1 قلق يسود الوسط السياسي في العراق
د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
يُضفي التوتر المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط بفعل الأزمات المتجددة منذ أربعة عقود من الزمن بسبب سياسات النظام الإيراني، بظلاله الكئيبة على جميع دولها ويثير القلق في أوساطها السياسية بدرجات متفاوتة، فهو على أشده في الوسط السياسي العراقي وذلك لما للحضور الإيراني الكبير جداً من تأثير فيه أيديولوجياً وسياسياً.
القلق لدى البعض يتجاوز التخوف من مجرد رذاذ حرب ودخان قد تصل الأراضي العراقية إلى ما هو أكبر من ذلك وهو ما سيطرأ على التوازنات القائمة في العملية السياسية من تغيير، وبما سيلحق حضور إيران وأعوانها ومصالحها من تراجع كبير في معادلات هذا التوازن.
لم يتردد مسؤولون عديدون في العراق وعلى رأسهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بالتصريح علانية بأن العراق سيكون أول المتضررين بالصراع بين واشنطن وطهران إن انفجر عسكرياً. وهو تقويم سليم لواقع الحال إذ رغم أن العراق ليس طرفاً في الصراع إلا أن أرضه قد تكون ساحته الأولى لأن إيران لا تقاتل بقواتها بل بأجهزة استخباراتها وبميليشيات من دول أخرى تمكنت من فصلها عن نسيجها الوطني ودربتها وسلحتها وضمنت خضوعها المطلق لإرادة الولي الفقيه، وهناك العديد من هذه الميليشيات في العراق.
لم تواجه أية حكومة عراقية منذ التغيير عام 2003 ما تواجهه حكومة عبد المهدي الحالية من تحديات، فهي إضافة إلى ما ورثته من إخفاقات الحكومات التي سبقتها في التعامل مع الواقع العراقي بملفاته المعقدة تواجه الآن مشكلة تجنيب العراق مخاطر الانزلاق في الصراع المتصاعد. فعلى المستوى الرسمي أعلن العراق مراراً بأنه لا يرغب في الانخراط في أي من المحاور السياسية في المنطقة أو الاصطفاف خلف أطروحات دولة أو رايات تنظيم سياسي تتجاوز الجغرافية الوطنية العراقية، ولا أن يكون ساحة تسوية الخلافات أو تصفية حسابات أو منطلقاً لشن حرب على جهة أخرى، هذا ما دأبت الحكومة العراقية على أعلى المستويات التصريح به. وقد استطاع العراق استخلاص تطمينات بأن الولايات المتحدة لن تستخدم الأراضي العراقية في أي معركة قد تحدث مع إيران في سياق هذه الأزمة، لكن الخوف من استفزازات إيرانية من الأراضي العراقية.
على محور آخر عُقد في مقر رئاسة الجمهورية في التاسع عشر من مايو الجاري اجتماع موسع رفيع المستوى ضم قيادات حزبية وسياسية متقدمة ممثلة في مجلس النواب رعاه رئيس الجمهورية برهم صالح بعيداً عن وسائل الإعلام لبحث وسائل النأي بالنفس وإبعاد العراق عن الصراع وضمان عدم صدور موقف يبتعد عن هذا الهدف أو يضعف من موقف الحكومة العراقية التي قررت النزول بقوة إلى ساحة الصراع وإرسال وفود إلى العواصم الرئيسة التي تدير دفته. إلا أن أجواء هذا الاجتماع قد تعكرت برسالة حملها صاروخ كاتيوشا سقط بالقرب من مبنى السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، رسالة قد تقرأ بمعاني مختلفة إلا أن توقيتها يرجح إحدى القراءات على غيرها، وهي تحذير المجتمعين من اتخاذ أي موقف يوحي بالانحياز نحو الجانب الأمريكي.
أما على المستوى الشعبي، فالمزاج العام مناهض لأية محاولة لزج العراق بأتون حرب جديدة لا مصلحة له فيها بعد أن ذاق مرارة ثلاثة حروب على مدى العقود الأربعة المنصرمة، فهناك انحسار كبير في التعاطف مع إيران ومواقفها السياسية في معظم المدن العراقية خاصة الجنوبية منها. ولكن هذه المواقف المعلنة لا ترقى إلى مستوى الأحداث التي توشك أن تعصف بالعراق، فالنأي بالنفس يتطلب أكثر من مجرد الإعلان عن الالتزام به، فالحكومة لم تتخذ أي إجراء لوضع حد لنشاطات الميليشيات الإيرانية التي تهدد علناً بالتصدي للمصالح الأمريكية في العراق وخارجه والتي لا تخفي ولاءها لإيران وتتجاهل تماماً مصالح العراق وشعبه.
والحقيقة أن العراق قد بدأ يجني ثمار التصاعد في التوتر الذي يلف أجواء المنطقة قبل أن يندلع صراع مسلح فيها، فهناك مؤشرات قوية على مدى الانحسار في فرص الاستثمار الذي يحتاجه العراق لإعادة بناء اقتصاده. فالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الولايات المتحدة بتخفيض وجودها المدني في العراق بتخفيض عدد الموظفين في سفارتها في بغداد وفي قنصليتها في أربيل ثم إخلاء موظفيها العاملين في شركة أكسون موبل النفطية، والإجراءات المشابهة التي اتخذتها كل من ألمانيا وهولندا وبريطانيا بشأن قواتها العسكرية ورعاياها كان له أثر سلبي على الوضع الاستثماري في العراق.
2 إيران بين نارين (2)
صالح الشايجي
الأنباء الكويتية
فكرة تصدير الثورة الإيرانية والشروع بتنفيذها أقلقت دول المنطقة حكومات وشعوبا، ولا سيما بعدما أخذت إيران بإرسال رجال دين شيعة إلى دول الخليج لبث الخطاب الإيراني أملا بكسب الشارع الخليجي، معتمدة على الترحيب الشعبي الخليجي بقيام الثورة وسقوط الشاه، وحدثت في دول المنطقة قلاقل وتفلتات أمنية بسبب التدخل الإيراني المباشر بشؤونها.
وعرفت المنطقة وللمرة الأولى، التفرقة المذهبية وعلا صوت المذهب على كل الأصوات وصار سيد الأصوات، والقصد بالمذهب ليس مقتصرا على المذهب الشيعي، بل بالمقابل علا الصوت السني أيضا، وهكذا دخلنا في غائلة المذهبية والتي ولدت انشقاقات مازالت مع الأسف قائمة.
ولقد رفضت شعوب الدول الخليجية المسلك الإيراني وباتت في خشية من إيران الجديدة أكثر من خشيتها من إيران الشاه، لأن إيران الجديدة تتكلم بلسان المذهب وتحاول استقطاب الموالين والمؤازرين مستعينة بالأدوات والموازين الدينية، وهذا ما تتفوق به إيران الخميني على إيران الشاه.
فضلا عن هذا فإن إيران الخميني لم تقم بالتخلي عن الجزر الإماراتية المحتلة ولم تعد تسليمها إلى دولة الإمارات، وهو الأمر الذي كانت تتوقعه شعوب دول الخليج، فزاد هذا الأمر في التباعد بين ايران وشعوب الخليج.
ونتيجة لهذا الغليان السياسي المتصاعد قامت في سبتمبر عام 1980 الحرب العراقية الإيرانية لتزيد التأجيج المذهبي رغم أنها من جانب العراق لم تكن حربا مذهبية كما هي في الجانب الإيراني، فمعظم الذين خاضوا الحرب ضد إيران من الجانب العراقي هم من الشيعة وكان ولاؤهم للوطن.
استمرت الحرب العراقية الإيرانية ثمانية أعوام عجاف زاد الدم المراق في ميادينها من أسنها وأساها، وأثرت سلبا على جميع دول المنطقة.
كنا حينها نقف مع العراق من منطلق عقلي لا من منطلق عاطفي، فنحن لم ننظر إلى تلك الحرب المجنونة من منظور مذهبي، كما لم ننظر إليها من منظور عرقي ولم نعتبرها حربا عربية فارسية، كما أراد العراق حينها أن يوحي للناس، بل نظرنا إليها على أنها حرب من جانب العراق على من أراد أن يعكر صفونا ويتدخل في شؤوننا ويقلقل أوضاعنا الآمنة.
لذلك كنا مع العراق لرد المعتدي وكف أذاه.
3 التصعيد الإيراني – الأميركي أثّر على المشهد السياسي في العراق د. علي القحيص الرياض السعودية
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران توترا حادا مستمرا منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب زمام السلطة في بلاده 2017، حيث اتهم سيد البيت الأبيض مرارا إيران بأنها أكبر داعم للإرهاب وأبرز قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وأعلن الرئيس ترمب في 8 مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق حول برنامج إيران النووي وفرضه لاحقا مجموعة عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، بالإضافة إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيما إرهابيا، وفي تصعيد كبير للتوتر، وجه البنتاغون، في وقت سابق من مايو، إلى منطقة الخليج مجموعة سفن حربية بقيادة حاملة الطائرات “Abraham Lincoln”، رفقة عدة قاذفات تكتيكية من نوع B-52″”، وذلك نظرا لوجود معلومات مؤكدة عن وجود تهديدات من قبل إيران تجاه العسكريين الأميركيين وحلفائهم في الشرق الأوسط، وضرب البواخر فى الملاحة الخليجية والدولية، وعلى الرغم من استمرار التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، تدل مؤشرات عدة صادرة عن البيت الأبيض في الأيام الماضية على أن ترمب لا يرغب في خوض نزاع عسكري مباشر مع إيران، وسط أنباء عن خلاف كبير يدور في إدارة الرئيس حول طريقة التعامل مع هذه القضية، خاصة في ظل إصرار مستشار الأمن القومي، جون بولتون، على اتباع نهج أكثر تشددا انعكس التوتر المستمر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على العلاقة بين القوى السياسية في العراق، خاصة القوى الشيعية والميلشيات الموالية لإيران، هذا ما أكده تقرير صدر حديثاً لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وأضاف التقرير لفترة طويلة ساد الاعتقاد بوجود معسكر شيعي واحد في العراق قامت إيران بتشكيله في الفترة التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين العام 2003، انطلاقًا من كون إيران كانت الحاضنة السابقة لمعظم القوى الشيعية قبل الإطاحة به، وأن التمايزات السياسية والحزبية تنعكس فقط في مجال التنافس السياسي فيما بينها على الساحة الداخلية رغم أن كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة فى العراق بعد الاحتلال برضا إيران لكن من المتصور أن مسار التجربة السياسية العراقية، لا سيما منذ العام 2007، ومع صعود حزب “الدعوة”، فرض مسارًا جديدًا للعلاقة مع إيران، التي انتقلت إلى مرحلة أخرى بالتزامن مع اجتياح تنظيم “داعش” للعراق في منتصف العام 2014، وتأسيس ميليشيا “الحشد الشعبي”، وهى المرحلة التي عكست مقاربة مختلفة في العلاقة مع إيران تتعلق بالأهداف والمشروعات الإيرانية في الإقليم والدعم الاستراتيجي الذي تقدمه العراق في سياق هذه المشروعات، بشكل ساهم في تقسيم القوى الشيعية، حسب اتجاهات عديدة، إلى تيار موالٍ لإيران يرى وحدة الهدف والمصير وآخر يدعو إلى ضرورة تبني سياسة أكثر استقلالاً تعكس المصالح الوطنية العراقية في المقام الأول.
وأوضح التقرير في سياق العرض المرحلي السابق، يمكن طرح ملحوظات أسياسية تعكس دلالات الانقسام داخل المكونات السياسية العراقية، يتمثل أبرزها في: 1- أنماط متباينة: تمثل العلاقة بين التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر وبين جماعة “عصائب أهل الحق” المنضوية تحت مظلة “الحشد الشعبي” بزعامة قيس الخزعلى، تجسيدًا واقعيًا لحالة التصدع التي تواجهها تلك المكونات في الفترة الحالية، باعتبار أنها تعبر عن انشقاق وقع بين قوى تحولت أنماط التفاعلات فيما بينها من التحالف إلى التنافس إلى الصراع. 2- متغير رئيس: يمكن القول إن العلاقة مع إيران تمثل المتغير الرئيس الذي يحدد اتجاهات التفاعلات بين تلك المكونات. فرغم أن التيار الصدري لا يشكل تيارًا معاديًا لإيران، وهو ما أبرزه مقتدى الصدر سواء في تصريحاته المتتالية أو في زياراته التي لا تنقطع إلى إيران ولقاءاته مع قادة إيرانيين، إلا أن ذلك لا ينفي، في رؤية اتجاهات عديدة، أن المعيار الحاكم في هذه العلاقة هو المصلحة الوطنية العراقية الغائبة حالياً بسبب التدخل الإيراني وإبعاد العراق عن محيطه العربي، على نحو انعكس في سعى التيار إلى الانفتاح على بعض الدول العربية. في حين يتبنى التيار الموالي لإيران موقفًا مغايرًا يقوم على الدفاع عن مصالحها ودعم وكلائها في المنطقة، على غرار حركة “أنصار الله” الحوثية الانقلابية في اليمن وحزب الله في لبنان والميليشيات التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها في سورية. وقد انعكس ذلك، على سبيل المثال، في الزيارة التي قام بها الخزعلي إلى الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، في 9 ديسمبر 2017، معربًا عن استعداده “للوقوف صفًا واحدًا مع الشعب اللبناني والقضية الفلسطينية أمام الاحتلال الإسرائيلي”. 3- حدود متوقعة: لم تعكس حدة الانقسام درجة من العداء تجاه إيران من جانب التيار الذي يدعو إلى اتباع سياسة تعكس المصالح الوطنية، وهو ما بدا جليًا في السجال الذي اندلع بين طهران وواشنطن، بعد إعلان الرئيس ترمب عن بقاء قوة عسكرية أميركية في العراق لـ”مراقبة إيران”، وهو ما اجتمعت القوى الشيعية على رفضه وانتقاده. واختتم التقرير يمكن القول إن التطورات السياسية التي طرأت على الساحة العراقية تشير إلى أن ثمة محاولات لضبط مستوى النفوذ الإيراني في العراق في إطار التأكيد على الثوابت الوطنية.
4 إيران.. ودروس غزو واحتلال العراق
بشرى فيصل السباعي عكاظ السعودية
الحرب هي كأي عنف تعتبر نكوصا عن الطبيعة العليا المتحضرة إلى الطبيعة الدنيا الغرائزية المشتركة مع الحيوانات التي لا تملك حل خلافاتها إلا بالعنف، لكن إن حصلت الحرب مع إيران فحتى لا تتحول إلى عراق ثانية ومفرخة للجماعات والمليشيات الإرهابية فيجب الاستفادة من دروس غزو أمريكا للعراق 2003م وأهمها التالي:
تخفيض العمليات الحربية بأقصى ما يمكن وعدم الاعتماد عليها فقط لإسقاط النظام إنما التواصل مع القيادات التنفيذية لأجهزة النظام وقواته لإقناعهم بالتعاون مقابل ضمان عدم ملاحقتهم.
عدم خصخصة الحرب وإحالة عملياتها لشركات كل همها الأرباح المالية وليس الأوضاع على الأرض، ومن ذلك عدم توظيف شركات المرتزقة لأنهم غير متقيدين بالانضباط العسكري وقيمه ولهذا هم أكثر من يقترف الجرائم بحق الناس، ومن ذلك أيضا عدم اختطاف القرار الوطني وخصخصة الثروات بعقود احتكارية ضد مصلحة البلد وأهله لصالح الشركات الأجنبية
عدم تحويل قوى التحرير إلى قوى احتلال وذلك بعدم الانتشار العسكري للجيوش الأجنبية على الأرض وفرض سيطرتها المباشرة إنما تتم الاستعانة برجال الجيش والشرطة المحلية لفرض الأمن، فالانتشار العسكري الأجنبي سيستفز الشعب ويولد المقاومة ويستتبعها إقامة معتقلات وتعذيب وقتل من قبل القوى الأجنبية، وهذا يجعلها تخسر التأييد الشعبي.
عدم تفكيك أجهزة وهياكل الدولة لأن هذا سيؤدي لانهيار المجتمع وفشل الدولة وشيوع الفوضى التي تنشأ في رحمها الجماعات الإرهابية، ومن ذلك عدم إقامة حملة تطهير ضد المحسوبين على النظام المخلوع من مستوى البيروقراطيين «الروتين الحكومي» والتكنوقراط «القيادات العلمية والتقنية»، ومن ذلك أيضا عدم حل الجيش والشرطة، لأن منسوبيها سيتحولون إلى تكوين جماعات إرهابية، وبالعراق شكلوا نواة داعش وسببا لتفوقها على الجيش والشرطة الجديدة وتمكنها من إخضاع مدن بكاملها لسيطرتها.
عدم الانسياق وراء مزاعم شخصيات معارضة قد تكون لديهم مطامع وحسابات شخصية يريدون تصفيتها فيفبركون مزاعم باطلة، وبخاصة إن كانوا طائفيين.
عدم استخدام أسلحة تترك تلوثا طويل الأمد يتسبب بوباء من السرطانات وتشوه المواليد كاليورانيوم المنضب.
عدم تدمير البنية التحتية الخدمية فهذا أكثر ما يستفز الشعب.
عدم إنكار الأخطاء إنما الاعتراف بها والعمل بشكل حقيقي على ضمان عدم استمرارها أو تكرارها، ومن ذلك عدم منح الجنود الأجانب حصانة قانونية ضد المحاسبة على تجاوزاتهم فهذا يطغيهم.
عدم تقسيم المجتمع بفرض نظام محاصصة على أساس طائفي وعرقي.
مراعاة الحساسيات الدينية والثقافية المحلية ومن ذلك تعيين عسكريين لديهم خبرة فيها مثل من هم من أصول إيرانية مهاجرة.
5 دروس هزيمة «حزيران» برسم حكام طهران
أكرم البني الشرق الاوسط السعودية
ربما؛ لولا اقتراب ذكرى هزيمة الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967 ما كانت لتحضر وجوه المقارنة والمقاربة بين الظواهر التي سبقت تلك الهزيمة المريرة، التي لحقت بنا ومكّنت إسرائيل من احتلال أراضٍ في أربع دول عربية، وبين ظواهر نشهدها اليوم مع تواتر قرع طبول حرب محتملة في المنطقة، إنْ في الخليج أو لبنان، بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة؛ وإيران وميليشياتها من جهة أخرى.
والبداية من التهديدات النارية التي أطلقها غير مسؤول إيراني، بأن أميركا سوف تنهار بضربة واحدة، كبرجي مركز التجارة العالمي، وبأن مواطنيها سوف يواجهون نطاقاً واسعاً من الأخطار التي لا يعرفونها، وبأن ثمة سلاحاً سرياً قادراً على إغراق البوارج الأميركية كافة! والتي تذكرنا بالتهديدات الصارخة والفارغة التي أطلقها زعماء عرب، عن سحق إسرائيل وإزالتها من الوجود في يوم وليلة، وبأن وجبة عشائهم، إنْ اندلعت الحرب، ستكون في تل أبيب، وأن مصير المستوطنين اليهود هو رميهم في البحر أو أن يعودوا من حيث أتوا!
صحيح أن ثمة فارقاً في المرجعية والشعارات الآيديولوجية بين التعبئة القومية لدى أنظمة الطوق العربية، والتعبئة الدينية المذهبية عند السلطة الإيرانية، وصحيح أن ثمة براغماتية لم تمتلكها تلك الأنظمة؛ لكنها متأصلة عند حكام طهران وغالباً ما تجنّبهم دفع الأمور إلى حدها الأقصى، لكن المشترك بينهما هو توسل الشعارات المضللة المبنية على تغييب العقل وعلى المبالغات الغوغائية المحفوفة بالعنتريات، وبقدرة فريدة على استسهال التضحية بحيوات الناس وقوداً للحروب.
وإذا كان من عوامل بررت لأنظمة الطوق العربية تصعيدها السياسي والعسكري ضد الوجود الصهيوني، وربما ساعدتها نسبياً على احتواء التداعيات المباشرة لهزيمة «حزيران» عام 1967؛ منها مناخات الحرب الباردة وما قدمه الاتحاد السوفياتي من دعم نوعي وقتئذٍ، ثم شدة المظالم التي يعاني منها الفلسطينيون وما تثيره من تعاطف شعبي، فضلاً عن نجاح تلك الأنظمة في مغازلة قطاعات واسعة من المحرومين، عبر ما اتخذته من قرارات التأميم والإصلاح الزراعي… فإنه ليس لدى حكام طهران اليوم ما يبرر لهم عنجهيتهم المريبة، بينما يئن شعبهم تحت وطأة أزمة اقتصادية عميقة وتفاقم غير مسبوق لمشكلاته المعيشية، ليس فقط جراء تشديد العقوبات الغربية؛ وإنما الأهم بسبب تنامي حالات الفساد وهدر الثروات العامة على مشاريع تعزيز النفوذ الإقليمي، والأسوأ أن هؤلاء الحكام ربما يعرفون أكثر من غيرهم أن استفزازاتهم وتدخلاتهم الفظة في شؤون الآخرين، جعلتهم شبه معزولين في حربهم العتيدة… وهو أمر ليس قليل الأهمية؛ أن يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لن تلعب دور إطفائي لحرائق المنطقة، أو حين تعم المظاهرات الشعبية غير مدينة عراقية رافضة توريط العراق في نزاعات إيران مع الغرب.
لقد قالت أحوال مجتمعاتنا البائسة وهزائمها المتعددة، وأكثرها إيلاماً هزيمة «حزيران»، كلمتها بحق هذه العقلية، وأظهرت أن قوة الدول ومكانتها العالمية لا تقاس فقط بما تملكه من ترسانات عسكرية وأدوات قهر وإرهاب؛ بل بمستوى التقدم الحضاري والتنموي الذي تحرزه على الصعد كافة؛ الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية، ولعل نظرة موضوعية إلى الحصاد المُرّ للتعبئة الآيديولوجية ولشعارات المواجهة الطنانة والتغني بالحروب ضد إسرائيل وأميركا، تكفي لتؤكد عياناً أنها لم تكن أكثر من عناوين لتعزيز تسلط الحكام وقدراتهم على قهر شعوبهم وحماية امتيازاتهم، والأسوأ لخداع المجتمع بفرص تحقيق انتصارات عبر اقتناء مزيد من الأسلحة، التي غالباً ما تم استعمالها لضبط الأوضاع الداخلية وتحسين النفوذ الإقليمي، أكثر مما استخدمت في خنادق وساحات قتال أميركا وإسرائيل، الأمر الذي أفضى إلى عسكرة الحياة وتخريب البنية الوطنية، وتدمير خلايا النمو والتجدد في هذه المجتمعات وتحويلها إلى مجتمعات ضعيفة ومنهكة تتآكل بفعل أزمات متراكبة، جراء امتصاص طاقاتها في معارك منهكة.
واللافت أنه، ومثلما وفّرت هزيمة «حزيران» حافزاً للنخب العربية لمراجعة واقعهم نقدياً وقراءة أسباب ضعفهم وعجزهم، خصوصاً استخلاص الدرس الأهم بأن السبب الرئيسي للهزيمة ليس فقط التفوق الصهيوني المدعوم غربياً، بل هشاشة البيت الداخلي الذي نخره الفساد والقمع والاضطهاد… يصح القول إن الحرب الإيرانية – العراقية وتداعياتها على أوضاع طهران الداخلية، منحت بلا شك النخب الإيرانية حافزاً مشابهاً لمراجعة واقعهم وسياساتهم وبرامجهم، والأهم استخلاص وتثبيت الدرس ذاته.
وأيضاً، مثلما قطع شعار «الكفاح المسلح» الذي رفعته المقاومة الفلسطينية، وتداعيات ما عرفت بـ«معركة الكرامة» الشهيرة عام 1968، الطريق على المجتمعات العربية لتمثل دروس هزيمة «حزيران»، ومنح الأنظمة العربية فرصة لم تضيعها لإعادة الروح للخطاب الآيديولوجي العتيق، ومحاصرة دعاة أولوية التنمية الديمقراطية وعزلهم، فإن حرب الخليج الثانية ونتائج الاحتلال الأميركي للعراق وفّرا الفرصة لحكام طهران كي يحاصروا ويجهضوا أي محاولة جادة لنقد السياسات التدخّلية التي رافقت قيام جمهوريتهم الإسلامية، مما أعاد الروح لنهجهم المتمادي في تصدير «ثورتهم» وفتح شهيتهم لتوسيع نفوذهم الإقليمي، متوسلين أدوات ميليشياوية تفيض بالتعبئة المذهبية البغيضة، لتصل الأمور إلى الحد الذي سمح لهم بإطلاق تصريحات مستفزة عن أنهم باتوا يتحكمون في مصير أربع عواصم عربية.
دار الزمن دورته؛ وها هو حراك المجتمعات العربية التي عانت الأمرّين؛ قهراً وفقراً، يتصاعد من أجل حريتها وحقوقها، على أمل إعادة الأمور إلى نصابها ومنح التنمية الداخلية الأولوية، في مواجهة الأسطوانة المشروخة عن أولوية مواجهة إسرائيل وأميركا، وأيضاً ها هو حراك المجتمع الإيراني يتصاعد يوماً بعد يوم، احتجاجاً على أوضاع حياتية ومعيشية لم تعدْ تطاق، ورفضاً لتهميش مكانته الحضارية وهدر ثرواته في معارك النفوذ الخارجي.
ربما يستفيق الإيرانيون على هزيمة أكثر قسوة من هزيمة «حزيران»، وربما ينجح حكام طهران، مرة أخرى، في نزع فتيل التوتر الراهن، وينقذون رؤوسهم وفسادهم وامتيازاتهم، تاركين شعبهم يئن تحت وطأة مزيد من المعاناة والعزلة والحصار… لكن إلى متى؟ وهل هو قدر الإيرانيين وشعوب الإقليم العيش في دوامة هذا المناخ من الخوف والمعاناة والآلام؟ وأليس ثمة علاج لهذا الإدمان على العقلية التدخّلية المريضة نفسها وعنفها وقهرها، وعلى تشغيل الأسطوانة العدوانية ذاتها، قبل أن يأخذ المنطقة إلى ما يشبه الخروج من التاريخ؟
6 رداً على افتتاحية «القبس»: يا حليمة… عين عورة وعين سليمة حسين الكاظمي
الاخبار اللبنانية
حينما قرأت افتتاحية جريدة «القبس» الكويتية تحت عنوان «لسنا بهذه السذاجة يا إيران»، لا أدري لماذا تذكرت قصة الإعلامي الكويتي المخضرم الدكتور نجم عبدالكريم، مع مذيعة كويتية شهيرة جداً كانت في أيام مجدها، شاغلة اهتمام مشاهدين كثيرين في بلدان عربية متعدّدة وليست الكويت فقط، كأبوظبي ودبي والرياض وطرابلس الغرب في ليبيا (تخيّلوا). ففي حديث معها في وقت ما، يقول قمت أنصحها بأن الإعلامي يستند إلى ثقافته وتواضعه وشغفه بالتحصيل والبحث والتساؤل الجوهري، ولا يكون التركيز منصبّاً على السطحيات واستحثاث الغرائز البدائية، والحديث عن كل ما هو ذو غير معنى أو جوهر. يروي الدكتور نجم عندها، أنها قاطعته بغضب مدثر بحلم مفتعل وقالت له بصوتها المتصنّع ومخارج ألفاظها المزعجة: «آنا حمد لله وايد مثقفة أو وايد شاطرة». توضيح: كلمة «وايد» في اللهجة الكويتية، تعني «كثيراً جداً» في العربية. بمعنى آخر، هي قالت له: أنا لست بهذا الغباء يا نجم. أظنّ للأسف بأن شخصية تلك المذيعة الضحلة قد صبغت جوانب كثيرة من ذهنيات بعض الجماعات في المجتمع الكويتي. وربما للأسف الجماعة القائمة على جريدة «القبس» العريقة. يعني يا «قبس»… وهذا على وزن يا إيران! إذا رأت إيران فيكم السذاجة، فأنتم رأيتم في قرّائكم إما الغباء أو نسيان الذاكرة أو أنهم على شاكلة تلك المذيعة الأسطورة.
شيء جميل يا «قبس» أنكم لستم نعامة تدفن رأسها في التراب. إذاً ماذا كان دوركم في التحشيد لنظام صدام حسين عندما شنّ حربه على جارتكم إيران.. هل كنتم مفتحين باللبن؟ ألم يبدر منكم الخطأ والتقصير الذي يهدد مصداقيتكم بالمطلق. أذكرتم يوماً ما في جريدتكم كم صرفت دولة الكويت من مداخيلها المالية على تلك الحرب ذات الثماني سنوات؟ ماذا لو علمتم بأن دولتكم الموقّرة قد صرفت مداخيلها النفطية لمدة عشر سنوات، أي ثمانون مليار دولار! ناهيك عن الأجواء والموانئ والطرق البرية وتسهيلات أخرى تنمّ عن انخراط شبه كامل في الحرب مع نظام صدام ضد إيران.
أنسيتم حملات التبرع بالذهب من قِبل النساء لإعمار الفاو؟ أبكيتم على أكراد العراق حينما حُرقوا بالكيماوي؟ أم أن دموعكم فقط تجري على من تقتلهم إيران وجماعاتها حتى لو كانوا من «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهم من التكفيريين، وقد ملأوا الدنيا دماراً وقتلاً؟
إيران يا «قبس» لا تعوّل على سذاجتكم. وهي (السذاجة)، بالمناسبة، مشهودة للقاصي والداني. و«لسنا» النافية في مطلع عنوان افتتاحيتكم كنفي تلك المذيعة، التي لا تخفي ضيق أفقها. فتأكيد وجود المنعدم، أحياناً، كتأكيد انعدام الموجود فعلاً، وهو حالكم مع السذاجة. إيران تعوّل على جغرافيا قاهرة قد تنتظم أخلاقياً ودبلوماسياً بمفاهيم حسن الجوار. إيران تعوّل على تاريخ طويل وعريض من التعاون الاقتصادي الذي ساد مرحلة ما قبل الاحتلال البريطاني وشركة الهند الشرقية، حين كان اقتصاد الكويت يعتمد على الموانئ الإيرانية والعراقية (البصرة والمحمرة).
والأهم من كلّ ذلك، أن إيران تعول على حكمة أمير الكويت وشعبه اللذين يحسنان الظن في القيادة الإيرانية. وإيران تعول على المستقبل المبني على أسس موضوعية بناءة، كاستعراض جميع القضايا القائمة ومراجعة الأخطاء السابقة لتصحيحها مهما بلغت كلفتها. ولكن من قبل جميع الأطراف، وليس من قبل إيران وحدها.
نحن يا «قبس»، كسائر بني آدم في الجمهورية الإسلامية في إيران كما في جميع أنحاء العالم، دماؤنا حمراء.