1 جنازة السِّبسي.. وجنائز العراق
رشيد الخيون الاتحاد الاماراتية
كان مشهد تشييع جنازة الرَّئيس الباجي القايد السِّبسي(1926-2019) تثنية على انتخابه رئيساً. قاد سفينة بلاده إلى برّ الأمان وسط أمواج كادت تغرقها في بحر مِن الدِّم، مثلما حصل لبلدان لم تجد ربابنة نزهاء لقيادتها. حفظ لتونس تاريخها المدني، فلم يهمه أن تغضب عليه المؤسسة الدِّينية والإسلام السِّياسي، فهو على قناعة أن الدِّين دين والسِّياسة سياسة.
لم يقبل بغزل الإسلاميين ونفاقهم في إصلاح المجتمع، وفي المقدمة تأتي قضية النِّساء. تقدم فيها وما تراجع عمَّا تقررَ في نهاية الخمسينيات، وعندما أعلن المساواة في الإرث انطلق مِن حرص على مجاراة الزَّمن.
ظل السّبسي مخلصاً للحبيب بورقيبة (1987)، فلما سُئل عنه قال: «أنا تلميذ مِن تلامذته». كان الأستاذ يؤمن بالواقع، فدعوته بأريحا الفلسطينية(1965)، بخصوص القبول بالتفاوض وفق قرار التقسيم(1947) صارت اليوم أُمنيةً، بينما حينها صار هدفاً للتظاهرات العاطفية. كان بورقيبة يفيض شجاعة وإنسانية عندما منح اسمه لمَن يسمون ظلماً باللقطاء، فعُرفوا بـ«أطفال بورقيبة»، تعلموا وخدموا بلادهم في الوظائف المدنية والعسكرية.
جاء السّبسي إلى رئاسة الجمهورية بعد التَّدرج في مدرسة الحكم، إلى جانب بورقيبة، وتأثراً بما حمله ماضي تونس مِن آفاق التّنوير، على يد مصلحيها: خير الدين التونسي(ت1890)، والطَّاهر الحداد(ت1935) وعبد العزيز الثَّعالبي(ت1944) وغيرهم. نُصب السبسي: وزيراً للداخلية والدفاع والخارجية ورئيس مجلس نواب ورئيس وزراء. تلك تجربته العملية قبل رئاسة الجمهورية، وقد صدمت وفاته التُّونسيين، لأنه مازال الأصلح لإدارة البلاد.
كنتُ سادراً وأنا أتابع تشييع جنازة الرئيس التونسي، في مهرجان الفقدان الشعبي لهذا الحكيم. مرت في خاطري جنائز وقبور ملوك ورؤساء العرّاق، بين مسحوب في الطُّرقات، ومدفون في الماء ومعدوم يسمع هتافات ضده، وبدل التَّشييع اللائق يظلون يُشتمون حتى انقلاب قادم! نعم لاقت جنازة فيصل الأول(1933)، التَّشييع والدفن في مقبرة ملكية، ومازال التكهن بموته جارياً، بفعل فاعل أم حتف أنفه! كذلك وجدت جنازة ولده غازي(ت1939) مَن يشيعها، وسبب وفاته ظل يثير الجدل، عمود الكهرباء أم العبث بفرامل سيارته؟! أما فيصل الحفيد فقد نام تلك الليلة بأحلام السفر إلى تركيا واللقاء بخطيبته، لكنه استيقظ على أزيز الرَّصاص، الذي مزق صدره وصدور أسرته، واُعتبر عدم العبث بجثمانه مكرمة مِن الضباط الثُّوار!
وهل أي عراقي ممِن تسلم الحكم اليوم أكثر حرصاً على العراق مِن فيصل ومِن المس بيل(ت1927) نفسها، هذا إذا تكلمنا بلا ادعاءات؟!
بينما خير الدِّين التونسي، الوزير الأكبر، جاء به النخاسون من القوقاز، وصار مَملوكاً لباي تونس(حاكمها)، فذاب بتونس، وقدم فكره النَّير لها، وإن ذُكر فلا يُذكر غير أنه تونسي أصالة. أما فيصل ومَن خدم العراق مثل نوري السعيد(قُتل 1958) حُذفت أسماؤهم مِن سجلات نفوس العراق، ولما طلب أحفاد السعيد جوازات عراقية، قيل لهم: لا وجود لكم (لقاء تلفزيوني مع حفيدة السعيد)!
واجه عبد الكريم قاسم(قُتل1963) زخة رصاص أطلقها عليه متهور قومي إسلامي، فهو القاضي والمنفذ، وما زال قبره مجهولاً، في ماء دجلة أو في اليابسة. كان نعش عبد السَّلام عارف(قُتل1966)، الذي شُيع وبكاه المذيع، خالياً مِن جثمان، فلم يبق مِن الهيلكوبتر غير الحديد ورماد الأجساد. صار له ضريحاً تزوره الوفود خلال حكم أخيه عبدالرَّحمن عارف(ت2007)، ثم أُهمل.
مات عبد الرحمن بالأردن، وكان النزاع بين الحكومة القائمة وغير الراضين بها، بعدها سألت الشيخ حارث الضَّاري(ت2015)، الذي صلى على جثمانه: «رأيت وزير داخلية العراق يُصلي صلاة الجنازة خلفك، فهل صالحتكم جنازة الرئيس عارف»؟ قال: «كان بلا إعداد واتفاق ولم أره، إنما قيل لي».
حتى الآن هناك اضطراب حول مكان قبر صدام حسين(اعدم2006)، الذي أعدم بطريقة أثارت التعاطف معه، حتى من بعض أعدائه، ثم قام رئيس الوزراء باستعراض تافه بالانتصار، أن يؤتى بالجثمان إلى بابه بالمنطقة الخضراء، في مناسبة عرس ولده، لتأكيد أنه رئيس وزراء واقعاً لا حلماً، فالرجل لم يخطر على باله يوماً أن يكون بهذه النِّعمة! ومِن يومها عاطفة الحقد طغت على الأمل والبناء. فعندما دعاه دعاة حزبه بـ«مختار العصر»، علت الطَّائفية، وليس أخبث مِن الطائفيين.
كنا نعتقد عند وفاة الرئيس جلال طالباني(2017) أن يكون له تشييع عراقي، لكن الخلاف الطائفي(القومي)، ضيع الرئيس وجنازته، فلم يُلف بعلم العراق، مثلما لُف السَّبسي، وشيع بهذا البهاء الشّعبي التَّونسي، بينما رُمس طالباني وسط دهشتنا!
أغبط الشَّعب التّونسي على ما أوصلهم الباجي القايد السبسي بمؤسس نظامهم المدني الحبيب بورقية، وما شُيد مِن تنوير قبلهما، الذي قال الجواهري(ت1997) فيه: «وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ/مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا/وما سَمَلَتْ عيناً وما قَطَعَتْ يداً/ولا حجزتْ رأياً ولا أحْرَقَتْ كتباً»(الدِّيوان، قصيدة تونس 1943).
2 ذكرى الغزو وإجازة عاشوراء عبداللطيف بن نخي
الراي الكويتية
في يوم الجمعة الماضي وبمناسبة الذكرى الـ29 للغزو البعثي الغاشم، عرضت القناة الأولى التابعة لتلفزيون الكويت برنامجا بعنوان «كلنا الكويت»، استضيف فيه نخبة من الأكاديميين، وكان من بينهم أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتورة هيلة المكيمي والباحث الخبير في إدارة الأزمات والكوارث اللواء متقاعد يوسف الملا، اللذَان تميّزا في البرنامج بطرحهما الاستراتيجي وتحليلهما الموضوعي.
الدكتورة المكيمي أوضحت أن الوحدة الوطنية ركيزة رئيسة في تأسيس واستمرار الكويت، لأنها كانت حاضرة عند نشأتها، وبها اجتاز الكويتيون الأزمات المتعدّدة التي عصفت بهم. وترى الدكتورة أن ثقافتنا المدنية من أهم أسباب استمرارية الوحدة الوطنية لدينا، ولذلك تدعونا إلى ترسيخها من خلال تعزيز المواطنة الدستورية. تلك المواطنة النابعة من العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أطياف وفئات المجتمع.
هذا الطرح الاستراتيجي من الدكتورة ارتبط تلقائياً في ذهني بالتعقيبات والتعليقات الإيجابية والسلبية التي صدرت من سياسيين تجاه خبر اعتماد اللجنة التشريعية يوم عاشوراء عطلة رسمية للعاملين في القطاع الأهلي. فتصريحات بعضهم توحي بأنهم لم يدركوا أن قرار عطلة عاشوراء ذو بعدين: تنظيمي وآخر استراتيجي تنموي. فالبعد الأول مرتبط بتقنين «حماية الدولة حرية القيام بشعائر الأديان»، الواردة في المادة 35 من الدستور، وذلك لمنع تكرار حالات تعسّف تجاه بعض المعزين في عاشوراء، وأنا شخصياً كنت أحدهم في الثمانينات من القرن الماضي. وأما البعد الثاني للقرار، فهو بعد استراتيجي متعلق بترسيخ المواطنة الدستورية وتنمية ثقافة التعددية في «الدولة» من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية، البعد الذي أسهبت فيه الدكتورة المكيمي.
لذلك أزعجتني الآراء السطحية التي طرحها بعض السياسيين المعارضين لقرار عطلة عاشوراء. لأنها قد تساهم في تشكيل رأي عام معارض للقرار، يعرقل أو يعيق إقرار العطلة في المجلس. المحصلة أننا قد نضيّع فرصة حقيقية لتحصين مجتمعنا من حالات تعسّف إداري تجاه المعزّين في عاشوراء، تلك الحالات التي تتجدد مع تفاقم الاحتقان الطائفي الإقليمي.
مجمل الآراء المتحفظة والمعارضة للقرار مبنية على جزئيتين: الأولى نسيان أو عدم الاطلاع على حالات تعسّف إداري حدثت ضد بعض المعزّين، والثانية التوجّس من الاختلاف في ثبوت رؤية هلال شهر محرم الحرام. وهو توجس مستحق ولكن يمكن احتواؤه بأكثر من طريقة، من بينها جعل عطلة عاشوراء يومين كما هي في مملكة البحرين.
وقبل الختام لا بد من الإشارة إلى ما طرحه الخبير الملا بشأن التحام المواطنين وتكاتفهم أبّان الغزو. حيث إنه اعتبر وحدتنا في تلك الأزمة بأنها كانت خيارنا الوحيد، لأن الاحتمال المقابل لذلك الخيار، كان تفككنا وانهيار معنوياتنا ثم استسلامنا للغزاة، وهذا الاحتمال لم يرتق ليكون خياراً لنا.
لذلك أرى أن من يفتخر بوحدتنا الوطنية أيام أزمة الغزو، عليه أن يعتز أيضاً بإجماع أعضاء اللجنة التشريعية – باختلاف انتماءاتهم المذهبية – على إقرار عطلة عاشوراء. بل إن في هذا الاجماع درجة راقية، لكونها اختيارية، في حين أن وحدتنا أمام الغزاة كانت إلزامية… «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
3 الحرب العراقية – الإيرانية واحتلال الكويت
حامد الحمود النهار الكويتية
أحيت الكويت أخيراً الذكرى الأليمة للغزو العراقي، الذي ما زالت أسبابه تشكّل لغزاً للكويتيين وللمراقبين والمحللين السياسيين، خصوصاً أن أغلبية الكويتيين ولدوا بعد 2 أغسطس 1990. وبهذه المناسبة، بث تلفزيون الكويت فيلماً يظهر نضال الشهيدة أسرار القبندي التي اعتقلتها وقتلتها المخابرات العراقية بعد تعذيبها. وذكّرني هذا الفيلم بلقائي بالشهيدة أسرار في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 1990 في منزل الصديق خالد القاضي، الذي كان بعد شهر من عودتي إلى الكويت. وكان موضوع الاجتماع مع الشهيدة أسرار هو توفير بيوت لكي تستخدم لإخفاء مطاردين من المخابرات ولوضع أجهزة اتصال فيها. وترجع أسباب الغموض للغزو العراقي للكويت لكون الكويت، حكومة وشعباً، كانت داعمة للعراق في مجهوده الحربي، وهي التي فتحت موانئها لكي تمر من خلالها كل ما يحتاج إليه العراق. لذا، فإن الكثير لجأ الى التفسير التآمري مستندا إلى لقاء السفيرة الأميركية جيلاسبي بصدام حسين بأيام قليلة قبل الغزو، والذي ختمت فيه هذا اللقاء بالتمنيات بأن يتمكن العراق والكويت من حل مشاكلهما من دون تدخل الآخرين. وقد غاب عن «المؤمنين» بالنظرية التآمرية أن السفيرة لم تكن في موقع يؤهلها لتهديد صدام، كما أنها لم تستطع قراءة ما يدور في عقل صدام الذي بقي عصي الفهم حتى على القريب منه فكيف بالبعيد عنه. لكن أسباب الغزو العراقي للكويت تتضح عندما نربطها بما كان يدور في المنطقة من حروب وأحداث سياسية. ويزول الغموض عندما تعود بنا الذاكرة إلى تاريخين مهمين، هما: 22 سبتمبر 1980، و8 أغسطس 1988. ففي سبتمبر من عام 1980، دخلت القوات العراقية الأراضي الإيرانية محتلة أراضي إيرانية شاسعة، ليضع العراق حداً لتحرشات إيرانية حدودية، ولكي يبدد صدام خوفه من تمرد شعبي شيعي موال لإيران. وهناك دلائل كثيرة تثبت أن دخول العراق في هذه الحرب كان بدعم من دول الخليج والولايات المتحدة. هذا وكانت السنة الأولى مزينة بانتصارات سهلة للقوات العراقية، لكن الأمور انقلبت ابتداء من السنة الثانية للحرب. فبعد أن كان العراق مهاجما أصبح مدافعا. لكن وبشكل عام كانت هذه الحرب أشبه بحرب الخنادق في غرب أوروبا في الحرب العالمية الأولى. فكلتا القيادتين الإيرانية والعراقية أظهرتا تجمدا للعواطف من ناحية عدم اهتمام كاف بالخسائر البشرية. فبعد أن قبل الطرفان بوقف الحرب في 8 أغسطس 1988، كانت إيران قد فقدت 730 ألف قتيل و1.2 مليون جريح. أما العراق، فقد خسر 340 ألف قتيل و700 ألف جريح. لكن ما علاقة ذلك بغزو الكويت؟ عندما بدأ العراق الحرب كان لديه فائض من الأموال يعادل 60 مليار دولار، وكان لديه أقل من 200 ألف مقاتل و1600 دبابة و150 طائرة. وبعد أن انتهت الحرب ارتفع عدد جنوده إلى نحو المليون وزادت دباباته إلى 4000 دبابة، وارتفع عدد طائراته إلى 450 طائرة، لكن بدل الفائض أصبح مديوناً بنحو 60 مليار دولار. لذا يمكن اعتبار التخطيط لغزو الكويت بدأ في عقل صدام حسين في أغسطس 1988، أي مع نهاية الحرب العراقية – الإيرانية. فقد وجد نفسه أضعف أمام الكويت ودول الخليج والعالم بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية نتيجة لتدهور وضعه الاقتصادي. كما أن دول الخليج كانت أقل استجابة لمطالبه بعد توقف التهديد الإيراني. وكان يمكن أن تحل مشاكل العراق الاقتصادية بالتفاوض مع دول الخليج، لكن غطرسة صدام حسين أبت ذلك، فكان الغزو العراقي للكويت.
إن كانت نتائج الحرب العراقية – الإيرانية لعبت دوراً رئيسياً في تشكيل رؤية صدام، فما زالت تجربتها هي المحدد الأهم لاستراتيجية إيران السياسية والعسكرية؛ فمن ناحية كانت الحرب العراقية – الإيرانية وراء تمكّن الإمام الخميني من القضاء على خصومه من سياسيين ورجال دين. فتكريس الجهود الاقتصادية والبشرية للمجهود الحربي برر تسويق رؤية الإمام الخميني الثورية في إيران وخارجها؛ فنمو قدرات إيران العسكرية بسبب تجربة الحرب العراقية – الإيرانية كان وراء تمدد نفوذها الحالي في سوريا ولبنان واليمن. كما أن عزلة إيران أثناء هذه الحرب وراء تأسيس برنامج الصواريخ الإيرانية والتخطيط لصنع قنبلة نووية، هذا ما يردده محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني: «عندما كانت ألمانيا تزود العراق بالغازات السامة، وروسيا بالدبابات، وفرنسا بالطائرات، لم نجد أحداً يبيعنا لا طائرة ولا دبابة ولا بندقية». هذا مع أن كلام ظريف ليس دقيقاً، فأثناء الحرب العراقية – الإيرانية زوّدت الصين وكوريا الشمالية وسوريا وليبيا، إيران بالسلاح. ولو تمكّنا من زيارة خاطفة لعقول القيادات الإيرانية، فسنفاجأ بأن الحرب العراقية – الإيرانية لم تنته بعد. وسقوط صدام ليس كافياً بالنسبة إلى حسين دهقان (وزير الدفاع الإيراني)، فالعراق كله يجب أن يكون جزءاً من الإمبراطورية الفارسية التي عاد إليها عام 2003. ووفقاً لموقع al-ahwaz.org «على العرب أن يغادروه إلى صحرائهم القاحلة التي جاؤوا منها من الموصل وحتى حدود البصرة». وهدد «بأن قوات الحشد الشعبي ستسكت أي صوت يميل إلى جعل العراق يعود إلى محيطه العربي، فالعراق عاد إلى محيطه الطبيعي الفارسي». فحسين دهقان ما زال يعيش في جو الحرب الإيرانية – العراقية التي شارك فيها وفقد فيها كثيراً من أصدقائه. ويبدو أن أفقه ما زال مسجوناً بالرغبة في الانتقام. وقد بلغ سوء الطرفين، العراقي والإيراني، في هذه الحرب أن احتفظ كل طرف بأسرى الطرف الآخر لأكثر من عشر سنوات بعد نهاية الحرب، فاللبناني عمر شبلي، المولود في البقاع الغربي عام 1944 والذي كان مرافقاً إعلامياً للقوات العراقية وأسرته القوات الإيرانية عام 1982، لم يطلق سراحه إلا عام 2000، مع أنه لم يكن مقاتلاً، وخرج من السجن الإيراني مصادقاً سجانيه وبعد أن ترجم أربعة دواوين لحافظ الشيرازي وبعد خروجه نشر كتابه: حافظ الشيرازي بين الناسوت واللاهوت. أمّا في ما يتعلّق بمستقبل العلاقة الكويتية – العراقية، فهناك مؤشرات على بناء علاقات اقتصادية وتفاهمات سياسية واضحة وقوية، بعد أن أظهرت الكويت من خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي عقد في الكويت في فبراير من عام 2017 وبرعاية سمو الأمير، رغبة مخلصة في مساعدة العراق على بناء نفسه. كما أن الزيارة التي قام بها سمو الأمير لبغداد في يونيو الماضي وقبلها زيارة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم تعكسان رغبة صادقة ليس لنسيان الماضي فحسب، بل للاستفادة منه لبناء أسس من الصداقة لتكوين رؤية مشتركة لتحقيق الأمن والازدهار للبلدين والمنطقة ككل التي لم تتوقف فيها الحروب منذ 22 سبتمبر 1980، ذلك اليوم الذي بدأ فيه جحيم الحرب العراقية – الإيرانية.
4 في ذكرى غزو الكويت جبريل العبيدي
الشرق الاوسط السعودية
غزو الكويت، كان في 2 أغسطس (آب) 1990 حين غزا صدام حسين دولة الكويت، من خلال اقتحام عشرات الآلاف من الجنود العراقيين للكويت، رغم بعض التطمينات التي قدمها بعض القادة العرب، ومنهم حسني مبارك، أن صدام حسين لن يجتاح الكويت، الأمر الذي حدث رغم التطمينات، ما أدى إلى اندلاع حرب الخليج، التي تبعها تغيير شامل وكبير في الأوضاع السياسية في المنطقة، وأفسد العلاقات العربية – العربية.
صدام حسين الذي حاول ابتلاع دولة الكويت، بسبب وهم «العراق الكبير»، رغم أن العراق كبير ضمن حدوده دون الحاجة إلى الاستيلاء على أرض الكويت، في تصرف لا يمكن أن يوصف إلا بالأهوج، ناتج عن غرور بالقوة والاستعلاء واستضعاف جار بسبب وهم، كان له الفضل في بناء قوة العراق.
الكويت تمتعت بصفة قضاء بحكم ذاتي تابع للدولة العثمانية، وفق معاهدة 1913، ما يكذب ادعاءات عبد الكريم قاسم، ومن بعده صدام حسين، رغم أن العراق اعترف رسمياً باستقلال الكويت، واعترف بالحدود العراقية الكويتية في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 1963م، رغم أنه سبقه اعتراف رئيس وزراء العراق نوري السعيد بالحدود في عام 1932، ما يلزمه احترام الحدود.
صدام حسين لم يفتعل أزمة ترسيم حدود، بل أزمة وجود، حيث إنه ذهب كسلفه عبد الكريم قاسم، لإنكار وجود دولة الكويت، وجعلها ضمن حدود ما سماه «العراق الكبير»، ولعل ما دفعه إلى ذلك غرور السلطة والإشارة التي التقطها بفهمه الخاص من السفيرة الأميركية في العراق أبريل غلاسبي، والتي قالت له: «لا علاقة لأميركا بالخلاف الحدودي العراقي – الكويتي»، ثم تصريح البيت الأبيض بالقول «ليست هناك معاهدة بيننا وبين دول الخليج» الأمر الذي ظنه صدام حسين على أنه الضوء الأخضر لاجتياح الكويت، وهو أمرٌ فسره البعض على أنه فخ نصبته له القوى الدولية.
المعطيات على الأرض من تحشيد للقوات العراقية على الحدود العراقية الكويتية، وخطاب صدام حسين الذي قال فيه: «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. وإذا عجز الكلام أن يقدم لأهله ما يحميهم فلا بد من فعل مؤثر يعيد الأمور إلى مجاريها الطبيعية، ويعيد الحقوق المغتصبة إلى أهلها»، جميعها مؤشرات أن صدام حسين كان يدبر أمراً، وما كان ينقصه سوى التطمينات الأميركية بعدم التدخل، الأمر الذي فهمه، وفق تفسيره، من تصريحات أبريل غلاسبي، وتصريحات البيت الأبيض في حينها.
رغم أن السفيرة الأميركية السابقة في العراق التي خرجت من بغداد، وبعد اختفاء لسنوات طوال بعد حرب الخليج، ظهرت مجدداً لتقول: «إن الكل أخطأ التقدير»، ما يطرح العديد من الأسئلة، التي من بينها: هل فعلاً كانت غلاسبي جزءاً من خطة جر صدام حسين لاحتلال الكويت، وكون الأخير كان أهوج وأحمق، فقد راهنت «الخطة» على ردة فعله المتوقعة؟ أم أن حماقة صدام حسين، التي لا حدود لها، هي المتسبب الرئيسي في خطيئة غزو الكويت ومحاولة ابتلاعه في وهم صدام حسين بالعراق الكبير؟
وأياً كانت الأسباب والمبررات التي يسوقها البعض عن حادثة غزو الكويت، أكانت خديعة وجراً لصدام حسين، أم هي مطامع وفتنة قديمة أيقظها صدام حسين، المحصلة أن الكارثة حدثت، والاجتياح خلف خلفه جراحاً احتاجت لسنوات أن تندمل.
فالكويت استطاع تجاوز المحنة والوقوف بعد كارثة الاجتياح الغاشم، بل واستطاع التصالح مع عراق اليوم، بعد أن تخلص العراق من فكرة ابتلاع الكويت، ليحققا معاً جواراً آمناً للطرفين وشراكة اقتصادية سيكون مردوها كبيراً على الطرفين، بعيداً عن الآلام وخرافات الماضي.
5 غزو الكويت.. هزيمة عربية وانتصار للاستراتيجية الأمريكية
عبير الحيالي راي اليوم بريطانيا
تمر هذه الأيام ذكرى الغزو العراقي للكويت في أغسطس من عام 1990. حيث هاجمتنا نحن العرب سحابة غربية مليئة بالمياه الآسنة، أمطرت في منطقة الخليج وهبت ريحها من الأراضي العراقية باتجاه شقيقتها الكويتية. فانهارت المنظومة الأيديولوجية، كما نحر مفهوم الأمن القومي العربي، وانتشر الاضطراب والخلل في موازين القوى. وهكذا سقطت أول أوراق شجرتنا العربية، واستمرت في التساقط واحدة تلو الأخرى لمدة تسعة وعشرين عامآ إثر القرار الأحمق الذي اتخذه صدام حسين بغزو الكويت وضمه إالى العراق على أنه المحافظة العراقية التاسعة عشرة.
لطالما رسمت التيارات القومية العربية مجموعة من النظريات والفرضيات التي تتحدث عن قدسية علاقة العربي بأخيه العربي. فالعربي لايقاتل أخيه العربي تحت أي ظرف، ولايجوز الاستقواء بالأجنبي ضد الشقيق العربي، والأهم هو اتفاقهم على العدو المشترك وأقصد هنا اسرائيل. وتجلت هذه الفرضيات في الثمانينات من القرن الماضي أي في السنوات القليلة التي سبقت الغزو العراقي للكويت. فشهدت العلاقات العربية-العربية انتعاشة حقيقية وحلت فيها مجموعة من القضايا الشائكة، كانتهاء الحرب العراقية-الايرانية واتحاد شطري اليمن الشمالي والجنوبي بسلام، وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وغيرها من القضايا الشائكة. وبكل الأحوال هذه النظريات لم تكن دقيقة، ولكنها لاقت ترحيبآ على المستوى الشعبي وخلقت نوعآ من الوحدة والتآلف بين الشعوب العربية.
أثبت قرار غزو الكويت للغرب وخصوصآ الولايات المتحدة أن ضرب الأمن القومي العربي من الداخل هي فكرة مثمرة وناجحة وأقل تكلفة اقتصادية من الدخول بحروب مباشرة لاحتلال الدول. فأخذت الادارة الأمريكية على عاتقها اختبار نجاح التجربه بتقديمها وثائق الى طارق عزيز تثبت أن الكويت نهبت نفط العراق مؤكدة على حق العراق باسترداد حقوقه وبأنه سيحصل على كامل الدعم لاسترداده. وفعلآ نجحت في خرق وتفتيت المنظومة العربية، وفي نفس الوقت تمكنت من تثبيت قواعدها العسكرية التي ازدادت وتوسعت مع مرور السنوات في الخليج العربي وخصوصآ في المملكة العربية السعودية، وهكذا تحولت منطقة الخليج الى نقطة انطلاق للولايات المتحدة إلى جميع الدول العربية.
لم تنته المكاسب الأمريكية من الغزو بماسبق ذكره، فالحلم الأمريكي بتثبيت اسرائيل كقوة اقليمية وضمان أمنها وايجاد ميزان جديد للقوى في منطقة الشرق الأوسط كان حاضرآ في مخطط الغزو. ففي الوقت الذي كان قادة العالم العربي يعيشون الصدمة ويبحثون عن مخرج لهذه الكارثة، تم تسديد ضربة قوية للقضية الفلسطينية التي كانت مركز اهتمام العالم العربي وقتها على المستوى السياسي والشعبي، فشهدت تراجعآ قويآ بسبب فشل العمل العربي المشترك وعدم القدرة على قيادة الأزمة، واستغلت اسرئيل وحلفائها حالة الفوضى الهدامة فتمكنت اسرائيل من ايجاد مكانها كقوة اقليمية في المنطقة عن طريق تعبئة الفراغات التي خلفها الغزو والأحداث التي تلته.
أما المكسب الرابع لهذا الغزو فكان بعد تحرير الكويت، حيث حوصر العراق اقتصاديآ وسياسيآ وشدد الخناق عليه مما أدى الى انهياره، فتدمرت المنظومة التعليمية والصحية وعاش الشعب العراقي في ظل كارثة انسانية بسبب نقص الغذاء والدواء. بمعنى أن الولايات المتحدة لم تستهدف النظام فقط وانما استهدفت العراق بمقدراته وبشعبه وثقافته وأصالته.. وبعد إنهاك العراق وفي عام ٢٠٠٣ تمكنت أمريكا من احتلاله والسيطرة على موارده والتحكم بها. ومن ثم نقلت السلطة الى حكومة فاشلة قامت على أساس المحاصصة الطائفية، فنشرت الجهل والطائفية والجوع والجريمة. فقال محمد حسنين هيكل يشرح مأساة العراق بعد الاحتلال الأمريكي ” العراق عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص، ليس لهم علاقة لابالسياسة ولا بحكم ولابإدارة دولة”. وهكذا استطاعت الولايات المتحدة أن تلغي القوة العراقية من الخريطة العربية، تمهيدآ لمراحل جديدة من الصراع في المنطقة ألا وهو الصراع الطائفي الذي وصل ذروته في العراق عام ٢٠٠٧، ومكن “داعش” من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية ومن ثم سوريا بعد أحداث مايسمى ب “الربيع العربي” الذي تمم بدوره المخطط الغربي للمنطقة، وفتح أبواب التدخل الخارجي على مصراعيه في الدول ذات الأهمية السياسية والاستراتيجية في العالم العربي.
تعاملت الولايات المتحدة مع المنطقة العربية وفقآ لرؤية استراتيجية اتضحت معالمها بعد الغزو العراقي للكويت، ولو دققنا في تسلسل الأحداث نجد أن مايسمى ب”الربيع العربي” كان المولود المنتظر لهذه الاستراتيجية. فاستطاعت أن تخلق بيئة سياسية غير مستقرة، وتمكنت من نشر الفكر التطرفي الذي نشر سمومه في المنطقة وتمكن من تقسيمها وتفتيتها.
لقد أنجزت حرب الخليج الأولى الأهداف الأمريكية بسهولة بالغة، وكأن ما نراه هو عقد فرطت أولى حباته في غزو العراق للكويت في عام ١٩٩٠، واستمرت باقي الحبات بالتساقط إلى تاريخنا هذا. كشفت هذه المراحل الطويلة عن هشاشة النظام العربي برمته، وعدم قدرة قادته على تجاوز الأزمات عن طريق توحيد الصفوف التي تحد بدورها من خطورة التدخل الأجنبي في المنطقة. كما أنهم فشلوا في صياغة أطر جديدة لانقاذ العمل العربي المشترك وتوثيق العلاقات العربية- العربية، فكانت الخلافات هي سيدة الموقف للسنوات التسعة والعشرين الماضية.