1 مظالم السُّنّة
عبدالعزيز السويد
الحياة السعودية
مع بداية موجة ما سمي «الربيع العربي» تم تكثيف استخدام ملف «الأقليات» في الدول العربية، وهكذا أصبحت الأكثرية متهمة بالمساس بحقوق الأقليات الدينية، وساعد على ترسيخ هذا الاتهام استغلال ظهور الحركات الإرهابية بجرائمها البشعة، وكان من اللافت أن «داعش» الإرهابية تخصصت في ترسيخ صورة انتهاك حقوق الأقليات بالقتل والسبي والتشريد المعلن، وكان هذا واحداً من علامات استفهام عدة أحاطت بظهور داعش وتضخمها أو تضخيمها، لتؤكد مرة أخرى أنه صنيعة استخباراتية تم توظيفها لإبراز هذا الملف وخلخلة النسيج الاجتماعي.
خلال هذه السنوات تم التعتيم على مظالم الأكثرية التي طالها من القتل والتهجير والسلب ما لا يمكن حصره في العراق وسورية بخاصة، سواء من «داعش» أم من أنظمة تتحكم بها طهران، فـ«السنّة» في هذه الدول هم الأكثر خسارة وتشتتاً وتشريداً، هكذا ضاعت وتضيع حقوق الأكثرية ولا يلتفت لها دولياً، حتى من هيئات حقوق إنسان، ويتم العمل على قدم وساق لتغيير ديموغرافي طائفي في مناطقهم من دون حسيب أو رقيب.
اللافت أن الاستهداف الممنهج للدول العربية بملف الأقليات حتى حقق النجاح، يقابله تعتيم كامل لملف الأقليات في إيران، وعلى رغم كل هذه الحرب الإعلامية وما يقال عن الاقتصادية على نظام الملالي في إيران، إلا أن المحافل الدولية وهيئات حقوق الإنسان وكذا وسائل الإعلام المؤثرة لا تتطرق إلى أوضاع الأقليات – مع دسامة ملفاتها- في إيران، وهو ما يشير إلى حرص من اللاعبين الكبار على استقرار هذا البلد ومداهنة نظامه يماثل حرصها على تفكيك الدول العربية، فعلى رغم كل ما يقال عن إرهابية نظام طهران إلا أن الحديث لا يتجاوز المطالبة بتغيير سلوكه.
آن الأوان لإبراز مظالم السُّنّة في العراق وسورية وحقوقهم المنتهكة، وفضح الدور الإيراني في هذا الملف الدامي، وهو إذا ما تم تفعيله سيجر معه بالضرورة للعلن انتهاكات حقوق الأقليات داخل إيران.
2 النزاع الامريكي الايراني.. بين المناوشات والحرب الشاملة
ادهم ابراهيم
راي اليوم بريطانيا
في فجر الجمعة الفائت 7/19 تعرض معسكر الشهداء شرق صلاح الدين لقصف من قبل طائراة مجهولة في الساعة الثانية صباحا. وهذا المعسكر تتواجد فيه ميليشيات حزب الله العراقي وكذلك حزب الله اللبناني، وفيه مجاميع فنية ايرانية تعمل على تجميع صواريخ بالاستية ايرانية، حسبما اعلن في وقتها
وفي وقت سابق حضر وزير الخارجية الامريكية الى العراق وطلب من رئيس الوزراء العراقي السيد عبد المهدي دمج الحشد بالقوات المسلحة النظامية العراقية لتقليص نفوذه. وفك ارتبطاته مع الجمهورية الاسلامية
ثم صدرت قائمة عقوبات على بعض السياسيين العراقيين وقادة ميليشيات في صلاح الدين والموصل
ومازال مسلسل العقوبات على ايران واذرعها الممتدة من العراق الى سوريا ولبنان واليمن جار وقد اتخذ وجوها عديدة منها اقتصادية واخرى تعرضية عسكرية لاتتبناها الولايات المتحدة رسميا خشية تصاعد المواجهة
وبالمقابل فان الحكومة الايرانية وحرسها الثوري لم يقفا مكتوفي الايدي. فقد عملت طهران على تخفيض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لتدفع اوروبا في اتجاه مواقف اكثر فاعلية للحفاظ على الاتفاق الذي نقضه ترامب من طرف واحد. . ثم حركت الميليشيات التابعة لها في العراق لقصف قاعدة يتواجد فيها الامريكان، وكذلك بالقرب من مطار بغداد الدولي، وقرب السفارة الامريكية في بغداد ايضا. كما الغمت عدد من السفن التابعة للامارات والسعودية والنرويج دون ان تفصح عن تبنيها لهذه العمليات . ثم اسقطت طائرة درون امريكية ذات مواصفات متقدمة. وحاولت الادارة الامريكية معاقبتعا ولكنها تراجعت خشية توسع المناوشات . واخيرا وليس اخرا حجز ناقلة نفط بريطانية وقطرها الى ميناء بندر عباس. مقابل حجز حكومة جبل طارق باوامر بريطانية لناقلة نفط ايرانية متوجهة الى سوريا . دون ان نرى اي رد فعل من بريطانيا ولا الولايات المتحدة التي ادعت حماية طرق الامدادات النفطية، لابل ان الولايات المتحدة اعلنت صراحة ان على بريطانيا حماية سفنها بنفسها
كل هذه التوترات والممارسات العسكرية والعدوانية من طرفي النزاع الامريكي والايراني لم تؤد الى اندلاع حرب شاملة بين الطرفين.. بالرغم من ان القدرة العسكرية الايرانية لايمكن ان تضاهي القوة الامريكية الهائلة.. الا ان ايران فهمت اللعبة وغيرت قواعد الاشتباك لصالحها.. كيف؟
لانها تعلم جيدا ان امريكا لاتريد الدخول في حرب معها رغم ان الرئيس الامريكي يقول ان ايران تلعب بالنار. وهذا صحيح لان ايران تلعب بالنار وهي تعلم جيدا ان النار اذا اشتعلت سوف لن تكون المتضرر الاكبر منها
حيث ان لايران زوارق صغيرة مسلحة قادرة على المناورة في الخليج وبحر عمان وبحر العرب وهي قادرة على تلغيم مضيق هرمز . ولديها طائرات درون تراقب وتستعد للمشاغلة بنيران بسيطة ولكنها متواصلة . هذا في البحر وفي البر لديها ميليشيات واذرع في العراق، وسوريا اضافة لحزب الله اللبناني المسلح جيدا ولديه صواريخ بالاستية. وفي اليمن هناك انصار الله الحوثي الموالي لايران ايضا ، ومزود باسلحة خفيفة وصواريخ، اضافة الى طائرات الدرون الصغيرة القادرة على حمل متفجرات مؤذية. فتصبح القواعد الامريكية في العراق والسعودية غير امنة وتحت التهديد الميليشياوي لانصار ايران
ان امريكا قادرة بالتاكيد على ضرب ايران ضربات مؤثرة وموجعة ، ولكنها لن تنهي الحرب اذا بدات، فايران ستبقى تطاول بما لديها من اسلحة خفيفة وعناصر بشرية منتشرة تستطيع استخدامها في محيط واسع من الاراضي وتقوم باعمال عسكرية اقرب الى حرب العصابات منها الى حرب حاسمة . وامريكا لديها تجارب في هذا الصدد فرغم قوتها العظمى انهزمت في كثير من المواقع . . كما انها لاتريد تكرار تجربة غزو العراق حيث تكبدت في الفلوجة والنجف خسائر فادحة في الاموال والارواح
وفي المقابل فان ايران لاتريد الاستسلام لحصار كما حصل لحكومة بغداد، وفي النهاية تخسر كما خسر العراق كل مايملك
لذلك تراهن ايران على زيادة التوترات المزعجة لامريكا ولحلفائها لفك الحصار عنها . هذا الحصار الذي اصبح مشكلة كبيرة لها للنقص الشديد بامدادات النفط وبالتالي عدم تلبية متطلباتها الاساسية لتغطية المصاريف اللازمة لادامة اذرعها في المنطقة لقلة الاموال.. اضافة الى تململ الشعب الايراني المتزايد تجاه النظام. وهي تعتقد ان اثارة التوترات في المنطقة سيؤدي في نهاية المطاف الى الجلوس على مائدة المفاوضات كند للولايات المتحدة دون اعطاء المزيد من التنازلات المطلوبة
كما ان استمرار هذه التوترات سوف تقوي الجبهة الداخلية الايرانية باتجاه العدو، وتغطي على نقمة الشعب نتيجة العقوبات الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة
ان ايران تعرف جيدا ان هذه الاستراتيجية سوف لن تؤدي الى الحرب ، ولكنها تحرج واشنطن وحلفائها في المنطقة
حيث ان الحرب الشاملة ستكلف امريكا كثيرا من المال والرجال . فامريكا ستحتاج الى مالايقل عن 150الف جندي . اضافة الى الاموال الطائلة لغزو ايران . والرئيس ترامب اقتصادي. وسيفكر الف مرة قبل ان يقدم على مثل هذه المغامرة . كما انه يرغب في ولاية ثانية ولذلك سوف لن يجازف في خوض مثل هذه الحرب المكلفة
بعد كل هذا هل امريكا في ورطة.. الجواب نعم ولا. كيف
ستكون في ورطة اذا ما انزلقت بمناوشات مع اذرع ايران المنتشرة في البر العراقي والسوري. او مع زوارقها في الخليج. ولكنها ستكون في مأمن اذا ما استمر الحصار على ايران وقامت بتحشيد دول اضافية لتشكيل تحالف عريض قادر عند الضرورة على مواجهة ايران وتوزبع الخسائر بينهم
ولذلك تحجم امريكا عن مواجهة ايران في هذه المرحلة . وان الحرب سوف لن تندلع بينهما . . ويبدو ان التحشيد في المنطقة لاستعراض القوى دون استخدامها . وايران تعرف ذلك وتتصرف على وفقه
وستبقى امريكا تطاول وتمسك اعصابها . وكذلك حلفاءها في انتظار نتيجة العقوبات المفروضة على ايران . واقتصادها يتآكل يوما بعد يوم وتزداد نقمة الشعب نتيجة هذه العقوبات
ولكن هناك احتمال واحد لاندلاع حرب شاملة . وهو ان يقع خطأ صغير بالحسابات الدقيقة. او تدخل اسرائيل على الخط ، وعندئذ فقط سوف تندلع الحرب وسيكون الطوفان. وهذا مالاتريده كل الاطراف المعنية لانه سوف لن يكون لصالح احدا مطلقا
3 النعمان والأعرابي
خالد القشطيني الشرق الاوسط السعودية
القول القائل «إن غداً لناظره قريب» جزء من شعر طالما جرى تداوله والاستشهاد به بين الأوساط السياسية والتعليمية والثقافية. والمعنى واضح إذا تذكر الإنسان أن الناظر هو المنتظر والمتطلع للمستقبل. ولهذا القول حكاية طويلة في بطون الأدب العربي، خلاصتها أن الملك النعمان بن المنذر خرج يوماً للصيد وابتعد عن حاشيته وأصحابه حتى أدركه الليل بحيث اضطر للالتجاء إلى بيت أحد الأعراب من بني طي المشهورين بالكرم. فاستضافه هذا دون أن يعرف هويته. وذبح له شاته الوحيدة وطبخها وأطعمه منها، ثم فرش له فنام. وعندما أدركهما الصباح نهض النعمان ليلتحق بحاشيته. وعندها كشف للأعرابي عن نفسه وهويته. قال له: يا أخا طي اطلب ثوابك فأنا الملك النعمان. فأبى الأعرابي أن يأخذ شيئا مقابل ضيافته.
مرت الأيام وأصيب الطائي بضيق شديد فأشارت عليه زوجته بالاستنجاد بالنعمان. فقصده ولكن ولسوء حظه أنه وصل إليه في يوم من أيام بؤسه. وكان للملك النعمان يوم بؤس ويوم نعيم. فقال له: أفلا جئت في غير هذا اليوم؟ والله لو سنح لي في هذا اليوم ابني لم أجد بدا من قتله. فاطلب حاجتك من الدنيا فإنك مقتول. فقال: وما أصنع بالدنيا بعد نفسي؟ أمهلني حتى ألم بأهلي وأهيئ لهم حالهم ثم أعود إليك. طلب النعمان كفيلاً له. فلم يجد من يكفله غير قراد بن أجدع. كفله هذا بنفسه لمدة سنة. ومر الحول وبقي من الأجل يوم واحد. فقال النعمان لقراد: ما أراك إلا هالكاً، فقال قراد:
فإن بك صدر هذا اليوم ولى
فإن غداً لناظره قريب
جاء يوم الغد وانحدرت الشمس للمغيب. وكان النعمان يشتهي قتل قراد ليفلت الطائي من القتل. فأمر السياف بالتأهب لقطع رأسه. وفيما كانا على ذلك الأمر دخلت امرأة قراد وأنشدت الحاضرين:
أي عين بكى لي قراد بن أجدعا
رهيناً لقتل لا رهيناً مودعا
أتته المنايا بغتة دون قومه
فأمسى أسيراً حاضر البيت أضرعا
وما انتهت من قولها هذا حتى بدت عجاجة رجل مسرع إليهم. هو الرجل الطائي فلما نظر إليه النعمان قال: ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك؟ فأجاب قائلاً: «الوفاء». قال: «وما حملك على الوفاء»؟ قال: ديني. وكانت ديانته المسيحية في أيام الوثنية الجاهلية. تروي المصادر العربية فتقول إن ذلك ما حمل الملك النعمان، وكان وثنياً، إلى اعتناق المسيحية هو وقومه في جنوب العراق قبل ظهور الإسلام