8 مقالات عن العراق في الصحف العربية والاجنبية يوم الاربعاء

1 شهداؤنا الأبرار في خانة النسيان يعقوب يوسف العمر القبس الكويتية
أنا وكثير من المواطنين نود أن نُسمع هذه الهمسة وأن نوصلها إلى حكومتنا الرشيدة؛ والهمسة عن شهدائنا الأبرار الذين ما زالوا في خانة النسيان منذ 29 عاما إلى اليوم لدرجة أن شباب اليوم الذين ولدوا بعد الغزو لا يعلمون أي شيء عن بطولات الشهداء وإن كانت كثيرة ولا يعرفون أسماءهم، وهم كثر! أليس هذا أمراً غير مقبول من الحكومة! أعتقد أن الكويت هي الدولة الوحيدة التي لا تخلد ذكرى شهدائها رسمياً في كل عام، ومن المفروض أن تكون هناك مواقع تحمل أسماء الشهداء والدولة تخلد ذكراهم في كل عام، ويكون هناك نصب إما في ساحة العلم أو ساحة الصفاة، فهذا الذي يجب أن تفعله الحكومة إكراما لشهدائها الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم من أجل بلدهم، وهذا أقل شيء تعمله. أليس من واجب الوطن أن يخلدهم، وذكراهم يجب أن تتواصل إلى أجيال متعاقبة، ولا أعتقد أن هناك تضحية أسمى من التضحية بالروح من أجل الوطن! وكذلك يجب أن تعمل الحكومة مواقع تذكارية أخرى تحمل أسماءهم في مناطق سكنهم، فشهداؤنا يستحقون أن نخلدهم ونتذكرهم دائماً كما يتذكرهم أهلهم. كما يجب أن نوثق بطولاتهم في مسلسلات درامية بدلا من الفن الهابط الذي تصرف عليه الملايين. يا حكومتنا الرشيدة، أود أن أذكر منظراً آلمني وما زال يؤلمني كلما أتذكره، المنظر في حديقة صغيرة تقع خلف مسجد العثمان، وكانت تلك الحديقة لا تحمل أي اسم، وبعد الغزو وُضعت على مدخليها لوحتان تحملان اسم الشهيدة أسرار القبندي، وظلت الحديقة تحمل اسم الشهيدة فترة طويلة، وأُفاجأ في يوم من الأيام بأن اللوحتين خلعتا وألقيتا خلف أسوار الحديقة مع مخلفات الحديقة. ذلك المنظر آلمني كثيراً. لقد صوَّرت اللوحتين وأعطيت الصورة أحد الأعضاء دون ذكر اسمه، وبعد أسبوع اتصلت بالعضو حيث أجابني بأنه تواصل مع المسؤولين عن الحدائق، وأفادوه بأن اسم الشهيدة على الحديقة لم يكن رسمياً، لذلك جرى خلع اللوحتين، أما صاحبنا فلقد اكتفى بهذا الرد، وأنا أقول لو أن هذا الأمر حدث في دولة أخرى لتعرض هذا المسؤول للمساءلة القانونية حول ذلك التصرف.. ما زلت أتألم كلما مررت بجانب الحديقة، وأتمنى أن تحمل اسمها، وهي بالحقيقة أقل من قدرها وتضحيتها. وأخيرا، أقول إن دماء شهدائنا الزكية هي التي أعادت لنا الوطن، وعلى الوطن أن يخلد ذكراهم في كل عام.

2 إيران.. واللعب بالنار
سلطان عبدالعزيز العنقري المدينة السعودية
يبدو أننا أمام نظام إيراني مارق فاشي يلعب بالنار في خليجنا العربي ليس فحسب بمهاجمة السفن في مضيق هرمز بل وصل به الحد إلى احتجاز سفن لدول عظمى للتخفيف من الضغوط الداخلية من الشعب الإيراني ، الذي بدأ يعاني من العقوبات الأمريكية، والحصار الاقتصادي، وعدم تصدير النفط ،الذي يعتمد عليه الشعب الإيراني للعيش حياة كريمة، مما أدى إلى خلق فجوة بين الشعب ونظامه، واكتشاف الشعب الإيراني أن الحرس الثوري الإيراني ليس إلا قطيعاً من المرتزقة يتاجر بالمال العام، والمتاجرة بالمخدرات وغسل الأموال، والأرصدة خارج إيران والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات في بنوك أجنبية، وكذلك من الأموال التي يحصل عليها وكلاء حربه كحزب الشيطان في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحرس الثوري الإيراني في سوريا، والحوثي في اليمن، فجميع هذه المليشيات الإرهابية تنهب خزائن بلدانها وتقوم بإيداعها في حسابات خامنئي، والحرس الثوري الإيراني، والإرهابي قاسم سليماني زعيم المرتزقة. اللعب بالنار في منطقة ملتهبة هي نهاية نظام الملالي والآيات الذين خدموا الغرب والشرق على مدار أربعين سنة. الخاسر في هذه الفوضى التي ينشرها حكام جهلة لا همَّ لهم إلا جمع الخُمس، وسرقة ونهب ثروات الشعوب الأخرى وتدمير بلدانها، هي إيران وشعبها الذي يقبع أكثر من نصفه تحت خط الفقر. نظام الملالي والآيات الإرهابي انكشف وأصبح ورقة محترقة بعد أن أبلى بلاءً حسناً في خلق الفوضى، محاولاً صرف الدول الأخرى عن تنمية أوطانها بالفتن والحروب واستنزاف ثرواتها الوطنية. لعبة سياسية قذرة،على مدى أربعة عقود، قام بها العميل الهالك الخميني، ومن بعده الشاذ الإرهابي خامنئي، انفضحت والبديل جاهز في باريس (مريم رجوي)، والتي سوف تقوم طائرة فرنسية بنقلها من باريس كما فعلت مع الخميني لتحل محل هذه الورقة المحترقة.

نظام إيران من السهل إزالته بدون حرب لسبب بسيط ورئيس أن الشعب الإيراني يعاني من هذا النظام، والأمر الأهم أن البديل جاهز من المعارضة، بعبارة أخرى أنه لن يكون هناك فراغ عندما يتم إزالة النظام.

طبول الحرب التي تقرعها إيران لن تأتي إلا بالويلات والهلاك على إيران وحدها وتدميرها لكي تصبح عراق وسوريا ولبنان ويمن آخر.

خسائر الحرب ستطول النسبة الكبرى فيها إيران وشعبها المغلوب على أمره. أوطاننا سوف نحميها بسواعد أبنائنا، وحرب اليمن أنموذجاً، جعلت القوات المسلحة السعودية بمختلف فروعها تكتسب الخبرة والدراية العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن الوطن وبكل فاعلية.

نعود إلى إيران التي تلعب بالنار لنقول لها إن ما تم تدميره في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيره في عالمنا العربي لن يجعلها تفلت من العقاب طال الزمن أم قصر. فالشعوب الآن أصبحت أكثر وعياً وحرصاً على أوطانها التي تُحمى بتكاتف الرعية مع الراعي لتكوين جبهة داخلية متماسكة يصعب اختراقها.
3 الطريق إلى بغداد ينطلق من كردستان العراق
محسن عوض الله
الحياة السعودية

منذ سقوط نظام البعث الحاكم في العراق، بزعامة صدام حسين على يد الاحتلال الأميركي في عام 2003، وضعت إيران يدها على مقاليد بلاد الرافدين، بصورة تحوَّلت معها العاصمة العراقية بغداد من منارة للثقافة العربية قوية إلى “عاصمة للإمبراطوية الفارسية” كما وصفها مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي في تصريح له في عام 2015. لم يخطئ المسؤول الإيراني فى حديثه عن العراق، بل ربما تكون تلك الكلمات من أصدق ما صرَّح به المسؤولون الإيرانيون خلال السنوات الأخيرة، فبغض النظر عن الموقف من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلا أنه كان بمثابة حائط صد قوي أمام الطموحات الإيرانية، ولم تجرؤ “دولة الملالي” في عهده على التمدد أو التدخل في الدول العربية كما هو الحال الآن. على مدار أكثر من 15 عاماً، تحكمت إيران في العراق في شكل كامل، فالائتلافات الانتخابية تتشكل من طهران، والكابينة الحكومية يختارها سفيرها في بغداد، والرئاسات الثلاث (البرلمان والحكومة والرئاسة) لا تمر من دون موافقة “الحرس الثوري”. السيطرة الإيرانية على العراق، سبقها توغل كامل للملالي في إيران وتحكم فى المشهد السياسي في بلاد الأرز مِن طريق “حزب الله”، كما تبعه إسقاط اليمن، والسيطرة على السلطة فيها مِن طريق دعم جماعة الحوثيين التي انقلبت على الشرعية الدستورية وأطاحت الرئيس الحالي عبد ربه منصور، وقتلت الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وبعد سنوات من الاستسلام للهيمنة الإيرانية، استفاق العرب عقب وصول التدخلات الإيرانية إلى عقر دارهم، وهدَّدت حياة مواطنيهم، وبدا الموقف العربي حاسماً تجاه التدخلات الإيرانية في اليمن، فتشكَّل التحالف العربي لدعم الشرعية لمواجهة جماعة الحوثيين المدعومة إيرانياً بالقوة العسكرية. وفي لبنان، نجح العرب في دعم المناهضين للنفوذ الإيراني وتمَّ تشكيل تحالف بقيادة رئيس الحكومة سعد الحريري. أما في العراق، فمازالت البوصلة العربية تائهة بين دعم بعض القوى الحزبية والتيارات السياسية في بغداد التي ظهرت كمناهضة للنفوذ الإيراني من خلال تصريحات إعلامية، ولكنها سرعان ما كشفت عن قناعاتها وتحالفت مع رجال إيران في العراق وما أكثرهم.

ربما يحتاج العرب إلى البحث عن شريك حقيقي قادر على الوقوف في وجه النفوذ الإيراني المتفشي في العراق، وفي ظل توصيف الملالي لبغداد كعاصمة لامبراطوريتهم المزعومة. يجب على العرب البحث عن حليف أو قوة مناهضة لإيران خارج بغداد التي يجب أولا الاعتراف بسقوطها لتسهل عملية تحريرها.

ربما تكون إيران نجحت في فرض سيطرتها على بغداد ولكنها مازالت غير قادرة على فرض نفوذها على عموم العراق، ومازالت هناك مدن وأقاليم عراقية ترفع راية التحدي فى وجه الملالي وهي الأحق بالدعم العربي. يمثل أكراد العراق مقاومة قوية فى وجه النفوذ الإيراني، في ظل قيادة رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني علماً أن الوضع في هذا الإقليم مختلف عن عموم العراق، وبخاصة عن بغداد. فخلال فترة رئاسته لحكومة كردستان العراق التي امتدت لقرابة 18 عاماً على فترات متفرقة، سعى نيجرفان بارزاني إلى ترسيخ ثقافة التعايش، وفقه التآخي، واستراتيجيا المواطنة، بصورة أصبح معها الإقليم واحة لا تعرف الطائفية، ولا العنصرية، ولا المحاصصة العرقية. في كردستان، لا فرق بين مواطن عربي أو كردي، ولا تمييز بين مسلم سني أو شيعي، وربما يرجع السبب الرئيس في نجاح الإقليم في تطبيق سياسة التعايش هذه إلى غياب النفوذ الإيراني.

هذه الوضعية المتفردة لإقليم كردستان العراق ونجاح ساسته في مواجهة النفوذ الإيراني، تجعل منه شريكاً مناسباً وحليفاً مثالياً للدول العربية الراغبة في استعادة العراق من أحضان “دولة الملالي” وحماية الأمن القومي العربي من التمدد الإيراني الذي دمَّر عدداً من الدول العربية وخرَّبها.

يجدر بالدول العربية، أن تدعم إقليم كردستان سياسياً واقتصادياً، لاستكمال مسيرة التنمية التي يقودها نيجرفان بارزاني بصورة تعزز قوة الإقليم وإقتصاده ما يجعله منارة لبقية أقاليم العراق وحافزاً لبقية مدن الرافدين للخروج من العباءة الإيرانية.

وعلى الدول العربية أن تدرك أن رحلة استعادة بغداد عاصمة الرشيد تبدأ من كردستان، وأن وجود نيجرفان بارزاني كرئيس للإقليم، يمثل فرصة سانحة يجب استغلالها وبسرعة، فمن النادر أن نجد سياسي عراقي يدعو إلى التعايش ويؤمن بالمواطنة، ولا يعترف بالطائفية أو المذهبية والمحاصصة الدينية والعرقية فى عراق ما بعد صدام.
4 خطوة ممكنة نحو الاستقرار بسوريا وإضعاف إيران رام يافنه بلومبرغ
بحلول نهاية عام 2018، كانت الحرب السورية قد وضعت أوزارها في الجزء الأكبر منها. ومع هذا، لا تزال البلاد تشكل نقطة دموية ساخنة بإمكانها تشكل تهديداً تهديداً.
ومن بين السبل الممكنة لتقليص مخاطر حدوث مزيد من تصدع الاستقرار وبث الأمل في نفوس السوريين الذين أنهكتهم الحرب وتلبية الأهداف الاستراتيجية للقوى الكبرى المعنية بالصراع: إبرام اتفاق أميركي – روسي. في الواقع، لا يعد هذا الأمر بعيد المنال، على عكس ما يبدو عليه للوهلة الأولى.
يذكر أنه بحلول نهاية 2018 عندما انتهى الجزء الأصعب من القتال، كانت سوريا قد عانت من سقوط أكثر عن 500 ألف قتيل، وتكبدت خسائر تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار. وأجبر نصف السكان على الفرار من ديارهم، وغادر سوريا أكثر عن 5.5 مليون لاجئ، بينما لا يزال الآخرون مشردين في الداخل السوري.
ومع هذا، لا تزال هناك مخاطر كبرى قائمة، على رأسها أنه حتى هذه اللحظة لم تبدأ عملية إعادة تأهيل مدنية أو إعادة إعمار اقتصادية داخل البلد المدمر، ولا تزال الأسلحة منتشرة على نطاق واسع، وتموج نفوس السكان بمشاعر غضب إزاء النظام القمعي، في الوقت الذي يسيطر متطرفون على منطقة إدلب في شمال غربي سوريا ولا تزال الكثير من القوات الأجنبية المتنوعة منتشرة في البلاد.
ولا تبدو مسألة العودة إلى القتال احتمالية بعيدة. وحتى إذا نجح نظام بشار الأسد في الحفاظ على بعض الاستقرار، فإن تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية داخل سوريا – ولبنان – سيهدد المصالح الأميركية، وسيبث الجرأة في نفوس الإيرانيين ويدفعهم نحو مزيد من التحركات ضد خصومهم. كما أن إمكانية ظهور كيان متطرف شرق سوريا يهدد استقرار العراق والأردن. وستتفاقم هذه المخاطر إذا ما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا.
ورغم العلاقات التي تتردى بعض الأحيان بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن الباب ليس مغلقاً بعد أمام إبرام اتفاق بين الجانبين حول سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية لكلا البلدين. كما أن التسويات المطلوبة للتوصل لمثل هذا الاتفاق تبدو في المستوى المقبول للدولتين. والآن: كيف سيبدو مثل هذا الاتفاق الروسي – الأميركي؟
سيعترف الاتفاق بنظام الأسد في الوقت الراهن ويرجئ عملية الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة داخل سوريا. وسيتفق الموقعون على الاتفاق على تمويل عملية إعادة الإعمار الاقتصادي بالبلاد، وإمداد الأسد بحافز قوي كي يقبل بها.
في المقابل، ستصر الدولتان على انسحاب جميع العناصر العسكرية الإيرانية من سوريا ووقف إمداد الأسلحة غير القانونية إلى داخل البلاد. أيضاً، ستتفق روسيا وأميركا على احتفاظ القوات السورية الديمقراطية المناهضة للأسد بحقوق الحكم الذاتي، وكذلك المجتمعات الكردية والسنية في شرق وشمال سوريا باعتبارها حصناً منيعاً في مواجهة أي عودة لتنظيم «داعش».
عملياً، سيتعين على روسيا استثمار قدر كبير من الموارد العسكرية والسياسية لضمان الانسحاب العسكري الإيراني، ومراقبة الحدود لضمان عدم تسلل مقاتلين، ومكافحة تجارة الأسلحة. ويعني ذلك الوقوف بوجه إيران و«حزب الله» و«داعش» والفصائل المتطرفة الموالية لإيران وغيرها والحيلولة دون امتداد أي نشاط مسلح من داخل الأراضي السورية نحو الدول المجاورة.
وقد يتساءل البعض: ما الذي سيدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للموافقة على مثل هذا الاتفاق؟ عبر مثل هذا الاتفاق، ستتمكن روسيا من تنفيذ هدفها المتمثل في الحفاظ على الأسد في السلطة وحصد بعض المزايا الاقتصادية أثناء عملية إعادة الإعمار في سوريا. أيضاً، ستحصل موسكو بمقتضى مثل هذا الاتفاق على اعتراف عالمي وإقليمي عن دورها الكبير في سوريا؛ الأمر الذي من المحتمل أن يوليه فلاديمير بوتين اهتماماً كبيراً.
فيما يتعلق بالولايات المتحدة، ستأتي المزايا الأساسية على المستوى السياسي. أولاً: من شأن التوصل لاتفاق تبعاً لهذه الشروط دعم الاستقرار الإقليمي، مع تناول في الوقت ذاته التهديدات التي تجابه حلفاء مهمين للولايات المتحدة داخل منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة إسرائيل. ثانياً: سيشكل الاتفاق عنصراً في الحملة ضد السلوك الإيراني الإقليمي. ثالثاً: سيحدد على نحو أوضح شكل المشاركة الأميركية المستقبلية في سوريا والعراق، مع المشاركة على نحو أقل مباشرة في سوريا (مع استمرار الدعم الأميركي للقوات السورية الديمقراطية وعدد من المجتمعات الموالية) وتوجيه الاهتمام اللازم للعراق وعدد من القضايا الإقليمية الأخرى.
فيما يخص إسرائيل، سيحقق هذا الاتفاق مصالحها الرئيسية داخل المسرح السوري: التصدي للتمترس الإيراني العسكري داخل سوريا وإضعاف «حزب الله» من خلال قطع خطوط الإمداد اللوجيستية الحيوية من سوريا.
في الوقت ذاته، من الواضح أن مثل هذا الاتفاق يحمل مخاطر محتملة، بما في ذلك ظهور معارضة من جانب النظام الإيراني ونظام الأسد، بجانب السخط التركي حول حقوق الحكم الذاتي لأكراد سوريا (وإن كان الانتقال السياسي المستقبلي في سوريا والحيلولة دون انطلاق موجة أخرى من اللاجئين ووجود دعم أميركي ـ من الممكن أن يشكلوا جميعاً حوافز تدفع تركيا لقبول الاتفاق).
هناك أيضاً مخاطرة وقوع انتهاكات من جانب الأطراف الموقعة، مثلما حدث بعد إبرام اتفاق نزع التصعيد في جنوب غربي سوريا الذي جرى توقيعه بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن عام 2017، وسعياً للتغلب على هذه المخاطر، يجب تمييز الاتفاق السوري عن القضية النووية الإيرانية، وتحديد الحوافز وإقرار عملية مراقبة فاعلة.
ومن شأن إقرار اتفاق تبعاً لهذه الشروط خدمة المصالح الأميركية، وتلبية الأهداف الروسية وتخفيف التوترات بالمنطقة. والأهم من ذلك، سيعزز إمكانية تحقيق الاستقرار والسلام للشعب السوري. أما البديل، فيبدو مظلماً للغاية.

5 ألغام الملالي: كشف حساب إهمال المجتمع الدولي
يوسف الديني الشرق الاوسط السعودية
ما يفعله نظام ملالي طهران يعيد إلى الأذهان مقولة تشرشل «إذا قررت الذهاب إلى الجحيم فأسرع الخطى»، وهذا ما تبدو عليه إيران اليوم في استعدائها للأمن الدولي بعد عقود طويلة من تهديد أمن الإقليم، واستهداف دول الخليج، عبر استنفار كل قدراتها الاستخباراتية وأجنحتها الثورية ووكلائها الذين باتوا يشكلون دولاً بولاءات آيديولوجية عابرة واقتصاديات ميليشوية قادرة على خلق مناخات الحرب وارتداء عباءة الأقليات المضطهدة.
استراتيجية إيران في الذهاب إلى جحيم الحرب تقابلها قناعة راسخة من الدول الغربية أننا دخلنا زمن «اللاحرب» بمفهومها التقليدي الشامل، فتكلفة الحروب اليوم منهكة للاقتصاديات المترنحة، كما أن التجارب الأخيرة من حرب أفغانستان إلى العراق إلى أتون الملف السوري ساهمت في الإسراع بتخلّق هذه القناعة، وبشكل استراتيجي، لا سيما أن قرار تأثير الحروب على النخبة السياسية الحاكمة، التي يمكن أن تفقد كل نجاحاتها مع عثرات الحروب وكلفتها البشرية والاقتصادية والأخلاقية، بينما ترتهن الكيانات السياسية المأزومة داخلياً كنظام الملالي إلى إعادة موضعة شعبيتها وهويّتها من خلال الحروب والتصعيد والاستثمار في الخرائب مستعينة بتحالفات القوى المناهضة للهيمنة الغربية، وعلى رأسها الصين وروسيا.
ما يحدث اليوم ليس إلا جزءاً من فاتورة ثقيلة تدفعها القوى الغربية جراء إهمالها لتمدد نظام الملالي عبر عقود، وحصر الإشكالية معه في الاتفاق النووي أو أمن الملاحة الدولية، وهي قضايا على أهميتها وخطورتها تندرج تحت خانة «المصالح الاقتصادية» التي لا يمكن فصل سلوك نظام طهران السياسي في المنطقة عنها بشكل متحيّز وبراغماتي.
القوى الغربية تدفع اليوم ثمن تغييبها لحالة التداخل السياسي والاقتصادي الذي فرضه نظام الملالي، التي حذرتها منه دول الخليج مبكراً، وعلى رأسها السعودية والإمارات اللتان حذرتاها من حصر الأزمة في الملف النووي، وليس التدخل السياسي والتمدد الثوري الذي تنوء بعبئه دول الخليج منذ عقود، فالتحولات في الملف النووي هي جزء من أزمة القراءة الاختزالية للحالة الإيرانية. التمدد الإيراني والاستيلاء على عواصم دول عربية عبر أذرعها العسكرية وميليشياتها العقائدية لم يكن إلا جزءاً من جموح وصلف الجانب الأمني من ثورة الملالي يتقدمها «الحرس الثوري»، الذي بات يتدخل بشكل مباشر بفعل سياسات الإهمال الغربية في ملفات إقليمية في سوريا ولبنان واليمن، وحتى على موقف دول أخرى تمارس الحياد كجزء من الحذر من تبعات رفض سياسات الهيمنة لنظام الملالي.
ورغم إسراع الخطى إلى جحيم تقويض أمن المنطقة الذي تحث إيران الخطى إليه، ما زال الخطاب السائد في الدوائر الغربية يرهن موقفه من إيران بالاتفاق النووي، الذي بات أقرب إلى الماضي بعد الاتجاه إلى التخصيب، ومع ذلك فإعادة الجدل حول الاتفاق النووي، لا سيما من الدول الأوروبية، هو أشبه بمنح المزيد من الوقت لملالي طهران لتدعيم استثماراتها السياسية والعسكرية في ميليشياتها في المنطقة، لا سيما أن التوصل إلى مفاهمات حول الملف النووي الذي لم ولن يكون الإشكالية يتطلب وقتاً أطول بكثير من الآثار المترتبة على التدخل الإيراني في سوريا، وفي اليمن والقرن الأفريقي، هذا التدخل الذي يستغل حالة التراخي الغربي، طمعاً في تقويض المشروع الإيراني النووي، وليس في كف يدها عن العبث باستقرار المنطقة.
ما هو أخطر من أمن الملاحة والملف النووي هو ذلك التحالف الذي يترشح لكي يصبح أكثر عمقاً مع ميليشيات وأذرع تدين بولائها لطهران في مناطق كثيرة، فهدف الملالي هو بناء أقوى الروابط وأكثرها تأثيراً مع كل الكتل الشيعية والمعارضة في المنطقة، بهدف التمكين السياسي، وهو ما يعني الدخول في صدامات مباشرة مع استقلالية تلك الدول القطرية التي تسعى جاهدة لتثبيت مفهوم المواطنة في محاولة للتصدي إلى الاختراق الإيراني عبر سلاح الطائفية.
ما يتغافل عنه المتساقطون سريعاً في أحضان دعاية نظام طهران ومظلوميتها من النخب السياسية الغربية المناهضة لإداراتها الحالية، وهم في الأغلب يتحركون بناء على مزيج من النيات الحسنة والاعتراف بحجم التأثير المحدود، هو أن أي تسويات جديدة لن تكون ذات جدوى إذا ما أخفق المجتمع الدولي في التوصل إلى تسوية شاملة، لتجنب الحروب في المنطقة بكف التدخلات الإيرانية، وليس في تقييم جدوى الرد العسكري على استفزازاتها المستمرة.
الهروب من أي مغامرة عسكرية شكل الدافع السياسي لتحويل جبهات الصراع في المنطقة إلى رؤوس أموال سياسية يمكن اللعب والتحكم فيها، فالخوف من تبعات العمل العسكري ضد إيران، وانهيار ميزان التوازنات الإقليمية واستعادة إيران عافيتها سريعاً وتحولها لدولة نووية في حال فشلت أي ضربة عسكرية، إضافة إلى أن قيادة المفاوضات ضمن استراتيجية الاختزال في الملف النووي، أو أمن الملاحة، سيجعل نظام طهران أكثر إصراراً على المضي في انتهاك سيادة الدول عبر تجنيد المزيد من الميليشيات والوكلاء الجدد المنحازين للانضمام في ركب الملالي، وليس آخرهم تركيا التي تنحاز إلى معسكر الممانعة، وقطر التي تقود جحيمها الخاص في مناكفة دول الخليج، التي لن تتراجع عن قرارها الحاسم والاستراتيجي في مقاطعة تناقضات النظام القطري، قبل الانصياع للمطالب التي تزداد استحقاقاً كلما أمعنت الدوحة في لعبة الانسلاخ من ذاتها ومحيطها الخليجي.
الأكيد أن إيران في تحالفاتها الجديدة لن تستطيع النهوض بأمن المنطقة، بل على العكس من المرجح أن تزيد حجم الأزمات، بسبب هيمنة الميليشيات الشيعية، وهو الواقع الذي أصبح يتفاقم حتى بات عبئاً، لدرجة أن دولة العراق تحاول تقليم أظافر تلك الميليشيات.
حالة الإهمال لجذر الأزمة مع إيران من قبل القوى الغربية جعلتها اليوم تحاول عقلنة تهور الملالي، بعد أن استفحل الداء وبات عصياً على تلك العقلنة المستحيلة، فإيران شأنها شأن كل الدول والكيانات السياسية القائمة على آيديولوجية عقائدية أن نجاح صورتها في الخارج مرتبط بتغيير هويتها في الداخل، وهو ما لا يستطيعه النظام الذي بات مرتهناً إلى خيار «الحرس الثوري» ومنطقه المفارق لمنطق الدولة ودبلوماسيتها، كما أن هويّة الداخل بفضل حالة الارتباك في موضعة إيران خارج المصالح الاقتصادية سيقود إلى إعادة إنتاج الشعبية، لا سيما مع أول انفراجة اقتصادية أو مصالحة منقوصة مع المجتمع الدولي، بالنسبة لطهران فالملف النووي، وحتى أمن مضيق هرمز، يمكن أن يكونا كبش الفداء في سبيل الحفاظ على مشروعها الأساسي، وهو تصدير ثورتها وخلق جيوب وميليشيات تابعة لها بهدف الهيمنة، وبشكل مجنون يعيد إلى الأذهان جنون العظمة لمملكة «هرمز» البائدة.
6 هل يتهاوى «حزب الله»؟
أمل عبد العزيز الهزاني الشرق الاوسط السعودية
من الطبيعي أن كل حصار على إيران، وكل تضييق عليها، وتهديد أموالها وتجارتها، يؤثر بشكل مباشر على جماعاتها المسلحة بأسمائها المختلفة ومواقعها الجغرافية؛ «حزب الله»، جماعة الحوثي، فصائلها في العراق… إلخ.
التل اختل، ولم تعد الموارد المالية تقدم ما يكفي من معاشات لعناصرها الميليشياوية لتفتح بيوتها وتطعم أطفالها. لكن «حزب الله» اللبناني تحديدا، أقوى الأذرع الإيرانية وأكثرها خبرة وتسليحاً وانتشاراً، لم يكن يعتمد على ما تقدمه إيران من أموال، واستخدم مرجعيته إليها في رسم استراتيجية عملياتية تعمل في الخارج في دول ذات علاقة جيدة بالنظام الحاكم في إيران مثل فنزويلا، أو دول رخوة أمنياً تنتشر فيها التجارة المحرمة من عصابات لها شبكات نقل وتوزيع مثل كولومبيا والبيرو والأرجنتين.
الأنظمة الحاكمة المتقاربة تمهد لبعضها كما كان نظام هوغو تشافيز الذي منح «حزب الله» جزيرة لإقامته، وإدارة عملياته المالية في أميركا اللاتينية؛ وغسل عوائدها لتبدو نظيفة على هيئة عملات محلية. إضافة إلى الرئيس مادورو الذي تربطه علاقة قوية بإيران ومنح الحزب مناجم للتنقيب عن الذهب. باختصار، «حزب الله» يدير شركته الكبرى ومصادر تمويله من القارة الأميركية الجنوبية وليس من أي مكان آخر.
إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعمل في الجهة الأخرى المقابلة لنا من العالم، بإداراتها المتخصصة في أميركا اللاتينية، من أجل تحجيم النفوذ الإيراني من خلال ملاحقة عناصر «حزب الله». تعتقد واشنطن، وهذا صحيح، أن حصار إيران يجب أن يكون متكاملاً، لأن الأطراف التي تعمل لصالح النظام الحاكم في طهران كانت ولا تزال أهم أدوات قوته وتأثيره، بل إنها أساس التهديد الموجه للدول العربية والعالم. الإدارة الأميركية بدأت في ملاحقة عناصر ما يسمى «وحدة النخبة» في «حزب الله»، وهي الجهة المسؤولة عن عمليات الحزب خارج لبنان، وكشفت عن أسماء قيادات عليا كانت تنشط منذ عقود من المكسيك في أميركا الوسطى وحتى الأرجنتين جنوباً، مثل سلمان رؤوف سلمان الذي عرضت الولايات المتحدة مكافأة بلغت 7 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه، كونه مشتبهاً به في تنفيذ عمليات إرهابية دموية في الأرجنتين وله وجود ونشاط في أميركا الجنوبية وجنوب شرقي آسيا. بحسب التقارير فإن عوائد «حزب الله» من تجارة المخدرات وغسل عوائدها يصل إلى مليارات الدولارات.
حكاية «حزب الله» في تلك المنطقة البعيدة حكاية طويلة بدأت منذ سنوات، وتعززت إبان فترة حكم محمود أحمدي نجاد. بدأت بهجرة وتوطين عناصر لبنانية من الحزب، وتمكينهم من خلال شراء ذمم بعض السياسيين والعسكريين وتوطيد علاقاتهم مع العصابات الثورية في كولومبيا والمكسيك.
العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إدارة ترمب لا يقع تأثيرها على إيران الدولة فقط، بل على مراكز القوى التي تتبعها. وبعد فرض العقوبات، تقلصت قدرة شركة «حزب الله» لغسل الأموال في الخارج عن العمل، فهو المصدر الرئيسي لتمويل عمليات الحزب وليس مبلغ الستين مليون دولار الذي يقدمه علي خامنئي للحزب كل عام.
العقوبات أوجعت طهران لأنها أضعفت النشاط التجاري لـ«حزب الله»، وقلصت من حركة إدرار الأموال عبر شبكته الدولية العابرة للمحيطات. لذلك كنا نقول ولا نزال، إن الضغط بالعقوبات هو الطريق إلى خلخلة بنيان إرهابي تشكل منذ عقود، وهو السبيل الأنجع والأقل تكلفة والأشمل والأقوى تأثيراً. جاء قرار الإدارة الأميركية بمتابعة وملاحقة نشاط «حزب الله» في الخارج متزامناً مع قرار الانسحاب من الاتفاق النووي. وكلما انكشفت أسرار «حزب الله» في القارات المتباعدة أدركنا أكثر خطر اتفاق باراك أوباما النووي على السلم الدولي، لأنه نظر بتواضع إلى زاوية واحدة في مشهد كبير، وتجاهل أن هذا الاتفاق من الهشاشة ليس فقط أنه أفرج عن مليارات الدولارات لصالح حكومة مارقة، بل إنه تغاضى عن نشاطها في التجارة المحرمة ومهد لها الاستقرار والتمكين في مناطق ليس من السهولة سبر أغوارها.
القوى الكبرى تحشد عسكرياً في منطقة الخليج لتأمين الممرات الدولية وحركة الملاحة، ورصد التحركات اليائسة من إيران لاستفزاز دول المنطقة وحلفائها، لشن حرب تمنح إيران هدفها وهو خلق فوضى وفتح أبواب لتدخلات قوى أخرى لدول وجماعات، ووقف عجلة التنمية في دول الخليج، وتنشيط تجارة وتهريب السلاح، وكلها أمور يبرع فيها الإيرانيون ولهم فيها سوابق.
ما يحصل اليوم هو عمل تكاملي لخنق الرأس وبتر الأطراف، يستوجب التعاون الدولي خاصة الاستخباراتي، ومزيداً من العقوبات الدولية على حركة الأموال من الدول اللاتينية المتماهية مع نظام طهران. إن ضعف «حزب الله»، هو ضعف قلب النظام الإيراني.
7 مئات المنظمات الحقوقية في العراق: الشعب إذن بخير!
هيفاء زنكنة

القدس العربي

قد يتبادر إلى الأذهان عند قراءة تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش»، الصادر بداية الشهر الحالي عن حال المعتقلين والسجناء بعنوان «العراق: آلاف المحتجزين، منهم أطفال في أوضاع مهينة» ـ أن العراق خال من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، ما يمنح السلطات المحلية حرية مطلقة في انتهاك حقوق الإنسان، خاصة المعتقلين، بلا مساءلة، وأن هذه المنظمة هي الوحيدة التي ترصد الانتهاكات والخروقات، فيسهل التشكيك بتقاريرها أو تجاهلها، كما يحدث عادة.
التقرير مزود بصور مهولة لأجساد متراصة بأوضاع مشوهة أكروباتيكية، من الأحداث واليافعين، في سجون الرجال، و كما هي أجساد النساء والأطفال في سجون النساء. وهو ليس بالأمر المستغرب إذا ما علمنا أن الطاقة الاستيعابية القصوى لمراكز الحبس الاحتياطي الثلاثة في شمال العراق، مثلاً، هي 2500 شخص، بينما وصل عدد المحتجزين هناك، بحلول يونيو/حزيران، إلى 4500 سجين ومحتجز تقريباً، من بينهم 1300 شخص حُوكموا وأُدينوا وكان ينبغي نقلهم إلى سجون بغداد منذ ستة أشهر على الأقل. ووصل عدد السجينات بسجن النساء في بغداد 602 امرأة، بينما لا يتسع بناء السجن المتهالك لغير 200.
الحقيقة هي أن العراق لا يعاني من قلة المنظمات الحقوقية على الإطلاق، إذ إن هناك مئات المنظمات المحلية، بالإضافة إلى «المفوضية العليا لحقوق الإنسان»، وهي منظمة حكومية تقدم نفسها كهيئة مستقلة شكلت بموجب قانون عام 2008، لتعمل على «ضمان حماية وتعزيز احترام حقوق الإنسان وحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها من قبل العراق». برلمانياً، هناك «لجنة حقوق الإنسان» المكونة من 12 نائباً (تم تعيينهم وفق نظام المحاصصة)، وتختص هذه اللجنة -حسب موقعها- بثلاث مهمات، من بينها «متابعة شؤون السجناء والمعتقلين في السجون».
دولياً، لدينا فروع 23 منظمة من منظمات الأمم المتحدة التي تغطي كافة جوانب حقوق الإنسان، وعدة منظمات حقوقية دولية تتابع الشأن العراقي، من بينها: منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، ومراسلون بلا حدود، ومركز العدالة الانتقالية الدولي، وأطباء بلا حدود.
وأبرز المكاتب، عملياً، وأكثرها نفوذاً هو «مكتب حقوق الإنسان» في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)- الذي تم تأسيسه وفقاً لولاية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في حزيران 2018، للعمل على «تعزيز المساءلة وحماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني من أجل توطيد سيادة القانون»، من خلال العمل «مع حكومتي العراق وإقليم كردستان والحكومات المحلية ومؤسسات حقوق الإنسان الوطنية والمجتمع المدني لتعزيز حقوق الإنسان بطريقةٍ حيادية»، أي وباختصار شديد، إنه يهدف إلى العمل مع كل من يتلفظ أو يدعي أو يمثل حقوق الإنسان من أعلى سلطة في الدولة الى أصغر مؤسسة، مروراً بمنظمات المجتمع المدني والدولي.
هذا كله غيض من فيض من منظمات المجتمع المدني التي يتخصص العشرات منها بشأن المعتقلين والمسجونين. ومن يراجع مواقع هذه المنظمات ويقارنها بما يعرفه تمام المعرفة عن حال المعتقلين اللاإنساني، في عموم البلد، لا بد وأن يتساءل عن جدوى هذا الكم الهائل من المنظمات المحلية والحكومية والدولية، والمواقع الإلكترونية، والمطبوعات الملونة بجداولها وإحصائياتها، والدعم المادي الكبير للمؤتمرات والورشات، والتغطية الإعلامية للوفود وزيارات التفقد لمراكز التأهيل والسجون، وإصدار البلاغات؟

تتراكم المظالم كما حدث في الماضي القريب والبعيد، وتنتقل إلى روح الانتقام، ويختلط العنف مع اللجوء إلى أي داعم خارجي أو إرهابي داخلي مهما كانت أهدافه، فتعود الدورة من جديد، وتسيل الدماء، ويتهدم البلد على رؤوس أهله

هناك، بطبيعة الحال، عدد من المنظمات المستقلة، فعلاً، الجادة في عملها، والتي غالباً ما يجد الناشطون فيها أنفسهم عرضة للتهديد والابتزاز والمضايقات وحتى الاختطاف. منظمات تحاول أن تجد لها حيزاً خارج حدود الفساد والاتهامات الجاهزة بالإرهاب. أما بقية المنظمات، وهي كثر، فإنها تتنافس فيما بينها على الدعم المادي الذي لا يصلها منفصلاً عن تبعية الأجندة السياسية – الطائفية – العرقية. أي أنها تمثل -بحكم التمويل الحزبي والحكومي والفساد- أداة لاستمرارية الخروقات والانتهاكات التي تتظاهر بمحاربتها، ولكن تحت غطاء تمويهي زاه يدعى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
من يراجع أعمال هذه المنظمات سيجد صوراً عن لقاءات مع مسؤولين يبتسمون أمام عدسات أجهزة الإعلام وهم يقدمون دروع التقدير إلى ممثلي المنظمات الدولية وهم يؤكدون على «اعتماد السبل القانونية في استقبال الشكاوى والمناشدات ومتابعتها إلى حد إقامة دعاوى قضائية في حال عدم استجابة الجهات المعنية». ويتم تداول هذه التصريحات في القنوات التلفزيونية التي يزيد عددها على 200 قناة تابعة لأحزاب تلتحف بحقوق الإنسان، في الوقت ذاته الذي يستمر فيه التعذيب والاعتقال والموت داخل السجون المكتظة.
كيف يتعامل المواطن، ضحية الانتهاكات، وهو محاط بادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
النصيحة التي تسديها هذه المنظمات للمعتقلين هي اللجوء إلى القضاء. وهذا ما فعله الطالب علي حاتم السليمان ( 23 عاماً) الذي كان في طريقه من الفلوجة إلى بغداد، عام 2005، لإجراء الامتحانات، وتم اعتقاله في نقطة تفتيش بسبب تشابه اسمه مع شيخ عشيرة متهم بالإرهاب. تم اقتياده إلى مقر للجيش حيث عذب. يقول علي في شهادته التي كتبها مصطفى سعدون، رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان، بأنه حين تم تسليمه إلى أهله، بعد عشرة أيام من التعذيب، كانت كفاه قد أصيبتا بالغنغرينا، وعظام أصابعه مكسورة ولا يقوى على تحريك يديه، فكان الحل الوحيد هو بتر الكفين. نفد علي النصيحة، فأقام دعوى قضائية في المحاكم. حقق القضاء بما حصل معه، ثم ذهب إلى وزارة الدفاع أكثر من مرة لمقابلة قيادات عسكرية هناك على أمل نيل تعويض. ولا يزال بعد خمسة أعوام من المراجعات بلا تعويض وبلا مستقبل وبلا عقاب للجلادين.
إن وضع حد لهذه الممارسات الوحشية يعتمد، بالأساس، على وجود حكومة تسعى فعلاً لوضع حد لها، قانوناً وممارسة، وبدونها كما بينت تجاربنا وتجارب كل الشعوب، تتراكم المظالم كما حدث في الماضي القريب والبعيد، وتنتقل إلى روح الانتقام، ويختلط العنف مع اللجوء إلى أي داعم خارجي أو إرهابي داخلي مهما كانت أهدافه، فتعود الدورة من جديد، وتسيل الدماء، ويتهدم البلد على رؤوس أهله كلهم مرة أخرى. لن يتم تجنب دورة الانتقام والتخريب إلا بقيام حكومة يرى مسؤولوها أبعد من مصلحتهم الآنية المعجونة بالطائفية والفساد. إلى أن يتحقق ذلك، لعل الضغط على الأمم المتحدة لتعيين مقرر عام لحقوق الإنسان، وإرسال خبراء دوليين مستقلين للقيام بزيارات منتظمة لمواقع الاحتجاز، وإنشاء فريق من مفتشي السجون المستقلين لمراقبة الأوضاع ـ قد يكون خطوة بالاتجاه الصحيح.