4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 شيراك حياً وميتاً إنعام كجه جي

الشرق الاوسط

بعد فوزه برئاسة فرنسا، حرص إيمانويل ماكرون على تفقد الرئيس الأسبق جاك شيراك. ذهب إليه مع زوجته، في زيارة بدت عائلية أكثر مما هي بروتوكولية. ولم يكن الرجلان قد تعارفا من قبل. فحين كان شيراك يقود حزباً كبيراً، كان ماكرون تلميذاً بالسروال القصير. وكما يحدث في الزيارات العائلية، تآلفت الزوجتان سريعاً، وتبادلتا حديثاً خفيفاً. أبدت بريجيت، ساكنة «الإليزيه» الجديدة، رغبتها في الحصول على كلب. وأعطتها برناديت، سيدة القصر السابقة، عنوان ملجأ للحيوانات المهجورة.
في تلك الزيارة، أهدى شيراك إلى ماكرون صورة للجنرال ديغول مؤطرة ببرواز نحاسي. إنها من مقتنياته الخاصة العزيزة عليه، رافقته في كل مناصبه السابقة، واحتلت مكانها على مكتبه: عمدة لباريس، ورئيساً للوزراء ثم للجمهورية، وأخيراً في مكتبه بعد مغادرته الرئاسة. قال له إنه تلقى الصورة من الرئيس بومبيدو.
وكأنه يريد بتلك الهدية أن يؤكد استمرارية النهج الذي يقود البلاد. إن الجنرال ديغول يرتدي في الصورة الزي المدني، دلالة انتهاء الحرب، واستقرار الجمهورية، والتخلي عن الكولونيالية. لماذا لم يقدم شيراك الصورة لخليفته ساركوزي؟
بادرت زوجة ماكرون ودعت زوجة شيراك لغداء في «الإليزيه». إن لبرناديت شيراك علاقة مشهودة مع القصر، وهي تعرف كل مساربه، وقد أشرفت بنفسها على إعادة تأثيثه. لذلك كانت سعيدة وهي تلبي الدعوة وتعود إلى المنزل الذي أحبته. يومها، فوجئ حارس الباب الخلفي لمقر الرئاسة بسيارة صغيرة تقف أمامه، وتترجل منها سيدة متقدمة في السن وبيدها باقة من الأزهار، حرصت على أن تحملها بنفسها، ولم تبعث بها مع مرسال. وعند انتهاء الغداء، أخذت بريجيت ماكرون ضيفتها إلى قاعة المكتبة. كانت هناك مفاجأة في انتظار برناديت شيراك؛ لقد دعيت كل عاملات القصر السابقات اللواتي عملن معها لاثني عشر عاماً، فترتي ولاية زوجها. كانت هناك منسقة الأزهار، ومساعدة الطباخ، والمسؤولة عن الغسيل والكي، ومصففة الشعر.
تلقى ماكرون، في أثناء حضوره قمة المناخ في نيويورك، أخباراً عن تردي صحة شيراك. وصباح الخميس، رنّ هاتفه الخاص، وبان على الشاشة اسم كلود شيراك، ابنة الرئيس الأسبق. وفي اللحظة، هجس بالخبر. ألغى برنامجه المقرر، وتفرغ لكتابة خطاب النعي وترتيب الجنازة. سيكون هناك ضيوف كبار من كل القارات. جلس إلى مكتبه لتسجيل كلمته التي بثها التلفزيون. كان قد تداول مع مستشاره الإعلامي، وحتماً مع زوجته. ففي مواقف مثل هذه، لا بد من انتقاء الكلمات بما يليق ولا يحتمل التأويل. قال: «رحل رئيس الدولة الذي أحببناه بقدر ما أحبنا». وكان مكتب ماكرون وهو يلقي الكلمة خالياً إلا من صورة ديغول، الهدية التي تلقاها من شيراك.
شاهد المتابعون صفوف الفرنسيين تمتد أمام «الإليزيه» لكتابة كلمات في سجل النعي. يسأل الصحافي سيدة جاءت مع طفلتها عن سبب حضورها، فتقول: «لأن شيراك عارض الحرب على العراق». ويسأل عاملاً أفريقياً، فيقول إنه كان حارساً في متحف «برانلي» الذي أسسه شيراك، وقد صافحه الرئيس عند الافتتاح، وطبطب على ظهره.
يتوقف كثير من المعلقين عند صفة أساسية من مناقب الراحل: كان مقبلاً على الحياة بكل أطايبها. يعشق الأطباق التقليدية، ولا يرفض قدحاً. وهو كان مُدخناً شرهاً، وقد اضطر مصممو الصحف إلى حذف السيجارة من صوره الكثيرة. القانون يقول إن التدخين يضر بالصحة. لكنهم لم يحذفوا قنينة البيرة المكسيكية من يده. سيذكرون أيضاً أنه الرئيس الذي كان عمدة لباريس، ولم يملك بيتاً فيها. خرج من القصر إلى شقة تعود لصديقه اللبناني رفيق الحريري، ومات في منزل استضافه فيه صديق آخر. كانت رغبته أن يُصلّى عليه في كاتدرائية نوتردام. واحترقت الكنيسة، ولم تتحقق الأمنية.
2 الشعب في مواجهة {أم البرلمانات} عادل درويش

الشرق الاوسط

المشهد الصاخب في أم البرلمانات هذا الأسبوع، بدا غريباً ربما لم يعتده البعض، من غضب وصياح، ورئيس برلمان خرج عن اللوائح والتقاليد، ومعارضة تتهم رئيس الوزراء بوريس جونسون باستخدام تعبيرات تحريضية.
الخبير بتاريخ الديمقراطية البريطانية يدرك أن النظام السياسي في البرلمان والمرافعات في المحاكم هي مواجهات خصمية، ومجلس العموم بطبيعته منقسم حكومة ومعارضة والانفعال الحماسي ليس بجديد.
كثيرون يذكرون التصويت على حرب العراق في 2003 واستقالة وزير الخارجية وقتها روبين كوك (1946 – 2005) متهماً رئيس حكومته توني بلير بتضليل النواب حول أسباب دخول الحرب.
أما التصويت على حرب الفوكلاند في 1982 فكان أكبر نزاع تشهده وستمنستر أثناء حكم المحافظين 1979 – 1997.
في 1976 تفجر نزاع بين حكومة العمال (1976 – 1979) بزعامة جيمس كالاهان (1912 – 2005) والمعارضة بزعامة مارغريت ثاتشر (1925 – 2013) وازداد هياج نوابها وقفز مايكل هزلتاين الدرجات (وسمته الصحافة طرزان) ليختطف الصولجان الذهبي رمز وجود التاج في البرلمان (ولا يحق لأحد لمسه سوى «الحارس المسلح»)، وقيد زملاؤه حركته، بينما أنشد نواب إمارة ويلز «الراية الحمراء» شعار نشيد حزب العمال، فرفع رئيس البرلمان جورج توماس (1909 – 1997) الجلسة وحرم هزلتاين من الحضور بقية الدورة البرلمانية.
ويذكر جيلي جلسة وستمنستر الصاخبة بعد أزمة حرب السويس في 1956 التي انتهت باستقالة رئيس الوزراء أنطوني أيدن (1897 – 1977).
والتناقض كبير بين الصورة النمطية عن البرود الإنجليزي في الأزمات، وسخونة الجدل السياسي في الحلبة الكبرى لاتخاذ القرارات في وستمنستر.
في 1920 احتدت المناقشة حول وجود القوات البريطانية في آيرلندا؛ وهاجم النائب المحافظ جون مولسون، النائب جوزيف ديفلين من الحزب البرلماني الآيرلندي، ساحباً إياه من فوق المقاعد. وبينما صاح البعض «اضرب الوغد» سارع بقية المحافظين بسحب مولسون إلى خارج القاعة. وعوقب بالإيقاف لأنه عبر الخط الأحمر المحيط بالبساط الأخضر في قاعة مجلس العموم.
ومن زار المجلس أو شاهد لقطة من الكاميرات العليا أثناء نقل الجلسات سيشاهد الخط الأحمر المحيط بالبساط.
البساط الأخضر يفصل بين مقاعد الحكومة على يمين منصة الرئيس ومقاعد المعارضة على يسارها، ويحدهما خطان أحمران، المسافة بينهما قدرت بألا تسمح بتلامس سيفين ممتدين يمسك بكل منهما خصم من الجانبين. فوضع القدمين وراء الخط الأحمر من شروط آداب المجلس وتخطيه يعرض النائب للعقاب.
وهو أصل التعبير الإنجليزي بالالتزام والتعليمات toe the line أي بقاء أصابع القدم وراء الخط ومقابله بالعربية «الالتزام بالخط» أو «عدم تجاوز خط أحمر».
ولا تزال لافتة القرن الثامن عشر معلقة عند مدخل النواب إلى المجلس «على النواب ترك سيوفهم هنا» بجانب مشاجب لتعليق السيوف التي لا يحملها اليوم أحد، باستثناء Serjeant At Arms (كبير مسؤولي الأمن) ومساعدوه وهم حراسة مستقلة عن الجيش أو البوليس ويتبعون إدارياً حامل العصا السوداء Black Rod وكسلطة تابعة للملكة في وستمنستر، يسمح لهم بحمل السيوف.
واستخدم السيرجنت – آت – آرمز السيوف تهديداً لا عملياً – لطرد بعض نواب العمال في 1931 عندما رفض زميلهم جون ماكغفورن إطاعة رئيس الجلسة إدوارد فيتزروي بمغادرة القاعة لتجاوزه الخط الأحمر.
الضجة التي أثيرت هذا الأسبوع كانت حول استخدام رئيس الوزراء لعبارة «وثيقة الاستسلام» و«قرار الخضوع» مساء الأربعاء لما عرف بـ«قانون بن» القرار البرلماني الذي صاغه نواب بزعامة النائب هيلاري بن يلزم الحكومة بطلب تمديد فترة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في حالة عدم التوصل إلى اتفاق. كرر جونسون استخدام العبارة كوشاح أحمر يلوح به لثور هائج مما زادهم غضباً لمقارنتهم في الذاكرة الوطنية بمحاولة المهادنين في 1939 و1940 التوصل إلى صفقة خنوع مع هتلر.
وعندما طالبت زعيمة حزب الديمقراطيين الأحرار جوزيفين سوينسون رئيس الحكومة بالاعتذار عن إجازة البرلمان المطولة التي أنهاها قرار المحكمة الأعلى supreme court كنقض لقرار المحكمة العليا high court أعاد جونسون المقارنة بتذكير البرلمان كيف أنها اتصلت برئاسة المفوضية الأوروبية، طالبة منهم اتخاذ موقف متشدد من بريطانيا، وتوجيهها نوابها في البرلمان الأوروبي بالتصويت ضد بلادها.
وكان جونسون قال إنه رغم احترامه لقرار المحكمة فإنه يعتبره خطأً. وكما ذكرنا في الأسبوع الماضي فإن تدخل المحكمة السامية في التطورات الإجرائية البرلمانية يناقض الدستور البريطاني غير المكتوب.
ويرى القاضي (بدرجة مستشار ملكي) أندرو نيوكوم قرار المحكمة إخلالاً بالتوازن الدستوري واستيلاء على الحق الدستوري للتاج (أي الملكة) كالمؤسسة الوحيدة التي يحق لها حل البرلمان، وفق المادة التاسعة من إعلان 1688 للحقوق المدنية، وهو بجانب «الماغنا كارتا» (1215) يعتبران أهم مرجعية دستورية في البلاد. وللاستيلاء على سلطة ليست من اختصاصهم تعمد القضاة الخلط بين الإجراءات البرلمانية proceeding وبين القرار البرلماني. فأوامر الملكة الموجهة للمجلس لا تنفصل عن الإجراءات البرلمانية مما يضع الأمر خارج اختصاص القضاء؛ وهو أيضاً تفسير كثير من الجهات القضائية مما يدعم رئيس الوزراء في عدم الاعتذار واتهامه النواب البقائيين بتدبير «وثيقة الاستسلام» التي اعتبرها نكوصاً عن الوعد للناخب.
فالنواب يريدون عرقلة الـ«بريكست» ويلقون بالاتهامات ضد رئيس الوزراء مستخدمين عبارات كـ«ديكتاتور علبة صفيح» و«بلطجي سياسي» في قاعة البرلمان، دون أن يجرؤ زعيم المعارضة وكتلة البقائيين على التقاط قفاز التحدي الذي ألقاه جونسون بقوله: «اطرحوا سحب الثقة مني ومن حكومتي إذا لم تعجبكم سياستي».
والواقع أنه بجانب التلاعب بالإجراءات البرلمانية كحيلة للتسويف وإبقاء البلاد في الاتحاد الأوروبي فإن البقائيين بزعامة رئيس البرلمان لديهم هدف أكثر إلحاحاً، وهو تجنب إجراء انتخابات عامة يعرفون أن معظمهم سيفقد فيها مقاعدهم.
فالشعب البريطاني بطبيعته لا يثور، لكنه يعبر عن الغضب والاستياء من حكومته في شكل انتخابات تنسحق فيه الحكومة كما رأينا في تصويت الـ«بريكست» في 2016. وانتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام، وانتخابات 1997 التي عاقب فيها الشعب حكومة جون ميجور (1990 – 1997) وكان علق البرلمان قبلها كي تتجنب حكومته المسألة حول اتهامات فساد ورشوة، وقبلها عاقب الشعب الحكومة العمالية في 1979 على تخريبها للاقتصاد.
السبب في الأزمة أن المؤسسة الحاكمة ترفض قبول الواقع بأن الشعب صوت ضد إرادتها. شعبية رئيس الوزراء جونسون ارتفعت إلى أعلى مستوى لها، حيث يبدو مدافعاً عن إرادة الشعب الذي إن آجلا أو عاجلاً سينزل العقاب بالطبقة الحاكمة في صناديق الاقتراع.
3 أربعون عامًا بين “جازان ونجران وعسير”.. و”شط العرب” د. محمد عبدالرحمن عريف راي اليوم بريطانيا
نعم كانت نقطة البداية مع نظام الشاه الذي استثمر أحداث العراق الداخلية، وما حدث من انقلاب سياسي وتحول من النظام الملكي إلى الجمهوري، ليطالب بترسيم الحدود في شط العرب بالاعتماد على خط الثالوك. هنا رد رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، بالمطالبة بإقليم خوزستان (عربستان) ووصل الأمر إلى اشتباكات محدودة على الحدود بن البلدين لكنها لم تتطور إلى حرب واسعة.
الواقع أن المشكلة ظلت معلقة طوال عقد الستينيات وفي 1964 اتفقت الحكومتان الإيرانية والعراقية على استئناف المباحثات في طهران حول المشاكل الحدودية ومشكلة “شط العرب” وظلت هذه المحادثات متعثرة لأربع سنوات دون نتيجة واضحة. في عام 1969 استغل الشاه ضعف النظام البعثي الجديد الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام واحد فقط، وقام بالغاء معاهدة 1937 من جانب واحد، كما قامت إيران بتحشيد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق.
ما حدث هو أن فرضت إيران أمراً واقعاً على الملاحة في شط العرب بمعزل عن اشتراطات المعاهدة السابقة، معلنة أنها ستعتبر المياه العميقة وسط النهر (خط الثالوك) حداً لتقاسم السيادة على الممر المائي، ولم تقم الحكومة العراقية برد واضح إلا أنها وجهت أنظارها نحو ميناء أم قصر وخور الزبير كمنافذ على الخليج. في 6 آزار (مارس) 1975، وقع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس العراقي صدام حسين اتفاق مصالحة في الجزائر. ونص الاتفاق على تسوية الخلاف الحدودي بين البلدين حول شط العرب والمناطق الحدودية الأخرى.
عقب الثورة الإيرانية تصاعدت التوترات بين البلدين وبدأت نذر الحرب تلوح في الافق مع تصاعد التدخلات في الشؤون الداخلية بينهما تقديم بغداد وطهران دعماً لأطراف المعارضة في البلد الاخر، فضلاً عن الحملات الإعلامية. فقد دعت إيران إلى اسقاط نظام صدام حسين وتصدير ثورتها الاسلامية إلى العراق، كما حدثت اشتباكات حدودية بين البلدين واتهامات متبادلة بقصف المدن والقصبات الحدودية، وصلت ذروتها في الرابع من ايلول (سبتمبر) حيث اتهم العراق إيران بقصف مناطق حدودية في خانقية ونفط خانه. كما اتهم إيران باستخدام الطائرات لقصف المناطق الحدودية العراقية، قائلاً أنها اسقط بعضها وأسر أحد طياريها.
طالب النظان العراقي إيران أن تكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. لكن إيران أدانت ذلك واعتبرته اعلاناً للحرب عليها. وفي 22 أيلول (سبتمبر) دفع صدام حسين بقواته إلى داخل الأراض الايرانية لتبدأ حرب ضروس بين البلدين عدت الأطول في القرن العشرين وأحد أكثر حروبه دموية.
مرت السنوات وجاءت الأحداث السنوات الأخيرة متشابهة، فكشف النزاع على الحدود اليمنية السعودية، أن للقوى الأجنبية دوراً بارزاً في طمس الحقوق، لقد كان للمفاوضات كأحد وسائل حل المنازعات دور فاعلاً في كسر الجمود والفتور في علاقة البلدين، فسبق أن كانت المفاوضات هي الخطوة الأولى، نحو ترسيم الحدود الدولية بين البلدين وبأسلوب متفق عليه مبني على التراضي يمنح الحدود الدوام والاستمرارية.
نعم بين الحين والآخر نتابع عبر الأخبار وعناوين الصحف، عن كارثة عبر الحدود الجنوبية السعودية، وأن قوات الدفاع الجوي السعودي، قد اعترضت صاروخاً باليستياً أُطلق في اتجاه مدينة “جازان” جنوب المملكة، ما أدى إلى تدميره وتناثر شظاياه على أحياء سكنية، وأن الصورايخ أطلقت بطرق مُتعمدة لاستهداف المناطق المدنية والآهلة بالسكان.
وسط ذلك تتدحرج أحداث حرب السعودية وحلفائها على اليمن باتجاهات ووقائع جديدة يفرضها الإصرار السعودي على الإستمرار في الحرب والإقدام على المزيد من القصف الجوي والبري للمواقع الحوثية، دون أفق وأهداف واضحة وتاريخ متوقع لإنهاء الحرب، الأمر الذي يفتح القتال أمام احتمالات جديدة، ليس آخرها التدخلات المحدودة للقبائل اليمنية في محافظتي نجران وجازان السعوديتين، والرد السعودي بضرب أماكن مدنية لا تردع الطرف المقابل عن الإقدام على المزيد من الهجمات. فقد دخلت الحرب مرحلة طويلة، ولم يسجل أي تغيير في استراتيجيات وتكتيكات الهجمات التي تنفذها السعودية وحلفاؤها.
نعم في قراءة بسيطة للحروب التاريخية نفهم أن الضربات عن بعد لا تحسم أي حرب حتى لو كانت غير متكافئة القوى، باستثناء تلك التي تستخدم فيها الأسلحة المحرمة دولياً والمعدة للإبادة الجماعية، أما في المقلب الثاني فالطرف اليمني يبدو أنه يفهم جيداً أن الطرف المهاجم لا يريد ذلك، لكن التهديد الذي يواجهه الجيش والقوات الشعبية المتمثل بالوجود في الشرق يؤخر استفادة اليمنيين من ورقة القوة التي بين أيديهم وهي المبادرة إلى الهجوم البري على الطرف السعودي، الأمر الذي بادرت إليه مجموعات من القبائل اليمنية كردة فعل منها على قصف الطرف المقابل.
الواقع أنه حدودياً لم ينفع السعودية الجدار البري العازل غير المكتمل على طول الحدود الممتدة لمسافة 1470 كلم بينها وبين اليمن، في منع مجموعات من القبائل اليمنية المجاورة للأراضي السعودية، من الهجوم على المواقع الحدودية السعودية عبر عدة منافذ برية في قرض والبقع والديعة وعلب، فقد أقدمت ولمرات عديدة مجموعات حوثية على قصف العديد من المواقع الحدودية السعودية وشركة نفط ومحطة للكهرباء ومطار (نجران)، وسبق وأدى الهجوم على مدينة الطوال إلى قتل مجموعة من العسكريين السعوديين وغنم كميات كبيرة من السلاح، كما سيطرت مجموعات أخرى على جبال جلاح والرديف الإستراتيجية في محافظة (جازان).
نعم هي الحرب الحاضرة في شط العرب سابقاً، وحدود المملكة الجنوبية حالياً، يبقى هنا أننا أمام سيناريو مكرر، فيه عامل مشترك، المرة الأولى في شط العرب، والمرة الثانية في (جازان ونجران وعسير)، نعم ليست القوة العسكرية من تفصل في بعض الأحيان، ولكن الجهود الدولية والضغوط والتحالفات، والحشد الديبلوماسي أممياً، قد يكون وسيلة ضغط، يؤدي لزحزحة الموضوع نحو الحل الدولي، ثم الإنساني. فمتى يبدأ ذلك.. يعود اليمن سعيد، وتبقى البلاد أمناً وأمان بداية من (جازان ونجران وعسير). ذلك قبل أن تكون (شطاً للعرب) جديد.
4 الروائي خضير فليح الزيديالرواية عنده جنس لعوب في “المدعو صدام حسين فرحان” حمدي العطار راي اليوم
– لا يستقيم الامر في رواية تحمل عنوان (صدام حسين) ما لم تكن في مضمونها تتحدث عن كل ما يخص مرحلة تاريخية اشكالية لا زال العراقيون مختلفين على تقيمها، وما زاد الطين بله هي ما حدث بعد سقوط النظام على ايدي الاحتلال لتكون ولادة عملية سياسية (مشوهه) في طريقة الحكم وتقديم الخدمات وتوفير الامن والاستقرار مع خلق ازمات تخص سقوط مدن بيد الارهاب ومشاكل النازحين وانتشار الفساد وحدوث شرخ كبير وتعميق الهوة بين الشعب والطبقة السياسية، السارد المتناوب بين شخصين صاحب البيت المتقاعد (عبد الكريم قاسم) والذي تَوفيت زوجته وهجرة ابنه واصبح يعاني من الوحدة كان بحاجة إلى من يكلمه ويتكلم معه لذلك كتب. رقم هاتفه النقال على ورقة نقدية من فئة الف دينار وتبدأ به الاتصالات الى ان تصل الورقة النقدية عند شخصية اشكالية آخرى تبحث ايضا على اي انسان ليسمع قصته هذا الشخص هو السارد الثاني في الرَواية وهو (المدعو صدام حسين فرحان) وعن قصة هذا الاسم تدور الاحداث التاريخية لمرحلة تاريخية تعد من اكثر الفترات الزمنية تعقيدا وظلما مر فيها العراق بالحروب والاضطهاد السياسي والظلم وغياب العدالة والقهر والخوف. وفي جلسات المكاشفة والسرد من قبل (المدعو صدام) الذي يعد من الكارهين لصدام لعدة اسباب، كونه كان يحمل افكار شيوعية، ولان لعنة اسم صدام التصقت بحياته وقد عانى من هده التسمية في ظل النظام الصدامي وبعد سقوط نظام صدام، كما انه يكره ابيه (حسين فرحان ) الملقب بالوطني وهو الذي كان بعثيا قبل ان ينتمي وهو الذي اسماه صدام، وببدو ان المستمع الشخصية الثانية عبد الكريم قاسم يقدم نفسه بديلا عن المحبين لصدام حسين والحوار الفني بالرواية بين الشخصيتين كثيرا ما نسمعه يوميا منذ سقوط النظام حتى اليوم، ولو لا قدرة الروائي الذي يتعامل – دائما- مع السرد كجنس لعوب لا يستقر عنده على حال وان الرواية جنس حر قائم على الحرية لما استطاع التغلب عن المباشرة و قدم لنا رواية تسجيلية وسياسية وتاريخية ورمزية “كانت فكرتي في بداية المشوار في البحث عن لذة الحكاية التر اجيكوميدية التي ستخرجني من طقس الكآبة، وتبعدني عن همومي الذاتية”
قوة الملاحظة والنقد
الروائي “خضير فليح الزيدي” اهتم كثيرا في هذه السردية بالتفاصيل الصغيرة، وتبرز دور هذه التفاصيل في تطويع (المجاز السردي) من أجل (التعرية) وبما أن المجاز هنا ليست شخصية خيالية لذا فهو محط الكشف والفضح وليس التغطية، لنقل ان الروائي فعل عكس ما فعله الكثير من الكتاب والروائيين في زمن (صدام حسين) وما كانوا يكتبون عنه من عظمة وعبقرية خيالية، هنا السردية كانت نقدية وتلقائية ، يشخص فيها السارد العلة،وكانت شخصياته المحورية عبارة عن نماذج يومية وبالاخص (المدعو صدام حسين فرحان) شبيه الاسم ونقيض الفكر والسلوك” يبدو أنك من فريق الكارهين بالرغم من أنك حامل لواء اسمه؟” ص59 وهذا التشابه بالأسم جعل حتى الحزب الشيوعي الذي امن بأفكاره وتعرض الى كل انواع الملاحقة والمراقبة لم يوافق ان يمنحه العضوية ” إذن أنت وفق الافادة كنت شيوعيا؟ نعم أنا كذلك. لكن غير معترف بي في التنظيم رسميا، يعدني الرفاق صديقا للتنظيم. لكن أفكاري وروحي مع تلك الفكرة الرومانسية المثيرة”ص112 .

المؤشر الاسلوبي

يؤكد المؤشر الاسلوبي على أن نوعية الرواية سياسية بأمتياز فهي تنقل نقاشات الشارع العراقي ووجهات النظر المتناقضة في حوارات شخصيات الرواية ، وسوف يرى المتلقي ان بعض تلك الحوارات سمعها من الكثير ان لم يكن قد تعاطى معها كثيرا ” – الله يرحم الرئيس. مات شهيدا.\ – دعك من هذا. فكلامك فيه رائحة السياسة والضغينة والحقد والاستفزاز لمشاعري. الشهادة أمر خلافي بين فريق المحبين والكارهين، بين المتضررين والمنتفعين، بين الباحثين عن ذكريات الأمن النسبي في زمانه والخائفين من مستقبل اللحظة التي نعيشها الآن، بين كل المقارنات العجفاء لزمنين مختلفين. وأنا أتحدث عن وقائع رسمية حدثت لي شخصيا.” ص116 مثل هذه المداخلات بين شخصية عبد الكريم قاسم صاحب الدار مع المدعو صدام حسين فرحان سيجدها القارئ بشكل ملفت للنظر وهي تعبر عما يدور من نقاش متجدد حول المقارنة بين انلظام السياسي الحالي وسلبياته وبين ايجابيات نظام صدام دون التركيز على سلبياته ” دارت رحى الحرب الطاحنة لمدة ثماني سنوات بالتمام. وراح ضحيتها الشباب في ثلاثية الفقدان الرهيبة، الشهداء والأسرى والمفقودين. وما تزال الجماهير الزاحفة في المدن تصفق وترقص وتهز لسيادته، بل تشجعه للاستمرار من أجل النصر المزعوم” ص125 وفي حديث المدعو صدام عن تداعيات ما اصاب الحزب الشيوعي بعد انهيار الجبهة واندلاع الحرب ، يستعرض اسماء رفاقه وما جرى لهم منهم من استهدف وتعرض للتصفية ومنهم من خضع وتعرض للسقوط السياسي” تعرضنا لإبادة منظمة وناعمة…الثلاثة المتبقون فقد تم استمالتهم بطريقة الترغيب المنظم السلطوية، ودخلوا فيما سمي بمنظمة الصف الوطني، لا يعرفون ماذا يفعلون أمام حملة التصفية المنظمة بعد انهيار الجبهة المزيفة.. منهم أيضا من تبدل تبديلا تاما تحت اليأس وهاجس الخوف من الاغتيال والتصفية الجسدية، بعد أن خلع قميص الايدلوجية الأممية ولبس قميص القومية المزخرف وتحت سلطة النظام الشمولي.. اما انا فقد قدمت التنازل فعلا في لحظة ضعف رهيبة. وجدت نفسي خائنا له. وللخيانة طعم مر يبقى أمد العمر”ص144

المدعو رسام

جعل الروائي المدعو صدام ليس سياسيا شيوعيا فقط بل هو يملك موهبة الرسم، وفي ذلك الزمان الرسام (مبتلى) فكل من يعرف الرسم ويمارسه لا بد ان يرسم صورة القائد صدام حسين ! فكيف بالمدعو وهو بالجيش تبرع بنفسه ان يرسم جدارية للرئيس ، امر الوحدة يسخر منه “أخاف ترسمه بشكل يشبه لينين ههههه؟

بالعكس سيدي سأرسمه بالخوذة والبدلة العسكرية مطابقا للحقيقة..حدثت المشكلة عندما بدأت أرسم عيني الرئيس، إذ برزت لي أكثر من مشكلة، منها أن أزيل البقعة الحمراء في طرف كل عين. فقد اعترض آمر الفوج معتبرا تلك البقعة الحمراء مجرد دسيسة مني . بل هي من وحي شيوعيتي المقيتة: قال لا تنظف مطلقا من هذا الفكر حتى لو رسمت ال(الله يحفظه) أما تعلم يا قشمر، أن القائد هدية السماء للأمة العربية؟”ص148 وكثيرة هي المقاطع الساخرة المضحكة والمبكية في هذه الرواية خاصة عندما يتم طلب الاستخبارات العسكرية للمدعو صدام فيعتقد الجميع بأن الطلب يخص عقوبته او اعدامه لأنه شيوعي ومراقب في وحدته فيتم التعامل معه بمنتى القسوة والاذلال حتى يصل الى (اعلى الهرم) ” أهلا وسهلا … حيا الله الرجال أولاد الرجال.- نطقت العظمة كها. لا بشرفك . معقولة سيدي، أنت الرئيس وأنا الجندي التافه ورسام جدارياتك. انا الضئيل اقف أمام عظمتك هل يعقل ذلك؟ – استرح يابه،، شلون أحوالك.\ – الله يخليك سيدي\ – اسمك صدام حسين فرحان. هاهاها ه. لا يجوز لهذه الأمة العظيمة اثنان من صدام هييي. فالعمق السوقي للاسم سوف يتعرض مع تكتيك المرحلة، عليه قررنا تغيير اسمك. الامة لا يقودها إلا الرجل الواحد الأوحد، أسميك صداح باحاء لك،وبالميم لي.ها هههه\ – بكيفك سيدي من يدك اليمين إلى يدك الشمال. أفعل ما تراه مناسب.- – لالا أمزح معاك. لا تخف يا ولد، شاهدت من أيام في الجريدة رسمة لك كما اعتقد لعروس مندلي، اي عفية وعاشت ايدك. انت مقاتل شريف ورسام متميز من ضمن المتميزين في الأمة وعليه – يا الله . تفضل يابه هذا المظروف فيه مكافأتك. هذه ساعة الطيارين هدية لك. يا أهلا وسهلا وسلم لي على ابيك الوطني هههه،وعلى كل أخوتك في الجبهة. استلمت المظروف والساعة واديت لتحية فأنتفض رأس عضوي المحتقن عندما رفعت يدي وضربت بقدمي الأرض للتحية العسكرية كالجنود البواسل والفرسان. انفتح صمام الصنبور وتدفق البول على بنطلوني الجديد في منتصف قاعة الرئيس” ص208
* الخاتمة

عبر الروائي عن الموقف السياسي المرتبك للعراقي تجاه رئيس النظام السابق صدام حسين بروح انتقادية كما عبر ايضا عما اصاب العراق من جراء الاحتلال وتداعياته على الوضع الامني والخدمي وحالة عدم الاستقرار لم تخلو الرواية من المتعة والتشويق ونحن نتابع سردية المدعو صدام حسين فرحان والمفارقات التي صادفته بسبب تشابه الاسم، وضخ الروائي بعض المشاهد الرومانسية والعاطفية هنا وهناك، فهي رواية تاريخية وسياسية لا تشبه غيرها من الروايات.