مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 خطر الحرب على العراق
د. محمد السعيد إدريس الخليج الاماراتية

قبل أسابيع قليلة من تفجر الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران نظم محمد الحبلوسي رئيس البرلمان العراقي، قمة برلمانية في بغداد (2019/4/20) تحت شعار «العراق: استقرار وتنمية». شارك في هذه القمة رؤساء برلمانات كل من: السعودية والكويت والأردن وسوريا وتركيا ووفد برلماني إيراني، أي برلمانات دول الجوار العراقي بهدف إرساء قواعد التعامل المأمولة بين العراق وهذه الدول. فإذا كان الهدف الأعلى للعراق بعد الانتهاء من دحر ميليشيات «داعش» الإرهابية هو الاستقرار والتنمية، كما أكده شعار القمة، فإن العراق يدرك وكما ورد على لسان الرئيس العراقي برهم صالح في كلمته الافتتاحية لتلك القمة البرلمانية أن «الاستقرار مصلحة مشتركة». ومن هنا جاء طموح الحبلوسي في الحديث عن أن «العراق بصدد بناء شراكات إستراتيجية واعدة مع جميع دول الجوار دون حرج من طرف، أو محاباة لآخر» وزاد على ذلك قائلاً: إن «ما يربطنا بجيراننا هو المصير الجغرافي المشترك والمصالح المشتركة، والترابط الاجتماعي والديني الوطيد».
بغض النظر عن غموض مصطلح «المصير الجغرافي المشترك» الذي تحدث عنه الحبلوسي؛ فإن ما كان يعنيه هو ذاته ما تحدث عنه الرئيس العراقي أي أن الاستقرار مصلحة مشتركة للعراق وجيرانه الذين تربطهم الجغرافيا معاً، كما تربطهم عوامل أخرى كثيرة دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية مشتركة. ورغم بديهية هذه المعاني إلاّ أنها أصعب تحديات العراق الذي وجد نفسه في وضعه الجديد بعد غزوه واحتلاله أمريكياً، في عمق صراعات القوى الإقليمية وتنافساتها، وفي عمق المشروع الأمريكي شرق الأوسطي، ما حال دون تمكين العراق من تأسيس علاقات مصالح مشتركة مع كل الأطراف، بسبب صراعات هذه الأطراف كلها فيما بينها وصراعاتها على أرض العراق، وهي الصراعات التي حالت دون تمكين العراق من أن ينأى بنفسه عنها، ووضعته في موقف العاجز عن فرض خياراته الوطنية على كل المتصارعين على أرضه.
هذه المعضلة تطورت مع الظهور القوي لشبح تفجّر حرب، باتت محتملة بين الولايات المتحدة وإيران، وهما أبرز القوى المتصارعة على أرض العراق، حيث يسعى كل منهما إلى التفرد بفرض سيطرته ونفوذه على العراق، وإذا ما تفجرت الحرب لن يكون مستبعداً أن يكون العراق أحد أبرز ميادينها. مؤشرات ذلك كثيرة.
كانت البداية بمطالبة الأمريكيين للعراق الالتزام بقرار العقوبات الأمريكية على إيران، وبالذات عدم استيراد المشتقات النفطية من إيران في وقت لا يستطيع فيه العراق ذلك، لأن إيران هي المصدر الرئيسي للعراق الذي يوفر احتياجات العراق من المشتقات النفطية، وبعدها جاء القرار الأمريكي بوضع «الحرس الثوري الإيراني» ضمن قائمة المنظمات المصنفة إرهابية، في الوقت الذي ترتبط فيه قوات «الحشد الشعبي» العراقية بروابط وثيقة مع هذا الحرس، ما يجعلها هي الأخرى مستهدفة بهذا التوصيف، وجاء الرد الإيراني في شكل مطالب مباشرة بإخراج القوات الأمريكية من العراق. هذه المطالب جاءت على لسان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وقت أن زار عادل عبد المهدي رئيس الحكومة العراقية طهران. جاء هذا الطلب بعد أن صنف مجلس الأمن القومى الإيراني، القوات المركزية الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط أنها «إرهابية»، رداً على اتهام «الحرس الثوري الإيراني» بأنه «منظمة إرهابية».
هذه البدايات الساخنة والمقلقة، أعقبها رد فعل أمريكي لا يقل استفزازية في شكل رسالة أمريكية ضد إيران جاءت على شكل منشور للسفارة الأمريكية في بغداد على موقعها في «فيسبوك»، هاجمت فيه بشدة المرشد الإيراني خامنئي، واتهمته بالفساد، وجاء الرد سريعاً من الميليشيات العراقية الموالية لإيران، عندما دعا قيس الخزعلى الأمين العام ل «حركة عصائب أهل الحق» (2019/4/27)، السفارة الأمريكية في العراق إلى «الالتزام بالحدود»، واعتبر في تغريدة على «تويتر» موقف السفارة الأمريكية «وقاحة».
بدايات ساخنة تحولت إلى ضغوط أمريكية وإيرانية مباشرة على العراق، مع دخول الأزمة بين البلدين إلى مرحلة الصدام العسكري المحتمل، بدأت بالزيارة «المغلفة بالسرية» لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو إلى بغداد، على حد وصف الصحفي البريطاني روبرت فيسك، حيث حمل معه، حسب معلومات فيسك، رسالة إلى الحكومة العراقية بضرورة التوقف عن استيراد الطاقة الإيرانية، وعدم السماح للقوات الموالية لطهران باستهداف القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية.
فجأة تحولت هذه القوات الأمريكية التي يزيد تعدادها عن 5500 جندي، إلى بؤرة اهتمام واشنطن، وبالذات بعد التعليق الذي ورد على لسان قائد الوحدة الصاروخية بالحرس الثوري الإيراني «علي حاجي زاده»، رداً على الدفع الأمريكي بحاملة الطائرات «إبراهام لينكولن» وقاذفات «بى-52» الإستراتيجية إضافة إلى قطع بحرية أخرى مهمة إلى الخليج. وقتها قال زاده إن «الوجود العسكري الأمريكي في الخليج كان دوماً يمثل تهديداً خطيراً والآن أصبح فرصة». الرسالة التي وصلت إلى الأمريكيين أن القوات الأمريكية في العراق يمكن أن تكون «صيداً ثميناً» للميليشيات العراقية الموالية لإيران، تماماً كما يمكن أن تصبح القطع العسكرية الأمريكية الكبرى في الخليج «فرصة» للصواريخ الإيرانية. هذا الإدراك تدعم بعد نشر معلومات عن لقاءات غير مسبوقة للجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» بالحرس الثوري، دعا فيها قادة الميليشيات العراقية الاستعداد للمواجهة الكبرى مع الأمريكيين.
تصعيد خطير لكن الأخطر منه أن العراق سيكون مطالباً بدفع أثمان باهظة لحرب ليس طرفاً فيها، قد تهدد استقراره وفرص تنميته، لأنه لم يستطع أن يؤسس لمشروع دولة وطنية تتمتع باستقلال الإرادة ومازالت تتنازعه الولاءات للأطراف الخارجية المتصارعة.
2 “ألغاز إرهابية “
عبد الحسين شعبان راي اليوم بريطانيا

أثار تسليم ” قوات سوريا الديمقراطية”، 250 إرهابياً ينتمون إلى تنظيم “داعش” إلى العراق ريبة شديدة، إضافة إلى تساؤلات عديدة سياسية وقانونية واجتماعية، خصوصاً وإن بعضهم يحمل الجنسية الفرنسية، أولها- لماذا لا يتم تسليمهم إلى فرنسا والبلدان التي يحملون جنسيتها؟ من أوعز بذلك؟ وثانيها- كيف تمّ تجنيدهم وإيصالهم إلى الساحات الساخنة؟ وثالثها- ماذا ينتظرهم وأي مصير لأطفال الدواعش؟
وكان “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ” قد أصدر في أواخر العام 2018 دراسة مهمّة أعدّها هارون.ي. زيلين وقدّم لها جاكوب واليس السفير الأمريكي السابق في تونس، تتعلّق بملف الإرهابيين في تونس الذين انخرطوا في تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وعلى أهمية الدراسة والمعلومات التي احتوت عليها إلّا أنها لا تفرق بين “الجهاد” كمصطلح فقهي وله شروطه في الإسلام وبين “الإرهاب”، فتسمّي الجماعات الإرهابية بــ ” التيار الجهادي” ، ولا يخفى ما لهذه التسمية من معانٍ ودلالات سياسية وحمولة أيديولوجية، وسواءً كان الأمر قصوراً في الفهم أم إغراضاً، إلّا أن ما يترتّب على ذلك من استنتاجات ستكون خاطئة، بل وخطرة أيضاً، بمعناها الأكاديمي والعملي، حيث يصبح ما هو مقاوم من أجل حقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة العادلة ” جهادياً” بمعنى “إرهابياً”.
وقد استخدم بعض الباحثين العرب مثل هذا المصطلح دون تدقيق، وهو ما سبق وأن أشرتُ إليه في تقريضي لكتابي فواز جرجس ، الأول- القاعدة الصعود والأفول (2012) والثاني- داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة (2016)، وذلك في معرض تعقيبي على بحثه المقدّم إلى “مركز دراسات الوحدة العربية” بتاريخ 15/9/2017، وعلى أهمية الكتابين وغزارة المعلومات التي وردت فيهما، إلّا أن علينا أن نقرأ ما يقدمه “الغرب” من معطيات مفيدة ومهمة، من زاوية نقدية وبتمحيص شديد، كي لا يحدث مثل هذا الخلط أو الالتباس.
يقسّم والش مراحل الإرهاب في تونس إلى أربعة وهي تنطبق على العالم العربي، المرحلة الأولى اتّسمت بـ”التساهل” ، وخصوصاً بعد انهيار الشرعية القديمة وعدم استكمال وترسيخ الشرعية الجديدة في البلدان التي حصلت فيها هبّات شعبية، حيث نشطت بعض الجماعات الإسلامية، فوجدت القوى الإرهابية المجال مفتوحاً أمامها.
أما المرحلة الثانية فقد امتازت بـ “الإدراك لخطورة الأوضاع”، وحينها حاولت بعض الحكومات التصدّي للظاهرة الإرهابية، لاسيّما بعد أن فقّس بيض الإرهاب في العراق وامتدّ إلى العالم العربي.
أما المرحلة الثالثة فيطلق عليها “المواجهة الشاملة”، ولاسيّما الأمنية التي شهدت تعاوناً مع الولايات المتحدة وعدداً من الدول الغربية لمكافحة الإرهاب الدولي ، وتستمر المرحلة الرابعة المتداخلة إلى الآن وهي بحاجة إلى وسائل أخرى غير الحل الأمني.
ويعود الملف الإرهابي في العالم العربي إلى “العرب الأفغان” الذين وجدوا الظروف مؤاتية بعد احتلال العراق العام 2003 بشكل خاص، حيث نما تنظيم القاعدة وتعاظم خطره وفرّخ تنظيم داعش وأخواته، لاسيّما بعد العام 2011 عقب ما أطلق عليه “الربيع العربي”، حيث نشطت هذه الجماعات في ليبيا وسوريا واليمن وتونس ومصر والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان والأردن وغيره من البلدان العربية والإسلامية، وكان ذروة المدّ الإرهابي حين تم اختيار ” مدينة الرقة” عاصمة لدولة الخلافة، ولاسيّما بعد احتلال الموصل في 10 يونيو(حزيران) 2014.
جدير بالذكر إن عدداً من الإرهابيين يمتلك جنسية أخرى وقدِم بعضهم من فرنسا وألمانيا والدانمارك والسويد والنمسا وهولندا وبريطانيا وبلدان عربية وآسيوية أخرى، وكان بعضهم قد عاصر الحرب في أفغانستان في الثمانينات، وبعضهم الآخر شهد الحرب على العراق العام 2003، ولاسيّما بعد قيادة أبو مصعب الزرقاوي وامتاز بعض الإرهابيين بكفاءات لوجستية عبر “شبكات تسفير دولية” مثل أبو عمر التونسي واسمه الصريح “طارق الحرزي”، حيث يتم نقل المقاتلين عبر تركيا .
وحسب الدراسة المشار إليها كان يوجد نحو 30 تونسياً في سنجار قبل وصول تنظيم داعش، بعضهم أوكلت إليه مهمات إعلامية وأمنية، وكان أبو عبد الرحمن التونسي أميراً على “الرقة”، واستطاع تجنيد العشرات من التونسيين والتونسيات، واشتهرت أم ريان في “لواء الخنساء” من النساء، كما تم تزويج بعضهن من مقاتلين.
وتكشف الوقائع عجز المعالجة الأمنية من التصدي للإرهابيين، على الرغم من الضربات الموجعة التي تعرّض لها تنظيم داعش في العراق وبعده سوريا، الأمر الذي يحتاج إلى معالجة اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وتربوية ودينية وأخلاقية لاجتثاث ظاهرة التعصّب ووليده التطرّف والعنف والإرهاب.
وإذا كان ثمة ما تيسّر فيوجد ثمة ما تعسّر ، وإذا أردنا فكّ الألغاز الإرهابية، بما فيها إعادة الإرهابيين إلى بلدانهم وليس تسليمهم إلى بلدان أخرى، فلا بدّ من وضع استراتيجية شاملة ومتعدّدة المديات خارج دائرة ردود الفعل، بالاعتماد على العقل وعدم الانسياق وراء مشاعر الغضب وفي إطار تعزيز حكم القانون ومبادئ المواطنة والمساواة وتشجيع قيم التسامح والسلام واللّاعنف وحقوق الإنسان.