3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الإمام الصدر والخمينية… التصادم والإزاحة
نديم قطيش

الشرق الاوسط
تحتل السيرة السياسية للإمام موسى الصدر فصلاً مهماً من أي بحث عن مآلات الثورة الإيرانية، والشيعية السياسية فـي إيران ولبنان والمنطقة. كما لا يمكن فهم الخمينية؛ كمدرسة سياسية وفقهية وصلت الآن إلى ذروة هيمنتها السياسية على الشيعة في العالم، من دون قراءتها في ضوء التعارض الحاد بينها وبين مدرسة الإمام الصدر. فالأخيرة نهضت على مرجعيات فقهية وسياسية مختلفة تماماً عن مرجعيات الخمينية، ومورست من خلال أداء براغماتي يعطي أولوية للخصوصية الوطنية اللبنانية أو العراقية أو الخليجية في البيئات الشيعية المختلفة، على الأولوية الثورية العابرة للهويات الوطنية كما كانت الحال وما زالت في ممارسات الخمينية.

آخر البحوث الرصينة في حال الشيعة وسيرتهم، كتاب أراش ريزنه أزهاد «شاه إيران… أكراد العراق وشيعة لبنان»، الصادر بالإنجليزية، وكان موضوع مراجعة نقدية موسعة في مجلة «أميركان إنترست» مؤخراً.

يتعقب الباحث؛ الإيراني الأصل، سيرة التحولات الكبرى التي حفّت بالشيعة بعد سقوط نظام الشاه، من خلال وثائق لجهاز «السافاك» ينشر بعضها للمرة الأولى، وتظهر طبيعة الاتصالات بين نظام الشاه وعدد كبير من الشخصيات بينها الإمام الصدر. كما تكشف عن طبيعة الصراعات التي شكّلت ديناميات الثورة التي أوصلت الخميني إلى الحكم، والعلاقات المعقدة لأجنحة الثورة بعضها ببعض، كما تبين سلوك الشخصيات التي أثّرت في مسارات الثورة ومآلاتها، وعلاقاتها بالصدر. بهذا المعنى يعيد الكتاب، من خلال الوثائق والسير الفرعية، تركيب السيرة المعقدة للصدر التي ابتسرت في السنوات القليلة الماضية وجرت إعادة تدويرها في سياق سردية إيرانية مزورة تطمس التباينات الجذرية بين الصدر والخميني، وتجعل من مسار الإمام الصدر مجرد مجرى صغير في نهر الخمينية، وتقدمه للجمهور الشيعي بكثير من المديح اللفظي والمسايرة، اللذين باتا سمة جديدة في خطاب «حزب الله» في لبنان.

الحقيقة أن عنوانين أساسيين فرزا قوى الثورة الإيرانية في لبنان، هما؛ أولاً: موقف الفصائل المختلفة من العلاقة بالموضوع الفلسطيني. وثانياً: رؤية هذه الفصائل لهوية الدولة الإيرانية ما بعد الشاه وانقسامها حول الموقف من نظرية «ولاية الفقيه» لصاحبها الخميني.

في العنوانين، وقف الإمام الصدر في منطقة التعارض مع الخميني وفريقه. فهو على خلاف الثورية الخمينية، لمس مصلحة شيعة لبنان في أن يكونوا جزءاً من الوطنية اللبنانية التي كانت تُعرَف حينذاك بموقفها الرافض للكفاح الفلسطيني المسلح من لبنان، وقبل ذلك بالموقف المعترض على الناصرية.

ولئن كان مسرح الكفاح المسلح هو جنوب لبنان، أي إحدى البيئتين الشيعيتين الرئيسيتين في الجغرافيا اللبنانية، فقد ارتأى الصدر أن المغامرة بمصالح أهل الجنوب وعمرانهم واستقرار بيئتهم لا يخدم المصلحة الشيعية في شيء. لهذا شكّل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، سنة اختفاء الإمام، ذروة الطلاق بين الصدر والخميني. فتحفظات الصدر على العمل الفلسطيني المسلح، باتت أكثر علنية، ووصلت في خطابات الجمعة بمدينة صور إلى حد القول إن الاجتياح ما كان ليحصل لولا الوجود الفلسطيني.

وينقل الكتاب عن مذكرات علي أكبر محتشمي، سفير الخميني لدى منظمة التحرير ولاحقاً لدى سوريا بعد الثورة ثم وزيراً للداخلية، أن محتشمي قدم تقريراً للخميني حول خطابات الصدر السالفة الذكر، وأن الخميني أبدى حيالها «كثيراً من الأسى بسبب انعدام ثورية الصدر»!!

كانت الدعاية السياسية المضادة للصدر، السابقة على اجتياح 1978، والتي يقودها محتشمي، وعدد من أركان ما يعرف بـ«خط الإمام» الخميني، كجلال الدين فارسي، ومحمد منتظري، ومحمد بهشتي، تعدّ الصدر «عميلاً للمارونية السياسية» و«حزب الكتائب اللبنانية» بسبب من الفلسفة الوطنية التي حافظ عليها وفعّلها في الهوية الشيعية، في حين كان يرى في ولاية الفقيه الغيبية العابرة للوطنيات «عصارة عقل مريض» كما وصفها في رسالة بعث بها إلى الشاه!! وقد ظل الصدر على تقليده للسيد محسن الحكيم وبعده الإمام أبو القاسم الخوئي، رافضاً مرجعية الخميني.

والواقع أن تهمة العمالة للمارونية السياسية، لها جذور قبل اصطدام الصدر بالملف الفلسطيني، حيث إن الإمام تقرب من مؤسسات النظام السياسي اللبناني؛ لا سيما رئاسة الجمهورية، ولم يعادِها، بل إن الشاه رأى فيه وفي موقعه هذا، إبان صعود الناصرية، مرتكزاً شيعياً مهماً في سياسة إيران الخارجية غير الرسمية المناهضة لجمال عبد الناصر. وقد وفّر الحلف بين الصدر والرئيس اللبناني فؤاد شهاب، بمباركة بعيدة من الشاه، عمقاً إسلامياً للموقف المسيحي اللبناني المتوجس من الناصرية، في مقابل الحماس الإسلامي السني لها. ووفّر للشاه صوتاً عربياً إسلامياً من قلب المنطقة يخترق خطاب التهليل للناصرية ومن موقع وطني لبناني. وهذا، للمفارقة، معاكس للوظيفة الإيرانية التي يلعبها اليوم الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، بوصفه صوتاً عربياً لإيران من قلب المنطقة، يعلو بالاعتراض على مواقف السعودية والإمارات ومن موقع لا يقيم وزناً لأي مصلحة وطنية لبنانية.

من مفارقات الكتاب الكثيرة ما يكشفه من انطباعات مقربين من الصدر، كصهره مهدي فيروزان وصادق طبطبائي، حول حجم العداء للإمام في أوساط رجال الخميني، ومنها اتهام فيروزان لجلال الدين فارسي بأنه كان مقرباً من الخميني ومن القذافي وبأن له دوراً في التحريض على اختطاف الصدر. وفارسي من مجموعة محتشمي ومنتظري، والأخير حل ضيف شرف على القذافي في مارس (آذار) 1979 بعد أشهر من اختطاف الإمام الصدر، وكانت المناسبة الاحتفال بالانسحاب البريطاني من ليبيا… ويبقى السؤال السهل الصعب… من قتل موسى الصدر؟!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 عرب وكورد
خالد القشطيني الشرق الاوسط
تكلم السيد برجس البرجس، رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتية، في مركز الإعلام الكويتي في التسعينات عن المساعدات المشكورة التي تقدمها الكويت للمواطنين العراقيين. طرحت عليه أسئلة عدة بصدد النشاط العربي الموحد وإخفاقاته. وفي كل مرة كان يرفع يديه بيأس ويتمتم: عرب عرب.
كان بجانبي أحد الزملاء الأكراد. نظرنا إلى بعضنا بعضاً وابتسمنا سوية وتهامسنا بشأن هذه التراجيديا الكوميدية التي أصبحت الموضة السياسية في جيلنا هذا. ذكرت له كيف أن أحد الصحافيين سأل الزعيم الكردي جلال الطالباني عن هذا التقاتل المرير والانقسامات في الجبهة الكردية – العراقية، فأجابه قائلاً: هذا هو ما تعلمناه منكم، أنتم أيها العرب. تعطف الزميل الصحافي الكردي فروى أنه عندما كان في صفوف الملا مصطفى البارزاني أثناء الثورة الكردية زاره أحد الصحافيين المصريين وألقى عليه سلسلة من أتفه الأسئلة وأبسطها. وكان البارزاني يجامله ويجيب عنها بقدر ما سمحت به أعصابه الصابرة. ولكن صبره نفد كلياً عندما ختم المراسل الصحافي استجوابه بهذا السؤال: هل صحيح أنتم الأكراد كنتم في السابق عرباً؟ فالتفت البارزاني إلى مساعده محمود عثمان وقال له: لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بالعربي. سأجيبه بالكردي وأنت ترجم له. أجاب وترجم محمود عثمان جوابه بهذه الكلمات: صحيح أننا في غابر الأيام كنا عرباً ونسكن المنطقة العربية، لكن صبرنا نفد فرحلنا وصعدنا الجبل وسمينا أنفسنا «كورداً».
هكذا عرف الأكراد بأنهم أبناء الجبل وفي تركيا يسمونهم «أتراك الجبل». وفي ذلك قال الجواهري يحيي مقاتليهم وأبطالهم:

سلم على الجبل الأشم
ولأنت أعرف عن بنيهم من هم

وحول هذه الحقيقة الجيوفيزيائية تكلم كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في العراق آنئذ، مع رشيد عارف، الوزير الكردي في حكومة عبد الكريم قاسم. قال له: أنتم أيها الأكراد لا نصيب لكم في إقامة دولة لأنكم من سكنة الجبال، والحضارات لا تقوم على الجبل. بالطبع رفض رشيد عارف هذه المقولة وجادل فيها.
مرت أشهر وذهب كامل الجادرجي في رحلة استجمام في أوروبا. مر خلالها بسويسرا ولاحظ مدى الرقي في هذا البلد الغني. بهره كل ما شاهده فيه. ثم عاد إلى العراق والتقى في إحدى المناسبات برشيد عارف. بادره بالاعتذار وقال له إنه يسحب كلامه بشأن ما قاله عمن يسكنون الجبال. ثم قال له: أنتم أيها الأكراد لماذا لا تفعلون ما فعله السويسريون بجبالهم؟ فأجابه قائلاً: سويسرا محاطة بحضارات، فالألمان شمالاً، والفرنسيون غرباً، والنمساويون شرقاً، والإيطاليون جنوباً. فتعلموا منهم. ولكن نحن الأكراد من يحيط بنا لنتعلم منهم؟ العجم من الشرق والغجر من الشمال والعرب من الجنوب والبدو من الغرب. فممن نتعلم؟
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 إيران تصنع الشرق أوسط الجديد
د. عبد الستار قاسم

راي اليوم بريطانيا

يتضاءل تطلع أمريكا والكيان الصهيوني إلى إقامة شرق أوسط جديد أو بيئة عربية إسلامية تخضع تماما لهيمنتهما وتدين لهما بالولاء المطلق يوما بعد يوم. لقد تهشم هذا التطلع، وتفككت السياسات المؤيدة لإقامته، وهو في نزاعه الأخير ولن تقوم له قائمة تحت الظروف السائدة الآن في المنطقة العربية الإسلامية. عملوا طويلا وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن من أجل إعادة تشكيل المنطقة العربية الإسلامية وتمزيقها من جديد وفق رؤاهم الاستراتيجية، لكنهم يوقنون الآن أن أحلامهم في إخضاع المنطقة تماما وتثبيت أقدام الصهاينة ونسيان الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني قد ولت، وباتوا يدركون أن منافسيهم وهم إيران ومن يدعمها ويواليها في المنطقة قد باتوا أصحاب يد عليا قادرة على الصمود والتحدي وتحقيق الانتصارات.
تغيرت المعادلات العسكرية إلى درجة أن حماس والجهاد وكل فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة باتت قادرة على تصنيع دفاعاتها، وكذلك شأن اليمن وحزب الله، وقريبا ستلتحق العراق بالركب. التهديد بالقوة العسكرية لم يعد مجديا، وأمريكا والصهاينة يدركون أن العدوان العسكري لا يمر بدون ردود مدمرة، وأن تلك الحروب التي كانت مجرد نزهات واحتفالات بالنصر لم تعد ممكنة. وأولئك الذين طالما هددوا وتوعدوا وأثاروا الفتن ونشروا القتل وسفك الدماء قد انكمشوا وأخذوا يتحاشون الصدام. الصهاينة لا يجرؤون على مهاجمة لبنان ولا قطاع غزة. وكم من مرة زمجروا هم والأمريكيون وتوعدوا إيران بالحرب والتدمير، فوجدوا أنفسهم الآن أصحاب هدوء باحثين عن السلام. الصهاينة والأمريكيون والسعوديون ابتلعوا ألسنتهم وتحركت شفاههم ناطقة بحلول سلمية مع إيران واليمن ومختلف قوى المقاومة في المنطقة. ربما كانوا يتشككون في الماضي وكانت ثقتهم بقدراتهم العسكرية قوية تؤهلهم للوعيد والتهديد. لكن غباء ترامب، الرئيس الأمريكي، جرّ أمريكا إلى مكانة عسكرية ستجد مستقبلا تحديات من العديد من دول العالم.
إيران لم تخضع للحصار، ولا لقلة الأموال وما ينطوي على ذلك من آلام ومشاق وصعوبات. بل أن إيران استمرت في التحدي ولم تتراجع عن المواجهة. أسقطت الطائرة الأمريكية المسيرة، وحلقت بطيرانها فوق السفن الحربية الأمريكية، واحتجزت السفينة البريطانية، ولم تتوان في تقديم الدعم لليمن ضد السعودية. ولا يخفي أعداء إيران الحقيقة التي تصيبهم بجزع وتدفعهم إلى إعادة حساباتهم عندما يقولون إن إيران تدعم الإرهاب، والإرهاب متمكن وقوي. وما يعنونه حقا أن إيران تدعم قوى الرفض والمقاومة التي تصر على استقلالها وانتزاع حقوقها. هم يرون جيدا أن إيران واجهت تنظيمات متطرفة جدا أساءت للإسلام كانت أمريكا والسعودية قد مولتها وأشرفت على أدائها، ومكنتها من القيام بأعمال تدميرية هائلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن. هم يعلمون أن إيران استلت سيفها ضد من حاول الأمريكيون غرسه في المنطقة من أجل إقامة شرق أوسط جديد.
آجلا أو عاجلا، سيعترف الغرب بإيران قوة عالمية، وستصبح عنصرا أساسيا في النشاط الدولي سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري. وإذا اعترف العالم فإن الأنظمة العربية ستحول ولاءاتها تدريجيا من أمريكا إلى إيران إذا قبلتها إيران. أنظمة العرب تتمسك بالولايات المتحدة من أجل حماية نفسها، أي حماية العروش وليس الشعوب، حمايتها من شعوبها ومن إيران. فإذا كانت إيران تعمل على إطاحة أنظمة العرب فإنه من غير المتوقع أن تقبل إيران ولاء أنظمة استثمرت حياتها في خدمة المصالح الأمريكية.
ماذا فعلت إيران؟ منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية، اعتمدت إيران نظرية الاعتماد على الذات لأنها وجدت نفسها معزولة وغير قادرة على استيراد السلاح المطلوب للدفاع عن نفسها. ونظرية الاعتماد على الذات تتطلب عنصرين أساسيين وهما العقل العلمي والإرادة القوية الصلبة. أصرت إيران على امتلاك هذين العنصرين وحققت إنجازات علمية وعسكرية واقتصادية هائلة بقدرات إيرانية بحتة. لقد قامت بمجهود مكثف ومركز حتى أذهلت العالم بسرعة تطورها التقني، وتسارع تطور معارفها العلمية. والنتائج يشاهدها العالم الآن على الشاشات، والدول الاستعمارية تشعر بالكثير من الندم على عدم تدمير إيران قبل أن تخرج من القمقم. أمريكا تعمل جاهدة مع الكيان الصهيوني على إخضاع برنامج إيران الصاروخي للمفاوضات لأن تطوره يشكل رادعا حقيقيا للنوايا العدوانية الصهيونية والأمريكية.
من الواضح أن أمريكا كانت تظن أنه من السهل إخضاع إيران حتى لو اضطرت إلى استخدام القنابل النووية، لكنها بدأت تدرك بعد مغامرة ترامب في إلغاء الاتفاق النووي أن دولا ستدمر إذا هاجمت أمريكا إيران وعلى راسها الكيان الصهيوني. الصهاينة الآن خائفون ويعون جيدا أن الحرب على إيران مغامرة غير محسوبة، والسعودية باتت تدرك جيدا أنها أذهلت العالم بضعفها وعدم قدرتها على الاستفادة من أسلحة ثمنها مليارات الدولارات. وإذا كانت السعودية غير قادرة على تحقيق نصر على الحوثيين فهي لن تستطيع الانتصار على إيران كما ظن محمد بن سلمان. أما أمريكا فاتبعت سياسة عسكرية خاطئة وغبية عندما أحاطت إيران بالعديد من القواعد العسكرية. لقد قدمت جنودها ومنشآتها ضحية لأي حرب قد تنشب لأن الصواريخ الإيرانية تطالها جميعها. الإيرانيون حفروا تحت الأرض لوقاية أنفسهم، والأمريكيون استعرضوا أنفسهم مكشوفين أمام من يعادون.
أين العرب من كل هذا؟ فضل العرب عبر عشرات السنوات أن يبقوا على أنفسهم كرة قدم تتقاذفها الأقدام. ارتموا بأحضان أمريكا سنوات طويلة، وهم الآن خائفون على فقدان هذه الأحضان. ليس من السهل اقتلاع أمريكا من المنطقة، لكنه ليس من المستحيل. والعبرة تبقى في المواجهة غير النارية القائمة الآن بين أمريكا وإيران. إذا صمدت إيران فإن نفوذ أمريكا في المنطقة سيتقلص إلى حد كبير، وإذا استسلمت إيران فإن الفواحش الأمريكية في المنطقة ستتكثف وسيقوم الشرق الأوسط الجديد وفق الهوى الأمريكي. ولا يبدو أن إيران ستتراجع أو أن هممها ستفتر.
تقديري أن إيران ستصمد وستخرج من المواجهة منتصرة، وسيعترف الرئيس الأمريكي في النهاية بأن الخروج عن الاتفاق النووي وحصار إيران المشدد كان عملا أحمقا. كانت ستبقى القوة الإيرانية مستترة وتأثيرها على شعوب وحكومات المنطقة سيبقى محدودا في زاوية معينة وهي زاوية المؤيدين لإيران في لبنان والبحرين وشرق السعودية وبعض العراق وبعض الكويت. لكن انكشاف القدرات الإيرانية ولو بصورة محدودة يترك آثارا قوية على النفسية العربية وعلى التفكير العربي الشعبي والرسمي. عندما تنتهي الأزمة بين أمريكا وإيران سيجد العرب أنفسهم أمام واقع استراتيجي جديد ما بين أمريكا وإيران، والغلبة عادة للقادم وليس للراحل.
عربيا، مصر خارج اللعبة الإقليمية ولا تملك الآن إلا أدوارا هامشية صورية. لم تعد مصر دولة طليعية قادرة على قيادة العرب. المقاومة اللبنانية والفلسطينية هي التي تتصدر الأمة العربية الآن، وعلى مستوى الدول، يبدو أن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك إمكانات القيادة، لكن لا يبدو أنها راغبة في ذلك الآن. أما السعودية فستجد نفسها ضعيفة، وغير قادرة على قيادة أحد أو رفع سيف التحدي في وجه أحد. المهزومون لا يقودون. السعودية مهزومة في العراق وسوريا واليمن، وغالبا ستكون مهزومة في ليبيا والسودان. والأفضل للسعودية أن تستعمل أموالها للرقي بالوطن العربي في مختلف مجالات الحياة بدل أن تبقى جابيا للولايات المتحدة. أمريكا لن تدافع عنها، وإنما تبحث دائما عن سبل ابتزازها ماليا.
محور المقاومة المدعوم من إيران سيكسب الجولة الحالية، وسيكون قادرا على فرض معادلات عسكرية مكللة بالانتصارات. زمن انتصارات الصهاينة قد ولى، وزمن البلطجة الأمريكية يلاقي تحديا قويا وصلبا. المنطقة العربية الإسلامية مقبلة على تغيير، وستكون إيران القوة الأساسية التي تفرض هذا التغيير. وإذا شاء العرب أن يكونوا رقما فاعلا للمنطقة فإن الأفضل لهم أن يديروا ظهورهم تدريجيا للأمريكيين ويتعاونوا مع إيران وفق قواعد التعاون والاحترام المتبادلين. وفقط بهذه الطريقة يمكن أن يخرجوا من بين أقدام اللاعبين.
نحن أما شرق أوسط جديد على الطريقة غير الأمريكية. المعادلة الجديدة ستصيب دول الخليج ولبنان والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني. الكيان الصهيوني سيكون أكبر الخاسرين، والمقاومتان اللبنانية والفلسطينية ستكونان أكبر الرابحين. ولهذا أقدم نصيحة لمنظمة التحرير بأن لا تبقى أسيرة الاتفاقيات مع الصهاينة، وعليها أن تفكر باستراتيجية جديدة. ومطلوب من العرب والإيرانيين الذين يحملون لواء المذهبية والطائفية أن يعودوا إلى إسلامهم. كما أنه مطلوب من إيران أن تكون عونا للعرب لا سوطا على ظهورهم.