1 تصريحات ومواقف لا يسندها القانون الدولي نايف الظفيري
القبس الكويتية
من بين فترة وأخرى تخرج علينا مجموعة من الساسة العراقيين بتصريحات تحمل طابعا عدوانيا وادعاءات لا يسندها القانون الدولي ولا يقرّها أي ميثاق عربي ولا تحترم مبادئ علاقة الجوار العربي ولا مبادئ الدبلوماسية بين الدول. فتارة تكرر هذه التصريحات نفس الادعاءات الباطلة للأنظمة العراقية المتعاقبة بوجود حقوق تاريخية للعراق في الكويت وتارة بأن الكويت تعدت على حدود العراق حتى وصل بهؤلاء أن استنكروا على دولة الكويت إقامة منشأة بحرية على أراضيها المحددة والمعترف بها دولياً. عجباً لأمر هؤلاء الساسة.. فلم نسمع مثل هذه التصريحات عندما أقامت تركيا أكثرمن خمسة وثلاثين سداً على نهر الفرات، ما أدى إلى انحسار وشح المياه في المصب العراقي، ولم ينطقوا بكلمة احتجاج واحدة عندما قامت سوريا ببناء سد الأسد على حدودهم، ولم نسمع هذه الاحتجاجات عندما أخذت إيران تزحف على حقول جزيرة مجنون النفطية العراقية، ولا على الإيرانيين الذين يعبرون الحدود العراقية من دون وثائق سفر! ان الكويت بذلت الغالي والرخيص وتسامت على جرحها العميق الذي سببه الغزو العراقي الغادر في 2/8/1990م وسعت جاهدة إلى رفع المعاناة عن الشعب العراقي المنكوب بفعل السياسات لمعظم الأنظمة العراقية المتعاقبة، التي لم تراع مصالح العراق وشعبه. دولة الكويت الأصيلة بأخلاقها والكريمة بعطائها أقنعت وبجهود حثيثة دول الشرق والغرب لكي تجتمع في الكويت في مؤتمر الدول المانحة لإعمار العراق، وهو الشيء الذي لم تستطع فعله وعمله الحكومة العراقية نفسها، ناهيك عن الدعم السياسي والمادي لتحقيق عراق مستقر ينعم شعبه بالأمن والأمان. منذ أيام خلت قدم العراق شكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن متهماً الكويت بالتعدي على حدوده البحرية دون مفاتحة الجانب الكويتي بهذا الموضوع، ما يؤكد أن هذه الروح غير الودية ما زالت متأصلة في عقلية الكثير من السياسيين العراقيين. نصيحة لوجه الله أقدمها إلى هذا النوع من الساسة: عليكم أن تقرأوا تاريخ ظلمكم واعتداءاتكم على الكويت وتدركوا كيف كانت نتائجها الكارثية على ساستكم المغامرين والظالمين وعلى العراق كدولة وشعب. في عام 1936م حاول الملك غازي التعرض للكويت بسوء وكانت نتيجته موته في حادث سير غامض لم تفك طلاسم أسبابه إلى يومنا هذا. في عام 1961م حاول الانقلابي المتهور عبدالكريم قاسم النيل من استقلال الكويت فكانت نهايته الإعدام داخل وزارة الإعلام العراقية. ما بين عامي 1964م و1966م كانت سياسات الرئيس عبدالسلام عارف تضمر الشر والنوايا السيئة تجاه الكويت وشاء الله أن يصعد الطائرة وتسقط به. وفي عام 1990م وفي مغامرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث يرسل المجرم المقبور صدام التكريتي جيشه لاحتلال الكويت وتكون النتيجة اتفاق ثلاث وثلاثين دولة لإخراجه بالقوة من الكويت المسالمة، ما أدى إلى نتائج كارثية عليه وعلى جيشه وعلى شعب العراق الذي مازال يعاني من تبعات ذلك العدوان الغادر على الكويت.. ويستمر مسلسل الأحداث لينتهي حكم حزب البعث وليرى رئيسه المقبور من الذل والإهانة ما لم يره آخر حكام الدولة العباسية على يد هولاكو. وهكذا تكون نهاية الظلم والطغيان والنكران للجميل.. فهل أنتم معتبرون من التاريخ؟!
2 عالم ما بعد 11 سبتمبر… ماذا بقي؟
د. حسن أبو طالب
الشرق الاوسط
طالما شكل تاريخ 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لدى كثير من دارسي العلاقات الدولية خطاً فاصلاً بين عالمين؛ ما قبل وما بعد. وفي جزء من هذا القول صحة وقبول بمعايير هيكل النظام الدولي وتفاعلاته، لا سيما ما يتعلق بأولويات وقضايا النظام الدولي، أما باقي المعايير، لا سيما هيكل القوى، فلم تعرف تغيرات رئيسية إلا بعد مرور عقد على الأقل من تلك الهجمات التي نالت من رموز اقتصادية وسياسية أميركية، حيث أصبحت الصين منافساً اقتصادياً قوياً للولايات المتحدة، وصار النفوذ الروسي في الشرق الأوسط ووسط آسيا مقلقاً للغرب، وهما تحديان لا علاقة لهما مباشرة بقضية المواجهة الدولية للإرهاب، وإنما بآليات اقتصادية وعسكرية في المقام الأول.
أحد أهم التغيرات التي نالت من أولويات النظام الدولي بعد 11 سبتمبر 2001 تعلقت بنشوء قضية مكافحة الإرهاب باعتبارها محدداً رئيسياً لحركة الفواعل الدولية. الإرهاب في ذلك التوقيت ركز على منظمتين رئيسيتين؛ وهما «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن، وحكومة «طالبان» التي كانت تحكم أفغانستان باعتبارها إمارة إسلامية بزعامة الملا محمد عمر.
وكان الشعار الرئيسي الذي رفعته إدارة بوش الابن بسيطاً في تعبيراته عميقاً في نتائجه وتداعياته، وهو شعار «من ليس معنا ليس منا»، وهو ما أسس تقسيماً للعالم إلى اتجاهين؛ أولهما من يناصر الولايات المتحدة ويقبل أطروحاتها في مواجهة من تعتبرهم إرهابيين أو يقدمون لهم الملاذ والمأوى والسند والدعم، وثانيهما من يرفض الأطروحة بكاملها أو لا يتحمس لها فيعد بالضرورة إرهابياً أو مناصراً للإرهاب ويستحق العقاب الأميركي.
هذا الشعار أسس نوعاً من الاستقطاب السياسي والعسكري على النطاق العالمي ككل، وبينما قبلت بعض الدول منطق الحق الأميركي في الانتقام من فاعلي هجمات 11 سبتمبر، في حدود عملية عسكرية تأديبية، فإنها لم تصل إلى حد تبني الرؤية الأميركية على إطلاقها، وبدت كأنها في نقطة وسط. في الإطار ذاته، عرف العالم ذلك التساؤل الشعبوي الذي طرحه عدد من السياسيين والمثقفين الأميركيين، وهو «لماذا يكرهوننا»، وهو السؤال الذي حاول أن يثبت إجابة بأن عنف الإسلامويين هو ضد الحضارة والتقدم والديمقراطية ونتاج لتخلفهم وتعصبهم. وهو ما رد عليه مجموعة من المثقفين في العالمين العربي والإسلامي؛ بنفي فكرة دور الإسلام في عنف بعض المنتسبين إليه، وربط بين مظالم الحقبة الاستعمارية وتعثر التنمية كسبب محتمل للعنف، الذي لا يحتمل عنفاً مضاداً وكاسحاً كالذي نادت به إدارة الرئيس بوش آنذاك.
الشعارات الجديدة والحوار السياسي – الفكري المُصاحب لها كانا تعبيراً عن تغير مهم في قضايا النظام الدولي، التي استمرت حتى اللحظة، ولم يعد الأمر مرهوناً بمواجهة أميركية ذات طابع انتقامي، بل بمصالح مجموعة كبيرة من الدول. ففي عالم اليوم، لا يكاد يوجد بلد أو مجتمع يخلو من مواجهة تنظيم أو أكثر يرفع شعارات دينية من أجل الوصول إلى السلطة من خلال هدم المجتمع والنظام العام. كثير من هذه المجموعات أو التنظيمات الإرهابية العنيفة هي وليدة التشرذم الذي أصاب «القاعدة» بعد أكتوبر (تشرين الأول) 2001؛ حيث بدأت العمليات العسكرية الأميركية مدعومة بمساندات دولية رمزية للإجهاز على «القاعدة» وعلى نظام «طالبان» معاً. وهو تشرذم نتج عنه تحول في طبيعة القيادة وفي أساليب العمل، وملخصها الاتجاه نحو اللامركزية في القيادة وانتشار الفروع في البلدان والأقاليم المختلفة، بل وميلاد أفرع أكثر شراسة وعنفاً، مع تبرير ذلك بتفسيرات دينية ممزوجة بشعار إنشاء الخلافة الإسلامية على أي أرض يحدث فيها التمكين سواء بالعنف أو بالرضا من ساكني تلك الأرض، وهو ما طبقه تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، ومن قبل كان فرعاً لتنظيم «القاعدة» بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، الذي بايع أيمن الظواهري في عام 2004، ولكنه انقلب على فكر «القاعدة» لا سيما ما يتعلق باستهداف عوام الشيعة بالعراق وأولوية قتال العدو القريب، أي السلطات المحلية، وفرض الولاء على السكان وتشكيل نظام إسلامي وفقاً لتفسيراتهم. ومجمل تلك التطورات أن النظام الدولي عرف فواعل من غير الدول، تهدف إلى هدمها وهدم النظام الجامع لها.
وأصبحت المواجهة توصف بـ«اللا متماثلة»، حيث الدولة بمفهومها التقليدي ضد فاعل غير معترف به، ولكنه يعبر الحدود ويسعى إلى تشكيل دولة خاصة به على أنقاض الدولة الوطنية.
في هذا السياق، أصبحت «مكافحة الإرهاب» محدداً دولياً له ما يبرره ولكن ليس بالمنطق الأميركي لإدارة بوش الابن، وإنما بمنطق الحفاظ على الدولة الوطنية التي باتت مستهدفة من فروع «القاعدة»، سواء ظلت على تمسكها بمبادئ التنظيم الأصلية أو طورتها وعدلتها بشكل أو بآخر. أيضاً حدث تحول مهم في الاستراتيجية الأميركية، وهو ما يظهر جلياً بمقارنة أداء الرؤساء الأميركيين السابقين، سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين، مع أداء الرئيس ترمب. السابقون تحركوا وفق منطق بناء التحالفات بقيادة أميركية لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي أصبحت عابرة للحدود وتهدد بلداناً عدة غالبيتها حليفة للولايات المتحدة. صاحبت ذلك جهود أميركية ودولية ومن قبل حلف الناتو لإعادة «تأهيل» المجتمع الأفغاني ليصبح قادراً على التحول إلى حياة مدنية ولديه نجاعة ذاتية ضد آيديولوجية كل من «طالبان» و«القاعدة»، وهما الحليفان فكرياً وسياسياً ودينياً.
ما درجت عليه إدارة الرئيس ترمب في السنوات الثلاث الماضية ضرب كثيراً من الأسس المُشار إليها. فتحت مبرر بناء سلام في عموم أفغانستان، جرت المفاوضات مع ممثلي «طالبان» للاتفاق على انسحاب جزء كبير من القوات الأميركية.
وجوهر هذه المفاوضات، سواء تم توقيع اتفاق أم تم تأجليه، يتعلق بتغير الموقف الأميركي تجاه «طالبان»، التي لم تَعُد في عُرف إدارة ترمب مصنفة إرهابية، بل حركة سياسية يمكن التعامل معها ولو بضمانات معينة، ويُسمح لها أيضاً بالعودة إلى الحكم، وهنا يوجد التباس غير محدد، هل تعود للحكم منفردة كما كان وضعها في ظل إمارة أفغانستان الإسلامية؟ أم تعود شريكاً في الحكم في ظل دولة أفغانستان بدستورها التعددي الذي يقر بتداول السلطة وحقوق المرأة؟
مفاوضات كهذه تجهز على مبدأ التحالفات الدولية بقيادة أميركية، في الآن ذاته نلمح إلى أن مكافحة الإرهاب كسياسة موروثة من حقبة 11 سبتمبر، لم تعد تركز على «القاعدة» كأولوية، بل على تنظيم «داعش». وفي السجالات الأميركية الأكاديمية والسياسية انتقادات كثيرة لمثل هذا الفصل بين «داعش» و«القاعدة»، فكلاهما يتفق على أن الولايات المتحدة هي العدو الأكبر، وهي مركز الجهاد، وفقاً لتفسيراتهما.
3 حل خلاف الرياض ـ أبوظبي عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط
أي خلافٍ مهما كان صغيراً ليس بالحدث السعيد، لكنه قد يكون صحياً في امتحان العلاقة وتمتينها، وهذا ينطبق على ما حدث في التعامل مع النزاع اليمني اليمني في جنوب اليمن. قد يفيد العلاقة السعودية الإماراتية، ويقدم نموذجاً يحتذى في العلاقات الإقليمية بين دول المنطقة المليئة بالثقوب والنزاعات.
وكلنا ندرك على مستوى الأفراد والحكومات أنه لا توجد علاقات بلا خلافات، إلا أن الحكومات الأكثر نضجاً هي تلك التي تسعى لوضع الخلاف في إطاره، وليس بالضرورة حله إن لم يمكن ذلك. الحكمة تسيَّدت عندما حسم البيان السعودي الإماراتي الموضوعات المعلقة وأنهى المشكلة حول اليمن.
أعرف أن هناك من سيطعن في طرحي ويذكرني بالخلاف مع قطر، وقد شاركت في نقاشات فردية وسمعت آراء قوية بشأنه. يقولون إن الخلاف المثلث، أي السعودي الإماراتي القطري، يشبه بعضه، وهذا ليس صحيحاً، البتة. الخلاف مع قطر عمره ربع قرن، وليس من عشرين يوماً. منذ عام 1994، عندما تولَّى الشيخ حمد بن خليفة الحكم، غيَّر سياسة والده حيال السعودية، وكذلك الإمارات، وكان حمد على خلاف مع والده في هذا الجانب. بكل أسف قطر بعدها نشطت في استهداف أنظمة هذين البلدين بلا توقف، رغم المصالحات والاتفاقات الموقعة، والوساطات من حسني مبارك، رئيس مصر الأسبق إلى الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت. كلها فشلت لأن قطر استمرت في زعزعة أمن جاراتها، وتحديداً البحرين والسعودية. لم تبقَ هناك جماعة معادية للسعودية في الداخل والخارج لم تقم قطر بدعمها مادياً وإعلامياً. هذه الممارسات ليست مجرد خلافات بل تهديد لكيانات الدول، والخلاف مع قطر وجودي. أما الاختلاف في التعاطي في القضايا بين الحكومات أمر طبيعي ومتوقع، والحكمة تبقى في حله أو تحييده، وهذا ما نراه يتكرر بين دول ناضجة مثل فرنسا والولايات المتحدة، كثرة الخلافات لم تلغِ التحالف بين البلدين.
مشكلة بعض سياسيي العالم العربي أنهم يضعون كل القضايا في سلة واحدة، لهذا ممكن تقطع علاقات كاملة على برنامج تلفزيوني أو تصريح سياسي. والخلاف مع قطر أبداً ليس حول قناة «الجزيرة»، فقد كان إعلام العراق البعثي ضد السعودية أكثر حدة وسوءاً ولم يتسبب في قطع العلاقات في السبعينات.
تتميز العلاقة «الحديثة» السعودية الإماراتية عن غيرها بأنها تنشط على كل المستويات، وتحقق نتائج على الأرض في كثير من المجالات. سياسياً، تتعاونان في ملفات إيران والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا والعراق وتركيا وفي الدوائر الغربية والعلاقة مع باكستان والهند والصين وروسيا. حالة التنسيق هذه من الشمول والدقة تجعلها نادرة، لم نعهد لها مثيلاً، ليس السبب في نقص الرغبة في التعاون مع بقية الحكومات، بل لأن إدارة السياسيين للعلاقات نشطة بشكل إيجابي، عدا عن التوافق السياسي بشأنها.
وهذا ما كنا نتمناه أن يحدث مع قطر، الدولة المارقة، لأنها ستكون أقوى وأكثر احتراماً لو انضمت إلى هذا التنسيق، إنما سبب القطيعة مع الدوحة لم يكن أبداً حول رأي سياسي في كيفية التعاطي مع اليمن أو من يحكم مصر، رغم أهمية هذه القضايا، بل على أمن واستقرار وبقاء الدولة.
ماذا عن الشأن اليمني، سبب الأزمة؟ حسمته فطنة السياسيين وحكمتهم. واليمنيون يستطيعون حل خلافاتهم بينهم، وأمامهم خياران، اللجوء إلى القانون الدولي والمؤسسات الدولية المعنية، أو التفاهم والتوصل إلى اتفاقات مبدئية على طبيعة الحكم المنشودة لاحقاً. عدا عن ذلك يعطون فرصة لتدخل أطراف إقليمية ودولية لإيقاد حروب أهلية تمتد عشرة وعشرين عاماً.
4 عندما يستجيب الإعلام للهياج السياسي والطائفي احمد صبري الوطن العمانية
لقد نهض الإعلام العراقي قبل الاحتلال بمهمات كبيرة في مواجهة اصطفاف إعلامي دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، وجندت لهذا الغرض مؤسسات ورجالا ومراكز أبحاث وأموالا لتسويق مشروع احتلالها للعراق، ورغم تباين الإمكانات والأدوار بين الطرفين إلا أن الإعلام العراقي واجه الحرب الإعلامية..
المشهد الإعلامي بعد مرور 16 عاما على غزو العراق واحتلاله ما زال يئن تحت وطأة الاستقطاب السياسي والطائفي، وأن المقاربة بين إعلامين مركزي ومنفلت يحتاج إلى تحديد وظيفة أي منهما ودورهما في عملية التحشيد وتعبئة الرأي العام لاشتراطات الفضاء الذي كان يدور بهما الإعلامان.
فالفوضى الإعلامية التي أعقبت غزو العراق واحتلاله عام 2003 كانت واحدة من سمات مرحلة ما بعد الاحتلال الذي تحول العراق بفعلها إلى سوق اكتظت فيه مئات وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في مشهد لم يألفه العراق والمنطقة عموما، وأصبح لكل طائفة وهوية عرقية صحيفة وإذاعة وتلفزيون وموقع إنترنت وغيرها من وسائل الإعلام الذي حول الإعلام العراقي إلى منابر دعائية وكانتونات فئوية دون الاهتمام والتصدي إلى التحديات الخارجية والداخلية التي تواجه العراق، لا سيما ارتدادات الاحتلال وقوانينه وإخفاق الطبقة السياسية التي أنتجها الاحتلال في إدارة شؤون العراق، والتنبيه إلى مخاطر الأطماع الخارجية التي تستهدف وحدة العراق أرضا وشعبا.
فبعد أن كان الإعلام العراقي بوسائله قبل الاحتلال مركزيا وموجها يعكس وجهة نظر الدولة وموقفها من التحديات التي كانت تواجه العراق قبل احتلاله تحول الإعلام بعد الاحتلال إلى إعلام طائفي وفئوي منفلت وغير مسيطر عليه، يتخبط في فوضى عارمة، ولا يتمتع بالمعايير المهنية، ومكرسا للاستجابة للهياج السياسي والطائفي والعشائري، عكس واقع الحال الذي كان يعيشه العراق بعد احتلاله، حيث شهدت الساحة الإعلامية فوضي إعلامية لا يمكن عزلها عن الفوضى السياسية والأمنية الشاملة التي حلت بالعراق في تلك المرحلة.
لقد كان الإعلام العراقي قبل الاحتلال يوصف بأنه إعلام مركزي وموجه وممول من قبل الدولة ذو هوية وطنية جامعة. واجه تحديات كبيرة وخطيرة مقارنة بقدرات الماكينة الإعلامية الأميركية والغربية والصهيونية على مدى زمن الصراع، الأمر الذي تطلب جهدا كبيرا واستثنائيا من القائمين على وسائل الإعلام في محاولة لتقليل آثاره في الداخل، وفضح الأهداف التي كانت تقف وراء استهداف العراق وتجربته، وكشف بطلان المبررات التي كانت تسوق للحملات العسكرية التي تعرض لها العراق خلال العقود الماضية وصولا إلى احتلاله.
لقد نهض الإعلام العراقي قبل الاحتلال بمهمات كبيرة في مواجهة اصطفاف إعلامي دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، وجندت لهذا الغرض مؤسسات ورجالا ومراكز أبحاث وأموالا لتسويق مشروع احتلالها للعراق، ورغم تباين الإمكانات والأدوار بين الطرفين إلا أن الإعلام العراقي واجه الحرب الإعلامية بقدرات محدودة، لكنها كانت مؤثرة وكشفت أهدافها ومبرراتها.
وبعد خروج الإعلام العراقي من مظلة وسلطة وملكية الدولة وجد نفسه بعد احتلال العراق واقعا تحت هيمنة سلطة خارجية بأذرع طائفية، فتحت الأبواب أمام تجربة إعلامية جديدة لا تمت بصلة لموجبات واشتراطات الإعلام المحايد والمستقل المستند إلى الهوية الوطنية الجامعة. إن الإعلام العراقي بعد الاحتلال لم ينتج تجربة إعلامية مستقلة ومحايدة ومؤثرة، وإن وجد فهو قليل وضعيف، وأغلب المشاريع الإعلامية المستقلة انهارت وأغلقت أبوابها بسبب التمويل وأسباب أخرى. وفي مقابل هذا التخبط الإعلامي استخدمت الحكومة هيئة الإعلام والاتصالات كرقيب على وسائل الإعلام وصل حد التدخل بالسياسة التحريرية لوسائل الإعلام، وطلب معلومات وإحصائيات عن العاملين فيها، وتحديد نوع التغطية، وتهديد وسائل الإعلام بالغلق وسحب الإجازة إذا تجاوزت الخطوط الحمر بما مسموح به من النقد الموجه للسياسة الحكومية في شتى الملفات.