ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 مأزق ثورة تشرين العراقية الذي يُمَيّزها!
مصطفى القرداغي
العرب
امتازت ثورة تشرين العراقية منذ اللحظات الأولى لإنطلاقتها المفاجئة التي كانت دون سابق إنذار، بعفويتها التي تجَسّدت في كل تفصيلة من يوميات حراكها، وأكّدَت إستقلاليتها عن أية تيارات وأحزاب وشخصيات سياسية، حتى تلك التي كانت تدعي بأنها قريبة من نبض الشارع العراقي وتطلعاته، وركبَت وتصَدّرت أغلب تظاهراته خلال السنوات الماضية، مثل الحزب الشيوعي والتيار الصدري، اللذان بدا واضحاً أنهما كغيرهما أُخِذا على حين غرة، ولم يكن لديهما عِلم وتصَوّر عن طبيعة حراك الثورة وخطواته، لأنه وببساطة إفتَقَر الى قيادة واضحة ترسم له خطواته منذ البداية ولا يزال.
الإستقلالية، ورفض التبعية والإنقياد والتقديس وغيرها من الصفات السلبية التي جُبِلت عليها الشخصية العراقية، ومحاولة بلورة فِكر وفِعل عراقي حُر بعيد عن املاءات الزعيم الأوحد والقائد الضرورة والمَرجع المُقدّس، كل هذه الأمور وغيرها ساهمت في تمَيّز حَراك الثورة عما سَبقه من تظاهرات روتينية تُطالب بالخدمات وفرص العمل، وتَطَوّره الى ثورة فكرية تسعى لإصلاح مُجتمعها من أمراضه، وإنقاذ بلادها مِن طبقة سياسية فاسدة ومُجرمة تسَيّدت مُقدراتها منذ سنوات وعقود، وأخرجه من دائرة الفعاليات الجماهيرية والشعارات المَطلبية الى دائرة الأمر الواقع والمُواجهة الفعلية مع السلطة، والتي تتطلب إتخاذ قرارت سريعة، وردود أفعال مدروسة على أفعال السُلطة التي لا تزال تسبقها بخطوات، في الوقت الذي يجب أن تكون الثورة سابقة للسُلطة بتخطيطها وفعلها الذي يفترض أن يُربك ردود أفعال السُلطة، لا العكس! وبتحَوّله الى ثورة ترَتّبت عليه أمور لم تكن تنطبق عليه يوم كانت حَراكاً شبابياً عَفوياً، فالثورة تسعى للتغيير ومحاولة الوصول الى هدف، وهو أمر يحتاج الى تخطيط ووضع خارطة طريق وأهداف من قبل قيادة تحددها وتتفاوض عليها مع السلطة التي تسعى لإصلاحها أو تغييرها، وتطرحها على الأطراف الدولية في حال نجحت بإيصال صوتها إليها، وكل هذا غير موجود في بُنية حراك الثورة حتى الآن.
هنا تحولت الميزة الى مأزق تعيشه الثورة اليوم، لأنها ما تزال تأخذ شكل نشاط جماهيري عاطفي تلقائي يفتقر الى التخطيط العملي للفعل المُنّظم، وهو ما أوقعها وشبابها بالكثير من المشاكل! منها تداعيات ما حدث في ساحة الوثبة، الذي حُسِب عليها رغم صدور عدة بيانات من تنسيقياتها تنفي علاقتها به، ورغم أن أداء شبابها طوال شهرين كان راقياً وبعيداً كل البعد عن بشاعته! أو فتح الباب لمَن هب ودب للحديث بإسمها وطرح مطالب يدعي تبنّيها لها، أو ترشيح فلان كناطق عنها وعِلان كرئيس للوزراء بإسمها، دون أن يصدر تأكيد واضح بذلك من جهة واضحة تمثل حراكها! أو تلكؤها في طرح بديل لرئيس الوزراء بعد نجاحها بدفعه الى الإستقالة، التي كانت مَطلب أساسي ضحّى المئات من شبابها بحياتهم للوصول اليه، لكن حينما تحقق لم يكن حراكها جاهزاً ومتحسباً له ببدائل أو شروط تحدد مواصفات البديل، خصوصاً أن بعض القوى ذات الكتل الكبيرة في البرلمان أرادت أن تغازل الثورة برفضتها ترشيح بدائل، ورَمَت بالكرة في ملعبها واصفةً إياها بالكتلة الأكبر، وطالبتها بترشيح من تراه مناسباً، لكن يبدو أن الفرصة ستضيع بعد محاولة حزب الدعوة لإقتناص الفرصة وترشيحه لبعض النكرات من أعضاءه، أو طرح أسماء أخرى من هنا وهناك، رغم خبرة ونزاهة بعضها، إلا أنها لا تناسب طبيعة المرحلة وخطورتها.
لطالما عودنا العراقيون بأنهم ربما أصعب شعب ممكن أن يتفاهم ويتواصل مع بعضه البعض، فهم أكثر من ينطبق عليه المَثل القائل “إتفَقوا على أن لا يتّفِقوا” لكننا لم نلمَس هذا بين شباب الثورة، الذين كان حَراكهم كالأوركسترا خلال الشهرين الماضيين رغم عدم وجود مايسترو، وهو أمر يدعونا لتشجيعهم على تشكيل قيادة جماعية من مجموعة شباب مشهود لهم بالوَعي والنزاهة وبعض الخبرة في إدارة وتنظيم الأمور لتفاوض بإسم الثورة، وتُرَشّح منها أو من خارج الطبقة السياسية الحالية، أو حتى من داخلها مِمّن لم تتلوث أياديهم بالجُرم والفساد، أسماء يتم إختيار رئيس للوزراء مع كابينة وزارية من ضمنهم، ليديروا البلاد خلال فترة إنتقالية بإشراف ووصاية دولية، يتم خلالها تعديل الدستور الحالي وإقرار قانون أحزاب جديد ومحاربة الفساد وحل المليشيات. فرئيس الوزراء القادم يُفَضّل أن يكون شخصية قوية علمانية برغماتية لديها خبرة سياسية، شخصية وسَطية تجمع بين قبول حراك الثورة وقناعته بها، وبين عدم إعتراض الطبقة السياسية الحالية والمحيط الاقليمي والمجتمع الدولي عليها، ليتمكن من العبور بالبلاد في هذه المرحلة الى بر الأمان، مع تحقيق بعض التغييرات الجذرية التي خرجت الثورة للمطالبة بها أو كلها.
إن الثورة التي يعيشها العراق اليوم متميزة وإستثنائية، لم يَشهد لها تأريخ العراق مثيلاً، ولا أظنه سيشهد لها مثيلاً مستقبلاً في حال فشلها، لا سمح الله. فتأريخ العراق لم يشهد أبداً ثورات شبابية عَفَوية مُستقلة سلمية، وأغلب ما تسمى ثورات في تأريخه الحديث، هي ليست كذلك، فهي إما فَزعات وهوسات عَشاير كثورة العشرين، أو إنقلابات عسكرية مدفوعة بأجندات حزبية ذات أفكار شمولية شيوعية أو ناصرية أو بعثية أو إسلامية. وفي حال قُمِعت الثورة أو فشِلت، فلن يجرؤ أحد على المدى القريب ولن يمتلك أي جيل القدرة والشجاعة التي امتلكها هذا الجيل للخروج والثورة على واقعه. لذا على حراكها الشبابي أن يقرر، أما البقاء هكذا عفوياً، أو تشكيل قيادة لبلورة ملامح ورسم خطوات مرحلة جديدة للخروج من المأزق الحالي، مع الحفاظ على تمَيّزها المُتمَثّل باستقلالية قرارها، وهو أمر مُمكن التحقيق. أما ما يقال عن أن عدم وجود قيادة للثورة هو سِر قوتها، فهو كلام غير ناضج وغير دقيق، فعكس التنظيم هي الفوضى، والفوضى ضُعف وليست قوة، لأنها تطلق العنان لأصحاب النفوس العليلة والمآرب الخبيثة ليستغلوها لتحقيق مصالحهم ومأربهم المريضة وليعيثوا خراباً وفساداً ودماءً دون حسيب أو رقيب.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 اكتوبر الحاسم
جواد العطار
العرب
ما يمر به العراق حاليا من ازمة سياسية وشعبية ليست بالأمر الهين ولا بالأزمة العابرة مثلما هي ليست ازمة مستعصية على الحل، بل كل شيء ممكن في عالم السياسة والتجاوب مع المطالب المشروعة والقابلة للتنفيذ حاليا ومستقبلا.
اليوم الازمة على مستويين:
الاول – شعبي مطلبي ينقسم الى قسمين:
• مطالب مشروعة: يتعامل دعاتها شعب ومتظاهرين مع الواقع وحدود الديمقراطية ويسعى الى التغيير والاصلاح ضمن العملية السياسية.
• مطالب مفتوحة: ترفض قلة دعاتها كل الواقع السياسي وتسعى الى تغييره جملة وتفصيلا بعيدا عن الاليات الديمقراطية والدستورية.
وبين المطلبين هناك متظاهرين سلميين وهناك اجندات تحاول تخريب التظاهرات وتدمير الممتلكات العامة والخاصة.
الثاني – سياسي متأزم ينقسم الى قسمين:
حكومة: واجهت الازمة وفشلت واستقالت وتركت الكرة في ملعب البرلمان.
برلمان: يعاني عدة تحديات في المجالات التالية:
– اقرار قانون للانتخابات يعتمد الدوائر المتعددة ويتناغم مع مطالب الشارع.
– اختيار رئيس وزراء جديد مقبول شعبيا خلال مدة قصيرة بعيدا عن تأثيرات رؤساء الكتل.
– المحاصصة التي قام عليها البرلمان الحالي والذي قبله تحول مع منظومة الفساد المتفشي من النهوض بواجبه المطلوب وتحقيق رؤى المرجعية ومطالب الشعب.
وبين الحكومة والبرلمان تبقى الازمة السياسية متقدة والضغط الشعبي حاد ومتفاوت بين الهدوء والتصعيد في محافظات الوسط والجنوب، مثلما تبقى خيارات الاصلاح والتغيير بيد النخبة السياسية والمواطن، فالأولى مهمتها التخلي عن المحاصصة والقضاء على الفساد ومحاربة المفسدين ومحاكمتهم والاستجابة لمطالب الشعب وتغيير سلوكها وتفكيرها، بينما الثانية فهي في ملعب المواطن الذي يجب ان يتحلى بالوعي المطلوب مستقبلا حينما يقف امام صناديق الاقتراع… وان يدرك الجميع ان رياح التغيير الايجابي عصفت بالبلاد؛ لان قبل اكتوبر يختلف تماما عما بعد اكتوبر؛ ومن اجل غد افضل للعراق والعراقيين.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 حروب الخليج العربي الثلاثة
الدكتور حسين عمر توقه
راي اليوم
(الجزء الأول)
المقدمة :
إن تجارب الوحدة العربية وبكل أسف قد جاءت موؤدة أو أُجهضت قبل إكتمالها ففشلت تجربة الوحدة بين المملكتين الأردنية والعراقية وفشلت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وبين سوريا والعراق وبقيت عاطفة الشعوب العربية ونزعتها الوطنية تنتظر المعجزة .
بتاريخ 18/7/ 1971 اجتمعت سبع إمارات عربية هي أبو ظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان وام القيوين والفجيرة وأعلنت عن إتفاقها على تشكيل دولة تعرف بإسم دولة الإمارات العربية .
وبتاريخ 25/5/1981 تم إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد أن وقع قادة كل من الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت على النظام الأساسي لمجلس التعاون من أجل تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات .
وبالرغم من كون العراق دولة مشاطئة للخليج العربي ودولة عربية مسلمة إلا أنه لسبب أو لآخر لم يتم إنضمام العراق لدول مجلس التعاون ولا نعرف على وجه الخصوص الأسباب لعدم الإنضمام . هل هو كون العراق نظام ثوري وقوي بينما الأنظمة العربية لدول الخليج هي أنظمة ملكية أميرية وهل كان هناك خوف من أن يعمد النظام العراقي على فرض سيادته وسيطرته على بقية دول الخليج .
إن ما يهمنا الآن أن هذه الوحدة هي أول وأنجح وأطول تجربة وحدة عربية تتم في العالم العربي ولا بد لكل الدول العربية والدول المسلمة أن تبذل كل مساعيها من أجل إعادة اللحمة بين قطر وبين بقية أعضاء المجلس . لا سيما وأن ما تتعرض له المنطقة من بعض الأحداث العسكرية الإرهابية كا ن آخرها ما تعرضت له منشآت شركة أرامكو في المملكة العربية السعودية .
كما أن قادة وشعوب هذه الدول يجب أن يبذلوا كل جهودهم من أجل تجنيب منطقة الخليج العربي إمتداد الربيع العربي الذي عصف بكل الدول العربية من أن يصل أراضيها لا سيما وأن هناك مناسبة عالمية هامة تتمثل في معرض “إكسبو” المقرر عقده في الإمارات العربية عام 2020 وهي المرة الأولى التي يعقد فيها هذا المعرض العالمي الهام في دولة عربية مسلمة كما أن قطر تنتظر بلهفة إقامة بطولة العالم لكرة القدم في عام 2022 وهي المرة الأولى التي تعقد فيها مثل هذه البطولة الدولية في دولة عربية .
ومما لا شك فيه أن هناك حاجة ماسة في إتخاذ موقف موحد لكل دول الخليج في التعامل مع إيران ومحاولة تجنيب المنطقة بكاملها إلى أي تصعيد عسكري والإستفادة من العلاقة الطيبة التي تربط إيران مع قطر وسلطنة عمان مع إيران .
لقد شهدت منطقة الخليج العربي ثلاث حروب مدمرة هددت أمن منطقة الخليج العربي ووقعت هذه الحروب في الأراضي الإيرانية والعراقية والكويتية وسوف نستعرض في بحثنا هذا الحروب الثلاث وأثرها على الأمن القومي العربي والأمن الدولي ودور النفاق والإبتزاز في سياسات الدول العظمى وسعيها الحثيث في إستغلال هذه الحروب المسلمة خدمة لمصالحها بدءا في خدمة الولايات المتحدة والإتحاد السوفيياتي ( سابقا ) والصين ودول حلف الأطلسي وتصب في نهاية المطاف في مصلحة الصهيونية العالمية متمثلة بربيبتها إسرائيل .
وإن الحروب التي سأتناولها في هذا البحث هي
1: حرب الخليج الأولى:
أو الحرب العراقية الإيرانية والتي أطلق عنها العراقيون إسم ” قادسية صدام” بينما أطلق عليها الإيرانيون ” الدفاع المقدس” ولقد استمرت هذه الحرب بين الدولتين المسلمتين من شهر أيلول 1980 حتى شهر أوغسطس 1988 . ولقد خلفت هذه الحرب أكثر من مليون قتيل وخسائر مالية تجاوزت 400 مليار دولار ولقد استمرت هذه الحرب طوال ثماني سنوات لتكون أطول نزاع عسكري في القرن العشرين وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية وإنه لمن المؤلم حقا أن تقع هذه الحرب بين الجارين المسلمين مما أدى إلى تعميق الفجوة بين الشيعة واهل السنة.
2: حرب الخليج الثانية 1990 :
بتاريخ 4/10/1963 اعترف العراق رسميا بإستقلال الكويت وبالحدود العراقية الكويتية ومن خلال الحرب العراقية الإيرانية قامت الكويت بدعم العراق إقتصاديا وماديا بحيث بلغت المساعدات الكويتية إلى ما يقارب 14 مليار دولار بينما بلغ حجم الدعم السعودي 17 مليار دولار مساعدات عسكرية و18 مليار دولار مساعدات نقدية . وكان العراق يأمل في تسديد هذه الديون عن طريق رفع أسعار النفط .
في عام 1990 اتهم العراق دولة الكويت بسرقة النفط من الحقول المشتركة وأن الكويت قد قامت بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الميلة النفطي ويطلق عليه في الكويت حقل الرتقة . كما غضب الرئيس العراقي صدام حسين من الطريقة التي اتبعتها الحكومة الكويتية بمطالبته بالديون المالية الكويتية والتي كان صدام حسين حسب وجهة نظره قد انفقها في حربه ضد إيران وفي دفاعه عن دول الخليج وعن العالم العربي .
3: حرب الخليج الثالثة 2003
وهي تعرف بإسم الغزو الأمريكي للعراق أو حرب العراق أو حرب تحرير العراق كما تم تسميتها بحرب بوش أو هي الحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش كرد فعل على تدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك بتاريخ 11/9/2001. حيث بدأت عملية غزو العراق بتاريخ 20/3/2003 من قبل قوات الإئتلاف بقيادة الولايات المتحدة وانتهت هذه الحرب رسميا بإنزال العلم الأمريكي في بغداد بتاريخ 15/12/2011 بعد أن تم إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين وأدت إلى إعدامه .
وسوف نستعرض في الجزء الثاني كلا من الحروب الثلاث بالتفصيل .
الخاتمة :
واليوم ونحن نرقب ما يدور في المنطقة من أحداث مشبوهة تهدف إلى إيقاع حرب مدمرة بين الدول العربية وبين إيران تكون نتيجتها الدمار الشامل لكل الإقتصاد العربي في دول الخليج حيث ستكون ساحة الحرب إذا وقعت لا قدر الله في كل العواصم العربية والأرض العربية لدول الخليج العربي .
إن السلم هو الوضع الطبيعي للعلاقات بين الدول وإن الحرب هي حالة طارئة كريهة وإن استخدام السلاح يعبر عن عجز الدول والحكومات في إستخدام الوسائل الحضارية والعقلانية واستخدام العقل في إجراء مفاوضات للتوصل إلى حلول عادلة بدل الزج بأرواح مئات آلاف البشر في أتون حرب لا نعرف كيف ومتى تنتهي .
وإنني كباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي أدعو أطراف الصراع في أرجاء العالم إلى الإبتعاد كليا عن استخدام السلاح في حل المشاكل والحروب القائمة في أرجاء العالم العربي والتفكير في إيجاد حلول قائمة على التفاوض المباشر في حل أي خلاف وبالذات بين العرب وإيران لأن أخطار وقوع مثل هذه سوف تكون بمثابة كارثة تدمر المنطقة بأسرها .
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 العراق: المندس اطلاقة موجهة! خالد الناهي
راي اليوم
كلمة مندس اصبحت قوتها تفوق قوة الرصاصة..
إن أردت قتل أحد ما، وكنت لا تملك الرجولة لتواجهه بنفسك، ما عليك سوى الذهاب الى ساحات التظاهر، والقول عنه مندس حتى لو كذبا.. وأنه يتحدث بالسوء عن المتظاهرين و يطلق النار عليهم، وقد قتل واصاب شخصين او ثلاثة..
عندها ستجد هذه الكلمة تتكرر، وكانها متواليات عددية، وسرعان ما يتحول العدد الذي زعمته الى تسعة وحتى ربما تسعين قتيل.. وخلال دقائق تجد عشرات القصص عن هذا المندس، ومثلها عن ضحاياه المساكين!
اما شهود العيان الذين يتحدثون عن الاسلحة التي قتل بها المندس المتظاهرين فما اكثرهم، وقطعا سيبدأون بذكر الاسلحة التي تبدأ بمسدس وتنهي ربما باسلحة الدمار الشامل، و لن يبقوا سلاحا في لعبة البوبجي الا يوردوه!
لن يستغرق الامر وقتا طويلا حتى يتحول هذا المندس الى اشلاء ان كان موجود في ساحة التظاهر، اما اذا كان بيته قريبا من المكان، ما عليك الا ان تجهز التكتك ان كنت من السراق(لان بيته سيستباح)..
اما ان كنت ثوريا بامتياز فستحضر قنينة البنزين مع مشعلها (الموليتوف) لترميها على المنزل لتحرقه، و تصرخ بعلوا صوتك اشهدوا لي عند الامير بأني اول من رمى.
لا تفكر ببقية الامور مثل من يجرا على قتل انسان! فهناك العشرات من “الثوار” سينبرون لفعل ذلك، وهم كفيلون بجعل قتل هذا المندس، يحصل بابشع صورة.. ليكون عبرة لغيره!
لا تفكر بأنك يجب ان توفر ما يثبت كلامك بأنه مندس ابدا، وتأكد ان القتلة لا يحتاجون لاي دليل، لانهم لن يسألوك عنه
فالمهم انك تقول انه ضد الثورة..اي ثورة!!
ثورة تريد ان تبني الانسان العراقي، وتعيد حقه المسلوب، من خلال ديمقراطيتها القاتلة؟
ثوارا يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، فهم يتظاهرون ويعبرون عن رايهم بصوتا عاليا، مع تغطية اعلامية على مدار اربعة وعشرين ساعة، بل أن بعض الوجوه والاسماء اصبحت معروفة ومألوفة ولا تفارق الظهور الاعلامي.
في نفس الوقت يحرمون على شخص ابدى رأيا معينا او انتقد ظاهرة سلبية شاهدها في ساحات التظاهر، من دخول محافظة بحجة انه ضد الثورة، في حين يتداولون اسمه وصورته في مجامعيهم الخاصة التي انشأت في وسائل التواصل الاجتماعي، لتتم ملاحقته وقتله (فليس كل المتظاهرين ملائكة).
اي ثورة هذه التي ادخلت الرعب في قلوب الكثيرين، واصبحت الكلمة ثمنها حياتك؟!
ليتهم يكتفون بقتلك وتعليقك في اعمدة الكهرباء، فبعد موتك يجب على عائلتك ان تثبت انك شريف.. بل وحتى والدتك وزوجتك وربما ابنتك!
لان قنوات الثوار، ستتولى عملية تشويه سمعتك، فربما تكون بعد موتك تقود مافية المخدرات، و ابن حسنة ملص!!
ليس غريبا ابدا، وكل شيئ مباحا
ما دام الهدف تحقيق النصر.. لكن النصر على من؟
قالت المرجعية ان معركة الاصلاح اشرس من الحرب على داعش.. وعلى ما يبدوا
أننا في بداياتها فقط.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 فلنكن كلنا ذلك الأعمى العجوز علي عبيد الهاملي
البيان
«كنت أجلس ذات مرة في سيارة بجانب السائق. ولم أكد أتبسط معه في الحديث حتى أخذ يلتهب حماساً، وقال إنه يعرف كيف يصلح العراق، وإذ هو لا يحتاج إلا لبضع مشانق ينصبها على رؤوس الجسور، فيعلق عليها المجرمين والخونة والمرتشين، وعند ذلك يرتاح الناس ويسودهم الإخاء والوئام كما يريد الله ورسوله.
عند ذلك صرخ أحد ركاب السيارة وقد بلغ الحماس منه مبلغه: ويحك ماذا تقول؟ إن المشانق لا تكفي، فلو أعطيت السلطة بيدي لعرفت كيف أصلحها. وهنا وصلت السيارة إلى نهاية مطافها لسوء الحظ فلم أتبين كيف يستطيع هذا الراكب العبقري أن يصلح الناس إصلاحاً تاماً.
ولو أن السيارة كانت قد أبطأت في سيرها فلم تصل إلى غايتها على عجل لوجدت كل الركاب يشتركون في هذه المناقشة الحادة، ولصار كل منهم مصلحاً جباراً يستطيع أن ينقذ المجتمع خلال أسبوع واحد. ومن يدري لعل كاتب هذه السطور سيشترك معهم بالمناقشة، وربما فاقهم بعظمة مقترحاته وعدد مشانقه».
هذه الحكاية يرويها الباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه «مهزلة العقل البشري»، الذي يصفه مؤلفه بأنه «محاولة جديدة في نقد المنطق القديم لا تخلو من سفسطة». وهي محاولة ليست حديثة، فقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1959.
والملاحظ في الحكاية التي مضى عليها ستون عاماً أنها تصلح لهذا الزمان، وربما لأزمنة قادمة أخرى، ذلك أن طبيعة كل زمن قد تختلف عن الآخر، لكن طبيعة البشر تكاد تكون متشابهة، يعتقد كل واحد منهم أنه وحده من يمسك بزمام الحقيقة ويعرف كيف يسوس الأمور ويدبرها، يستوي في هذا العامة والخاصة، وهو ما يؤكده الدكتور علي الوردي، حيث يقول:
«والظاهر أن الفلاسفة لا يختلفون عن العامة في هذا. مزية الفلاسفة أنهم يتكلمون فلا يرد عليهم أحد مخافة أن يتهمه الناس بالغباوة أو الغفلة أو الجهل. ولهذا ملأ الفلاسفة القدماء كتبهم بالسخافات وصدق بها الناس. ولو جمعنا الفلاسفة في صعيد واحد وقلنا لهم: اتفقوا على رأي صحيح نصلح به الناس، لتجادلوا وتخاصموا كما فعل ركاب السيارة آنفة الذكر، ولظن كل منهم أنه أتى بالرأي الأصوب».
حدث هذا قديماً، ويحدث اليوم من فلاسفة العصر الحديث الذين تمتلئ بهم البرامج الحوارية في القنوات الفضائية تحت مسميات مختلفة، فهم أحياناً محللون، وهم أحياناً خبراء استراتيجيون، وهم أحياناً مفكرون يتحفوننا بآرائهم، وبما سماها الدكتور الوردي «سخافات» على فرضية أن عقولنا قاصرة عن الفهم، وأن عقولهم هي الأكمل والأقدر على التفكير والتحليل والاستنتاج والتقدير.
كما يحدث هذا أيضاً من فلاسفة وسائط التواصل الاجتماعي الذين يضج بهم الفضاء الإلكتروني، يغردون ذات اليمين وذات الشمال، تتطاير سهامهم في كل اتجاه، تصيب العدو والصديق، وكثيراً ما ترتد إليهم هم أنفسهم، فلا تعود عليهم وعلى البشر إلا بالخسارة والضرر.
«من أراد دليلاً على ذلك فليذهب إلى العلماء الفضلاء من رجال الدين، أو إلى الأساتذة الكبار في الجامعات، أو إلى الزعماء المعروفين في حقول السياسة والاقتصاد، ويدرس مجادلاتهم في مجالسهم الخاصة. كل واحد منهم يرى أن رأيه أصوب الآراء، وأنه هو بالذات خير من يلي الحكم أو يصلح المجتمع، وتراهم يتغامزون ويتآمرون ويكيد بعضهم ببعض، ذلك لأن إصلاح الوطن في نظر أحدهم لا يتم إلا على يده، أما الباقون فهم كلهم خونة أو أغبياء أو أرباب أغراض سيئة ومصالح شخصية».
هكذا شخّص الدكتور علي الوردي قبل 60 عاماً الحالة، وهو تشخيص لم يتغير كثيراً حتى يومنا، كأن الحياة نسخة واحدة من البشر تتكرر في كل عصر، تختلف فيها الوجوه وتتشابه الصفات والتصرفات، يشذ عن هذه القاعدة القليلون، وتخضع لها الغالبية العظمى من الناس، إما بفعل الطبيعة البشرية التي يبدو أنها لا تتغير كثيراً بتغير الزمان والمكان، وإما بفعل إعادة إنتاج ما قدمه الآخرون وكأنه مقدس يجب أن لا تمتد إليه يد التغيير أو التطوير أو الاختلاف، ومن يخرج عن هذه القاعدة يتعرض للهجوم والنقد وربما الأذى.
حدث هذا لكثير من المجتهدين والمفكرين والذين حاولوا إعمال عقولهم كي يكونوا مختلفين، وتم تصنيفهم على أنهم خارجون عن الإجماع.
هل تذكرون قصة «العميان والفيل» التي تتناقلها سير حكماء الهند؟
تقول القصة إن حكيماً هندياً معلماً لفتى شاب كان يدّعي العلم بكل شيء، أراد أن يلقنه درساً، فطلب منه إحضار فيل وجماعة من العميان، دون أن يخبرهم بأن ما أمامهم فيل، وطلب من العميان أن يتحسس كل واحد منهم ما أمامه ويصفه.
فمن لمس الذيل قال إنه مكنسة، ومن لمس القدم قال إنه جذع شجرة، ومن لمس الخرطوم قال إنه ثعبان غير سام، ومن لمس الناب قال إنه خنجر كبير. هذا ما فعله كل العميان عدا أعمى عجوز ظل صامتاً، حتى إذا ما انتهى العميان الآخرون من وصفهم قال إنه فيل.
لماذا لا نكون كلنا ذلك الأعمى العجوز؟
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6 العرب وخطر الداخل ودول الإقليم
عبدالمالك خلف التميمي الجريدة الكويتية
حرب في اليمن وليبيا، ومظاهرات دامية في العراق، وتدخل عسكري تركي في سورية، وتهديد إيراني للخليج والسعودية، حروب أهلية وحروب بالوكالة في معظم الوطن العربي، هذا عدا اضطراب لبنان والصومال بفعل نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة.
ماذا يجري وفي أي عصر نعيش؟ لا تزال عقلية السيطرة العثمانية والإيرانية لديها أجندة الهيمنة والسيطرة الإقليمية أمام انتهازية ومصالح القوى العظمى مثل أميركا وروسيا وأوروبا، وإن الصراع الإثني العنصري والطائفي والمناطقي ينخر قلب الأمة وعقلها، ولا نزال نعيش عصوراً سالفة، عصور داحس والغبراء، ولم تدخل الحضارة المعاصرة، فلم نتمكن من بناء الذات في مجتمعاتنا لكي تصمد أمام التحديات الداخلية والإقليمية.
لقد كان الخطر استعمارياً غربياً وتحقق الاستقلال السياسي، فأصبح اليوم الخطر إقليمياً إيرانياً وتركيا، وأصبحت سيادة واستقلال دولنا العربية في خطر، فإيران تهدد أكثر من بلد عربي، وتركيا تطمع باجتياحها الأراضي السورية، فلم تكتف بمنطقة الإسكندرونة التي سيطرت عليها عام 1939م، فهي اليوم تجتاح شمال سورية تحت مبررات اللاجئين السوريين والمناطق الحدودية الآمنة!
والتوغل الإيراني والتركي قد انتهز حالة العرب السيئة ليحقق أحلام الدولتين، وإسرائيل كذلك لديها خططها في استيطان وقضم مزيد من الأراضي ومصادر المياه العربية، فنحن أمام أخطار حقيقية في الداخل ومن الإقليم، فما العمل؟
إن الوحدة الوطنية وبناء الذات في كل قطر عربي، ثم التعاون لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، هي استراتيجية تحتاج إلى مقومات أولها محاربة الفساد بكل أشكاله، ومحاربة قوى التخلف التي تنخر جسد الأمة وروحها وعقلها حتى نتخطى مرحلة المخاض هذه إلى مرحلة أكثر تقدماً، ونمسك بزمام سيادتنا واستقلالنا برؤية مستقبلية قادرة.
إن العالم المتقدم في الشرق والغرب يستغرب من أن العرب يملكون مقومات الحياة والتقدم ويعيشون حالة الإخفاق، وعدم تفعيل مقوماتهم! فلدينا الموقع والموارد والبشر والعقول المتعلمة، وتنقصنا الإرادة والإدارة السليمة، وبالنظر للإمكانات والمقومات المتوافرة في بلدين عربيين هما: العراق والسودان تكفي الوطن العربي للتقدم، إضافة إلى الموارد الطبيعية في منطقة الخليج العربي وغيرها.
إن توظيف تلك الإمكانات والمقومات بشكل صحيح وسليم كفيل بإزالة الأخطار الداخلية والإقليمية عن كاهل هذه الأمة المنكوبة، والتي طال تخلفها حتى تجرأ الجيران على اختراقها، وجرح سيادتها باحتلال أراضيها وسلب إرادة دول فيها، وإشغالها بحروب لا نهاية لها.
علينا أن نواجه أخطار الداخل مع أخطار التدخل والاختراق الإقليمي الإيراني والتركي، ولكن كيف، هذا هو السؤال الصعب.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7 حتى لا يغيب ملف المفقودين والمغيبين عن مطالب المنتفضين
احمد صبري
الوطن العمانية
في خضم عنفوان انتفاضة العراقيين على الفساد والظلم وفشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق والحفاظ على ثرواته، وتمسك المنتفضين بمطالبهم المشروعة ينبغي أن لا ننسى محنة المغيبين والمفقودين وهي من صميم أي تغيير شامل في الواقع العراقي الذي بدأ يتشكل في ميادين وساحات العزة والكرامة.
لقد تحول ملف المفقودين والمغيبين قسرا ومعرفة مصيرهم إلى قضية رأي عام بعد أن اكتوى به آلاف العراقيين، وأصبح البحث عن مصيرهم في صدارة اهتمامات الرأي العام لفتح هذا الملف والكشف عن مصير المغيبين وملاحقة المتورطين في هذه الجريمة المتوالية فصولا،
وتكشف محنة المغيبين عجز منظمات حقوق الإنسان، والسلطات العراقية عن معالجة هذا الملف الشائك بعد أن اتسعت الظاهرة وتزامنت مع مطالبات بالكشف عن مصيرهم اعتبروا في عداد المفقودين ما زال مصيرهم مجهولا.
وطبقا لإحصائية موثقة تتداولها منظمات عراقية معنية بحقوق الإنسان فإن أعداد المفقودين يقدرون بنحو (250) ألف شخص بعد سيطرة الميليشيات الطائفية على المدن التي كانت في قبضة داعش وانتشار عمليات القتل والملاحقة التي تسببت في ارتفاع معدل الخطف والقتل والاعتقال، وهو الأمر الذي ترتب عليه زيادة كبيرة في حصيلة المفقودين، في السجون السرية أو ممن لم يُستدل على أماكن وجودهم.
ووجهت أسر المفقودين والمغيبين اتهامات صريحة للسلطات العراقية بتخليها عن واجبها في حفظ الأمن، ووضع حلول جذرية لمعرفة مصير أبنائها، خصوصا أثناء ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حيث عانى الكثير من الأسر خصوصا في مناطق حزام بغداد من عمليات الاعتقال والخطف.
لقد باتت أزمة المفقودين تشكل هاجسا وقلقا لدى العراقيين الذين يعتبرون عجز الدولة عن فرض النظام والأمن هو من شجع الميليشيات الطائفية على التغول في المجتمع إلى حد اتهامها بالتستر على كشف مصير الآلاف، الأمر الذي أسهم في تفاقم أزمة المفقودين التي باتت قضية معقدة ضمن أهم الملفات التي يواجهها العراق.
وجراء اتساع أعداد المغيبين والمفقودين تصدر العراق قائمة الدول التي تعاني من تداعيات هذه القضية التي تتطلب جهدا حقيقيا من منظمات حقوق الإنسان للكشف عن مصير الآلاف من المغيبين.
وعلى الرغم من أن هذه المظاهر أقلقت منظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر، إلا أن أوضاع المعتقلات والسجون السرية تسير من سيئ إلى أسوأ. والقصص المسربة من المعتقلات ليست مقلقة، وإنما كارثية ويندى لها الجبين، الأمر الذي يتطلب كشف ما يجري فيها وما يتعرض له المعتقلون من ابتزاز وتجويع إلى حد الموت.
لقد تحول ملف المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسريا إلى ملف سياسي بامتياز في عملية الصراع على السلطة، واستخدامه أداة للابتزاز والضغط والمناورة في التسقيط السياسي، الأمر الذي يتطلب تدويل هذا الملف لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية وملاحقة المتورطين في هذه الجرائم والمتسترين عليها.
وتدويل هذا الملف يدعونا للتوقف عند الموقف الأميركي إزاء ما يجري في العراق بشكل عام، وهو الموقف الذي لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب، حيث تميز بعدم المبالاة والازدواجية، ما فتح الأبواب لتمدد إيران في العراق وتغول أذرعها في المجتمع العراقي، ففي الوقت الذي تفرض واشنطن عقوبات على إيران وحلفائها في العراق فإنها بذات الوقت تسعى للحفاظ على النظام السياسي وهو منتجها الفاشل الذي أدخل العراق في الفوضى، وما يجري في الساحات والميادين هو بمثابة استفتاء على فشل هذا المنتج وانتهاء صلاحيته.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8 تهديد العراق كاظم الموسوي
الوطن العمانية
يتعرض العراق، وطنا وشعبا إلى تهديد خطير، يتجدد كل فترة منذ عقود، وربما منذ تشكل الدولة الحالية، مرورا بمراحلها أو تسمياتها، وخصوصا بعد الجمهوريات، والقيادات المتسلطة التي قادت إلى هذه الحالات، وإعطاء مؤشرات محفزة أو مبررات كاذبة لمخططات التهديد. ولم يخف المستعمرون ودول الإمبريالية والمتخادمين معها نواياهم في الوصول إلى هذا التهديد المتجدد، كل فترة.
ليس مشروع السيناتور الأميركي جو بايدن (نائب الرئيس الأميركي أوباما سابقا والمرشح الديمقراطي للرئاسة حاليا) في تقسيم العراق هو الأخير ولكن هو الرسمي والسيف المسلط والمخبأ على رقبة العراق، حيث أعلن بصفاقة تقسيمه إلى ثلاثة أقاليم، كيانات، كانتونات، على أسس إثنية ومذهبية، وإلغاء هويته وتاريخه وتجمعه الوطني وتهديد تشكيله الجغرافي ومحيطه السياسي.
طرح وصوّت عليه في الكونجرس الأميركي عام 2007 ورفع على الرف “مؤقتا”، ليكون موضوعا تحت النظر في أي ظرف تختاره إدارة أميركية ويتوافق مع المخططات التي ترسم للمنطقة العربية. وتكرر التهديد أكثر من مرة بعده وتحت عنوانه أو اسمه أو بأي اسم آخر أو بممارسة لتجسيده، وعادت فكرته وتجدد تداوله، مشروعا صهيو ـ أميركيا بامتياز. لا سيما عند منعطفات جغراسياسية وتدهور أوضاع السلطات العربية، وقد لا تجد الإدارات المعادية ظروفا أفضل مما تعيشه المنطقة الآن.
كالعادة تبدأ المشاريع في طرح إعلامي ومناقشات مراكز بحث وغيرها أو خلالها تجري الممارسات العملية والإجراءات اللازمة للتنفيذ والتطبيق. وليس آخرها ما نشرته صحيفة الأوبزرفر البريطانية يوم 2019/12/01 لمراسلها مارتن شولوف المختص بشؤون الشرق الأوسط، في تقرير بعنوان “العراق يواجه خطر التفكك، والعشائر تقف في وجه ميليشيات إيران”. وهذا العنوان يفضح المكتوب، كما يقال بتغير مكان الكلمات، إذ كتب شولوف إن العنف الذي تبناه الأمن العراقي في التعامل مع المتظاهرين أشعل المزيد من الغضب عبر البلاد بين النخبة السياسية والمتظاهرين الغاضبين. وأضاف أنه “منذ العام 2003 اتسمت الحكومات العراقية بالنزعة الطائفية بينما حول الوزراء مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات يعود ولاؤها الأول لجماعات سياسية محددة أكثر من الدولة نفسها”. ووضح شولوف أنه “كنتيجة لذلك شاع الفساد والمحسوبية في كل مؤسسات القطاع العام التي نهبت ثروة البلاد من النفط وتركت العراقيين يعانون الفقر ولا يجدون أي فرص عمل، وبالتالي كان التصدي لنهب القطاع العام هو المطلب الأول لحركة الاحتجاج التي بدأها شباب محرومون سرعان ما انضمت إليهم طوائف أخرى من المجتمع”. وبعيدا عن التضليل الإعلامي والاستهداف فإن ما يراد أو الهدف من الموضوع هو المطلوب، والذي يركز على غسيل الأدمغة المنشودة رغم المغالطات والدجل السياسي في أسطره.
ونقل شولوف عن أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والمختص بشؤون العراق البروفيسور توبي دودج قوله إنه “عندما تأسس النظام السياسي في العراق بعد 2003 تضمن في داخله بذور الفساد والطائفية والقمع، لكن هذا النظام بدأ في التهاوي الآن وكنتيجة لذلك تزايد العنف في البلاد”. وأكمل دودج “الأسس التي أقيم عليها النظام العراقي هي تقسيم المجتمع على أساس طائفي بشكل متوازٍ مع توزيع الغنائم على النخبة السياسية، وأصبح ذلك علنيا بشكل تدريجي، وهو ما نزع عن النظام شرعيته، فقد توقف العراقيون عن النظر إلى هؤلاء الساسة على أنهم أبطال وبدأ يراهم كانتهازيين فكان على النخبة السياسية أن تعتمد على الميليشيات والعنف لقمع المظاهرات المعادية لهم والبقاء في السلطة، نحن نرى أن هذا الأمر وصل ذروته اليوم”.
هذه مقدمة لما وضع في العنوان، ملخصها تهديد العراق بالتفكك على ضوء مشروع بايدن، والإعلام والمختصون جاهزون لتسهيل المهمة. وعلى الأرض تمت خطوات للمشروع، أنجزها نائب الرئيس الأميركي الحالي، مايك بنس، في تسلله السري المعلن ولقاءاته بأطراف محلية دون الزيارة الرسمية للعراق. والحضور إلى عاصمته واللقاء الرسمي بالسلطات التي أسهمت الإدارة الأميركية في رسم خرائطها السياسية. وفي تسلله الأول للعراق، (2019/11/23) حط بنس على متن طائرة عسكرية في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار بغرب العراق. ومنها أجرى اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، قبل الانتقال إلى مدينة أربيل مركز إقليم كردستان/ شمال العراق، حيث التقى رئيس الإقليم نيجيرفان برزاني. وبنس هو أعلى مسؤول أميركي يزور العراق منذ زيارة الرئيس دونالد ترامب في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018، والتي اقتصرت على تمضية ساعات قليلة مع القوات الأميركية في القاعدة نفسها. وأثارت زيارة ترامب جدلا كونها لم تشمل لقاء أي مسؤول عراقي. ونشر بنس عبر تويتر صورا له برفقة زوجته كارن وجنود خلال الزيارة التي تأتي قبيل احتفال الأميركيين بعيد الشكر.
في وسائل الإعلام، وبحسب مكتب رئيس الوزراء العراقي، نشر أن بنس بحث في اتصاله مع عبد المهدي “تعزيز العلاقات بين البلدين وآفاق التعاون المشترك، إلى جانب بحث التطورات التي يشهدها العراق وجهود الحكومة وإجراءاتها الإصلاحية استجابة لمطالب المتظاهرين”. وأوضح المصدر نفسه أن الزيارة كانت بعلم عبد المهدي، ومثلها قرار بنس زيارة أربيل. في المقابل، أكد مكتب الرئيس العراقي برهم صالح، وهو كردي، لوكالة الأنباء الفرنسية، أنه لم يكن على اطلاع مسبق على الزيارة. وانتقل بنس من القاعدة العسكرية في الأنبار إلى أربيل، حيث اجتمع مع رئيس الإقليم نيجرفان برزاني ورئيس وزرائه مسرور برزاني. بعد أن أجرى لقاء مع رؤساء عشائر من الأنبار في القاعدة العسكرية، عين الأسد. وتتوالى أخبار عن لقاءات وتدريبات وتجهيز ما بين ألفين إلى أربعة آلاف مقاتل من أبناء محافظة الأنبار وتسليحهم في معسكرات الحبانية والفلوجة والرمادي وإغداقهم بوعود كثيرة، شارك فيها مسؤولون رسميون أيضا، إضافة إلى وظائفهم الاتحادية، كما تسمى. ونشرت أخبار أخرى عن إرسال معدات عسكرية وسيارات وأسلحة إلى الرمادي عن طريق الأردن وإلى أربيل بطائرات وصلت من الإمارات، دون علم حكومة بغداد.
زاد في التأكيد زيارات ميدانية مكثفة وغير معلنة لوزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ورئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي، والاجتماع بالقيادات العسكرية المماثلة والقيادات العسكرية الأميركية الموجودة في القواعد الأميركية المنتشرة على الأراضي العراقية والسورية، والتنسيق فيها مع الكيان الإسرائيلي علنا.
يبدو من هذه الزيارات أن الولايات المتحدة لا تعير اهتمامها رسميا علنيا لما يحصل في الشوارع العراقية، لا سيما الحراك الشعبي في العاصمة والمحافظات الوسطى والجنوبية، مثلما تخطط لترميم تحالفها مع الأكراد العراقيين والسوريين أيضا. وذلك بعدما اهتزت الثقة بينهما في أعقاب الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا والغزو التركي الذي استهدف الأكراد؛ لإنشاء ما سماه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمنطقة الآمنة، فضلا عن توجيه رسائل واضحة إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، ومقابلتها بإنشاء قواعد عسكرية جديدة وإعادة انتشار للوجود العسكري الأميركي في البلدين، سوريا والعراق. وتأكيد النفوذ الأميركي العسكري والسياسي في العراق أساسا، بالتهديد الدائم بتقسيم العراق، والمنطقة حسب المخططات والمشاريع التي لم تعد سرية.