11 مقالة عن العراق في الصحف العربية والامريكية يوم الخميس

1 «الحشد الشعبي» وملفاته الساخنة في العراق
صادق الطائي القدس العربي

منذ مطلع شهر يوليو المنصرم، ومع إعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي نيته هيكلة قوات الحشد الشعبي، وربطها رسميا بالجيش العراقي، وحصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة السلاح المنفلت خارج الشرعية، والملفات الساخنة تتفجر في العراق الواحد تلو الآخر بتصاعد لافت للنظر. مواقف متفجرة ابتدأت منذ مطلع شهر أغسطس الجاري، وملفات ساخنة فتحت ولعبت فيها هيئة الحشد الشعبي دورا محوريا. فماذا يعني إسقاط شخصيات نافذة ارتبطت بالحشد وحسبت عليه لمدة طويلة؟ ولماذا تكلف قوات خاصة من أمن الحشد بتنفيذ أوامر قبض وتحقيق بحق شخصيات كبيرة متهمة بالفساد؟ ولماذا لم يتم إيكال الأمر لقوات الشرطة، أو حتى قوات الجيش أو قوات النخبة؟ وهل تتعرض معسكرات الحشد الشعبي المنتشرة في مختلف محافظات العراق إلى عمليات تخريب داخلية؟ أم إنها حوادث متفرقة تؤدي الى تفجر الاعتدة المكدسة في مخازن معسكرات الحشد؟ أم إنها ضربات اسرائيلية نفذت بطائرات درون المسيرة أو طائرات مقاتلة؟ ولماذا علت بعض الأصوات مطالبة بحل الجيش العراقي الرسمي، واتخاذ قوات الحشد الشعبي بديلا عقائديا للجيش العراقي الذي اتهم بانه قوات مرتزقة؟
في الخامس من اغسطس نفذت قوات أمنية تابعة لهيئة الحشد الشعبي عملية مداهمة في قلب بغداد التجاري في شارع السعدون، وصفها البيان الرسمي شديد اللهجة الصادر عن مديرية الإعلام في هيئة الحشد الشعبي؛ «بتوجيه من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، نفذ أبطال مديرية أمن الحشد الشعبي الحملة الاكبر في تاريخ العراق، لملاحقة مافيات الروليت والقمار والدعارة وتجارة النساء، إذ تم اعتقال المدعو الحاج حمزة الشمري، زعيم هذه المافيات مع خمسة وعشرين متهما من أتباعه يدعون انتماءهم للحشد»، وقد أثار هذا البيان الكثير من السخرية وعلامات الاستفهام والتعجب في الشارع العراقي ومنصات التواصل الاجتماعي، بدءا من اسم المتهم الاول «حجي حمزة الشمري»، مرورا بالقوة التي نفذت المداهمة، وصولا إلى نتائج عمليات المداهمة التي أعقبها بيوم واحد فقط فرار متهمين بتجارة المخدرات من سجن شرق بغداد، إذ ربط البعض بين الحادثين.
الحاج حمزة الشمري يعد أحد مراكز القوى في بغداد، وهو رجل أعمال شاب معروف بقربه من بعض قيادات الحشد، ومن شخصيات سياسية شيعية كبيرة ونافذة في المشهد السياسي. فإذا كان كما وصفه بيان هيئة الحشد بأنه الرأس المدبر لمافيات القمار والمخدرات والدعارة في بغداد، فلماذا قربه الساسة النافذون في الحكومة والحشد؟ وهل كانوا يعلمون بما يديره من أعمال؟ وهذا أمر مخز، أم لم يكونوا يعلمون؟ وبذلك تكون الهيئات الأمنية فاشلة لانها لا تملك معلومات عن حقيقية يعرفها الداني والقاصي في عالم بغداد الليلي؟ أم أن الشمري كان كبش فداء فقط؟ وما الذي حصل لتتم التضحية به وإطاحته في هذه اللحظة؟ البعض سرّب ان حمزة الشمري لم يكن «رأسا كبيرا» وإنما كان ستارة يلعب من خلفها ساسة نافذون، كل ادوارهم القذرة التي كانت تدر أرباحا من النشاطات المشبوهة تصل الى مليون دولار يوميا بحسب تغريدة أطلقها النائب فائق الشيخ علي. وإن إطاحة حجي حمزة وتقديمه كبش فداء، ما هو إلا نوع من غسيل مواقف بعض القيادات، لتظهر هيئة الحشد الشعبي بمظهر المؤسسة التي تطهر نفسها بيدها، لذلك جاء تنفيذ أمر رئيس الوزراء من مديرية أمن الحشد، وليس من الجيش أو الشرطة، أو حتى قوات مكافحة الارهاب المعروفة بقوات النخبة.
أما مسلسل قصف معسكرات الحشد الشعبي، فقد أعتبره البعض امتدادا لضربات سابقة نفذت أيام قتال «داعش»، إذ تعرضت بعض مقرات الحشد الى ما عرف حينها بـ «نيران صديقة»، واتهم بعض صقور السياسيين القريبين من إيران، الولايات المتحدة، باعتبارها هي من يقف وراء هذه الضربات. فقد تعرض معسكر تابع لاحد ألوية الحشد الشعبي في منطقة آمرلي في محافظة صلاح الدين لقصف يوم 19 يوليو الماضي، ولم يتم التأكد من طبيعة ما حدث، إلا ان الاحتمال الاكبر كان تنفيذ الضربة بطائرة درون بدائية ذات حمولة صغيرة من المتفجرات، وقد ردت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، في اليوم نفسه، على الاتهامات حول مشاركة قواتها في الهجوم الذي طال معسكر آمرلي ، بالقول؛» أخذنا علماً بالهجوم المحتمل على الحشد الشعبي في العراق، ونؤكد أن القوات الأمريكية لم تشارك في ذلك». بينما رجح محللون عسكريون أن تكون اسرائيل هي من يقف وراء هذه الضربة، ولم تسفر التحقيقات الرسمية عن نتائج معلنة في هذا الامر حتى الان.

مواقف متفجرة ابتدأت وملفات ساخنة فتحت ولعبت فيها هيئة الحشد الشعبي دورا محوريا

تكررت عملية تفجير الاعتدة والصواريخ المكدسة في 13 أغسطس الجاري، ولكن في معسكر الصقر جنوب بغداد هذه المرة، وبحسب ‏صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»،‏ فقد نشرت شركة‏ «أميغ سات إنترناشونال»‏وهي شركة إسرائيلية متخصصة بالتصوير بالأقمار الصناعية صورا لمستودع الأسلحة ‏جنوب بغداد، تظهر تعرضه لغارة جوية،‎‏ وقالت الشركة الإسرائيلية في تقريرها إنه «من المحتمل أن يكون الانفجار الذي وقع في ‏المعسكر قد نجم عن غارة جوية، أعقبتها انفجارات ثانوية للمتفجرات المخزنة في المستودع».‎ كما ‎ألمح إيدي كوهين الأكاديمي الإسرائيلي، إلى تعرّض معسكر عراقي للقصف من قبل إسرائيل، في ‏إشارة إلى حادثة معسكر الصقر، بينما جاء الإعلان الحكومي العراقي الرسمي على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء سعد معن، الذي صرح بأن «انفجارا وقع داخل كدس للعتاد تابع ‏للشرطة الاتحادية والحشد الشعبي داخل معسكر الصقر جنوب بغداد» بدون أن يضيف أي توضيح عن ملابسات الحادث.
اتهامات وجهت لاسرائيل، واخرى للولايات المتحدة وحتى لبعض دول الخليج، أطلقها صقور الحشد، الذين حملوا هذه الجهات مسؤولية الهجمات بطائرات درون على معسكرات الحشد الشعبي. ومع إثارة مشكلة جديدة اتهمت بها قوات الحشد الشعبي في جرف الصخر، إذ عثر على 31 جثة مجهولة الهوية في هذه المنطقة الواقعة شمال بابل، التي تسيطر عليها قوات الحشد الشعبي، التي اتهمت بتصفيتهم، ومع تصاعد الأزمة السياسية على خلفية هذا الحدث، وبينما كانت تداعياتها ما تزال متواصلة في البرلمان وفي الشارع السياسي، تولدت أزمة تصريح رجل الدين الشيخ يوسف الناصري، الأمين العام لشورى العلماء، ونائب الامين العام لحركة النجباء، التي تمتلك ميلشيا فاعلة على الارض، وتتميز بولائها للمرشد الايراني علي خامنئي، إذ صرح في لقاء تلفزيوني قبل أيام قال فيه؛ «أطالب بحل الجيش العراقي، وإعادة هيكلة القوات الأمنية، واعتبار الحشد الشعبي هو الجيش الأول، وليس الرديف، وتحويله إلى وزارة لحماية أمن العراق ومستقبله». وأضاف «لسنا بحاجة إلى من يعطى الأموال ليكون جنديًا في الجيش، وعندما تحصل حادثة يلقي ملابسه ويهرب، فهذا جيش مرتزق وليس وطنيًا».
من جانبها، ونتيجة ما أثاره تصريح الناصري من موجة غضب على منصات التواصل الاجتماعي، أكدت هيئة الحشد الشعبي رفضها لأي إساءة للقوات الأمنية وللجيش العراقي، وقالت في بيان رسمي صدر مباشرة بعد أزمة تصريح الناصري جاء فيه «نؤكد أن ما صدر عن رجل الدين يوسف الناصري في برنامج تلفزيوني، يمثل إساءة تعبر عن وجهة نظره الشخصية، ولا تتعلق بنا لا من قريب ولا بعيد». وأضافت الهيئة «مع محاولة بعض الجهات الإعلامية توظيف هذه التصريحات بشكل غير صحيح، بالإشارة إلى أنها قريبة من منطلقات هيئة الحشد الشعبي، نهيب بجميع وسائل الإعلام عدم استضافة أي شخص بعنوان الحشد، أو التحدث باسمه بصفة قيادي أو ما شابه، وندعو إلى التنسيق مع المديرية بهذا الخصوص».
من كل هذه الأزمات نستطيع أن نستشف إن المخفي من صراعات القوة والنفوذ والسطوة بين صقور الحشد الشعبي والساسة القريبين منهم من جهة، ومن يمسك بمخطط هيكلة الحشد ومحاولات تحجيمه ما زالت فيه جولات مقبلة قد تنبئ بعنف لم يحسب حسابه أحد.
2 العراق والكويت..بداية الصداقة
بوبي جوش
واشنطن بوست

كانت أول زيارة لي إلى «سفوان»، وهي مدينة مغبرة تقع على الجانب العراقي من الحدود مع الكويت، في أوائل 2003، قبل بضعة أسابيع على انطلاق الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. كانت قوات الائتلاف تنتشر على بعد بضعة أميال إلى الجنوب، في انتظار الأمر باختراق الحاجز الطويل الذي يفصل بين البلدين. وكان «ليث»، مرافقي العراقي المعين من قبل الحكومة، مدركا للفظاعات القادمة.
فحينما كان جندياً شاباً ضمن قوات المشاة خلال طرد قوات صدام حسين من الكويت عام 1991، فقد «ليث» الكثير من رفاقه في تلك المنطقة. وأثناء الانسحاب، حمل جثمان أحد الجنود لعدة أميال، ثم قام بدفنه في حفرة على الجانب العراقي من الحدود في وقت متأخر ذات ليلة. وكانت نيته أن يسترجع الجثمان لاحقا من أجل مراسم دفن لائقة. غير أنه لم يتمكن من العودة إلى ذاك المكان إلا بعد أشهر، وبحلول ذلك الوقت لم يعد قادراً على تمييز الموقع الذي دفن فيه رفيقه.
تذكرتُ قصة «ليث» في وقت سابق من هذا الشهر، عندما رأيت صور مراسم رسمية في سفوان: جنود عراقيون، يتقدمهم جنرال، يسلّمون رفات 48 كويتياً كانوا قد اختفوا خلال الاحتلال 1990-1991. ما زال أكثر من 550 كويتياً آخراً في عداد المفقودين – ولا أحد يعلم كم من مئات الجنود العراقيين دُفنوا على عجل في الظلام. ولكن على الأقل بات باستطاعة بعض العائلات الآن دفن موتاها.
المراسم تمثّل أيضاً محطة مهمة في الرحلة التي قطعتها الكويت والعراق نحو تطبيع العلاقات بينهما منذ سقوط صدام حسين في 2003. والزعماء العراقيون هذه الأيام يقولون إنه ينبغي نسيان صفحة نزاعات الماضي وطيها من أجل بدء فصل جديد من العلاقات بين البلدين.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الشهر الماضي إن «الفرص المستقبلية أكبر من المخاوف والعقبات التي بين البلدين». وفي وقت سابق من الصيف، قام أمير الكويت بزيارة إلى بغداد، وهي الأولى من نوعها إلى هناك؛ كما زار الرئيس العراقي برهم صالح مدينة الكويت لأول مرة في الشتاء الماضي.
خطوات بناء الثقة الدبلوماسية هذه لديها هدف استراتيجي كبير بالنسبة لبغداد. ذلك أن العراق، العالق بين أزمتين إقليميتين — المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج، والعداء المتزايد بين السعودية والنظام الإيراني — ينظر إلى الكويت باعتبارها ملاذا آمنا نسبيا، فالكويت تحافظ على علاقات ودية مع الدول الثلاث، ما يسمح لها بتعميق علاقاتها الاقتصادية مع العراق من دون إثارة شكوك أو عداء.
أما بالنسبة للكويت، فيمثّل العراق سوقاً وفرصة استثمارية كبيرة على عتبة بابها. كما أنه يمثّل مفرا من توترات أخرى في شبه الجزيرة العربية. والعراق هو واحد من الأماكن القليلة في المنطقة حيث تستطيع الكويت القيام بدور إيجابي في السياسة الخارجية.
هذا التداخل في المصالح أخذ يؤتي أكله منذ بعض الوقت، إذ تعتزم العراق والكويت تطوير حقول نفطية بشكل مشترك، أحدها يقع في منطقة سفوان. إنها فرصة ليضعا جانباً نزاعات عمرها عقود. كما يساعد الكويتيون أيضاً في تطوير حقول غاز في جنوب العراق. وبالنسبة لبغداد، تتيح هذه المشاريع إمكانية تطوير استراتيجية مستقلة في مجال المحروقات مستقلة عن المصالح الإيرانية والأميركية.
وعلاوة على النفط، وعدت الكويت بالاستثمار بشكل كبير في إعادة إعمار المدن العراقية التي دُمرت في الحرب ضد تنظيم «داعش»، وثمة أيضا مخططات لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة على الحدود، ما يتيح لكل طرف وصولا أسهل إلى أسواق الطرف الآخر؛ والشهر الماضي، زار وزيرا التجارة في البلدين موقعا مرشحا لاحتضان واحدة من هذه المناطق في سفوان.
وقد تمر سنوات قبل أن يتم إيجاد كل بقايا الأشخاص الذي اختفوا في حرب 1990-1991؛ ومرافقي ليث، الذي فر من العراق بعد سقوط صدام حسين، لن يستطيع أبدا تحديد موقع مدفن رفيقه الذي مات في الحرب. ولكن العراق والكويت أخذا يدفننا خلافاتهما، وهذا شيء مفيد للجميع.

3 «حشد شعبيّ» أم «حرس ثوري»؟
رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية

جاهر الشَّيخ يوسف النَّاصري، مِن «حركة النُّجباء»، بالآتي: «أطالب بإعادة بناء الأجهزة الأمنية من جديد، وأطالب بحل الجيش العراقي، وباعتبار «الحشد الشَّعبي» هو الجيش الأول في العراق، وليس رديفاً وليكن هو وزارة لحماية أمن ومستقبل العراق استراتيجياً. لسنا بحاجة إلى من يُعطى ألف دولار لكي يكون جندياً، وعندما تقع حادثة يُلقي بملابسه وبندقيته ويهرب، وجيش كهذا مرتزق وليس أصيلاً»(عن عدة وسائل إعلامية).
لم يكن هذا الموقف جديداً ولا غريباً، ولا يختص به يوسف النَّاصري (اسم حركي)، إنما هو عين ما يقوله الولي الفقيه نفسه، وميليشيات «الحشد الشعبي» كافة، مِن مقلدي خامنئي في الدين والسياسة. فخامنئي نفسه يكثر الوصايا بالحشد للمسؤولين العراقيين الذين يزورنه، لغرض رسمي، وآخرون للنهل مِن بركاته.
لم تكن فكرة «الحشد الشعبي» جديدة، والذي يفتخر أمين «حزب الدعوة» بتأسيسه، مع أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة. فمِن دخول أول ميليشيا مِن إيران ثم تأسيس الميليشيات تباعاً كانت الفكرة قائمة أن يتأسس جيش يوازي بدايات تأسيس الجيش العراقي مِن جديد، لهذه الغاية حصل إصرار على حلّ الجيش العراقي، وليس إعادة تأهيله.
كان تفريخ الميليشيات عملاً إيرانياً، فجيش المهدي، الذي تأسس(2003)، عملت إيران والأداة كان المالكي على شقه بـ«عصائب أهل الحقّ »، بعد خروج الجيش الأميركي(2011)، وبعدها شُقت هذه الجماعة بـ«حركة النَّجباء»، بما يناسب التطورات على السَّاحة السُّورية، وكل جماعة تجدها أشد ولاءً للولي الفقيه من سابقتها.
نعم، ظهرت ميليشيات الحشد الشَّعبي بكثرة بعد فتوى «الجهاد الكفائي»، الصَّادرة من المرجعية الدِّينية، وهي خطوة لم تكن المرجعية تحسب حسابها، كي تأخذ بنظر الاعتبار النوايا الإيرانية بتأسيس حرسها الثَّوري، الذي يُدين بتحركه القتالي والعقائدي لمرجعية خامنئي، وإلا فالخطاب الذي أذاع تلك الفتوى لا علاقة له بتأسيس ميليشيات مستقلة عن القوات المسلحة. لكنَّ الاندفاع إلى التجنيد داخل الميليشيات تجاوز الفتوى، ومسبباتها لردّ خطر «تنظيم داعش»، فكان «الحشد الشَّعبي»، واختير لقيادته أكثر الميليشياويين إخلاصاً لإيران.
ليست إيران الوحيدة التي أسست حرساً ثورياً، إنما الأنظمة التي تأتي بثورات تؤسس مثل هذا الجيش كافة، مع اختلاف الأسماء واتفاق بعض المهام، وفي أولها قمع أي خطر يطول النِّظام، إلا أن الحرس الثَّوري، الذي تأسس بعد تربع رجال الدِّين على السُّلطة، وفقاً للدستور وطبيعة توجه النِّظام، يعمل خارج إيران لما عُرف بـ«تصدير الثّورة»، وتصدير الثَّورة له عدة وسائل غير أن تأسيس الميليشيات، بالمناطق الساخنة، هو مِن فعل الحرس المذكور، والذي يختص به فرعه «فيلق القُدس». لذا كانت الفوضى العراقية ووجود الميليشيات، المؤسسة والمدربة بإيران، وفتوى الجهاد الكفائي، فرصة لا يجود بمثلها الدَّهر لنظام ولاية الفقيه، بتأسيس حرسها الثوري بعناصر عراقية.
كتب كثيرون مقرنين «الحشد الشَّعبي» بالانكشارية العثمانية، لكنَّ الانكشارية تجمعها فكرة صوفية (البكتاشية)، ذات منحى شيعي بسُلطنة سُنية، على خلاف الصَّفوية ذات منحى سُني شكلت سلطنة شيعية، وولاء الاثنين لدولتهما، بينما ميليشيات «الحشد» لم تجمعها عقيدة داخلية بقدر ما يجمعها الولاء الكامل لإيران. حلت الانكشارية بأمر داخلي، بينما الحشد لا يحل إلا بأمر خارجي، فالقوة الداخلية مقيدة بالسطوة الإيرانية.
لا نلغي مساهمة «الحشد» ضد «داعش»، لكنَّ المبالغة والتقليل مِن الدور الحاسم للجيش، كان المقصود منه تهميشه، بينما الميليشيات كانت معرقلة بمناطق المواجهة، أما الانسحاب الذي مهد لدخول «داعش»، كان مرتبطاً بمكتب القائد العام، والأمر ربَّما لإعلان حالة الطوارئ كي يبقى رئيساً للوزراء، ويُستعان بالحشد، الذي صرح بأنه مؤسسه الأول، ليحل محل الجيش، الذي لا ترى إيران مصلحةً بوجوده. لهذا قام عماد مغنية(قُتل2008) بتدريب المقاومة بالشّام، وإدخالها العِراق، مع فتح حدوده لـ«القاعدة»، التي شكلت تنظيم «داعش».
لماذا يُطالب بوجود «الحشد»، مع انتهاء الغاية، وأن يكون بين قادته متهمون بالإرهاب ونواب لقاسم سليماني، بينما صحوات المناطق الغربية انقلبت على «القاعدة» وهزمتها، حتى فرَّ الزَّرقاوي ليُقتل بهبهب(2006)، لكنها لم يُعترف لها بشيء!
أما أن بين «الحشد» مسيحيين وسُنّة، فهذا لذر الرماد في العيون، فلا المسيحيون يعترفون بأبي الرَّيان والمئة الذين معه، ومهمته تمجيد الحاج سليماني في الفضائيات الولائية، ولا السّنة منعوا تجاوزات «الحشد» وهيمنته على مناطقهم.
في زمن مشابه، جمع والي العراق داوود باشا(ت1851)، الحشد الانكشاري بساحة السَّراي، وقرأ عليهم الفرمان السُّلطاني بحلها، فخلع الجميع «القالباق»(غطاء الرَّأس)، واعتمار غطاء الرأس الخاص بالجيش، بعد التسجيل في الكتائب النِّظامية(لونكريك، أربعة قرون مِن تاريخ العراق الحديث)، فانتهى أمر الانكشاريين بالعراق(1829).
لهذا وغيره قال صالح التِّميمي الكاظمي(ت1845) في داوُد باشا: «لعَمرك ما زاغت عن الرُّشدِ أُمةٌ/إذا كان عن داوُد تتُلى زبورها/حمى جانبيها والعِراق بسطوةٍ/ يميناً إلى طهران وافى نذيرها»(الوائلي، الشعر السِّياسي العِراقي في القرن19). فمِن أين يؤتى بربع داوُد والقوم يسمَّون الولي الفقيه بطهران ولي المسلمين ببغداد، وجيشه جيش المسلمين، ومِن مهامه: «النِّضال مِن أجل نشر أحكام الشَّريعة الإلهية في العالم»(الدُّستور الإيراني)! بعدها يثور السُّؤال: حشد شعبي عراقي أم حرس ثوري إيراني؟! أقول: إذا تحقق إعلان «الحشد» جيشاً فمن حقّ «داعش» على إيران نصباً يمجدها.

4 نتائج العقوبات الأمريكية على إيران مي خالد عكاظ السعودية

تقريبا منذ حوالي أربعة عشر شهرا، أعاد الرئيس ترمب فرض العقوبات الأمريكية على إيران.

وكما نعلم كان أحد أهداف العقوبات هو تقليل نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط من خلال تقليص مواردها المالية.

والسؤال الآن هل هناك أي نتائج يمكن أن نلمسها على أرض الواقع نتيجة للعقوبات؟

يحتاج الجواب على هذا السؤال عملا بحثيا من المراكز المتخصصة للحصول على جواب موثق، لكني هنا سأطرح رأيي الشخصي المبني على ما يتداول في الأخبار ليس أكثر.

بالنسبة لنشاط إيران النووي فقد استأنفت إيران برنامجها العسكري النووي، منتهكة بذلك الحد الأقصى المنصوص عليه في الصفقة النووية لأول مرة في يوليو 2019 عندما قامت بتخصيب اليورانيوم إلى 4.5%.

وهذا مؤشر واضح على كون إيران دولة مارقة ولم تكن تستحق الثقة التي أولتها لها حكومة أوباما.

وتصاعدت التوترات بشكل حاد في مضيق هرمز مع إيران، فقد اصطادت عدة ناقلات نفط لدول مختلفة رغم نفي إيران للهجوم.

كما أطلقت النار على طائرة أمريكية بدون طيار، يقول الجانب الإيراني إنها انتهكت الأجواء الإيرانية وينفي الجانب الأمريكي ذلك -والله وحده يعلم الحقيقة.

بالنسبة للسياسة الخارجية لإيران منذ إلغاء الصفقة النووية وفرض عقوبات أمريكية عليها فمن الملاحظ تباطؤ دعم المليشيات الشيعية، بما في ذلك حزب الله اللبناني والجماعات العراقية والقوات الإيرانية، التي لطالما قدمت دعما حاسما للحفاظ على بشار الأسد في السلطة ومساعدته على استعادة معظم الأراضي السورية منذ عام 2013. ومع ذلك، فإن هذه القوات، منذ أبريل 2019، امتنعت عن المشاركة في الهجوم الأخير على إدلب، وعلى الرغم من القصف العنيف من قبل حليفهم الآخر «روسيا».

ولذلك فشلت القوات الحكومية السورية المتمثلة في الجيش العربي السوري في تحقيق تقدم حاسم على أراضي إدلب حتى الآن.

أما في اليمن، حيث توجد الجماعات الحوثية المتمردة التي تدعمها وتسلحها إيران، تم الإعلان عن بعض الهدنة الجزئية في الشتاء الماضي ورغم ذلك نادرا ما يتم احترام هذه الهدنة.

مرة أخرى، فإن مقدار كل هذه التحولات المحتملة في السياسات الخارجية والدفاعية الإيرانية بسبب العقوبات الأمريكية هو تأمل شخصي وقد لا تكون هناك علاقة سببية مؤكدة بين التحولات والعقوبات.
5 “القسوة” ظاهرة جديدة في الثقافة العراقية الحديثة
صلاح حسن الحياة السعودية

بسبب القسوة المفرطة التي يتعرض لها المواطن العراقي في كل مكان يتواجد فيه بعد الحروب الكارثية التي تعرض لها العراق وآخرها كارثة الغزو الأميركي، بدأت الثقافة العراقية تتمظهر بأشكال جديدة لم تكن معروفة من قبل، بعدما تعرضت للتصدع والتفكك خلال الخمسين سنة الماضية. من هذه المظاهر التي بدأت تشكل ثيمة أساسية في الكثير من الأعمال الإبداعية حالياً، ظاهرة “القسوة” أو “الإزعاج” الموجه إلى الجمهور الذي يتابع أعمال المثقفين والفنانين العراقيين.

يستطيع الفنان استخدام هذه التقنية في المسرح وفي الفن التشكيلي والموسيقى بشكل كبير، وفي الفنون الكتابية أيضاً، إنما بشكل أقل، لأسباب كثيرة منها أن الكاتب أو الشاعر سيكون بعيداً من متلقيه، لأن مجاله هنا الصحف أو المجلات أو الانترنت.

نتحدث هنا عن تورية تؤدي أكثر من غرض على أكثر من صعيد. فالمسرحي يستطيع أن يخترق جمهوره ويشركه في عمله من دون إرادة هذا الجمهور. كما يمكن للفنان التشكيلي أن يستخدم اللعبة ذاتها عن طريق استخدام المؤثرات الصوتية والفيلمية إلى جانب لوحاته. وأيضاً يستطيع الموسيقي أن يفعل ذلك عن طريق آلته التي يتحكم في مفاتيحها وأوتارها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن، هو لماذا بدأ الفنانون العراقيون يستخدمون تقنية “القسوة” في هذا الوقت بالذات، مع أن ما تعرضوا له أيام النظام الدكتاتوري السابق لم يكن أقل قسوة مما يحصل في العراق اليوم؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، أود القول أن هذه التقنية جديدة على الثقافة العراقية والعربية في شكل عام، مع الإشارة إلى أن رائدها هو الفنان المسرحي والشاعر الفرنسي آرتو، العبقري المجنون الذي قضى نصف حياته في المصحات.

ببساطة شديدة، يمكن القول إن الفنانين العراقيين لم يكونوا في حاجة إلى استخدام هذه التقنية قبل العام 2003، ليس لأنهم لا يعرفونها، بل لأنهم كانوا في أتون القسوة ذاته وغارقين في الكابوس، وبالتالي لا داعي لتكرار الفعل ذاته لأنه سيصبح اجتراراً. وحين انتهى الكابوس، انتبهوا إلى أن أصواتهم اختفت ولم يعودوا قادرين، أو في واقع الأمر لم يعد أحد يستمع لهم في ضوء المتغيرات الجديدة التي جاءتهم بكل ما هو غريب وطارئ ومشوه.

كان النظام السابق العدو الواضح والأوحد لهؤلاء الناس، وكان في إمكانهم إن يوجهوا رفضهم له بطرق كثيرة لا تحتاج إلى تقنيات خاصة. أما الآن، وقد أصبح العدو يتناسل ويتقنع بأقنعة كثيرة، فقد اختلط الأمر على هؤلاء الفنانين وما عادوا يعرفون من هو العدو الحقيقي.

وسط هذا التيه الكامل حاولوا اللجوء إلى هذه التقنية التي قد يكون في إمكانهم من خلالها استرجاع أصواتهم التي ضاعت في هذه الفوضى العارمة.

ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن هؤلاء الفنانين هم من المستقلين الذين لم ينتموا يوماً إلى حزب أو حركة سياسية، ومعظمهم ما زالوا يعيشون في منفاهم، على العكس من الكثير من الفنانين أو المثقفين الذين انضووا تحت خيام الأحزاب والحركات السياسية الجديدة التي وفرت لهم غطاء سياسياً أو طائفياً أو قومياً لا يحتاجون معه إلى البحث عن تقنيات جديدة مثل هذه التقنية، إذ أنهم أصبحوا “صوتاً” لهذه الأحزاب.

في هذا المجال، ومن خلال معايشتي بعض الفنانين العراقيين الذين يعيشون في أوروبا، يمكنني أن استعرض بعض النماذج التي استعارت هذه التقنية (القسوة) في الأعمال التي قدمت في السنوات الخمس الأخيرة بعد الاحتلال، وكيف استثمر كل فنان هذه التقنية بطريقته الخاصة.

في بلجيكا، قدم المخرج العراقي المعروف حازم كمال الدين مسرحية “مدينة السلاح” وهي من تأليف كاتب هذه السطور وقدمت في هولندا وبلجيكا باللغة الهولندية. استخدم المخرج تقنية “القسوة” حين جعل الممثلين يحدقون في الجمهور بطريقة مباشرة واستفزازية ويروون له حكاية لا تعني شيئاً، يكررونها بطريقة فجة مع حركات عنيفة. يشعر الجمهور في مثل هذه اللحظات بالتوتر ويفكر في مغادرة القاعة، لكنه لا يستطيع لأن الممثل لا يمنحه هذه الفرصة. بعد هذا الإزعاج القاسي، يقدم الممثل معلومة مهمة تجعل المشاهد يعود إلى العرض من جديد إنما بانتباه خاص. وبهذه الطريقة، يستطيع المخرج أن يوصل الرسالة التي يريد إبلاغها إلى جمهور المشاهدين “صوته الغائب أو المغيب”.

في المجال الموسيقي، قدم الموسيقار العراقي أحمد مختار في أمسية لندنية مجموعة مقطوعات من عمله الموسيقي “الطريق إلى بغداد”. ومن خلال قطعة بعنوان: “رثاء النخيل”، عزف مختار بعض الحركات الموسيقية التي شعر معها السامع بأصوات حادة تنطلق من آلة العود، لم تعتادها الأذن العربية.

في المقطع الثاني من هذه القطعة التي تتكون من ثلاث حركات، استخدم مختار الموضع الثالث من العود والطبقات الحادة جداً مع نوطات كروماتيكية لا مقامية. في هذه الجمل الموسيقية، استخدم الفنان ثلاثة أصوات هارمونية على ثلاثة أوتار في أعلى الطبقات التي تصل إلى فتحة العود الكبيرة. تبدو الأصوات متنافرة حين تعزف انفراداً، وتعطي صوتاً منسجماً وغريباً حين تعزف في آن معاً. العزف (دبل الفورتية) قوي جداً، ومع اللامقامية تظهر غرابة اللحن وقسوته على الأذن العربية التي اعتادت المقام، ما جعل الجمهور يصم أذنيه.

أما التقنية التي استخدمها الفنان التشكيلي صادق كويش، فاعتمدت الرسم والـ “فيديو آرت”، إذ يقوم المعرض على التكامل بين تقنيتي الرسم والفيديو، إلى جانب اللوحات المعروضة. يُظهر عرض الفيديو رجلاً يرتدي كفناً أبيض وهو يستعد لرحلة الموت مع صوت يردد جملة واحدة فقط، تتكرر باستمرار لإزعاج المشاهد وإجباره على التركيز على مناخات الأعمال. هذه الجملة تقول: “عزيزي ريلكة، نحن كلنا مسافرون…”.

في المجال الشعري، يمكن أن نختار الشاعر الراحل سركون بولص الذي لم يكن منشغلاً بأي شيء سوى الألم، كانت له حياة قديس مركبة على هيئة شاعر يجوب البراري والمدن المهجورة من أجل إكسير لهذا الألم الذي أصبح الخبز اليومي له وللناس الذين تجشم من أجلهم هذه المهمة الرسولية، التي كان مدفوعاً إليها دفعاً كقدر غير مردود (رجل أراد أن يعزف على قيثارة الآلهة… سقطت أصابعه في البار بين أقدام العاهرات). القسوة هنا غير مرئية وملطفة إلى أقصى حد، ويعمل اللاوعي على تخفيف حدتها، لكنها تبرز إلى السطح مخترقة كل الحواجز النفسية بسبب ديناميكيتها التي تخلق صوراً لا يمكن للوعي أن يمحوها.

وفي مكان آخر، يسترجع بولص معاناته الشخصية التي انتهت بموته في غربته الغريبة، حين تتكرر المأساة التي عاشها هو قبل أربعين عاماً، إذ يستمع لحكاية لاجئ عراقي وصل توا إلى المنفى الذي لا يعرف عنه شيئاً ولا يعرف ماذا ينتظره هناك.

(اللاجئ المستغرق في سرد حكايته / لا يحس بالنار عندما تلسع أصابعه السيجارة / مستغرق في دهشة أن يكون هنا / بعد كل الهناكات : المحطات والمرافئ / دوريات التفتيش ، الأوراق المزورة … معلق من سلسلة التفاصيل/ في حلقاتها الضيقة / ضيق البلاد التي تكدست على صدرها الكوابيس). تتخذ القسوة هنا طابعاً سردياً من أجل أن تكون نثرية وقابلة للتفتيت، لتتخلص من حتميتها المأساوية. ولكن هيهات، فهي تبقى قسوة بكل معانيها المعلنة أو المبطنة. وقد تكون أكثر من ذلك حين تتحول من حدث عابر إلى ذاكرة تزدحم بكل ما هو قابل للخدش وبالتالي للنزيف.

لماذا بدأ الفنانون العراقيون يستخدمون تقنية “القسوة” في هذا الوقت بالذات، مع أن ما تعرضوا له أيام النظام الدكتاتوري السابق لم يكن أقل قسوة مما يحصل في العراق اليوم؟

بسبب القسوة المفرطة التي يتعرض لها المواطن العراقي في كل مكان يتواجد فيه بعد الحروب الكارثية التي تعرض لها العراق وآخرها كارثة الغزو الأميركي، بدأت الثقافة العراقية تتمظهر بأشكال جديدة لم تكن معروفة من قبل.
6 هل تتدخل إسرائيل ضد إيران في العراق؟
شارلز ليستر

الشرق الاوسط
في 12 أغسطس (آب) ، وقع انفجار في مستودع للذخيرة داخل قاعدة الصقر العسكرية جنوب بغداد، ما أدى إلى إطلاق المئات من قذائف الهاون والصواريخ في مختلف الاتجاهات بالمناطق الحضرية المأهولة بالسكان. قُتل شخص وأصيب 29 آخرون، حيث انتشرت الذخيرة والحطام على بعد 5 كيلومترات.
كانت القاعدة مقرا للشرطة العراقية وعلى الأقل لاثنتين من ميليشيات «قوات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، و«كتائب سيد الشهداء» و«خطيب جند الإمام». على الرغم من أن التقارير الأولية أشارت إلى أن الانفجار ربما يكون بسبب سوء تخزين الذخائر والطقس الحار في الصيف، فإن التقارير الحديثة وصور الأقمار الصناعية أشارت إلى أن غارة جوية دقيقة كانت السبب وراء ذلك وأنه من المحتمل أن تكون من جانب إسرائيل.
إن صح ذلك، ستكون هذه هي الضربة الجوية الإسرائيلية الثالثة المحتملة على أهداف عسكرية مرتبطة بإيران في العراق خلال شهرين بعدما ضربت انفجارات غامضة مواقع لتخزين الأسلحة في «معسكر أشرف» في 28 يوليو (تموز) وقاعدة أخرى تابعة للقوات العسكرية الإيرانية في «العامري» في 19 يوليو، حيث قتل إيرانيان اثنان. ربما وقعت ضربة رابعة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، عندما انفجر مستودع في كتائب «حزب الله» في طوز خورماتو. وقبل ذلك لم تتعامل إسرائيل عسكريا في العراق منذ عام 1981.
بعد ثلاثة أيام من انفجار 12 أغسطس في جنوب بغداد، أمرت الحكومة العراقية بإلغاء جميع الرحلات الجوية التي تعبر المجال الجوي العراقي، ما لم يأذن الجيش العراقي بذلك. حدد الأمر الأنشطة الجوية التي تشمل الاستطلاع أو استخدام الطائرات المقاتلة أو الطائرات من دون طيار أو طائرات مروحية. وزادت طبيعة هذا الرد من الشكوك في وقوع بعض الضربات الجوية.
وكما بينت تلك الأحداث، فإن إسرائيل دخلت بالفعل في جبهة جديدة تقوم بإجراءات ضد إيران في العراق. وقد علمت المخابرات الإسرائيلية منذ أكثر من عام أن إيران بدأت في نشر أنظمة صاروخية وصواريخ باليستية متطورة في الأراضي العراقية، بعضها يتمركز هناك بشكل دائم والبعض الآخر يجرى إرساله برا إلى سوريا ولبنان. حتى إن بعض التقارير، أشارت إلى أن إيران تدير مصانع صواريخ تعود إلى عهد صدام في الزعفرانية قرب بغداد، وفي جرف الصخر قرب كربلاء، وفي كردستان العراق بغرض تصنيع ذخائر جديدة من الصفر وتجميع صواريخ باليستية يجري تهريبها إلى بلد على هيئة مكونات تستخدم في صناعة الصواريخ لاحقا. كانت هذه ذاتها التسهيلات هي نفسها التي يقال إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أثارها خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مايو (أيار) 2019.
للوصول إلى العراق، كان من شبه المؤكد أن إسرائيل استخدمت طائراتها الحربية من طراز F – 35 «Adir»، التي توفر قدرات متقدمة غير مرئية ومدى يجتاز سوريا ويدخل المجال الجوي العراقي من دون أن يكتشف. ومن المثير للاهتمام أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، اعترف لأول مرة في مايو 2019 بأن طائرات طراز «إف 35» الإسرائيلية كانت في ذلك الوقت تقوم بمهمتين قتاليتين فقط على جبهتين مختلفتين، إحداهما شملت رحلة جوية فوق العاصمة اللبنانية بيروت، وربما كانت المهمة الثانية هي «منشأة خطيب حزب الله» في «طوزخورماتو» العراق في نوفمبر 2018.
إن قرار إيران توسيع بنيتها التحتية للصواريخ والقذائف إلى ما بعد لبنان وسوريا يتناسب تماماً مع استراتيجية التعزيز الإقليمي الحالية والتي يبدو أنها تركز ليس فقط على تقوية انتشارها الواسع ومدى التأثير، ولكن أيضا على تعزيز حجم قدراتها العسكرية والوصول إليها.
في سوريا، كانت تلك الخطوة التالية أكثر تحديا؛ نظرا لحرية العمل التي تتمتع بها إسرائيل هناك، لكن الديناميكيات كانت أكثر مواتاة في لبنان والعراق، حيث يعني عدم وجود آليات لوقف النزاع وتصعيد الوضع أي مخاطر لعمل عسكري إسرائيلي كبير. إن تأجيج التوترات الكارثية في دوامة من الصراع لا يمكن السيطرة عليه هو السيناريو الذي تريد إسرائيل تجنبه.
وإدراكا منها للقيود المفروضة على عمل إسرائيل في العراق، يبدو أن إيران اختبرت حريتها في العمل خلال التوترات المتصاعدة هذا الصيف. فقد شنت إيران اعتداءات خارجية بطائرات من دون طيار في مايو من قاعدة كتائب «حزب الله» في منطقة جرف الصخر، في حين جرى إطلاق سلسلة من الصواريخ على مقاولي الدفاع الأميركيين في العراق وعلى حقول النفط في البصرة في يونيو (حزيران) من داخل العراق.
يمثل هذا الموقف تحديا كبيرا للحكومة العراقية التي تعتمد بدرجة كبيرة على إيران في القضايا الأمنية والاقتصادية، بينما تواجه ضغوطا دولية شديدة لكبح جماح قوات الدفاع الشعبية وتقييد وصول إيران إلى الجيش وغيره من الأسلحة التابعة لسلطة الدولة.
تزعم بعض التقارير الإسرائيلية الأخيرة أن سلسلة من الاجتماعات السرية قد عقدت بين المسؤولين الإسرائيليين والعراقيين، التي من المفترض أن تركز على القضايا المتعلقة بإيران. كان من المفترض أن تكتمل محاولة بغداد سحب قوات الدفاع الشعبية تحت وصاية الجيش بحلول 31 يوليو، لكن يبدو أنه قد جرى تأجيلها بشكل غير مفاجئ منذ رحلة رئيس الوزراء الأخيرة إلى طهران في أواخر يوليو.
إن التوسع النوعي لإيران في العراق يضع الولايات المتحدة في موقف حرج؛ إذ على الرغم من أن إدارة ترمب تقدم نفسها خصما قويا للتوسع الإيراني في الشرق الأوسط، فإن واشنطن ليست لها مصلحة في إضعاف أو عزل أو حتى مهاجمة الحكومة العراقية لأن القيام بذلك من شأنه أن يعزز من وضع إيران؛ لذلك من المحتمل أن تواصل إيران تعزيز موقعها في العراق وتعزيز قدرتها تدريجيا على ممارسة القوة العسكرية بصورة تقليدية وغير تقليدية، من داخل العراق تجاه إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
7 علينا العمل من دون تعب لمواجهة الإرهاب
أندرو موريسون الشرق الاوسط
تبقى آثار أعمال الإرهاب ملازمة لنا، فبعد الهجمات المقيتة والحقيرة التي ارتكبها متطرفون يسعون لفرض آيديولوجيتهم على آخرين من خلال القوة، يجب أن نوفر وقتاً لإحياء ذكرى من فقدنا اليوم، تحديداً الذي يوافق اليوم العالمي للذكرى وضحايا الإرهاب.
لا نزال نتذكر المسلمين الأبرياء الذين تعرضوا لهجوم أثناء خروجهم من مسجد فنسبري بارك (في لندن) بسبب دينهم، ونتذكر لي رغبي الذي تعرض للاستهداف فقط لمجرد أنه يخدم وطنه، وكذلك إغناسيو إتشيفيرا الذي لقي مصرعه أثناء محاولته وقف منفذي هجوم جسر لندن، بينما لم يكن يملك سلاحاً سوى لوح تزلج. ونتذكر كذلك الشباب الذين سقطوا في مانشستر الذين قتلوا أثناء حضورهم حفلاً موسيقياً. نتذكر جميع الذين تعرضوا لهجمات إرهابية داخل المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة.
وبالطبع، تتكرر هذه المآسي الشخصية عبر أرجاء العالم، من جسر ويستمنستر إلى باريس إلى كابلن ومن بنغازي إلى كريست تشرش.
والملاحظ أن مصدر التهديد العالمي الأكبر في السنوات الأخيرة، تنظيم «داعش»، يتحمل المسؤولية عن قدر لا يمكن تخيله من المعاناة والألم. وخلفت وحشية «داعش» المروعة في العراق وغيره أعداداً لا حصر لها من القتلى، وكثيرين بإصابات دائمة، بدنية ونفسية. وتسبب «داعش» في تمزيق مجتمعات واستعباد الآلاف من الأفراد وترك أطفال لا حصر لهم يتامى.
وبفضل جهود المملكة المتحدة وشركائها الدوليين من خلال التحالف العالمي ضد «داعش»، والتضحيات الأخرى التي قدمتها قوات الأمن العراقية و«قوات سوريا الديمقراطية» على الأرض، حرم «داعش» في مارس (آذار) من هذا العام من المساحات الواسعة التي كان يسيطر عليها من قبل.
لكن المعاناة التي سببها التنظيم لم تنتهِ، ولا تزال آيديولوجيته المسمومة على قيد الحياة. واليوم، يوجد 1.6 مليون نسمة في الأراضي المحررة شمال شرقي سوريا بحاجة إلى المساعدة. وفي العراق، لا يزال نحو 5 في المائة من السكان مشردين. كما أن المتفجرات التي خلفها التنظيم وراءه ما تزال تحصد أرواح الأبرياء وتبطئ وتيرة العمل المهم الجاري على صعيد إعادة بناء مستشفيات ومدارس ومرافق حيوية أخرى. واللافت أن فلول «داعش» وبقاياها لجأت حالياً إلى تكتيكات التمرد عبر العراق وسوريا، ومن هناك تهدِّدُ بشن مزيد من الهجمات عبر أرجاء العالم.
ولا يقتصر تهديد الإرهاب على المتطرفين، وإنما رأينا هجمات إرهابية بمختلف أرجاء العالم هذا العام ينفذها متطرفون يمينيون ومتشددون إسلامويون على حد سواء. وشاهدنا جميعاً إرهابيين يعتنقون آيديولوجيات مختلفة يرتكبون الأعمال العنيفة عديمة الرحمة في نيوزيلندا وسريلانكا وإل باسو. ومن خلال تلك الهجمات، سعى المهاجمون حثيثاً لتخليد أسمائهم عبر أعمالهم القميئة. ومع هذا، فإنه مع احتشاد الناس حول العالم في تضامن مهيب بعد الهجمات، اخترنا بدلاً من تخليد القتلة، منح الخلود إلى الضحايا الأبرياء.
وفي يوم إحياء الذكرى هذا، يجب أن نتذكر أننا لا نقف بلا حول ولا قوة أمام الإرهاب، وإنما كحكومات يتمثل التقدير الأكبر الذي يمكننا تقديمه لمن عانوا على أيدي المتطرفين، في العمل بلا كلل ولا ملل للحيلولة دون ظهور ضحايا جدد في المستقبل، ومعاونة عائلات الضحايا على إعادة بناء حياتها، ومعاونة المجتمعات على التعافي ورفض الآيديولوجيات المغذية للتطرف.
اليوم، يعكف 400 جندي بريطاني على تدريب قوات الأمن العراقية، وجرى بالفعل الانتهاء من تدريب ما يزيد على 94 ألف جندي عراقي وأصبحوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن إخوانهم المواطنين. وأسهمت مساعدات قدمتها المملكة المتحدة في تطهير 663 موقعاً من مواد متفجرة خطرة، والتي يمكن أن تصبح اليوم مدارس أو شركات أو مستشفيات أو منازل أو مراكز اجتماعية. كما تدعم الأمم المتحدة آليات المحاسبة التابعة للأمم المتحدة لجمع أدلة على جرائم «داعش»، والمعاونة في تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. كما نتولى كذلك قيادة جهود دولية ترمي لتقليص قدرة «داعش» على استخدام دعاياته في تجنيد أنصار والتحريض على مزيد من الهجمات.
ويجب ألا ننسى ضحايا «داعش» الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وبعيداً من مصادر رزقهم والذين ما يزال بإمكاننا دعمهم. ومن خلال مؤسسة «يو كيه إيد» قدمنا الطعام ووفَّرنا معدات لتوفير ملاذات لمئات الآلاف من العراقيين ووفَّرنا الرعاية الصحية لأربعة ملايين عراقي، بجانب توفير مياه صالحة للشرب ومرافق صحية لمليونين.
في يوم الذكرى وضحايا الإرهاب، نتذكر من بترت حياتهم فجأة. وننظر بيقظة في الوقت ذاته نحو التهديد الذي نواجهه في أي مكان بالعالم. وينبغي أن نذكر أنفسنا بأننا صامدون. ومن حزننا الجمعي، يمكننا إعادة بناء مجتمعاتنا لتصبح أقوى وأكثر تناغماً. واليوم تحديداً من بين كل الأيام، نتعهد بأن تمضي المملكة المتحدة قدماً في فعل كل ما بوسعها والتعاون مع الشركاء والمنظومة الدولية لإبقاء جميع مجتمعاتنا بمأمن من الإرهاب.
8 إرباك الحشد الشعبي في العراق.. لمصلحة مَن؟ د. وفيق إبراهيم البناء البحرينية

الحشد الشعبي العراقي في وضعٍ حرج أمنياً وسياسياً بما يكشف عن وجود خطة لقوى متمكّنة لها المقدرة على استهدافه، والمصلحة في عرقلة ادواره.

توقيت هذا الاستهداف مريب ويفضح المخططين له، فما كاد الحشد يشارف على استكمال دوره الداخلي بكسر الإرهاب الدولي الذي استباح العراق بحضور الجيش الأميركي المحتل لأرض الرافدين، وإشراف الجيش التركي المتعاون مع الإرهاب والمحتل لقسم من اراضي العراق، حتى بدأت معزوفة العلاقة الملتبسة بين الجيش العراقي والحشد تنطلق من جديد. بزعم أنه قانونياً جزءٌ من القوات المسلحة العراقية لكنه يمارس أمناً وسياسة خاصتين به ومتحالفتين مع إيران كما يقول الأميركيون وبعض حلفائهم العراقيين والخليجيين وكامل العراقيين الموجودين في تركيا برعاية مخابراتها.

هذه المعزوفة لم تتمكّن من لجم اندفاعة الحشد نحو استكمال أدواره الوطنية في تكامل مع القوات المسلحة العراقية التي يشكل جزءاً منها على مستوى القانون العراقي.

فذهب المخططون نحو تقسيم تنظيمات الحشد الشعبي، بين معتدلة لها الحق بالمشاركة في الادارة الرسمية للدولة وبين تشكيلات متصلة على حد زعمهم بالحرس الثوري الإيراني، وبما أن هذا الأخير موضوع على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية فإن تحالفاته العراقية، لها الوضعيّة الإرهابية نفسها.

كان مفترضاً أن تتسبب هذه الادعاءات بتفجير الوضع الداخلي، لكنها لم تفعل باستثناء بعض الصدى الإعلامي المتلاشي.

ما أتاح للحشد الاستمرار بالتنسيق مع الجيش العراقي على قاعدتين، إرهاب الداخل وهو في طور الاضمحلال النهائي وإرهاب الخارج المتجسّد بالاحتلال التركي لجزء من الشمال ودعمه لتشكيلات إرهابية وطائفية، ويتمثل أيضاً بالاحتلال الأميركي الذي يستند الى معاهدات للاستمرار في العراق فرضها تباعاً وبالقوة على السلطات العراقية المتعاقبة.

لجهة الخطر الثالث بمصدره حدود العراق مع شرقي سورية حتى تنتشر بؤر لداعش ومنظمة قسد الكردية وقوات أميركية محتلة، فهذه المواقع خطيرة الى درجة أنها تتطلب تنسيقاً سورياً عراقياً للسيطرة عليها. وهذا ما كان الحشد بصدد إنجازه قبل تعرضه لقصف تبين لاحقاً انه أميركي وهدفه إيقاف الحشد عند نقاط عراقية بعيدة عن الحدود.

كما حدّد الحشد الخطر الرابع بأنه وارد من محاولات أميركية للسيطرة على أمن الملاحة في الخليج بمعونة إسرائيلية، ولكل من يريد المشاركة من أصقاع الأرض.

لذلك اعتبر العراق الرسمي ومنه الحشد الشعبي أنه مؤيد لوجهة النظر الإيرانية المدافعة الفعلية عن أمن الخليج.

وكان طبيعياً أن يؤيد الحشد الشعبي إيران المحاصرة والمعاقبة لدفاعها عن دولتها وحرية الملاحة في الخليج، ولأنها الوحيدة التي دعمت العراق وسورية ولبنان واليمن في وجه الإرهاب المدعوم أميركياً وتركياً وخليجياً وغربياً.

وللمزيد من عرقلة الحشد الشعبي، قصف مجهولون مراكز للجيش الأميركي الذي سارع إلى اتهام جبهات متطرفة في الحشد الشعبي بتنفيذها.

إن هذا القصف شكّل مفترقاً شعر بعده الأميركيون ان دورهم الاحتلالي للعراق لن يكون مفيداً على مستوى محاربة إيران مع وجود تنظيمات عراقية متحالفة معها، وحكومة تتقاطع مع الكثير من سياساتها ورئاسة جمهورية برهم صالح الكردي لم تتورّع اكثر من مرة عن إبداء تأييدها لإيران في الكثير من المواضيع.

لذلك بدأ القصف الجوي المجهول باستهداف مخازن الحشد الشعبي في أكثر من منطقة عراقية، وآخرها قبل فترة قصيرة أصاب مخازن الصقر الكبير، ما استدعى من الحكومة العراقية الطلب من التحالف الدولي وقف التحرك الجوي لطائراته الحربية ومسيراته، معمماً هذا الأمر على كل الجهات الرسمية التي تمتلك طائرات.

الملاحظ هنا، أن القوى السياسية العراقية الموالية للأميركيين والأتراك، ذهبت باتجاه اتهام الكيان الاسرائيلي الذي استقبل هذه الاتهامات بصمت، لكنه زعم أن إيران ارسلت صواريخ دقيقة الى العراق، ما يبيح له الحق بقصفها في أي وقت، لأنها أسلحة تابعة للحرس الثوري المصنف إرهابياً في أميركا و»إسرائيل» وبالتالي في بعض بلدان الخليج.

فهل هذا القصف إسرائيلي؟

تزعم «إسرائيل» أنها دمرت الصواريخ الدقيقة الإيرانية التي كانت منتشرة في الأراضي السورية، لذلك وضعت إيران بديلاً منها في العراق، فهل هذا كافٍ لاتهام «إسرائيل»؟

هنا تبدو الخدعة كاملة، لأن لا فارق على الإطلاق بين قصف أميركي او اسرائيلي، لانهما متحالفان ويكملان مصالح بعضهما بعضاً، خصوصاً أن القصف الأميركي العلني على الحشد الشعبي يوفر لهذا الأخير الحق بالاستهداف العلني للقوات الأميركية المنتشرة في أكثر من عشر قواعد في العراق، هذا إضافة الى أن إرباك الحشد الشعبي داخل العراق يحول دون تنسيقه الأمني المرتقب مع سورية وتعاونه مع إيران في الحرب المتوقعة في الخليج، بما يؤكد أن الأميركيين هم وراء هذا القصف اما مباشرة عن طريق قواتهم ومواربة بواسطة الإسرائيليين، لأن الأهداف تصب في خدمات السياسات الأميركية في العراق والخليج وتستفيد منها «إسرائيل» إنما بشكل أقل من المصلحة الأميركية.

بأي حال، يستطيع الأميركيون قصف مخازن الحشد بمسيَّرات طائرة تنطلق من مراكز سيطرتهم في شرقي الفرات السوري وذلك للمزيد من التضليل، كما ان القواعد الأميركية الموزعة بين الأردن والخليج بوسعها تأدية المهام نفسها، لذلك فإن الحشد الشعبي متأكد من أن الدور الأميركي بالقصف مختبئ خلف «إسرائيل». وهذا لن يعرقل دوره بالتنسيق مع سورية من خلال الجيش العراقي، ورفض الدور الاسرائيلي في أمن الملاحة في بحر يشعر العراق أنه مكلف بالدفاع عنه في وجه «إسرائيل» والأميركيين والكثير من الدول الخليجية المتورطة فيه. ومثل هذا الدور الوطني ينقل الارتباك من الحشد الشعبي الى الأميركيين في العراق واضعاً احتلالهم له في أفق ضيق لا يستند إلا لقوى موجودة في تركيا والسعودية ولا يبدو أنها تبالي بالعودة الى وطنها.
9 التداعيات السياسيّة للاعتداءات الاسرائيلية على مواقع في العراق
د. جواد الهنداوي راي اليوم بريطانيا

أستكمالاً لما كتبناه بتاريخ 14/ 8 / 2019، وبعنوان لماذا تستهدف إسرائيل العراق؟، نُكّرس جهدنا، في هذا المقال، لاستشراف التداعيات السياسيّة لهذه الاعتداءات، وهويتها الاسرائيلية، هي الآن أبعدُ من الشكِ واقربُ إلى اليقين، لاسيما بعد قرار السيد ر . مجلس الوزراء، وبتاريخ 2019/8/18، بحضر جميع الطيران غير المُرّخص في سماء العراق .
من الممكن تفسير قرار السيد رئيس مجلس الوزراء بأنّهُ ترجيح لفرضية قصف جوي لمخازن العتاد، وابعاد فرضيّة سوء التخزين او احتمال انفجار عرضي . وما القرار الاّ تعبيراً عن تجاوب وتفاعل رسمي مع الحدث، لا هو رادع ولا هو مانع لإسرائيل او لغيرها من أنْ تُحلّق طائراتهم المُسّيرة او الحربية سماء العراق . وهل نتوقع ان تطلب إسرائيل او أمريكا أو تركيا ترخيصاً كي تقوم طائراتهم بقصف ما يختارونه من مواقع في العراق؟
يُنذرنا الحدث، وهو بدون شكْ، اعتداء اسرائيلي، بمصداقيّة وجدّية الحليف او الصديق الامريكي، هل يُسعفنا هذا الحليف عندما يكون المعتدي إسرائيل؟
وهل من المعقول قدوم إسرائيل بألاعتداء على بغداد دون علم مسبق من الطرف الامريكي .
نُقارب الحدث مع القصف الاسرائيلي لمواقع في سوريا، لا يمكن ان يتم دون علم مُسبق لغرفة العمليات الروسية في سوريا، كذلك على، ما يبدو الحال، مع ما تقوم به الطائرات الاسرائيلية في قصف مواقع لها في العراق، لا يمكن أنْ يتم دون علم وموافقة الطرف الامريكي !
. تتساهل روسيا مع اعتداءات إسرائيل لبعض المواقع في سوريا، لأن المواقع وحزب الله ومستشاري الحرس الثوري على حدود إسرائيل، ولكن هل مخازن عتاد الجيش العراقي او الحشد الشعبي في بغداد هي أيضاً على حدود إسرائيل؟
تؤمن امريكا -على ما يبدوا -بأنْ لا حدود لأمن إسرائيل حتى وإنْ كان الخطر ليس في بغداد وإنما في الصين .
عدم اعتراف رسمي او تفسير رسمي لهذه الاعتداءات يُضّخمُ تداعياتها النفسّية والسياسية على الدولة وعلى المواطن العراقي، يُفقدُ مِنْ هيبة الدولة ومكانتها على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ويمكن أنْ يُحسبْ تستُراً على اعتداء اجنبي او تهاونناً ازاء انتهاك سيادة البلد، وقد تكشفُ الأيام ما يسترهُ المرءُ، في غضون الأشهر القادمة ستؤكد إسرائيل او أطراف أخرى، إعلامية او رسميّة بحقيقة الاعتداء الاسرائيلي .
الإعلان عنه وادانته ومطالبة الأمم المتحدة والدول بإدانته، واحتفاظ العراق بحق الرد أفضل بكثير من التغاضي والصمت، حيث يكون مُدعاة لإسرائيل ولغيرها بالتمادي في غيّها واعتداءاتها .
الصمت وعدم الكشف رسمياً عن أسباب الانفجارات اوعن حقيقة الاعتداءات سيعزّز، للأخرين، قدرتنا في التسّتر، وعجزنا في التصّدي : على الاقّل، تصدي سياسي ودبلوماسي وليس بالضرورة تصدّي عسكري .
لا سيّما وأنَّ اختراق مجال العراق الجوّي وانتهاك سيادته اصبحَ، للأسف، أمرُ مألوف، من تُركيا .
ظاهرة استهداف مواقع عسكرية عراقية تستحق الاهتمام والرّد الرسمي، بغض النظر عن سببها، لانها تدلُ على اختراق أمني داخلي مُستتر بعملاء او جواسيس ومرتبط بدول وبأجندات .
ماذا لو تكرّر مثل هذا الحدث في المستقبل؟
وماذا لو تكرّر أيضاً تسجيل الدولة بأنَّ الفاعل مجهول؟ هل سيُلام المتضرّر (جيش او حشد شعبي) إنْ بادر، بطريقة او بأخرى بالرّد؟
10 العنف يدفع القطاع الطبي في العراق إلى حافة الهاوية
نازلي تارزي
العرب بريطانيا
تشير التقارير إلى أن العنف الذي يواجهه الأطباء وسائر أفراد الطاقم العامل في القطاع الطبي بالعراق، بصدد إلحاق ضرر بالغ بالقطاع قد يصل حدّ استحالة الوصول إلى الرعاية الطبية في هذه الدولة المضطربة.

إن العنف المسلّح والابتزاز وأعمال الانتقام والإيذاء الجسدي واللفظي والنقص المزمن في الموارد، تدفع القطاع الطبي العراقي إلى حافة الهاوية.

وقد أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نوفمبر الماضي حملة بعنوان “الرعاية الصحية في خطر” للتوعية بالمخاطر المحدقة بالقطاع الطبي، لكن دون جدوى.

وقال الدكتور فاضل مصطفى، العضو في نقابة الأطباء العراقيين، إن قضية العنف ضد الأطباء والممرضين والعاملين بالمستشفيات أصبحت حقيقة ثابتة، مضيفا “العنف الذي يواجهه الأطباء معروف منذ زمن”، ومحذّرا من أن “أساليب جديدة مثل الاختطاف والابتزاز ظهرت بعد العام 2003”.

وكشفت دراسة استقصائية محلية عن رغبة الخريجين المبتدئين في مغادرة العراق والاستقرار بالخارج. وقالت “ما يقدر بنحو 70 بالمئة من الذين تم سؤالهم إنهم يرغبون في المغادرة، بينما قال 98 بالمئة إنهم يعتقدون أن العنف سيستمر في ملاحقة مقدّمي خدمات الرعاية الصحية”.

وأخبرت شيماء الكاملي الطبيبة العاملة بالبصرة جنوبي العراق والتي تخرجت من كلية الطب بجامعة بغداد في عام 2009 قناة فرانس 24 أنه من بين 348 من زملائها الذين تخرجت معهم، غادر 285 البلاد. ومن 2004 إلى 2007، شهدت بغداد انخفاضا بنسبة 22 بالمئة في عدد الأطباء المتخصصين، حسبما ذكرت دراسة نشرت في مجلة “سوشيال ساينس آند مديسين جورنال”.

وغالبا ما يتعرض الأطباء لتهديدات من قبل أفراد أسرة المريض. ويقدم المراقبون ممن يتابعون الأحداث عن كثب تفسيرات مختلفة لما يحدث، لكن الرأي العام يلقي باللوم في تلك الأفعال على التخلّف والقبلية.

وقد أدى التناقص السريع في موارد الدولة العراقية وتراجع قدرتها على التمويل إلى تقويض العديد من القطاعات وشلّها. وأدى بالنتيجة إلى تراجع هيبة الدولة وشجّع العشائر على
إقامة “العدالة” على طريقتها وبحسب وجهة نظرها. وقال طبيب يبلغ من العمر 32 عاما “يختلق المهاجمون القبَليون ادّعاءات الإهمال الطبي كي يحمّلونا نحن الأطباء مسؤولية وفاة أحد أفراد الأسرة، حتى لو مات خارج المستشفى”.

وشهد العام 2003 أكبر أزمة عاشها القطاع الطبي العراقي بعد غزو الولايات المتحدة للعراق. ولا تزال الآثار المترتبة عن تغيير النظام قسريا قائمة حتى الآن.

وقال الطبيب المقيم في العاصمة بغداد “عدد قليل من الناس يقدرون العمل الذي نقوم به”، مشيرا إلى أنه يحلم باستكمال حياته في أوروبا حيث يمكن أن يكسب الاحترام الذي فقده في العراق.

ولم يعد باستطاعة مسؤولي وزارة الصحة أن ينكروا الأذى الجسدي الذي يتعرض له الأطباء يوميا، لكنهم لم يقدموا سوى القليل من الحلول السطحية. وكان آخر تلك الحلول وأكثرها إثارة للسخرية مقترح بتزويد الأطباء وموظّفي القطاع الطبّي بالأسلحة على ألّا تُستخدم إلّا عندما يحتاج هؤلاء إلى حماية أنفسهم.

ويذكّر البعض بأنّ قانون العقوبات العراقي لعام 1969، يوفر الحماية للأطباء والأطقم العاملة إلى جانبهم، لكنهم يقولون إن هذا القانون مجرد حبر على ورق، وإنّ قلة قليلة من المستشفيات تطبّقه فيما البقية تتجاهله خوفا من إثارة غضب القبائل.

وقال مهند الطبيب المقيم “أن تكون طبيبا في العراق اليوم معناه أنّك ستتقاضى 4.5 دولار في الساعة، ولا تتوفَّر لك أي حماية أثناء العمل، وأن تواجه احتمال التعرّض للقتل على يد أحد أقارب المريض بعد ساعة من وفاته”.

ولم يقم أي مسؤول في الدولة العراقية بممارسة ضغوط نشيطة على البرلمان بهدف تقديم قانون لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن العنف ليس بالأمر الجديد، إلا أن اللجوء إليه يؤثر بشكل سلبي على القطاع الطبي.

وقد أثارت حملة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرأي العام ولكن ليس بما يكفي لثني الكفاءات الطبية العراقية عن الفرار إلى الخارج. فاللجوء المستمر إلى العنف، بما في ذلك العنف المسلّح، وإلى الإساءات اللفظية، يرسّخ عدم ثقة المريض والطبيب على حدّ سواء، ويدفع نحو تقويض نظام الرعاية الصحية في العراق وسلامة موظفيه.

11 إيران تصعّد ضغوطها لمضاعفة التبادل التجاري مع العراق
سلام سرحان
العرب بريطانيا

كثّفت الحكومة الإيرانية جهودها وضغوطها لمضاعفة التبادل التجاري مع العراق بعد أن أصبح النافذة شبه الوحيدة لتخفيف قسوة العقوبات الأميركية، لكن محاولاتها لا تبدو سهلة رغم نفوذ أنصارها في الحكومة العراقية.

بغداد – كشفت مصادر إيرانية مسؤولة عن أن طهران تسعى لمضاعفة صادراتها إلى العراق لتصل إلى 20 مليار دولار سنويا، في محاولة لتخفيف قسوة العقوبات الأميركية.

وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة له على موقع تويتر يوم الأحد، أن العراق أصبح الآن “الشريك التجاري الأكبر لبلاده” بعد ابتعاد معظم دول العالم عن التعامل معها.

ويؤكد محللون صعوبة تحديد حجم التبادل التجاري بين البلدين بدقة بسبب انفلات الحدود الطويلة بين البلدين وشيوع عمليات التهريب وضعف إجراءات التسجيل في المنافذ
الحدودية.

وتقول بعض التقديرات الرسمية إن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يصل حاليا إلى نحو 12 مليار دولار سنويا، وهو يجري باتجاه واحد حيث لا يصدّر العراق شيئا يذكر إلى إيران.

وتقرّ إيران الآن أنها تسعى إلى زيادة التبادل التجاري ليصل إلى 20 مليار دولار رغم القيود التي تفرضها العقوبات الأميركية على الكثير من الصادرات الإيرانية والقيود التي تتضمنها على التعاملات المالية.

12 مليار دولار سنويا قيمة صادرات إيران للعراق حاليا وتسعى طهران لرفعها إلى 20 مليارا

وتؤكد تقارير في الصحف العراقية أن إيران تجني مكاسب أخرى يصعب رصدها من تهريب المخدرات وترويج العملات المزيفة في الأسواق العراقية، والتي لا يمر يوم دون الكشف عن بعض عملياتها.

وتفاخر إيران في وسائل الإعلام الحكومية بأنباء تعزيز التجارة مع العراق في مسعى لتخفيف مخاوف الإيرانيين من وطأة العقوبات الأميركية. وقد أعلنت أمس عن وصول صادراتها إلى العراق عبر معبر مهران إلى مستويات قياسية.

ونسبت صحيفة طهران تايمز إلى مدير مكتب عيلام للجمارك روح الله غلامي، تأكيده أن ما يزيد عن “630 ألف طن من البضائع جرى تصديرها إلى العراق خلال 4 أشهر فقط، بقيمة بلغت 404 ملايين دولار”.

وأكد التنسيق مع الجانب العراقي لتذليل العقبات أمام عبور الشاحنات والبضائع الإيرانية التي قال إن من أبرزها “المزروعات ومواد البناء وقطع غيار السيارات والبلاستيك والمطاط والزجاج”.

وتزامن ذلك مع إعلان نائب محافظ حلبجة في إقليم كردستان العراق كاوه علي كريم أن إيران وافقت رسميا على جعل اعتبار 5 معابر حدودية منافذ دولية تجارية وسياحية.

وقال إن المنافذ هي كيلي وشوشمي وطويلة والشيخ صالح وبشته، وأن من المقرر أن يقوم الجانبان العراقي والإيراني قريبا بعقد اجتماع مشترك لترتيب الإجراءات الإدارية.

واضطرت الولايات المتحدة لتمديد إعفاء العراق من العقوبات لمواصلة شراء إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية في ظل انقسام البرلمان والأطراف السياسية العراقية بين طرف مؤيد لطهران وطرف مناوئ لنفوذها الكبير في الساحة العراقية.

ويقول مراقبون إن البضائع الإيرانية بدأت تجد صعوبات في الأسواق العراقية في ظل وجود بدائل أكثر جودة من دول أخرى ونفور العراقيين من البضائع الإيرانية.

كما بدأت تظهر مؤشرات على ازدهار الإنتاج الزراعي، الذي أدى إلى حظر استيراد الكثير من السلع التي كانت تأتي من إيران.

كما تجد الكثير من العمليات التجارية صعوبة في تمرير الإجراءات المالية بسبب التزام المصارف بعدم تسديد المشتريات بالدولار، بعد فرض واشنطن عقوبات على بعض المصارف بسبب تعاملها مع إيران.

كما تمكنت بغداد من زيادة توليد الكهرباء وتقليل حرق الغاز المصاحب، الأمر الذي يرجّح قرب انتفاء حاجتها إلى الإمدادات الإيرانية خاصة بعد تراجع الطلب بعد انقضاء أشهر الصيف.