1 إيران بين نارين (2)
صالح الشايجي الأنباء الكويتية
فكرة تصدير الثورة الإيرانية والشروع بتنفيذها أقلقت دول المنطقة حكومات وشعوبا، ولا سيما بعدما أخذت إيران بإرسال رجال دين شيعة إلى دول الخليج لبث الخطاب الإيراني أملا بكسب الشارع الخليجي، معتمدة على الترحيب الشعبي الخليجي بقيام الثورة وسقوط الشاه، وحدثت في دول المنطقة قلاقل وتفلتات أمنية بسبب التدخل الإيراني المباشر بشؤونها.
وعرفت المنطقة وللمرة الأولى، التفرقة المذهبية وعلا صوت المذهب على كل الأصوات وصار سيد الأصوات، والقصد بالمذهب ليس مقتصرا على المذهب الشيعي، بل بالمقابل علا الصوت السني أيضا، وهكذا دخلنا في غائلة المذهبية والتي ولدت انشقاقات مازالت مع الأسف قائمة.
ولقد رفضت شعوب الدول الخليجية المسلك الإيراني وباتت في خشية من إيران الجديدة أكثر من خشيتها من إيران الشاه، لأن إيران الجديدة تتكلم بلسان المذهب وتحاول استقطاب الموالين والمؤازرين مستعينة بالأدوات والموازين الدينية، وهذا ما تتفوق به إيران الخميني على إيران الشاه.
فضلا عن هذا فإن إيران الخميني لم تقم بالتخلي عن الجزر الإماراتية المحتلة ولم تعد تسليمها إلى دولة الإمارات، وهو الأمر الذي كانت تتوقعه شعوب دول الخليج، فزاد هذا الأمر في التباعد بين ايران وشعوب الخليج.
ونتيجة لهذا الغليان السياسي المتصاعد قامت في سبتمبر عام 1980 الحرب العراقية الإيرانية لتزيد التأجيج المذهبي رغم أنها من جانب العراق لم تكن حربا مذهبية كما هي في الجانب الإيراني، فمعظم الذين خاضوا الحرب ضد إيران من الجانب العراقي هم من الشيعة وكان ولاؤهم للوطن.
استمرت الحرب العراقية الإيرانية ثمانية أعوام عجاف زاد الدم المراق في ميادينها من أسنها وأساها، وأثرت سلبا على جميع دول المنطقة.
كنا حينها نقف مع العراق من منطلق عقلي لا من منطلق عاطفي، فنحن لم ننظر إلى تلك الحرب المجنونة من منظور مذهبي، كما لم ننظر إليها من منظور عرقي ولم نعتبرها حربا عربية فارسية، كما أراد العراق حينها أن يوحي للناس، بل نظرنا إليها على أنها حرب من جانب العراق على من أراد أن يعكر صفونا ويتدخل في شؤوننا ويقلقل أوضاعنا الآمنة.
لذلك كنا مع العراق لرد المعتدي وكف أذاه.
2 «خل نحسبها صح»
يوسف سليمان شعيب
الجريدة الكويتية
ما الحدود الإيرانية، ولماذا اختارت أميركا تمركزها في الحدود الإيرانية الخليجية دون باقي الحدود؟ الكل يعلم أن لإيران حدودا كبيرة بالاتجاهات الأربعة، فمن الشمال تركيا وأرمينيا وأذربيجان، ومن الجانب الشمال الشرقي تركمانستان ومن الشرق أفغانستان وباكستان ومن الغرب العراق والخليج العربي ودول الخليج العربية ومن الجنوب بحر العرب وبحر عمان. ولا يغفل عن أحد أن أغنى جهة هي الجهة الغربية لإيران، ولطبيعة الرئيس الأميركي وجهله في كل شيء في هذه الدنيا سوى المال وكيفية الحصول عليه، ولتعزيز الخزينة المالية للولايات المتحدة، وحتى يظهر بصورة البطل القومي أمام المطالبات الشعبية برحيله، ويكون رصيدا لحملته الانتخابية القادمة فإنه حرك حاملات طائراته، فهو يعلم أن الشعب الأميركي ليس مستعدا لإقحام أبنائه في حرب، الخاسر الأكبر فيها هو الشعب نفسه.
ولو افترضنا جدلا بنشوب الحرب، فمن سيمولها؟ وأي الميزانيات التي ستفتح خزائنها؟ وأي الأراضي التي ستكون جاهزة لاستقبال الحشود البرية؟ بالمختصر المفيد
1- الحرب مع إيران لن تقع لما لإيران من أهمية قصوى في وجود الحشود الأميركية في المنطقة، لكونها البعبع الذي تخيف به أميركا دول الخليج والمنطقة.
2- ادعاء أميركا والسيناريو الذي فرضته على العالم وطالبت بتصديقه هو المدخل الوحيد للفائض المالي الموجود في خزائن دول المنطقة بشكل عام والكويت والسعودية والإمارات وقطر بشكل خاص.
3- إرغام إيران على السماح للجاسوس الأميركي والاستخبارات الأميركية بالدخول على مواقع الترسانة النووية بشكل واضح وسهل بحكم قوانين الأمم المتحدة.
4- إتلاف البيئة البحرية من خلال وجود تلك المدينة المتحركة والمسماة حاملة الطائرات، حيث إن وجودها في المياه الخليجية واستقرارها يتسبب في تعريض البيئة البحرية للإتلاف من خلال نفايات الطاقة التي ستلقيها هذه الحاملة في مياه الخليج.
5- إذا نشبت الحرب، فمن الطبيعي هناك أسلحة جديدة تحتاج إلى تجربتها بشكل فعلي، وقياس آثار الدمار الناتج عنها، وكذلك الآثار الجانبية. إذاً حسب تحليلنا لن يقوم الرئيس الأميركي إلا بمناورة خبيثة القصد منها ابتزاز دول الخليج العربية.
وردا على هذا الابتزاز فإن على دول الخليج تعزيز العلاقات الدولية مع روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا بكل المجالات بما فيها المجال العسكري، حتى نقضي على مسلسل الابتزاز الأميركي.
وما أنا لكم إلا من الناصحين.
3 الحرب العالمية الثالثة وجغرافيا الشرق الأوسط
عزمي عاشور الحياة السعودية
كلما نشبت أزمة في منطقة الشرق الأوسط، تعلو أصوات محذرة من أننا على وشك الوقوع في حرب عالمية جديدة. بدأ ذلك مع “أزمة السويس” في عام 1956، التي كانت بدورها كفيلة بأن تشعل حرباً كبرى، في وقت لم يكن العالم شفي بعد من تداعيات جرح الحرب العالمية الثانية. حينها، صدقت النية في تدخل الولايات المتحدة لتقف في وجه كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ليسحبوا قواتهم من منطقة قناة السويس. وشكّل هذا الحدث، بداية النهاية لقوتين كبيرتين تسيدتا خريطة العالم على مدار قرنين من الزمان بهيمنتهما وسيطرتهما على جغرافيا قاراته.
ولم تكد المنطقة تتجاوز تلك الأزمة، إلا وتحولت إلى ساحة صراع بالوكالة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، فأصبحت من جديد مسرحاً لتوتر وتحالفات، جاء على رأسها الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي أدى إلى حرب العام 1967 وما تبعها من احتلال للأراضي العربية مجدداً. ثم كانت حرب العام 1973، التي تحررت فيها الأراضي المصرية بالحرب والمفاوضات، فيما بقي الصراع قائماً على باقي الأراضي العربية منذ ذلك الحين وما زال مستمراً لغاية الآن. وتخلل هذه الفترة، حروب أخرى كالحرب العراقية – الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية وغيرها. وتبقى الأزمة الأكبر هنا، الاحتلال العراقي للكويت في 1990 وقيام تحالف دولي بمحاربته وإجباره على الخروج منها.
وعلى رغم أن الأزمات المذكورة السابقة شكلت علامات تمهد لـ “الحرب الثالثة”، إلا أن الحصار الذي فُرض على العراق، كان بمثابة البداية الحقيقية لهذه الحرب، التي توجت بتداعيات أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، لتأتي الذريعة على طبق من ذهب للولايات المتحدة، لتقوم باحتلال العراق وأفغانستان أيضاً، في عام 2003. وبذلك، بدأ التنظير السياسي للمحافظين الجدد، يجد تطبيقاً على أرض الواقع في الجغرافيا العربية، في ظل مجتمعات رخوة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ولديها أولويات أخرى سياسية كمشاريع التوريث وغيرها، إضافة إلى كونها تفتقد القدرة على استشعار الخطر، الذي كان بدايته مع العراق الذي اُحتِل وتشَرد الملايين من أبنائه، وقتل مئات الآلاف منهم، ليتحول من بلد نفطي غني، إلى دولة يهرب منها أهاليها إلى بلاد الشتات، باستثناء من لا يملك منهم كلفة الفرار. وظل العراق يئن تحت نيران الاحتلال والحرب الأهلية، التي انتقلت منه إلى سورية واليمن، بعد ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي. وعلى رغم هزيمة “داعش” بعد أربع سنوات من ظهوره في عام 2014، يستمر الصراع على الجغرافيا السورية منذ ثماني سنوات. وكانت النتيجة أن ملايين السوريين أصبحوا لاجئين، وقتل مئات الآلاف منهم، فيما طال الفقر والبؤس البقية المتبقية، وتهدمت البنية التحتية للدولة.
مع كل إدارة أميركية جديدة، يأتي منظرون يتفننون في التعامل مع جغرافيا المنطقة، وتمخّض ذلك أخيراً عن “صفقة القرن”، التي ظهر منها حتى الآن الاعتراف بإسرائيل وعاصمتها القدس، والإقرار بأن الجولان أرض إسرائيلية. ليبقى، على ما يبدو، أن تقدم القوى الإقليمية المعنية بالقضية تنازلات، وإلا يتم العمل على هدمها من الداخل.
4
التأرجح الإيراني و”قمم مكة”
وليد شقير | منذ ساعتين في 31 مايو 2019 – اخر تحديث في 30 مايو 2019 / 23:36
يستمر تأرجح طهران بين تهديد الولايات المتحدة بالهزيمة على لسان قادة “الحرس الثوري”، ورفض التفاوض مع واشنطن، وبين الإعلانات المتتالية عن الاستعداد للتفاوض بشرط التزام الأخيرة الاتفاق النووي، تارة من وزارة الخارجية وأخرى من الرئيس حسن روحاني.
تستقبل القيادة الإيرانية الوسطاء العرب والأجانب، وتوفد إلى بعضهم مسؤوليها، ثم تعلن عن رفضها التفاوض، ولا تلبث أن تعتبره خيارا واردا وتعرض التباحث مع دول المنطقة على الأمن الإقليمي وإدارة الصراع على النفوذ فيها.
الواضح أن خيار حكام إيران بإجماع أجنحتهم، هو التفاوض لا الحرب، والواضح أن خيار واشنطن هو دفع حكام طهران نحو التفاوض لا المواجهة العسكرية. الأولى تنتظر الظرف المناسب وتفتح قنوات التواصل تحت مظلة من الحملات الإعلامية لإيهام حلفائها وجمهورها بصلابة موقفها، وبقدرتها على مقاومة الآثار الاقتصادية الكارثية للعقوبات، وتسعى إلى الصمود واعتماد النفس الطويل والتمسك بالأوراق وحمايتها وبتصعيد أمني ضد حلفاء أميركا العرب والخليجيين لا إزاء الوجود الأميركي نفسه. والثانية تشدد عقوباتها الاقتصادية إلى حد غير مسبوق في العلاقات بين الدول وآخرها أول من أمس. والحبل على الجرّار ليطال صادرات الدولة الفارسية من البتروكيماويات وغيرها، وتكثف من ضغوطها الديبلوماسية من أجل تقليص قدرة الحرس الثوري على الإفادة من تمدده الإقليمي في عدد من الدول.
لكن ما آلت إليه المواجهة التي تسببت بها طهران باقتحامها الساحات العربية تحت شعار “تصدير الثورة” يجعل تأرجحها في زمن الضائقة التي تمر بها، والحصار الذي تعاني منه، والذي سيزداد مع انعقاد القمم الإسلامية في مكة، أن المناورات التي تقوم بها في محاولتها الصمود بوجه الضغوط لم تعد تنفع في تحويل الأنظار عن المسألة الرئيسة التي تطرح إشكالية دورها: موقعها الإقليمي الذي خرب العلاقة مع الدول المحيطة بها. لم تعد شطارة محمد جواد ظريف في الكلام وفي التمسكن بأن برنامج بلاده الصاروخي هو لحمايتها مما سبق أن تعرضت له بلاده من صواريخ صدام حسين البالستية إبان الحرب الإيرانية العراقية، مستقبلا، في وقت يفوق عدد الصواريخ التي قصفت بها المملكة العربية السعودية من اليمن، بعشرات الأضعاف تلك التي أسقطها صدام على طهران، بينما الرياض لم تقم بأي عمل عسكري عدائي ضدها. ولم يعد تباكي الوزير الإيراني على القانون الدولي حيال اتهام بلاده بانتهاكه، بحجة أن أميركا تتغاضى عن تطبيقه حيال العدوانية الإسرائيلية… يفعل فعله، في الحرب الإعلامية والديبلوماسية مهما كانت شطارة ظريف. فعدوانية صدام ضدها في حرب الثمانية أعوام آخر القرن الماضي حجة ساقطة لا تستقيم في ظل اقتحامها الساحات العربية وتقويض أسس الدولة المركزية في عدد من دولها. وضرب إسرائيل بعرض الحائط للقانون الدولي في فلسطين وسورية ولبنان… لا يعفي الجانب الإيراني من مسؤولية اختراق حدود الدول وتحويلها إلى ميادين قتلا والتوظيف في إثارة النعرات المذهبية وويلات حروب متنقلة.
التأرجح الإيراني بين الصمود في وجه الضغوط الأميركية وبين التفاوض مع واشنطن يكشف عن جوهر المأزق الذي وقع فيه الملالي. فبموازاة اصباغهم الصفة الوطنية والسيادية على رفضهم الشروط الأميركية، يشرّعون المس بسيادة الدول الأخرى. وما الاقتراح المكرر والممجوج برغبتهم في توقيع معاهدة عدم اعتداء مع جيرانهم الخليجيين، إلا الوجه الآخر للسعي إلى انتزاع التسليم بدور طهران في التحول إلى شرطي المنطقة مجددا، مثلما كانت أيام الشاه، بموافقة الإدارة الأميركية مجددا. والتهديدات اللفظية بأن البحرية الإيرانية استطاعت تحييد الأسطول الأميركي في المياه الدولية، كما قال قائد الحرس اللواء حسين سلامي، هي الوجه الآخر لهدف السيطرة على بحر العرب وخليج عمان والخليج العربي والبحر الأحمر، والتحكم بأمنها، كما كان قبل الثورة.
التأرجح في اللغة الدعائية الإيرانية هو في الجوهر تأرجح بين السعي إلى التفاوض مع واشنطن، وبين محاولة التفاوض مع العرب على “معاهدة عدم اعتداء”. تؤجل طهران التفاوض مع ترامب، وتسعى لملء الوقت الضائع بحديث التفاوض مع الجيران لعلها تنجح في تجزئة الحلول بخطوات تهدئة موضعية هنا أو هناك، في لبنان وفي سورية ربما…أو في اليمن. ولعل هذا ما يرغبونه من الرسائل التي حمّلوها لأربع دول حاضرة في قمم مكة، أي العراق، عمان، قطر، والكويت، قبل أيام. وهو ما يطرح التحدي على الدول المجتمعة من أجل التضامن مع دول الخليج في يوجه التهديد الإيراني، أن تكون على حد أدنى من التوافق في كيفية التعامل معه.
إلا أن توسع السنوات الـ30 الماضية من قبل طهران أقحم الأميركيين أكثر فأكثر في المنطقة، وهو الذي برر عودتهم بقوة إلى العراق، وعزز وجودهم أكثر في مياه الخليج، وهو الذي سوغ إعلان الإمارات وأميركا بدء سريان اتفاق التعاون الدفاعي بينهما… وهو الذي جلب إسرائيل إلى حلبة الحروب والتناقضات الإقليمية، لاسيما في سورية، بحيث بات أي تفاوض لضبط إيران إقليميا صعبا من دون اشتراك واشنطن فيه. وللتذكير، فإن الدور السابق لإيران في الإقليم كان برضى إسرائيل.
5 على حافة الهاوية حنا صالح الشرق الاوسط السعودية
حدثان قلبا المشهد في الخليج والمنطقة؛ الأول التقاط صور من الجو لبدء الحرس الثوري تجهيز القوارب السريعة بالصواريخ، والثاني التقاط صور أرضية لمنصات صاروخية ضخمة في محيط مدينة البصرة موجهة نحو المعسكرات الأميركية. ويقول إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إنها تستهدف أيضاً دول الخليج. تزامن ذلك مع الاعتداء الذي ألحق أضراراً بـ4 ناقلات نفط في بحر عُمان، وتالياً استهداف محطتي ضخ النفط في السعودية، ما شكّل تحدياً بتهديد الممرات المائية الدولية وشرايين الاقتصاد العالمي!
مايك بومبيو حمل صور منصات الصواريخ إلى بغداد، وكشف عن كيفية نقل الصواريخ الإيرانية بصهاريج المياه، وأضاء على الدور الموكل من «الحرس الثوري» إلى فصائل «الحشد»، وحذّر القادة العراقيين من مغبة تحول العراق منصة عدوان على القوات الأميركية، مؤكداً أن المعتدي سيعاقب. وأعلنت واشنطن اعتزامها محاسبة القيادة الإيرانية على أي عدوان. كان لافتاً حجم التحرك الأميركي للردع، ولا شك أنه فاجأ قادة إيران، ووضعهم أمام حتمية وقف تهديد دول الجوار، ووقف اختراق الحدود، وتغيير السلوك، لأنه اشتمل على تحريك قوة بحرية كبرى وقاذفات استراتيجية، وإعادة انتشار عسكري في الخليج ودول المنطقة.
حتى اللحظة، تعلن واشنطن أنها لا تريد الحرب، وباب التفاوض مفتوح، وتشجع الوساطات، لكن العقوبات مستمرة وستتسع. ويقول الرئيس ترمب إن أميركا لا تسعى للتفاوض، و«إذا أرادت طهران، عليها القيام بالخطوة الأولى»، أما «إذا أرادت خوض حرب، فستكون بمثابة إعلان النهاية لنظامها». بالمقابل، فإن طهران التي تأكدت بصماتها في الاعتداء على الناقلات وأنابيب النفط، تعلن أنها لا تريد الحرب، ولا المفاوضات في ظلِّ العقوبات. ولخص الرئيس روحاني الموقف بقوله إنها «حرب غير مسبوقة في تاريخ ثورتنا الإسلامية»، وتبعاً للحالة الراهنة فإن «الظروف الحالية غير مواتية للتفاوض، بل للمقاومة والصمود»!
لم يقتنع حكام طهران بوجود منحى جديد في السياسة الأميركية.. منحى التعامل مع النظام الإيراني بوصفه من أبرز رعاة الإرهاب والتطرف وتهديد الأمن الدولي، بعدما كان الملالي حتى الأمس القريب قد استندوا في نهجهم للهيمنة إلى تحالف غير معلن مع أميركا، بدأ مع قرار حل الجيش العراقي، ما سهّل لهم ملء الفراغ. وتطور بين العامين 2008 و2016، فاستفادوا من مليارات الدولارات في ظل إدارة الرئيس أوباما، ما مكنهم من تطوير برنامجهم الباليستي من جهة، ومن جهة ثانية استثمروا الأموال في الميليشيات التابعة لهم، مثل «الحشد الشعبي» و«الحوثي» و«حزب الله» وغيرها، ليكرسوا جيوشاً رديفة مستندة إلى متغيرات مجتمعية، ما سهل مهمة تجويف هذه الدول، وتحويل سلطاتها إلى مجموعات تتناحر على الغنائم! بهذا الإطار، ترفض طهران طروحات «تغيير السلوك»، لأنها تعتقد أن الوقت في مصلحتها، وأن لديها بنكاً لا ينضب من الأهداف الأميركية، ومن القوى الحليفة للولايات المتحدة، كما حدث في تخريب الناقلات في مرفأ الفجيرة، وفي استهداف خطوط الخام السعودي، والرهان كبير في طهران على أن تنظيم مثل هذه الاعتداءات قد يدفع الإدارة الأميركية إلى التراجع، فتعلن إيران الانتصار! لكن ما لم يكن في حساب طهران هو تشدد واشنطن في العقوبات، وما ينجم عنها من انهيارات، معطوفاً على جهوزية للردع العسكري لوضع حدٍ للاستفزازات. وقد أظهرت المناقشات مع مجلسي النواب والشيوخ تبلور معالم استراتيجية ردع للنظام الإيراني، وسرعان ما تقرر إرسال قوات إضافية، في رسالة مدوية تفهمها جيداً طهران.
في خِضمِّ الصراع الكبير على المنطقة العربية، تواصل طهران سياسة مزدوجة، منطلقة من خلفية مفادها أن شراء الوقت يصب في خدمة مخططاتها، بانتظار الانتخابات الرئاسية في أميركا في عام 2020. يعلن رئيس لجنة الأمن القومي أن إيران «تحت أي ظرف، لن تدخل حرباً ضد أميركا»، ويعلن قائد «الحرس الثوري» أن بلاده لا تسعى للحرب. وشكلت الدعوة عبر الإعلام لمعاهدة عدم اعتداء مع دول الجوار آخر نكتة سمجة للتغطية على جوهر الموقف، وإن تزامن ذلك مع معلومات عن تراجع جزئي، مثل تفكيك الصواريخ عن متن القوارب السريعة، وإبداء الاهتمام بزيارة يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني، الذي نقل رسالة مفادها أن واشنطن جادة في اتخاذ إجراءات صارمة تجاه أنشطة إيران الإرهابية. وبالتزامن أيضاً، يستوقف المتابعين ما تم التعبير عنه من بيروت، عندما طلبت السلطات اللبنانية و«حزب الله»، جهة فاعلة في القرار اللبناني، وساطة واشنطن لترسيم الحدود مع إسرائيل، ليتمكن لبنان من استثمار ثرواته. ومقابل كل ذلك، يستمر نقل الصواريخ إلى منصات مطلة على الخليج، بعد التمركز في محيط البصرة، وتتكثف شحنات الصواريخ إلى سوريا ولبنان، وتكشف واشنطن عن اعتراض اتصالات من طهران توجه «الحشد» و«حزب الله» لضرب المصالح الأميركية، الأمر الذي يعني استمرار الاستثمار في الإرهاب، والتجهيز للحرب دفاعاً عن مشروع التوسع والهيمنة!
لعب النظام الإيراني دائماً على حافة الهاوية، ودوره المزعزع لبلدان المنطقة تجسد عبر خراب سوريا والعراق واليمن، والهيمنة على القرار اللبناني. لكن على مدى نحو عقدين، وتحديداً منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في نيويورك حتى عام 2017، كانت إيران في موقع القبول الأميركي، والتعاون الأوروبي، والدعم الروسي والصيني. هذا الوضع تغير، وكل الأنظار مشدودة إلى الأفعال الإيرانية، إنْ في استئناف تخصيب اليورانيوم، وما يحمله من تحدٍ للعالم، أو في بصمات الإرهاب، مثل استهداف الناقلات وخطوط النفط. ولعل المواقف التي أدلى بها الرئيس الروسي بوتين خير تعبير عن عزلة النظام الإيراني، بقوله: «لن تكون روسيا قادرة على لعب دور فريق الإطفاء بشكلٍ مستمر… ولا تستطيع الدول الأوروبية فعل شيء لتعويض إيران خسائرها». ويضيف: «الأفضل لطهران عدم الانسحاب من الاتفاق النووي مهما كانت الظروف»، فهل يتعظ نظام خامنئي؟
اليوم، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، بات التضخم في إيران 52 في المائة، وارتفعت الأسعار 82 في المائة، والانهيار النقدي مريع، وواشنطن التي اتخذت خطوات للردع غير مهددة لكي توجه الآن ضربات عسكرية، فالعقوبات تفعل فعلها، وكل يوم يمر يزداد شلل إيران وأذرعتها، لكن الانزلاق إلى الحرب وويلاتها أمر وارد. من هنا، أهمية مبادرة الملك سلمان بالدعوة لقمتين طارئتين، خليجية وعربية، للتأكيد على أن العرب ليسوا على منصة المتفرجين، وأنه لا بديل عن موقف حازم من تهور النظام الإيراني لمنعه من الاستمرار في نشر الدمار والفوضى، وإلاّ البديل جاهز، وهو الشرب من كأس السم التي شرب منها الخميني أواخر الثمانينات.