1 هل يسقط العراق في الفخ الإيراني؟
إميل أمين
الاتحاد الاماراتية
أحد أهم الأسئلة المثيرة للجدل على مائدة النقاش السياسي في المنطقة الخليجية الملتهبة هذه الأيام، هو ذاك المتعلق بالعراق الدولة المستقلة صاحبة التاريخ الحضاري القديم، رغم الكبوات التي واجهتها في أواخر القرن الماضي. هل العراق دولة حرة أم دولة تدور في فلك إيران، ذاك السياق الذي يمكن أن يمثل بالنسبة لها فخاً ملغوماً وقابلاً بل جاهزاً للانفجار في وجهها في أي وقت؟
يقارن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وضع العراق في علاقته مع إيران اليوم، بوضع الاتحاد السوفييتي السابق مع دول أوروبا الشرقية، والمقاربة تحمل الكثير من دلالات النفوذ واليد العليا، بل السطوة من قبل دولة على أخرى، ولم يتوقف الأمر عند حدود بولتون الصقر الأميركي الأشهر، بل وصل إلى «نيكي هايلي» مندوبة أميركا السابقة في الأمم المتحدة، والتي هاجمت إيران في سبتمبر المنصرم، متهمة إياها بأنها «تعمل على تشكيل حكومة عراقية تكون تحت سيطرة النظام الإيراني وتخضع لتوجيهاته».
يتساءل المراقبون لتطورات المشهد السياسي على الساحة العراقية:هل سيدفع العراق فاتورة باهظة التكاليف من جراء الهيمنة الإيرانية على قراراته الداخلية؟
الشاهد أن احتمالات المواجهة الإيرانية الأميركية ربما تجري مقدراتها أول الأمر على الأراضي العراقية، وقبل أن يحتدم الصراع في منطقة الخليج بشكل عام، إنها حرب الوكالة التي طال الحديث عنها مؤخراً.
على الأراضي العراقية يقوم «الحشد الشعبي» بنفس الدور الذي يقوم به «الحوثيون» في اليمن، و«حزب الله» في لبنان، و«حماس» في غزة، وأطرف طهران الميليشياوية في سوريا، وجميعهم قد حضروا أوراقهم سريعاً للانقضاض على الأميركيين وحلفائهم، في الخليج العربي والبحر الأحمر وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
المؤكد أن العراق بات -ومن إسفٍ شديد- موقع وموضع لخيوط متداخلة وخطوط متشابكة لقوى أممية كبرى، وإذا كان للأميركيين على الأراضي العراقية نحو خمسة آلاف جندي، فان للإيرانيين أضعاف الرقم، لكنهم في الغالب غير ظاهرين على السطح بولائهم الأيديولوجي السياسي، بل قابعين تحت سطح الأحداث من خلال الانتماء الدوجمائي الذي أجادت إيران إذكاء نيرانه الطائفية طوال العقدين الماضيين.
يكاد العراق أن يضحى أرض المحاصصة والمقاصة بين الأميركيين والإيرانيين، وهذا ما كشفت عنه الأحداث بشكل واضح في الأسابيع الأخيرة، حيث بدا وكأن السياقات تتسع والنطاقات تتزاحم بالأضداد.
لم يكن الحرس الثوري الإيراني، وقائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني بعيداً عن العراق، فقد كانت جولته الأخيرة في العراق، وما التقطته أجهزة الاستخبارات الأميركية السيارة والطيارة لأحاديثه هناك، تؤكد من جديد أن الرجل الشرس يعد العدة لاقتناص الجنود الأميركيين وقتلهم أو اختطاف البعض منهم رهائن، والأمر نفسه ينسحب على لبنان وبقية المنطقة.
المعلومات التي توافرت للأميركيين هي التي دفعت وزير الخارجية مايك بومبيو، رجل الاستخبارات المركزية السابق، لأن يمضي إلى العراقيين بطلب واضح ومحدد، يحمل نبرة التهديد والوعيد:«إن لم تكونوا معنا، فعلى الأقل لابد من أن تلتزموا الحياد».
السؤال المهم والحيوي: هل القرار العراقي في يد العراقيين، وهل لهم أن يرفضوا تحويل بلادهم إلى مستنقع واسع وفخ كبير، يقعوا هم أنفسهم فيه قبل أي طرف آخر؟
يمكن للمرء أن يجد بعض الإشارات الطيبة في البحث والتحليل، فعلى سبيل المثال، بعد الرحلة الأخيرة التي قام بها الرئيس ترامب إلى العراق في أواخر 2018 علت الأصوات الموالية لإيران تطالب بطرد عديد القوات الأميركية من البلاد، غير أن أصوات مقابلة من أطراف أخرى أفشلت طرح المشروع للتصويت عليه، ولا يزال الأميركيون في قواعدهم في العراق، وأغلب الظن أنهم سيبقون إلى وقت بعيد.
لا يزال النفوذ الإيراني في الداخل العراقي نفوذاً مُعطِلًا، والدليل أن رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي غير قادر على تعيين وزير للداخلية حتى الساعة.
كارثة العراق أن النظام الإيراني يريد جعل روحه منقسمة داخله بشكل يهدد استمرار بلاد الرافدين واستقرارها كدولة عربية قوية موحدة ومحورية، وربما هذا ما تنبه إليه السيد مقتدى الصدر، زعيم الكتلة الصدرية، التي تصور نفسها حركة وطنية ترفض النفوذين الأميركي والإيراني.
الصدر عبر تغريدة له كتب قائلًا: «الحرب بين إيران وأميركا ستكون نهاية للعراق، وأي طرف يزج العراق بالحرب ويجعله ساحة للمعركة سيكون عدوا للشعب العراقي».
صوت «الصدر» ربما يعبر أيضاً عن أصوات عديدة في الداخل العراقي، باتت تقيم وزنا لحسابات الأرباح والخسائر، ما بين العراق القطر العربي الشقيق والذي كان يوما أحد أعمدة الخيمة العربية، وبين العراق التابع لإيران، والمرتهن قراره للملالي في قم.
عقلاء العراق يرون أنه حان الوقت لإخراج بلادهم من معادلة العراق فيها خاسر في الحل والترحال، وأنه يكفيه عقود من الحرب الضروس التي أتت على الأخضر واليابس.
هل ينجو العراق من الفخ الإيراني؟ الجواب عند إرادة العراقيين أنفسهم.
2 قاسم سليماني.. قائد الظل ورأس الأفعى حسين البدوي
الرياض السعودية
لم يكن قاسم سليماني الذي كان عاطلاً عن العمل يتوقع أنه بعد تطوعه ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني سيصبح أحد أهم عناصر اللعبة الإيرانية ويترأس أهم فيالق الحرس وهو “فيلق القدس” الذي أدار من خلاله أذرع إيران في المنطقة العربية وسيطر على عدة عواصم.
كان صاحب الـ 62 عاماً قد التحق بفيلق حرس الثورة الإسلامية أوائل العام 1980م، وأصبح من قدامى المحاربين في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وقاد حينها فيلق 41 ثار الله (وهو فيلق محافظة كرمان)، وكان لا يزال في العشرينيات من عمره، ليكون بعد ذلك واحدًا من بين عشرة قادة إيرانيين مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود.
قاد سليماني فيلق القدس منذ العام 1998 خلفاً لأحمد وحيدي -وهي فرقة مسؤولة عن تنفيذ العمليات العسكرية السرية خارج حدود الدولة-، وعقب هجمات 11 سبتمبر 2001م، توجه ريان كروكر، وهو مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأميركية، إلى جنيف للقاء شخصيات إيرانية تحت إشراف سليماني بهدف التعاون لتدمير عناصر طالبان في أفغانستان، لكن هذا التعاون لم يدم طويلاً، حيث انتهى في يناير 2002م عندما قال رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج دبليو بوش في خطاب له إن إيران جزء من “محور الشر”.
وفي يناير 2011م تزامنا مع اندلاع الثورات في المنطقة العربية، ارتقت رتبة قاسم سليماني العسكرية من عقيد إلى لواء. وعرف عنه اتباع أسلوب المساعدات العسكرية للعملاء وكذلك توفير التدريبات لهم وتأهيلهم وتقديم الاستشارات العسكرية والتكتيكية لتنفيذ أجنداتهم ودعم الإرهاب وتمويله بكافة أشكاله.
برز اسم سليماني في كل الصراعات في الشرق الأوسط خاصة في اليمن والعراق ولبنان وسورية، بدأ سليماني يسافر بشكل دوري إلى دمشق لإدارة العمليات بنفسه من داخل مبنى محصن بشدة، وخلال تواجده في سورية شكل مجموعة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب، بينهم قادة الجيش السوري، وقادة حزب الله اللبناني.
صنفت الولايات المتحدة قاسم سليماني كداعم رئيس للإرهاب، وأدرج اسمه في القرار الأممي رقم 1747 وفي قائمة الأشخاص المفروض عليهم الحصار، وفي يونيو 2011، أعلنت المجلة الرسمية للاتحاد الأوروبي أن ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني أدرجوا في قائمة العقوبات لتوفيرهم أسلحة للجيش السوري بغرض قمع ثورة الشعب السوري. كما أعلنت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، في أكتوبر من العام الماضي إدراج قاسم سليماني، والحرس الثوري الإيراني، على قائمة الإرهاب.
عمل سليماني لعقود على إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران ضمن الخطة الحالمة للهلال الشيعي، فمن اغتيال خصوم إيران إلى تسليح أذرعتهم الإرهابية عمل على توجيه الجماعات المسلحة وزرع الخلايا النائمة لاستخدامها في أوقات محددة لإشعال الحروب واختلاق الأزمات واستهداف الأماكن الحيوية كالممرات الدولية والمنشآت البترولية.
يتعدى نفوذ سليماني في الكثير من الأحيان نفوذ رئيس الدولة حسن روحاني خاصة في الملفات الخارجية، وله كلمة نافذة على الجميع، كما عارض أبرز قادة النظام الإيراني في العديد من المواقف كان آخرها رفضه المفاوضات مع واشنطن، وذلك عقب تصريحات وزير الخارجية الإيراني في نيويورك محمد جواد ظريف حول استعداد إيران للتفاوض بشأن السجناء الأميركيين المحتجزين لدى إيران ومبادلتهم بالسجناء الإيرانيين، الذين دِينوا بارتكاب جرائم أغلبها حول انتهاك العقوبات في الولايات المتحدة وفي دول غربية أخرى.
ونقلت صحيفة “الجارديان” البريطانية عن مصدرين استخباريين أن سليماني التقى خلال زيارته الأخيرة للعراق قادة فصائل عراقية مسلحة خاضعة لنفوذ طهران وأمرهم “بالاستعداد لخوض حرب بالوكالة” على خلفية التوتر الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. وبذلك يظل سليماني المسؤول الأول عن نشر الفوضى في المنطقة ككل.
3 هل تقوم حرب الخليج الرابعة؟
د. شمسان بن عبد الله المناعي الشرق الاوسط السعودية
ما نشهده اليوم من حرب كلامية ساخنة بين أميركا وإيران ربما لن تزيد عن ذلك، فلقد تعودنا على مثل هذه التهديدات الكلامية، ومن ناحية أخرى قد تقود مثل هذه التهديدات الساخنة إلى حرب، وذلك بسبب واقعية الأسباب، خاصة أن هناك مجموعة من المؤشرات والدلائل التي توحي بأن هناك حرباً قادمة بين أميركا وإيران، حيث الإجراءات الأمنية بين دول العالم على قدم وساق، إذ من ناحية نجد أن أميركا نصحت رعاياها في العراق بالعودة، وكذلك فعلت بعض الدول من مواطنيها في العراق بالعودة إلى بلادهم إذا لم يكن لهم حاجة مثل دولة الإمارات والسعودية والبحرين والكويت، وبذلك لا يستبعد أن تقع الحرب وخاصة بعد تصريح مستشار الأمن القومي جون بولتون عن قيام الحرب ضد إيران وتصريحات الرئيس ترمب عن القيام بمثل هذا العمل العسكري، ولا سيما بعد ابتعاد سياسة الرئيس روحاني عن الوجه الإصلاحي في الفترة الأخيرة واتجاهها نحو التهديد والوعيد، وبذلك تكون الحرب قادمة لا محالة، خاصة أن أميركا استنفدت العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى مراحلها الأخيرة.
من جانبها، لا تزال إيران تكابر وتقلّص من احتمال اندلاع الحرب، حيث اعتبرت أن واشنطن «لن تجرؤ على مهاجمتها»، وهددت باستهداف قواعدها القريبة من حدودها ورفضت الاستجابة لدعوة الرئيس ترمب للاتصال به. وفي الواقع فإن ذلك يعود إلى اعتبارات عديدة تتصل برؤية طهران للمسارات المحتملة للتصعيد الحالي مع واشنطن والخيارات المتاحة أمام الأخيرة، وأهمها قيام حرب بين الطرفين.
ورغم أن هناك دعوات للتفاوض، فإن إيران ما زالت مصرّة على رفضها وهي الدعوات التي ما زال الرئيس ترمب يوجهها حتى بعد التحركات العسكرية الأخيرة إلا أن ذلك قد يكون قراراً مرحليّاً، بانتظار نضوج ظروف قد تُعزز من فرصة إجراء مفاوضات جديدة مع واشنطن، وتشترط إيران إجراء المفاوضات في العراق أو الكويت.
إن كل ما يستلزم قيام الحرب الواقعية قد اكتمل وأرسلت واشنطن سفنها والبوارج الحربية وطائراتها إلى المنطقة، وكذلك دخل متغير آخر يجعل قيام الحرب بعد شهر رمضان احتمالاً وارداً، وهو دعوة خادم الحرمين الشريفين الدول الخليجية والعربية إلى عقد قمتين، خليجية وعربية في الخامس والعشرين من رمضان تتزامنان مع قيام قمة إسلامية، وفي هذه القمم الخليجية والعربية والإسلامية سوف يقوم خادم الحرمين الشريفين بإطلاع القادة العرب والمسلمين على كل المستجدات، ولربما أول ما سوف يطرح على طاولة المفاوضات ما تقوم به إيران من أعمال إرهابية والتدخل في الشؤون الخليجية والعربية، وما يمثله ذلك من خطورة الوضع على السلام والأمن العالميين، ولربما يتم اقتراح حلول من بينها الحل العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر لتهيئة الدول لهذه الحرب، وخاصة بعد الاعتداءات الإيرانية على مضخات النفط السعودية، وفي ذلك تطور خطير، وكذلك على السفن في الفجيرة، وذلك يعني بلا شك أن الدول الخليجية والعربية والإسلامية بدأت تشعر بأن إيران قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وسوف يتم توجيه رسالة إلى إيران، وإذا لم تستجب إيران فذلك يعني أن قيام الحرب أمر وارد، وأن دول التحالف العربي، خاصة السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وقد تنضم إليها دول أخرى للقيام بعمل عسكري بالتعاون مع أميركا ضد إيران، لذا فإنه من الوارد أن الحرب واقعة لا محالة، إلا إذا حدثت ظروف تجعل إيران تقبل بمطالب دول التحالف العربي وأميركا، وإلا فالحرب الخليجية الرابعة بدأت تقرع طبولها، وإن غداً لناظره لقريب.