1 حرب الناقلات من جديد
عبد الله الشيبة الاتحاد الاماراتية
هل عادت حرب الناقلات في مياه الخليج العربي للظهور مرة أخرى بعد ما يناهز 37 عاماً على اندلاعها أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت في الفترة 1980 إلى 1988؟ ففي سنة 1982 سعت العراق إلى ضرب ناقلات النفط الإيرانية لإجبار إيران على وقف إطلاق النار أو السلام، مما دفع إيران للرد على مهاجمة سفنها. وخلال تلك الفترة من الحرب تم استهداف 546 سفينة تجارية تقريبا تضم 259 ناقلات نفط أو ناقلة للمنتجات البترولية مما نتج عنه مقتل ما يقارب 430 بحارا مدنيا. وقد استهدفت القوة الجوّية العراقية معظم موانئ النفط في إيران، حيث حاول العراق منع إيران من تصدير النفط، بينما تركّزت الهجمات البحرية والجوية الإيرانية على ناقلات النفط الخليجية، بدعوى أن دول الخليج العربي داعمة للعراق. وقد تم تقدير الخسائر الاقتصادية الناجمة عن حرب الناقلات بمليارات الدولارات، بجانب الأضرار البيئية والبشرية والمادية الضخمة التي تسببت فيها.
ومؤخرا وخلال أقل من شهرين، تعرضت ناقلات النفط والمنتجات البترولية في منطقة الخليج العربي وبحر عُمان لهجمات إرهابية ألقت بظلالها على المنطقة مٌنذرة بخسائر اقتصادية ومادية وبشرية تزيد بكثير عن مثيلتها أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ففي شهر مايو الماضي أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة أن أربع سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات تعرضت لعمليات تخريبية بالقرب من المياه الإقليمية وفي المياه الاقتصادية للدولة في خليج عُمان، باتجاه الساحل الشرقي بالقرب من إمارة الفجيرة. ويوم الخميس الماضي أوردت وكالات الأنباء خبر الهجوم على ناقلتين ترفع إحداهما علم جزر مارشال واسمها «فرونت ألتير»، فيما الناقلة الثانية اسمها «كوكوكا كاريدجس» وترفع علم بنما.
وبين حرب الناقلات الأولى وبوادر اندلاع الحرب الثانية في المنطقة العديد من القواسم المشتركة وأبرزها أن تلك الأحداث تجري في أهم وأخطر مناطق العالم الاقتصادية وهي الخليج العربي. والمعلوم أن احتياطيات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من النفط الخام قد بلغت بنهاية عام 2013، نحو 496 مليار برميل كاحتياطيات مؤكدة بما يشكل 38,8% من الاحتياطي العالمي المؤكد والمقدر بحوالي 1,277 تريليون برميل بينما بلغت احتياطيات دول المجلس من الغاز الطبيعي نحو 41,6 تريليون متر مكعب عام 2013، بنسبة 21% من الإجمالي العالمي. أضف إلى ذلك أنه في عام 2016 نٌقل عبر مضيق هرمز أكثر من 18 مليون برميل نفط بشكل يومي، كما تم نقل ما يقدر بنحو 17.2 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات في 2017، ونحو 17.4 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2018. وذلك يعني أن نحو خمس إنتاج العالم من النفط يمر عبر المضيق، مما يعكس أهمية المنطقة للعالم.
وثاني القواسم المشتركة يكمن في إيران وتهديدها للملاحة البحرية بالخليج العربي أثناء حربها مع العراق من 1980 إلى 1988 وحالياً في ظل تصاعد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية وتزايد المؤشرات على ارتكاب طهران للهجمات على السفن خلال الشهرين الماضيين. والقاسم المشترك الثالث هو الدور العسكري الأميركي في المنطقة. ففي عام 1987 أقنعت الكويت الولايات المتحدة بتوفير الحماية لناقلاتها، وبدأت السفن الحربية الأميركية في حراسة الخليج ومن غير المستبعد أن تكرر الإدارة الأميركية السيناريو نفسه في حال تزايدت الهجمات على سفن نقل النفط مما سيتسبب في ارتفاع أسعار الخام بصورة كبيرة وإلحاق أضرار ضخمة بالاستثمارات الاقتصادية في المنطقة نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية المتوقع. ولذلك من الضروري توحيد الموقف ضد السلوك الإيراني التخريبي، وردع طهران ووكلاؤها، لكي لا تكون حوادث الهجوم على سفن النفط بداية لحرب عسكرية جديدة شاملة في المنطقة.
2 امين الريحاني في بغداد خالد القشطيني
الشرق الاوسط السعودية
بزغ في العشرينات الأديب الشهير أمين الريحاني. كان رائداً من رواد القومية والوحدة العربية. زار سائر بلدان الشرق الأوسط وكتب مذكراته عن مشاهداته في كتابه الشهير «ملوك العرب». دعاه الملك فيصل الأول لزيارة العراق فلبى الدعوة وقصد بغداد عام 1922. بالطبع أقيمت له حفلات عديدة في تكريمه، ولكن حفلاً خاصاً أحدث ضجة كبيرة عندما أقام المعهد العلمي وليمة كبرى حضرها الملك نفسه.
خلدت تلك الحفلة بسبب القصيدة التي ألقاها الرصافي. استهلها بالترحيب بالضيف:
إن العراق بعرضه وبطوله
وبرافديه وباسقات نخيله
يهتز مفتخراً بمقدم ضيفه
ويبش مبتسماً بوجه نزيله
ولكن الشاعر سرعان ما انتقل إلى نغمة خطيرة عندما وجّه كلامه للضيف وقال:
أأمين جئتَ الى العراق لكي ترى
ما فيه من غرر العلى وحجوله
عفواً فذاك النجم أصبح آفلاً
والقوم محتربون بعد أفوله
أأمين لا تغضب عليَّ فإنني
لا أدعي شيئاً بغير دليله
من أين يرجى للعراق تقدم
وسبيل ممتلكيه غير سبيله
لا خير في وطن يكون السيف
عند جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده..
والعلم عند غريبه.. والحكم عند دخيله
أزعجت الكلمة الأخيرة «الحكم عند دخيله» الملك فيصل، إذ اعتبر أنه هو المقصود فيها، فكما نعلم، لم يكن من أبناء العراق. وكان خصومه كثيراً ما وصفوه بأنه دخيل على العراق والعراقيين، بيد أن أصدقاء الشاعر خفوا لإسعاف الموقف وشرحوا للملك أن المقصود بالدخيل الإنجليز.
تقبل الملك هذا التعليل بما اشتهر به من رحابة الصدر والروح السمحة وتجاوز الطعنة. ولكن الشاعر على العكس، تميز بروح الصلابة والتحدي. لم تمر غير أشهر قليلة حتى استأنف لهجته الهجومية، وعاد في هذه المرة إلى مهاجمة الملك فيصل صراحة كصنيعة للإنجليز في بيتين عنيفين قال فيهما:
لنا ملك تأبى عصابة رأسه
لها غير سيف التيمسيين عاصبا
وليس لنا من أمره غير أنه
يعدد أياما ويقبض راتبا
بالطبع لم ينصف الشاعر الملك فيصل رحمه الله الذي كان يعاني من ضغط الإنجليز من ناحية، وضغط الشعب من ناحية أخرى وقضى جل حياته يحاول التوفيق بين الطرفين. سمع الملك بذلك البيت الجارح. ومرة أخرى لم يتخذ أي إجراءات ضد الرصافي في إطار العيب والطعن، بل واصل التعامل مع الشاعر بنفس السماحة واللطف. ولكنه استغل ذات يوم حفلة جمعته به فقال له معاتباً: أما زلت يا معروف تعتقد أنني أعدد أياماً واقبض راتباً؟ فأجابه الشاعر: «عسى ألا تكون».
3 العراق: هل الفدرالية تؤدي الى التقسيم؟
أمجد الدهامات راي اليوم بريطانيا
كالعادة ينقسم العراقيون، كما في أي موضوع آخر، حول الفدرالية ما بين مؤيد أو معارض لها، وقد نسوا ان اغلبيتهم قد وافقوا على دستور (2005) الذي نصَّ على الفدرالية وحرية تكوين الأقاليم في العراق، وكانت الحجة الرئيسية لدى الرافضين للفدرالية انها يمكن أن تؤدي الى تقسيم البلد!
حسناً، لنطلع على تجارب العالم ولنرى هل الفدرالية قسمت البلدان أم وحدتها؟
بنظرة سريعة على خريطة العالم سنرى ان تطبيق الفدرالية والحكم الذاتي الموسع كان السبب الرئيسي لعدم تقسيم الدول التي تتكون من قوميات، أعراق، لغات، أديان ومذاهب متعددة، وان عدم تطبيق الفدرالية أو إلغاء تطبيقها كان السبب المباشر لتفكك تلك الدول أو محاولة أجزاء منها الانفصال عنها.
هل تريدون، أيها السيدات والسادة المعترضون، دليلاً على هذا الكلام؟
اذن هاكم هذه الأدلة:
كانت بلجيكا تعاني من مشاكل كثيرة بين مكوناتها العرقية واللغوية الثلاثة (الفلامينك، الوالون، الجرمان)، فكان الحل الفدرالي هو أفضل الممكن للحفاظ على وحدة البلد وعدم تقسيمه فتحولت عام (1993) من دولة مركزية إلى دولة فدرالية وتم انشاء ثلاثة أقاليم (Flemish، Wallonia، Brussels).
وكذلك حفظت الفدرالية وحدة بلدان كثيرة، مثل: الولايات المتحدة، المانيا، سويسرا، الهند، ماليزيا، جنوب افريقيا، البرازيل، الارجنتين، وغيرها.
بينما كان السبب المباشر لبداية نضال ارتيريا للانفصال عن اثيوبيا هو إلغاء النظام الفدرالي الذي كانت تتمتع به من قبل الامبراطور (Haile Selassie) عام (1961) الامر الذي أدى الى استقلالها (1993).
وكذلك سبب بداية الحرب الأهلية السودانية هو إلغاء فدرالية الجنوب من قبل الرئيس (جعفر النميري) عام (1983) وكانت النتيجة استقلال دولة جنوب السودان (2011).
وتكرر نفس الامر عندما ألغى الرئيس الصربي (Slobodan Milosevic) الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو (Kosovo) عام (1989) فكانت النتيجة الحتمية انفصال الإقليم (2008).
اما محاولة إقليم بيافرا (Biafra) الانفصال عن نيجيريا واندلاع الحرب الاهلية (1967) فكانت بسبب عدم منحه صلاحيات كافية لإدارة شؤونه الداخلية، وهو سبب تمرد ومحاولة انفصال إقليم الباسك (Basque) عام (1968) عن اسبانيا، ومحاولة انفصال مقاطعة ايرلندا الشمالية (Northern Ireland) عن بريطانيا والتي انتهت باتفاق الجمعة العظيمة (1998) الذي مُنحت بموجبه حكماً ذاتياً موسعاً، وكذلك سبب محاولة جزيرة أنجوان (Anjouan) وجزيرة موهيلي (Moheli) الانفصال عن دولة جزر القُمر ولم تنتهي هذه المحاولات إلا عام (2001) بعد تعديل الدستور وإنشاء نظام فدرالي وتداول رئاسة الدولة بين الجزر.
بينما لم يحصل مثل هذا التمرد في زنجبار (Zanzibar) لأنها عندما اتحدت مع تنجانيقا لتشكيل دولة تنزانيا (1964) تم منحها حكماً ذاتياً بصلاحيات محلية كبيرة.
وأيضاً ساهم منح هونغ كونغ (Hong Kong) عام (1997) وماكاو (Macao) عام (1999) استقلالية كبيرة في إدارة شؤونهما الخاصة في تسهيل رجوعهما إلى الصين وتخلصهما من الاستعمارين البريطاني والبرتغالي.
إذن، على عكس رأي المعترضين، ان السبب الرئيسي لتفكك وانقسام الدول المتعددة المكونات هو الحكم المركزي الدكتاتوري وعدم تطبيق الفدرالية بالإضافة الى تصاعد الروح القومية بتأثير من السياسيين القوميين المتعصبين، كما حصل في الاتحاد السوفيتي (السابق) الذي تفكك إلى (16) دولة عام (1991)، ويوغسلافيا (السابقة) التي انقسمت الى (7) دول (1991)، إذ رغم انهما دولتان فدراليتان بالأسم، إلا ان نظام الحكم فيهما شديد المركزية وكل الصلاحيات بيد الحكومة الاتحادية الدكتاتورية ولا توجد صلاحيات مهمة لدى الحكومات المحلية للجمهوريات المكونة للبلدين، فكانت النتيجة الحتمية هي الانقسام، وهو السبب الرئيسي لانفصال سوريا عن مصر (1961)، وانفصال بنغلادش عن باكستان (1971)، وانقسام تشيكوسلوفاكيا الى دولتين (تشيك وسلوفاكيا) عام (1993).
ولو تم تطبيق الفدرالية عند اتحاد دولتي اليمن الشمالي واليمن الجنوبي (1990) لما حدثت الحرب الأهلية الانفصالية بينهما عام (1994)، ولكن عندما حصل الحوار الوطني اليمني عام (2014) كانت الفدرالية أحد مخرجاته حيث تم الاتفاق على إنشاء (6) أقاليم اتحادية.
وكذلك عدم تطبيق الفدرالية في قبرص وقيام الرئيس (Makarios) عام (1963) بتعديل الدستور لتقليص الحقوق السياسية للقبارصة الأتراك أدى الى انفصالهم واعلان (جمهورية شمال قبرص التركية).
وأيضاً لو تم تطبيق الفدرالية في تيمور الشرقية (East Timor) لما انفصلت عن اندونيسيا (1999)، ولكن بعد الانفصال تعلمت الحكومة الاندونيسية الدرس فمنحت الحكم الذاتي الموسع لإقليم بابوا (Papua) عام (2001) وإقليم آتشيه (Aceh) عام (2005) بعد تمرد طويل ومطالب بالانفصال، وكذلك الحال في إقليم بانجسامورو (Bangsamoro) الذي منحته الحكومة الفلبينية الحكم الذاتي (2014) بعد تمرد عسكري للحصول على الاستقلال بسبب قيام الرئيس (Ferdinand Marcos) بإلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به شعب مورو (Moro) منذ عام (1976)، وحتى الحل المقترح لمشكلة الصحراء الغربية القائمة منذ عام (1975) هو منحها الحكم الذاتي ضمن المغرب الذي طرحه الملك محمد السادس عام (2007).
ثم يذكر المعترضون، لتأييد رأيهم، استفتاءات الانفصال التي جرت في إقليم كيبك (Quebec) الكندي عامي (1980، 1995)، ومقاطعة اسكتلندا (Scotland) البريطانية (2014)، وإقليم كتالونيا (Catalonia) الاسباني عام (2017).
ولكن هذه الحجة غير ناهضة أيضاً، وبدون الدخول في التفاصيل خشية الاطالة، فلكل حالة ظروفها الخاصة، وجرت هذه الاستفتاءات تحت مبدأ حق تقرير المصير (Self-determination) الذي كفلته الأمم المتحدة، وليأس هذه الاقاليم من استجابة حكوماتها الاتحادية لمطالبها المستمرة في منحها المزيد من الصلاحيات لحكم نفسها.
علماً ان أحد أسباب إستفتاء كتالونيا هو إلغاء الحكم الذاتي للإقليم من قبل الدكتاتور (Francisco Franco) ثم ارجاعه مرة أخرى عام (1979) وبعدها ألغاء المحكمة الدستورية جزءاً منه (2010)، ولكن بعد الاستفتاء اقترح رئيس الوزراء (Pedro Sanchez) تقديم المزيد من الصلاحيات للإقليم مقابل التخلي عن فكرة الانفصال.
ونظراً لكون الحكومة المحلية في اسكتلندا لا تتمتع بصلاحيات كبيرة لحكم المقاطعة وعدم موافقة الحكومة الاتحادية على تفويضها المزيد من الصلاحيات، فقد قررت إستفتاء الشعب للإنفصال عن المملكة المتحدة، علماً ان رئيس وزراء بريطانيا (David Cameron) قد وافق على اجراء هذا الاستفتاء، بمعنى انه قانوني.
وحالة إقليم كيبك مشابهه للحالتين السابقتين تقريباً، بالإضافة الى النزعة القومية والأسباب الاقتصادية.
إذن، الاحداث في مختلف دول العالم لا تؤيد الرأي القائل ان الفدرالية تؤدي الى التقسيم، بل بالعكس ان الفدرالية هي الحل الأفضل للدول المتعددة المكونات.
وبالتأكيد هي أفضل حل للعراق.