ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 معايير الحياد الصحافي مجمدة في أدراج المصالح
كرم نعمة
العرب
لن تتردد وسائل الإعلام بإعلان الحياد في خطابها باعتباره أقدس المُثل، ولن تتوانى في التعريف عن نفسها بأنها تقدم أخبارا مجردة من أي انحياز، دون خوف أو تفضيل، بغض النظر عن تأثير الحزب أو الطائفة أو المصالح التجارية أو رغبة الممولين.
ولا توجد وسيلة إعلام اليوم لا تعلن بأن معايير الاستقلال هي حجر الأساس في طبيعة خطابها. في المقابل لم تخفت قوة السؤال الأهم عن الحياد، ماذا يعني ذلك في الممارسة الفعلية؟
إن الإجابة مصدر كبير للخيبة بنظر المتابعين، وأن الجمهور صار يتهكم على فكرة الإعلان المستمر والمتواصل عن الحياد، بينما يضع المحتوى الإعلامي على طاولة مشرحة الوعي البسيطة ليكتشف الانحياز المريع.
صحيفة مثل نيويورك تايمز تمتلك تاريخا باهرا، ومنذ عام 1896 لا تمل من القول إن محرريها يعملون بجد في ترك آرائهم الشخصية جانبا ويقرؤون الأحداث بعقل مفتوح، وأن مراسليها في جميع أنحاء العالم يتخذون تدابير دقيقة في حياتهم الشخصية ليظلوا موضوعيين في عملهم.
لكن الواقع المنشور ليس مثاليا في نيويورك تايمز التي نعدها مثالا تاريخيا في الصحافة، فهذه الصحيفة ليست محايدة وفق التقويم المفرط بالتفاؤل عندما يتعلق الأمر بأحداث العالم العربي مثلا، وأيضا هي غير محايدة عندما يتعلق الأمر بمصالح مع حكام عرب فاسدين أو دكتاتوريين. العراقيون والفلسطينيون والسوريون والليبيون والمصريون ضحايا لخطاب نيويورك تايمز السياسي. والإيرانيون أيضا عندما يتعلق الأمر بمصالح أميركية مع النظام الثيوقراطي الكهنوتي الإيراني، ذلك ما يدركه القارئ بشكل طبيعي.
إذا كانت معايير الحياد تفسر وفق المصالح عند أشهر الصحف العالمية، فالسؤال لا يحتاج إلى انتباه عميق عندما يتعلق بصحافتنا العربية، فمعيار الحياد موضوع في أدراج الحكومات منذ سنوات طويلة.
ينصح المخلصون لجوهر الصحافة، المحررين بشكل دائم في البحث عن وجهات نظر قد تكون مخالفة لآرائهم. والاحتفاظ بتصوراتهم المسبقة. لكن مثل هذا الأمر لا ينجح دائما، لأن الصحافي قد يكون مثاليا في التنظير، لكنه أيضا إنسان خاضع لأهوائه في الواقع.
كان كلام المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية الأسبق مارك تومسون حول قواعد الحياد، ملفتا قبل أن ينتقل إلى رئاسة تحرير صحيفة نيويورك تايمز عندما وصف فكرة الحياد بالقديمة ولا مكان لها اليوم في مجتمع الفضاء الإلكتروني والإعلامي المفتوح على الإنترنت، وطالب وقتها بالتخلص من قواعد الحياد التلفزيونية القديمة لاستقطاب المشاهد في عصر الإنترنت، اليوم تومسون في قمة هرم نيويورك تايمز التي ترفع شعار الحياد كمبدأ مقدس!
تستبعد ماجي أستور المراسلة السياسية لصحيفة نيويورك تايمز أن يكون بمقدور الإنسان عدم الانغماس في السياسة، لكنها تفكرا كثيرا عندما يتعلق الأمر بطبيعة عملها تقول “عندما أفكر بإجراء حوار مثلا، أسأل نفسي مرارا هل سأطرح السؤال بهذه الطريقة أم تلك، وأيهما أبعد عن إعلان رأيي المسبق بالوقائع، إلى أن أصل إلى الإجابة المقنعة لأعيد صيغة إطلاق السؤال”.
من المفيد هنا الاستفادة من رأي ماجي أستور، بعد الجدل الذي رافق الحوار الأخير لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مع قناة الشرقية الفضائية، فقد فشل المحاور، لسوء حظ الصحافة، في استثمار الاعتراف الأكثر طلبا في وسائل الإعلام وحوله إلى مزحة! بعد إعلان الصدر عن دور ميليشيات جيش المهدي في تفجير المفخخات واستعداده إلى إعادتها من جديد.
كم كان يترتب على المحاور أن يؤسس على هذا الاعتراف المفيد من أسئلة؟ أسئلة لا تجعل المحاور كمن يدافع عن الصدر ويجنبه السؤال الأهم مقابل الاعتراف الأهم الذي أعلنه، ذلك ما خذل الجمهور فيه مثلما خذل جوهر الصحافة.
مع ذلك علينا أن نقدر صعوبة المهمة التي قام بها المحاور لمقتدى الصدر، فهو صحافي وحيد بين ميليشياته ومن دون حماية، ويدرك المحاذير المترتبة على كل ذلك، المجازفة في مثل هذه المواقف لا تعادل حياة الصحافيين. تلك هي معضلة الصحافة اليوم. في العراق تحديدا.
في النهاية انتهاك حرية الصحافة لا يتعلق بإخفاء شيء يعتقده الصحافي، أو حجب الحقيقة عن الجمهور فقط، إنها مرتبطة بالثقة أكثر، طموح أي صحافي أن يثق به الجمهور، ذلك ما يعني قمة النجاح.
سبق وأن تساءل السير ألان، الذي أصبح أول رئيس لهيئة معايير الصحافة المستقلة في بريطانيا عام 2014، عن كيفية تطبيق قواعد أكثر صرامة “هل لديك قانون يقول عليك أن تكون مثل هيئة الإذاعة البريطانية في الذوق والتوازن واللياقة؟ أعني، أي نوع من القواعد يمكن أن يقال لصحيفة ’ألا تكون قاسية؟’”.
ثمة قصة تاريخية يتداولها الصحافيون البريطانيون كلما أرادوا الدفاع عن حريتهم حيال تغوّل الحكومات ومحاولة السيطرة على الصحافة، يبدو من المناسب العودة إليها مرة أخرى. ففي عام 1854، وخلال حرب القرم، أرسل مراسل صحيفة التايمز ويليام هوارد راسل، قصة خبرية كشفت أن الجنود البريطانيين كانوا يعيشون في ظروف قاسية، والمعدات الطبية غير كافية، والفوضى تكتنف إدارة الجيش. استشاط غضب حكومة لورد أبردين في عهد الملكة فيكتوريا آنذاك، واتهمت المراسل روسل ورئيس تحرير التايمز جون ديلان بضعف الحس الوطني عند نشر خبر ينتهك الأمن القومي. لكن محاولة إدانة المراسل وتشويه سمعة الجريدة فشلت، عندما توافد البريطانيون للتبرع بالمال للحصول على الإمدادات الطبية لدعم الجيش. وتلت ذلك تظاهرات عنيفة ضد الحرب أدت إلى انحسار حكومة أبردين بعد خسارتها الثقة.
لماذا حدث كل ذلك؟ قد نجد ما يشبه الإجابة عندما يتعلق الأمر بمحاورة مقتدى الصدر مثلا، فيما يغيب السؤال الأهم الذي ينتظره الجمهور.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 أحزاب العراق وارثة المحتل في انحطاطه
فاروق يوسف
العرب
عام 2017 أظهر الأكراد رغبتهم في الاستقلال عن العراق واعلان دولتهم المستقلة في استفتاء عام دعا إليه زعيمهم مسعود البرزاني. ذلك الاستفتاء لم يفشل غير أن نتائجه لم تتحقق على الأرض.
يومها أصيب البرزاني بالخيبة وقرر الاختفاء مؤقتا عن الانظار.
في تشرين الأول/اكتوبر عام 2019 خرج الشباب العراقي في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية مطالبين برحيل النظام وانهاء العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية.
الجهة التي أجهزت على الاستفتاء الكردي هي نفسها التي تصدت للمحتجين الشيعة بالرصاص الحي وقنابل الغاز وبنادق الصيد مرورا بالأسلحة البيضاء التي انحصر استعمالها بين أتباع مقتدى الصدر.
الغريب أن الموقف الكردي الرسمي كان ضد الاحتجاجات السلمية التي سعت إلى قمعها الأحزاب نفسها التي قمعت الأكراد يوم أقدموا على إجراء استفتائهم.
وإذا ما رغبنا في التوسع في الملهاة السياسية العراقية فإن ممثلي السنة في العملية السياسية كانوا هم الآخرين منزعجين من الاحتجاجات، خشية أن تؤدي فعلا إلى إسقاط النظام الطائفي الذي كان سببا في تدمير مدن ذات غالبية سنية كالموصل والفلوجة والرمادي.
كانت هناك حفلة تنكرية قرر المشاركون فيها إزالة الأقنعة عن وجوههم.
تلك هي حقيقة ما يجري في العراق.
فالأحزاب كلها، السنية والشيعية والكردية متضامنة في ما بينها إذا ما تعلق الأمر بتهديد مصالحها وهي تجتمع في اللحظة التي يشكل فيها الشعب العراقي خطرا عليها وعلى مصالحها. وهو ما يعني أنها تكذب حين تدعي أنها تمثل أحدا من العراقيين. فهي لا تمثل إلا مصالحها.
الأحزاب العراقية، وهي في معظمها دينية باستثناء الحزبين الكرديين اللذين يقومان على أساس عشائري، لا ترى من العراق إلا خزانة ماله. وهي من أجل الابقاء على تلك الخزانة تحت سيطرتها تسخر كل شيء ليظل الوضع تحت السيطرة بما يؤمن استمرار تدفق الأموال إلى حساباتها.
فالأحزاب الكردية على سبيل المثال توظف أحلام وطموحات الشعب الكردي القومية في استثماراتها داخل وخارج كردستان. تلك استثمارات لم يكن عائدها على الشعب الكردي ليُرى بسبب تداخل مصالح الطبقة الحاكمة بمصالح شركات أجنبية يسرت لتلك الطبقة القيام بعمليات فسادها.
اما الأحزاب الدينية، سنية كانت أم شيعية فإن ضبطت إيقاع حركة أتباعها على ما يمكن أن تدره مشاركتها في الحكم من أرباح. فهي من أهل الحكم إن كانت مصالحها مصانة وتنتقل إلى المعارضة في حال تعرضت تلك المصالح لأي ثلم مهما كان صغيرا.
لقد وضعت تلك الأحزاب الطائفة قبل الدين وصنعت منها هدفا وهميا تستطيع من خلاله أن تشعل حربا أهلية متى تريد. ذلك مرتبط طبعا بمناقصات سرية وتسويات يجري اعدادها في الخفاء. اما العوام فإنهم مشغولون بمَن قتل مَن ومَن سبى مَن ومَن ظلم مَن ومَن له الحق في ولاية المسلمين بعد وفاة النبي محمد قبل اربعة عشر قرنا.
من المؤكد أن تلك الأحزاب كانت تعرف أصول اللعبة وقواعد الاشتباك.
لذلك كان البعض يُصدم حين يرى الزعيم السني الذي ينادي برفع الظلم عن طائفته مجتمعا على العشاء مع الزعيم الشيعي الذي يعلن باستمرار أن أتباع المذهب السني هم أحفاد يزيد بن معاوية وهم قتلة الحسين.
أما الأحزاب الكردية فإن وجودهم فيه شيء من الغرابة. فكردستان التي يحكمونها لا تخضع للقوانين العراقية ومع ذلك فمنهم يتم اختيار رئيس الجمهورية العراقية وفي مجلس النواب العراقي لهم عشرات الممثلين ولهم حصة في الوزارات السيادية. ما هذه القسمة الغريبة؟
لا يعترف الأكراد بحق الشعب العراقي بواردات النفط المصدر من كردستان غير أنهم يستلمون حصتهم من واردات النفط العراقي.
يمكن القول أمام تلك الوقائع وسواها إن الأحزاب الي استولت على السلطة بعد الغزو الأميركي للعراق إنما تعمل على الإبقاء على العراق خاضعا لاستلابه من قبل قوة وهمية كما لو أنه لا يزال محتلا.
في حقيقة الأمر فإن الأحزاب تتصرف بطريقة تعلن من خلالها اذعانها الدائم لمشروع الاحتلال باعتبارها وارثة انحطاطه.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 شهادة تأبى النسيان
احمد صبري
الوطن العمانية
خمسون عاما مضت على صدور بيان الحادي عشر من مارس (آذار)1970 الذي يصادف غدا، وهو الاتفاق الذي أبرمته القيادة العراقية مع قيادة الحركة الكردية لحل القضية الكردية ومعالجة القضايا الخلافية بين المركز والإقليم والذي نال بموجبه الأكراد حقوقهم السياسية والثقافية بموجب الحكم الثاني، والاعتراف بالقومية الكردية قومية ثانية بعد العربية في العراق، فضلا عن منح الأكراد مناصب رفيعة في الدولة العراقية، إلا أن هذا الاتفاق التاريخي لم يدم طويلا بعد أن تعثرت خطواته بفعل التدخلات الخارجية وانعدام الثقة بين الطرفين رغم تمسك القيادة العراقية ببنوده واستعدادها لتثبيته، والمضي قدما في تنفيذ فقراته وتطويره.
والعقود الخمسة الماضية شهدت تطورات وتحولات كبيرة في مسار العلاقة بين بغداد وأربيل والدور الإقليمي والدولي الذي كان حاضرا في مسار هذه العلاقة التي كادت أن تثمر عن اتفاق جديد وبصيغة متطورة يلبي طموح الأكراد وحقوقهم، إلا أن العامل الخارجي مرة أخرى يقف حجر عثرة في طريق الاتفاق الذي كادت أن توقعه الجبهة الكردستانية مع القيادة العراقية عام 1991 خلال زيارة وفد الجبهة إلى بغداد في حينها.
وعندما نتحدث عن مسار العلاقة بين بغداد وأربيل فإنني أتوقف عند صفحة مهمة من صفحات هذه العلاقة، وأدلي بشهادتي عندما التقيت في بغداد عام 1991 بالزعيم الكردي مسعود البرزاني وأجريت معه حوارا صحفيا مثيرا.
واكتسب حواري مع البرزاني أهمية؛ لأنه أقر بحقيقة حاول الكثيرون التشكيك بصدقيتها عندما أكد لي أن الرئيس صدام حسين هو ضمانة الأكراد في أي اتفاق مع الحكومة المركزية، ومرد هذا التأكيد يعود إلى حملة التشكيك التي طاولت الموقف العراقي إزاء مسار المفاوضات مع الوفد الكردي، لا سيما أن الحملة ركزت على أن سبب تأخير إعلان الاتفاق بين الجانبين يعود إلى مطالبة الأكراد بضمان الأمم المتحدة لأي اتفاق مع الحكومة العراقية.
ومهَّدت لسؤالي إلى البرزاني باستفسار مفاده: إذا تخاصم شقيقان من بيت واحد من الذي يصلحهما؟
قال: ربّ البيت. وزدت: إذا حصل خصام بين طرفين من خارج البيت؟ قال: العقلاء والحكماء يحلان المشكلة.
وعندما لاحظت استغرابه من أسئلتي، قلت موضحا: بماذا ترد على الأنباء التي تتحدث عن أن الوفد الكردي يرفض التوقيع على الصيغة المطورة للحكم الذاتي، ويشترط ضمانة المجتمع الدولي وخصوصا مجلس الأمن؟ فردَّ على الفور: إنَّ صدام حسين هو ضمانة الأكراد بتأكيد لا يقبل التأويل.
وحواري مع البرزاني نشر كاملا في مجلة (ألف باء) التي كنت من أسرتها، ووضعت صورته على غلاف المجلة لتوثيق الحدث كما هو مع المانشيت الذي تناقلته وسائل الإعلام لأهميته، لأنه كان ردًّا على حملة التشكيك بالموقف العراقي، وهي شهادة مهمة من طرف كردي أساسي في الوفد الكردستاني هو البرزاني.
وبعد حوالي شهر من هذا اللقاء التقيت البرزاني مجددا في فندق الرشيد مصادفة، وقبل أن أسأله عن الحوار بادر مسؤول الإعلام في الوفد، وكان حينها هوشيار زيباري وقال لي: كنت مبالغا في الحوار وتفاصيله، والتفت إليه البرزاني وقال: لا توجد مبالغة، وكل ما ذكره أحمد كان صحيحا وعلى لساني شكرته، وقلت لهوشيار: إنني قمت بتسجيل ما قاله البرزاني، ونشرته بأمانة ومهنية وحيادية.
هذه شهادة للتاريخ موثقة بالصوت والصورة لصفحة مهمة من صفحات العلاقة بين بغداد وأربيل التي كادت أن تبلور صيغة مطورة للحكم الذاتي عام 1991، إلا أن التدخلات الخارجية كان هدفها في تلك الفترة هو إضعاف العراق بالحصار وصولا إلى احتلاله عام 2003.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 جاسوسة أمريكية لحزب الله
سوسن الشاعر
البيان
يكشف لنا خبر اكتشاف الجاسوسة الأمريكية العراقية الأصل في البنتاغون أن «من الحب ما قتل» فهذه السيدة خانت (أمريكا) وطنها وتعاونت مع منظمة إرهابية (حزب الله) لأنها واقعة في غرام لبناني من حزب الله!
كما يكشف لنا الخبر درجة تورط حزب الله في الصراع الأمريكي- الإيراني، أما أهم الاكتشافات والذي كانت مثار جدل في الصحف الأمريكية هو حجم الخلل في نظام حماية المعلومات الأمريكية في الوقت ذاته! إذ دأبت القوات الأمريكية على التعاون مع مواطنين في الدول التي بها قواعد أمريكية، وكان ذلك الإجراء مدخلاً للتجسس في العديد من الحالات، أما «السيدة» مريم تومسون الجاسوسة التي قبض عليها فهي أمريكية من مينيسوتا من أصل عراقي عمرها 61 عاماً هذا ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية و«يو اس تودي» واللتان ذكرتا «إن مدعين فيدراليين أعلنوا الأربعاء أنه تم اعتقال إحدى المتعاقدات لدى وزارة الدفاع الأمريكية «بنتاغون»، وتعمل متخصصة في علم اللغويات بالعراق، ووجهت إليها تهمة التجسس لقيامها بنقل معلومات سرية للغاية حول مصادر المخابرات الأمريكية إلى شخص له علاقة بمنظمة حزب الله اللبنانية، وتواجه أحكاماً محتملة بالسجن المؤبد أو الإعدام».
التهم خطيرة جداً إذ عّرضت هذه السيدة الستينية حياة العديد من الشخصيات الأمريكية، ومن المتعاونين للخطر، ومنهم عراقيون وأكراد، حيث جرت الحادثة في أربيل، الغريب أن السيدة تومسون لم يمض على تعيينها سوى ستة أسابيع واستطاعت خلال هذه الفترة الوجيزة أن تنقل العديد من المعلومات السرية والخطيرة إلى حزب الله، ما يدل على خلل كبير في نظام حماية المعلومات الأمريكية، وبالمقابل يدل الخبر على تغلغل حزب الله اللبناني حتى وصوله إلى أربيل وهي من المناطق الكردية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
الأغرب أن (الحب) كما تقول السيدة مريم كان وراء الدافع الذي عرض حياتها للخطر، إذ وفق للصحيفة «إنه بعد إلقاء القبض عليها، أكدت السيدة تومسون أنها كانت تنقل تلك المعلومات، لأنها كانت تربطها علاقة حب مع هذا الطرف والمعروف في الإفادة باسم «المتآمر المشارك»، الذي أوضحت المحكمة أنه مواطن لبناني له علاقة بحزب الله».
«كان قد تم تعيين مريم تومسون في ديسمبر 2019 بمنشأة عمليات خاصة في أربيل، العراق. بعد يوم من اقتحام المتظاهرين للسفارة الأمريكية في بغداد للاحتجاج على الضربات الجوية الأمريكية ضد ميليشيا مدعومة من إيران. بدأت تومسون بجمع معلومات من خلال الدخول إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بوزارة الدفاع الأمريكية لجمع معلومات تتعلق بمصادر الاستخبارات البشرية بناء على طلب متآمر له علاقة بحزب الله، الوكيل الإقليمي لطهران، وفقاً لشهادتها» انتهى. ولا ندري إن كان ذكاء هذه السيدة أو خلل نظام حماية المعلومات هو السبب؟ إنما يقول ممثلو الادعاء إنها تمكنت من الوصول إلى 57 ملفاً على مدار ستة أسابيع تتعلق بعملاء في العراق يعملون لصالح وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، وهي معلومات تقول الحكومة إنها «سرية للغاية».
الجاسوسة الستينية وجدوا أسفل فراشها مذكرة مكتوبة بخط اليد باللغة العربية تحتوي على أسماء ثلاثة مصادر بشرية كانوا يجمعون المعلومات الاستخباراتية للولايات المتحدة، مع تعليمات بضرورة مراقبة هواتفهم. كما أخبرت المحققين أنها تمكنت من نقل المعلومات الموجودة في الملفات عن طريق حفظها وكتابتها وإرسالها عبر دردشة الفيديو على منصة رسائل آمنة، حيث تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من الوصول إلى هاتفها الذي كان يحتوي على تفاصيل عن كيفية جمع المصدر للمعلومات الاستخباراتية.
ما زالت تداعيات هذا الخبر في أولها والأيام المقبلة ستكشف عن مزيد من التفاصيل في هذه القصة المثيرة والتي تصلح لفيلم سينمائي.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 انسحاب علاوي انتصار للشعب وهزيمة لمن تبناه ودعمه
هارون محمد
القدس العربي
كان أول خطأ سياسي، وقع فيه رئيس الوزراء المكلف المنسحب محمد علاوي، أنه صدّق، أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، سينجح في تمرير حكومته في البرلمان، بعد أن تفاهم الأخير مع رئيس كتلة (الفتح) هادي العامري، في قم الإيرانية، واتفقا على ترشيحه، على منوال ما فعلاه في اختيار عادل عبد المهدي نهاية عام 2018، ولم ينتبه إلى التغير الكبير، الذي تشهده الساحة العراقية، منذ الاول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، المتمثل بالتظاهرات الشعبية، التي عمت بغداد ومحافظات الفرات الأوسط والجنوب، وأغلبية سكانها من الشيعة العرب، المناهضين للطبقة السياسية الحاكمة، التي تقودها أحزاب وكتل موالية لإيران، وتخضع لأجندتها.
ولأن علاوي، بعيد عن العراق، منذ عام 2012 بعد استقالته من وزارة الاتصالات في حكومة نوري المالكي الثانية، بسبب مشكلة إدارية مع موظفة في وزارته (مستشارة فنية) كان بمقدوره نقلها إلى وزارة أخرى، بموجب صلاحياته، ولكنه آثر الانسحاب، وعدم الدخول في مواجهة مع المالكي، الذي كان يلتزمها، فإنه عاد، هذه المرة، وقبل بتكليف رئيس الجمهورية برهم صالح برئاسة حكومة انتقالية، من دون أن يلحظ أن المرحلة الراهنة تحمل سمات جديدة، تختلف عما جرى في السنوات الخمس أو العشر الماضية، وأبرزها أن الشارع العراقي، بات هو القوة المحركة في المشهد السياسي، وأن تظاهراته السلمية، التي انتشرت وتصاعدت، شكّلت إرادة أقوى من مواقف الأطراف الحزبية، والميليشيات الطائفية، والكتل النيابية مجتمعة، وصارت الرقم الصعب في المعادلة السياسية، خصوصاً أنها حظيت بتأييد أكثرية الشعب، ودعم أغلب الشرائح الاجتماعية، وفي مقدمتها الفقراء، والكادحون، والطلبة والشباب، والنساء، والنقابات المهنية، والكسبة والموظفون، والعمال والفلاحون، والمتقاعدون، وتعداد هذه الفئات بالملايين، الأمر، الذي دعا كثيرا من المعلقين والمحللين السياسيين، إلى إطلاق مصطلح (الكتلة الأكبر) عليهم، نكاية بادعاءات مقتدى الصدر، وتصدياً لمزاعم هادي العامري، اللذين حاولا تسويق نفسيهما، بصفتهما يمثلان تلك الكتلة.
ومما فاقم في انخفاض شعبية محمد علاوي، وتضاؤل فرص نجاحه في تشكيل حكومته المؤقتة، أن الصدريين، الذين تعاونوا مع الأجهزة الأمنية والحكومية، وقمعوا التظاهرات الشعبية، بميليشيا سرايا السلام، وأصحاب القبعات الزرق، انحازوا إليه بنحو سافر، وهددوا من يعارضه، ولم يكتفوا بتغريدات مقتدى وتصريحاته، بضرورة تمريره مهما كلف الأمر، وإنما وصلت الحال بالصدر، إلى الظهور، في برنامج تلفزيوني لقناة عراقية، توعد فيه، من يعارض علاوي، وهدد بتسيير تظاهرات (مليونية) لاقتحام المنطقة الخضراء، وحصار البرلمان، وإجبار أعضائه على تزكية الكابينة الوزارية الجديدة، بل إنه أعلن استعداده لإعادة (جيش المهدي) وهو ميليشيات تتبعه، ارتكبت جرائم وانتهاكات وعمليات تهجير طائفي في بغداد والبصرة تحديداً، خلال أعوام (2005 ـ 2008) في إشارات، تحمل أكثر من دلالة على عودة الاقتتال الطائفي، وتكريس الانفلات الأمني، في حين سعى مساعده حسن الكعبي، نائب رئيس مجلس النواب، إلى تجاوز الدستور، ومخالفة القوانين المرعية، لعقد جلسة استثنائية للبرلمان، بشتى الطرق والأساليب، لتمرير علاوي وكابينته الوزارية، ولكنه أخفق في محاولاته، كما فشل رئيسه في ترهيب المناهضين لعلاوي.
علاوي عزل نفسه، واعتمد على مستشارين من ضمنهم نجله، من دون أن يمد جسوراً مع المتظاهرين
وليس صحيحاً، ما ذكره علاوي، في خطاب انسحابه، مساء الأول من الشهر الحالي، من أنه سعى إلى تأليف حكومة مستقلة، وغير محاصصاتية، لان تشكليته الوزارية، التي تسربت ونُشرت، ضمت وزراء، هناك مؤشرات ووثائق تفيد بأنهم واجهات خلفية لقيادات وكتل شيعية، وأحدهم وهو عميد لإحدى الكليات، تمتلئ صفحته، بصوره مع زعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، بالإضافة إلى تهم بالفساد موجهة إليه من هيئة النزاهة، وهناك وزير في التشكيلة، كان نائباً وسفيراً، وعضواً متقدماً في الائتلاف الشيعي، ووزير مرشح آخر، شغل منصب مستشار اقتصادي لكل من حيدر العبادي، ومن بعده عادل عبد المهدي، معروف أنه مجرد (موظف)، رغم أن وظيفته تفرض عليه، أن يخطط ويسهم في برامج التنمية والإصلاح، ولعلها من المفارقات، أن علاوي ضم إلى كابينته اسم تركمانية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تعمل سفيرة في دولة أوروبية حالياً (سندس عمر علي) ولكنه سرعان ما شطب اسمها، بعد أن تبين أنها سنية، واستبدلها بشخص تركماني أيضا، يدعى حسن البياتي، ولكنه شيعي، الأمر الذي أثار موجة من السخرية في الأوساط الشعبية، على من يدعّي، أنه غير طائفي ولا يؤمن بالمحاصصات! وصحيح أن علاوي، وكما قال في خطاب اعتذاره وإعلان إخفاقه في تشكيل حكومته المؤقتة، قد تعرض إلى ضغوط من الأطراف السياسية والكتل النيابية، لإشراك ممثلين عنها في كابينته، ولكن الصحيح ايضاً، ان الشارع العراقي رفضه، منذ اليوم الأول لتكليفه، وقد تعمد أن يتجنب ذكر ذلك في خطابه، مع أنه كان السبب الأساس لفشله، لأنه عزل نفسه، واعتمد على خمسة أو ستة مستشارين، من ضمنهم نجله، في إجراء اتصالاته ومشاوراته، من دون أن يمد جسوراً مع المتظاهرين، والاستماع إلى آرائهم وهمومهم وتطلعاتهم، وكان هذا خطأ آخر، يضاف إلى عديد أخطائه، التي ارتكبها خلال شهر كامل، هي مدة التكليف، التي انتهت في الأول من الشهر الحالي، ولم يقبل بالنصائح، التي وجهت إليه، من مثقفين وأكاديميين، بالنزول إلى ساحة التحرير، مركز التظاهرات في العاصمة، ولقاء المتظاهرين، وإجراء حوارات معهم، وامتنع أيضاً، عن الاجتماع مع نقابات المحامين والمعلمين والأطباء والمهندسين والعمال والطلبة والفلاحين، والاستماع إلى وجهات نظرها، وهي التي سجلت موقفاً واضحاً في تبني مطاليب التظاهرات، والتحمت بهم، واعتذر من دون مسوغ، عن زيارة المحافظات، والاجتماع مع ناشطيها، والاستئناس بما يحملون من آمال وتطلعات، وقد قيل في ذلك، إن الرجل من أسرة غنية، ومن أصول ارستقراطية، لا تسمحان له، بالتعاطي مع الشارع، والتعامل مع الجمهور الشعبي، وهذا إن صح، فانه يعكس استخفافاً بالشعب، وتشبثاً في استمرار العيش في الأبراج العالية.
ومرة أخرى، نُعيد ونُكرر، أن على القيادات المتسلطة، والأحزاب المستأثرة، أن تعي أن هناك انتفاضة شعبية، في طريقها إلى ثورة عارمة، إذا واصلت تلك القيادات والأحزاب، فسادها ونفوذها، وأدارت ظهرها، لإرادة الشعب ونضاله، نحو الإصلاح والتغيير، وعليها، أيضاً، أن تدرك، أن الاستقواء بالميليشيات لن ينفعها، والاعتماد على دول أجنبية، لن يُفيدها، وأمامها طريق واحد لا غير، الرضوخ للشعب، وتلبية مطاليبه المشروعة، في عراق حر ومستقل وقوي، وإلا فإن الطوفان قابل عليها، يطيح بكياناتها وقادتها ورموزها، ويومئذ لن يُجدي الندم.