6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

 

1              توثيق الأحداث الكويتية

مظفّر عبدالله           الجريدة الكويتية

 

هل تجد حلقة اقتحام الحرم المكي في مسلسل العاصوف نظيراً لها في سجل الذاكرة الكويتية كمواضيع الغوص والسفر قبل اكتشاف النفط، أو قصص التعليم وتاريخه والغزو العراقي وغيرها من القضايا والتي تنمي وترسخ الهوية الوطنية لدى الأجيال الشابة؟

 

أول العمود:

أوصت اللجنة البرلمانية المكلفة التحقيق في الجوازات المزورة وقف إنهاء خدمات (البدون) في الجيش بسبب الأوضاع الإقليمية الملتهبة إلى حين انتهائها من التحقيق وبغض النظر عن عدم تجديد جهاز المقيمين بصورة غير قانونية لبطاقاتهم الأمنية. عزيزي القارئ هل فهمت شيئا؟!

 

***

 

كانت تجربة توثيق حادثة جهيمان في إحدى حلقات مسلسل العاصوف قرارا موفقا لحفظ ذاكرة أحداث المنطقة الخليجية، وقد تبين لأجيال لاحقة أنها لا تملك أي معلومة عن هذه الحادثة النوعية في تاريخ الحرم المكي الذي طالما كان هدفاً لمنجنيق بعض (الخلفاء) ومسرحاً لتصفية حساباتهم السياسية مع شخصيات مكية ومدنية.

 

كانت تساؤلات هذه الأجيال هي من قبيل: هل فعلا حدث ذلك في الحرم المكي؟ وكيف ومتى؟ ومن هو جهيمان؟

 

إذاً هو التوثيق المرئي للأحداث في عهد الصورة والأفلام والروايات المعدة للعرض السينمائي والتلفزيوني، والذي لو وعت له عقولنا لحفظنا من خلالها ذاكرة الأيام في أذهان أجيال متلاحقة تلاشى شغفها للقراءة بشكل خطير.

 

حلقة جهيمان العتيبي استثارت رغبة في توثيق العديد من الأحداث الكويتية التي تتطلب تضافر جهود وزارة الإعلام وكتّاب السيناريو وشركات الإنتاج الفني الخاصة، ففي سجل الذاكرة الكويتية الكثير من الأحداث التي تتطلب إعادة إنتاجها في قالب فني وتمثيلي جيد، ومن ذلك مثلا قصص الغوص على اللؤلؤ والسفر البحري، واهتمام الشعب الكويتي بالتعليم والتثقيف في بواكير القرن الماضي، وبذلهم من مالهم الخاص للدخول في عصر التعليم النظامي، كما حدث في مدرستي المباركية والأحمدية، وأحداث تشكيل مجلسي 1921 و1938 التشريعيين، وقصة الدستور والدولة المدنية وغيرها من الأحداث والقصص التي لا تنتهي.

 

كثيراً ما نردد مفهوم “الهوية الوطنية” في مؤتمرات محلية تأثيرها لا يتجاوز اليوم الذي يلي انعقادها، ويصرف عليها آلاف الدنانير، لكنها تتبخر في الهواء، في حين نتغافل عن أهمية الإنتاج المُصوَّر لتوثيق أحداث مفصلية في حياتنا كالغزو العراقي ونتائجه على المجتمع الذي مازال يعانيه.

 

الكتابة والتوثيق مهمان وضروريان لكننا نعيش عصر المشاهدة والصورة التي تجذب آلاف المشاهدين من أعمار مختلفة، ولو نجحنا في إنتاج مسلسل أو فيلم يحكي قصصا عن تكاتف أهل الكويت في المحن (الأمراض والظواهر الطبيعية كسنة الطاعون والهدامة) وحبهم للبذل وفعل الخير لتلمسنا الخيط الواصل بين تلك الخصال وشغف الكثير من الشبان من الجنسين اليوم ممن انخرطوا في العمل الإنساني وأبدعوا فيه، فهؤلاء هم أحفاد أولئك الذين بدؤوا بفعل الخير قبل عقود من الزمن، ومثل هذه الأعمال الفنية مطلوبة لتكون جسراً لفهم المقصود بـ”الهوية الوطنية”.

 

تجربة مسلسل “درب الزلق” و”الأقدار” وأعمال أخرى وثقت بشكل صادق شكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع الكويتي في حقب مضت، ونتطلع للمزيد من مثل هذه الأعمال. ليت أموالنا توجه إلى القنوات الصحيحة للحفاظ على تاريخنا.

2              تطلعات الشعوب العربية للقمة!

عبد المطلوب البدراني            الرياض السعودية

 

منذ أن بدأت الثورة الإيرانية التي تدعي الإسلام ظلماً وزوراً قد بدأت في التخطيط لزرع الفتن في المنطقة في كل اتجاه وتمارس الإرهاب ضد جيرانها بشتى الطرق حتى إنها استغلت الحجاج في إرسال المتفجرات إلى المملكة ونشر الفوضى وعمل التظاهرات والاعتداءات في الحج مما تسبب في إزهاق الأنفس البريئة والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وقد عملت على زرع تنظيمات حزبية واستنساخ النظام الإيراني في عدة دول، ومن التنظيمات التي استنسخت “حزب الله” في لبنان و”الحشد الشعبي” في العراق و”الجهاد الإسلامي” في غزة، تليها ميليشيات الحوثي في اليمن، والذي تصدى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة بعد طلب من الحكومة الشرعية في اليمن، ومازال الحوثي المدعوم من إيران يستهدف حتى مكة المكرمة بصواريخه وطائراته المسيرة، أضف إلى ذلك “حزب الله السوري” وتنظيمات أخرى، إيران أصبحت مزروعة في المنطقة العربية ورغم أن هذه الأحزاب خارجة عن الدول التي توجد فيها إلا أنها اكتسبت شرعية وأصبحت تتفوق على معظم الأحزاب الأخرى بالسلاح الذي تدعمها به إيران، لذا وحدة الصف العربي أمر ضروري والوقوف يداً واحدة ضد أي عدوان إيراني عن طريق أذرعها في المنطقة، وهذا الدور تتطلع له الشعوب العربية من خلال اجتماع قمة جامعة الدول العربية، والذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في مكة يوم 30 مايو 2019، ومن دون شك إن استقرار العالم العربي من أبرز الأمور التي تحرص عليها المملكة، وهي في هذا الأمر تتطلع مع عقلاء العالم العربي إلى الاتحاد ووحدة الرأي لما فيه مصلحة الشعوب العربية.

 

إذ إن هذا الاستقرار ضرورة من أجل تحقيق التنمية والرفاهية للشعوب العربية، لكن هذا الأمر لا يتحقق في ظل وجود مهددات إقليمية وحروب بالوكالة، وفق الله قادة البلاد العربية لما فيه الخير والسداد.

3              تصاعد التوترات في الشرق الأوسط       دنيس روس             الحياة السعودية

 

تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بصفة عامة، وفي الخليج بصفة خاصة. وليس من المفاجئ أن يكون لقرار إدارة ترمب بإنهاء الإعفاءات التي تسمح لثماني دول بشراء النفط الإيراني تأثير هائل على الاقتصاد الإيراني. ومع توقعات بانخفاض صادرات النفط الإيراني إلى 500 ألف برميل يومياً، سوف تخسر الحكومة مصدراً كبيراً للدخل، في حين يعاني الاقتصاد الإيراني الآن من هبوط حاد. وبالنظر إلى قدر الضغوط التي تمارسها الإدارة على الجمهورية الإسلامية، كان من اللازم أن يرد الإيرانيون، ويوضحوا أن الأميركيين ليسوا وحدهم من يمكنهم فرض التكاليف، فهم أيضاً يمكن أن يفرضوا تكلفة على أميركا ومصالحها وأصدقائها في المنطقة.

 

بالطبع أسلوب عمل الإيرانيين هو استخدام عملاء، وشن اعتداءات يمكن نفيها – أي عدم الاستفزاز المباشر. إنهم يعرفون دائماً أن مهاجمة الولايات المتحدة على نحو مباشر سوف يطلق العنان لرد فعل عسكري قوي. لذا يركزون بدلاً من ذلك على أسلوب غير مباشر، بوضع خطط وخيارات لتنفيذ عمليات تخريبية، وعن طريق عملاء ضد قوات أميركا ومصالحها وأصدقائها.

 

وعقب قرار ترمب بإنهاء الإعفاءات، بدأ هذا التخطيط بوضوح، واستطاعت الاستخبارات الأميركية التقاطه. وجاء قرار الإدارة بالإعلان عن هذه المعلومات الاستخباراتية، ونقل مجموعة حاملات طائرات إلى المنطقة نتيجة لاعتقاد بأنهم إذا فضحوا ما يخطط له الإيرانيون، فسوف يكون ذلك إنذاراً للإيرانيين بأننا نعلم ما يفعلونه، وسوف يعزز من ردعهم. وكان ذلك حاضراً في ذهن مستشار الأمن القومي، جون بولتون، عندما أعلن أن إيران سوف تواجه «قوة بلا هوادة» إذا اتخذت إجراءً ضد قواتنا ومصالحنا وحلفائنا الإقليميين.

 

ولكن بمحاولته لتغطية تهديدات كثيرة للغاية، ترك بولتون للإيرانيين مساحة كبيرة ليختبروا فيها حدود ما ستفعله أميركا، مع الكشف عن التهديدات التي تواجه أصدقاؤنا ومصالحنا. من الواضح أننا لا نريد أن تتعرض محطات النفط وناقلاته وبنيته التحتية لاعتداءات في المنطقة، ولكن هذا ما حدث بالتحديد نتيجة عدم الرد الأميركي بعد تأكيد بولتون. على سبيل المثال، في اليوم التالي لإعلان بولتون، وقع تفجير في محطة شحن نفطية بميناء ينبع السعودي.

 

وبعد يومين، تعرضت أربع ناقلات نفطية – اثنتان منها سعوديتان، وواحدة إماراتية وأخرى نرويجية – لعمليات تخريب عن طريق متفجرات أحدثت فجوات في هياكلها. وبعد يومين آخرين، قصفت طائرات «درون» حوثية محطتين سعوديتين لضخ النفط.

 

نعم بعثت الميليشيات الشيعية برسالة تدل على ما يمكنها فعله للجنود والعاملين الأميركيين المتمركزين في العراق بإطلاق صاروخ على مسافة تبعد 300 متر تقريباً من السفارة الأميركية الواقعة في «المنطقة الخضراء» في بغداد. كان من المقصود أن تكون تلك تذكرة، ولكن الاعتداءات على ناقلات النفط والأهداف النفطية ذات الصلة أمر مختلف. كان المقصود منها رفع أسعار النفط والتأمين، وليس تعمد تخويف دول الجوار فحسب، بل ربما التأثير على حسابات ترمب أيضاً. (على أي حال عندما منح ترمب إعفاءات النفط في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أوضح أنها من أجل الحفاظ على انخفاض أسعار النفط).

 

علاوة على ذلك، بينما يتصاعد الخطاب، وتُطرح المخاوف من سوء الحسابات للنقاش في العواصم الغربية، سارع الرئيس ترمب بقوله إنه لا يريد حرباً مع إيران. وبدا أن المرشد علي خامنئي يكرر المشاعر ذاتها عندما قال على غير عادته: «لا نريد حرباً ولا هم يريدونها…»، ولكن التوترات لم تهدأ، فيبدو أن الإيرانيين يظنون أنهم طالما يستطيعون هم أو عملاؤهم تنفيذ هجمات يمكن نفيها، لن ترد الولايات المتحدة وآخرون.

 

إن حقيقة عدم وجود اتصال مباشر بين الاثنين تزيد احتمالات عدم الانتباه للإشارات أو وقوع سوء تفاهم. فما الذي يمكن فعله؟ يقول الرئيس ترمب إن الإيرانيين إذا اتصلوا فسوف يتحدث معهم «ويمكن أن يعقدوا صفقة». ربما قال خامنئي إن كلا الطرفين لا يريد حرباً، ولكن سيبدو التحدث مع الأميركيين الآن شبيهاً بالاستسلام، وهو ما لن يفعله. في الواقع، في الوقت نفسه الذي قال فيه، في تصريحات يبثها التلفزيون، إن كلا الطرفين لا يريد حرباً، كان يصف الحديث مع الأميركيين بأنه مثل «السم».

 

تكشف السجلات التاريخية أن الإيرانيين يرغبون في عقد محادثات مع الولايات المتحدة عندما يصبحون تحت ضغط، أو يشعرون بالخوف. لا شك في أن خامنئي يُفضل محاولة البقاء حتى تنتهي مدة ترمب ثم يذهب إلى خليفته (وإلى الأوروبيين) ليقول لهم «أنتم مدينون لنا». ولكن زاد انهيار الاقتصاد الإيراني من حاجة الإيرانيين إلى البحث عن طريق للحد من الضغط الخارجي الذي تمارسه الولايات المتحدة. وربما يثمر ذلك مفاوضات؛ صحيح قد تكون غير مباشرة، نظراً لرغبة إيران في تجنب الظهور بمظهر الذي أذعن للضغط الأميركي، ولكن حتى المفاوضات غير المباشرة، ربما عبر الروس، قد تؤدي إلى اتفاق مع إدارة ترمب.

 

وبناءً على معرفة بالإيرانيين، فسوف يرغبون في زيادة نفوذهم قبل إجراء مثل تلك المحادثات، وربما لا يكون ذلك عن طريق استمرار عمليات تخريب البنية التحتية النفطية لآخرين فحسب، بل وأيضاً من خلال انتهاك حدود خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي ذاته. وهذا من شأنه أن يضغط على ترمب، وكذلك على الأوروبيين. يعرف الإيرانيون أن الأوروبيين في حاجة ماسة إلى بقائهم في الاتفاق النووي، وهو سبب واحد على الأقل لكي يلعب الرئيس الإيراني حسن روحاني، على المخاوف الأوروبية، ويعطيهم مهلة حتى السابع من يوليو (تموز) لكي يثبتوا تحقيق فوائد اقتصادية لإيران لتخطي العقوبات الأميركية، وإلا لن تستمر إيران في الالتزام بالاتفاق النووي. هل يمكن أن تضغط المخاوف الأوروبية على إدارة ترمب؟ من المستبعد حدوث ذلك، ولكن ترمب يقول بالفعل إنه مستعد للحوار، وقد يزداد اهتمامه بالحوار إذا بدأ الإيرانيون في إنتاج يورانيوم مُخصَب؛ سواء على مستويات تخصيب عليا، أو بمجرد تراكم كمية تتجاوز 300 كيلوغرام، وهي الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي.

 

الوقت الحالي هو الأنسب لكي تتحدث الإدارة الأميركية وحلفاؤها الخليجيون عن سياساتهم المعنية تجاه إيران الآن. ربما تسأل بلدان الخليج، الرئيس وكبار مساعديه: ما الذي يسعون إلى تحقيقه؟ وما هي احتمالات التصعيد؟ وما الذي تستعد الولايات المتحدة لفعله لدعم حلفائها بطرق عملية، وهم يواجهون تخريباً أو اعتداءات بالوكالة؟ وما الذي تتوقع أميركا أن يستعد شركاؤنا لفعله؟ وإذا وافق الإيرانيون فعلاً على عرض الرئيس بالحديث، ورغبته في عقد اتفاق، كيف يمكن أن يبدو الأمر؟

 

الوقت الراهن مفعم بالشك، ومن أجل هذه الأوقــات تحديداً يجب أن يتحدث الحلفـــاء، ويتأكدوا من أنهم متفقـــون، أو على الأقل يعرفون مساحات الالتقـــــاء والاختلاف. على الأقل بين أميــــركا وشـــركائها، ليس هذا هو الوقت المناسب للمفاجآت.

4              صيغة لتفاوض {غير زُعاف}؟

راجح الخوري         الشرق الاويط السعودية

 

يتسابق عدد كبير من الوسطاء للبحث عن طريقة أو مخرج لإعادة النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، من دون أن يأخذ ذلك شكل الرضوخ الواضح والمعلن للشروط الـ12 التي سبق أن حددتها الإدارة الأميركية.

في غضون ذلك، تستمرّ العقوبات الأميركية في الضغط الخانق تماماً، على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً الآن، بعدما فوجِئَت طهران بأنه حتى تركيا أوقفت استيراد النفط منها، رغم أنها لعبت دوراً حيوياً في الحقبة الماضية في الالتفاف على عقوبات باراك أوباما، عبر ما عُرِف في حينه بـ«المبادلة بالذهب».

الوسطاء الذين دخلوا على الخط كثيرون، لم يعد الأمر يتوقف على مساعي عُمان وزيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي الأخيرة إلى طهران، من منطلق أن عمان لعبت دور الردهة الخلفية للمفاوضات السرية، التي استمرّت ثلاثة أعوام، وانتهت بتوقيع الاتفاق النووي مع باراك أوباما عام 2015، الآن يدخل اليابانيون على الخط عندما يَعِد رئيس الوزراء شينزو آبي الرئيس دونالد ترمب بالذهاب إلى إيران للتوسط، ربما لأن اليابان مستورد مهم للنفط الإيراني وأوقفته الآن!

كان لافتاً جداً أن يعلن مصدر في الخارجية البريطانية أن الوزير جيريمي هنت تحدّث هاتفياً مع نظيره العُماني، وطلب إليه التحرك في اتجاه طهران للتهدئة، وقد ترافق هذا مع تسريبات نشرتها الصحف الأميركية بأن وزير الخارجية مايك بومبيو أجرى اتصالاً مشابهاً مع بن علوي، عندما كان ترمب مجتمعاً في البيت الأبيض مع الرئيس السويسري أولى ماورر، وأكثر من ذلك أنه زوّده برقم هاتفي خاص، وطلب منه تمريره للإيرانيين، وعلى خلفية كل هذا فهم أن خامنئي الذي يقول إن الحرب لن تقع يصف المفاوضات بأنها مثل «السم الزعاف»؛ أولاً لأنها لن تتم إلا تحت سقف الشروط الـ12 التي ستعيد طهران إلى حجمها الطبيعي، وثانياً لأنها تذكر بقول الخميني عام 1988!

ويبدو أن العراقيين دخلوا على الخط بعد زيارة محمد جواد ظريف إلى بغداد، وكان لافتاً جداً أن يتحدث نظيره العراقي محمد عبد الحكيم عن جولة خليجية سيقوم بها، ولا تهدف فقط إلى البحث في مسألة العقوبات الأميركية، بل تحاول خلق جوّ من التفاهم والتعاون بين دول المنطقة، وكان مفاجئاً أن يبدو ظريف أكثر حماسة من الحكيم حيال الحديث عن خلق تعاون إقليمي وتفاهم وعقد معاهدات عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج!

من مصلحة النظام الإيراني أن يوحي بأن واشنطن هي التي تتراجع عن العقوبات، وليس هو الذي يصرخ وجعاً من هذه العقوبات، ولهذا كان مفهوماً تماماً لماذا يقول كيوان خسروي باسم مجلس الأمن القومي الإيراني قبل أيام، إن عدداً من المسؤولين من البلدان الأخرى زاروا طهران كمبعوثين من قبل واشنطن، وإن إيران لن تتفاوض ما لم تتغير «السلوكيات»، فيما بدا ردّاً مثيراً لسخرية المعلقين الأميركيين، لأنه يحاول الرد على شرط ترمب الذي كرره دائماً، وهو أنه يطالب إيران بتغيير سلوكها ولا يسعى إلى تغيير نظامها!

في سياق الوساطات، برزت أيضاً محاولة ألمانية، عندما تحدث موقع «دويتشه فيله» (المتحدث بالفارسية) عن مساعٍ تبذلها برلين للحد من التصعيد بين إيران وأميركا، ولهذا أوفدت الحكومة الألمانية مدير الشؤون السياسية في الخارجية ينس بلوتر في 23 مايو (أيار)، إلى طهران، للبحث عن الطرق التي يمكن أن تفضي إلى تنفيس الاحتقان المتصاعد!

السؤال الجوهري الذي يطرحه المراقب حيال هذه التطورات: لماذا يذهب الوسطاء دائماً إلى طهران ولا يذهبون إلى واشنطن؟

طبعاً الجواب واضح ومعروف: لأن التغيير مطلوب من طهران، وليس من الولايات المتحدة، وأن هذه الأخيرة قادرة في النهاية على دفع الإيرانيين إلى طاولة التفاوض على اتفاق جديد يكون أكثر إلزاماً وضبطاً من الاتفاق الذي ألغاه ترمب، خصوصاً لجهة سياسات التدخل الخارجية السلبية المزعزعة للاستقرار والأمن في المنطقة، التي تدعم الإرهاب وتغذيه، كما تقول واشنطن!

يعرف الرئيس ترمب ومستشار الأمن القومي جون بولتون أن ضيق النظام الإيراني يزداد، نتيجة العقوبات التي جعلت العملة الإيرانية تخسر نسبة ما يزيد على 60 في المائة من قيمتها أمام الدولار، وتردد أخيراً أنه بدأ العمل في إيران بتوزيع البونات للحصول على الغذاء، ولهذا مثلاً يقرأ الخبراء في واشنطن موقف المرشد علي خامنئي، عندما يتنصّل من مسؤولية الاتفاق النووي، ويلوم على ذلك الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، متهماً إياهما بالفشل في تنفيذ أوامره، على قاعدة أن هذا يمكن أن يشكّل في وقت من الأوقات تمهيداً لإيجاد مدخل للتراجع عن هذا الاتفاق الذي يتحمَّل غيره مسؤولية التوصل إليه، بما قد يفتح الأبواب على السعي إلى اتفاق جديد!

بعد الهجوم الذي استهدف أربع ناقلات في 12 مايو الحالي، بميناء الفجيرة، بدأت حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» عمليات تحليق جوي تكتيكي على مدار الساعة سمّاه البنتاغون «تحليقاً رادعاً»، ومنذ ذلك الوقت، ورغم أن إيران حاولت أن تتهم دولة ثالثة بتدبير الاعتداء، بدا أن التحركات المدرعة المتقابلة بين الأميركيين غرب العراق والإيرانيين في جنوبه الشرقي، لن تخرج على نطاق سياسة العض على الأصابع، التي يبدو أن تؤلم النظام الإيراني عميقاً، والدليل قراءة تصريحات ظريف، الذي كرر في بغداد أكثر من مرة أن بلاده ليست راغبة في التصعيد «ونحن لا نريد تصعيداً عسكرياً، ومستعدون للتعامل مع أي مبادرة لخفضه».

كذلك يقرأ الخبراء بعناية دعوة روحاني، بعد أيام من تصريح خامنئي، مجدداً إلى تنظيم استفتاء حول البرنامج النووي لبلاده، مذكراً بأن المادة 59 من الدستور تجيز ذلك، وأنه سبق أن طرح الفكرة على خامنئي عام 2004، مضيفاً أن الأخير وافق عليها ولكنها لم تُنفّذ، معتبراً بالحرف أن «هذا التصويت يمكن أن يكون حلاً في أي وقت»، خصوصاً عندما يذكّر ظريف بفتوى لخامنئي تحرم النووي!

على خلفية كل هذا، يجب التوقف أمام قول ترمب، يوم الاثنين الماضي، بعد لقائه مع شينزو آبي: «أعتقد فعلاً أننا سنبرم اتفاقاً، وأعتقد أن طهران لديها الرغبة في الحوار، وإذا رغبوا في الحوار فنحن راغبون أيضاً»، وكرر ترمب أنه لا يسعى إلى تغيير النظام ولا إلى إيذاء إيران أبداً بل إلى تغيير سلوكها، وأنه يعرف العديد من الأشخاص في إيران، وأنهم رائعون، وأن إيران لديها الفرصة لأن تكون بلداً رائعاً مع القيادة نفسها!

طبعاً الردود الإيرانية حتى الآن أن «الحرس الثوري» قادر على إغراق السفن الأميركية، وأن التفاوض مع أميركا مرفوض وسمّ زعاف، لكن العقوبات تضغط أكثر فأكثر، ولم يكن ترمب ليذهب إلى ما يشبه مغازلة إيران، لو لم يكن يعرف تماماً أن ما لم تفعله الحرب تفعله العقوبات وأقسى، والتحدي هو إيجاد مخرج للعودة إلى التفاوض بطريقة لا تذكّر خامنئي بكأس سم الخميني، ويعتقد كثير من الخبراء أن التصريحات المتناقضة، تصعيداً وتبريداً بين الطرفين، ليست إلا تغطية للبحث المحموم عن مخرج للعودة إلى التفاوض، ما لم تكن القيادة الإيرانية تظن فعلاً أن في وسعها الصمود مراهنة في انتظار خروج ترمب من البيت الأبيض!

5              مكة… طريق التضامن العربي

إميل أمين                الشرق الاوسط السعودية

وكأن نسمة عروبية تضوع بمسك لها طيب طال انتظارها، قد هبت على مكة المكرمة في الساعات القليلة الماضية، ذكَّرت الحضور والعالم بأن العرب أمة حية، نابضة، قادرة على التفكير والتدبير، بغير خجل أو وجل، ومن دون مداراة أو مواراة.

أظهرت قمم مكة الثلاث أن هناك إدراكاً ووعياً بالغين لدى الشعوب العربية وقيادتها، جهة اللحظات الحرجة التي تعيشها المنطقة، لا سيما في ظل التغيرات الجيوبوليتيكية العالمية الأخيرة.

أثبت العرب الذين لبوا دعوة الملك سلمان أنهم جاهزون لكل الاحتمالات لمواجهة الاختلال الذي تسعى بعض القوى الإقليمية إلى إحداثه، ليختصم من الحضور والنفوذ العربيين التاريخيين في المنطقة.

لا نغالي إن قلنا إنه لم يصدر بيان ختامي عن قمة عربية في قوة وحسم بيان قمة مكة منذ فترة، فقد وضع النقاط على السطور بشكل قاطع، ولم يترك مجالات للتأويل أو التفسير، فقد أشار إلى أن إيران عليها أن تتوقف الآن وهنا، عن كافة أشكال الاعتداءات والتدخلات والمخططات الموجهة إلى جيرانها في الخليج العربي من جهة، وإلى عدد من الدول العربية البعيدة عنها جغرافياً، غير أنها تسعى إليها من خلال أذرعها الميليشياوية من جهة أخرى، كما الحال في اليمن بنوع خاص.

أظهرت قمم مكة ما للمملكة العربية السعودية من حضور في قلوب العالم العربي، سيما وأن الجميع اعتبر أن الاعتداءات التي تعرض لها الأمن القومي السعودي عبر اعتداءات الحوثي الصاروخية، هي اعتداءات على الأمن القومي العربي برمته، دون تمييز أو تخصيص للمملكة دون سواها.

بدا واضحاً أن هناك تمييزاً مؤكداً بين الشعب الإيراني وبين حكومة الملالي، وهذا ما أشار إليه الملك سلمان في كلمته، التي حذر وأنذر فيها من تعرض الاستحقاقات والنجاحات التاريخية لدول مجلس التعاون للضياع، أو الخطر من جراء ما تقوم به إيران.

ولعل الذين تابعوا كلمات الرؤساء والزعماء العرب عبر القمة الخاصة بهم، قد وقر لديهم أن هناك رؤية أقرب ما تكون إلى خريطة طريق عند العرب، طرفاها غصن الزيتون من جانب، والحسام المهند من جانب آخر.

غصن الزيتون قام العرب قبل ساعات بمده طويلاً إلى الجانب الإيراني، وإن كان المرء يشك شكاً مطلقاً في أن إيران سوف ترد رداً إيجابياً على البيان الختامي الذي أجمل طلبات العالم العربي؛ لكن حتى يكون العالم شاهداً على ما وصلت إليه الأمور الخلافية من قبل طهران.

أما الحسام المهند فهو لغة أخرى تعرفها إيران جيداً، وربما في واقع الحال لا تجيد غيرها، ولهذا كان التركيز جلياً على فكرة المواجهة والردع، فمن دون ترس وسيف تبقى الأمم والشعوب في حالة خطر داهم.

من بين مرتكزات نجاح هذه القمم أنها عمقت حالة التضامن العربي – العربي، انطلاقاً من القواسم العربية المشتركة، تلك التي يتنادى إليها الجميع وقت الخطر، وإن كان ذلك لا يعني بحال من الأحوال عدم التعاون مع الآخر، لا سيما الحلفاء، وقد جاء قرار إعادة انتشار القوات الأميركية في المنطقة ليؤكد على فلسفة جبر الذات العربية من جهة، ومد الجسور الاستراتيجية مع العالم الخارجي من جهة ثانية.

أثبتت القمم أن إيران إشكالية عريضة، فهي تمد أياديها الحانقة والحاسدة إلى الداخل العربي، لا من أجل التعاون على تحسين حياة المواطنين العرب؛ بل لتحقيق مراكز نفوذ متقدمة لها على حساب استقلال الدول العربية، وحرية قرارها.

لسنا في حاجة إلى التدليل على صحة ما نقول به، إذ يكفي النظر إلى العراق وكلمته وموقفه من البيان الختامي، فعلى الرغم من عروبة العراق، فإنه بدا كمن وجد نفسه بين المطرقة والسندان، أو بين فكي كماشة، فهو من جهة يحاول جاهداً الحفاظ على عروبته التاريخية، ومن جهة ثانية تتنازعه الضغوطات الإيرانية في الداخل العراقي، الذي بات متسماً بمحاصصة طائفية، ويرزح تحت ثقل ميليشيا «الحشد الشعبي»، وكل خوف العراق العروبي أن يجد بلاده موقعاً وموضعاً لحروب بالوكالة، لا تلبث أن تمسك بتلابيب الجسد العراقي الواهن أصلاً، وما خطط قاسم سليماني التي رصدها الجانب الأميركي إلا تأكيد لصحة الرؤية والتحليل.

حين نقول إن ريح التضامن العربي الطيبة قد هبت على الأرجاء من مكة من جديد، فالأمر حقيقة ساطعة، ذلك أنه تحت سماواتها ارتفعت أصوات قادة العالم العربي منذرة ومحذرة بأي تلاعب بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، واعتبار أي تحايل حول الحقائق التاريخية، مسألة إشكالية تعقد الأوضاع السياسية والدبلوماسية على الأرض، ولا تحل أياً من المشكلات الحاضرة.

ينادي خادم الحرمين الملك سلمان بحتمية جعل العالم العربي مركزاً ثقافياً واقتصادياً عالمياً مؤثراً، ما يعني أن العرب دعاة حياة لا مروجي موت؛ لكن بالقطع يمكن الجزم بأن الساعة تقتضي إعادة ترتيب الصفوف لوجستياً من جديد، فإيران لها آذان ولا تسمع، وعيون ولا تبصر، ولكل حادث حديث.

6              خلفية الصراع بين إيران والولايات المتحدة            خميس بن عبيد القطيطي        الوطن العمانية

ظل التجاذب الإيراني الأميركي بين مد وجزر طوال الأربعة عقود الماضية، وجرت أحداث متعددة ومتفاوتة الشدة بين البلدين منذ قضية الرهائن الأميركان التي كانت التجربة الأولى للجمهورية الوليدة في فبراير 1979م، واستمر الحال بين الطرفين على هذا المنوال، كما أن هناك مناوشات أخرى جرت أحداثها في لبنان وسوريا على سبيل المثال، بل هناك مواجهات أخرى خارج الإقليم. وبما أن الثورة الإسلامية في إيران قامت على نظام الشاه حليف الولايات المتحدة؛ لذلك استمر العداء بين الطرفين لكبح جماح إيران وتصاعد نفوذها وقوتها، وتدرك إيران هذه المراقبة والنهج العدائي من قبل الولايات المتحدة؛ لذلك سعت إلى امتلاك القوة وتعزيز برامجها الوطنية في تأسيس دولة قوية تستطيع الدفاع عن نفسها أمام التهديدات الخارجية بالاعتماد على نفسها نظرا لما تملكه من مصادر ثروة وتنوع في الإنتاج، ونظام دولة قوي يقف على قاعدة حضارية تاريخية عظيمة، وأتاحت لها الجغرافيا أن تلعب دورا في حسابات السياسة والاقتصاد في المنطقة والعالم؛ لذلك تمكنت من مقارعة القوى الدولية رغم العقوبات المستمرة والحصار الشديد المفروض عليها، فتمكنت من تطويع تلك العقوبات بالاعتماد على الذات والالتفاف عليها في بعض الأحيان بفتح خطوط التبادل التجاري مع دول العالم من أجل تعزيز ودعم الاقتصاد الإيراني.

لقد قدمت الظروف خدمة للجمهورية الإسلامية بدءا” من الحرب العراقية الإيرانية التي دامت 8 سنوات حتى 1988م والتي وحدت إيران مع النظام الجديد، بعدها التفت العالم إلى حدث خطير في المنطقة المتمثل في الغزو العراقي للكويت الذي وضع العراق على رأس أجندة القوى الدولية فاستمر حصاره بعد تحرير الكويت لمدة 13 عاما، وانتهى بغزوه واحتلاله تحت مبررات كاذبة، وهذا الظرف الدولي أتاح لإيران متنفسا مثاليا لتعزيز قدراتها العسكرية وبرامجها الوطنية، وهي تعلم أيضا أن ما حدث في العراق ليس بعيدا عنها، وبالتالي أخذت احتياطاتها اللازمة والاستعداد لأي استهداف محتمل خصوصا مع وجود الولايات المتحدة في العراق، كما أن الظروف أيضا ساعدت إيران باشتعال المقاومة في العراق والتي كبدت الولايات المتحدة أكثر من 4500 من الضحايا في صفوف جنودها، بالإضافة إلى خسائر مادية ضخمة، وهذه الظروف دفعت الولايات المتحدة ثمنها في بنيتها العسكرية والمادية، ومع بروز الأزمة المالية العالمية عام 2008م كانت الولايات المتحدة من أكبر المتضررين فيها.

كل هذه الظروف كانت تنصب في صالح إيران في الوقت الذي توسعت فيه إيران، ويتمدد نفوذها في المنطقة من خلال دعمها لتيار المقاومة في لبنان وفلسطين، وأسهمت بدور كبير في مساعدة سوريا في أزمتها، وهذا بدوره شكل تحالفا عضويا مع أذرع عسكرية لها بصمتها وتجربتها القوية، وبالذات في إطار المواجهة مع “إسرائيل”، وهذا يدل على أن إيران كانت تسير في مسارات إيجابية منحتها فرصة لتعزيز قدراتها في برنامجها النووي والصاروخي ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك بقيت صامدة في مفاوضاتها النووية مع مجموعة (5+1) بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستطاعت أن تصل إلى اتفاق تاريخي مع تلك القوى في اتفاقية إطار جرت مفاوضاتها في مسقط وتم توقيع اتفاقيتها التفصيلية لاحقا. وكل ما سبق يدل على شيئين هما: القدرات السياسية التي يمتلكها النظام في إيران والتمسك بحقوقها المشروعة في تطوير قدراتها وبرامجها الوطنية، وأخيرا لجأت الأطراف الدولية إلى التدخل في الشؤون الداخلية لإيران بإثارة الاحتجاجات على خلفية الانتخابات والأوضاع الداخلية، ولكنها ما لبثت أن سيطرت عليها الدولة رغم دخول بعض أقطاب السلطة فيها، ولكن إيران أثبتت قدرتها على معالجة قضاياها الداخلية وملفاتها الخارجية مع القوى الدولية، وفي نفس الوقت حاولت تطبيع وتحسين علاقاتها مع الدول المجاورة لها، سواء” المتشاطئة لها في بحر قزوين والتي نظمتها من خلال اتفاقيات تقاسم المياه والثروة حسب نسبة طول حدودها البحرية، وكذلك في الضفة المقابلة للخليج حيث جيرانها العرب، إلا أن العلاقة مع الجار العربي كانت مشحونة في أغلب الفترات، وهذه المسألة هي التي مكنت الولايات المتحدة من الاستفادة من هذه العلاقة غير المستقرة بين الطرفين العربي والإيراني فاستطاعت الدخول من خلالها. وللأسف لم يستفد العرب من نموذج ما حدث بالعراق ودعاوى تصدير الثورة التي زجت العراق وإيران في أتون مواجهة وحرب مدمرة، فاستمر المخطط الخارجي باعتبار إيران هي الخطر المحدق بالعرب وصورتها بأنها أخطر من إسرائيل، وبالتالي أبرمت صفقات كبرى من التسليح للدول الخليجية، واستمر ابتزازها السياسي من خلال الخطر الإيراني الوهمي، مع العلم أن هذه الظروف وحالة عدم الثقة وانتهاج أسلوب المواجهة مع إيران قدمت لإيران نجاحات أخرى على صعيد المواجهة، وعززت من نفوذها في دول الخليج والعراق ما بعد احتلال العراق، بينما كان بإمكان دول الخليج وإيران خلق بيئة إيجابية ومناخ من الثقة أفضل مما هو عليه الحال لو تجنب الطرفان رفع سيوف المواجهة التي اعتمدت على البعد المذهبي للأسف الشديد، ولعب العنصر الخارجي الدور الرئيسي والأهم في تذكية هذا الخلاف من أجل تحقيق مصالحه.

اليوم تدور إحدى حلقات المواجهة بين إيران من جهة والولايات المتحدة ودول الخليج من جهة أخرى، وإن حدث أي خطأ ـ لا سمح الله ـ سيكون الخليج ودوله وشعوبه هم أول الضحايا، وهم من سيحترق في أي مواجهة بين إيران والولايات المتحدة.. وللأسف أن تكون الصورة واضحة وجلية بهذا الوضوح، وما زال الدفع الخليجي نحو نحو الحرب في أوجه، ناهيك عن تكاليفها المادية التي ستكلف دول الخليج تبعاتها، وقد تمت المصادقة مؤخرا على صفقات أسلحة جديدة بأكثر من 8 مليارات دولار تمت المصادقة عليها من قبل وزارة الخارجية الأميركية، وهذا كله يعتبر هدرا لثروات المنطقة، بل وصلت الأوضاع إلى حد التحالف مع كيان الاحتلال الصهيوني والتعاون معه في حروب قائمة في المنطقة، و”صفقة القرن” نموذج آخر من علاقات السفاح العربي الصهيوني، وقد تم التنسيق فيها مع الطرف العربي عبر الولايات المتحدة، وهناك موافقة عربية رسمية للأسف الشديد. هذه التحالفات العربية الجديدة لن تجلب الخير للمنطقة، سواء ما يتعلق بصفقة القرن أو الحرب على اليمن التي يدفع ثمنها أبناء الشعب اليمني واقتصاد دول التحالف العربي، وكذلك في إطار المواجهة الخاسرة مع إيران والتي تدفع باتجاهها دول بالمنطقة توافقا مع الفكرة الأميركية، كما يسمى درء الخطر الإيراني فإلى أين تسوقنا هذه الأفكار، وتسوق المنطقة نسأل الله السلامة لهذا الخليج وشعوبه الآمنة؟