ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الاحزاب تريد والشعب يريد وإيران تفعل ما تشاء
فاروق يوسف
العرب
لا يزال العراق خاضعا بالكامل للهيمنة الإيرانية. اما الحديث عن الوجود العسكري الأميركي فهو ليس أكثر من دعايات كاذبة ومحاولات لتزوير الحقيقة ولا يمت للواقع السياسي الثابت بصلة.
فالأحزاب الحاكمة كلها من غير استثناء تدين بالولاء المطلق لإيران. وهي تُدار اليوم بعد مقتل سليماني من قبل حزب الله اللبناني بناء على تعليمات الولي الفقيه ولا علاقة لها بالوطنية العراقية لا من بعيد ولا من قريب.
وإذا ما كان قرار الشعب واضحا في رفض استمرار النظام الطائفي الذي اقامته سلطة الاحتلال الأميركي وورثته إيران فإن ذلك النظام يتمتع بحماية إيرانية تمنع سقوطه بل وتمنعه من الانهيار من داخله وتحول دون قيام أي إجراء ديمقراطي يمكن أن يقود إلى ذلك.
لقد كلفت إيران أحزابها في العراق بالقيام بعمليات قتل وخطف علنية وسرية من أجل ترويع المتظاهرين الرافضين لهيمنها على العراق كما تعهد مقتدى الصدر لها بالقيام بغارات استفزازية من أجل أن ينحرف بالمسار السلمي للاحتجاجات في اتجاه الحرب الحرب الأهلية، غير أن الأصل يقع في قرار عدم التخلي عن العراق حتى لو أدى ذلك القرار إلى قيام حرب عالمية.
العراق بالنسبة لإيران هو الصيد الثمين.
إذا فلت العراق من المصيدة الإيرانية فإن المشروع الإيراني سينهار بشكل كلي. تلك هي القاعدة التي تستند إليها الأحزاب الحاكمة في تعاملها مع مطالب المحتجين.
فبعد أن طال الوقت في اتظار ظهور شخص يتولى منصب رئاسة الوزراء بعد استقالة عادل عبدالمهدي وبعد أن رفض الشعب عروضا عديدة قُدمت له من قبل الأحزاب تم تكليف محمد توفيق علاوي وهو ابن حزب الدعوة بالرضاعة بالقيام بتلك المهمة.
وفي مشهد مثير للسخرية تعهد علاوي في يوم تكليفه الأول بتشكيل وزارة على أساس مبدأ الكفاءات وغير خاضعة لمبدأ المحاصصة، غير أن ذلك التعهد لم يكن إلا محاولة للخداع وسرقة الوقت. ذلك لأن الرجل عاد إلى المرجعيات الحزبية وطلب منها ترشيح كفاءاتها.
في مقابل التضليل الذي اعتمدته الأحزاب الشيعية فإن الأحزاب الكردية والسنية طالبت من جهتها بحصص المكونات. أي أنها نزعت قناع الأحزاب وأرتدت قناع المكونات. وهي في ذلك لم تخرج عن دائرة نظام المحاصصة الذي استباح البلاد بفساده وبدد ثروات العراقيين في مشاريعه الوهمية التي تبخرت بسببها مئات المليارات من الدولارات.
كل ذلك يجري في سياق حقوق نص عليها الدستور الذي لم ينص على الحفاظ على ثروات العراقيين ومساءلة ومحاسبة مَن يتسبب في إهدارها.
فالأحزاب الحاكمة تعود دائما إلى الدستور الذي كتبته بأيدي فقهائها.
وهي إذ تختلف في ما بينها فليس ذلك بسبب حرصها على مصالح الشعب بل خوفا على “كيان وهمي” اسمه المكون. حيث نص الدستور العراقي على أن العراق بلد مكونات ثلاث. الشيعة والسنة والاكراد. وهي المكونات التي تم اختزالها على هيأة أحزاب وليست صدفة أن تكون كل تلك الأحزاب موالية لإيران.
ذلك يعني أن الشعب الذي خرج محتجا منذ الاول اكتوبر الماضي ولا يزال يقاوم سلميا في الساحات العامة آلة القتل والقمع والبطش لا يُحسب على تلك المكونات. وكان مقتدى الصدر وهو أحد أكبر المساهمين في الفساد الحكومي منذ عام 2005 واضحا في التعبير عن رأيه بالمحتجين باعتبارهم حثالة ينبغي التخلص منها كما أعتبر نوري المالكي وهو مؤسس دولة الفساد حين حكم العراق ثمان سنوات استمرار الاحتجاجات سببا في إيقاف عجلة الاعمار، علما أن العراق لم يشهد منذ 2003 بناء مدرسة أو مصنع أو مستشفى أو معمل لتحلية المياه أو منشأة لإنتاج الكهرباء أو جسر ولم يُشق فيه طريق ولم تتم اعادة تأهيل اراضيه الزراعية التي تعرضت للتصحر.
هناك جدل بين الشعب والأحزاب لن يصل إلى نتائج حتى لو استمر عشرات السنين ما دامت القاعدة تقوم على أساس الابقاء على العراق خاضعا للهيمنة الإيرانية. وما لم يتم تفكيك تلك القاعدة والتخلص من رموزها فإن العراق ضائع لا محالة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 حكومة علاوي.. من يضع العصي في دواليب عجلة التكليف؟ عادل الجبوري
راي اليوم
بينما يواصل رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي حراكه الماراثوني لتشكيل الحكومة الجديدة ضمن السقف الزمني المحدد بثلاثين يوما، الذي سينتهي بنهاية الشهر الجاري، تشير التسريبات من داخل بعض الكواليس السياسية الى ان هناك ضغوطات ومساومات واملاءات تفرض عليه من هذا الطرف وذاك.
رئيس الوزراء المكلف اعلن منذ بداية التكليف انه سينتهج في تشكيل حكومته نهجا مختلفا عن السابق، يقوم على تجاوز المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، والابتعاد عن الاطر والصفقات الكتلوية السياسية، والعمل على معالجة اخطاء وسلبيات الماضي.
ورغم مرور حوالي اسبوعين على تكليف علاوي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلفا لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، فأنه لم تتضح حتى الان معطيات ونتائج الحراك الذي شرع به علاوي وفريقه المساعد على مختلف القوى والاطراف السياسية وممثليات وتنسيقيات التظاهرات في بغداد والمحافظات، وحتى التسريبات المشار اليها، التي خرجت من هنا وهناك، فأنها لم تشر الى شيء واضح وملموس، لانها على ما يبدو لاتعدو كونها توقعات وافتراضات وبالونات اعلامية، يراد منها في بعض الاحيان جس النبض، وفي احيان اخرى التحذير من تكرار اخطاء وسلبيات وهفوات الماضي، وفي احيان اخرى تمثل ضغوطات واملاءات لقضايا وخيارات معينة.
الاطراف غير المتحمسة لمجيء علاوي، والمتوجسة والقلقة حيال مايمكن ان تحصل عليه من مغانم ومكاسب، والتي هي في ذات الوقت تتجنب اظهار ما تفكر به وتتوجس منه، ربما راحت تطلق البالونات الاعلامية، وتثير المخاوف، وتعمق الهواجس، مثلما فعلت بالضبط مع عبد المهدي في السابق، وهي تخطط انه في حال نجاح الحكومة الجديدة فأنها ستؤكد دعمها ومساندتها وتأييدها، وفي حال فشلت، فأنها ستركب موجة المعارضة والرفض، وتعيد التذكير بأنها حذرت ونبهت، ولم تؤيد ذلك التكليف منذ البداية.
اما الاطراف التي حذرت من الوقوع بأخطاء وسلبيات الماضي، فأنها تدرك تمام الادراك، ان حكومة علاوي تمثل الفرصة الاخيرة، ونجاحها يعني اجتياز منعطف خطير جدا، اما فشلها، فسوف يؤدي الى بلوغ مرحلة الانسداد السياسي، والذهاب الى اسوأ الخيارات، ولعل المرجعية الدينية في النجف الاشرف، اطلقت خلال الشهور الاربعة الماضية، اي منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في العراق مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، تحذيرات جدية لما يمكن ان تؤول اليه اوضاع البلد في حال لم تتدارك القوى السياسية المعنية الامر، وتضع حدا لحالة التداعي السياسي والامني والمجتمعي الخطير.
في حين لم تخف قوى سياسية كردية وسنية حقيقة مواقفها حيال حكومة علاوي، فبعض الاكراد-وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني-ربطوا تأييدهم ودعمهم، بضمان حقوق اقليم كردستان، في ذات الوقت الذي تؤكد مصادر خاصة، انهم يصرون على الاحتفاظ بنفس حقائبهم الوزارية الحالية، وهي حقيبتي المالية والاسكان والاعمار، وهذا ما لايمكن القبول به، وفق مطالب الحراك الجماهيري السلمي، ودعوات المرجعية، وتعهدات علاوي نفسه.
اضف الى ذلك، فأن قوى وشخصيات من الفضاء السني، استبقت الاعلان عن التشكيلة الحكومية بحملة اعلامية وسياسية حادة، لان الامور لم تسير على هواها، واتهمت قوى وشخصيات من ذات الفضاء، من التي ابدت مواقف ايجابية، بالخيانة.
ولعل الاطراف المعرقلة والمنتقدة، تسعى الى السير بنفس المسارات السابقة، لانها من جانب تفكر بمصالحها الخاصة، ومن جانب اخر مطلوب منها ان تنفذ اجندات خارجية.
وتتحدث مصادر مطلعة على بعض مجريات الكواليس، عن ضغوطات وتدخلات اميركية وبريطانية على رئيس الوزراء المكلف، لصياغة تشكيلة حكومية وفق مقاسات واشنطن ولندن وعواصم اقليمية قريبة منهما، وتذهب المصادر الى ان الخطة باء للاخيرتين تتمثل في افشال مهمة التكليف برمتها، حتى يصار الى البحث عن بديل اكثر قربا اليهما وانسجاما معهما.
وبسبب ضغوطات المرجعية والشارع، والمواقف المتوازنة لبعض القوى السياسية، وعدم استعداد علاوي للخضوع الى الاملاءات، يبدو ان مساعي واشنطن ولندن لن يكتب لها النجاح، دون ان يعني ذلك، ان الطريق ستكون سالكة بالكامل امام رئيس الوزراء الجديد، علما ان نجاح الاخير في تشكيل الحكومة ونيله ثقة البرلمان، لن يكون نهاية المطاف، فهو سيكون امام تحديات كبيرة جدا، جراء عراقيل ومعوقات الداخل والخارج، والملفات الشائكة والمعقدة التي يفترض حسمها او على الاقل حلحلتها، من قبيل اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وانهاء التواجد الاجنبي في البلاد، وتنفيذ الاتفاقية العراقية-الصينية، والاستجابة العملية والفعلية لمطالب المتظاهرين السلميين، المتعلقة بتحسين الخدمات الاساسية ومواجهة الفساد، واعادة بناء منظومات وهياكل الدولة على اسس ومرتكزات جديدة وسليمة، تنهي مختلف المظاهر السلبية القائمة.
والامر المهم هنا هو ان كل ذلك محدد بفترة زمنية لاتتجاوز في افضل الاحوال عاما واحدا لا اكثر، في ظل مشهد سياسي لايختلف كثيرا عن المشهد السياسي الذي انبثقت منه حكومة عبد المهدي في خريف عام 2018، ان لم يكن اكثر تعقيدا وتشابكا وتداخلا منه.
ولاشك ان النجاح المطلوب، لايرتبط بشخص رئيس الوزراء فحسب، وانما هناك عوامل اخرى تساهم به، ومتى ما تظافرت تلك العوامل بصورة حقيقة عبر رؤية واضحة وملموسة، يمكن حينذاك الحديث عن نجاح او نجاحات حقيقية يلمس المواطن العادي مصاديقها ومعطياتها على ارض الواقع.
بعبارة اخرى ان صدق ونزاهة وحرص ورؤية علاوي لاتكفي وحدها لبلوغ الاهداف.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 «الإمبراطورية» الإيرانية تردّ!
افتتاحيةالقدس العربي
نشرت صحف إيطالية كبيرة مثل «ريبوبليكا» و«إل كورير ديلا سيرا» خبر نشر تنظيم «الجبهة الأوروبية – السورية» الموالي للنظام السوري مئات الصور الكبيرة للجنرال قاسم سليماني في كبريات المدن الإيطالية وذلك ضمن حملة دعائية أطلقت قبل أيام في ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاته. ونشرت مواقع إخبارية إيرانية الخبر على نطاق واسع، كما عرض التلفزيون الحكومي تقريراً لمراسله في روما ضمن نشراته الإخبارية، وهو ما أثار جدلاً داخل إيطاليا، ونسب موقع «روسيا اليوم» لصحافيين إيطاليين أقوالاً تحتفي بـ«التضحيات الكبيرة» لـ«البطل الأممي الذي خدم الإنسانية وهزم الظلم»، فيما نشر موقع «الحرة» الأمريكي «تغريدات» لإيطاليين تتساءل عما تفعله صور سليماني في «إيطاليا بلد الفن والثقافة»، واتهامات للأحزاب الفاشية بمساندة التنظيمات الشيوعية في هذا الحدث.
وبغض النظر عن الدلالات المتناقضة لهذا الحدث الرمزيّ فإن تحركات طهران على الأرض للرد على مقتل سليماني والتي شابتها الأخطاء الجسيمة، كما حصل في إسقاط الطائرة الأوكرانية، والتعثّرات، كما حصل في فشل إطلاق قمرها الصناعيّ العسكريّ، بدأت تتخذ منحى يدلّ على إحساسها بالقدرة على استعادة التوازن.
بداية فقد تراجع الاتحاد الأوروبي عن استخدام «آلية فض النزاع» المنصوص عليها في الفقرة 36 من الاتفاق النووي، الأمر الذي كان سيقود إلى معاودة الأمم المتحدة للعقوبات على إيران، وهو ما يعتبر انتصاراً دوليّاً (ولو مؤقتا) لطهران، فإذا أضفنا الحجم السياسي الوازن للاتحاد الأوروبي إلى كل من روسيا والصين، اللتين تعتبران مناصرتين لطهران، فإن هذا يعني أن الجمهورية الإسلامية ما زالت قادرة على اللعب على التوازنات الدولية وإيجاد مكان لها يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من استفرادها.
تقوم الحسابات العالمية مع إيران على خلفيّات متعددة، مثل التخديم على التوازنات مع القوى الكبرى في العالم كأمريكا وأوروبا، بالنسبة لروسيا والصين وأوروبا، ومنها الوصول إلى موارد نفط أرخص، كما هو حال اليابان والدول الآسيوية عموما، ومنها عدم الانجرار إلى مخاطر هوّة الحروب السوداء، كما حصل في أفغانستان والعراق، وهذا ما دخل حتى الحسابات الأمريكية المحلية التي عبّر عنها قرارا الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكيين بتقييد قرار شنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرباً على طهران.
أما في المنطقة العربية و«الشرق الأوسط»، الذي هو مجال حيويّ كبير لإيران، فإن العلاقة مع الجمهورية الإسلامية تتّسم بتوازنات أشد تعقيداً، بسبب الوجود والتدخل الإيراني العسكري والأمني والسياسي والمالي المباشر، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بحيث تتخذ هذه العلاقة أشكال التحالف مع نظم سياسية وأحزاب واتجاهات سياسية، والصراع الدمويّ مع نظم وأحزاب واتجاهات سياسية أخرى.
ضمن هذا الصراع، تتعرّض إيران لصعوبات كبيرة تساهم فيها العقوبات والمراقبة الأمريكية، التي سجلت أول من أمس غارة على سفينة ومصادرة مئات الصواريخ المتوجهة إلى اليمن، كما أن الضربات الإسرائيلية لا تني تتواصل على مواقع وقوى محسوبة على إيران في سوريا.
من جهة أخرى، فقد سجّلت إيران تدخّلاً عسكرياً كبيراً في إدلب وحلب السوريتين، وهو ما نتج عنه استعادة النظام لمناطق واسعة، كما تمكنت من تمرير حكومة حسان دياب اللبنانية، التي حازت على الثقة، وهي تحاول تمرير حكومة محمد علاوي في العراق، كما أنها تمكنت، باستخدامها أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في إحداث شرخ كبير في الحراك العراقي، وما زالت قوات «أنصار الله» الحوثيين محافظة على قوتها وتماسكها وسيطرتها على صنعاء ومحافظات عديدة في اليمن.
يضاف إلى كل ذلك أن السلطات الإيرانية تمكنت من قمع حراكين إيرانيين كبيرين خلال فترة شهور، وهي تستعد حاليا لانتخابات برلمانية يستبعد منها آلاف المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، وهو ما يعني أن البلاد ستحظى ببرلمان يسود فيه المتشددون، وكل هذا يعني أن الحصار والعقوبات والأزمات تدفع إيران نحو التشدد فهل ستبقى قادرة على موازنة كل هذه التناقضات؟
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 مصير حكومة علاوي
عبد الحليم قنديل
القدس العربي
احتمال تشكيل حكومة محمد توفيق علاوي، وبافتراض مرورها بسلاسة في مجلس النواب، وحصولها على ثقة الكتل والأحزاب المتحكمة، لن يكون بالتأكيد محطة الختام في أحداث العراق الدامية، وانتفاضة شبابه العارمة الباسلة، التي مضت أربعة شهور وتزيد على تفجرها، وتعرضت لأعنف موجة قمع وخطف واغتيالات، وبلغت حصيلة ضحاياها من شهداء وجرحى ما قد يتجاوز الثلاثين ألفا بكثير.
وتوفيق علاوي كما هو معروف، قريب عائليا من إياد علاوي الشيعي العلماني، ورئيس الوزراء الأسبق والقيادي السابق في حزب البعث العراقي، وسليل أسرة عريقة، ورغم ميراث عائلي حافل سياسيا، لا يبدو توفيق علاوي مطمئنا تماما إلى نجاح مهمته في الإنقاذ، وطالب المنتفضين بالاستمرار في حراكهم الثوري، واعتبرهم ـ كما قال ـ سنده الأساسي الحاسم، فما من حزب أو كتلة تدعمه بإخلاص، وكان الرجل في ما مضى، عضوا في حزب الدعوة الإسلامية (الشيعي)، وتركه مبكرا، ودخل الانتخابات على قوائم قريبه إياد علاوي العابرة للطائفية المقيتة، وكان توفيق وزيرا للاتصالات في حكومة نوري المالكي، ثم اصطدم به، كما فعل الآخرون، بعد استيلاء «داعش» على ثلث العراق في ساعات، ثم جرى إقصاء المالكي الذي لا يزال أمينا عاما لحزب الدعوة، وتشكيل حكومة حيدر العبادي، وكان هو الآخر قياديا في حزب الدعوة، إلى أن انفصل، وكون مع جماعته «تحالف النصر»، الذي تراجع في نتائج آخر انتخابات برلمانية، وتقدمت عليه كتلتا «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و»الفتح» بزعامة هادي العامري، وقد أبدت الكتلتان الأخيرتان دعما ضمنيا لتولية توفيق علاوي، بعد اضطرار رجلهما السابق عادل عبد المهدي للاستقالة، تحت ضغط الشارع الثائر.
وأيا ما كانت فرص حكومة علاوي في نيل الثقة البرلمانية، وقد تبدو مرجحة نظريا، لغياب بدائل الأحزاب ذات الغالبية، وقد اضطرت لسحب مرشحيها واحدا تلو الآخر، لكن ثقة البرلمان ليست نهاية المطاف، فالأهم هو ثقة الشارع الغائبة، باعتراف علاوي نفسه، الذي وعد بحل البرلمان الحالي، والتوجه لإجراء انتخابات جديدة، لن تكون على الأغلب مرضية للمنتفضين، فقد بلغ السيل الزبى كما قال القدماء، وانهارت ثقة الشارع تماما بالكتل والأحزاب المتحكمة، وبسيرة الانتخابات نفسها، التي وصفها توفيق علاوي نفسه بالمزورة تماما، فالرجل الذي أقام خارج العراق غالب وقته، وطورد بأحكام سجن ألغيت لاحقا، يبدو فاقد الثقة تماما بالإدارة العراقية للانتخابات، وقد جرى تعديل على تشكيل مفوضية الانتخابات عبر البرلمان، الذي لا يحظى عند علاوي بالثقة في سلامة تشكيله، ففي محاضرة ألقاها قبل شهرين، وجهها لجمع من الجالية العراقية في ولاية فرجينيا الأمريكية، ولم يكن قد اختير بعد مرشحا لرئاسة الوزراء، وصف علاوي وقتها (12 ديسمبر/كانون الأول 2019) انتخابات 2018 بالمزورة تماما، واستشهد بواقعة حرق أكبر مخازن أوراق التصويت قبل إعادة الفرز اليدوي، وقال إن مراجعات جرت بالعينة الجزئية، أقصت 12 نائبا جرى إعلان فوزهم، وهو ما يعني بحسب رأي علاوي، أن 120 نائبا على الأقل من البرلمان الحالي جاءوا بالتزوير، من جملة 329 نائبا، هم كل الأعضاء، فوق أن البرلمان كله لا يعبر سوى عن تصويت 13% من الناخبين العراقيين، بحسب تقدير علاوي، الذي طالب بتنظيم أممي مباشر للانتخابات، وأسهب الرجل في تشريح امبراطورية اللصوص التي تحكم العراق، وقال إن الجهات الرقابية مزرعة كبرى للفاسدين، ودعم ما يقال عن حجم السرقات المهولة، التي تخصصت فيها أحزاب معينة، تبيع كل شيء، من مناصب الوزراء إلى عضوية البرلمان ومجالس المحافظات، وإلى مديري مكاتب الوزراء، الذين هم السلطة المهيمنة، وإلى «المفتشين العامين» على أداء الوزارات، الذين هم في رأيه أفسد اللصوص، وأغلبهم من عضوية حزب بعينه، في إشارة ضمنية منه غالبا إلى حزب الدعوة (الإسلامية)، وضرب مثلا كاشفا بعملية إضافة ثمانية آلاف ميجاوات إلى شبكة كهرباء العراق، وقال إنها تتكلف في التقديرات الدولية ما بين ستة إلى ثمانية مليارات دولار، بينما أنفق باسمها في العراق ثلاثون مليار دولار من خزانة الدولة، وقد جرى نزح ما بين 450 ـ 600 مليار دولار، بحسب تقديرات شبه رسمية خارج حديث علاوي، وقد تكفي شهادة توفيق علاوي نفسه للحكم بصعوبة، وربما استحالة مهمته في إنقاذ يستعيد بعضا من ثقة الشارع. ومحصلة ما تقدم في بساطة، أن فرصة توفيق علاوي في النجاح، وإدارة الحرب ضد ديناصورات الفساد، تكاد تكون معدومة، خصوصا مع ما عرف عن علاوي من ضعف وليونة الشخصية وتواضع الثقل السياسي، فالرجل يريد ـ كما يقول ـ فصل السياسة عن الدين، وثوار العراق كفروا بالأحزاب الدينية كلها، شيعية كانت أو سنية، بعد تكشف حقيقة من يسمون أنفسهم بالتيارات الإسلامية، وقد بدت لصوصيتها مذهلة، حين حكمت العراق بعد شنق صدام حسين، واستأثرت بموارد البلد الطبيعية الفائقة الثراء، وتركت أغلب العراقيين نهبا للفقر والمرض والضياع، فوق أن هذه الأحزاب بطبعها التكويني، لا تعرف المعنى الوطني العراقي من أصله، ولا تقيم وزنا للوطنية العراقية الجامعة، ولا لأولوية الاستقلال الوطني، واشتغلت كجماعات خدمة للمحتلين وللمهيمنين، وتورطت في قتل العراقيين بمئات الآلاف، ومزقت الوطن العراقي، وقادت حملات ذبح وتهجير وفرز طائفي مرعبة، وتوزعت في ولاءاتها بين المحتلين الأمريكيين أو المهيمنين الإيرانيين، أو عملت على كسب رعاية الطرفين معا، وتعودت على الاحتيال، وعلى طريقة ما جرى قبل آخر انتخابات برلمانية، حين تدافعت في استبدال الأسماء، وترك الواجهات الدينية المدعاة، واستعمال أسماء تبدو مدنية، على طريقة «سائرون» و»النصر» و»دولة القانون» إلى آخره، وهو ما لم يجد نفعا مع عموم المواطنين المقهورين المستضعفين، الذين أعطوا الأحزاب كلها ظهورهم، ثم ثاروا ضدها في غضبة لا تلين، رغم لجوء الأحزاب وميليشياتها إلى القتل المباشر لقادة المنتفضين، الذين جاء جلهم هذه المرة من شيعة العراق العرب، بما أفسد حيل التحشيد الطائفي، التي استثمرت من قبل لتسويغ قمع انتفاضة مدن السنة العرب، ثم هدم هذه المدن بالكامل، بدعوى الحرب ضد إرهاب «داعش»، وهو ما يعني أن القسمة لم تعد بين شيعة وسنة هذه المرة، بل بين وطنيين عراقيين من جهة، وخدم مباشرين لتوابع الاحتلال الأمريكي والهيمنة الإيرانية على الجهة المعادية، ما يفسر طبيعة الانتفاضة العراقية الراهنة الممتدة، وهي وطنية شاملة في الجوهر، وشعارها الجامع (نريد وطنا)، فهي تريد استعادة «العروة الوثقى» بين العراقيين ووطنهم المضيع، وتريد تحرير العراق من التابعين وحكوماتهم، ومن المحاصصات اللقيطة، التي أنهكت العراقيين واستنزفتهم، وجعلت العراق العزيز القوي أثرا بعد عين، وأغلقت سبل الحياة الكريمة، ودهورت مستوى معيشة العراقيين في غالبهم، ودمرت معنى ومبنى وجود الدولة العراقية، إلا من هياكل وصور ركيكة، تدهس العراقيين صونا لسرقاتها وسترا لعجزها المريب، وتدير الحرب الشرسة ضد المنتفضين بالقتل أو بالاحتيال المكشوف، على طريقة ميليشيات مقتدى الصدر، الذي تظاهر بدعم الانتفاضة، ثم انقلب عليها، بعد أن خرجت الأمور من يده، وبعد أن تكشف دوره الحقيقي كاحتياطي سياسي استراتيجي للهيمنة الإيرانية، وبعد أن دمرت تناقضاته صورته المتنورة المصطنعة، وبعد أن أمر أنصاره بالانسحاب من ساحات التظاهر، وبعد أن أوغل في قتل المتظاهرين بسكاكين من سماهم بذوي القبعات الزرقاء، وبعد أن تورط في ممارسات سبق له إعلان استنكارها، وبعد إشهاره العداء لنساء العراق وفتياته المتظاهرات، بدعوى حرمة الاختلاط، فعاندته روح الانتفاضة المتحدية العفية، وتقدمت جماهير جديدة لتملأ فراغ الميادين، وتصدح برفض كل البدائل الحزبية، بما فيها تنصيب علاوي نفسه، فالمنتفضون يدركون عمق محنة العراق، المتراكمة طبقاتها منذ غزو واحتلال البلد في إبريل/نيسان 2003، ثم حل الجيش الوطني العراقي القائم على مبدأ التجنيد العام، وإصدار قانون اجتثاث حزب البعث، وما تبعه من مجازر، وإفراغ الدولة العراقية من كوادرها الفنية والإدارية المؤهلة، وفرض دستور الحاكم الأمريكي بول بريمر، وتضاعف معدلات الهيمنة الإيرانية المستفيدة من تحطيم قوة العراق، وابتلاء البلد بسرطان تحكم تيارات اليمين الديني، وتجيير الميليشيات الطائفية لحماية عصابات اللصوص، وهو ما يعني بوضوح، أن المطلوب ليس أقل من استعادة العراق للعراقيين، وتلك مهمة تحرير أكبر من طاقة توفيق علاوي وحكومته، مهما حسنت النوايا.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 لنعكس مفاهيم الفوضى الخلاقة خالد الزبيدي
الدستور
مفاهيم وممارسات الفوضى الخلاقة التي طرحتها ومارستها الإدارة الامريكية إبان حكم الرئيس جورج بوش الابن ووزيرته للخارجية كونداليزا رايس والرؤوساء اللاحقين بهدف إقامة شرق اوسط جديد، ظاهريا قبل غزو العراق كان الطرح الامريكي نشر الديمقراطية في العالم العربي عبر نشر « الفوضى الخلاقة « في الشرق الأوسط تنفذه الإدارة الأميركية .
هذا المصطلح ورد في أدبيات الماسونية القديمة في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان براون إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، وعمدت الإدارة الامريكية عن سابق ترتيب إلى تدمير كل مفاصل الدولة العراقية، من جيش ووزارات، وإدارات ومرافق عامة، ورموز حضارية، وبنى اجتماعية وثقافية، وعلاقات قبلية وعشائرية، بهدف غير حقيقي هو تدمير النظام السابق وبناء نظام جديد، بوش الابن نفسه أعلن أنه ذاهب إلى العراق ليجعل منه «واحة الديمقراطية بالشرق الأوسط»، الا ان الاهداف الحقيقية اتضحت عقب ذلك حيث قتل وهجر عراقيين وتم تدمير الاقتصاد باستثناء النفط.
ما سمي زورا بـ « الربيع العربي» حلقة من حلقات الفوضى الخلاقة التي تتطور من الاقليم الى الدولة وصولا الى مكونات المجتمع الواحد والعمل على زعزعة الوضع الاقتصادي والمالي والعمل على بث الشك في المؤسسات المصرفية والائتمانية، وتشجيع المعاملات المالية في السوق السوداء، وضرب كل مكامن الثقة في العملة الوطنية.. إلخ.
وتأجيج الصراع العرقي والطائفي، وافتعال الفتن وتنفيذ الاغتيالات، وتأجيج العصبيات، وهي عملية متدرجة في الزمن وفي آليات التنفيذ، وتبدأ بتقويض ركائز الدولة الواحدة لتستبدل بها الولاءات الحزبية الضيقة، أو الانغلاقات الطائفية والعشائرية والقبلية، وتوظيف الإعلام والاتصال للترويج للوعود التي تحملها «المنظومة الجديدة»، وسوقت مقولات حق يراد بها باطل وهو تحرير الشعوب وانعتاقها، وتخليصها من النظم الشمولية، وتثمين وتأمين حقها في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إدارة الرئيس ترمب هي امتداد لنفس السياسة الخارجية الأميركية القديمة المتجددة، وعناصر الفوضى الخلاقة الذي يعتمل بداخلها منذ نهاية القرن الماضي على الأقل.. إعمال الفوضى لتعظيم المكاسب الأميركية، وضمان التفوق المستدام لإسرائيل على حساب الحقوق الوطنية للفلسطينيين والعرب..
مواجهة هذه السياسات الممتدة والمتغيرة شكلا وثابتة جوهريا تتطلب إجراء هندسة عكسية لمفاهيم وخطط الفوضى الخلاقة، والرد على التقنيات المتطورة بالاساليب القديمة البدائية لاسيما في الثقافة والاعراف والدين الحنيف والقيم والأخلاق التي تربينا عليها والتمسك بالحقوق الوطنية والقومية إذ لا يجوز ان يجرنا اليها من يبتعد عنا جغرافيا آلاف من الاميال وينصب نفسه حامي الحمى وحقوق البشر والحجر..عندها سيؤدي التراكم الكمي وان كان محدودا في البداية الى تغير نوعي..والفوضى الخلاقة اعتداء متشعب وممتد لابد من الرد عليه.