3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 صراع الاستقرار بين المملكة وإيران يرسم مستقبل الشرق الأوسط
نموذج الدولة أم فوضى الميليشيا؟ افتتاحية الرياض السعودية

يبدو أن مستقبل أمن منطقة الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على التنافس والصراع المحموم بين نموذجين للنظام الإقليمي؛ الأول يرتكز على تعزيز منظومة الاستقرار وتمثله السعودية التي ترى أن مصلحتها القومية تتحقق عبر دعم وترسيخ هذا النموذج، فيما تدعم إيران النموذج الثاني الذي يعزز عدم الاستقرار وحالة عدم الأمن المستديمة حيث ترى طهران أن مصلحتها القومية في ترسيخ وتوسيع نطاق هذا النموذج ليضم أكبر دول ممكنة في الإقليم.

ويحدد تقرير خاص صدر حديثاً عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أعده الباحث عبدالمجيد سعود منقره بعنوان: “صراع النماذج في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية وإيران”، الفارق الرئيس بين النموذجين في مركزية السلطة وقوة تحكمها وسيطرتها على الأراضي والموارد الخاضعة لها.

وتدعم المملكة النموذج الأول، ويسعى لنظام إقليمي يعتمد على دول قومية ذات سيادة فوق أراضيها، وتتمتع حكوماتها بسلطة مركزية قوية أياً كان نظام الحكم فيها ديموقراطياً أو أوتوقراطياً ملكياً أو جمهورياً. بينما تتبنى إيران النموذج الثاني، وتتصور نظاماً إقليمياً هجيناً يتكون من دول ضعيفة السيادة على أراضيها مرتبطة بمجموعات تحت الدولة تقوم بدور الدولة في توازن القوى الإقليمي، وسلطة الحكم المركزية فيها هشة.

وتنتمي السياسة الخارجية السعودية لهذا النموذج للنظام الإقليمي مدفوعة بتصورات النخبة السياسية لمفهوم الدولة القومية والاستقرار والتي تشكلت منذ تأسيس الدولة السعودية، وهذا الاتجاه المحافظ يغرس في السياسة السعودية الخارجية انعدام ثقة عميق وتعارض مصالح مع الفاعلين والمجموعات من غير الدول. كما أن الدعم السعودي الثابت لنموذج نظام إقليمي يعتمد على مركزية الدولة القومية يتشكل أيضاً لاعتبارات بنيوية، حيث إن قوة الدولة القومية المركزية تدعم توازن القوى في النظام الإقليمي، وهذا من مصلحة المملكة في تعزيز نفوذها في المنطقة.

ويكشف الموقف السعودي في لبنان والعراق، عن الافتراضات العميقة التي تهم السياسة الخارجية للمملكة، وهي: الحفاظ على السلطات المركزية القادرة على تقييد وجود المجموعات تحت الدولة والفاعلين من غير الدولة، ففي الدولتين العراق ولبنان، خضعت المؤسسات الرسمية للدولة تحت نفوذ القوى الصديقة لإيران، وهي قوى تتألف بشكل أساس من عناصر شيعية، ومع ذلك دعمت المملكة حيدر العبادي وسعت إلى تحقيق علاقات متقدمة مع حكومته، وحافظت على النهج ذاته مع عادل عبدالمهدي، رغم علاقتهما القوية مع إيران، كما تعهدت بدعم مالي للجيش اللبناني بغض النظر عن حقيقة أن السنة هم جزء هامشي من مؤسسة الجيش التي يسيطر عليها الجنرالات الشيعة والمسيحيون.

ويحتاج مواجهة المشروع الإيراني الذي يعتمد على إيجاد حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، بحسب التقرير الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث، إلى توازن على ثلاثة مستويات: توازن على المستوى المحلي بتعزيز وتقوية دور المجموعات المحلية التي لا تلتزم بمبدأ ولاية الفقيه أو المجموعات التي تخوض تنافساً مع المجموعات المرتبطة بالمشروع الإيراني، وتوازن إقليمي بانخراط دول المنطقة في تحالف لدفع إيران للتخلي عن مشروعها التوسعي القائم على استدامة عدم الأمن في المنطقة، ودور دولي يعزز من مستويات التوازن المحلية والإقليمية.

ويتعزز أمن إيران بوجود الدول الضعيفة، التي يمنح ضعفها الفرصة للجهات الفاعلة من غير الدول بالعمل، إذ تمثل حالة الدول الفاشلة والضعيفة، والتي تتراجع فيها السلطة المركزية وتتعرض للخطر، بيئة مناسبة لازدهار النموذج الإيراني وتوسعه، ويتضح ذلك في ضعف الدولة في لبنان والعراق وسورية واليمن؛ والذي منح فرصة لإيران لتأسيس شبكة تحالفات إقليمية تكسر بها الحصار والعزلة وتوظفها في محاولتها تأسيس توازن قوى يحقق لها ما تريد من نفوذ وهيمنة إقليمية.

وتنتمي السياسة الخارجية الإيرانية لهذا النموذج مدفوعة بتصـور النخبة السياسية الذي يمزج فكرة العظمة والاستعلاء القومي والاعتقاد بأنهم نخبة سياسية تحافظ على ميراث إمبراطوريات قديمة، بفكرة أنهم شعب ودولة تعرضوا للاضطهاد والتآمر من كل القوى المحيطة بهم، وهو ما يدفعهم إلى الاستعلاء على فكرة الدولة القومية ومحاولة تجاوزها من جهة، وعدم الثقة في النظام الإقليمي الذي يعتمد على الدول القومية من جهة أخرى، لذا تبحث إيران عن حلفاء من المجموعات تحت الدول أو خارجها، حلفاء عقائديون تدعمهم بالمال والسلاح مثل حزب الله في لبنان وبعض فصائل الحشد الشعبي في العراق. إضافة إلى أن إيران تسعى عبر هذا النموذج إلى التغلب على توازن القوى القائم والذي لا ينصف مصالحها التوسعية في المنطقة، لذا فهي تعتمد في مواجهة هذا النظام الإقليمي على فاعلين من غير الدول ومجموعات تحت الدولة وبناء تحالفات معها لتأسيس توازن لمواجهة التهديدات التي تتصور أنها قادمة من الدول المجاورة ولتوسيع هيمنتها الإقليمية.

وأسهم إعطاء المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأولوية لمحاربة الجماعات الفاعلة من غير الدولة التي تنتمي للسنة مع عدم الاهتمام بنظيرها التابع لإيران، في تعزير فرص إيران في تشكيل النظام الإقليمي وفقاً لمنظورها، حيث إن أمن إيران يتعزز على المدى القصير عبر إيجاد حالة من عدم الأمن في النظام الإقليمي، وعلى المدى البعيد يتعزز عبر عمليات إعادة بناء لهوية الدول الضعيفة والهشة في المنطقة لتكون في الفلك الإيراني، ومن هنا فإن مواجهة هذا تكون عبر سياسات قصيرة المدى تحد من خطر الميليشيات والجماعات من غير الدول في المنطقة، وعبر سياسات بعيدة المدى تعزز من قوة الدولة القومية وسيادتها وتجفف منبع الخطر الإيراني بعيد المدى الذي يعتمد على هشاشة الدول وضعفها، وهذا يتحقق عبر النموذج الإقليمي الذي تنحاز له السعودية.

وتنتهج الولايات المتحدة خلال هذه الفترة سياسة أميركية خارجية أكثر صرامة تجاه المجموعات تحت الدولة والفاعلين من غير الدولة التابعين لإيران، وظهر ذلك من خلال القرار الأميركي مؤخراً بتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهجوم وزير الخارجية الأميركي “بومبيو” ضد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
2 عندما تتحكم الجغرافيا بالسياسة… وهذه هي المشكلة الأردنية!
صالح القلاب الشرق الاوسط السعودية
«إن الزعيم لا يستطيع أن يسلك سياسة خارجية غير التي تمليها عليه جغرافية بلاده»… إن هذا الكلام كان قاله نابليون بونابرت في العقد الأول من القرن التاسع عشر، وأظن جازماً أن وزير الدول للشؤون الخارجية المصري والأمين العام السابق للأمم المتحدة – وإن لفترة «مبتورة» – بطرس غالي الاستراتيجي اللامع، قد استخدمه ببراعة في أحد كتبه التي إن هي أعطيت ما تستحقه من اهتمام في مصر فإنها وللأسف ليست معروفة المعرفة المطلوبة إلاّ من قبل أقلية عربية.
وبالطبع فإن نابليون عندما قال هذا الكلام كان يقوم باجتياح كثير من الدول الأوروبية، حيث كان الصراع في تلك الفترة أسبابه متعددة وكثيرة، منها المياه والمجالات الحيوية والنفوذ الإقليمي ومصادر الطاقة التي كانت تكاد تقتصر في ذلك الوقت على الفحم الحجري وحده.
لكن الانفجار الكبير بالنسبة لهذه المسألة كان في آخر سنوات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فتلك الفترة كانت فترة «الاستعمار» و«المستعمرات» وحيث تمادت الدول الغربية في «الغزو» كثيراً، فبريطانيا أصبحت صفتها «العظمى» وقد وصلت إلى أقصى شرق الكرة الأرضية وإلى غربيها وهذا ما كانت فعلته فرنسا وهولندا وإسبانيا والبرتغال.
وحقيقة، تلك الفترة كانت فترة صراعات وحروب طاحنة بالفعل، ففرنسا استعمرت الجزائر استعماراً إلغائياً لمائة واثنين وثلاثين عاماً وهذا ما فعله البيض «الهولنديون» في جنوب أفريقيا، وهنا فإن المفترض أنه معروف أن إسرائيل بصفتها دولة أقيمت على حساب الشعب الفلسطيني وأنها إنتاج تلك المرحلة التي شهدت الحرب العالمية الأولى ولاحقاً الحرب العالمية الثانية.
ما كنت أريد الإطناب والاسترسال في هذا المجال، فالهدف بالنسبة لي كان الإحاطة بهذا الذي قاله نابليون إن «الزعيم لا يستطيع أن يسلك سياسة خارجية غير تلك التي تمليها عليه جغرافية بلاده» وإسقاطه على الأردن الذي كان تكوينه الجغرافي قد بدأ في بدايات العقد الثالث من القرن العشرين ثم أخذ هيئته النهائية سياسياً وجغرافياً في نهايات العقد الرابع وبدايات العقد الخامس من هذا القرن نفسه، وحيث أصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية.
منذ تلك البدايات تناوب على هذه الدولة بـ«جغرافيتها» المتحركة أربعة ملوك؛ هم المؤسس الأول عبد الله الأول بن الحسين ثم طلال بن عبد الله ثم الملك حسين الذي استطاع أن يبحر بالأردن كدولة إلى برِّ الأمان ثم العاهل الحالي الملك عبد الله الثاني الذي يقضي الإنصاف الاعتراف بأنه أعطى أكثر بكثير مما ظن كثيرون في البدايات، واستطاع أن يضع نفسه وبلده على خريطة الدول الفاعلة والمؤثرة.
إنه بالإمكان القول وبكل صدق وأمانة إن «جغرافية» هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، هي أشد «جغرافيات» دول هذه المنطقة العربية تعقيداً، فالأردن بوصفه دولة نستطيع القول إن بدايته كانت مع القضية الفلسطينية وإن «جغرافيته» بقيت متحركة حيث أقيمت الدولة الإسرائيلية كمشروع استعماري في جزء من فلسطين ثم في عام 1967 احتل الإسرائيليون الضفة الغربية (التي كانت جزءاً من الأردن) شعباً وأرضاً وكل شيء.
وهذا جعل الـ«جغرافية» الأردنية متحركة وغير ثابتة مما فرض على الأردن سلوك سياسات خارجية، و«داخلية»، متحركة باستمرار وحيث إنه اضطر، ولأسباب وطنية وقومية ودينية واجتماعية، لاستقبال عدد من الهجرات الفلسطينية كانت أولها هجرة عام 1948 وثانيها هجرة عام 1967 وهذا بالإضافة إلى هجرة لاحقة من قطاع غزة وهجرة هائلة وكبيرة من «الشقيقة» سوريا ومن العراق ومن ليبيا ومن اليمن أيضاً ومن باكستان بعد حرب انفصال جزئها الشرقي عن جزئها الغربي الذي أصبح اسمه بنغلاديش.
إنَّ جغرافية الأردن جعلت سوريا تجاوره من الشمال، والعراق يجاوره من الشرق، والمملكة العربية السعودية من الجنوب، ومصر من الجنوب الغربي، وهذا بالطبع وفقاً لما كان قاله نابليون قد جعل السياسة الأردنية متأثرة بكل هذه العوامل وجعل المسؤول الأردني الأول، الذي هو الآن الملك عبد الله بن الحسين، قبْل سلوك أي سياسة خارجية وإقليمية أن يأخذ بعين الاعتبار «الإملاءات» الجغرافية للمملكة الأردنية الهاشمية.
وهنا ولأن قول الحقيقة ضروري فإن صاحب القرار في الأردن مضطر إلى مراعاة إملاءات جغرافية الأردن مع فلسطين ومع إسرائيل ومع الشقيقة الكبرى مصر ومع المملكة العربية السعودية ومع سوريا ومع لبنان على اعتبار التأثيرات الجغرافية المتبادلة في هذه المنطقة كلها.
وكذلك فإنه لا بد من الاعتراف بأن «جغرافية» الأردن مع الشقيقة سوريا لم تكن مريحة على الإطلاق، فقد بقي الجيش السوري «يمارس» اقتراباً استفزازياً في اتجاه الحدود الأردنية؛ حيث وصلت طلائعه في بعض الأحيان إلى مدينة إربد (عام 1970) وفي أحيان أخرى إلى مناطق تلامس العاصمة عمان من الجهة الشمالية. وهذا وللأسف تكرر مرات كثيرة وذلك مع أن الجيش الأردني لم يعبر الحدود السورية إلاّ مرة واحدة كانت في عام 1973 دفاعاً عن دمشق التي كانت مهددة باحتلال الإسرائيليين الذين كانوا احتلوا هضبة الجولان في حرب يونيو (حزيران) عام 1967.
إنه لا ضرورة للاسترسال في هذا المجال الذي لا علاقة للشعب السوري به، فهذا الشعب والشعب الأردني شعب واحد، ولعل ما لا يعرفه البعض هو أن معظم رؤساء الحكومات الأردنية السابقة من أصول سورية، وأن اقتصاد الأردن في البدايات وربما حتى الآن في أيدي الأردنيين من أصول شامية وحمصية وحلبية، وهذا ينطبق على معظم مكونات الدولة؛ بما في ذلك في بعض الأحيان الأجهزة الأمنية.
أما بالنسبة للعراق فإن المعروف أن الأردن أقام معه، عندما كان فيصل الثاني ملكاً، وحدة كانت واعدة بالفعل، لكن تلك الوحدة قد تم اغتيالها وللأسف بانقلاب عسكري قاده جنرالان هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ما لبثا أن تم تثقيب صدريهما برصاص أحد الانقلابات اللاحقة، ثم وإن المعروف أيضاً أن الجيش العراقي قد جاء إلى الأردن مرات عدة؛ أولاها في عام 1948 للتصدي للاحتلال الإسرائيلي الزاحف على فلسطين، وثانيتها عام 1967 حيث رابط في الأراضي الأردنية دفاعاً عنها ولسنوات طويلة.
ويقيناً إن هذا ينطبق على المملكة العربية السعودية؛ فالجيش السعودي كان دائماً وأبداً حاضراً في الأردن وبخاصة في الأوضاع والظروف الصعبة. وهكذا ولأن الحقائق يجب أن تقال فإنه لا بد من التأكيد على أن الأشقاء السعوديين كانوا دائماً وأبداً المبادرين إلى الوقوف إلى جانب أشقائهم الأردنيين وبكل شيء وبخاصة المجالات الاقتصادية.
أما بالنسبة للشقيقة الكبرى مصر فقد كانت ولا تزال «جغرافية» الأردن و«جغرافيتها» تمليان على الأردنيين والمصريين مواقف موحدة. وهنا وفي هذا المجال فإنه عليّ أن أكشف سراًّ؛ وهو: أن عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف عندما كانا على رأس الجيش العراقي في الأردن قد ذهبا إلى «أحد» رؤساء حكومات منتصف خمسينات القرن الماضي الأردنية وطلبا منه أن يقوم بانقلاب عسكري بمساندتهما ليقوما لاحقاً بالانقلاب الذي كانا قد قاما به في العراق في عام 1958 ضد الملك فيصل الثاني. لكن الرئيس جمال عبد الناصر عندما ذهب إليه رئيس وزراء الأردن هذا من دون علم الملك حسين ليفاتحه بأمر هذا الانقلاب كان جوابه قاطعاً في رفض هذا العرض، وقال إن مثل هذا الانقلاب العسكري سوف تستغله إسرائيل لتحتل الضفة الغربية والضفة الشرقية أيضاً.
3 العراق أضاع بوصلته…
عثمان الماجد الايام البحرينية
بداية أقول إنني لست بصدد بناء رأي حول ما جاء في مقال قرأته في جريدة الشرق الأوسط للكاتب مصطفى فحص بعنوان «عمار الحكيم،،، بين الدور والاعتراض»، فالكاتب مشهود له بالغوص في أعماق الظواهر والأشياء لاستكشاف نواصعها، وإبراز نقاط السواد فيها، لكن بعد قراءتي هذه المقالة وجدت نفسي أعود إلى الكتابة في الشأن العراقي، علما بأن الكتابة في هذا الشأن منذ 2003 حتى اللحظة لا تحتاج إلى محرضات، لأن كل فاصلة من التفاصيل في مسارات هذه البلاد العظيمة لا يحتاج للكتابة عنها والخوض في شأنها إلى محرض خاصة بعد وصول الأحزاب الطائفية إلى الحكم فيها.

ورغم أنني لا أثق بما يصرح به عمار الحكيم، على نحو ما جاء في المقال استشهادا بأن الحكيم قرر الانتقال إلى المعارضة، أو أي أحد من زمرة الإسلام السياسي، شيعية كانت هذه الزمرة أم سنية، ذلك أن الاطمئنان إلى ما يصرحون به أو يقولون معدوم من الأساس منذ جاءت الأحزاب الطائفية إلى السلطة في العراق واقتسام منافعها على أسس طائفية. قلت أعود إلى الكتابة في الشأن العراقي، لأنني تناولت مرات كثيرة هذا الشأن قبل وبعد 2003. أما قبل فقد كان الوضع السياسي العراقي على ما فيه من ألم وترد للأوضاع السياسية والأخطار المحدقة بالسلم والأمن في منطقة الخليج العربي، فإن من بعده تضاعفت هذه الآلام لتضاف إليها حزمة أخرى بعناوين طائفية واجتماعية لها انعكاساتها الاقتصادية الماسة بحياة المواطن العراقي، جيء بها من سرداب الخميني ومن دروب قم.

أعود إلى الكتابة في الشأن العراقي من زاوية ما بات يشكله هذا البلد العربي من خطر على واقع العرب عموما وعرب الخليج العربي خصوصا بعد ضياع السيادة وغياب استقلالية القرار الوطني نتيجة تغلغل النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين إلى درجة لا يمكن التنبؤ فيها بما يمكن أن يلعبه العراق من دور لإنقاذ إيران من الإنهيار المرتقب من جهة، وللإضرار بالأمن والسلم في منطقة الخليج العربي، هذه المنطقة التي يدرك كل متابع للشأنين السياسي والجيو-استراتيجي أنها لن تعرف للاستقرار طعما ولن تشهده مع وجود إيران نووية ترزح تحت حكم الملالي.

الأخبار من العراق تأتي مع كل صباح بالواضح والجديد الذي يتعارض بشكل صارخ مع مصلحة العرب، بل ويصب في مصلحة إيران، التي تشكل اليوم بؤرة لتفاقم المشكلات الأمنية في المنطقة العربية، بالوضوح نفسه. نعم الأخبار تأتي واضحة رغم السواد الذي يعتريها، فهي لا تشي بشيء يعمل على تعزيز المصلحة العربية. العراق بصريح العبارة منحاز، ليس «حشديا» فحسب وإنما حكوميا وبرلمانيا، إلى الوقوف بجانب إيران على حساب أخوة الدم والتاريخ والثقافة والحضارة، على حساب العرب جملة، والمملكة العربية السعودية وحلفائها في صد العدوان الإيراني بشكل خاص. وإذا ما تأملنا الحالة التي تقود النظام العراقي إلى هذا الموقف فإننا سنجد أنه ليس هناك ما يغري بالانحياز إلى هذا البلد المعادي صراحة للعرب أو يشجع عليه، أي لا شيء يدفع العراق إلى إسناد إيران والتمكين لها، إلا أن الحكم فيها شيعي، فهل هذا كاف لتعطي العراق كل ما تملك من قوة وعزة وكرامة إلى عدو واضح العدائية في تعامله مع العرب جميعا؟!

وفي حمأة التصعيد الإيراني المقصود، والذي منه ترجو إيران وتتمنى أن تقوم الولايات المتحدة بضربها في محاولة لخلط الأوراق بحثا عن مخرج لأزمتها الاقتصادية والسياسية الناتجة عن ضغوطات العقوبات الاقتصادية، تحدثت الأنباء عن «قيام الحرس الثوري الإيراني وبمساعدة ميليشيات عراقية – كل رموز هذه الميليشيات ممثلة في الدولة وفي الحكومة – بنقل طائرات حربية من إيران إلى معسكرات تابعة للجيش العراقي السابق» حماية لها في حال قررت الولايات المتحدة الأمريكية قصفها، إذا ما تزايدت الأخطار على الملاحة في الخليج العربي الذي يؤمن ثلث احتياجات الأسواق العالمية من النفط. كما أن الميليشيات التي تحظى بدعم حكومي، وتسمى هيئة الحشد الشعبي، وفي مسعاها لتخفيف الحصار الاقتصادي الذي تتعرض له إيران، ولعله مسار آخر من مسارات النأي بالنفس! قررت وعقدت اتفاقا مع الإيرانيين على شراء 200 دبابة. ومن دون الدخول في نقاش حول قانونية شراء الميليشيات هذا السلاح في ظل وجود جيش نظامي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما دوافع شراء مثل هذا السلاح، ومتى وضد من سوف يستخدم؟ فهل يشي ذلك ولو قليلا ببعض ما تدعيه الحكومة العراقية من نأيها بالنفس عما يدور بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الملالي الإيرانية؟!

في رأيي، ومع احترامي لكل الخلاصات التي توصل إليها الكاتب مصطفى فحص بخصوص عمار الحكيم وتياره، أن قوام الحكومة العراقية، وكل الأحزاب الطائفية فيها، شيعية وسنية، مبني على عدائية واضحة لأنظمة الحكم العربية في دول الخليج العربي، وعلى تحالف ثقافي وشائجي مع حكومة الملالي في إيران، وأن هذه العدائية قد أعمت تلك الأحزاب والتشكيلات السياسوية عن العمق العربي لبلاد الرافدين، وعن حاجة العراق إلى أشقائها العرب لتخرج من محن التطاحن الطائفي وقمقم التخلف الثيوقراطي الذي تجرها إلى قعره تلك التشكيلات السياسوية بدعم صريح من إيران.

لقد أضاع العراق وجهته، ولم يعد قادرا على تمييز الشقيق والصديق من العدو، ولا يمكن للرؤية أن تتضح أمام العراقيين من دون طفرة خلاص من الأحزاب الطائفية ومن مواقف محنطة لم ينجح أصحابها في التخلص من الأساطير الإيديولوجية والدينية والدوغمائيات القاتلة.