9 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 من قتل مسافر عبدالكريم
صالح الشايجي الأنباء الكويتية

مسافر عبدالكريم مواطن عراقي كان يعيش في الكويت قبل الغزو العراقي وكان يعمل في الحقل التمثيلي وله حضور جيد فيه.

اتهم بالعمالة للعراق بسبب برنامج تلفزيوني كان يقدمه أثناء الاحتلال ويتضمن إساءة للكويت.

تمت تصفية مسافر في الأيام الأولى للتحرير.

السؤال: من الذي قتل مسافر عبدالكريم؟ ولماذا قتل؟

منذ التحرير وحتى اليوم، استقر في أذهاننا أن مسافر آزر العراقيين بسبب مواقفه العدائية التي ظهرت على شاشة التلفزيون.

نفاجأ اليوم وبعد كل هذه السنوات بمعلومات جديدة تناقض كل ما قيل وتمحو تلك الصورة التي تكونت في أذهاننا عن مسافر.

قصّت زوجته وابنته ما حدث لمسافر، فلقد اعتقله العراقيون وعذبوه بصورة وحشية وعرّضوه لأنواع من التعذيب النفسي إضافة للتعذيب الجسدي ثم اعتقلوا زوجته وابنته وابنه وهددوه بإلحاق الأذى بهم إن لم يتعاون معهم، وكما تقول عائلته فقد كان في حالة غياب عن الوعي حينما رأوه نتيجة عقاقير مخدرة أعطيت له.

ولم تقتصر هذه الشهادة والمشاهدة على عائلته، بل شهد على التعذيب الذي تعرض له، آخرون لا تربطهم به صلة الدم.

وكذلك شهد الفنان جاسم النبهان بأن مسافر رآه في اليوم الأول للغزو وقال له اذهب إلى بيتي لأخذ أسلحة وتوزيعها على من يريد مقاومة العراقيين، وهو الأمر الذي أكدته زوجته التي قالت إن مسافر تمكن من جلب بعض الأسلحة وقام بتخزينها في بيته.

وتقول إن العراقيين نقلوهم إلى بغداد ومسافر من ضمنهم، ولما ابتدأت حرب تحرير الكويت تمكنوا من الذهاب إلى إحدى مدن الجنوب العراقية وحلوا ضيوفا على أقارب لمسافر، وبعد التحرير غادر وحيدا إلى الكويت على أن تلتحق به عائلته فيما بعد.

قام مسافر بتسليم نفسه لأحد المخافر الكويتية من أجل تبرئة نفسه بعد تقديمه إلى المحكمة، وخوفا على نفسه بسبب الفوضى التي حلت بالبلاد في الأيام الأولى للتحرير وخوفا من تصفيته بحجة الخيانة!

فما الذي دفع مسافر للعودة إلى الكويت لو كان فعلا خائنا!

أنا لست في صدد الدفاع عن الرجل، ولكن أتمنى أن يفتح التحقيق في قضية مسافر عبدالكريم من أجل الوقوف على الحقيقة.
لقد اغتيل جسديا، ولكن المحزن أن يغتال معنويا وهو ميت ويظل اسمه ملطخا بالعار، وهو الأمر الذي مازال يتسبب بالأذى النفسي لعائلته
2 علاقات إسرائيل بقوى الشر
عبدالله رمضان العمري المدينة السعودية

من المهم تقديم قراءة مختصرة وهادئة للعلاقات الإسرائيلية مع مثلث طهران، أنقرة، الدوحة، بداية من توريد إسرائيل السلاح لإيران لمدة (8) سنوات أثناء حربها مع العراق، مروراً بإقامة نظام الحمدين علاقات حميمة مع إسرائيل وتبادل الزيارات معها سراً وعلانية وعزف السلام الإسرائيلي في الدوحة بالتزامن مع عزف قناة الجزيرة وضيوفها يومياً أنغام موشحات التبشير بتحرير فلسطين بقيادة المندوب السامي لإسرائيل في قطر اللورد (حنا عزمي بشارة) وبيع الزيف والأوهام في بازار المزايدات والإفلاس، وإلى قلعة (ارطغل) وزيارة (اردوغان) السابقة لإسرائيل وحائط المبكى معتمراً القلنسوة اليهودية على رأسه، مشيداً بالحضارة اليهودية، واستقبال شارون له بحفاوة، وإقامته علاقات رسمية مع إسرائيل ومبادرة شركة تركية ببناء السفارة الأمريكية في القدس، وتبادل زيارات الفرق التجارية والرياضية وحتى الغنائية التي كان منها ما نشرته عكاظ بعددها رقم (19218) تحت عنوان (رغم الغضب.. مغن تركي يحيي حفلة في تل ابيب) وفقاً لصحيفة (حرييت) التركية التي قالت إن الفنان التركي (أوزجان) وزميلته الفنانة التركية (اصلي انفرثريا) أقاما حفلا غنائيا في اسرائيل رغم دعوات المعارضة والغضب من الجمهور العربي، فضلا عن دور تركيا في دعم الإرهاب وتمويله بشراء نفط سوريا والعراق من داعش، ودورها كمحطة ترانزيت للإرهابيين.

ختاماً إلى رعاة الإرهاب والمؤامرات وأذنابهم أقول إن من بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بالحجار.. فقد انتهى زمن العربدة المجانية بدون كشف حساب.
3 ورطة الرئيس العراقي في مكة
فارس بن حزام
الحياة السعودية

حدث ما كان متوقعاً، مضى بيان إدانة طهران في القمة العربية مع اعتراض محدود جداً. تلاشى التشويش، وبقي العراق يتيماً في محاولة حماية إيران، وبات الرئيس برهم صالح في موقف حرج، إذ وجد نفسه المعترض الوحيد على الإدانة.

اعتراض الرئيس العراقي لا يغير شيئاً، فهو إبراء ذمة ورفع عتب أمام إيران، وحفظ ماء وجه أمام تشكيلة الحلفاء في بغداد. وقبل مشاركته، يعرف الرئيس والجميع عنوان القمة وموضوعها والنتيجة المرجوة منها، واطلع القادة والوزراء على نص بيانها قبل الاتفاق عليه.

في نصّه المتلو من الأمين العام للجامعة العربية يقول الرئيس برهم صالح: “في حين أن العراق يعيد التأكيد على استنكاره لأي عمل من شأنه استهداف أمن المملكة وأمن أشقائنا في الخليج، أود التوضيح على أننا لم نشارك في صياغة البيان الختامي، وأن العراق يسجل اعتراضه على البيان الختامي في صياغته الحالية”. وهنا يخاطب طهران وليس العواصم العربية، ويقول لها إن المجتمعين كتبوا هذا النصّ، ولا علاقة لوفد العراق به، على رغم التناقض الصريح في نص الاعتراض أو التحفظ. فهو اعتراض لتفادي غضب إيران، وتحفظ تقديراً للدولة المضيفة السعودية والعرب الحاضرين. أما التناقض فهو في إدانة اعتداء يتعرض له الخليج من جانٍ معلوم، وفي الوقت نفسه رفض تسميته أو حتى الإشارة إليه، وكأنها رغبة في العودة إلى الأسلوب القديم، والاكتفاء بوصف “دولة إقليمية”.

بيان العراق لم يقترح صيغة بديلة، واكتفى بالاحتجاج على “الصيغة الحالية”، وذلك لا يهم كثيراً، فالإدانة وقعت، وموقف الرئيس برهم موقت، وسيتغير بتغير الظروف وسير الأحداث الساخنة حالياً. فلا رئيس الدولة ولا رئيس الوزراء ولا رئيس البرلمان يستطيع أن يقول غير ذلك حالياً، طالما بقيت مسدسات الجنرال قاسم سليماني على طاولات مكاتبهم. وفي دواخلهم هم سعيدون بالتضييق المستمر على النظام الجائر، ويتمنون أن يستمر أكثر، من دون عملية عسكرية يخشون تبعاتها على 1400 كلم تحد بلادهم. وما أن تضعف سطوة طهران على بغداد، فلن يسمع الناس مثل هذا الكلام، بل سيخرج الرئيس وأبناء العراق ليدينوا كل دقيقة احتلال فرضها نظام الملالي على بلادهم.
4 جناية إيران حسين شبكشي الشرق الاوسط السعودية
انتهت قمم مكة المكرمة الثلاث، وهي القمم التي دعت إليها السعودية، وأسفرت جميعها عن إدانة صريحة للسياسات الإيرانية بشكل جماعي وغير مسبوق. وجاءت ردود الفعل من قبل نظام إيران وأبواقه مثل حسن نصر الله زعيم تنظيم الميليشيا الإرهابية «حزب الله» بالإنكار التام والتهديدات المضحكة، مما يؤكد حجم الأزمة والحال التي وصل إليها النظام في إيران.
إن ما حدث في مكة المكرمة بانعقاد القمم الثلاث مسألة مهمة جداً، لأنه وبعد سرد مجموعة غير قليلة من الأدلة والبراهين على إرهاب إيران واعتداءاتها بشكل مباشر وغير مباشر على السعودية والإمارات العربية، بالإضافة إلى تهديدها الدائم بغلق مضيق هرمز الذي يهدد «سلم العالم وسلاسة الحراك التجاري الدولي»، يتوقع المحللون أن الخطوة القادمة ستكون حراكاً قانونياً على مستوى الأمم المتحدة لإصدار قرار تحت البند السابع، الذي قد يعني عملياً حصاراً اقتصاديا بالكامل.
كان قرار الاعتراض «الوحيد» على بيان الجامعة العربية قد جاء من العراق وكسر بذلك الإجماع العربي، وقد يكون من الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام باتجاه إيران لأنها «أجبرت» العراق على الاعتراض لحسابات «طائفية» بحتة متجاهلة الأمر الواقع الذي يشكل الخطر والتهديد الإيراني على دول المنطقة. ولكن هناك طرفاً آخر مهماً لا يجري الحديث عنه بالقدر الكافي وهو روسيا؛ روسيا التي تستغل إيران والعراق وسوريا لتحريك «الأوضاع» في المنطقة لرفع قيمتها السياسية في المنطقة حتى ولو كان على حساب دعم نظام طائفي وآخر طاغ.
روسيا وإيران «تدعمان» الاعتراض العراقي بشكل واضح، وروسيا تستغل كون العراق وسوريا ومن خلفهما إيران، لا يريان المشهد السياسي إلا من منظور طائفي ضيق جداً. كلمات معظم الزعماء العرب التي ألقيت في القمة وضحت حقيقة التهديدات الإيرانية، وأن «المجاملة» لإيران لا تفيد وحسن الظن في سياستها لم يعد ممكناً ولا مقبولاً أبداً.
دول الخليج والعالم العربي والعالم الإسلامي باتت مجتمعة ومدركة لخطورة إيران على السلم الأهلي، وأن النظام الإيراني مصدر للإرهاب بامتياز. لم يستفد نظام إيران من قراءة التاريخ القديم ولا المعاصر، فبعد أن أذاق شعبه مر المذلة من العوز والحرمان وأشغله بتصدير ثورة طائفية بائسة يستعد هذا النظام لمرحلة جديدة من العزلة والعقوبات. فعلى نفسها جنت إيران.
نجحت قمم مكة بشكل واضح في «تأصيل» جرائم إيران وإبراز خطرها على الأمن العربي بشكل عام والسلم الدولي أيضاً، وهي مسألة مهمة وتسجل كموقف جدير بالإشادة تحسب لصالح الدبلوماسية السعودية. الموقف الحالي الذي تكون ضد إيران يتحول بالتدريج إلى كرة ثلج تكتسب قوة وسرعة مع الوقت وهذه علامات إنذار إعصار مدمر هائل قادم.
يعلمنا التاريخ بشكل واضح أن الإنكار والمكابرة هما مهلكة الأنظمة بلا جدال، ومن لم يتعظ فلن يفيده الندم.
5 العالم في مواجهة إيران
سوسن الشاعر الشرق الاوسط السعودية
القمم الثلاث؛ الخليجية والعربية والإسلامية التي عقدت يومي الخميس والجمعة في مكة المكرمة، هي منعطف في منطقة الشرق الأوسط، وتاريخ حاسم يحدد شكل المنطقة ومستقبلها للعقود المقبلة، ويعيد تشكيل المنطقة من جديد.. قمم دعت إليها الدولة الوحيدة التي بمقدورها أن تجمع هذا العدد الكبير من الدول الخليجية والعربية والإسلامية؛ هي المملكة العربية السعودية التي وحدها القادرة على أن تضع الجميع أمام مسؤوليته التاريخية اليوم في مواجهة المشروع الإيراني التدميري، وقدمت المملكة بدلاً منه مشروعها القائم على التعاون والتنسيق والتكامل والبناء والدفاع والأمن المشترك بين مجموع الدول الحاضرة.
بل إن السعودية وضعت المجتمع الدولي برمته أمام مسؤوليته للحفاظ على الأمن الدولي والتصدي للمشروع الإيراني، فكل محاولات الالتفاف الآن أو تأجيل حسم الموقف لم تعد مجدية، وجميع محاولات التهرب من الاستحقاق أصبحت متأخرة. لم يعد الحياد ممكناً حتى مع من يريد الحياد ومن يدعي رغبته في النأي بالنفس.
اليوم أصبحت جميع الأوراق على الطاولة والحدث جلل؛ مواجهة المشروع الإيراني أصبحت مسألة دولية وليست خليجية فقط، والعقوبات دولية، ليست أميركية فحسب، لإرغام إيران على القبول بالشروط الاثني عشر التي عرضتها الولايات المتحدة والكفيلة بإنهاء النشاط الإرهابي الإيراني، وتنفيذها مناط الآن بقوة مدمرة دخلت منطقتنا واللعب الآن أصبح على المكشوف، فقد انتهى زمن التلون والتقية ومسك العصا من منتصفها، إذ إنه حتى إيران اكتشفت أن الإنكار والخطب المزدوجة ورقة احترقت ولم تعد مجدية، بل مدعاة للضحك أمام الحقائق الدامغة التي تدينها، لذلك نجد روحاني يقر في آخر خطبة له بالتدخل الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ويقول: «نعم نحن هناك ولسنا بحاجة لأخذ الإذن من الدول العربية فعمقنا الاستراتيجي يمتد للبحر الأحمر والبحر المتوسط»!! ضارباً بعرض الحائط أي أعراف دولية أو اتفاقيات أو حدود سيادية تنظم العلاقات بين الدول، وقطع بهذا الاعتراف الطريق على من أراد أن يدافع عن إيران أو يبرر تصرفاتها متذرعاً بالحياد وبالوساطة!!
المشكلة في بعض الدول، ومنها العراق، الذي لم يسمع روحاني وهو يعترف بالنفوذ الذي لم يتحقق إلا بفضل تسليح الميليشيات الإرهابية، والاعتداء بالقوة، فاعترض على بيان القمة الذي يدين إيران، فبدا العراق إيرانياً أكثر من الإيرانيين الآن.
اللعب الآن مع الكبار، لا العراق ولا قطر الصغيرة، ولا أي دولة أخرى صغيرة بمعيار التأثير قادرة على أن توقف العجلة، القصة ليست زعلاً بين دول خليجية يمحوه السلام وحب الخشوم، نحن أمام منعطف كبير لا بد أن نعي استحقاقاته.
هناك قوة ضاربة في الخليج العربي، قوامها القواعد الأميركية وحاملات الطائرات الأميركية بكل ترساناتها، وكذلك الجيوش السعودية والإماراتية والبحرينية مقابل الجيش الإيراني. لا أحد يريد إطلاق رصاصة واحدة، ولكن الجميع مطالب بتحديد موقفه الآن قبل أن يضطر أحد لاستخدامها.
هذا التحول تجاوز بكثير دول الخليج، القصة إذن لم تعد خلافاً خليجياً – إيرانياً حتى يصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بعض الدول الخليجية على استعداد لتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع إيران في محاولة لشق الصف الخليجي، فالثلاثي الخليجي (السعودية – الإمارات – البحرين) تحرك معاً، وهم يعلمون أنهم مكتفون ذاتياً، ولن يغير من موقعهم توقيع دول خليجية مع إيران وثيقة عدم اعتداء، فذلك – إن حصل – فإنها كعدمها لا معنى لها ولا طائل، خصوصاً أن القواعد الأميركية التي ستنطلق منها الطائرات موجودة في إحدى تلك الدول، والأهم أن آخر دولة تحترم المواثيق والمعاهدات هي إيران.
وبناء عليه، فإن جميع تلك المحاولات هي مضيعة للوقت.
ما يهم الآن هو تنفيذ إيران الشروط الاثني عشر فقط لا غير:
1 – الكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل العسكرية السابقة لبرنامجها النووي.
2 – وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم إنتاج البلوتونيوم وإغلاق مفاعل المياه الثقيل «آراك».
3 – السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المشروط إلى جميع المواقع النووية في البلاد.
4 – إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
5 – إطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة المعتقلين في إيران.
6 – إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بما فيها «حزب الله»، و«حماس»، و«حركة الجهاد».
7 – احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية.
8 – وقف دعم الميليشيات الحوثية والعمل على تسوية سياسية في اليمن.
9 – سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا.
10 – إنهاء دعم طالبان والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة وعدم تقديم مأوى لقادة «القاعدة».
11 – إنهاء دعم فيلق القدس التابع لـ«الحرس الثوري» للإرهابيين عبر العالم.
12 – وقف تهديد جيرانها بالصواريخ، وهجماتها السيبرانية المخربة، فضلاً عن تهديدها للملاحة الدولية.
6 ثلاث قمم… وثلاث أولويات
إياد أبو شقرا

الشرق الاوسط السعودية
أتذكّر جيداً زيارة قام بها أحد كبار الشخصيات الإسلامية اللبنانية إلى بريطانيا، واللقاء الذي عقده مع لفيف من الإعلاميين اللبنانيين المقيمين في سفارة لبنان بلندن عام 2000. تلك كانت مناسبة لا تُنسى ليس فقط لأن الشيخ الجليل رجل استثنائي في رجاحة عقله وسعة اطلاعه، بل لسرعة بديهته وحضوره المحبّب أيضاً.
استهل الشيخ اللقاء كلامه، باسماً، مبدياً إعجابه بنظافة لندن وخضرتها وتناسق معمارها، ولم يلبث أن بلغ «بيت القصيد»… فبدأ المقارنة مع بيروت وغابات إسمنتها وفوضويتها. ومن لبنان اتسع إطار الانتقاد إلى الوضع العربي، وتوقف طويلاً عند قضية فلسطين.
يومذاك، كانت قمة كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك قد انتهت للتو بالفشل، وأنحى مستضيفها الرئيس الأميركي بيل كلينتون باللائمة يومذاك على الرئيس عرفات لأنه رفض التساهل في موضوع القدس. وعن هذا الأمر قال الشيخ الجليل – كما أذكر تماماً -: «أنا، كما تعرفون لست رجل سياسة، بل مجرّد رجل دين. وبالتالي، لا يحق لي أن أعلّم الساسة أصول السياسة». ثم تابع قائلاً، في موضوع مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية: «وأنا أيضاً لبناني ولست فلسطينياً، وعليه لا يجوز لي أن أزايد على أي زعيم فلسطيني. ولذا أقول إن من حق ياسر عرفات أن يتصرف بحيفا وعكا، ويفاوض على يافا ويتخلى عن نابلس والخليل… لكن القدس ليست لياسر عرفات ولا لأي فلسطيني. القدس لي كما هي لكل مسلم من إندونيسيا إلى السنغال».
هذا الكلام هزّني جداً، ليس لأنه صادق فحسب، بل لأنه يوفّر أيضاً ذريعة سياسية صحيحة ومزدوجة للمفاوض الفلسطيني: أولاً، كي لا يضحي بأولى القبلتين وثالث الحرمين في سياق تفاوض ابتزازي لا طائل منه أمام خلفية غير متوازنة ورعاية دولية أبعد ما تكون عن النزاهة. وثانياً، لأنه يوقف المزايدة على الفلسطينيين والعرب داخل العالم الإسلامي. فإذا كان العرب مقصّرين في «تحرير القدس» فعلى الذين يزايدون عليهم، قارعين طبول الحرب الكلامية ليل نهار، أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، ويغلّبوا القول على العمل. إذ «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»… والعرب، مع أن لغتهم لغة القرآن، ليسوا أكثر «إسلاماً» من سائر المسلمين.
مناسبة هذا الكلام طبعاً، القمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، التي استضافتها بالأمس المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة، أمام خلفية التهديدات العدوانية الإيرانية، واللغط المتزايد عما دُعي «صفقة القرن» في أعقاب نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، وإعلانها اعترافها بـ«إسرائيلية هضبة الجولان المحتلة»، وتزايد العداء للمسلمين أمام خلفية أعمال إرهابية ارتكبت باسم جماعات وأفراد مشبوهين أو مضلّل بهم في أنحاء مختلفة من العالم.
القمم الثلاث، كما أعتقد، تأتي في مفصل زماني ومكاني وسياسي… تاريخي. إذ لم يسبق أن زُخّمت الهجمة الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية هوية القدس الاستثنائية، كمدينة تلتقي فيها الديانات التوحيدية الثلاث، كما هي مزخّمة حالياً. كذلك لم يسبق أن بلغ الفجور في المزايدة السياسية حد إقدام ميليشيات طائفية تابعة ومأمورة إيرانياً على استهداف مكّة نفسها بالعدوان… بينما تعربد ميليشيات مشابهة في العراق وسوريا، وتهيمن في لبنان، وتحتل في اليمن وتخرّب براً وبحراً في دول الخليج العربي. وأيضاً، ما عاد مقبولاً السكوت عن استمرار دعم البعض جماعات مغامرة متطرّفة تزرع الإرهاب في أنحاء المعمور باسم الإسلام، لا سيما، أن هذا الإرهاب أخذ بالفعل يثير عداءً عنصرياً عميقاً حيال المسلمين في الغرب، مع تصاعد موجة الانعزالية السياسية ومعاداة الأجانب والنزوح والعولمة.
ومن ثم، فإن الموقف العلني الجامع الذي خرج به القادة المسلمون، بالذات من مكة المكرمة، وتبلور في بيان رسمي، يوجّه رسالة واضحة ويشكّل التزاماً معنوياً وأخلاقياً تجاه ثوابت الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية ومصير القدس. وفيما يخص إيران، يضع هذا الموقف العالم كله أمام خطورة المخطط الإيراني التوسّعي الذي يهدّد النسيج الاجتماعي للعراق وسوريا ولبنان واليمن بعدما أدى إلى تدمير عشرات المدن والبلدات وتهجير ما لا يقل عن 20 مليون مواطن في العراق وسوريا وحدهما. واللافت أنه وردت الإشارة في قمم مكّة الثلاث إلى أن المسلمين يشكلون اليوم معظم النازحين واللاجئين في العالم، وهذا للأسف صحيح، وفي حين أن بعض هؤلاء من الفلسطينيين الذين عاشوا بؤس اللجوء منذ 70 سنة، فإن هناك ملايين غيرهم في أماكن متعددة من آسيا وأفريقيا، مثل باكستان وأفغانستان وميانمار (بورما) ومالي وغيرها.
وهنا، لا بد من الإشارة، إلى أن الإرهاب الذي يغذّي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» يفاقم محنتي التهجير واللجوء، وقد يشكّل خلال العقود القليلة المقبلة مصدر خطر كبير على المسلمين داخل العالم الإسلامي وخارجه. وبالجدية ذاتها التي جرى فيها التطرق لقضيتي فلسطين وإيران، ينبغي ترجمة ما نصّت عليه مقرّرات القمم الثلاث إزاء التطرف والإرهاب. وفي هذا الإطار من المفترض أن يتكامل مَسعيان متوازيان: الأول، يتمثّل في تعزيز الوعي وقيَم التسامح والتعايش داخل العالم الإسلامي وأوساط الجاليات المسلمة المهاجرة. والثاني، يقوم على منع الأنظمة المتاجرة بالإسلام السياسي من استغلال النكسات التي تعرّضت لها مسيرة الانفتاح والديمقراطية في عدد من الدول العربية والإسلامية… فأقدمت على تمويل التطرف ورعايته والترويج له.
والحقيقة، أن عالمنا العربي، وكذلك العالم الإسلامي ككل، عانى طويلاً، وسيعاني أكثر، إذا ما واصل الهروب من مغامرة إلى أخرى، ومكافحة التطرف بتطرف مضاد. ولقد آن الأوان لكي يدرك أولئك الذين يغذّون الحركات المتطرفة تحت أي ستار، بما فيها التصدي للتسلط والديكتاتورية، أنهم عملياً – بقصد أو من دون قصد – يخدمون القوى التي يزعمون العمل على إضعافها.
من دون شك، الأمور لن تتحسّن بين ليلة وضحاها بقرارات أو بيانات، غير أن المنطقة العربية، من الجزائر إلى السودان، ومن اليمن إلى الخليج والهلال الخصيب… ستواجه مزيداً من التعقيدات في غياب مقاربات مخلصة وعاقلة كتلك التي أطلقت من مكة.
7 العراق.. وقمة العرب ثامر الحجامي راي اليوم بريطانيا

وسط أجواء مشحونة، تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، لاسيما منطقة الخليج الغنية بالنفط، وتزايد حدة الصراع بين الأقطاب الدولية للتحكم بهذه المنطقة.. وسط كل هذه الأجواء العاصفة، كان العرب وكعادتهم متأثرين لا مؤثرين، ولإيجاد دور لهم حتى وإن كان صوريا، عقدت ثلاث قمم في آن واحد!
الدول العربية في حالة يرثى لها، وغير قادرة على التأثير في مجريات الأحداث التي تجري في المنطقة، بسبب موجات الإرهاب المدعومة من بعض الدول العربية ذاتها التي تدعو الى محاربته! والأزمات التي تعصف بأهم دولها جاعلة منها ساحة للصراعات والأجندات الدولية، فمصر قلب العرب وصاحبة التأثير الأكبر، قد إنسحبت من هذا الدور، بفعل إنشغالها بوضعها الإقتصادي، وبلاد المغرب العربي تعصف بها الأزمات الداخلية والصراعات السياسية، ودول الخليج تتصارع فيما بينها، وسوريا ما زالت تعيش حربا طاحنة، واليمن السعيد لم يعد سعيدا، والسودان لم يقر له قرار بعد، وما زال العراق يحاول الوقوف على قدميه وسط العاصفة.
غاية هذه القمة الطارئة كانت واضحة، وهو حشد التأييد العربي ضد دولة مجاورة هي جمهورية إيران الإسلامية، والوقوف مع الإجراءات الامريكية بمحاصرة الشعب الايراني، تحت ذرائع وحجج واهية يتلعثم من ينطق بها.
دعاوى الإرهاب وتهديد السلم الإقليمي في المنطقة، وغيرها من الإتهامات لا يصدقها بعض من يجلس على طاولة القمة، ومحاولة الخروج بسيناريو متفق عليه سلفا لتحشيد الرأي العام ضد إيران، كانت تنطق به عيون المنظمين للقمة قبل ألسنتهم، والبحث عن كبش فداء لهذه المحرقة، رغبة تراود بعض الحاضرين ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية.
بلسان عربي فصيح تحدث رئيس جمهورية العراق الكردي، وأعلم المجتمعين أنهم سيكونون أول المتضررين فيما اذا إندلعت حرب في المنطقة، مؤكدا إن أمن دول المنطقة هو أمن للعراق، ولن يرضى العراق بأي إعتداء على الدول العربية وتهديد أمنها، لكنه عاد في الوقت نفسه وذكر القادة العرب بعلاقة العراق مع ايران والمصالح والحدود المشتركة التي تربط البلدين، وأن العراق لا يمكنه مشاركة الدول العربية فيما تريده للجارة إيران.
ما صدر من الوفد العراقي في القمة العربية لا يمثل رأي برهم صالح أو رئاسة الجمهورية فقط .. بل إنه لا يمثل أي طرف من الأطراف السياسية العراقية، سواء الذي يسمى المقاوم أو الإتجاه الرافض للدخول في محاور الصراع.. ما قاله رئيس الجمهورية يمثل موقف الحكومة العراقية بكافة أطيافها السياسية، والرئيس برهم صالح كان خير ناطق عن الموقف العراقي.. وهو بالضبط يمثل سياسة النأي عن الدخول في المحاور.
8 ثقافة الهدم لا تصنع حضارة
حميد سعيد العرب بريطانيا

لا أدري إن كنت على صواب في اختيار عنوان مقالتي هذه، وهل يجوز لي أن أجمع بين الهدم والثقافة؟ غير أنني أجد في متابعة كل ما يجري في العراق، ما يجعل اختياري هذا أقرب إلى الصواب، فمنذ احتلاله في سنة 2003 بفعل التحالف الأميركي الإيراني، ومن ثم تسليمه بقرار غير مفهوم إلى إيران، وحين أصف هذا القرار بأنه غير مفهوم، فهو كذلك عند أكثر المسيسين والمحللين والمتابعين، بل هو غير مفهوم من قبل سياسيين وإعلاميين وعسكريين أميركيين كثيرين، وهذا ما تؤكده مقولات وتصريحات تصدر عن قيادات سياسية واستخبارية وعسكرية، وما تتخذ من مواقف سياسية أميركية متناقضة ومربكة.

هل أبالغ حين أقول، إن كل ما يصدر عن الذين يتحكمون بالعراق وبالعراقيين الآن، من المجموعات المخربة وعياً وضميراً ومعرفة، يدعو إلى الهدم المادي والمعنوي، للشواخص والمعرفة، سواء صدرت دعوات الهدم من عناوين رسمية أم من مواقع أخرى، دينية أو اجتماعية أو ميليشياوية، ومن يتابع دعوات الهدم سيستمع في كل يوم إلى من يدعو إلى حرق كتاب أو مكتبة أو إلى تدمير شاخص تاريخي حضاري، أو إلى محو عنوان أو اسم بلدة أو حي أو شارع أو مدرسة أو جامعة أو مؤسسة علمية، وليس من مسوغ لهذه الدعوات سوى التعصب وغياب المقوم الموضوعي، في المحيط الذي ينتمون إليه ويتحدثون باسمه ويستقوون بجهله.

إن ما قادني إلى اختيار وصف ثقافة الهدم، كون التعبير عنها، ليس مجرد حالات فردية، بل هو حالة يومية ومستمرة تصدر عن كثيرين ممن يتحكم بهم التعصب والجهل، بمن فيهم الذين نالوا قدراَ لا بأس به من التعليم، وما يسعفني في هذا الاختيار أن “كبارهم” في الدولة أو الأحزاب الطائفية أو أذرعها الدينية، لا يعترضون عليهم، إن لم أقل، ربما شجعوهم على ما هم فيه من تعصب وجهل.

إن دعوة فردية من هذا النوع، يمكن أن يرد عليها بوعي وموضوعية، فيسكتها، ويمحو أي أثر لها، وأذكر أن أحد الأشخاص دعا خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى هدم “طاق كسرى” في منطقة النهروان باعتداده أثراً فارسياُ، فكتبت في ما كنت أكتبه في عمود صحفي في صحيفة الثورة تحت عنوان “آخر الكلام” إن من دعا لهذه الدعوة فاته أن يتأمل في الشاخص المذكور، المبني بالطابوق العراقي، ومن بناه هم العمال العراقيون، بل إن تصميمه الهندسي تمثَّلَ الإنجازات المعمارية التي سبقت إنشاءه في بلاد الرافدين، وقد أخذت هذه المعلومات عن مهندسة معمارية عراقية موهوبة ومثقفة، هي المهندسة وجدان نعمان ماهر وبعد هذا الذي كتبته لم يعد ذلك الشخص إلى إثارة الموضوع.

إن آخر دعوات الهدم أطلقها أحد رموز ثقافة الهدم، إذ دعا إلى هدم المنارة الملوية في سامراء، لأنها كما يقول، تذكره بخلفاء بني العباس، وهو لا يحبهم!! لأنهم كما يتوهم ويكذب أساؤوا إلى أهل البيت، وهذا الجاهل المتعصب لا يعرف حقيقة العلاقة بين العباسيين وأبناء عمهم الطالبيين، ويعتمد الأكاذيب التي اختلقها الصفويون وأذيالهم خدمة لمشروعهم العنصري، وقبلهم فرس الدولة العباسية من الخلاليين والخراسانيين والبرامكة، وما زالت الآلة الدعوية الصفوية التي تغذي ثقافة الهدم، تعمل بنشاط وتنتج في كل يوم من السخف، ما يخجل حقاً، فتخرب بعض العقول المهيأة لهذا الخراب، وتدمر الحياة الاجتماعية وتبعدها عن فضاء العلم والوعي والمنطق، حتى ليتساءل كثيرون، أحقاً يعيش هؤلاء في هذا القرن؟

وفي احتدام ثقافة الهدم وتعدد مفرداتها في الأوساط التي دفع بها الواقع الناتج عن الاحتلال الأميركي- الإيراني إلى الواجهة وإلى العلن، أتساءل باستمرار وأسأل كل ذي ضمير، هل طالب أحد رموز ثقافة الهدم ببناء مدرسة أو مكتبة عامة أو مسرح أو مركز ثقافي؟!

إن الحضارات الإنسانية في كل زمان ومكان، لم تنشأ في محيط منغلق وتوجهات عصابية يقودها متعصبون، ومنها حضارات وادي الرافدين وما جاء بعدها في أزمان السلطات العربية الإسلامية، وبخاصة في بغداد والحواضر الأندلسية وغيرها من بلدان ومدن، فأول ما يحيل إلى تلك الحضارات هو الانفتاح الفكري مقترناً بالانفتاح الاجتماعي، وعلى سبيل المثال لقد شهدت كل من بغداد وقرطبة، مثل هذين الانفتاحين، حيث نتج عنهما واقعان حضاريان، على صعيد الحياة اليومية من جهة وعلى صعيد الفكر من جهة ثانية حيث شاع الحوار وتعددت المدارس والتوجهات وكثرت الاجتهادات، وكان في كل من الحاضرتين المذكورتين نشاط فكري وفلسفي احتضنته مؤسسات شملتها رعاية حكامها وأغناه مفكرون منفتحون محاورون وآخر في مجال الترجمة عن اللغات الأخرى وثقافاتها وكان لهذا النشاط دور مهم جداً في إغناء الفكر وتجديده وانفتاحه.

كما شهدت كل منهما حركات تجديدية في الأدب والفن ما كان يمكن أن تكون في ظل الأحادية والتشدد والانغلاق، كما كان البناء المادي، العام والخاص من دلائل تلك الحضارات ومن نتائجها في آن، حيث مشاريع الري والزراعة من سدود وأنهار وسواهما، كذلك مشاريع الطرق بين أنحاء البلاد وفي داخل الحواضر، ولم يكن بناء القصور وأماكن العبادة ومعاهد العلم والمشافي والمتنزهات، بكل مقوماتها الجمالية والعملية، حيث ما زالت تستأثر باهتمام الباحثين والمؤرخين وعموم المتطلعين إلى المعرفة، لولا ثقافة البناء، ومنها المنارة الملوية في سامراء التي طالب مؤخراً أحد رموز ثقافة الهدم بإزالتها وهدمها، وما كان يمكن أن يستمر حضورها المادي والمعنوي لو حكم البلاد أمثاله، فيا لبؤسه ويا لبؤس ما دعا إليه، ويا لبؤس ثقافة الهدم.