ولا تزال ترتكب في حق المحتجين السلميين الذين لا يريدون أن يفقدوا وطنهم بشكل نهائي نتيجة لإتساع دائرة الهيمنة الإيرانية عليه.
في ما يتعلق بمعادلة التحرير والاحتلال يمكن القول:
احتلت الولايات المتحدة العراق. ذلك أمر مؤكد غير أنها في الوقت نفسه عملت على اعفاء نفسها من مسؤولية ما يمكن أن ينتهي إليه مصيره من خلال تسليمه إلى عصابات تعرف أنها ستحسم مسألة ولائها يوما ما لصالح إيران.
وهو ما يمكن اعتباره تحريرا مزدوجا.
حررت الولايات المتحدة نفسها بعد أن حررت عملاءها الذين تعهدوا لها باستعباد الشعب العراقي إلى أجل غير مسمى عن طريق الفقر والمرض والجهل والحرمان والفاقة ومحو الهوية الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي.
وكما أتوقع فإن ذلك المفهوم كان واضحا بالنسبة لأولئك المثقفين الذين هللوا للاحتلال وبشروا بثقافته وعملوا على نشر مفراداتها. وهم اليوم إذ ينظرون إلى السلوك الأميركي المحير بحسرة واضطراب وشعور عميق بالاحباط فلأنهم صاروا على يقين من أن قوة الاحتلال التي راهنوا عليها باعتبارها قوة حرية لم تخذلهم بقدر ما استعملت غباءهم ليكونوا مجرد أبواق مأجورة يتم التخلص منها في وقت انتفاء الحاجة إليها.
منذ سنوات صمت مبشرو ثقافة الاحتلال مكتفين بالفتات الذي حصلوا عليه. رواتب تقاعدية ومناصب صغيرة ومناقصات ثانوية. اما زعماء الميليشيات الذين لم يظهروا إلى العلن إلا في وقت متأخر مدججين بالسلاح الإيراني فقد كانت هبة الاحتلال كلها لهم. لقد وضعت الولايات المتحدة ثروة العراق كلها بين أيديهم بعد أن دربتهم على إدارة دولة لن تكون موجودة إلا على الورق.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الدجل والخرافةُ.. في زمن كورونا
رشيد الخيون
العرب
يُعذر البشر في القرون الخوالي مِن اللّجوء إلى الخُرافة، وقبول الدَّجل، في مواجهة الأوبئة الفتاكة، التي تفتكُ بالنَّاس، حتى تضيق الأرض على موتاهم، فتترك الأبدان في العراء طعماً للجوارح مِن الطَّير، ولصفي الدِّين الحلي (ت752هـ) ما يُعبر به: «ضاقت على القتلى الفَلاة بأسرِها/فجعلتَ أكبادَ النُّسور لحودا» (الديوان، مَلك الورى)، ولشحة التربة والأكفان يُصار إلى رميهم في الأنهار.
لهذا يختلق النَّاس ما يلوذون به مِن خرافة، وهم معذورون، مِن إيجاد سبب للوباء يتعلق بالغضب الإلهي، أو غضب أصحاب الأضرحة والمقامات، أو ربط الوباء والنَّجاة منه بسادة «الجان»، وأضرحة الصَّالحين. فعندما أصاب أهل العراق وباء فتاك، هلك به كثيرون، فُسر بغضب أم الجان عليهم، وظلت الحكاية تتكرر، بين كلِّ مائة عام وأكثر، والنَّاس ليس لديهم جديد، مِن لقاح وعلاج، ولا شروط وقاية، لكن كيف يبقى الحال كما هو عليه، حتى عصرنا هذا؟!
هنا تأتي الخُرافة بضاعةً، والتي تبث مِن على المنابر، وأشدها، جاءت على لسان أحد المراجع المعروفين بين أتباعه، وكان زعيماً لمنظمة إسلامية سياسية، مارست، في ما مضى، تفجيرات واغتيالات لا تقل شأناً عن الوباء. ظهر عبر فيديو شائع رابطاً بين عدم طاعة الله والوباء، وبين عدم التقيد بالحجاب والوباء، فاعتبر ملابس الوقاية ما هي إلا فرضاً للحجاب، الذي لم يلتزم به الصينيون! بينما هو نفسه قد أصيب بمدينة يُفرض فيها الحجاب الإسلامي فرضاً! لكن صاحبنا، لم يفكر بمصدر العلاج الذي أنقذه، وهذا الرجل نفسه، في ما مضى، اعتبر «البراق» استباقاً للمركبات الفضائية، فتصوروا الجرأة على العِلم والدِّين أيضاً!
قديماً، تعرض العراقيون إلى وباء مِن أعراضه الخناق، ففُسر حينها بغضب أم الجان، حصل هذا في السنة 456هـ، و646هـ وبعدهما، لكن التفسير ظل كما هو في مواسم الوباء المتباعدة. يقول ابن الأثير (ت630هج): «ظهر بالعراق وخوزستان، وكثير من البلاد جماعة من الأكراد خرجوا يتصيدون، فرأوا في البرية خيماً سوداً، وسمعوا منها لطماً شديداً وعويلاً كثيراً، وقائلاً يقول: قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم أهله عليه، ويعملوا له العزاء قُلع أصله، وأهلك أهله، فخرج كثير من النساء في البلاد إلى المقابر يلطمنَ وينحنَ، وينشرنَ شعورهنَّ» (الكامل في التاريخ). أما سيدوك فشاع أيضاً لقباً للشاعر الواسطي أبي طاهر عبد العزيز بن حامد (ت363هـ)، فسيدوك سيد الجن وهو سيد الشعراء (التَّنوخي، نشوار المحاضرة).
ورد في «الحوادث الجامعة»: أن امرأة ادعت أنها رأت في المنام جنيةً تُكنى أم عنقود. قالت: إن ابني مات في هذه البئر، «ولم يعزنِ فيه أحد، فلهذا أخنقكم، فشاع ذلك بين الناس، فقصد البئر المذكورة جماعة من العوام والنساء والصبيان، ونصبوا عند البئر خيمة، وأقاموا هناك العزاء».
لكنّ حتى ذلك الزَّمان الغابر، هناك مَن احترم العقل، وفَصل بعقل بين الواقع والخُرافة. قال الملك والمؤرخ أبو الفداء (ت732هـ)، وقد حصلت ذلك في وقته أيضاً: «إنما أوردنا هذا لأن رعاع الناس إلى يومنا هذا، وهو سنة سبعمائة وخمسة عشر يقولون بأم عنقود وحديثها، ليعلم تاريخ هذا الهذيان متى كان» (المختصر في تاريخ البشر).
بينما قارئ المنبر، في وقتنا الحاضر، ويُعرف بالشيخ الدكتور، يتلاعب بالعقول كيفما يشاء، ناصحاً بتقبيل المصاب بالوباء من فمه، إذا كان قد قبل ضريح الإمام الحُسين! جاء كلامه رداً على تعقيم الأضرحة! كذلك السلفية المتزمتون بأربيل والسليمانية اعترضوا على وقف صلاة الجماعة في المساجد، والمناسبات الدِّينية، وقاية مِن المرض، واعتبروا ذلك ضد القدر، فما حصل كان أمراً ربانياً. أقول ما الفرق بين المحرض على العمليات الانتحارية وهؤلاء؟! فهم سواسية في ترخيص الأرواح! ما الفرق بين الداعين لأم «عنقود» وبينهم، فيبدو الزمن مختلفاً لكنَّ العقلَ واحد.
يقول منتحل لقب سيد الجن سيدوك، أبو طاهر: «إن دائي الغداة أبرح داءً/وطبيبي سريرةُ ما تبوحُ/يحسبوني إذا تكلمت حياً/ربما طارَ طائرٌ مذبوحُ» (الحموي، معجم الأدباء).
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 السيد الزرفي امام اختبار التكليف.. فرص النجاح و فرص الفشل
د. جواد الهنداوي
راي اليوم
ليس فقط السيد الزرفي امام الاختبار الموصوف في العنوان ، و إنما العراق بأحزابه وكتله السياسية ، العراق بمرجعيته ، العراق بمؤسساته الدستورية ،والعراق بعلاقاته الإقليمية والدولية ،ايّ بعلاقاته الامريكية وبعلاقاته الايرانية هو امام الاختبار .
ما ذُكِرَ اعلاه من كيانات و مؤوسسات هي ، في الحقيقة ، مراجع العمل و القرار السياسي
في العراق : للأحزاب دور وللمرجعية دور وللأمريكيين دور و لإيران دور ، وللشعب النتيجة ،او كما نقول ” للشعب الصافي ” .
محنة العراق في تأليف الحكومة تقتربُ في ارهاصاتها و مُددها الى نموذج تأليف الحكومة في اسرائيل : تكليف لمرشح يفشل في نيل ثقة البرلمان ،يُحلْ البرلمان ويُكلف من هو فائز في الانتخابات ،ثمَّ يفشل مرة أخرى في نيل ثقة البرلمان ،و يكّلف شخص آخر … نتنياهو ، و رغم الدعم الامريكي و الإنجازات التي حققها لاسرائيل على حساب مصالح العرب لم يفلح في نيل ثقة الأحزاب وتشكيل الحكومة .
ما هو مُراد قوله من الاستعانة بالمثل او بالنموذج الاسرائيلي هو انَّ قرار نجاح او فشل السيد الزرفي بيد الأحزاب والكتل السياسية . بالتأكيد لكل مراجع القرار السياسي في العراق ( الأحزاب ، المرجعيّة ،الإيرانيون ، الامريكان ) تأثير ، ولكن الفصل و الحسم هو في يوم الحساب ،تحت قبة مجلس النواب ، و قرار قبول او رفض السيد الزرفي يمّرُ بألف والف منعطفات و متغيرات حتى وصول ساعة الحساب .
لنحلل التأثير الخارجي (الامريكي و الإيراني ) على اختيار و عبور السيد الزرفي ، ولنضعْ جانباً موقف المرجعيّة الرشيدة ، والذي هو موقفاً ضمنياً و خفياً و يُعرف دون الحاجة لإعلانه ، ولا يصطدم مطلقاً مع ماتتخذه الأحزاب من قرار تحت قبّة البرلمان حتى وإنْ لم تكْ راضية عنه .
امريكا ستدعم ترشيح السيد الزرفي ، فهو شخصية معروفة وبشكل جيد لديها ، و الدعم الامريكي سينشط في القنوات المكوناتية والسياسية والشعبية ( التظاهرات ) ، و تعّول عليه الكثير في استتاب الامن وفقاً للمفهوم الامريكي و في التملّص من تنفيذ قرار البرلمان العراقي في غلق القواعد الامريكية وانسحاب جنودها ، وسيصل الدعم الامريكي ذروته يوم الحساب ،ايّ يوم التصويت على حكومة السيد الزرفي ، في مدة ال٣٠ يوم الدستورية ، وسنراه من خلال تواجد النواب ، وعلى مختلف انتماءاتهم القومية والدينية في الحضور لجلسة التصويت . ومنْ الآن بدأت تغريدات متنوعة و مختلفة تتحدث عن قدرة و قوة السيد الزرفي في كسب موافقة الأخوة السنة والأخوة الكرد على التصويت لحكومته .
ايران لن تعارض ، وتحت شعار ، تردده دائماً بانها مع ما يختاره الشعب العراقي ممثلاً بنوابه ، ستعمل و كالعاده ، على التكيفّ مع الحالة و احتواءها ، كي لا تتضرر مصالحها الاستراتيجية في المنطقة و العراق . تدرك ايران جيداً بانَّ قادة العراق او مَنْ يحكم العراق ، وبمختلف مسمياتهم وانتماءاتهم ، فَهِموا بانّّ العراق هو جزء من الامن القومي الإيراني ، ويقولونها الإيرانيون علناً ، و امريكا تتعامل أيضا وفق هذا المعطى السياسي الاستراتيجي . الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي أفرزت هذه المعادلة ، والحصار و احتلال العراق للكويت واحتلال امريكا للعراق ، والإرهاب ،جميعها عوامل ساهمت في ترسيخ هذه المعادلة ( العراق جزء من الامن القومي الإيراني ) .
هي ليست معادلة تحكم العراق بايران ، وانما فُرضت بحكم الاستراتيجيات الدولية و الإقليمية ، والتي نُفذتْ على المنطقة او يخطط لها في المنطقة .
رئاسة الوزراء في العراق ليست ادراة فقط لشؤون و مصالح الشعب ، وانماّ هي أيضاً إدارة للمصالح الإقليمية و الدولية المتاقطعة او المتناقضة ، هي أيضاً عدم تجاوز للخطوط الحمراء المرسومة إقليماً و دولياً ، والقدرة الدبلوماسية للعراق تتجلى في احترام هذه الخطوط ، وفي إطار الحفاظ على كرامة و مكانة وهيبة و مصلحة الدولة و الشعب .
لن يستطيع السيد الزرفي تشكيل حكومة دون مراعاة لمشاركة الأحزاب والكتل السياسية في تأليفها .
وقد يكون هذا الشرط أهون الشروط التي سيواجهها السيد رئيس الوزراء مقارنة باستحقاقات أخرى : جزءٌ منها يُريح الجانب الإيراني وفي مقدمتها انسحاب الجيش الامريكي و قوات التحالف و إغلاق القواعد الامريكية ، وقسمٌ آخر يريح الجانب الامريكي و في مقدمتها حلّ الحشد الشعبي و منع التواصل الجغرافي العسكري السوري العراقي وضمان سلامة الجنود الامريكيين من رشقات الصواريخ التي أخذت طابع التكرار و الإضرار .
عبور السيد الزرفي عتبة البرلمان ونيله الثقة يتوقف على إرضاءهِ لمشاركة الأحزاب والكتل السياسية في تأليف الحكومة و موافقتهم على برنامجهِ .
نجاح السيد الزرفي في عمله ، وبعد تشكيل الحكومة ،سيتوقف على قدرته في إدارة تداعيات الاختلاف و التناقض الامريكي الإيراني في العراق و في المنطقة .
هل سيستطيع تبني سياسة مفادها : الحشد الشعبي كيان ضمن القوات العراقية المسلحة ، و ليس لإيران علاقة او مصلحة فيه ، وانَّ وجوده وتقويته مصلحة عراقية وتساهم في امن واستقرار العراق والمنطقة ، حتى وان كان تسليحه ايرانياً او روسياً ؟ .
هل سيستطيع إقناع الامريكيين بانَّ انسحابهم من العراق هو قرار سيادي عراقي ، ولن يتخذه العراق من اجل مصلحة ايران ، و انَّ لأمريكا تواجد عسكري بري وبحري وجوي في جميع دول المنطقة المحيطة في العراق و ايران ،يمكن لها ان تعّول عليه في حالة الضرورة ؟
هل سيستطيع إقناع الامريكيين بتعاون اقتصادي وتجاري مُربح للطرفيّن ويغيّر الصورة العسكرية الحربية المعتدية عن امريكا في ذاكرة العراقيين ؟ .
من الخطأ الشائع على السنة سياسينا في العراق ، وحتى في وثائقنا وقراراتنا هو ” مطالبة امريكا بعدم تصفية حساباتها مع ايران على الساحة العراقية” !
هي ليست تصفية حسابات بينهما على الساحة العراقية ،هي استراتيجية امريكية اسرائيلية بعدم السماح ببناء العراق عسكرياً و اقتصادياًوحتى قيمياً .
نفترض قيام العراق غداً بتأسيس قوة عسكرية و بسمى حرس العراق و بدعم عسكري روسي تدريباً و سلاحاً ، لعارضته امريكا وسعت الى حلّه. ألمْ يعارضوا الاتفاق الاقتصادي الصيني العراقي ، وهو
اتفاق اقتصادي وليس عسكري و مع الصين و ليس مع ايران .
ايران شماعّة امريكية كُلّما همّت امريكا ولمصلحة اسرائيل بابتزاز العرب وإضعافهم عسكرياً و اقتصادياً .
سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 أميركا وإيران.. المواجهة داخل العراق
عبد الوهاب بدرخان
الاتحاد الاماراتية
للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر تلوح في العراق معالم مواجهة خطيرة بين الولايات المتحدة وإيران، وهي ليست جديدة، بل استمراراً لوضع تشكّل عام 2018 من حدثين: الأول نهاية الحرب لاقتلاع تنظيم «داعش» من مناطق سيطرته في العراق، والثاني إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والتمهيد لمسار عقوبات شديدة على إيران. في المرّة السابقة بلغت المواجهة ذروتها باغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، بُعيد وصوله إلى مطار بغداد. سبق ذلك، أواخر ديسمبر الماضي، إطلاق صواريخ على قاعدة كركوك ومقتل متعاون أميركي، وردٌّ على مواقع داخل العراق وسوريا قُتل فيه عشرات من «كتائب حزب الله» العراقي، إذ اعتُبر الجهة التي أطلقت الصواريخ.
عشية الاغتيال كان قادة «الحشد» وجموع مؤيدة له شاركوا في تظاهرة احتجاج أمام السفارة الأميركية في بغداد، وفي ما بعد قالت واشنطن إن «الحشد» كان ينوي اقتحام السفارة واحتجاز رهائن فيها، كجزء من مخطط كان نسجه سليماني لإرغام أميركا على سحب قواتها ومغادرة العراق. قامت طهران بردّ انتقامي أوليّ على الاغتيال وساد ما يشبه الهدنة بين الطرفين، لكنها تمسّكت بهدفها/ انتقامها الاستراتيجي: «طرد الأميركيين من المنطقة»… ومنذ فرض العقوبات والشروع في سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية تحتّمت المواجهة، لكن خياراتها تقلّبت بين المستحيل متمثّلاً بتفادي الصدام المباشر مع أميركا لأنها قد تردّ داخل الأراضي الإيرانية، وبين الممكن الذي يتيح عمليات تُنسب إلى ميليشيات موالية، كما في الاعتداء على منشآت «ارامكو» السعودية، أو الاعتماد على «الوكلاء» أينما كانوا للقيام بهجمات هادفة.
لم يبدُ التحرك متاحاً في سوريا بسبب الوجود الروسي والضربات الإسرائيلية، ولا متاحاً في لبنان نظراً على خطورته على «حزب الله»، لذلك ظل «الخيار العراقي» الأفضل لأن هناك دافعاً لدى ميليشيات «الحشد» (مقتل قائدها العسكري «أبو مهدي المهندس» برفقة سليماني)، ولأن فصائلها الأكثر ولاءً لإيران متحفّزة للثأر، خصوصاً «كتائب حزب الله»، فضلاً عن «النجباء» و«عصائب أهل الحق». يُضاف إلى ذلك أن الكتل الشيعية في البرلمان تمكّنت، بعد يومين على الاغتيال، من استصدار قرار يُلزم الحكومة بطلب انسحاب القوات الأجنبية من العراق. ولم يتمّ تفعيل هذا القرار لأن السنّة والكرد لا يؤيدونه، ولأن وضع الحكومة نفسها لا يؤهلها لتنفيذه، ولأن واشنطن رفضت البحث في الأمر، فيما لوّح الرئيس ترامب بعقوبات اقتصادية وعسكرية على بغداد.
الهجوم الصاروخي على قاعدة التاجي شمالي بغداد كان الثاني والعشرين من نوعه خلال الشهور الماضية، وكان الردّ الأولّ عليه ضد مواقع بين البوكمال والميادين في شرقي سوريا، لكنه استكمل بشكل غير مسبوق داخل العراق، تحديداً ضد «كتائب حزب الله». كان السؤال عما إذا كان الردّ سيشمل هذه المرّة أيضاً «هدفاً إيرانياً» لكن وزير الدفاع الأميركي استبعده عن أولوياته. تزامن الحدث الأخير مع صدور قرار من الكونغرس يمنع الرئيس من شن حرب ضد إيران. لكن الواضح أن واشنطن لا ترغب في الانجرار إلى مواجهة في سنة انتخابية، حتى لو أدّى ذلك إلى إضعاف «سياسة الردع» التي اعتُبر اغتيال سليماني بداية لتطبيقها.