1 كيف عرفت أنها كذبة؟ عمر عياصرة
السبيل الاردنية
هناك مثل شعبي يقول: كيف عرفت أنها كذبة، فيأتي الجواب ليقول: من كُبرها، وهذا المثل ينطبق على تصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي المتعلقة بصواريخ المقاومة في غزة.
اياد علاوي، في ظهوره الاخير على قناة الشرقية خلط الحقائق ببعضها، وفارق الموضوعية بإسفاف واضح، وأراد ان يحرض على ايران من بوابة غزة، فحاك الاكاذيب المتعلقة بصواريخها.
يقول الدكتور العلاوي ان منصات الصواريخ في غزة موجهة الى مدن الخليج، وانها تنتظر أوامر طهران كي تدك مدناً عربية لا إسرائيلية.
الكذبة التي ساقها علاوي تبدو ساقطة من ناحية عسكرية، فغزة تبعد عن الخليج آلاف الاميال، ومن المنطق ان حديثا بهذا الشكل ستعتريه السخرية من كل النواحي.
اما من ناحية نضالية، فيبدو اياد علاوي الذي لا يملك هذا الحس، غير مدرك، ولا يعرف، ولا يريد ان يعرف، كم هي مقاومة غزة مرتبطة بأجندتها الداخلية الوطنية الفلسطينية.
ويبدو ايضا انه لا يعرف عن حروب غزة الثلاث الرئيسة، وغيرها من المناوشات، ولا عن مسيرات العودة، ويتعامى ايضا عن المحضن الغزاوي الواعي الذي لا يمكنه ان يسمح بمرور ترهات تحدث عنها الرجل.
هذا التحريض على غزة من رجل بمواصفات اياد علاوي ليس بالمستغرب، فالرجل دلس على صدام امام مؤسسات الولايات المتحدة، وصنع الاكاذيب بالتعاون مع الجلبي مما سبب غزو العراق ودماره الذي لا زلنا نعيشه لليوم.
في حينها، اقسم العلاوي اغلظ الايمان بأن «عراق صدام حسين» تملك اسلحة الدمار الشامل، وبعد الغزو ثبت انه واقرانه قد مارسوا الكذب وتسببوا برحيل العراق عن عمقه العربي.
هذه المهارة العلاوية يعاد انتاجها اليوم في التحريض على ايران، لكنه تعدى في اكاذيبه لتصل غزة ومقاومتها، متناسيا ان ثمة عدوا لنا جميعا اسمه اسرائيل.
اياد علاوي ليس مجرد كاذب يختلق المواقف، بل هو طامع، يعتقد انه لا زال بالامكان عودته على الدبابة الامريكية لحكم العراق، ونراه هنا يخلط الماء بالزيت، ويريد ارضاء الخليج واسرائيل، فالكذب يحتاج الى توسيع الرقعة لديه.
الولايات المتحدة الامريكية رغم عداوتها لغزة ومقاومتها، الا انها تعرف العلاوي جيدا، ولها خبرة عتيقة مع تدليسه المقصود، لكن ما يهم ان لا تستمع عواصم العرب لهذا العته السياسي المكشوف.
غزة اطهر من ان تتلاعب ببوصلتها الاجندات الاقليمية، وغزة الجمهور أوعى من ان تقبل ذلك، لكن مسلسل الاتهام والتحريض سيبقى مستمرا ما بقيت اسرائيل.
2 منطقة فوق بارود ساخن
عبد المحسن سلامة البيان الاماراتية
كان الغزو العراقي للكويت هو البداية لعودة التدخل الأجنبي مرة أخرى إلى المنطقة بشكل جديد بعد أن غادرها مع ثورات التحرير العربي في الخمسينيات والستينيات، ونالت الدول العربية استقلالها، إلا أن الغزو العراقي للكويت فتح الباب مجددًا أمام التدخل الأجنبي في المنطقة، ونجحت قوات التحالف في هزيمة صدام حسين، وطرد القوات العراقية.
أعتقد أن الغزو العراقي للكويت، والغزو الأمريكي للعراق هما الموجة الأولى من مخطط العصف بالمنطقة وتدميرها من خلال زرع الفتن الطائفية والمذهبية، ولقد استغرقت تلك الموجة الأولى نحو 13 عاما منذ بدء الغزو العراقي للكويت في 1990 حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
منذ 7 سنوات بدأت الموجة الثانية من ذلك المخطط الشيطاني، فيما عرف بثورات الربيع العربي التي اندلعت في المنطقة وبدأت في 17 ديسمبر عام 2010 في تونس، ثم انتقلت بعدها إلي مصر وليبيا، واليمن، والآن في الجزائر والسودان.
الموجة الثانية استغلت حاجة الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والعدالة، لتندلع الثورات التي تحولت من الربيع إلى الخريف الحارق الذي كان يستهدف تدمير تلك الدول وقد نجت مصر بأعجوبة من هذا السيناريو اللعين، بعد أن قام الشعب المصري باسترداد ثورته في 30 يونيو، وأعاد بناء مؤسساته مرة أخرى في وقت لا تزال الدول الأخرى تعاني ولا يزال أمامها مشوار ليس بالقصير للخروج من المشهد المأساوي المعقد بها مثل سوريا واليمن وليبيا.
بعض الدول التي لا تريد الخير لليبيا تعارض توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر حتى تستمر ليبيا غارقة في أزمتها إلى حين.
السؤال المطروح الآن هل تبدأ الموجة الثالثة من مسلسل تدمير المنطقة بإشعال الحرب في منطقة الخليج وحدوث مواجهة عسكرية بين القوات الأمريكية والإيرانية، وهل يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك أم تنجح جهود احتواء الأزمة؟
الأمر المؤكد أن إيران لعبت دوراً كبيراً في خلق حالة الفوضى والتوتر في المنطقة من خلال محاولاتها المستمرة والدؤوبة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإحياء ما يسمى الهلال الشيعي والتدخل المباشر في شؤون العديد من الدول مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومحاولاتها المستمرة للتدخل في شؤون دول أخرى مثل السعودية والإمارات والبحرين عن طريق محاولاتها إثارة القلاقل والتوترات في تلك الدول.
للأسف فقد بلعت إيران «الطعم» الأمريكي كما بلعه صدام حسين من قبل، وبدأت محاولاتها للهيمنة والسيطرة والتدخل في شؤون الدول الأخري، وتورطت بشكل مباشر أو غير مباشر في أزمات اليمن وسوريا ولبنان والعراق، والآن هي في وضع «حرج» بعد أن تصاعدت المواجهة مع أمريكا، وانسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ثم بدأت لغة التصعيد فيما بينهما دون وجود سيناريو واضح حتى الآن للتصعيد أو للتهدئة.
تصريحات الرئيس الأمريكي التي أدلى بها يوم الخميس الماضي أمام الصحافيين أثناء استقباله الرئيس السويسري في البيت الأبيض تشير إلى ظهور نبرة جديدة للتهدئة من جانب الرئيس الأمريكي مشيراً إلى أنه يأمل ألا تندلع الحرب مع إيران، وألا تكون الولايات المتحدة في طريقها لخوض حرب مع إيران.
هو مشهد ضبابي حتى الآن لكنه في كل الأحوال يشير إلى مأزق كبير تقع فيه المنطقة يحتاج إلى تكاتف ووضوح رؤية من الأطراف الفاعلة في المنطقة، ولعل هذا هو ما يفسر تلك الجولات والمباحثات التي شهدتها القاهرة أخيراً خلال زيارات عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وكذلك زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي أكدت خلالها مصر التضامن المصري الكامل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية في التصدي لكل محاولات النيل من أمن واستقرار البلدين الشقيقين وتأكيد الموقف المصري الثابت باعتبار أمن منطقة الخليج جزءاً لا يتجزأ من أمن مصر القومي.
الخروج من المأزق الحالي وتجنب الموجة الثالثة من الفوضى في المنطقة، يحتاج إلى إعادة ترتيب أوراق من جانب كل الأطراف المعنية خاصة إيران والكف عن محاولاتها التدخل في شؤون الآخرين من دول الخليج أو من الدول الأخرى من أجل تجنب السيناريو الأسوأ، وحتى لا تتكرر مأساة العراق مرة أخرى لأنه سوف يكون السيناريو الأسوأ ليس لإيران فقط، وإنما لكل دول المنطقة بلا استثناء، ولا يصب إلا في مصلحة دولة واحدة فقط وهي «إسرائيل».
3 نظام الملالي.. «Game over»
حسين البدوي
الرياض السعودية
كمن يلف الحبل حول عنقه، وضع النظام الإيراني نفسه في موقف لا يحسد عليه، نتيجة تمسكه بدعم الإرهاب وتمويل الميليشيات المسلحة حول العالم على حساب الشعب الإيراني المكلوم الساخط على نظام ولاية الفقيه، والذي خرج في انتفاضة شعبية مستمرة منذ نهاية العام 2017م وحتى اليوم، في ظل تردي الوضع الاقتصادي يوماً تلو الآخر المترتب على الحزمة الأخيرة من العقوبات الأميركية المفروضة على هذا النظام، ما يضع القيادة الإيرانية أمام مفترق طرق في الأيام القادمة إما أن تغير من سلوكياتها العدوانية أو حدوث كارثة اقتصادية مقبلة لا محالة.
وتؤكد الولايات المتحدة أن العقوبات الأخيرة ضد إيران ستستمر إلى حين خضوعها، وقبولها باتفاق جديد يناسب واشنطن وحلفاءها، ويقطع طريق طهران نهائياً نحو صنع أسلحة نووية، ويرى محللون أن إيران لن تستطيع مقاومة استراتيجية أميركا وحلفائها التي تستهدفها، وستضطر للاستسلام والخضوع في نهاية المطاف.
ورغم تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، بأن بلاده تخوض حرباً استخباراتية كاملة مع الولايات المتحدة الأميركية عبارة عن مزيج من الحرب النفسية والعمليات الإلكترونية، والتحركات العسكرية، والدبلوماسية، والترهيب والتخويف، إلا أن توازنات القوى العسكرية على الأرض بين الولايات المتحدة وإيران لا تجعل من لجوء النظام الإيراني إلى التصعيد خياراً واقعياً، في ظل الفوارق الهائلة في قدرات التسلح التقليدية بين القوات الجوية والبحرية والقدرات الصاروخية للجيشين الأميركي والإيراني، وبالتالي يبقى التصعيد من الجانب الإيراني مجرد تصريحات رنانة لا يلتفت إليها، فإيران تدرك أنها ستكون الخاسر الأكبر من أي حرب تندلع.
ولعل المتابع للمواقف الإيرانية على مدار أربعة عقود من عمر نظام الملالي، يدرك جيداً أن هذا النظام يعتمد دائماً على إطلاق مثل هذه التصريحات، فالجميع يذكر التهديدات الإيرانية عشرات المرات بإغلاق مضيق هرمز ولم تصدق في تهديداتها ولا مرة واحدة وهذا دليل على عدم قدرتها على تنفيذ أي منها وهشاشة النظام الذي يستخدم لغة التخويف لمحاولة ترويع خصومه.
المعطيات الحالية تضع أمام إيران خيارات محدودة وضئيلة للنفاذ بجلدها، وهي الخضوع للمطالب الأميركية والدولية العادلة فيما يخص برنامجها النووي أولاً، ووقف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وتمويل الإرهاب.
وبالتالي فإن خضوع النظام الإيراني للضغوط الأميركية ليس أكثر من مسألة وقت، وستكون إيران مضطرة للانحناء للعاصفة لأنها لن تستطيع المواجهة العسكرية أمام خصوم يفوقونها بمراحل، وكذلك لن تستطيع مواجهة الانهيار الاقتصادي الداخلي بفعل العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تاريخياً والتصعيد السياسي والإعلامي للاستهلاك الشعبوي في الداخل.
ومن جانبه، أشار مهدي عقبائي عضو مجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته المفاجئة للعراق وسط تصاعد في التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، كان يحمل في جعبته وثائق وتقارير مؤكدة عن استعدادات للقوات المرتزقة التابعة للنظام الإيراني في العراق لتنفيذ هجمة على الأهداف الأميركية في العراق وأخبر المسؤولين العراقيين بأن أي هجمة سيتم الرد عليها بشدة وقسوة، وعلى ما يبدو أن النظام الإيراني قد تسلم الرسالة وهناك تقارير تظهر أن النظام أوعز لمرتزقته في العراق خشية تنفيذهم هجمات ضد أهداف أميركية.
وأوضح عقبائي أن النظام الإيراني يقف أمام طريقين لا ثالث لهما؛ أولهما هو أنه يجب عليه التصرف كحكومة عادية تقبل جميع القوانين والمقررات الدولية بما في ذلك التعايش السلمي والاحترام المتبادل مع الدول المجاورة والتخلي عن الاستمرار في البرنامج النووي وتطوير البرنامج الصاروخي وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. لأن التخلي عن أحد تلك الإجراءات والأعمال كما تحدث مؤخراً خامنئي في حديثه غير ممكن البتة بالنسبة للنظام لأن سيمشي في طريق نفي وجوده وبالتالي سقوطه.
أما الطريق الآخر هو أن يستمر في سياساته المدمرة ويتقبل عواقبها. وما يمكن رؤيته في المشهد الحالي هو أن النظام اختار الطريق الثاني، لذلك فإن إجراءات النظام وإقدامه على تنفيذ عمليات تخريبية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا يجب أن يتم اعتبارها أعمالاً جنونية بل النظام قام بإجراء حساباته وهو لا يملك طريقاً آخر. ولا يمكن لأحد أن يتلقى من هذه الأعمال أنها رسالة قوة للنظام بل هو يشبه شخصاً وقع في مستنقع وهو في حال الغرق فيه وكلما سعى للخروج منه غرق أكثر. هذه هي حقيقة النظام التي أشار إليها خبراء النظام أنفسهم والخبراء الأجانب أيضاً وكانوا يحذرون النظام من مغبة العواقب المميتة لإقداماته.
ويرى عقبائي أن نظام الملالي لا يملك قواعد للعبة غير الذي يقوم به وذلك بناء على طبيعته، وهذه العزلة الدولية الكبيرة للنظام هي نتيجة تخلي الولايات المتحدة عن سياسات الاسترضاء، الأمر الذي طالبت به المقاومة الإيرانية عدة مرات خلال العقود الماضية وهو إنهاء سياسات الاستمالة المتبعة من قبل الغرب.
والآن وفي ظل اتباع سياسات حاسمة في وجه النظام فإن النظام ليس مجبراً فقط على دفع تكلفة وثمن إجراءاته وأعماله الحالية بل سيكون مجبراً أيضاً على دفع ثمن سياساته الرامية لنشر الحروب وتصدير الإرهاب التي كان ومازال يتبعها في الماضي.
4 العراق: هل نرفع الرايات البيضاء؟
جورج منصور
الحياة السعودية
في معرض إعلان رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي عن تأسيس المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق يوم 31 كانون الاول (ديسمبر) 2018، قال إنه “عقد العزم على مكافحة الفساد ومحاربة المفسدين، وبإرادة صادقة وجادة، تنفيذاً لتطلعات الشعب والبرنامج الحكومي”، مؤكداً إدراكه خطورة الفساد وتأثيره المدمر على العباد والبلاد، وامتثالا لاتفاق الأمم المتحدة لمكافحته.
تزامنا مع تأسيس المجلس، الذي انبثق عن القرار رقم 70، نشرت لي صحيفة “الحياة” في 16 شباط (فبراير) 2019 مقالة بعنوان: “العراق: 70 جعجعة بلا طحن” قلت فيه: “لا أعتقد أن المواطن العراقي سوف يفرح وتنفرج أساريره ولن يتوهم بأن المجلس الجديد سيكافح الفساد ويعاقب المفسدين… وفي العراق الجديد، كلما أراد مسؤول تسويف قضية ما وطمسها ورميها في سلة المهملات، فإنه يقوم بتشكيل لجنة خاصة بها”.
وهذا ما يحدث فعلا، إذ بعد مضي أقل من خمسة أشهر على تأسيس المجلس، أصدر في ختام جلسته الحادية عشرة يوم الخميس 9 أيار (مايو) 2019، بياناً أريد منه تكميم أفواه المنتقدين وتحجيم الكتاب ووسائل الإعلام، بدلاً من مساعدتهم في الحصول على المعلومة وفضح المفسدين ومعاقبتهم، جاء فيه: “إن المجلس أشار إلى الاتهامات التي تساق بحق المسؤولين الحكوميين في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من قبل جهات وأشخاص بغض النظر عن مسمياتهم وصفاتهم الوظيفية”، مطالباً “بضرورة تقديم الأدلة على هذه الاتهامات إلى المجلس الأعلى لمكافحة الفساد خلال مدة أسبوعين، وبخلافه يحتفظ المجلس باتخاذ الاجراءات القانونية في حق مطلقي الاتهامات”.
هذا البيان المخيب للآمال، جاء مفاجئاً للشارع العراقي. ففي وقت كان العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر صولة حكومية على الفاسدين، جاء البيان متناغماً معهم ورادعاً للجهود التي تبذلها وسائل الإعلام في كشف المفسدين وفضح الفساد المستشري في جسد الدولة، وفيه تهديد بتكميم الأفواه وفرض الأمر الواقع على الصحافة والإعلام بالاستسلام ورفع الرايات البيضاء.
ماذا فعل المجلس حيال ملفات الفساد المتراكمة في غرف “هيئة النزاهة” ومكاتب المفتشين والوزارات السيادية والخدمية؟ وهل تمت محاسبة مسؤول رفيع، أو أحيل أحد سارقي المال العام على القضاء؟ ولا أقصد هنا الموظف البسيط الذي يتقاضى أجرا زهيداً لا يسد رمقه أو يكفل حياة هانئة كريمة لعائلته.
البيان المثير للجدل، لا يعدو كونه محاولة للتضييق على الحريات ومصادرة حق التعبير وتفريغ وسائل الإعلام من محتواها، وتحويلها من رقيب أمين على مصالح الشعب والمجتمع، إلى أبواق للحكومة، كونه لم يأت إلا لذر الرماد في العيون وتعميق الفجوة وانعدام الثقة بين الحكومة والشعب، الذي لم يجد جدوى في تشكيل المجلس مضافاً إلى “هيئة النزاهة” (تأسست في عام 2004) وديوان الرقابة المالية الاتحادي (تأسس في عام 2011) ومكاتب المفتشين العموميين (تأسست في عام 2004) وكلها تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة، من دون أن تتقدم خطوة في اتجاه الحد من الفساد أو مكافحته.
إن العراق ليس بحاجة إلى بيانات وقرارات لا تغني ولا تسمن، بقدر حاجته إلى حملة جادة لمقاضاة الفاسدين من الدرجات العليا، وإلى قرارات شجاعة ومحاكمات علنية وعادلة لحيتان الفساد والمتهمين بالسرقات وبالاستيلاء على ممتلكات الآخرين، والإثراء على حساب المال العام. وفي هيئة النزاهة وحدها، ما يزيد عن 13 ألف ملف ينتظر الإجراءات القانونية اللازمة.
هل سيقوم المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، الذي هدد بمعاقبة الكتاب والصحافيين ووسائل الإعلام التي تنشر غسيل الفاسدين، بمقاضاة رئيس تحالف “الإصلاح والإعمار” عمّار الحكيم؟، لأنه قال في معرض حديثه عن الفساد، خلال ندوة مفتوحة أقامها “مركز الرافدين للحوار” يوم الثلاثاء 14 أيار (مايو) الجاري في بغداد: “إن هناك اتساعاً لظواهر الفساد، وليس هناك أي تراجع. فالمواقع (المناصب) بدأت تباع وتشترى في بورصة علنية في بغداد، فيما كانت خلال الدورات السابقة، تحدث بشكل سريّ خارج العراق وفي عواصم إقليمية”. أم أنه سيعاقب رئيسة “حركة إرادة” حنان الفتلاوي، لأنها قالت إن “موظفين كبيرين في مفوضية الانتخابات، طالباها بمليوني دولار مقابل فوزها بمقعد انتخابي؟”، وهي التي أكدت أنها تمتلك تفاصيل في شأن تحكم أربعة أشخاص في المفوضية بجميع الأصوات من خلال بطاقات خاصة بالخوادم الخاصة بالأجهزة الالكترونية، وكانت الفتلاوي اعترفت سابقاً على شاشات التلفزة قائلة: “أخذنا العمولات وتقاسمنا الكعكة”. أم أن المجلس سيقاضي النائب السابق مشعان الجبوري، الذي قال بملء فمه أمام وسائل الإعلام: “كلنا حرامية”، وأن لديه مخزون من المعلومات والإثباتات الموثقة؟
لا يسعني سوى أن أختتم مقالي، ببيت شعر جميل للإمام الشافعي، جاء فيه:
“وعين الرضا عن كل عيب كليلة … ولكن عين السخط تبدي المساويا”.
5 إيران… انتهاء الحلم!
فهد الدغيثر الحياة السعودية
يتحدث الكثيرون هذه الأيام، عن قرب نشوب مواجهة عسكرية من نوع ما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في أي وقت، في أعقاب دفع الأولى لعدد من حاملات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية والمقاتلات والجنود إلى المنطقة.
معظم وسائل الإعلام الغربية اليسارية، وعلى غير عادتها في زمن الحروب، ومواضيع الأمن الوطني الأميركي، انحازت للنيل من الرئيس دونالد ترامب. هيئة التحرير في صحيفة “واشنطن بوست” على سبيل المثال، كتبت قبل يومين فقط، مقالة مناصرة لموقف إيران، لا يستطيع حتى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كتابتها.
على أن الحديث عن الحرب، ورغبة إيران في مواجهة العالم، ليس بجديد. الحقيقة أن هذه الدولة الخارجة عن القانون، بدأت حروبها بالفعل ومن طرف واحد قبل سنوات، لا بل عقود. سلوك إيران وأفعالها خارج حدودها، إعلان حرب بكل ما تعنيه هذه العبارة. هل لا زال أحد يظن بأن تدخل إيران في الثورة السورية وإقحامها لميليشيا “حزب الله” في القتال الفعلي داخل الأراضي السورية، وإجرامها المتمثل في إزهاق أرواح عشرات الآلاف من السوريين، هو نزهة صيفية أو شتوية؟ هل يرى أحد أن سيطرتها على العراق هو من باب التعاون المشترك بما يخدم مصالح الطرفين؟ هل أن دعمها المفضوح لميليشيا الحوثيين وهي تطلق الصواريخ الباليستية (الإيرانية الصنع) على مدن المملكة العربية السعودية هو مجرد مناورات سلمية؟
فتحت إيران العديد من جبهات القتال، وأصبحت طرفاً معتدياً في حروب استنزافية في أكثر من مكان، من دون أن تجد من يردعها أو يهددها بخطورة ذلك. نعم، وقعت طهران مع الرئيس أوباما وعدد من الدول الأوروبية على ما يعرف بـ “الاتفاق النووي”. لكنها، وقبل أن يجف حبر التوقيع، وبسبب هذا “الاتفاق” الذي ظن بعض السذج في الغرب بأنه “انتصار للديبلوماسية”، شرعت تؤسس مواقع جديدة عدة كقواعد عسكرية لتعزيز تواجدها إلى الأبد في أرض دولة بني أمية. ولولا القصف الإسرائيلي المباشر لهذه المواقع داخل سورية، وتسريب مقاطع مصورة للدمار الذي يعقب هذا القصف، لما عرف العالم عن هذه القواعد أصلاً. الغريب هنا، أن إيران لم تستطع الرد على هذه الهجمات ولا برصاصة واحدة، وفي ذات الوقت يتضاعف دعمها للحوثيين عن طريق شحن المزيد من المعدات والصواريخ إلى اليمن مع أطقم فنية من “حزب الله” لتدريب ميليشياتهم على استخدامها. إطلاق هذه الصواريخ يشكل هو الآخر إعلان حرب صريح ضد المملكة العربية السعودية ومصالحها وممتلكاتها ومخزوناتها العالمية من الطاقة.
لا أحد بالطبع يريد المواجهة العسكرية الشاملة بين الولايات المتحدة وإيران. والسؤال الذي يجب أن يُطرح: ما الحلول الأخرى المتاحة لكبح جماح نظام ولاية الفقيه وطموحه؟ حرب النظام الإيراني ضد السعودية مثلاً، بدأت بعد بضع سنوات من عودة الخميني وتحديداً في عام 1987، الذي شهد اضطرابات دموية في موسم الحج، وتبعته محاولات متكررة لتهريب المتفجرات إلى المشاعر المقدسة، إضافة إلى دعم طهران المتواصل للإرهاب الشيعي في المنطقة الشرقية وتفجيرهم لمبنى الجيش الأميركي في مدينة الخبر السعودية، وقبل ذلك تفجير مركز المارينز في بيروت، وهو الاعتداء الذي لم ولن يطويه النسيان لدى الحكومة الأميركية.
قبل عام، ومع إدراك الإدارة الأميركية الحالية للتحايل الإيراني واستمرار طهران في دعم الإرهاب، وقع الرئيس ترامب مرسوماً بالخروج الأحادي من “اتفاق أوباما”، تلا ذلك فرض المقاطعة الصارمة التي تخضع لها إيران هذه الأيام، بهدف دفع الإيرانيين إلى التفاوض من جديد وبشروط مختلفة. لكن، وكما أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة سابقة، كيف يمكن التفاوض مع هذا النظام الذي تحركه الايديولوجيا، وقصة المهدي المنتظر وأوهام التوسع وحلم الإمبراطورية الفارسية وبقية خزعبلات هذه الخلطة العجيبة من الأهداف التي يصبحون وينامون عليها؟
للأسف، معظم المؤشرات هذه المرة تؤشر إلى أن المواجهة قد تحدث في أي لحظة، حتى عن طريق الخطأ، خصوصاً بعد استهداف عدد من السفن في الخليج ومحاولات تفجير مراكز نفطية جنوب الرياض، قبل أيام نفذتها جماعة الحوثيين، ذراع طهران في اليمن.
لو حدثت المواجهة، فستترك ورائها دمارا هائلاً داخل إيران لا يمكن التنبؤ ببشاعته. البعض يرى أن هذا ربما هو بالضبط ما يبحث عنه المرشد خامنئي في النهاية، لأن هذا النظام ومنذ ولادته قبل أربعة عقود، يمارس زرع الوهم لدى الإيرانيين بالشعور بالمظلومية وتآمر العالم عليهم، ولسبب مهم من وجهة نظره، ألا وهو تمكين النظام من تخوين أي معارضة داخلية تهدف إلى الإصلاح.
بالطبع، لا حاجة لاحتلال إيران كما حدث في العراق في عام 2003 لأن الولايات المتحدة قادرة على تدمير جميع المنشآت المهمة، والبنى التحتية، وتعطيل المحطات النووية، وقطع الاتصالات والكهرباء وتدمير الموانئ والمطارات داخل الجمهورية الإسلامية، من دون الحاجة لدخول جندي أميركي واحد عبر الحدود. لو وصل الحال إلى هذه الدرجة، فستجد إيران أنها في حاجة لأربعة عقود جديدة من الزمن لتتمكن من إعادة بناء ما دمره هذا القصف الكثيف.
في المقابل، قد تحدث أضرار كبيرة في المنطقة وفي مياه الخليج، وقد تفقد الولايات المتحدة المئات من جنودها، ويذهب العديد من الأبرياء هنا وهناك.
يبقى الميزان العسكري والتكتيكي والموقف الدولي في صالح أميركا في نهاية المطاف، حتى التحفظ الذي تبديه بعض دول “حلف الأطلسي” هذه الأيام على المواجهة الحتمية، لا يعني التخلي تماماً عن دعم الولايات المتحدة لو احتاجت هذا الدعم، هذا فضلاً عن دور إسرائيل والدول العربية المتضررة من إيران.
المسؤولية في النهاية عن كل ما حدث وما قد يحدث، تقع على حكومة طهران، فهي وحدها من قرر أن تصبح إيران “دولة عظمى”، وتعيد حقبة الاستعمار الأوروبي التي انتهت منذ عقود.
ورثت “حكومة الملالي” دولة قوية من الشاه، لكنها لم تختر الاستمرار في طريق البناء والتنمية في الداخل، والانضمام إلى دول العالم وبناء العلاقات المتوازنة.
إنفاق الإيرانيين على التسلح منذ عودة الخميني حتى اللحظة، وطموحاتهم البليدة، دفع ثمنها، أمس واليوم، الشعب الإيراني المغلوب على أمره، وتحديداً من غرقوا في السنوات الأخيرة في تجارة المخدرات والبغاء والجريمة، أو من هاجروا وتشردوا بسبب ارتفاع نسبة البطالة وتفشي حالات الفقر.
6 ثنائية طائفية يسوقها الولي الفقيه د. باهرة الشيخلي
العرب بريطانيا
بات العراق هذه الأيام مسرحا لأنباء وتكهنات متضاربة، وفي خضم هذا التضارب تحاول إيران وعملاؤها في الداخل العراقي اصطناع ثنائية مضطربة قوامها جهتان هما طهران والرياض في طرح طائفي مشبوه، وهي توحي للبسطاء من العراقيين بأن العراق محكوم قدريا بهذه الثنائية، وتوجههم إلى أن الجوع والفساد مع طهران أفضل بكثير منه مع الرياض، التي ستأتيهم بداعش، وهذه خدعة فاضحة لا سند لها ولا إثبات.
إن المملكة العربية السعودية لا تملك مشروعا تريد أن تستعمر به دول جوارها والمنطقة، بينما المعروف منذ زمن طويل أن إيران تمتلك مشروعا توسعيا تحاول أن تهيمن به على المنطقة كلها، وربما تجاوزت المنطقة إلى العالم، وقد اتضح هذا من شعار انتشر بعد مجيء الخميني يمثل فردا من الحرس الثوري الإيراني يركز العلم الإيراني الجديد على وجه الكرة الأرضية.
لم يعد خافيا أن الطبقة الحاكمة التي جعلت من العراق الدولة الأكثر فشلا في العالم منذ سنة 2003، تحاول تسويغ فشلها باصطناع ذرائع له، فتلقي اللوم على هذه الدولة أو تلك، في محاولة لتغيير اتجاهات الرأي العام في البلاد، من حقائق الواقع اليومي إلى ما وراء الحدود، في إطار هذه الثنائية طائفية المقاصد والغايات ما بين الدولة “س″ والدولة “ص”، وما بينهما يجري السكوت عن ماء البصرة الملوث وينسى العراقيون معاناتهم اليومية التي تسببت بها إيران وعملاؤها من أحزاب السلطة وميليشياتها. هذه الثنائية استمرار للنهج الطائفي الحكومي الذي درجت عليه منذ 9 أبريل 2003، ومن شأن هذا أن يضمن مسألتين؛ الأولى إحكام قبضة المستوطنين على الحكم، والثانية إذكاء الصراع الزائف بين “س″ و”ص”.
ليس خافيا أن هذه الثنائية وما يرافقها من ضخ إيراني مستمر للتسريبات في العراق لشحن الميليشيات ضد الوجود الأميركي في مهمة الحفاظ على النفوذ الإيراني، الذي تربطه إيران بهذه الثنائية، هدفه تسويغ تسلطها والمستفيدين من الخلل الطائفي، بعد أن مني المشروع الطائفي في العراق بإحداث شرخ في المجتمع العراقي بالفشل الذريع، ولكنه ظل مستعرا بين الميليشيات التي تدعي تمثيل فئات ذلك المجتمع، ليأتي تسويق هذه الثنائية وترويجها بمرتبة منشط للمشروع الطائفي الذي أخفق في تحقيق أهدافه في العراق، وتاليا سينسحب هذا الإخفاق على ساحات أخرى ينشط فيها عملاء إيران في بث الصراع الطائفي وإذكائه.
ولما كان الشحن الطائفي يمثل للمشروع الإيراني لحمته وسداه، فإن فشله في ساحة من الساحات يعني تهديد وجوده في الساحات الأخرى بالفشل تدريجيا، وخسارة إيران لكل ما أنفقته على تلك الساحات.
ينبغي أن لا نغفل أن لإيران وسائل إعلام مؤثرة طائفيا لا تنفك تطورها منذ قرون، وهي المنابر التي يرتقيها معممون موالون لولاية الفقيه، والتي تستطيع من خلالها الوصول إلى البسطاء بسهولة عن طريق عواطفهم.
إيران تدرك أهمية الإعلام في خدمة مشروعها ولذلك ركزت على الإعلاميين والكتاب والصحافيين مــن أصحاب التوجه القومي، من أجـل جعلها هـي عمـق الأمة العربية، ورغم أن العقل السياسي الإيراني يعد الفكر القومي ماسوني التأسيس والأهداف، إلا أنه يتعامـل معـه بميكيافلية واضحة. فهو يريـد اسـتخدامه لما يحقـق مصالح إيران القومية، مركزا على استغلال التيار القومي الناصري بالذات، تماما كما فعلت مع الإخوان، الذين تعدّهم من النواصب لكنهـا تعمل عـلى الاستفادة منهم كونهم الأقرب إلى تنفيذ مخططاتها عكس التيار السلفي.
ترويج ثنائية “إيران – السعودية” يهدف إلى تحريض العراقيين على الوقوف مع إيران ضد الولايات المتحدة والسعودية وجميع البلدان المناوئة للتمدد الإيراني في المنطقة.