ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الحكومة العراقية القادمة ستورث دولة متخلفة مفككة خاوية على عروشها
نصيف الجبوري
راي اليوم
بعد أن طفح الكيل ووصل السيل الزبى لا تزال الانتفاضة التي انطلقت قبل اكثر من أربعة اشهر تجاهد وتناضل من اجل تصحيح بعض المسارات السياسية المتعلقة بمفوضية الانتخابات وقانون الترشح وبعض الاصلاحات الثانوية. في حين أن البلد اضحى دولة خاوية على عروشها مهدمة الاركان من كل النواحي الحياتية حيث اعادها وكلاء الاحتلال إلى العصر الحجري.
طيلة 17 عاما من مسلسل التخريب والفوضى الذي لم يقتصر على الجانب الطائفي والمحاصصة الحزبية والفساد الاداري والمالي. إنما شمل التخلف بقية القطاعات الحيوية الأخرى كالنفط والنقل والتجارة والتعليم والصحة والاعمار والخدمات العامة.
لقد عمل وكلاء الاحتلال في بغداد وباوامر أمريكية على تفكيك الدولة منذ اليوم الأول لوصولهم وتمكنوا بزمن قياسي تهديم ما بنته الأنظمة الملكية والچمهورية منذ عام 1920 حتى 2003. لم يلتزموا بالمبدا الاسلامي الذي يحتم على الحكومة أن توفر الحد الادنى لشعبها من الاسس الحيوية للحياة البشرية كالماء للشرب والزراعة والكلا الذي يشمل الملبس والمأكل والنار وهو كل ما يتعلق بالطاقة كالنفط والتدفية وفق حديث نبوي يقول اشترك الناس في ثلاث الماء والكلا والنار.
كان الهدف الأمريكي المعلن بعد غزو الكويت على لسان جيمس بيكر إعادة العراق إلى ما قبل التاريخ. لذا كانت الاحزاب التي دخلت وراء دبابات الاحتلال وفية للمطلب الأمريكي. فلم يتبنوا الحل الاسلامي ولا الحل الاشتراكي ولا الحل الراسمالي. لقد عملوا منذ البداية على كشف عورة العراق فبيعت اسلحته العسكرية الدفاع عن استقلاله بثمن بخس إلى ايران وغيرها. لقد ارتكنوا على اعداءه فاصبح العراق غنيمة لهم ولاحزابهم ودول الاحتلال.
لقد شرعوا في تقاسم الغنيمة فيما بينهم خصوصا النفط حيث ا اضحت امواله فريسة سائغة لأمريكا وإيران والصين والأحزاب الحاكمة. كانت أمريكا تريد تغيير النظام السياسي العراقي ليكون مواكبا لاقتصاد السوق. لكن انانية وجشع الاحزاب الحاكمة اختارت الفوضى الإقتصادية والاجتماعية وسلمت مقاليد البلاد إلى مافيات الاحزاب والمليشيات التي تتسابق في الكسب السريع وغير المشروع.
من المعلوم ان الأنظمة الراسمالية تتميز بحرية المنافسة في الاسعار بين الشركات وهي بالتالي تساهم في سد احتياج المواطن الفقير. ففي دول راسمالية كبريطانيا وأمريكا وفرنسا يستفيد المواطن الفقير من التنافسية لشراء احتياجاته علما بأن مؤسسات الدولة تفرض تقديم بعض البضايع ذات نوعية جيدة وباسعار تنافسية معقولة. ل القد باعت كل من بريطانيا وفرنسا قطاع النقل البري في لندن وباريس الى شركات متخصصة محلية واوربية. لذا كانت النتيجة ان نوعية النقل وخطوطها قد تحسنت كثيرا ولم ترتفع اسعار النقل العام كثيرا عما كانت عليه سابقا. لقد استغلت الدولة مبالغ بيع تلك الاسهم لتحسين الطرق وتحديث وسائل النقل العام.
أن ما جرى في العراق أمر فوضوي تخلت فيه السلطات السياسية عن احتياجات الدولة العميقة في جميع المجالات كالنفط والخدمات المدنية والضريبية لصالح شركات غير مهنية مرتبطة باحزاب السلطة ومليشياتها. لقد بيعت وسائل النقل العام على سبيل المثال باثمان بخسة كالخردة إلى قادة المليشيات والأحزاب الحاكمة التي لا تمتلك أي كفاءة في هذا المجال. لقد استغلت الاحزاب حاجة المواطن الأساسية للتنقل في العاصمة وبقية المدن. ففتحت الاستيراد على مصراعيه دون رقابة لذلك دخلت العراق وسائل نقل عامة بدائيه غير امنة كالستوتة وغيرها وعادت وسائل النقل الحيوانية من جديد. انتهجت الحكومة حرية الأسعار وتخلت عن مراقبة نوعية البضاعة وصيانة الطرق وتحديثها في جميع المجالات.
اما الخطوط الجوية العراقية فقد بيع القسم الاعظم منها إلى الثنائي الحكيم،- العامري انذاك ليؤسسوا فلاي بغداد. مما جعل من الخطوط الوطنية شركة فاشلة. باتت كل تلك الشركات العامة والخاصة تابعة الاحزاب ومليشياتها وفق مبدأ المحاصصة التي لم تعد طائفية فحسب إنما اقتصادية وتجارية ووضيفية. اما النقل البري فقد سيطرت عليه شبكة مليشياوية متعددة القوى بعضها خاضع لبدر واخرى للدعوة والفضيلة الخ.
اما قطاع النقل البحري فالمواني العراقية تعتبر اعظم شريان اقتصادي تجاري للعراق ونافذته مع دول العالم. لقد تعرض هذا القطاع منذ البداية إلى السرقة المنظمة والتهديم الممنهج من قبل مليشيات الاحزاب وفق حصص متفق عليها. فبيع النفط واستيراد البضاءع يخضع لسيطرة الاحزاب الحاكمة. فكل حزب ومليشيا له حصته وعمولته حسب ارقام ارصفة الموانى فرصيف تدفع ارباحه للتيار الصدري واخر للفضيلة وهكذا. اذن أن عمولات حركة البضاءع سواء في الشحن أو التفريغ تخضع لمساومات بين الأطراف المسيطرة على السلطة. لقد شهد العراق أيضا في عام 2012 تنازلات لارصفة في خور الزبير ومناطق بحرية مهمة في خور عبدالله عند رأس الخليج العربي لدولة الكويت مقابل رشاوى قدمت إلى كل من وزير النقل والخارجية العراقيين آنذاك.
ان العراق المختطف من قبل الاغراب ووكلاء الاجنبي يعود القهقرى وبسرعة جنونية إلى الوراء. ليتحول إلى بلد فاشل لا يمكن أن يقوده حزب أو احزاب الا بمؤازة ومساندة الاجانب. لقد فقد العراقيين الحس الوطني ويريدون اليوم استعادة ذلك الوطن المغتصب. الايام القادمة عصيبة وندعوا الله أن يكون في عون الحكومة الوطنية القادمة التي ستنبثق من الحراك الشعبي للتحديات الجسام والعمل المضني والشاق الذي ينتظرها. سوف تستلم عراقا مهدما ممزقا مفلسا متخلفا في جميع المجالات. لكن لا بد من البدأ بخطوة في مسيرة الالف ميل
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 «بناتك يا وطن»… نساء انتفاضة تشرين يصدحن
صادق الطائي
القدس العربي
ما لبثت الاتهامات المختلفة تنهال على شباب الانتفاضة في ساحات الاحتجاج العراقية، فمن» الجوكرية» مرورا بـ»أولاد السفارات»، إلى «أولاد الرفيقات» إلى آخر موجة أطلقتها أحزاب العملية السياسية الفاسدة وميليشياتها، التي تمثلت بالطعن بشرف العراقيات المشاركات في الاحتجاج، واتهامهن بسوء الأخلاق والانحلال والفساد. إذ مثلت المرأة أيقونة انتفاضة تشرين بحق، بصمودها وعطائها وقوة شخصيتها، ما أرعب قوى الإسلام السياسي الظلامية، التي أطلقت حملتها المسعورة، بعد أن أطلقت رعاعها، الذين قاموا مؤخرا بطعن إحدى المشاركات في مسيرة إدامة زخم الاحتجاج.
هذه الأحداث التي نشهدها في شهر فبراير/ شباط، تذكرنا بما حصل في الثورة الإيرانية في فبراير عام 1979، إذ اشترك في الثورة ضد نظام الشاه الشمولي الإسلاميون، والليبراليون، والشيوعيون، واليساريون من كل أطياف المجتمع الإيراني، لكن ما أن وصل الخميني من باريس في فبراير 1979 حتى ابتدأ لعبة الاستحواذ على الثورة، وتجييرها باسم الإسلاميين. وقد قال الخميني في أول خطبه في مدينة قم «بسم الله، اسم الله في البداية، لكن الله لا يقبل الفاسدين، سعيد هو المؤمن الحقيقي… الويل لأعداء شعب الله والدين». وفي ذلك إشارة لا تخفى على مراقب، إشارة تبين توجه الإسلاميين ونيتهم إزاحة جميع منافسيهم، والاستحواذ على السلطة والتفرد بها، لكن قوى اليسار والليبراليين طمأنوا شارعهم، وأكدوا للناس أن لا مشكلة، أو نزاع مع الإمام.
وتذكر شاهدات عيان حضرن التظاهرة النسائية الكبيرة التي انطلقت يوم 8 مارس/آذار 1979، في يوم المرأة العالمي بشكل عفوي، بدون دعوة من أي حزب، أو حركة سياسية، أو تيار مجتمعي، بل كانت تظاهرة نسائية رافضة لتوجيهات واشتراطات الخميني، بفرض الحجاب على الإيرانيات، بعد أقل من شهر من وصوله إلى طهران، فقد جالت مركز طهران عشرات الآلاف من المحتجات، أمام ذهول قوى اليسار والأحزاب الليبرالية التي حاولت أن تخفف من الازمة دون جدوى، فما كان من الإسلاميين إلا إطلاق مجاميع من المتشددين المسلحين بالسلاسل والعصي والأسلحة البيضاء، الذين هجموا على المحتجات وأسمعوهن قاموسا من الشتائم القبيحة، وإنهالوا عليهن بالضرب بالسلاسل والعصي، حتى تم تفريقهن، ليتم وأد أول حراك نسوي معارض للحكومة الإسلامية في إيران بسبب عنف عصابات الإسلاميين وتواطؤ الليبراليين واليساريين.
في العراق طالما سعت حركات الاسلام السياسي الرث إلى الدعوة للتمسك بقشور السلوك الإسلامي المتمثل بالمظهر والشكل الخارجي، والحجاب ومنع استخدام الماكياج بالنسبة للمرأة، وإطلاق اللحى وشكل الملبس بالنسبة للرجل، والتركيز بشكل مفرط على الفصل بين الجنسين، بدءا من المدارس والجامعات مرورا بأماكن العمل، وصولا إلى المزارات الدينية وأماكن العبادة، والسعي لإيجاد نوع من شرطة الأخلاق المتسلطة على سلوكيات الأفراد اليومية، لكن ومن جانب آخر، نجد الأحزاب والمليشيات، والعصابات نفسها تمارس كل أنواع الفساد السياسي والأخلاقي والاجتماعي، فهي من نهبت المال العام، وهي من أفسدت الحياة السياسية في البلد، وهي من تدير عمليات تهريب المخدرات إلى العراق، وهي من تقوم بخطف وابتزاز العراقيين، وهي من تدير شبكات الدعارة، وصالات القمار، وكل ما يمكن أن يخطر على بال من موبقات، لكنها تبقى في الظاهر تدعي الطهرانية، وتطالب بتطبيق أحكام الشريعة في المجتمع.
ليس جديدا اتهام أحزاب النهب والفساد للثوار، فمنذ اليوم الأول لانطلاق الحراك الجماهيري، اشتغلت ماكنة الإعلام الصفراء لهذه الأحزاب بكل طاقتها على شيطنة الحراك، ومحاولة ربط شبابه بمختلف الاتجاهات، فمرة البعث ورغد صدام حسين، هي من يمول ساحات الاحتجاج، ومرة أمريكا وإسرائيل تدير غرفة العمليات التي تحرك الاحتجاجات، ومرة دول الخليج، بالإضافة إلى اتهام الاشخاص بسلوكهم الأخلاقي، فهم كما وصفهم سياسي عراقي من سقط متاع الطبقة السياسية؛ «خمارة، قمارة، لواطة، يعيشون في حالات الفسق والفجور في خيام الاعتصام وبناية المطعم التركي»، والمفارقة المضحكة أن هذا السياسي «الإسلامي»، الذي أطلق كل هذه التوصيفات معروف لدى الجميع بممارسة كل ما أتهم به شباب الانتفاضة، وفنادق بيروت ودبي وأذربيجان ومنتجعاتها، تشهد على صولاته وجولاته هو ورفاقه من «مناضلي الأحزاب الإسلامية».
منذ اليوم الأول لانطلاق الحراك الجماهيري، اشتغلت ماكنة الإعلام الصفراء لأحزاب السلطة بكل طاقتها على شيطنة الحراك
لكن المختلف هذه المرة، أن رأس الحربة في موجة الاتهامات الاخيرة كانت مقتدى الصدر وتياره وميليشاته، فبعد كل محاولاته لتمرير حكومة محمد توفيق علاوي ،عبر تفكيك الحراك، وإجهاض الانتفاضة، التي باءت بالفشل الواحدة تلو الأخرى، وصل مقتدى ومن يستخدمهم في كتابة التغريدات، إلى ما أعتقدوا أنه الخاصرة الرخوة للانتفاضة، إذ أطلقوا عدة تغريدات ينتقدون فيها «الاختلاط بين الجنسين» في ساحات الاحتجاجات، ويتحدثون عن حصول ممارسات «غير أخلاقية» فيها. وجاء رد نساء الانتفاضة مبهرا منددا بهذه التصريحات، عبر إطلاق ما عرف بـ»المسيرة الوردية»، إذ خرجت الخميس 13 فبراير تظاهرة نسوية تحت شعار «لست عورة» في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، كما شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملة كبيرة تحت هاشتاغ «بناتك يا وطن» انتقدت هجمات الصدر ورجاله على نساء ساحات الاعتصام.
صعّد مقتدى ورجاله من حملتهم، وطرحوا أنفسهم باعتبارهم أوصياء على المجتمع العراقي والتزاماته الأخلاقية، وذكروا المجتمع بحقبة سوداء من تاريخهم القريب، عندما سيطرت ميليشيات الصدر على مناطق شيعية بين عامي 2006
و2009 ومارست حملات من التضييق على الحريات العامة والاعتداءات على المواطنين. وظهرت حملة مقتدى جلية في تغريداته ومنشوراته المتلاحقة، هو وصالح محمد العراقي، الشخصية المجهولة والمقربة من الصدر، إذ كتب مقتدى تغريدة منفعلة جاء فيها «بالأمس تعالت أصوات التشدد والقتل وحزّ الرقاب والتفخيخ باسم الدين، واليوم تتعالى أصوات التحرر والتعري والاختلاط والثمالة والفسق والفجور، بل والكفر والتعدي على الذات الإلهية، وإسقاط الأسس الشرعية والأديان السماوية»، وأضاف »إننا ملزمون بعدم جعل العراق قندهار للتشدد الديني، ولا شيكاغو للتحرر والانفلات الأخلاقي والشذوذ الجنسي»، ولم يفهم أحد سبب عشوائية اختيار شيكاغو في تغريدة مقتدى، إلا إنها تحولت إلى مصدر للسخرية والتندر على منصات التواصل الاجتماعي.
بدوره دعى صالح محمد العراقي إلى تظاهرة نسائية صدرية يضاهي بها تظاهرة نساء الانتفاضة، عبر مفارقة مضحكة مبكية، إذ ذكر أن ذكرى مولد السيدة فاطمة الزهراء(ع) يتصادف هذا العام مع عيد الحب! لذا طالب العراقي بـ»تكثيف الحضور النسوي في صلاة الجمعة 14 فبراير، ومن ثم الخروج بمظاهرة سلمية موحدة»، مشيرا إلى إن «النساء مطالبات بنصرة العراق كالرجال، بل هن أولى بنصرة البلاد في مثل هذه الأيام». كما قال العراقي في تدوينته، «إن كل من يمنع زوجته أو ابنته أو اخته من حضور صلاة الجمعة الموحدة غداً، فهو إما قليل الوفاء لشهيد الجمعة ومحييها، وإما قليل الحب للوطن، وإما متشدد بالتشدد الممقوت»، وتابع، «فهن مؤمنات محجبات عفيفات محبات للوطن».
وضمن ما بات واضحا من التفاف ميليشيات الحكومة حول ما يطلقه الصدر من خطوات، اتهمت كتلة صادقون، الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق، الخميس 13 فبراير، السفارة الأمريكية بقيادة حرب لـ»نشر الانحراف» بين المتظاهرين، وقالت الكتلة في بيان رسمي «تصاعدت حدة الحرب الناعمة لتكشف لنا عن مخطط واضح، وبرعاية السفارة الأمريكية، لإشاعة الفساد ومظاهر الانحلال في ساحات التظاهر، لتشويه صورتها وحرفها عن مسارها التصحيحي المطالب بالإصلاح والتغيير، عبر دعم وتشجيع بعض الظواهر المنحرفة البعيدة كل البعد عن أخلاق وقيم مجتمعنا، من نشر الخمور والمخدرات بين أوساط الشباب، وثقافة اختلاط ومبيت الجنسين، من دون اي مراعاة للجوانب الشرعية والأخلاقية والمجتمعية»، لتأتي التظاهرة الصدرية النسوية، طارحة الوجه الآخر من المعادلة التي يتحكم بمقاسها رجال دين وسياسة فاسدون، لكن كما خابت خطوات الصدر، ومن اصطف معه بعد أن كان عدوه بالامس القريب، ستخيب مخططاتهم البائسة، وتتكسر على صخرة إصرار شباب الانتفاضة، والأيام المقبلة ستثبت صدق ما ينادي به شباب ساحات الاحتجاج.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 تونس.. خذوا العِبرة من العراق
ليلى بن هدنة
البيان
أزمات لا تنتهي، هذا هو حال الوضع السياسي في تونس، فالجميع متمترس في موقعه، دون إرادة للتنازل أو تقريب وجهات النظر.
الطبقة السياسية لا تزال تعتمد نفس مسلكية المحاصصة في العراق، ونفس مُقاربة العصبية الأيديولوجية، في تعاملها مع ملف الحكومة، وتعكسه بصورة جليَّة وواضحة، حالة القطيعة بين أكثر من فاعل سياسي، ونُذر الصدام بين قطاعات من المجتمع وجهات حكوميّة، وفي ذلك يكمن المأزق الحقيقي.
هناك شيء مَا يُعيق كبار الفاعلين، وعلى رأسهم الرئيس قيس سعيد، في إعلان حكومة تلبي انشغالات التونسيين، حيث ما إن يطرح اسم الشخص الذي سيدعى لتكوينها، لتتدافع الأحزاب جميعاً إلى وضع عراقيل، آخرها إصرار حركة النهضة على إشراك حزب قلب تونس بالحكومة، رغم أنه يُنظر له باعتباره حزب فلول النظام السابق، وخصماً سابقاً للنهضة.
كما أنها قامت بإبعاد قلب تونس، خلال مشاورات تشكيل حكومة الحبيب الجملي، فالازدواجية السياسية التي يمارسها الإسلام السياسي، يجب أن ينظر إليها بنظرة صارمة، لأنها ستضع البلاد على حافة الهاوية.
الفشل في الوصول إلى اتفاق، يجعل البلاد في انقسام حقيقي، ويهدّد بأزمة حقيقية، فالعملية السياسية في تونس، تعيد تجربة العراق في التشريع للمحاصصة، حيث لا ينظر السياسيون إلى ما يقع على الأرض في واقع التونسيين، من تدنٍ اقتصادي واجتماعي، بل حريصون على تحقيق مصالحهم، دون البحث عن حلول، المحاصصة هدم للدولة، والعراق شاهد على ذلك.
فقد حان الوقت لتدخُّل الرئيس قيس سعيد، لتكريس التوافق الذي يعد عاملاً منقذاً لتونس في الفترة الحالية، حتى تتمكن جميع الأطراف من منظمات وطنية وأحزاب سياسية، للوصول إلى حلّ يفضي إلى تشكيل حكومة كفاءات، لا ولاءات.