4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 خيار الحرب: مقامرة إيرانية خطيرة
عبدالوهاب بدرخان
الحياة السعودية

تتعامل إيران مع أزمتها وكأن لاختبار قدراتها العسكرية أولوية على التخلّص من العقوبات التي تستنزفها، أو كأن الإيحاء بوجود خطر خارجي عليها من شأنه أن يطغى على المشكلة الأساسية، أي العقوبات. فمن جهة هي لا تريد الحرب، لكنها من جهة أخرى لا تعتبر العقوبات إجراءً ديبلوماسياً، بل سلاحاً يخنق اقتصادها، لأن تداعياته السابقة والحالية والمستقبلية باتت تساوي ما هو أكثر من حرب ولا يمكن أن تُرفع عنها إلا بحرب. في المقابل يتصرف الخصم الأميركي وكأنه حقّق أكبر أهدافه ضد إيران، عبر العقوبات، وأن الأزمة الراهنة نتيجةٌ ومتابعةٌ لهذا الإنجاز، وتتويجٌ لضغوطه الشديدة عليها وعلى وكلائها، وبالتالي فهو بنى حساباته على أنها إذا كانت دولة طبيعية سترضخ لدعواته إلى التفاوض، بل سترضخ في أجل قريب. ذاك أن كل الخيارات الأخرى لا يفيدها: فحال كاللاحرب واللاتفاوض لا توقف خسائرها ولا تحل مشكلتها، أما الحرب فتضاعف الكلفة ولا يمكن التحكّم بكل تفاصيلها لضمان “نصرٍ” ما أو لادّعائه على الأقلّ، علماً بأنه حتى إذا حصل لا يحلّ أيضاً مشكلتها.

بعد ضرب ناقلتي النفط في خليج عُمان وارتسام الخطر على الملاحة عبر مضيق هرمز أضيء الأحمر في مختلف العواصم لتقدير احتمالات تفجّر المواجهة. فالحادث وقع غير بعيد عن قطع الأسطول الأميركي في مياه الخليج، وشكّل تحدّياً لـ “السلطة الدولية” للولايات المتحدة، ولم يكن الجدل حول “الجهة المسؤولة” سوى تجهيل مسيّس استخدمته روسيا والصين في سياق مواجهتهما المفتوحة مع أميركا بمقدار ما هو انعكاس لموقف دولي عام يخشى حصول حرب. لا يمكن أن يجهل أحد أن إيران هي الطرف المعتدي على الناقلتين اليابانية والنروجية، أما أي اشتباه آخر فيفترض أن أميركا هي التي دبّرت الحادث بالتنسيق مع أطراف ثالثة فقط من أجل تعريض ايران لمساءلة دولية، لكن الذين استندوا في تبرئة ايران إلى غياب أدلة دامغة اصطدموا في محاولتهم توجيه الاتهام إلى جهة ثالثة بغياب دافع منطقي ومصلحة واضحة، فإيران وحدها لا تخشى خسائر من تعطيل الملاحة وعرقلة الامدادات النفطية.

خلافاً لتقديرات الأسابيع السابقة أصبح شبه متفق عليه الآن أن الحرب لم تعد احتمالاً مستبعداً، فممارسات إيران تنذر بأنه خيارها، بل إنها باشرته بسجال حِيَلٍ وتكتيكات العسكرية، جاعلةً من مشاغلتها للعدو مقدّمات لحرب بدأتها فعلاً حتى لو لم تبادر إلى التهديف عليه مباشرةً. إذ أن تأجيج التوتر في مياه الخليج، معطوفاً على الهجمات التي يديرها إيرانيون ضد السعودية، تحت غطاء الحوثيين، يشكّلان مرحلة أولى في هذه الحرب. ومع أن إيران تبدو متعجّلة لاختصار الأزمة إلا أنها تخوضها بنَفَسٍ ماراثونيٍّ طويل، فأوراقها كثيرة ولا تريد كشفها واستخدامها باكراً لئلا تخسرها أو تعرّضها للخطر. لذا تكتفي موقتاً بضربات يصعب تحديد الجهة المسؤولة عنها أو بعمليات يمكن إدراجها في إطار حرب اليمن. لكن، سرعان ما ستكتشف طهران أن تكتيكاتها هذه متوقّعة مسبقاً على رغم عنصر المفاجأة فيها، وبالتالي فإنها ستعمد إلى رفع درجة التصعيد.

أما لماذا أصبحت الحرب خياراً أو مناورة إيرانيين فالأسباب كثيرة. منها: أولاً، أن الطرف الآخر هو الذي يلعب ورقة اللاحرب مكتفياً بضغوط العقوبات والاستعدادات الردعية، ومن الطبيعي أن تردّ ايران بتكتيك مضاد. ثانياً، أن في ترجيح الحرب استفزازاً وإحراجاً للرئيس دونالد ترامب وإدارته. وثالثاً، أن البديل التفاوضي لم ينضج، بل انتكس أخيراً بدليل أن ترامب علّق على فشل مهمة شينزو آبي بأن “لا الإيرانيين ولا نحن أيضاً جاهزون لاتفاق” (نووي جديد). كما أن ردّ المرشد الإيراني علي خامنئي على رئيس الوزراء الياباني بأنه لن يتسلّم رسالة ترامب ولن يردّ عليها لم يتضمن سوى فتواه بأن “العقيدة الإسلامية تمنع حيازة سلاح نووي”، وهذه حجة مكرّرة جرّبها سابقاً ولم تقنع أحداً وإلّا لما تتطلّب الأمر عامين من التفاوض للتوقيع على اتفاق يقيّدّ البرنامج النووي حتى السنة 2025 وقد ارتضاه المرشد لفترة ثم راح يهاجمه بأسوأ النعوت، على غرار ترامب الذي اعتبره “كارثياً” قبل أن يقرر سحب انسحاب اميركا منه.

لعل الدليل الآخر على إطالة الأزمة وعدم نضوج الوساطات للتفاوض أن ايران تستعد لخفض آخر للالتزامات التي يفرضها الاتفاق النووي، ومنها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما فوق 3.67 في المئة وزيادة المخزون منه إلى ما فوق 300 كلغ واستئناف إنتاج المياه الثقيلة بنسبة تفوق الـ 150 طناً. هذه خطوات تشكّل خروجاً على الاتفاق أو تمهيداً لذلك، كما تعني يأساً ايرانياً نهائياً من إسهام الأطراف الأوروبية الثلاثة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في “انقاذ الاتفاق” وفي مساعدة إيران على إحباط العقوبات الأميركية. لم تكن طهران تتوقّع الاستجابةً الأوروبية التي تتمنّاها، لكنها تظاهرت بأنها – كـ “دولة تحترم التزاماتها” – حريصةٌ على الاتفاق وعلى تطبيقه من جانبها بشرط التزام الطرف الآخر عدم فرض عقوبات عليها. غير أن الشروع في خرق الاتفاق لا يزعج واشنطن، المنسحبة منه، بل يدعم مطالبتها باتفاق آخر، فيما يقلق الأوروبيين أن يروا الاتفاق ينهار وأن ينزلق بالوضع في اتجاهين: أزمة طويلة يتخللها سجال عسكري ومخاض عسير قبل معاودة التفاوض، أو تكون الحرب المباشرة بديل محتملاً للاتفاق المتهاوي.

لكن، في الانتظار، لا بدّ من معالجة الخطر على الملاحة والامدادات النفطية. والمرجّح أن يتم اللجوء إلى تأمين حماية للناقلات، كما يحصل حالياً بالنسبة إلى السفن العابرة للبحر الأحمر وتعرّضها لعمليات القرصنة، وكما حصل خلال الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي عندما استجاب رونالد ريغان طلب الكويت حماية ناقلاتها المستهدفة إيرانياً. غير أن معطيات كثيرة تغيّرت، فالولايات المتحدة لم تكن طرفاً علنياً في تلك الحرب كما هي في الأزمة الراهنة، ولم تكن مسؤولية إيران عن الاعتداءات مجهولة أو مجهّلة بل مثبتة ولم ينقضها أي طرف دولي، ثم أن الإمكانات البحرية الإيرانية لم تكن كما هي اليوم. لذلك لن يكون بناء تحالف دولي لحماية الناقلات مهمة ميسرة في ظل الانقسام الدولي الحالي، فلن تتأخر روسيا والصين في وضع العراقيل، سواء لمناكفة الولايات المتحدة أو بادّعاء أن ازدحام مضيق هرمز يضاعف المخاطر. كما أن إيران ستعترض استناداً إلى أنها لم تُتهم ولم تُدَن وأن من حقّها إبداء الرأي (أو حتى المشاركة؟) في عمليات تمس أمنها ومياهها الإقليمية، ولذلك خرج العديد من العسكريين الإيرانيين أخيراً لتأكيد القدرة على اغلاق المضيق، بما في ذلك إطلاق الصواريخ الباليستية على السفن.

الشهور الستة المقبلة مرحلة صعبة ودقيقة في تحديد مسار الأزمة، قد تحصل مستجدّات ديبلوماسية تبقي التوتر تحت السيطرة، أو تحصل تطوّرات تسرّع المواجهة. هذه المهلة الزمنية تقديرية ومبنية على تحليل الموقفين الأميركي والايراني، إذ يربطها المراقبون من جهة بزيادة تأثير العقوبات وإمكان إسهامها في قرار إيران في شأن التفاوض، ومن جهة أخرى بالموعد التقليدي لبدء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. يراهن الطرف الإيراني على الارتباك الأميركي ويحاول توظيفه بناءً على أن عدم رغبة ترامب في الحرب يمكن أن تضعفه أمام الناخبين إذا أجادت طهران توظيفه برفض شروط التفاوض والمواظبة على تحدّي أميركا واستفزازها عسكرياً. أما الطرف الأميركي فيعتبر أن مسألة إيران يجب أن تكون جزءاً رئيسياً من حملة ترامب، بل يُفترض أن يحقق فيها انجازاً يبرزه أمام ناخبيه ومنافسيه. آخر ما أبلغته طهران للوسطاء أنها لن تفاوض أبداً تحت وطأة العقوبات، لكن رفعاً جزئياً للعقوبات قد يساعدها على تليين وقفها. في المقابل هناك من يذكّر بأن ذهاب جورج دبليو بوش إلى الحرب على العراق، على رغم تداعياتها السيئة، هو ما أتاح إعادة انتخابه لولاية ثانية. ليس فقط أن ترامب ليس بوش الابن بل أن إيران ليست العراق، ثم أن ترامب يستطيع التمسك باللاحرب، إلا إذا استدرجته إيران إلى حرب إقليمية لن تكون خاطفة وسريعة.
2 نعيق الغُرْبان!!

طلال القشقري
المدينة السعودية
ضمن خطبة جمعة تُشبِه نعيق الغُرْبان، التي صُدّت عن التهام فريستها، صبّ ممثّل خامنئي الرسمي في العراق هجومًا عنيفًا على المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني بسبب فتواه بأنّ للعراق عُمْقًا عربيًا يمتدّ إلى السعودية!

وصرّح الغُراب الناعق، أبيض البشرة أسود القلب، أنّ الهدف من معاداة السعودية هو الانتقام من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، والثأر للحسين بن علي بن أبي طالب، ولهذا حاربت إيران الدواعش السعوديين في العراق وهزمتهم، وهو الكاذب الكذوب، فما الدواعش إلّا صناعة إيرانية واستخباراتية دولية بامتياز!.

وإن دلّت الخطبة على شيء فتدلّ على استحالة تحسين سلوك النظام الإيراني الذي تبحث عنه أمريكا ودول الخليج والعالم الحُرّ، باستثناء نظام حمد أُسْ ٢ في قطر، فالسلوك الإيراني هو أيديولوجي ثابت مثل ثبات أوتاد الجبال، وهو في أيديولوجيته البغيضة لا يختلف عن سلوك داعش قيد أنملة، ولا يمكن تحسينه بعقوباتٍ اقتصادية حتّى لو كانت مُؤثِّرة، إذ سُرعان ما يعود لنفس السلوك وأسوأ إذا انتهت العقوبات أو خفّت أو تمكّن النظام من الالتفاف حولها.

وسلوك النظام الإيراني في الملف النووي، وفي الهجوم على الناقلات النفطية في الخليج العربي، لا هدف له سوى بعْث رسالة بأنّه قادر على تهديد العالم بأسره، وألّا أحد يقدر على منعه من السيطرة على المنطقة، وتحويل الإسلام إلى إسلام بنكهة فارسية وثنية مجوسية، بما فيها من حِقْد وثأْر وانتقام وخُرافات وشِرْك وبِدَع وتجارة قبور مُربحة للمُلالي الأثرياء.

ودليلي هو مُطالبات مُقتدى الصدر المستمرّة، وهو الشيعي العراقي الخانع لإيران، بإعادة بناء قباب البقيع في المدينة المنوّرة على قبور آل البيت كي يُقدِّسها العامّة الجهلة من دون الله عزّ وجلّ، وباللهجة المكيّة العاميّة «دَه بُعْدُهْ» وبعيد عن عُمامته وشارِبِه ولحيته بحول الله!.

فكيف نتفاهم مع إيران؟! هذا بالحرف الواحد ما قاله سموّ وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي داوود الشريّان، وقد صدق.

وتحسين السلوك الإيراني سوف يتحقّق ـ فقط ـ إذا زال نظام الملالي من على وجه الأرض، واسْتُبْدِل بنظام عصري لا يقوم على أيديولوجيا شبيهة، ودُمِّر برنامج إيران النووي، وأُعِيدَت دولة الأحواز العربية المُطِلّة على الخليج العربي للوجود مرّة أخرى، وإذا احترمت إيران مواطنيها من أهل السُنّة ومساجدهم، كما تحترم دول الخليج مواطنيها الشيعة وحسينياتهم، وإذا تبرّأت من حزب الشيطان القابع في لُبنان، ومن الحشد الشعبي الطائفي في العراق، ومن الحوثيين الأوباش في اليمن.

وبدون ذلك، ستضطرب المنطقة أكثر وأكثر حتّى يقضي الله أمرًا كان مفعولا..

اللهم انصر بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية
3 اللاجئون يكبحون الطامعين
سوسن الأبطح الشرق الاوسط السعودية
لا رحمة في هذا العالم. في كل مرة تطلق فيها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين صرخة أقوى من التي سبقتها، ورقماً أضخم مما قبله، ومع ذلك لا يرف جفن لمسؤول ولا تتوقف مصانع السلاح عن التوريد والابتكار، وتخصيص المليارات للتوصل إلى أسلحة أكثر فتكاً وأشد دماراً، وتتوالى المؤامرات على الشعوب الضعيفة، لنسف ما تبقى لها من استقرار من أجل حفنة من المصالح.
لمرة جديدة يقفز عدد اللاجئين، وهذه المرة ليس بسبب الحرب في سوريا فقط، وإنما نتيجة ما تعيشه فنزويلا أيضاً، حيث عاد السكان إلى المقايضة بعد أن وصلت المواجهة بين الرئيس نيكولاس مادورو والمعارض خوان غوايدو، المستمرة منذ خمسة أشهر، إلى طريق مسدودة. ولم يكن ينقص الفنزويليين الذين هاجر منهم أربعة ملايين خلال أربعة أعوام، إلا هذا الصراع ليصبح سبعة ملايين بينهم في عوز، ويعيشون تحت رحمة المساعدات الإنسانية التي لا تصل، في عودة مأساوية إلى زمن العصور الأولى بعد شح الغذاء والأدوية والبنزين والكهرباء في بلد البترول والغاز والاحتياطات العالمية التي يسيل لها اللعاب.
لم تعد شعوب كثيرة محمية من خطر اللجوء الذي قد يداهمها في أي لحظة مهما عظمت ثرواتها؛ ولنا في العراق عبرة.
تقول المفوضية إن عدد اللاجئين صار يقترب من 71 مليوناً، أي ضعف عددهم منذ عقدين، غالبيتهم انتقلوا من دولهم البائسة إلى دول أخرى فقيرة ومتهالكة أو غيروا مناطقهم في بلدهم نفسه. ومن الغريب أن الدول الغنية التي ترفع الصوت عالياً ويملأ احتجاجها الإعلام، مثل الاتحاد الأوروبي، ليست هي التي تستقبل الجحافل، وإن كانت ألمانيا تشكل استثناء. فالدول الفقيرة تستقبل ضعف ما تقبله الدول الغنية، وأما الأكثر فقراً فقد اضطرت مذعنة لاستقبال ثلث هؤلاء. فالقوى الكبرى غالباً ما تقنع دول الجوار التي هي أول المستقبلين بأن حسن الضيافة عليهم والتكاليف الباهظة عليها، لكنها ما إن يستقر الحال باللاجئين، ويستتب أمرهم حتى تسحب يدها، وتترك البؤساء يتصارعون فيما بينهم.
والكلام حول عنصرية المستضيفين كما يحدث في لبنان، ليس الكبار منه براء. فهم يسهمون في إشعال النيران، وتأجيج الحروب، ويندفعون للوعد بالمساعدة في السلم بعد الحرب، لكنهم عند التسديد قليلاً ما يلتزمون.
فمن المآسي أن مناطق جديدة تشتعل وموجات أخرى تبدأ بالنزوح، قبل أن تندمل جروح شعوب سبقتها. فلم تعد الصراعات تتوقف بعد سنة أو اثنتين، ومنها ما يستمر لعقود. لا، بل إن حرباً تبدأ لا يبدو أن إنهاءها بات من الممكنات. فلا تزال أفغانستان بلد حروب، والعراق جريحاً، وسوريا تلفظ أبناءها، وليبيا تئن وجعاً، فيما تتفجر مآسي الروهينغا، وتعصف أعمال العنف في كولومبيا. ومن المفارقات أن يضطر المهاجر إلى الهجرة من جديد كما حصل مع عراقيين وفلسطينيين في سوريا، أو أن تتجه قوافل معذبين من بلد كالصومال لتحتمي ببلد يكتوي بالنار كاليمن. حقاً إن بؤس هذا العالم لم يعد يحتمل، خاصة أن الظلم يأتي على الصغار قبل الكبار وأن أكثر من مائة ألف طفل هاجروا العام الماضي وحدهم دون أن يكونوا في حمى أسرة أو فرد من عائلتهم.
وبينما تهدد السويد بترحيل مئات اللاجئين اللبنانيين الذين فرّ غالبيتهم خلال الحرب الإسرائيلية عام 2006، تتبع الحكومة اللبنانية سياسة لتخفيض عدد النازحين السوريين بعد أن أصبح الوضع الاقتصادي لا يسمح للبناني الذي احتضن جاره في بيته ومع عائلته بأن يقبل استمرار منافسته له في لقمته.
ومع أن الأرض تتسع دائماً للجميع، وهي خصبة ودافئة كحضن أم، فإن المشكلة دائماً ليست في المساحات، بل في الذهنيات، والخوف من اقتسام الفرص التي تشح أصلاً. الشعوب تزداد فقراً وخوفاً. لم يسبق أن كان الأوروبي قلقاً على معاشه التقاعدي أكثر مما هو عليه اليوم، ولم نسمع قبلُ عن توتر مزمن في الدول الكبيرة خشية على ثقافتها من الغزو، كما نسمع حالياً. وكأنما الأمور انقلبت، والمخاوف انعكست، ودبت فوضى، فيما كل شيء يعاد تشكله، من بنية الدول، إلى ديموغرافيات الشعوب، إلى إعادة ترسيم الحدود والسلطات حتى داخل أوروبا نفسها، و«البريكست» ليس مجرد ظاهرة عابرة. كل هذا والنزاعات تنذر بمزيد من اللاجئين. وحين يقولون لك إن دولاً كثيرة كانت تشعل فتيل الحروب كي تبيع أسلحتها وتنعش اقتصادها، باتت تخشى من اندلاعها خوفاً على أمنها الاجتماعي، فذاك بالتأكيد مما بات يحسب له كبير حساب. هذا لا يعني أن السلم آت وأن الأمن يستتب، لكن العالم بمقدوره أن يكون أكثر بشاعة وعنفاً، والفرص كلها متوفرة، لولا هذا الكابح الجديد والمفيد.
4 أمير الكويت في بغداد
سمير عطا الله
الشرق الاوسط السعودية

أمير الكويت في بغداد: هل هذا وقت للتذكر أم للنسيان؟ وماذا نتذكر وماذا ننسى: كيف احتلت دولة عربية دولة أخرى وألغتها من الوجود، وعينت متبطلاً حاكماً عليها؟ وماذا نتذكر؟ كيف رفض صدام حسين الإصغاء إلى العالم أجمع، أو التطلع إلى جيوش وأساطيل 33 دولة من دول العالم، جاءت تساهم في طرد جيشه من الكويت؟
التاريخ يحكم دائماً بالنسيان. لكن الشيخ صباح الأحمد سوف يتذكر وهو يعبر الأجواء إلى العراق أن كل دبلوماسية الأرض لم تستطع إقناع صدام حسين بأنه يدمر بلاده ويعتدي على بلد جار، ويدمّر ما هو قائم من وحدة العرب، ويغرس بدلها غابة من الشك والخوف والكره.
احتلال الكويت كان نقطة مشينة في تاريخ العرب. وأسوأ ما فيه، أن بعض العرب وقف إلى جانبه، وأما الرجال الذين أيدوه، فقد لقي كل منهم نهاية مثل التي أيدها. الشماتة عيب. لكن الذي حدث أن الذين شاركوا في ظلم الكويت، وقهر شعبها، واحتقار مبادئ وتقاليد وأصول حسن الجوار، أصابهم ما أحلّوه بغيرهم.
طبعاً هذا ماضٍ، لكنه أيضاً تاريخ. وطبعاً لا يؤخذ العراق بما اقترفه رجل في حق بلده وبلاد الآخرين. لكن على الجميع أن يتذكروا أن مهزلة حمقاء كلفت العراق والكويت والعرب آلاف الأرواح وأطنان الثروات وقروناً من العودة إلى الوراء.
كان عمر البشير يتباهى بتحدي مذكرة التوقيف الدولية في حقه: تفضلوا اعتقلوني. لم يجرؤوا على ذلك. لكن الشرطة العسكرية في الخرطوم هي من اعتقله. عمر البشير هو آخر حلفاء صدام في تبرير احتلال الكويت. فرقة الخاسرين الذين برروا الجريمة الجماعية في حق العرب وفي حق القانون وفي حق السمعة العربية.
أمير الكويت في العراق، يجر خلفه ستة عقود من العمل في إرساء التقاليد الدبلوماسية بين العرب. وسيط واسع الصدر، طويل البال، حليم الطباع، يمثل نموذج الاستمرارية في سياسة البناء المحلي والترفع العربي. باسماً كعادته يدخل أمير الكويت إلى العراق، لكي يبحث في آفاق التعاون الذي حلّت محله ثلاثة عقود من الهباء والعداء والأحلام الصبيانية الخرقاء.
لا يقارن ما خسرته الكويت بما خسره العراق. لكن حروب الجهالة ليس فيها رابحون. لو أصغى صدام حسين إلى أقرب مساعديه لما ركب تلك المقامرة المشؤومة. لكنهم خافوا أن يكون مصيرهم ما كانت مصائر رفاقهم من قبل، يوم تلا بنفسه أسماء الإعدامات من الرفاق.