3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 هل يكون مصير طهران مثل بغداد 2003؟
محمد سيد رصاص
الحياة السعودية

بين خريف العام 2001 وربيع 2003، أطاح الأميركيون بنظامين كانا على عداوة مع إيران: “طالبان” في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق. لم تكن طهران مرتاحة لما جرى فقط، بل تشاركت مع الأميركيين، من خلال تشجيعها حلفاءها المحليين في البلدين (تحالف الشمال في أفغانستان وكان يضم “حزب الوحدة الإسلامية” الموالي لطهران، و”قوات بدر” التابعة لـ “المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق”) على المشاركة العسكرية في نشاطات رديفة للغزو الأميركي للبلدين. شارك حلفاء طهران في ترتيبات حكم كابول وبغداد في مرحلة ما بعد غزو البلدين.

أنتج التغييران في كابول وبغداد وضعاً إقليمياً جعل من إيران لاعباً كبيراً في المنطقة، من خلال قوى موالية، لها دورها الفاعل في دول عدة في المنطقة، منها: “حزب الوحدة الإسلامية” في أفغانستان، والقوى الحليفة لطهران في العراق التي اتضحت غلبتها منذ تشكيل الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر ما سمي “مجلس الحكم” في 13 تموز (يوليو) 2003، الحوثيون في اليمن (في تمردهم الأول على حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في عام 2004)، حركة “حماس” التي سيطرت على غزة في عام 2007، “حزب الله” الذي أصبح الرقم الصعب في لبنان منذ عملية 7 أيار (مايو) 2008. وهذا ما دعى القائد السابق لـ “الحرس الثوري” الإيراني، المستشار العسكري لخامنئي الجنرال رحيم صفوي في عام 2009، إلى القول إن “إيران هي الدولة الاقليمية العظمى”. على الأرجح أن إدارة بوش الابن التي غزت أفغانستان والعراق لم تحسب “اليوم التالي” الذي يعقب الغزو. ومن يقارن بول بريمر بالمعتمد البريطاني كرومر في مصر بعد احتلال العام 1882 يلاحظ كم أن الأميركيين غزاة ومحتلون فاشلون.

من خلال مكاسب إيران الإقليمية التي قدمتها لها أميركا على طبق من فضة، انطلقت طهران في عملية استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في آب (أغسطس) 2005، ما شكّل بداية المجابهة الأميركية – الإيرانية. وعلى الأرجح، كان قرار المجابهة في واشنطن التي اتخذت عقوبات اقتصادية ضد إيران، تزامنت مع محاولة إنشاء معسكر إقليمي مضاد لطهران، في اتجاه أميركي جديد حاول إفقاد الإيرانيين ما كسبوه من نتائج الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.

بعد عشر سنوات من المجابهة، اختار الرئيس السابق باراك أوباما في 14 يوليو 2015 الحل الوسط مع طهران عبر توقيع “اتفاق الـ 5+1” حول البرنامج النووي الإيراني، الذي تضمن تفكيك هذا البرنامج، مع غض نظر أميركي عن البرنامج الصاروخي لطهران، وعن تمدد إيران في الشرق الأوسط.

وفي الثامن من مايو 2018، اختار دونالد ترامب سياسة المجابهة مع إيران من خلال سحب التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي، واتجه منذ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 (تاريخ استيلاء طلاب إيرانيون موالون للخميني على السفارة الأميركية في طهران العام 1979)، نحو سياسة الضغط الاقتصادي من أجل إجبار طهران على حل يشمل القضايا الثلاث: البرنامج النووي (أبعد من نطاق العام 2025 المحدد في اتفاق الـ “5+1”)، البرنامج الصاروخي، ووضع إيران في الإقليم.

هنا، نجد في تصريحات المسؤولين الأميركيين، بما فيهم الرئيس ترامب وبرايان هوك (مسؤول الملف الايراني في الإدارة الأميركية) وجيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي السابق الذي استقال في كانون الأول (ديسمبر) 2018، اتجاهاً إلى حل يعتمد “تغيير السياسة الإيرانية” و”ليس تغيير النظام الإيراني”.

إن سلاح العقوبات الاقتصادية هو السلاح الأميركي الرئيس لإقناع طهران بالقبول بالشروط الأميركية. لكن ما اتضح من خلال عملية تخريب ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، وضربات الطائرات المسيرة الحوثية لأنابيب النفط في السعودية أن طهران لا تلجأ إلى المجابهة المباشرة، بل تلجأ إلى تسخين مدروس من خلال وكلاء معلنين في صنعاء أو عبر “المجهول المعلوم” في عملية الفجيرة، لترسل رسالة مفادها أنها قادرة على الضرب خارج نطاق المنطقة الممتدة بين شمال الخليج وجنوبه إلى أبعد من “مضيق هرمز”، وأنها قادرة بالتالي على إشعال عموم المنطقة. وفي الوقت ذاته، يحمل الاعتداءان الأخيران معان عدة، فهما يعتبران بمثابة تصعيد مدروس ومنضبط الأفق، توحي إيران من خلاله بأنها تريد حلاً غير عسكري، من خلال التلويح بمخاطر المجابهة العسكرية والإيحاء للطرف الآخر بمحاسن الحل التفاوضي، إضافة إلى أنهما يعكسان مدى الضيق الإيراني من الوضع الذي أنشأه دونالد ترامب منذ الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2018، واستعجال طهران وإلحاحها فك التضييق الترامبي. بالتالي، يمكن اعتبار ما جرى أقرب إلى صراخ إيراني تألمي يعبّر عن “وضع الذات” ورسالة تحذيرية إلى “الآخر” في الوقت ذاته.

من جهة أخرى، ما زالت واشنطن مصابة بعقدة العراق، كما كانت مصابة في السبعينات بعقدة فيتنام.

وعلى رغم تعاكسهما في كثير من القضايا، فإن أوباما وترامب يتفقان على تجنب العمل العسكري الأميركي في الخارج. الأول عبر اتجاه انسحابي من الشرق الأوسط باتجاه التركيز على الشرق الأقصى لتطويق الصين، فيما يستخدم ترامب الاقتصاد وليس العسكر، من أجل فرض الأجندات الأميركية على الخارج، وهذا ما يتضح من سياسته تجاه الصين وإيران. على الأرجح، أن ترامب سيتجه نحو إبعاد موسكو عن طهران، مستغلاً تناقض مصالحهما في سورية. وربما يكون إبعاد الإيرانيين وتحجيم نفوذهم في سورية عبر ممر محدد، يتجلى بتسوية سياسية سورية جديدة تنبع من طبخة أميركية – روسية مشتركة، تكون بمثابة نسخة معدلة عن القرار2254 وأكثر إغراء وإرضاء لبوتين. وعلى الأغلب، لن يكون الاجتماع الأميركي – الإسرائيلي -الروسي المقرر هذا الشهر في القدس، بعيداً عن ذلك.

أما في اليمن، فيمكن أن يكون تضييق الخناق العسكري على الحوثيين، وسيلة للضغط على خامنئي، وكذلك جعل الوضع اللبناني غير مريح لـ “حزب الله”، فيما تبقى أقل نقاط الضعف الإيرانية في كل من العراق وأفغانستان. يمكن هنا أن يكون الوضع الداخلي الإيراني بمثابة الخاصرة اللينة لحكام طهران، ذلك أنه يمكن أن ينفجر بسبب التأزم الاقتصادي. وعلى الأغلب سيكون وضع خامنئي مختلفاً عما كان عليه عند مواجهة “الثورة الخضراء” في حزيران (يونيو) 2009، عندما امتنع أوباما، الذي كان منخرطاً في مفاوضات سرية مع الإيرانيين في مسقط منذ مايو 2009، عن استغلالها.

ليست إيران اليوم قوية كما كانت أمام أوباما عند توقيع اتفاق العام 2015، ولكنها ليست ضعيفة إلى الحدود التي كان عليها العراق عام 2003.

ختاماً، يجدر القول أن علي الخامنئي ليس مثل الملا عمر أو صدام حسين، كما أن دونالد ترامب ليس مثل جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 (سبتمبر) 2001. فالوضع اليوم مختلف، وبالتالي فإن الحرب لن تحصل على الأرجح، لا بل إن التسوية الأميركية – الإيرانية هي المرجحة، لكنها لن تكون لصالح إيران كما كانت تسوية أوباما – خامنئي في عام 2015.
2 أمجد الدهامات: العراق: وزير لعدة وزارات!

أمجد الدهامات
راي اليوم بريطانيا

للمرة الثالثة أكرر هذه المقدمة:

“يتصرف أغلبنا، نحن العراقيين، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً”.
ومناسبة ذكرها هذه المرة هو ما يحدث عندما يتولى شخص ما وزارة معينة في الحكومة العراقية ثم يتولى وزارة غيرها عند تشكيل حكومة جديدة، عندها يبدأ الكلام السلبي والتعليقات الرافضة بل وحتى (التحشيش) عن الوزير (بتاع كلو)! كما يقول أخوتنا المصريون.
السؤال الكبير: هل من الصحيح أن يتولى شخص ما عدة وزارات وباختصاصات مختلفة؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي الإجابة على أسئلة أخرى لنتبين حقيقة الموضوع:
السؤال الأول: ما هي وظيفة الوزير؟
الوزير هو الرئيس الأعلى للوزارة ويتولى رسم السياسة العامة لوزارته في ضوء إستراتيجيات عامة تضعها الحكومة في بيانها الوزاري، أي انه قائد فريق عمل الوزارة المسؤول عن وضع خطط عملها لتطوير اختصاصها بما يقدم أفضل خدمة للمواطنين.
السؤال الثاني: هل يجب ان يكون الوزير خبيراً في تخصص الوزارة التي يتولاها؟
لا يتشرط في الوزير ان يكون فنياً أو خبيراً في أعمال وزارته، بل لابد ان يكون إدارياً ومخططاً ناجحاً، وان جمع الخبرة الإدارية مع الاختصاص فهذا أفضل أكيداً.
السؤال الثالث: اذن من يتولى الأمور الفنية التخصصية في الوزارة؟
انهم الوكلاء والمدراء العامين والمستشارين في الوزارة الذين يجب ان يكونوا خبراء في أختصاص وزارتهم، ولهذا تحرص حكومات الدول على ابعادهم عن المحاصصة حتى في الحكومات الائتلافية.
السؤال الثالث: هل جرت مثل هذه الحالات عند تشكيل الحكومات في دول العالم؟ وكيف تم التعامل معها؟ وهل توجد أمثلة؟
نعم حدثت مثل هذه الحالات كثيراً جداً، بل لا يمكن احصائها، وتم التعامل معها بشكل طبيعي جداً من قبل الحكومات والشعوب، وادناه بعض الأمثلة:
في فرنسا: (نيكولا ساركوزي) رغم انه محامي إلا انه تولى مناصب: وزير الميزانية، وزير الاتصال، وزير الداخلية، وزير الاقتصاد والمالية، عضو البرلمان، رئيس الجمهورية، وعضو المجلس الدستوري.
(لوران فابيوس) أختصاصه إدارة: رئيس الوزراء، وزير الميزانية، رئيس البرلمان، وزير المالية، ووزير الخارجية.
(ميشال آليو ماري) محامية وتولت مناصب: الخارجية، العدل، الداخلية، وعضوة البرلمان.
وفي بريطانيا: (جاك سترو) رغم ان اختصاصه هو القانون الا انه تولى مناصب: عضو البرلمان، نائب رئيس الوزراء، وزير العدل، وزير الخارجية، ووزير الداخلية.
(جيريمي هنت) اختصاصه آداب وتولى مناصب: عضو البرلمان، وزير الصحة، ووزير الخارجية.
وفي المانيا تولت (انجيلا ميركل) واختصاصها فيزياء مناصب: وزيرة المرأة والشباب، وزيرة البيئة، ورئيسة الوزراء.
(زيغمار غابرييل) أختصاصه علم الاجتماع وتولى مناصب: وزير الخارجية، وزير الشؤون الاقتصادية والطاقة، نائب رئيس الوزراء، ووزير البيئة.
ميشال باشليت وهي طبيبة وتولت مناصب: وزيرة الصحة، وزيرة الدفاع، رئيسة تشيلي، ونائبة الأمين العام الأمم المتحدة.
بن علي يلدرم وهو مهندس بحري: وزير النقل، وزير الاتصالات، رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان التركي.
وهذه الحالة موجودة في الدول العربية ايضاً، مثل:
يوسف بطرس غالي الحاصل على دكتوراه بالفلسفة تولى مناصب عديدة في مصر مثل وزارات: التعاون الدولي، شؤون مجلس الوزراء، الاقتصاد، التجارة الخارجية، والمالية، ولم يقل أحد عنه أنه وزير (بتاع كلو!).
يوسف يوسفي اختصاصه فيزياء وتولى مناصب: رئيس وزراء بالوكالة، وزير الخارجية، ووزير الطاقة والمناجم في الجزائر.
صباح خالد الحمد أختصاص علوم سياسية وتولى مناصب: وزير العدل، الاعلام، الخارجية، نائب رئيس الوزراء في الكويت.
اما في لبنان: فقد تولى جبران باسيل وهو مهندس مدني وزارات: الاتصالات، الطاقة، والخارجية.
وائل أبو فاعور وهو اختصاص إدارة اعمال تولى وزارات: الشؤون الاجتماعية، الصحة، والصناعة.
محمد فنيش اختصاص رياضيات تولى وزارات: الطاقة، العمل، التنمية الإدارية، شؤون مجلس النواب، والشباب والرياضة.
اذن يكون جواب السؤال الكبير: نعم، لان الشخص الإداري المتميز والمخطط الستراتيجي سينجح في كل وزارة، وعكسه سيكون فاشلاً في أي منصب!
3
بندقية خامنئي.. فتوى للدفاع عن ولاية الفقيه حامد الكيلاني العرب بريطانيا

الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وضع نظام الملالي في مأزق انحسار مساحة المناورة خاصة بعد تصعيد العقوبات وقرار تصفير صادرات النفط ووضع الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، وما تبع ذلك من تعزيز للقوات العسكرية والتلميح الأميركي إلى الحرب إذا تعرضت مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها لأي اعتداء تشنه إيران أو أذرعها في المنطقة.
النظام الإيراني بتوقيعه الاتفاق سنة 2015 اعتقد أنه امتلك تفويضا بحقوق تصدير مشروع ثورته إلى الشرق الأوسط وبعض مناطق العالم الرخوة، بعيدا عن رقابة ومتابعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وكذلك ألمانيا. تصرفات النظام تؤكد رهانه على إبقاء برنامجه النووي لأهداف التسلح ورقة بيده لابتزاز أوروبا والولايات المتحدة وبما يعول عليه من مواقف روسية وصينية تجاه السياسة الأميركية.
لكن الاتفاق الذي مدته 10 سنوات انقضت منه 4 سنوات، بمعنى أن المدة المتبقية لتأجيل العمل بالبرنامج النووي تقارب 6 سنوات، وهي مدة يدرك معها النظام الإيراني استحالة انتظار نهايتها في ظل واقع العقوبات وشبه العزلة الدولية ليعلن انتهاء مفعول العمل بصلاحيات الاتفاق، فاتحا لنفسه مجال العودة إلى فترة ما قبل التوقيع متسلحا بخبرة المفاوضات وحجة التزامه بعدم الانسحاب من الاتفاق طيلة ما تعرض إليه من ضغوط.
سياسة “التحريض ضد إرهاب النظام الإيراني” التي أقرتها قمم مكة ينبغي أن يتعامل معها العرب كما لو كانت استراتيجية لتجهيز خط دفاعهم الأول
التهديد بمدة الشهرين لأوروبا، أو التخلي عن بعض بنود الاتفاق يوفر لنا قراءة ملامح سير المفاوضات قبل التوقيع وكيفية تعاطي النظام الإيراني مع سياسة التقسيط في إفشاء بعض أسرار برنامجه النووي، وسماحه لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى المفاعلات في آراك ونطنز، والنظام يسعى الآن لإعادة تسويق المخاوف من برامجه السرية للإيحاء بامتلاكه قدرات تسريع إنتاج أجهزة الطرد المركزي، أو الوصول بتخصيب اليورانيوم إلى سقف أعلى من محددات الاتفاق النووي.
حالة اللاحرب واللامفاوضات، ما البديل عنها غير التهديد بخرق بعض بنود الاتفاق أو الانسحاب منه، وهي تجسيد لما وصفه علي خامنئي بالسير على حافة الهاوية، وما بندقية القنص الروسية الصنع التي رافقته في خطابه بطهران إلا دلالة على انخفاض المعنويات ونفاد الصبر الاستراتيجي الذي طالما روجت له ولاية الفقيه ومن يتصل بها.
خبر امتلاك مدينة للصواريخ تحت الأرض الذي سربته إيران يشبه مضمون رسالة بندقية خامنئي المتوجة طيلة أربعين عاما من برامج الإرهاب والتضليل في متاهة محور المقاومة وحناجر زعماء الميليشيات وأجندات السياسة الإيرانية، التي يجد فيها بعضهم ملاذا من خيبات الإصرار على إثم خيانة أمتهم رغم أن الحق واضح وغايات ملالي طهران لا تخفي نواياها حتى بما يتصل باحتلال مكة أو الإساءة إليها. وهل هناك أسوأ من إطلاق صواريخها الباليستية باتجاهها، أو ما قاله علي فدوي، أحد قادة الحرس الثوري، “لو كنا في اليمن لسيطر الحوثيون على الرياض”، وهو يقصد هنا أن الحوثيين ما كان لهم أن يكتفوا بإطلاق صواريخهم.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحابه من الاتفاق وما آلت إليه العقوبات والاستحضارات العسكرية قطع أكثر من نصف المسافة نحو تغيير سلوك النظام، أو الرهان على الشعوب الإيرانية في تغيير النظام. أما النظام الإيراني وبصادرات إرهابه خلال العقود الأربعة الماضية من سلطته فيكون قد قطع كل المسافة للحرب مع العرب تحديدا، وأصبح على مقربة من مشارف جبهة حرب مفتوحة مع العالم وأساسا مع الشعوب الإيرانية التي ما عادت ترى في بندقية خامنئي إلا تلويحا بقوة غاشمة تختفي خلف صلاحيات ولايته ومشروع نظامه المتخلف الذي أساء للإسلام والإنسانية، وأجهز على طموحات المواطنين في إيران الذين بدأوا بالتدفق على دول الجوار طلبا لكفاف قوت أهلهم وأطفالهم.
التبجح بالمقاومة وتسميات ومناسبات فلسطين والقدس تدحضها المنافع المجانية التي قدمها النظام الإيراني لتدعيم الأمن الإسرائيلي بإضعاف المدن العربية، بل وتدميرها وتهجير سكانها وإفقارهم واستباحتهم بفيالق وحشود قاسم سليماني الطائفية.
النظام الإيراني بتوقيعه الاتفاق سنة 2015 اعتقد أنه امتلك تفويضا بحقوق تصدير مشروع ثورته إلى الشرق الأوسط وبعض مناطق العالم الرخوة، بعيدا عن رقابة ومتابعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن
دائما ما تعاف نفوسنا ذكر تفاصيل الجرائم الشائنة وما يلحق بأبناء جلدتنا وأهلنا، لكن يكفي أن نضرب مثلا بالموصل وما يجري فيها من انتهاكات قوى الاحتلال الإيراني، رغم أن السلطة في العراق تجاهر باستقلال قرارها وبالحياد والنأي بالنفس عن أي صراع مع إيران، لكنها سرعان ما أسفرت عن ولائها المطلق لنظام طهران عندما تحفظت على الإجماع العربي الذي أقر في قمم مكة إدانة السلوك التخريبي لإيران في المنطقة، دون مراعاة للتوقيت أو لمخاطر الانحياز لدعم الحرائق الإيرانية التي تستعر في كل زاوية من أرض العراق.
العراق نموذج مصغر لإيران تحت سلطة ولاية الفقيه، ولعل الفساد وتغول أدوات الحرس الثوري دفعا حتى بالقوى الطائفية التي تتستر بالاعتدال إلى إعلان ميولها بالاصطفاف مع إيران استجابة لمضمون بندقية المرشد، رغم أن المعركة خاسرة في مقاسات الداخل الإيراني وما يشهده من تداعيات لاهثة نحو تقبل المواجهات التي من المحتمل أن تضحي بالبحرية الإيرانية باعتبارها طُعما للمعارك خارج الحدود البرية، وأيضا التضحية بالميليشيات الخاضعة لولايتها في العراق، وذلك ما يعيد العراق إلى توازنه وفق الرؤية الأميركية لترميم العملية السياسية الفاشلة التي جاءت بها كارثة الاحتلال.
عبارة “التحريض ضد إيران” يتردد صداها في إعلام المحور الإيراني الموجه ضد مخرجات قمم مكة، رغم أن سياسة “التحريض ضد إرهاب النظام الإيراني” التي أقرتها قمم مكة ينبغي أن يتعامل معها العرب كما لو كانت استراتيجية لتجهيز خط دفاعهم الأول عن أمتهم للذود عنها واسترجاع ما ضاع من مدنهم وعواصمهم خلال أربعة عقود من مشروع إرهاب الملالي، لذلك فإن التحريض ضد النظام الإيراني وعزله هما أول الغيث حتى للشعوب الإيرانية الظمأى للحرية.