1 إيران .. قطاع طرق للملاحة العالمية
افتتاحية
الاقتصادية السعودية
كعادتها تعمل إيران على تهديد الملاحة العالمية في الخليج العربي وبحر عمان، وكذلك مضيق هرمز، وهي تسعى من وراء ذلك إلى تمرير تأثير العقوبات الأمريكية فيها إلى الاقتصاد العالمي، على أمل أن تحقق هذه الأعمال العدائية ضغطا عالميا على الولايات المتحدة، من أجل تخفيض العقوبات ومد العمل بالاتفاق السابق، ولهذا تصعد إيران من الأعمال العدائية في الخليج العربي وبحر العرب، وقد أثبتت التحقيقات الدولية اضطلاع إيران بالعمل الإرهابي الذي استهدف سفنا سعودية وإماراتية قرب السواحل الإماراتية، كما تعرضت سفن نرويجية للتهديدات ذاتها، وبالأمس القريب تعرضت ناقلتان للمواد الهيدروكربونية في بحر العرب لهجوم مسلح، ومن بينهما سفينة تحمل الميثانول من مدينة الجبيل، وهذه السياسة قد استخدمتها إيران من قبل إبان الحرب العراقية- الإيرانية، تأمل إيران من هذا التصعيد أن ترفع قيمة فاتورة القيود المفروضة عليها، من خلال رفع قيمة التأمين والأسعار العالمية في الطاقة والنقل البحري، ما يهدد الاقتصاد العالمي بمزيد من التباطؤ، الذي يعاني حاليا مخاوف جمة، بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ولهذا تبدو الولايات المتحدة ومعها دول الخليج العربية هادئة أمام هذه التصرفات المتهورة، حيث إنها جاءت كردة فعل على الضغط الدولي الكبير على إيران، ونتيجة طبيعية على فعالية العقوبات القائمة حاليا، وأمل حكومة الملالي في إيران هو جر المنطقة إلى حرب مفتوحة، من أجل زيادة الضغوط على الاقتصاد العالمي ضاربة بعرض الحائط جميع مصالح الشعب الإيراني، ومعرضة حياة الملايين لمخاطر هائلة قد تصل إلى حد المجاعة، فيما لو اندلعت الحرب، وفي هذه الأجواء المتوترة نجد المملكة حكومة وشعبا تتعامل مع هذه الأحداث بهدوء، حتى تأخذ العقوبات الأمريكية مداها وتأثيرها المستهدف، كما تعمل على استمرار التصعيد السياسي والدولي، ومنه الإجراءات التي اتخذتها المملكة لإدانة إيران من دول العالم الإسلامي كافة، وعزل حكومة إيران سياسيا، ما يفقد قراراتها أي غطاء أو تبرير.
ومن جانب آخر تعمل المملكة على بث رسائل اطمئنان للاقتصاد العالمي، وأن هذه التصرفات العدوانية المتهورة لن تهدد الإمدادات العالمية بالطاقة، وهذا جاء صراحة من وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في المملكة، الذي أكد أن وزارة الطاقة وشركة أرامكو السعودية رفعتا درجة الجاهزية للتعامل مع مثل هذه الأعمال العدائية والإرهابية، مجددا التزام المملكة بتوفير إمدادات موثوقة من النفط إلى الأسواق العالمية. وأن المملكة ستتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة لحماية موانئها ومياهها الإقليمية، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لحماية الملاحة البحرية الدولية.
كما يتضح من تصريحات وزير الطاقة السعودي، أن المملكة مدركة للمغزى البعيد لهذه التهديدات، فالمملكة تدين جميع الأعمال العدائية والإرهابية، التي من شأنها تهديد حرية الملاحة وأمن الإمدادات وسلامة البيئة، وما تشكله من خطر على الاقتصاد العالمي. هذه العبارات الواضحة تضع التهديدات الإيرانية في وضعها الصحيح، فالتعامل مع هذه التهديدات يجب أن يتم من خلال نزع فتيل تأثيرها في الاقتصاد العالمي، ومنع إيران الاستفادة من ذلك، وعلى العالم أن يدرك أن مثل هذا الابتزاز الذي مارسته، حتى العصابات الخارجة على القانون قرب السواحل الصومالية لن يقف ما لم تقم الدول بحماية سفنها والممرات العالمية، كما فعلت سابقا مع العصابات المارقة، وحكومة إيران اليوم لم تعد أكثر من عصابة مارقة تمارس عمليات قطع الطريق في الممرات المائية العالمية.
2 سلوك دولة داخل قفص
فهد الدغيثر
الحياة السعودية
تستميت إيران في جر السعودية إلى مواجهتها مباشرة بعد إحكام العقوبات المفروضة عليها. لعل ذلك يدفع دول العالم إلى التدخل ومنع المواجهة بشروط تعتقد إيران أن باستطاعتها التحكم بها. حاولت ذلك عندما قامت بتفجير ناقلتين للنفط السعودي في الخليج ومحاولة تعطيل محطة عفيف النفطية وسط المملكة. وتكرر ذلك أخيراً، وربما لن يكون آخراً، عبر ميليشيات الحوثيين من خلال استهداف مطار أبها الدولي السعودي بصاروخ. غير أن المملكة لن تقدم على ذلك بحكم أهميتها العالمية من جهة، كما أنها لن تقدم من جهة أخرى على أي خطوة قد تؤدي في النهاية إلى تخفيف هذه العقوبات الصارمة المفروضة على طهران منذ عام.
نعم، إن ما يسمى بالجمهورية الإسلامية التي ملأت الدنيا ضجيجاً قبل أربعة عقود، تعيش اليوم في ما يشبه القفص المحكم إغلاقه، لم تنجح دولة الخميني في النهاية إلا في تخلف هذا البلد وهجرة العقول الذكية منه وسحبه إلى الوراء، حتى وصل معدل الفقر لديهم إلى نصف عدد السكان مع تدني دخل الفرد العامل إلى نسب مرعبة. وتشير إحصاءات مستقلة إلى أن معدلات دخل الفرد الإيراني العامل لا توجد حتى في أفقر دول أفريقيا أو بعض جمهوريات أميركا الجنوبية الفقيرة الغارقة في تجارة المخدرات تحت سيطرة عصابات أقلية تتحكم في مفاصل تلك البلدان. ما الفرق حقيقة بين تلك الجمهوريات وبين إيران التي يديرها “الحرس الثوري” المصنف بالإرهاب؟
أثناء كتابة هذه المقالة تطالعنا الأخبار بتعرض ناقلتي نفط مجدداً في بحر عمان لعمليات تخريبية. ولا نعلم، فربما أنها تحمل نفطاً من المملكة. تبع ذلك إعلان الجيش الأميركي عن تسجيلات صوتية تثبت تورط إيران في هذين التفجيرين. هل هناك مفاجأة في كل ما يحدث في هذا المشهد أخيراً؟ ألم يكن ذلك متوقعاً بعد تمزيق أوراق “الاتفاق النووي” قبل عام وفضح سلوك هذه الدولة المارقة؟! هل يتوقع أحد منا أن العصابات المتحكمة في إيران، والتي تم تصنيفها كمؤسسات إرهابية، ستلتزم الصمت بعد أن أوقفت دعمها المالي لميليشيا “حزب الله” في لبنان وبعد استمرار قصف مواقعها في سورية ثم تستسلم للسقوط بهدوء وتتوارى عن الأنظار؟ بالتأكيد لم يكن ذلك وارداً. ستفعل إيران كل ما يمكن فعله من دون مهاجمة القطع البحرية الأميركية مباشرة.
قد يتساءل بعض العقلاء: لماذا لا تحاول حكومة إيران الجلوس مباشرة مع الولايات المتحدة والتفاوض مجدداً حول برنامجها النووي؟ ببساطة هذا غير وارد، إذ إن الجلوس على طاولة المفاوضات هذه المرة سيجردها من دعم أذرعتها في سورية والعراق ولبنان واليمن، فضلاً عن الحاجة لتفكيك “الحرس الثوري”. الإدارة الأميركية، بل وحتى معظم الدول الأوروبية التي وقعت على الاتفاق النووي قبل أعوام عدة، أدركت اليوم أن ذلك “الاتفاق” كان خطأً برمته. العالم كله يدرك اليوم أن طموح هؤلاء أخطر بكثير مما كان العالم يتصوره أو يسمعه من الوفد الإيراني.
هناك احتمال آخر قد يشكل قناعة لدى الإيرانيين وربما تفسيراً لما يحدث، وهو أنهم بهذا الاستعراض لأسلحتهم الصاروخية والبحرية يريدون إقناع الدول العظمى بأنهم أقوياء ولا يمكن مواجهتهم. وإن كان هذا الوهم يشكل كارثة كبيرة لدى هذه “الجمهورية” حاضراً مستقبلاً، فهو احتمال وارد خصوصاً وإيران ومنذ انتهاء الحرب مع العراق لم تدخل مباشرة في أي حرب، ناهيك عن دخولها في مواجهة مع أقوى قوة عسكرية في العالم. ما قد يدعم فرضية هذا الاحتمال هو تصرف إيران في المنطقة في العقدين الأخيرين، حيث الرغبة الواضحة في التوسع والانتشار. من سوء الحظ أن هذه العقول تفكر من دون إدراك أن هذه المنطقة تعتبر الأولى عالمياً من جهة أهميتها الاقتصادية والدينية، المتمثلة بوجود أكبر المقدسات الإسلامية وأهمها وأقصد هنا مكة المكرمة والمدينة المنورة. لا يمكن لعاقل في الشرق أو الغرب ولا لأي مسلم أن يرى ويقبل سيطرة إيرانية على هذه الجغرافيا.
بعيداً من التخرصات، لا أتصور أن إيران ستنجو هذه المرة من مغامراتها المتهورة. ولن يقبل العالم مقولة أن لا علاقة لطهران بما يحدث. العلامة الفارقة في كل ما جرى ويجري هذه الأيام، أن إيران محاصرة بالفعل وأن الدول العظمى لن تسمح لها بتطوير السلاح النووي ولن تصمت إلى الأبد أمام دعم طهران للميليشيات المسلحة في دول عربية عدة. أقول ذلك لأن الأيام أثبتت وعلى مرأى من الجن والإنس وأمام أكثر المتفائلين بنوايا إيران “السلمية” أن هذا النظام غير جدير بالثقة ولا بالاحترام.
ليس أمام “الجمهورية الإسلامية” بنظري ومهما أرسلت من مقذوفات إلى الداخل السعودي عبر الميليشيات الحوثية، أو تحرشت بناقلات نفط دولية إلا خياراً واحداً من اثنين؛ إما الخضوع للتفاوض والعودة للمنطق وقبول الشروط الجديدة، وهذا سيدفع الشعب الإيراني في ما بعد إلى الثورة ومحاسبة من أهدروا ثرواته وشردوا عقوله ونخبه طوال العقود الماضية، أو الانتحار من خلال مواجهة القوى العالمية والإقليمية التي لن ترحمهم في حال وقوع مواجهة عسكرية. لو وقعت هذه المواجهة فسيتم تدمير كل ما عملوا على بنائه عسكرياً، إضافة إلى تدمير البنى التحتية واللوجستية والجسور والموانئ والمطارات ومراكز الاتصالات وإعادة البلاد قروناً إلى الوراء الله وحده يعلم كيف سيخرجون منها إن خرجوا.
هذا مصير لا مناص منه والتاريخ شاهد على فشل مثل هذه الآيدولوجيات في بناء الحضارات والتنافس الخلاق مع الغير وتأمين المستقبل الواعد للأجيال والمحافظة على ديمومته ونموه، نحن نتحدث عن نظام يفتقد الرؤية العاقلة في قيادته ويمارس الكذب كما يتنفس الهواء، نظام عاجز عن نشر الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية والاقتصادية، نظام بارع فقط في البحث عن الدمار والخراب من دون الوصول لأي هدف استراتيجي غير البقاء في السلطة من خلال اختلاق حالة وجود “الأعداء” المتربصين به.
3 كيف نتصدى لإيران في الخليج؟
عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط السعودية
خياراتنا محدودة أمام هجمات إيران التي استهدفت، في أقل من شهر، ست ناقلات نفط ومنتجاته. تعمدت تفجير سفن مقبلة من موانئ سعودية وإماراتية من خلال جمع المعلومات والتجسس على حركة الملاحة. هل الحل في شن حرب شاملة على إيران، أو الهجوم على أهداف منتقاة، مثل مرافق إيرانية مهمة، أو رفع مستوى الحماية ضد أي هجمات جديدة؟
الخيار الثالث هو الأرجح في المرحلة الأولى المقبلة، وأتوقع أننا سنعود لسيناريو ناقلات النفط الكويتية إبان الحرب العراقية – الإيرانية، فنحن نعيش أجواء خطيرة مماثلة لما عرفتها مياه الخليج والمنطقة إبان تلك الفترة؛ فإيران أرادت الردّ على هجمات العراق على مرافقها النفطية باستهداف الكويت، وتحديداً ناقلاتها النفطية. بعد فشل الوساطات، لجأت الكويت إلى الرئيس الأميركي، حينها، رونالد ريغان، الذي وافق على منح الحماية، وانخرطت واشنطن في عملية عسكرية كبيرة ضد نشاطات إيران الملاحية في مياه الخليج. ولأن القانون الأميركي يمنع قيام القوات الأميركية بحماية سفن أجنبية، جرت إعادة تسجيل السفن الكويتية ورفع العلم الأميركي عليها. بين عامي 1987 و1988، حيث كانت الناقلات الكويتية تبحر بمرافقة القوات البحرية الأميركية، دارت معارك في تلك المنطقة، أغرقت فيها قوارب إيرانية ونفذت عمليات سرية في عرض البحر ضد مواقع إيرانية تولت مهام زرع الألغام البحرية، ووصل التوتر إلى مرحلة أن أسقطت خطأ طائرة إيرانية مدنية فوق مياه الخليج، عندما أطلقت البحرية الأميركية صاروخاً أصاب الطائرة وقتل ركابها المائتين والتسعين. انتهت حرب الثماني سنوات سريعاً بعدها.
ما علاقة تلك الحرب بهذه الأزمة؟ تكاد تكون مطابقة في ظروفها؛ ها هو نظام طهران قد بدأ موسم صيد ناقلات النفط ولن يتوقف، غير عابئ بما سيحدثه عمله من كوارث بيئية في مياه الخليج بالنفط المسرب، وتسميم مدن السواحل بالبتروكيماويات من السفن المضروبة، ورفع أسعار النفط عالمياً، فهو يريد أن يضطر الرئيس الأميركي للتراجع، وإنهاء الحصار الاقتصادي. وبالتالي، ليس هناك ما يدعو للشك في أن إيران خلف الهجمات، ولها دوافع واضحة وتنسجم مع تهديداتها المتكررة صراحة على لسان مسؤوليها باستهداف الملاحة في مياه الخليج.
وإيران لن تكتفي بضرب بضع ناقلات أخرى لاحقاً، حتى الآن أصابت ستاً. والأرجح أنها ستتجرأ على ما هو أبعد من ذلك، باستهداف مرافق بحرية ثابتة، كما فعلت إبان حرب الثمانينات، حتى تدفع بالأمور نحو المواجهة أو التنازل لمطالبها.
في مواجهتها، الخيار الثالث هو الأقرب للاحتمال، أي تحاشي الحرب العسكرية الشاملة التي لا تريدها دول الخليج ولا حتى الولايات المتحدة؛ فهذه الدول تجد في العقوبات الاقتصادية سلاحاً مريحاً لها. إيران تنزف مالياً واقتصادياً كل يوم، وستصل إلى مرحلة من الضعف، وحتى الانهيار، لو استمرت هكذا لفترة من الزمن، لكنها تعرف ذلك وتريد فرض واقع مختلف. وهنا، بسبب التصعيد، قد تلجأ الدول المستهدفة، تحديداً السعودية والإمارات، إلى خيار الثمانينات؛ ببناء قوة دولية بحرية في الخليج تتعقب القوارب الإيرانية المكلفة التلغيم، ومواجهتها وملاحقتها. قد تتطلب خطوات كهذه موافقة مجلس الأمن، وستجد تأييداً من الجميع، ربما باستثناء روسيا التي غالباً ستقبل وفق صيغة مناسبة. الحراسة الأمنية المرافقة للسفن موجودة في البحر الأحمر ضد القراصنة، وإن كانت نشاطات الدول فردية.
ستجد الدول المستهدفة نفسها مضطرة لمواجهة الاعتداءات الإيرانية مباشرة، في حال فشلت الرسائل التحذيرية، مثل تزايد القوة البحرية الأميركية في مياه الخليج. ولا أحد هنا يريد بلوغ هذه النقطة، إنما يبدو أننا نتعامل مع طهران مختلفة، التي ينشط فيها جنرالات مثل قاسم سليماني، وتغيب عنها زعامات سياسية قوية وعاقلة نسبياً آنذاك، مثل الراحل هاشمي رفسنجاني الذي يصر أقاربه على أنه قُتِل غيلة، ولم يمت ميتة طبيعية، في ظل التصارع على النفوذ داخل أروقة النظام.
4 لا تقارنوا بين العراق وايران.. فالحرب القادمة مختلفة
صالح القزويني راي اليوم بريطانيا
ينطلق الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين في تقييمهم لنتائج الحرب الأميركية – الايرانية (فيما لو اندلعت) من واقع الحرب العراقية – الأميركية، فيتوقعون ان تكون نتائجها كارثية على ايران كما كانت على العراق، وربما وجود التشابه بين الحالتين أدى الى اعتقادهم بذلك.
ومن أبرز نقاط التشابه أن النظام العراقي السابق كان يعلن جهارا نهارا انه ينتظر الحرب بفارغ الصبر، وكان يقلل من شأن القوات الاميركية فكان يقول انه قادر على ايقاع هزيمة منكرة بها وسحقها، وأن الحرب ستحرق المنطقة برمتها وغير ذلك من الشعارات والتهديدات التي كان يطلقها نظام صدام، واليوم بل منذ سنوات تطلق طهران تهديدات وشعارات مشابهة.
ولكن الذي حدث هو ان القوات الاميركية اسقطت النظام بأقل من شهر، وحسب التقارير التي نشرت آنذاك فان المقاومة لم تكن كما كان يتبجح بها النظام ما عدا في بعض المناطق، فهل يا ترى أن مصير ايران سيكون كمصير العراق؟
وقبل أن أجيب على هذا السؤال، ينبغي أن نتسائل عن امكانية وقوع الحرب أو عدم امكانية ذلك؟ ولازلت أعتقد أن الحرب لن تقع على المدى القريب، وقد ذكرت في مقال سابق تكرمت رأي اليوم بنشره مبررات استبعادي لوقوع الحرب خاصة على المدى القريب، ولن يشن الرئيس الأميركي الحرب قبل الانتخابات الرئاسية، فمن المؤكد لانه سيقضي على أية فرصة لفوزه في الانتخابات القادمة.
ولكن فيما لو غامر وشن الحرب فهل ستكون نتائجها كنتائج الحرب على العراق، بالتأكيد كلا، وذلك للأسباب التالية:
أولا: أن العراق كان تقريبا منزوع من كافة أسلحته الاستراتيجية عندما شنت الولايات المتحدة عدوانها عليه، فبعد أن صال وجال المفتشون الدوليون في كل انحاء العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وفتشوا كل المقرات العسكرية والمنشآت العسكرية وعرفوا أين تقع مخازن الأسلحة ووجود القوات والصواريخ والطائرات، بدأوا المرحلة الثانية من مخططهم وهو تدمير كل الأسلحة الاستراتيجية، فلم يبقى للعراق أسلحة يقاتل بها.
بينما في ايران فان المفتشين الدوليين يراقبون المنشآت النووية ويعرفون بالدقة اين تقع كافة المنشآت وماذا يجري فيها، ولكن ليس لديهم اي اطلاع دقيق عن مواقع الأسلحة الاستراتيجية وما عدا الذي تعلنه ايران فان العالم لا يدري مالذي تمتلكه من أسلحة وقدرات.
وربما يقال أن الصواريخ والقاذفات الاميركية لن تمنح لايران فرصة الرد فمجرد أن تبدأ الحرب تنهمر آلاف الأطنان من القنابل على كافة مناطق ايران وخاصة المواقع التي من المحتمل أن تحتوي على مخابئ الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية، ويرد الخبراء العسكريون الايرانيون على ذلك بأن أجهزة الانذار التي رُكبت على الصواريخ الايرانية ستوعز لها بالانطلاق قبل أن تصل الصواريخ والطائرات الأميركية للأجواء الايرانية، يعني على سبيل المثال اذا كانت الصواريخ الأميركية تحتاج 7 دقائق لتصل الى ايران فخلال 3 دقائق ستكتشفها الصواريخ الايرانية وتنطلق وتستهدف القواعد الاميركية المحيطة في الدول المجاورة.
ثانيا: ربما كان للنظام العراقي السابق من يتعاطف معه هنا وهناك، وراينا ان هؤلاء لم تصدر منهم ردود فعل تجاه العدوان الأميركي وأقصى ما فعله بعضهم هو اصدار بيانات الشجب والتنديد، ولكن لا ابالغ اذا قلت أن لايران عشاق في كل بقعة من بقاع الأرض هؤلاء سيتحركون بشكل لا ارادي للدفاع عن ايران والهجوم على المصالح الأميركية، وفضلا عن هؤلاء فهناك أحزاب في دول العالم طالما أعلنت أنها توالي ايران وبعض هذه الأحزاب لديها أجنحة عسكرية، كحزب الله اللبناني الذي لن يتردد باطلاق آلاف الصواريخ على اسرائيل حال اي عدوان على ايران.
عندما تقول ايران ان المنطقة ستشتعل اذا تعرضت لأي اعتداء فبالفعل انها ستشتعل، فالى جانب ان القوات الايرانية ستستهدف المصالح والقواعد العسكرية الاميركية في الدول المجاورة فان امتداداتها ستهاجم كل هذه المصالح أيضا.
ثالثا: الشعب العراقي لم يتصد للعدوان الاميركي على بلاده نتيجة السياسات التي مارسها النظام، ولا أريد أن أقول هنا أن الشعب الايراني سيهب برمته للدفاع عن البلاد والنظام، ولكن هناك حقيقة يعرفها القاصي والداني وهي أن اي عدوان على ايران سيوحد الايرانيين ويدفعهم الى القتال ضد المعتدي، فضلا عن ذلك فان الملايين من الايرانيين ينتمون الى قوات التعبئة وهؤلاء جميعهم تدربوا على حمل السلاح والقتال ومستعدون للانخراط في أية مواجهة.
قادة ايران أعلنوا بصراحة بأنهم لن يبادروا الى الحرب، ولكن اذا بدأ العدو بشن الحرب فلن يكون بوسعه انهائها وستمتد الى ما لايتصوره.
لهذا نقول لا تقارنوا بين العراق وايران، بل ربما لو توفرت هذه العناصر للعراق لما كانت الولايات المتحدة قد شنت حربها عليه، من هنا تصر واشنطن على ضرورة التفاوض على القدرات الصاروخية الايرانية، ولو وافقت طهران على التفاوض بشأنها فستكون بداية لتدميرها وايضا بداية سقوط النظام في ايران.