4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 سدانيات: على أعتاب التَّنورة!
محمد السداني
الجريدة الكويتية
لم يهلني هذا الموقف الذي رأيته في إحدى حفلات التخرج وأنا أقف شاحب الوجه مكبل اليد جامد العاطفة، فتيات في عمر الزهور يرقصن ويتمايلن على أنغام الأغاني العراقية التي تعيش صراعاً داخليا مع نفسها بين الحزن المفرط والفرح المبعثر، لم أكن ناقما ولا معارضاً لما فعلنه من أمر قد يكون عاديا جدا في مجتمع منفتح مثل مجتمعنا، ولسنا حكاما على أحد لكي نضع المعايير كمقصلة تحكم بالعدل أو بالظلم على أحد دون الآخر. لكن السؤال الذي راودني- وأصوات “الكاسور” تخترق تفكيري وكياني- من أوصل المجتمع إلى هذا الحد من التطور أو من الانحدار أو من الانسلاخ من هويته وشكله وطعمه؟! هذا السؤال قد يولِّدُ تيارا من الانتقادات لا أقوى على مجابهته، ولكن ما أعرفه جيدا أننا نعيش انفصاما حقيقيا بين ما نؤمن به، وبين ما نطبقه على أرض الواقع.

فكل النظريات والشعارات الرنانة التي نصدع بها رؤوس الآخرين في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام لا نجدها تتعدى حيز النظرية دون التطبيق، فإذا تصفحت “تويتر” أو أي موقع تواصل اجتماعي آخر فستجد انفصاما غير طبيعي يمارسه الكثير من الناس، فتجده يغرد صباحا بآيات قرآنية وأدعية جميلة، وتجده في مكان آخر يعلق تعليقا معيبا لا يمثل ولا يرتبط بالآية الصباحية التي صدع بها رؤوسنا.

وتجد آخر يحمل لواء الليبرالية والتحرر وتراه يسقط سقوطاً مدويا في أول محاولة لاختراق محيطه الاجتماعي، الجميع يدعو إلى التنمية والجميع يريدها سحرية دون تطبيق، الكثير يلعن الحكومة والحكومة لا يمكن أن تكون مختلفة عن لاعنيها والحاقدين عليها، فالحكومة ببساطة مجموعة من اللاعنين الذين لم يحصلوا على فرصة ليُلعنوا مثل سابقيهم.

هذه الفوضى من عدم الاستقرار الفكري أدت بنا إلى انفصام غريب جعل الناس مسوخاً فكرية لا قيمة لأفكارهم لأنها مجردات خارج سياق التطبيق والواقع.

إننا نحتاج أن نقرأ النظريات التي بنينا عليها قناعاتنا قراءة واعية بعيدة عن التطرف والانحياز، ونحتاج أن نفهم أنفسنا قبل أن نبدأ بإصلاح المجتمع من التنورة والحجاب والمكياج وغيره من القضايا التي تمثل لغطا لا ينتهي في حوارات الكثير، فالإصلاح الحقيقي هو إصلاح الأفكار التي من شأنها أن تصلح مجتمعات كاملة تلهث وراء شهوتها وبقائها دون الاكتراث بمبدأ الاستدامة وبناء مجتمعات قائمة على فهم ذاتها جيدا والعيش بما تؤمن به تطبيقا له لا تنظيرا.
2 العراق وقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2470
مزهر جبر الساعدي القدس العربي
هناك أسئلة كثيرة عن العلاقة الملتبسة بين الحكومة العراقية وبين حكومة إقليم كردستان. فلم يتم التوصل خلال أكثر من عقد ونصف، إلى حل نهائي وجذري ومتفق عليه للاختلافات بين المركز وإقليم كردستان، فقد ظلت الاختلافات، بلا حلول جذرية بين الطرفين، وأول هذه الاختلافات، (المناطق المتنازع عليها)، وهناك معضلة أخرى هي شكل الحكم في إقليم كردستان، هل هو فدرالية أو كونفدرلية أو هو أبعد من الأخيرة وهذا هو واقع الحال، فحكومة إقليم كردستان، لها صلاحية الدولة المستقلة من جميع الوجوه، بما يتناقض مع مواد الدستور والتي أكدت على أن العراق فدرالي.. ولم تقل أن العراق كونفدرالي..
وهناك المادة 140 من الدستور، لم تطبق حتى هذه اللحظة ولم يجر البحث فيها وفي آلية تطبيقها وما هي (المناطق المتنازع عليها) أي تحديدها بالعدد والمساحة والحدود، بين الإقليم وحكومة المركز.

كردستان جزء من العراق

المسؤولون في الإقليم، يقولون أن كردستان جزء من العراق، فهم وفي كل مناسبة وحتى من دون مناسبة يؤكدون أن كردستان جزء من العراق الفدرالي الديمقراطي (الموحد) وهذه الجملة او التوصيف يجري التشديد عليه وبقوة، وهذا قول جميل وجميل جداً، يعكس الوطنية وحب العراق الواحد، لكن، الملفت هنا، أن الواقع يتناقض بالكامل مع هذه التصريحات وما يؤيد هذا القول، مثالان واقعيان، وهناك أمثلة اخرى، لا نحتاج البحث فيها، في هذه السطور:
الاول هو البيشمركة وهو جيش مستقل عن الجيش العراقي لجهة الحقيقة والواقع الفعلي وليس لناحية التصريحات والأقوال فقط والتى لا يسندها ويدعمها الواقع على الارض.. فليس في قدرة وصلاحية القائد العام للقوات المسلحة العراقية، نقل قطعة عسكرية من الجنوب إلى أربيل مثلاً، وبالعكس نقل قطعة عسكرية من البيشمركة إلى الجنوب..
والثاني هو سيطرة الإقليم على الموارد الطبيعة وفي أولها وأهمها هو النفط استخراجاً وتصديراً، يجري بمعزل عن وزارة النفط العراقية وحتى من غير أن تعلم أو ليس لها علم بالكمية المستجرجة والمصدرة او (الدول) التى يصدر إليها أو تعلم ولكن ليس لها رأي، رفضا أو قبولا أو اتفاقا مع الدول المصدر اليها النفط العراقي المستخرج من الإقليم. جرت عدة اتفاقات لتنظيم هذه العلاقة الملتبسة أو جعلها سوية وترضي الطرفين، لكن الإقليم لم يفِ في أي من هـذه الاتـفاقات وظـلت حبـراً علـى ورق.
في آخر لقاء صحافي لرئيس الوزراء العراقي، أوضح عادل عبد المهدي بأن الإقليم لم يسلمنا برميلاً واحداً.. في خضم هذه العلاقة الغامضة والملتبسة بين المركز والإقليم، صدر قرار من مجلس الامن قبل أيام، بالرقم 2470 بصرف النظر عن ما جاء في القرار ولنركز على أهم ما فيه، من فقرات. أما بقية ما جاء في القرار لم يكن سوى إنشاء وإشارات ليست لها أية أهمية سياسية أو إجرائية:
فقد ركز أولاً: على أهمية تقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى حكومة العراق والمفوضية المستقلة للانتخابات، بشأن وضع الاجراءات اللازمة لعقد الانتخابات والاستفتاءات؟!..
وثانياً تقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى حكومة العراق ومجلس النواب بشأن مراجعة الدستور وتنفيذ الأحكام الدستورية ومسألة (الحدود الداخلية المتنازع عليها). عند قراءة القرار بتمعن والتركيز على الطبيعة الصياغية للقرار يتوصل أي قارىء له أو أن عنده أقل درجة وأبسط درجة من الفهم السياسي، إلى أن العراق لم يخرج بالكامل من طائلة البند السابع. وما يؤيد ما ذهبنا إليه هو قول مندوب الكويت أثناء مناقشة وضع العراق، من أن الكويت، لم تحصل على أي معلومات عن المفقودين الكويتيين، ولا عن رفاتهم منذ عام 2004 وهذا يعني أن الكويت وهي الطرف الاساس في إتمام إخراج العراق كلياً من طائلة البند السابع، لم تخل ساحة العراق بعد.. أي تقديم ما يفيد من أن العراق قد أوفى بجميع التزاماته.. الأمر الثاني والمهم أو الذي على درجة كبيرة من الأهمية، هو طبيعة الصياغة وحجم ودرجة التدخل في الشأن الداخلي العراقي، فهو قد فوّض المندوب الأممي في إدارة وتنفيذ أو الاشراف على تنفيذ ما رود في أعلاه ولو أن الصياغة كانت مهذبة لتخفي جوهر العمل والتدخل.. لناحية الادارة والاشراف.

عقد الانتخابات والاستفتاءات

وهذا يعني أن للأمم المتحدة الحق القانوني في الادارة والاشراف لتسوية المشاكل العالقة أو التى إلى الآن بلا حل..الفقرة المهمة هي لعقد الانتخابات والاستفتاءات وهنا يقصد الاستفتاءات حول (المناطق المتنازع عليها) أي إجراء استفتاء في تلك المناطق لمعرفة رغبة المواطنيين العراقيين في تلك المناطق في الانضمام إلى حدود الإقليم أو حدود العراق.. لترسيم الحدود الداخلية بين الإقليم والمركز.. سؤالان هنا وهما على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة:
الأول ما هو شكل الحكم في الإقليم هل هو فدرالي، وإذا كان فدرالياً فعلى ساسة الإقليم، أن يطبقوا الفدرالية كما هو متعارف عليها في جميع دول العالم الفدرالية.. وكما نصّ عليها الدستور أو هو غير هذا؟!..وكما بيّنا في السطور السابقة… والثاني ما هو عدد (المناطق المتنازع عليها) التى يتم إجراء الاستفتاء فيها.. فأصحاب القرار في إقليم كردستان يذهبون إلى حدود محافظة واسط جنوبا والى حدود نينوى شمالا، بالاضافة إلى كركوك والتى يقطنها جميع إثنيات العراق أي هي صورة مصغرة للعراق..
نتمنى ان تحل جميع هذه المشاكل وتتم تسوية الأوضاع ولكن بالشكل الواقعي والحقيقي ومن دون أن تلوى أعناق الحقائق الواقعية والموضوعية، على الارض باستثمار اللحظة التاريخية المواتية بسبب أوضاع العراق والأوضاع الإقليمية والدولية، في الوقت الحاضر والتفويض الأممي وان لم يقل قرار مجلس الامن به صراحة ولكنه واضح كل الوضوح.. ان التفويض الأممي الذي، ربما تختفي وراءه (إرادات اقليمية) بعضها من دول الجوار العربي ودولة أخرى، خارج الجوار العربي والاسلامي، لإضعاف العراق وأقلمته؟.. وإرادات دولية ايضاً.. يقتضي من ساسة العراق أن يديروا صراع هذه اللحظة التاريخية، بحنكة وبراغماتية واستخدام جميع عناصر الضغط وما أكثرها، والتى هي بحوزتهم، استخداما فعالا وحاسما، فالقوى الإقليمية والدولية تهمها مصالحها سواء الوقتية او الاستراتيجية، استخداما منتجا، لإحقاق الحق والإنصاف والوحدة كي تستقيم الأمور، صعوداً، عرباً واكراداً، وعراقاً واحداً ولا شيء غير الحق وليس الظلم وإبقاء الألغام في الطريق، على حالها من غير ان يتم نزع فتيلها، فهذا هو الطريق إلى الجحيم..
نتمنى أن يستعيد العراق سيادته ويتخلص كليا وليس جزئيا، من طائلة البند السابع المشؤوم، وتتم تسوية جميع المشاكل والاختلافات بين المركز والإقليم.
3 العراق: لا فدرالية بدون صلاحيات أمجد الدهامات راي اليوم بريطانيا

كتبت في مقالي (هل الفدرالية تؤدي الى التقسيم؟) ان هناك مِن العراقيين مَنْ يعترض على الفدرالية بحجج كثيرة، وقد تناولت في ذاك المقال التخوف من التقسيم، اما في هذا المقال فسيكون عن اعتراضات آخرى، مثل:
الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها الإقليم.
دستور وعلم وشعار الإقليم.
التمثيل الخارجي للإقليم.
سأرد، بأختصار، عن هذه الاعتراضات، مستعيناً بالتجارب الفدرالية في العالم، لنطلع جميعاً على كيفية تصرف الدول الاتحادية مع هذه الموضوعات.
أقول: لا فدرالية بدون صلاحيات، لان الغاية من الفدرالية ان يحكم شعب الإقليم نفسه بنفسه، وبدون صلاحيات لا يستطيع فعل ذلك أكيداً، بل ان سلب الصلاحيات من الإقليم قد يؤدي الى شعور شعبه بالغبن والظلم ويحاول الانفصال عن دولته الأم كما أشرت في مقالي السابق.
وسأذكر هنا بعض الأمثلة:
توجد دساتير وحكومات وبرلمانات في أقاليم سويسرا، النمسا، المانيا، البرازيل، المكسيك، فنزويلا، استراليا، ماليزيا، اثيوبيا، جنوب افريقيا، وغيرها، وتمارس هذه الحكومات، بموجب الدساتير الاتحادية، صلاحيات كثيرة ومتنوعة في مجالات التعليم، الصحة، الأمن، الشؤون الاجتماعية، الطرق، البيئة، المالية، بل اغلبها تحصل أموال أكثر مما تحصل عليه حكوماتها الاتحادية.
لكن رغم هذه الحقوق الكبيرة لكن بعض الأقاليم تتخلى عن بعضها أو تحصل على أكثر منها بالاتفاق مع الحكومة الفدرالية، فالولايات الهندية، مثلاً، لم تكتب دساتير خاصة بها وأكتفت بالدستور الاتحادي ولكن ولاية (Jammu and Kashmir) كتبت لنفسها دستوراً، وكذلك ولايات دولة جنوب افريقيا ما عدا ولاية (Western Cape) التي لديها دستور.
بل ان (8) من أقاليم الارجنتين اختارت ان يكون لها برلمان يتكون من مجلس شيوخ ومجلس نواب بينما (15) إقليم قررت ان يكون لها مجلس نواب فقط، وكذلك في استراليا اختارت (5) ولايات ان يكون لها مجلسين للشيوخ والنواب بينما اختارت (3) ولايات ان يكون لها مجلس نواب فقط.
وفي ماليزيا يتم تبادل منصب رئيس الدولة بين ملوك الولايات كل (5) سنوات، وكذلك الحال في اتحاد جزر القُمر اذ تتولى لكل جزيرة من الجزر الثلاث المكونة للاتحاد رئاسة الدولة بشكل دوري.
كما ان بعض الدول الفدرالية أعطت للأقاليم صلاحية ابرام معاهدات دولية ولو ببعض القيود، فيحق للكانتونات السويسرية ابرام معاهدات مع الدول الأجنبية في المسائل الاقتصادية والحدودية والامنية، وفي المانيا يحق للولايات ابرام معاهدات تتعلق بالاختصاص التشريعي لها، بل ان الحكومة الاتحادية ملزمة باستشارة الولايات عندما تعقد معاهدة تتعلق باختصاصها الحصري، وفي دولة الامارات يحق لكل امارة ابرام اتفاقيات مع الدول المجاورة لها.
والأكثر من ذلك ان المقاطعات الكندية اعترضت عندما وقعت الحكومة الاتحادية على اتفاقيات خاصة بمنظمة العمل الدولية لان الدستور الكندي منحها صلاحيات تتعلق بالملكية والحقوق المدنية، كما اعترضت عندما وقعت الحكومة بروتوكول كيوتو (Kyoto Protocol) الخاص بالتغير المناخي عام (2002).
وفي الارجنتين يحق للمقاطعات توقيع اتفاقيات دولية في مجالات التجارة، ادارة الموارد الطبيعية كالأنهار والنفط والغاز، المشاريع الكهربائية، الانظمة البيئية، ومشاريع البنية التحتية كبناء الطرق التي تربط بين المقاطعة والدول المجاورة لها والهجرة والامن وصيد الأسماك.
بل ان الدستور النمساوي الزم الحكومة الاتحادية باستشارة المقاطعات قبل توقيع معاهدات تؤثر عليها وفي نفس الوقت الزم الدولة بإيفاء الالتزامات الناجمة عن المعاهدات الدولية التي توقعها المقاطعات ولم تستطع الالتزام بها، وهذا الامر موجود في سويسرا ايضاً.
اما ما يخص موضوع علم وشعار الأقاليم، فإن الدساتير الاتحادية في الدول الفدرالية قد منحت هذه الحقوق لأقاليمها بحيث تكون لها اعلام وشعارات خاصة بها مستمدة من واقعها وتأريخها ورموزها لتمييزها عن غيرها، وهذا الامر موجود في كل الفدراليات في العالم، انه تميز وتمييز للإقليم وليس دولة مصغرة.
وفيما خص الاعتراض حول التمثيل الخارجي للأقاليم فهو أمر طبيعي أيضاً في الكثير من الدول الاتحادية، فمقاطعة (Quebec) الكندية لها مكاتب تمثيلية في (25) دولة تديرها وزارة علاقات دولية خاصة بالمقاطعة، وكذلك إقليم (Alberta)، وفي أمريكا أفتتحت الولايات (180) مكتباً يمثلها خارج البلاد تمثل مصالحها، وكذلك في المانيا يحق للمقاطعات فتح مكاتب خارجية لها، واقامت الكانتونات السويسرية التي لها حدود مشتركة مع دول اجنبية علاقات مع هذه الدول في مجالات الثقافة والطاقة والسياحة وغيرها، وفي الهند اقامت ولاية (Jammu and Kashmir) علاقات مع جارتها باكستان، وولاية (Sikkim) مع الصين، وولاية (West Bengal) مع مجموعة خليج البنغال الاقتصادية، وارسلت حكومة إقليم (Basque) الاسباني وفد يمثلها لدى الاتحاد الاوربي في بروكسل.
بالنهاية: اعتقد اننا نعترض ونستغرب من هذه الأمور لان بلدنا جديد على النظام الاتحادي، لكن لنعمل معاً على إنضاج تجربتنا ولنجعل فدراليتنا مثل فدراليات العالم.
4 كيف يمكن للموساد ان يجر اميركا لإعلانها حرباً على إيران؟ د. محمد توفيق علاوي راي اليوم بريطانيا
لم تقم إيران باي عمل استفزازي يستدعي ارسال حاملة الطائرات ابراهام لنكولن وقاذفات القنابل B52ومنظومات صواريخ الباتريوت فضلاً عن حاملة الطائرات يو اس اس ارلينغتون وعدد كبير من البوارج الحربية الامريكية وزيادة عدد القوات الامريكية في المنطقة خلال الاسبوع الثاني من شهر ايار من هذا العام؛ لقد برر جون بولتن هذه الاجراءات بأنها توجه رسالة واضحة للنظام الإيراني مفادها ان أي عمل ضد القوات الأمريكية سيواجه بحزم. لو كانت اميركا تريد توجيه رسالة تهديد لإيران فحسب لأكتفت بإرسال حاملة الطائرات ابراهام لنكولن وبعض البوارج وليس منظومات الباتريوت وقاذفات القنابل B52 وغيرها من حاملة طائرات وبوارج وقوات واسلحة.
التصريح الايراني الوحيد بهذا الشأن هو التهديد بغلق مضيق هرمز، حيث هددت ايران بغلق مضيق هرمز عدة مرات في السابق منذ عام 1988 وعادت الى هذا التهديد عام 2008 و2012 و 2015 واما الازمة الاخيرة فأول تهديد بإغلاق المضيق كان في شهر تموز عام 2018 اي قبل اكثر من عشرة شهور من التحشيد العسكري، وضلت هذه التهديدات عبارة عن تصريحات اعلامية لا اثر لها في الواقع؛ إن تصريح بولتن اعلاه يتناقض تماماً مع التهديدات الايرانية، فلم تزعم ايران يوماً انها ستقوم بعمل عسكري ضد القوات الامريكية، كما ان اغلاق مضيق هرمز حتى وان تحقق فلا يستدعي كل هذه التحركات العسكرية الضخمة إلا إذا كانت هناك نيات مبيته لعمل عسكري واسع وكبير لا علاقة له بتهديدات اغلاق المضيق، فإن اغلقت ايران على سبيل المثال المضيق فإن اميركا تستطيع الحصول على موافقة مجلس الامن وحشد تأييد دولي لإعلان حرب شاملة على ايران من قبل مجموعة من الدول خلال فترة بسيطة، وإن حدث مثل هذا الامر فإن ايران لا تجرؤ على اغلاق المضيق لمدة ساعة واحدة، بل هي تعلم علم اليقين تداعيات مثل هذا الاجراء؛ والفرق شاسع بين تهديدات اعلامية تأتي من بعض السياسيين والعسكريين الايرانيين وبين اتخاذ اجراء حقيقي على الارض وتنفيذ هذا التهديد.
لا يستطيع ترامب من اعلان الحرب على ايران إلا إذا اقنع الشعب الامريكي بضرورة هذا الامر تحقيقاً لمصلحة اميركا وامنها القومي؛ حيث وجدنا ان هناك تحركاً في المنطقة لضرب المنشآت الامريكية من سفارة وشركات ومعسكرات امريكية وضرب الناقلات لتأجيج الرأي العام الامريكي والمسؤول عن التنفيذ هو الجهة الاولى المستفيدة من الحرب الامريكية الايرانية، إن جميع الضربات التي تعرضت لها السفارة الامريكية والقوات الامريكية في العراق لم تؤدي إلى مقتل اي مواطن امريكي، كما إن ضرب الناقلات وإن وجهت التهمة إلى ايران فالإنكار العلني لإيران يشكك بتوجيه اصابع الاتهام إلى ايران.
لا تستطيع اميركا من اعلانها حرباً على ايران إلا إذا تعرضت حياة الأمريكان من عسكريين او مدنيين الى الخطر الحقيقي وأدت الى وفاتهم، أما ضرب طائرة الاستطلاع الامريكية سواء كانت داخل المياه الاقليمية الايرانية او في المياه الدولية، فأمريكا قد يمكنها ان ترد بضربة محدودة، حيث اعطى البنتاغون المبرر القانوني لترامب للرد بضربة محدودة، ولكن إن ردت ايران على هذه الضربة فستتداعى الامور إلى حرب شاملة وهذا ما لا نتمناه لما سيترتب عليه من آثار سلبية على العراق وعلى جميع دول المنطقة ومن ضمنها ايران.
إن ما يٌخشى من ترامب هو امرين؛ الاول هو ردات فعله غير المحسوبة وغير المتوقعة، والامر الثاني هو استهزاؤه لمن سبقه من الرؤساء الأمريكان ومنهجهم في الحرب وبالذات الكشف المسبق عن ساعة الصفر حيث تطرق في إحدى لقاءاته إلى منهجه في الحرب وهو عدم كشف ساعة الصفر بل المباغتة.
ومما يزيد من مخاطر احتمالات الحرب هو توجيه الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين، قبل يومين تحذيرا إلى حزب الله في عدم استخدام الأراضي اللبنانية قاعدة لشن هجمات على إسرائيل، فضلاً عما تطرقت اليه جريدة هآرتس الاسرائيلية ايضاً قبل يومين لسيناريو حرب مع حزب الله، حيث اقرت ان هذه الحرب ستؤدي الى استهداف الكثير المواقع الاسرائيلية بالصواريخ والقذائف بشكل لم تشهده من قبل فضلاً عن مقتل مئات الجنود الاسرائيليين مع زعمهم انهم في النهاية سيهزمون حزب الله وتدعوا الى التماسك الداخلي للفوز في هذه المعركة.
الكونغرس رفض وسيرفض تمويل حرب شاملة ضد إيران؛ إلا إذا أدى الرد الايراني إلى مقتل عدد من الجنود الأمريكان؛ فالمبرر القانوني سيتوفر لترامب لشن هجوم كاسح ومدمر لإيران؛ قد تنجح إيران في الخروج من ازمة اسقاط الطائرة المسيرة سالمة إن عرفت كيف تتعامل بشكل منطقي ومدروس؛ ولكن تبقى خطورة مقتل عدد من الجنود الأمريكان في العراق او مناطق اخرى على يد اشخاص ظاهرهم التبعية لإيران ولكنهم مسيرون بشكل مباشر او غير مباشر من قبل الجهة الاولى المستفيدة من النزاع الامريكي الايراني.
نسأل الله ان يحفظ بلادنا وجميع دول المنطقة من الانجرار نحو حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر ولا تصب في نهاية المطاف إلا لمصلحة من يفكر بترسيخ الطائفية وتمزيق بلداننا وتدميرها.