1 كلمة حق أريدَ بها باطل»
صالح الشايجي الأنباء
«الكويتيون الأوائل جاؤوا من السعودية والعراق وإيران».
هذه حقيقة لا منكر لها ولا داحض ولا مكذب، ولكن البعض يستغلها هذه الأيام للتشويش ولخلط الأوراق، هذا البعض يستخدم هذه الحقيقة بما يمكن وصفه «كلمة حق أريد بها باطل».
نعم أصول أهالينا هي من تلك البلدان بل وأزيد ومن غيرها أيضا، والكويتيون الأوائل جاؤوا من فج قريب ومن فج بعيد أيضا ولا يقتصر الأمر على هذه الدول الثلاث بل يتسع ليشمل بلاد الشام ومصر والهند والسند وأفريقيا واليمن ودول الخليج ودولا أخرى أيضا وأيضا.
ولكن لماذا جئت على ذكر هذا الأمر ولماذا طرقت باب هذه الحقيقة الآن؟
جئت على ذكر هذا الأمر للرد على الهارفين بما لا يعرفون أو ربما يعرفون ولكن يتعامون ويتجاهلون الحق متبعين الباطل الأجوف. وأقصد بهم أولئك الجماعة التي تريد فتح باب التجنيس على مصاريعه دون تحري الدقة والحقيقة في أحقية المطالبين بالجنسية الكويتية للحصول عليها.
هؤلاء لا يفتأوون يرددون مقولة «إن أصول الكويتيين تعود إلى السعودية والعراق وإيران» ويستشهدون بهذه الحقيقة في سبيل تأكيد أحقية من ينتمي لتلك البلدان بالجنسية الكويتية!
وهذا هو الباطل الذي سخروا له كلمة الحق، فكون الكويتيين الأوائل ينتمون لتلك البلدان فإن هذا لا يعني أن كل منتم لتلك البلدان هو كويتي بالضرورة.
فات أولئك الزاعقين بالباطل، أن ما كان يجري قبل ثلاثمائة عام أو أكثر لا ينطبق على واقعنا الراهن، ففي ذلك الزمن البعيد لم تكن هناك دولة محكومة بقوانين، بل كان مجتمعا صغيرا بدائيا بسيطا لا دولة ولا حكومة.
أما الآن فالوضع مختلف تماما، فلقد بات هناك دولة لها دستور ولها قوانين، وهناك قانون للجنسية ذو مواد عدة يحدد من هو الكويتي، وأن تحديد الهوية لا يخضع للفوضى والعنتريات والقفز فوق الحقائق وتجاوز القوانين المنظمة.
ومثل هذا الأمر ليس خاصا بالكويت بل إن الدول جميعها لها قوانينها التي تحدد هوية مواطنيها ومن هو المستحق للمواطنة ومن هو الذي ينطبق عليه القانون.
فلماذا تريدون للفوضى أن تسود في الكويت استثناء من دول العالم كلها؟
لماذا؟
2 حدود تحرك أذرع ايران
طوني فرنسيس
الحياة السعودية
لم تنفجر الحرب بين إيران وأميركا على رغم التوتر الشديد بينهما. ولم يتسبب إسقاط الـ “درون” الأميركية في رد عسكري منع ترامب حصوله قبل عشر دقائق من تنفيذه. ولم يقع الصدام بين بريطانيا وإيران بعد احتجاز ناقلة النفط البريطانية، بل بدأت سلسلة طويلة من الاتصالات، وصدرت مجموعة من المواقف التي تبدي الحرص على أمن الملاحة في مضيق هرمز من دون الوصول الى وضع الاشتباك المباشر على الطاولة. وفي الأثناء، واصل الفرنسيون محاولات تهدئة، وضع الرئيس الاميركي حداً لها بقوله إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرسل “إشارات متضاربة” إلى النظام الإيراني في ما يخص الموقف الاميركي . ثم يشرح ترامب موقفه بالقول إن “إيران في مشكلة مالية خطيرة. إنهم يرغبون بشدة في التحدث الى الولايات المتحدة، لكنهم يتلقون إشارات متضاربة من جميع أولئك الذين يزعمون أنهم يمثلوننا، بمن فيهم ماكرون”.
لا يريد ترامب أن يمثله أحد في صراعه مع إيران بما في ذلك “إيمانويل (الرئيس ماكرون) الذي يقصد الخير”. فهو الذي يدير حربه الاقتصادية والمالية منتظراً قدوم قادة طهران لملاقاته. وحربه هذه تعطي نتائج أكبر بكثير من إطلاق الصواريخ، وهو ما يزعج القيادة الايرانية المجبرة على مواجهة حصار لا تستطيع إزاءه حراكاً. يضع ترامب إيران في مواجهة تدابيره الخاصة، وهو الأقدر في المجالين المالي والاقتصادي، فبلاده لا تزال القوة العظمى، ودولارها العملة الكونية الرئيسة. وفي حرب كهذه، لا حاجة لحلفاء يخوضون معركة صاروخية او لأصدقاء يتبرعون بوساطات غير متفق على نتائجها، انه المتمول الكبير الذي يستعمل رأسماله الصلب في تدمير شركة منافسة للاستحواذ عليها!
في المقابل، تعول ايران على صدام يجعلها قادرة على إطلاق بضعة صواريخ تخويفية نحو جيرانها. والأهم من ذلك تحريك أذرعتها المنتظمة في ميليشيات من المتوسط الى أفغانستان، ودفعها الى خوض معارك بالوكالة. هذا ما تقوم به جهاراً في اليمن من دون أن تغير في الواقع شيئاً، وهو ما تفعله في العراق حيث تحركت ميليشياتها لمهاجمة مراكز أميركية وأطلقوا مقذوفات باتجاه خطوط النفط السعودية، وهو كذلك ما يعلنه أنصارها في لبنان عن استعدادهم لخوض حرب لم تقع.
لم يبخل المسؤولون الايرانيون في توضيح نظرتهم الى أذرعهم ودورها. ففي كل يوم تقريباً، تصريح عن امتداد النفوذ الايراني من الخليج الى المتوسط الى عدن. وفي كل يوم مهلة جديدة للزمن الذي سيستغرقه تدمير إسرائيل، وهو يتراوح وفق التوقيت الايراني بين سبع دقائق ونصف ساعة. لم تقل إيران إنها ستهاجم اسرائيل مباشرة، فهذه مهمة تقع على عاتق الأذرع التي استغرق تمويلها وإعدادها جهداً، سيتضح مردوده في زمن الشدة وقت حصول الهجوم على الجمهورية الخمينية، وهو هجوم ربما لن يقوم به المعنيون، فما مهمة الأذرع إذن؟ هل يكلفون استدراج الأميركي إلى معركة؟ وكيف؟ وأين سيحصل ذلك؟
حتى الآن لا شيء غير الحصار الأميركي تدفع ثمنه إيران والمعتمدين على سخائها. وبقدر ما يخسر الإيرانيون، يتضرر الموظفون لديهم، وربما يضطرون إلى سلوك سبل أخرى قد يكون إيمانويل ساعتها جاهزاً للمساعدة على ولوجها.
3 هل باتت المنطقة أمام مقاربات جديدة من واشنطن وموسكو؟
إياد أبو شقرا
الشرق الاوسط السعودية
التطورات الأخيرة المتلاحقة في العراق وسوريا ولبنان توحي بدخول الحسابات الإقليمية والقراءات الدولية لها مرحلة جديدة. ورغم اختلاف التفاصيل، فإن ثمة قواسم مشتركة لافتة بين الدول الثلاث تستحق التوقّف عندها، في مقدّمها:
1 – عجز القوى الحاكمة عن التحكّم كلياً في مسار الأحداث داخل دولها.
2 – تعذُّر بناء جبهة داخلية واحدة متماسكة قادرة على التوافق على «هوية سياسية» للحكم، أو بلوَرة بدائل له تحظى بتوافق عريض يتجاوز الاعتراضات الإقليمية وتتوافق عليها القوى الدولية الكبرى.
3 – غموض التوجّهات – المعلنة على الأقل – عند القوى الإقليمية غير العربية التي ترى نفسها معنيّة بما يحصل داخل «جاراتها» العربيات، أو تعتبر أن لها «حقاً طبيعياً» للتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول «الجارة».
4 – ظهور بوادر نشاط أكبر على مستوى مُقاربات القوى الكبرى، سواء بصورة مباشرة أو بالواسطة، للتأثير فيما هو حاصل داخل هذه الدول.
في العراق، قُصفت خلال الأسابيع القليلة الفائتة، وسط صمت رسمي، مقرّات لفصائل تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في محافظتي صلاح الدين وديالى. وأفادت تقارير صحافية موثوقة بأن القصف نفّذته إسرائيل، وأن عناصر في «الحرس الثوري» قُتلت في أحد المقرّات. وجاء هذا القصف بعد فترة قصيرة من إدراج وزارة الخزانة الأميركية أربع شخصيات عراقية على لائحة العقوبات محسوبة على طهران. ومعلوم أن الخلافات داخل المكوّنات السياسية لحكومة بغداد حالت دون إكمالها، بسبب تعذّر التوافق على مَلء حقيبة وزارة التربية، بعد خلافات طويلة أخّرت اختيار وزيري الداخلية والدفاع.
وفي لبنان، ما كان الوضع أفضل. فعلى امتداد شهر شلّت حادثة قبرشمون وتداعياتها واصطفافاتها السياسية، عمل الحكومة وعطلت اجتماعاتها وهدّدت بكارثة أمنية في منطقة جنوب جبل لبنان التي تعد إحدى أكثر مناطق لبنان حساسية طائفية. وفي مزيج من استنهاض الخطاب الاستفزازي الإلغائي، والحزازات الثأرية، والضغوط العلنية والمستترة لاستغلال الحادثة في تصفية حسابات محلية وإقليمية تمهد لوضع اليد على لبنان… بدأ البلد انزلاقه نحو المجهول. لقد كان الأمل الوحيد بالإنقاذ قد تبخّر عندما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي تجميده مبادرته التصالحية رداً على تخلّي رئيس الجمهورية ميشال عون عن موقعه كـ«حَكَم» كي يجدد نزاعه القديم مع الزعيم الاشتراكي الدرزي وليد جنبلاط. وما يُذكر أنه بالتوازي مع موقف عون، صعّد وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون ورئيس «تياره») مواقفه رغم تلقيه «نصائح» أميركية بالتزام التهدئة.
هذا «السيناريو» الخطير كان يتكشّف بالتوازي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية. وفجأة، جاء «الترياق» من السفارة الأميركية عبر بيان مفاجئ أعرب بكلام تحذيري عن دعم واشنطن «المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخّل سياسي». وشدّد على أن «أي محاولة لاستغلال الحادث المأسوي الذي وقع في قبرشمون في 30 يونيو (حزيران) الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتم رفضها». وأضاف: «لقد عبَّرت الولايات المتحدة، بعبارات واضحة، للسلطات اللبنانية، عن توقّعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية».
كان لهذا البيان فعل السحر. فعقد اجتماع في القصر الرئاسي حضره رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، ومعهم الزعيم وليد جنبلاط، والنائب طلال أرسلان (المحسوب، مثل باسيل، على «حزب الله»)، وانتهى بالتفاهم على إنهاء تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، والامتناع عن التطرق للحادثة، في اجتماع المجلس الذي تقرر في اليوم التالي.
هذا التدخل الأميركي المباشر كان الأول في لبنان منذ 2005. وهو يعبّر عن قراءة واشنطن الجدّية لسير «حزب الله» – ومن خلفه إيران – في مخطط وضع اليد على البلد، وإحداث تغيير سياسي جذري ونهائي فيه.
أخيراً، ماذا عن سوريا؟
في سوريا، كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن صراع يخفت حيناً ويتأجج حيناً آخر بين موسكو وطهران. وكانت تقارير عدة قد تحدثت قبل سنوات عن أن «التحالف» الروسي – الإيراني تكتيكي، وليس استراتيجياً، وأن ثمة اختلافاً في الرؤية بين الجانبين إزاء عدة أمور تفصيلية وجغرافية، ثم ظهر التباين بين أولويات «الحليفين» على الأرض في عدة أماكن، إذ بينما تتعامل موسكو مع سوريا من منطلقات سياسية – عسكرية مرتبطة بتوازن القوى الاستراتيجي مع واشنطن في شرق المتوسط… فإن جزءاً بارزاً من اهتمامات طهران كان إحداث تغيير ديموغرافي، خصوصاً، في «ممرّ» طهران – بغداد – دمشق – بيروت. وحقاً، تُرجم هذا عبر تهجير سكان منطقة وادي بردى، وهو اليوم يحكم تصرّف الإيرانيين في منطقة البوكمال – الميادين الحدودية مع العراق.
قد يقول قائل إن سوريا تعيش راهناً ظروف «سايكس – بيكو» جديدة تتقاطع فيها المصالح الإقليمية (إيرانياً وتركياً وإسرائيلياً) مع المصالح الدولية الكبرى بين واشنطن وموسكو. وقد يقول آخر إنه ما عاد بمقدور اللاعبين السوريين المحليين، من مختلف الفئات والطوائف، سوى توصيل رسائل عن هواجسهم «لمَن يهمّه الأمر».
في الحالتين، لا يخلو هذا الكلام من الصحّة. ففي صميم اعتبارات تركيا منع وصل «جيب» عفرين (غرباً) بالكتلة الكردية الحدودية الكبيرة شرق «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا. وفي شمال غربي البلاد والمنطقة الساحلية، بما فيها جبال العلويين ووادي النصارى، يهم روسيا حماية العلويين والمسيحيين من طموحات «التشييع» الإيرانية. وبما يخص واشنطن، فإنها – كما هو معروف – حريصة على الاحتفاظ بمنطقة نفوذ لها في شمال شرقي البلاد حيث النفط والكتلة الكردية الأكبر. ونصل إلى الجنوب السوري، حيث تبقى إسرائيل اللاعب الصامت القادر على تنسيق حساباته الإيرانية مع كل من موسكو وواشنطن. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كانت واشنطن، فعلاً، قد أعطت «ضوءاً أخضر» لإسرائيل كي تضرب «الحرس الثوري» داخل العراق، فسيكون مستبعداً ألا تتفهّم «قراءتها» لمستقبل المناطق السورية التي تحدها شمالاً.
باختصار، نحن الآن في مرحلة أكثر نشاطاً لكل من واشنطن وموسكو… والسؤال هو عن تأثيرها المحتمل على الطموح الإيراني الذي يغطي الدول العربية الثلاث!
4 الجزائر بين المطرقة والسندان
روبرت فورد الشرق الاوسط السعودية
تقترب الجزائر من مفترق طرق، لكن من غير الواضح حتى هذه اللحظة أي الطرق ستختار من مساري: التطور أو الثورة العنيفة.
حالياً، تعمل لجنة معنية بالحوار الوطني على صياغة خطة لعقد انتخابات تحظى بقبول الشعب الجزائري. وتجد هذه اللجنة نفسها محاصرة بين مطرقة الجيش وسندان حركة المظاهرات الشعبية (التي يطلق عليها الجزائريون اسم الحراك). من ناحية، حذر رئيس هيئة الأركان قايد صالح من جديد الأسبوع الماضي من أن المؤسسة العسكرية لن تقبل بشروط من جانب لجنة الحوار الجديدة أو الحراك قبل انطلاق الحوار. وأكد أنه لن يطلق سراح المتظاهرين الذين ألقي القبض عليهم، وسيستمر في حظر لافتات تمثل الأمازيغ، وسيستمر في نشر قوات الأمن على أطراف المظاهرات. وشدد قايد صالح على أن الانتخابات الرئاسية ستجري في أسرع وقت ممكن تحت سلطة الحكومة القائمة.
ورداً على خطاب قايد الأخير، شهدنا مسيرات حاشدة بالشوارع في 9 أغسطس (آب) الذي يتزامن مع الأسبوع الـ25 من المظاهرات التي اشتعلت عبر الجزائر. وحملت واحدة من اللافتات التي جرى رفعها خلال المظاهرات عبارة «قايد صالح هو بوتفليقة الثاني»، بينما حمل بعض المتظاهرين لافتات أمازيغية. وانطلقت من جديد مظاهرات بشتى أرجاء البلاد تطالب بقطيعة كاملة مع الحكومة الحالية، وترفض عقد انتخابات حتى يجري التخلص تماماً من الحكومة الحالية، وإحلال أخرى جديدة بدلاً منها. ويرفض كثير من المشاركين في حركة المظاهرات وبعض أحزاب المعارضة الالتقاء بأعضاء لجنة الحوار، لتخوفهم من أن يكون هدفها بث الروح في النظام القديم.
ومن المهم هنا أن نلحظ أن كلاً من الجيش والحراك لديهما نقاط ضعف. ففيما يخص الحراك، تفتقد الحركة قائداً واضحاً، في الوقت الذي تضاءل فيه حجم المظاهرات الأسبوعية التي تجوب الشوارع كل جمعة وثلاثاء. وهناك شعور بالإحباط من أنه رغم مرور ستة شهور، لم يتمكن الحراك من إسقاط النظام القديم بشكل كامل. من ناحيتهم، بدأ بعض المتظاهرين يدعون إلى العصيان المدني. ومن شأن اتباع هذه الاستراتيجية تكثيف حدة المواجهة بين الجيش والحراك. في الوقت نفسه، لا تزال ذكريات عقد التسعينات الأسود حية في أذهان كثير من الجزائريين، لكن لم يتم التوصل داخل الحراك حتى الآن إلى الشروع في عصيان مدني.
أيضاً، لدى الجيش مشكلات خاصة به، أبرزها أنه معزول، وقايد صالح والرئيس عبد القادر بن صالح لا يتفقان دائماً. مثلاً، أشار بن صالح الأسبوع الماضي إلى أنه ربما يتم النظر في بعض مطالب المتظاهرين، مثل إطلاق سراح سجناء الرأي بهدف بناء الثقة. ورحب، من ناحيته، رئيس لجنة الحوار كريم يونس بهذا التصريح من جانب بن صالح، وأكد على أن لجنة الحوار ربما تنجح فقط إذا قدمت الحكومة بعض التنازلات للحراك.
ومع هذا، ما يزال قايد صالح رافضاً لفكرة تقديم تنازلات. أما الحزبان السياسيان الوحيدان المتفقان مع قائد الجيش فينتميان إلى النظام القديم، ويفتقدان المصداقية، وليست لديهما قاعدة شعبية. وقالت لجنة الحوار التي عينتها حكومة الجيش إنها لن تلتقي بالحزبين لأنه ليس بإمكانهما المساعدة في تسوية المواجهة السياسية القائمة. في الوقت نفسه، أطلقت محكمة في مدينة عنابة سراح متظاهر ألقي القبض عليه لرفع لافتة أمازيغية. وينتقد كثيرون داخل النظام القضائي الحكومة، لذلك يحاول بن صالح إجراء تغييرات في وزارة العدل والقضاة. وكتب الصحافي الجزائري القاضي إحسان الأسبوع الماضي أن قائد صالح يظن أن باستطاعته إنقاذ النظام الحالي من خلال تخويف الشعب من دون تقديم أي تنازلات. ووصف الصحافي الجزائري هذا الموقف بـ«الانتحار السياسي».
من ناحية أخرى، يأمل أصدقاء الجزائر المتميزة بتاريخ ثقافي ثري ومتنوع بأن تنجح البلاد في تجنب هذا الانتحار السياسي. وهناك تقدير بمختلف أرجاء العالم تجاه مسألة أن جميع الأطراف المعنية مارست ضبط النفس في المواجهة القائمة بينها حتى الآن. والسؤال: هل باستطاعة الجزائر تجنب مصير دول أخرى مثل ليبيا وسوريا؟ ربما يمكن أن تلعب لجنة الحوار دوراً مفيداً على هذا الجانب، لكل هل سيقبل قايد صالح بتقديم تنازلات للحراك، بحيث تكتسب اللجنة بعض المصداقية أمامه؟
إن ما عايشته في العراق خلال عامي 2005 و2006، في أثناء تعاوني مع الأمم المتحدة، يؤكد أن بناء آلية انتخابية مستقلة ومحايدة وقوية ومستقلة من الصفر يتطلب كثيراً من جهود التفاوض والوقت. وإذا نجحت لجنة الحوار وخبراء جزائريون في صياغة خطة سياسية، كيف يمكنهم إقناع حركة مظاهرات الشوارع التي تمضي من دون قائد، ولا ترغب في أن يكون لها قائد؟ هل ستستمر حركة المظاهرات في تجنب الدخول في مواجهة قد تنزلق إلى العنف؟
الحقيقة أنني خلال هذا الصيف الساخن، عندما أمعن النظر في أحوال الجزائر، تتبادر إلى ذهني المقولة العربية الشهيرة: «في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة».
5 قنبيط أم بنفسج؟
سمير عطا الله
الشرق الاوسط السعودية
هم أساتذتنا وعلماؤنا ولا شك أنهم على حق. ولست أجادل فيما قرروا، وإنما هو مجرد رأي وجداني. أشرت من قبل إلى أن مصر بدّلت وزارة المعارف بوزارة الثقافة. والمعرفة أهم لأنها لا نهاية ولا حدود لجذورها وجذوعها. المصطلح الآخر كان إبدال وزارة الحقانية بوزارة العدل، وهو المصطلح الأكثر شيوعاً واعتماداً في العالم. لكنّ المعنى واحد، والإطار واحد، والقانون واحد أيضاً. كل ما في الأمر أن الحقانية فيها تشديد أكثر وثقة أكبر وتشبه مصر أكثر.
في لبنان، كان عندنا «وزارة التربية والفنون الجميلة». ألغينا «الفنون الجميلة» وألحقناها بعنوان عمومي بارد هو وزارة الثقافة. «الفنون الجميلة» كانت علامة خاصة من علامات لبنان. التميّز في الرسم والنحت والموسيقى والمسرح، وكلياتها وأساتذتها ومبدعيها.
الفنون كثيرة في الحياة. الطبخ فن. شق الطرقات فن. تطوير الزراعة فن. هل سمعت عن لوحة تمثل شجرة حور أو سنديان أو صنوبر، تباع بثلاثين مليون دولار؟ هل رأيت لوحة تمثل قنبيطاً وملفوفاً وجرجيراً؟ الجمال ليس أهم ما في الحياة، لكنه أجملها. وتدور مليارات الدولارات كل عام حول لوحات الطبيعة، ويتقاضى الرسامون الملايين عن رسم زهرة، أو وردة، فيما تظل مواسم الحصاد على ثمنها البدائي. هل قرأت قصيدة عن قنبيط. أو سمعت شاعراً يهتف يا ملفوفتي؟ إلى الآن لا يزال صوت أسمهان يغني: دخلت مرة الجنينة – أشم ريحة الزهور – واسلّي نفسي الحزينة – واسمع نشيد الطيور.
تخيلها دخلت الحديقة لكي تقلع توليفة تبولة: بقدونس وبصل وبندورة. طبعاً نستطيع أن نعيش من دون بنفسج، لكننا لا نستطيع أن نحيا من دون زراعة. البدهيات ليست موضع نقاش. النقاش حول دقة التعابير: المعارف أم الثقافة، الحق أم العدل، الفنون أم الفنون الجميلة، التي جاءتنا في الأساس من عند الفرنسيين الذين كان أحد خريجي كلياتهم جبران خليل جبران. هل تدري ما قيمة لوحة من جبران اليوم؟ لا ندري. قلائل يدرون. وحتى أعمال الفنانين العرب الحديثين أصبحت لها أثمان غير متخيلة. وكان يقال إن «العراق رَحِم الشِّعر». وأعتقد أنه رَحِم الرسم أيضاً. وبعكس الغناء الحزين والمواويل البكائية، تبدو ألوان الرسم العراقي فرحة مبهجة وعبقرية.
6 العراق: عطايا الوالي
خالد الناهي
راي اليوم بريطانيا
لا نريد صدقاتكم، بل حقنا فقط.. ولا نريد عطائكم، بل مستقبلنا فقط.. اصبحنا نكره تصوير كاميراتكم المرائية، نريد كرامتنا فقط.
على ما يبدو ان حكامنا، يريدون ان يتصدقون ويعطون من اموالنا لنا، ويصورنا بكاميراتنا التي هي أيضا من اموالنا، ليظهروا كرمهم للعالم من خلال اذلالنا!
فلا زال كثير منهم يعيش دور الوالي، فيعطي فلان ويمنع عن علان.. الفرق ان الوالي سابقا تراه حاشيته فقط عندما يعطي، اما الان فيراه كل العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي !
ما حدث في هذا العام، مع الطالب الذي حصل على المركز الاول وبعض من زملائه في العراق، لا يعدو كونه إذلالا للشباب العراقي، واهانة للدولة العراقية، بكل ما تعني الكلمة.
هل يستحق شاب قضى اثنى عشر عاما يدرس ويجتهد، ثم يأتي رئيس او محافظ ليتصدق عليه، و يعطيه مبلغ من المال ليشعره بالذل مدى الحياة؟!
هل يدري أنه جعله وسيلة للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي، من شباب مثله لكن الفرق انهم فاشلين؟
هذا يقول تبرع المحافظ بعلبة كلينكس
وذاك يقول تبرع امير الامارات بكذا!
وثالث يقول تبرع فلان بستوتة!
هل يصعب على الدولة ان ترعى ابنائها، او على اقل تقدير المتفوقين منهم؟!
هذا الشاب اوتلك الشابة وصلت اسمائهم عن طريق السوشل ميديا الى الوالي، فأحرج من العامة، فأخذ يغدق عليهم بعطاياه!
أصبحت المنافسة بين الولاة طلبا للشهرة (الطشة).. لكن من لم يسمع به الوالي، ولم تنشره وسائل التواصل الاجتماعي،ولم يلتقط معه صورا، هل سيبقى دون مكافأة؟
منذ سنوات والحكومة تتعامل بانتقائية مع كثير من القضايا، وخصوصا التي تعرض على السوشل ميديا!
يذهب الوزير ويعطي ثم المحافظ، حتى اصبح بعض معدي ومخرجي البرامج والتقارير، يساومون الفقراء قبل عرض قضيتهم للراي العام، فيقاسموهم ما سيحصلون عليه!
كم هو عدد الطلاب الاوائل في العراق، بجميع اقسام الدراسة للصف السادس الاعدادي؟مئة.. مئتان؟ الف مثلا!
ماذا ستخسر لو اعطت الدولة لكل شاب فيهم وبقانون ثابت مبلغ (50)مليون منحة؟
وينظم هذا بقانون ويصرف من المنافع الاجتماعية لرئيس الجمهورية، مع مرسوم جمهوري تعبر فيه عن شكرها وفخرها به ؟
بالتالي لن تمس كرامة احد، ولا منة من أحد، بل فخر وعزة للطالب والدولة، وحافزا لتفوق عدد اكبر.. هل هذا صعب؟ بالتأكيد لا.. على دولة ميزانيتها فاقت (100) مليار دولار!
ماذا ستخسر الدولة ان ارسلت هذه العقول المتفتحة للدراسة في الخارج وعلى نفقتها.. على ان تختار لهم افضل الجامعات العالمية، ليعودوا بعد عدة سنوات علماء، فينفعوا البلد؟!.. وينتفعوا منهم، خلال مدة قصيرة.
كم عالم وشاب نافع ستحصل الدولة عليه،بالاضافة الى ان ذلك يعزز روح المواطنة،وحب البلد لديهم.. هل هذا صعب؟ قطعا لا، بل متيسر جدا.
لكن .. اذا فعلت الدولة ذلك حجي فلان، ودولة علان، والقائد الفلاني، سوف لن يمارس دوره كوالي يعطي لفقراء شعبه، الذين يعملون كخدم او فلاحين في قصره!
فيفقد متعة العطاء، وتختفي الكاميرات التي يعشق الوقوف أمامهن وهن يظهرن كرمه ونبل اخلاقه، وهذا ما لا يرضاه قطعا.
لذلك سيبقى الشاب ينتظر عطاء الوالي المذل، ما دام من يمسك السلطة يعيش عقدة النقص!
الى متى؟ هل هناك سقف زمني لحل تلك المشكلة، وانقاذ كرامة المواطن العراقي؟
يبدوا ان الاجابة ستحتاج لإنتظار طويل.