10 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 إيران على شفا… حرب
عبدالمحسن محمد الحسيني الانباء الكويتية
يبدو أن قادة إيران لم يتعلموا من الدرس الذي أوقع العراق وصدام في كارثة ألحقت الدمار بكل المدن العراقية وقتل الكثير من العراقيين.. كان صدام يكابر ويهدد ويتحدى ويدعي أنه القوة الضاربة في المنطقة.. ولم يمتثل لمحاولات العالم بضرورة الانسحاب من الكويت قبل أن تحل الكارثة بالعراق وأخيرا انهزم صدام وجيشه هزيمة مفزعة ومخجلة، حيث دمرت كل آلياته الحربية التي كان يتباهى بها وهدمت كل البنية التحتية للعراق ولم يستطع أن يواجه وهرب وأخذ يتنقل في العراق يبحث عن ملجأ يختبئ به ولم ينفعه ذلك، حيث وقع في الأسر وألقي القبض عليه كمجرمي الحرب وليس اعتقال رئيس دولة.. ثم قدم للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام ولم يفده من وقف يناصره ويهتف بحياته لم ينفع تأييد حلفائه وتخلى الكل عنه.. هذا هو مصير صدام الذي كان يتحدى العالم.. واليوم إيران وزعماء إيران يعلنون كل يوم تحديهم للعالم ويهددون بإغلاق ممر باب المندب وننشر الصواريخ البلاستية.. مهددين الأسطول الأميركي الذي يتجول في الخليج العربي ليمنع أي تدخل أو محاولة من إيران عرقلة مرور شاحنات النفط لتعبر باب المندب.. وترتفع صراخات زعماء إيران بالتهديد محاولة منهم تخويف الدول المطلة على الخليج العربي.. وسبق أن حاولت إيران عرقلة مرور شاحنات النفط في السابق، إلا أن إيران تراجعت عندما رأت تلك القوة الرادعة التي دخلت مياه الخليج لتتصدى لمحاولة إيران في عرقلة السفن التي تحمل شاحنات النفط من دول الخليج العربي.. وفشلت تلك المحاولة واليوم تعاود إيران الكرة في تهديد لدول العالم ومحاولة لإضعاف الاقتصاد بدول الخليج العربي.. وهذه هي المحاولة الجديدة لإيران لتحدي المجتمع الدولي في تهديده لإغلاق باب المندب وعرقلة مرور شاحنات النفط المتجهة إلى الدول الصناعية في أوربا وأميركا.. ونحن يهمنا منع حدوث أي حالة حرب في المنطقة لأن دمارها سيلحق بكل دول المنطقة.. ونأمل أن يعيد قادة إيران حساباتهم وعدم توريط المنطقة بحرب سيكون مضارها على كل المنطقة.. ونأمل أن يستفيد الإيرانيون من مواقف كوريا الشمالية التي امتثلت للمواقف الدولية حفاظا على عدم تعرض المنطقة لأي حرب مدمرة.. لا شك أن هذا ينم عن رجاحة عقل الكوريين الشماليين فأرجو من جيراننا وإخواننا في الإسلام أن يتفادوا ويجنبوا المنطقة حربا مدمرة.. إيران تملك النفط وبإمكانها بناء إيران حديثة لصالح الشعب الإيراني.

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة»..
والله الموفق.
2 إيران… انتهاء الحلم!
فهد الدغيثر
الحياة السعودية

يتحدث الكثيرون هذه الأيام، عن قرب نشوب مواجهة عسكرية من نوع ما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في أي وقت، في أعقاب دفع الأولى لعدد من حاملات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية والمقاتلات والجنود إلى المنطقة.
معظم وسائل الإعلام الغربية اليسارية، وعلى غير عادتها في زمن الحروب، ومواضيع الأمن الوطني الأميركي، انحازت للنيل من الرئيس دونالد ترامب. هيئة التحرير في صحيفة “واشنطن بوست” على سبيل المثال، كتبت قبل يومين فقط، مقالة مناصرة لموقف إيران، لا يستطيع حتى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كتابتها.
على أن الحديث عن الحرب، ورغبة إيران في مواجهة العالم، ليس بجديد. الحقيقة أن هذه الدولة الخارجة عن القانون، بدأت حروبها بالفعل ومن طرف واحد قبل سنوات، لا بل عقود. سلوك إيران وأفعالها خارج حدودها، إعلان حرب بكل ما تعنيه هذه العبارة. هل لا زال أحد يظن بأن تدخل إيران في الثورة السورية وإقحامها لميليشيا “حزب الله” في القتال الفعلي داخل الأراضي السورية، وإجرامها المتمثل في إزهاق أرواح عشرات الآلاف من السوريين، هو نزهة صيفية أو شتوية؟ هل يرى أحد أن سيطرتها على العراق هو من باب التعاون المشترك بما يخدم مصالح الطرفين؟ هل أن دعمها المفضوح لميليشيا الحوثيين وهي تطلق الصواريخ الباليستية (الإيرانية الصنع) على مدن المملكة العربية السعودية هو مجرد مناورات سلمية؟
فتحت إيران العديد من جبهات القتال، وأصبحت طرفاً معتدياً في حروب استنزافية في أكثر من مكان، من دون أن تجد من يردعها أو يهددها بخطورة ذلك. نعم، وقعت طهران مع الرئيس أوباما وعدد من الدول الأوروبية على ما يعرف بـ “الاتفاق النووي”. لكنها، وقبل أن يجف حبر التوقيع، وبسبب هذا “الاتفاق” الذي ظن بعض السذج في الغرب بأنه “انتصار للديبلوماسية”، شرعت تؤسس مواقع جديدة عدة كقواعد عسكرية لتعزيز تواجدها إلى الأبد في أرض دولة بني أمية. ولولا القصف الإسرائيلي المباشر لهذه المواقع داخل سورية، وتسريب مقاطع مصورة للدمار الذي يعقب هذا القصف، لما عرف العالم عن هذه القواعد أصلاً. الغريب هنا، أن إيران لم تستطع الرد على هذه الهجمات ولا برصاصة واحدة، وفي ذات الوقت يتضاعف دعمها للحوثيين عن طريق شحن المزيد من المعدات والصواريخ إلى اليمن مع أطقم فنية من “حزب الله” لتدريب ميليشياتهم على استخدامها. إطلاق هذه الصواريخ يشكل هو الآخر إعلان حرب صريح ضد المملكة العربية السعودية ومصالحها وممتلكاتها ومخزوناتها العالمية من الطاقة.
لا أحد بالطبع يريد المواجهة العسكرية الشاملة بين الولايات المتحدة وإيران. والسؤال الذي يجب أن يُطرح: ما الحلول الأخرى المتاحة لكبح جماح نظام ولاية الفقيه وطموحه؟ حرب النظام الإيراني ضد السعودية مثلاً، بدأت بعد بضع سنوات من عودة الخميني وتحديداً في عام 1987، الذي شهد اضطرابات دموية في موسم الحج، وتبعته محاولات متكررة لتهريب المتفجرات إلى المشاعر المقدسة، إضافة إلى دعم طهران المتواصل للإرهاب الشيعي في المنطقة الشرقية وتفجيرهم لمبنى الجيش الأميركي في مدينة الخبر السعودية، وقبل ذلك تفجير مركز المارينز في بيروت، وهو الاعتداء الذي لم ولن يطويه النسيان لدى الحكومة الأميركية.
قبل عام، ومع إدراك الإدارة الأميركية الحالية للتحايل الإيراني واستمرار طهران في دعم الإرهاب، وقع الرئيس ترامب مرسوماً بالخروج الأحادي من “اتفاق أوباما”، تلا ذلك فرض المقاطعة الصارمة التي تخضع لها إيران هذه الأيام، بهدف دفع الإيرانيين إلى التفاوض من جديد وبشروط مختلفة. لكن، وكما أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة سابقة، كيف يمكن التفاوض مع هذا النظام الذي تحركه الايديولوجيا، وقصة المهدي المنتظر وأوهام التوسع وحلم الإمبراطورية الفارسية وبقية خزعبلات هذه الخلطة العجيبة من الأهداف التي يصبحون وينامون عليها؟
للأسف، معظم المؤشرات هذه المرة تؤشر إلى أن المواجهة قد تحدث في أي لحظة، حتى عن طريق الخطأ، خصوصاً بعد استهداف عدد من السفن في الخليج ومحاولات تفجير مراكز نفطية جنوب الرياض، قبل أيام نفذتها جماعة الحوثيين، ذراع طهران في اليمن.
لو حدثت المواجهة، فستترك ورائها دمارا هائلاً داخل إيران لا يمكن التنبؤ ببشاعته. البعض يرى أن هذا ربما هو بالضبط ما يبحث عنه المرشد خامنئي في النهاية، لأن هذا النظام ومنذ ولادته قبل أربعة عقود، يمارس زرع الوهم لدى الإيرانيين بالشعور بالمظلومية وتآمر العالم عليهم، ولسبب مهم من وجهة نظره، ألا وهو تمكين النظام من تخوين أي معارضة داخلية تهدف إلى الإصلاح.
بالطبع، لا حاجة لاحتلال إيران كما حدث في العراق في عام 2003 لأن الولايات المتحدة قادرة على تدمير جميع المنشآت المهمة، والبنى التحتية، وتعطيل المحطات النووية، وقطع الاتصالات والكهرباء وتدمير الموانئ والمطارات داخل الجمهورية الإسلامية، من دون الحاجة لدخول جندي أميركي واحد عبر الحدود. لو وصل الحال إلى هذه الدرجة، فستجد إيران أنها في حاجة لأربعة عقود جديدة من الزمن لتتمكن من إعادة بناء ما دمره هذا القصف الكثيف.
في المقابل، قد تحدث أضرار كبيرة في المنطقة وفي مياه الخليج، وقد تفقد الولايات المتحدة المئات من جنودها، ويذهب العديد من الأبرياء هنا وهناك.
يبقى الميزان العسكري والتكتيكي والموقف الدولي في صالح أميركا في نهاية المطاف، حتى التحفظ الذي تبديه بعض دول “حلف الأطلسي” هذه الأيام على المواجهة الحتمية، لا يعني التخلي تماماً عن دعم الولايات المتحدة لو احتاجت هذا الدعم، هذا فضلاً عن دور إسرائيل والدول العربية المتضررة من إيران.
المسؤولية في النهاية عن كل ما حدث وما قد يحدث، تقع على حكومة طهران، فهي وحدها من قرر أن تصبح إيران “دولة عظمى”، وتعيد حقبة الاستعمار الأوروبي التي انتهت منذ عقود.
ورثت “حكومة الملالي” دولة قوية من الشاه، لكنها لم تختر الاستمرار في طريق البناء والتنمية في الداخل، والانضمام إلى دول العالم وبناء العلاقات المتوازنة.
إنفاق الإيرانيين على التسلح منذ عودة الخميني حتى اللحظة، وطموحاتهم البليدة، دفع ثمنها، أمس واليوم، الشعب الإيراني المغلوب على أمره، وتحديداً من غرقوا في السنوات الأخيرة في تجارة المخدرات والبغاء والجريمة، أو من هاجروا وتشردوا بسبب ارتفاع نسبة البطالة وتفشي حالات الفقر.
3 أخبار أميركية مهمة)
جهاد الخازن |
الحياة السعودية

وزارة الخارجية الأميركية أيّدت بيع وزارة الدفاع الأميركية أسلحة إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة ثمنها ستة بلايين دولار في ثلاث صفقات متتالية.
الولايات المتحدة تحاول الحد من التجارب النووية الإيرانية، وقد أرسلت حاملة طائرات وسفن مراقبة إلى المنطقة. هي أيضاً قدمت موعد تسليم المملكة العربية السعودية صواريخ دفاعية ستصبح جزءاً من نظام دفاعي عام.
الكونغرس أبلغ قبل أيام أن البحرين تستطيع شراء صواريخ باتريوت وأنظمة مرافقة بحوالى 2.48 بليون دولار. الصفقة تضم ٣٦ صاروخ باتريوت من نوع جديد يستطيع إصابة طائرات وصواريخ.
وزارة الخارجية أبلغت الكونغرس أن البحرين تستطيع أيضاً شراء أسلحة جديدة لنظامها الدفاعي بمبلغ ٧٥٠ مليون دولار.
في بلاغ ثالث للكونغرس قالت وزارة الخارجية إن الإمارات حصلت على حق شراء سلاح أميركي بمبلغ 2.73 بليون دولار، والمبلغ في الأصل لشراء صواريخ باتريوت وأجهزة مرافقة لها.
لجنة التعاون الأمني في وزارة الدفاع بلغت الكونغرس بالصفقات الثلاث التي ستنفذها شركة ريثيون وشركة لوكهيد مارتن.
في الأخبار الأميركية الأخرى قرأت عن حملة جديدة على رئيس أميركي سابق من جهة يهودية أميركية تؤيد إسرائيل وتقول:
– أي رئيس سمح لجماعة تؤيد حق الحياة أن تحضر قمة في البيت الأبيض عن الضمان الصحي؟
– أي رئيس أيّد إرسال ثلاثة سفراء يؤيدون حق الإجهاض للعمل في الفاتيكان؟
– أي رئيس أمر بتغطية رسم للسيد المسيح وهو يلقي خطاباً في جامعة جورجتاون؟
– أي رئيس أهمل ذكر الله عمداً وهو ينقل من كلام الكتاب المقدس؟
– أي رئيس رفض ضم كلام الرئيس فرانكلن روزفلت عن صلاة يوم الانتصار على ألمانيا النازية في النصب عن الحرب العالمية الثانية؟
– أي إدارة قالت إنها لن تطلب القروض للطلاب مقابل قيامهم بخدمات عامة، إلا أنها لن تلغي القروض في العمل العام إذا كانت لها علاقة بالدين؟
الجواب طبعاً هو باراك أوباما، وأقول دفاعاً عن الرئيس السابق إنه أنقذ الولايات المتحدة من أزمة مالية كبرى بعد دخوله البيت الأبيض كان ورثها من جورج بوش الابن. أتكلم عن أشياء حصلت ولا يستطيع أنصار إسرائيل ونتانياهو وترامب إنكارها.
العصابة اتهمت أوباما أيضاً بسحب القوات الأميركية من العراق. هناك الآن عدد قليل من الجنود الأميركيين في العراق، إلا أنهم لا يفعلون شيئاً غير الوجود في بلد عربي غالبية من سكانه لا تريدهم.
طبعاً لن أنسى في هذه العجالة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وهي ديموقراطية من كاليفورنيا، فمجلس النواب دان المدعي العام وليام بار، وهو في الحقيقة وزير العدل، بسبب موقفه من تقرير المحقق الخاص روبرت مولر عن تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة سنة ٢٠١٦.
بار يتستر على عمل الرئيس ترامب، والكونغرس دانه لأنه يعمل للرئيس وليس للولايات المتحدة ونظامها الديموقراطي. ومولر سيقرر إن كان سيمثل للشهادة أمام الكونغرس. لا أعرف كيف ستكون نهاية هذا الموضوع إلا أنني أتصور أنها ستضم إدانة ترامب وعميله بار.
4 حرب… لا حرب… حرب…
محمد الرميحي
الشرق الاوسط السعودية

مع ضجيج «قرقعة» السلاح في منطقتنا، ينشط المتابعون لتحليل الحدث، ويتساءلون؛ هل هي حرب قادمة بين إيران والولايات المتحدة، أم أن الضجيج أقرب إليه عضّ على أصابع من يصرخ أولاً؟ هناك عدد من الافتراضات، والافتراضات المضادة بين الجانبين الإيراني والأميركي، بعضها صحيح، وبعضها الآخر متخيل. الافتراضات الإيرانية متعددة، وهي أن أميركا لن تقوم بشن حرب شاملة، ما هو متاح تكثيف الضغط من خلال تصعيد متدرج لخطوات «المقاطعة»، تزداد وتيرتها، مقرونة بحشد لآلة عسكرية متوسطة المدى، من ضمنها دبلوماسية الطائرات العملاقة «بي 52» والبوارج الضخمة. يمكن استخدام «تكتيكات مضادة» للتغلب على تلك المقاطعة من وجهة النظر الإيرانية. من ضمنها على المستوى الأدنى؛ التهريب والمقايضة مع دول قابلة لمقايضة البضائع الإيرانية علناً أو سراً، أو تخفيض ضخم في أسعار المنتجات النفطية. وعلى المستوى الأعلى؛ الضغط على الاتحاد الأوروبي، والتهديد بالعودة إلى التخصيب الفعال لليورانيوم، لدفعه إلى اتخاذ خطوات عملية تكسر المقاطعة الأميركية، كما يمكن استخدام أذرع إيران للهجوم المتوسط المضاد، في غزة، وإن لزم الأمر في لبنان للضغط على إسرائيل، وكذلك تهديد مصالح أميركية من خلال أذرع أخرى في العراق واليمن، ومن الخلايا النائمة المؤتمرة بأوامر طهران في أماكن أخرى، لن تكلفها شيئاً، فقط كمية من الدم الفلسطيني والعراقي، وكثير من الجوع للشعب اليمني، وكلها تساوى بضع رزم من الدولارات، مغموسة بكثير من الشعارات، والأخيرة مجانية! الصورة السابقة هي القراءة الإيرانية المعتمدة على فكرة أن التهديد لن يقود إلى اشتباك ساخن، لأن المعدة الأميركية غير قابلة لهضم حرب جديدة في الشرق الأوسط، كما أن تلك القراءة معزّزة بتحليلات غربية في دارسات تتحدث عن «أفول القوة الأميركية». كما أن الاستقطاب الحاد الداخلي، على خلفية انتهاك الرئيس ترمب قوانين سارية، والشجار مع الحلفاء أو الشركاء الاقتصاديين، كل ذلك ربما يؤذن بانسحاب أميركي من الساحة الدولية.
الزمن أيضاً من وجهة النظر الإيرانية مهم، فهي تراهن على أن الإدارة الحالية لن يتسنى لها التجديد في الانتخابات القادمة، فالصبر على «غلاسة» الإدارة الحالية، التي تراهن إيران على سقوطها بعد عام أو أكثر، هو أفضل المتاح، وربما الصراع مع إيران سوف يفقدها الأصوات الداخلية في الانتخابات المقبلة، ويكرر سيناريو جيمي كارتر معكوساً، عندما تتعنّت إيران في إطلاق سراح محتجزي السفارة الأميركية في طهران عام 1979، وساعدت بذلك السيد رونالد ريغان الجمهوري على الوصول إلى البيت الأبيض وإطاحة الديمقراطي جيمي كارتر. تلك مجمل الافتراضات الإيرانية المبنية على تحليلات، وأيضاً تمنيات. هذه الافتراضات أو بعضها ليس غائباً عن القراءة الأميركية، فزيارة بومبيو، وزير الخارجية الأميركية، السريعة والخاطفة إلى بغداد قبل أسابيع أتت لتقليل المخاطر على المصالح الأميركية، وربما لتحذير الجانب العراقي من مغبة الإبحار عميقاً مع النظام الإيراني اقتصادياً وسياسياً، إلا أن بعض تلك الافتراضات هي من قبيل التمنيات، فشعبية الرئيس الأميركي ما زالت صامدة، واحتمال عودته لـ4 سنوات أخرى ممكن، كما أن افتراض قدرة الأوروبيين على تغيير سياسة واشنطن هو افتراض غير قابل للتطبيق، فالأوروبيون ليست لهم القدرة على التأثير في سياسة ترمب، ولا يرغبون في دفع ثمن اقتصادي أكثر من اللازم في مساندتهم طهران، تهديد الأخيرة للأوروبيين بأن يفعلوا شيئاً في غضون شهر، هو قفز في الظلام! إلا أنه من جهة أخرى، بعض الافتراضات الإيرانية قريبة إلى الواقع، منها أن لا حرب وشيكة بينها وبين أميركا، في ضوء مساندة دبلوماسية صينية روسية، خاصة في مجلس الأمن.
السيناريو من وجهة نظر إيران لا يتعدى «إدارة الصراع» والمراهنة على الزمن والاختراقات، وكذلك الإدارة الأميركية من جهة أخرى تعمل على إدارة الأزمة، وليس الحسم فيها. والافتراضات الأميركية قائمة في الغالب على أن الضغط وتطوير المقاطعة سوف يؤديان في النهاية إلى احتمالين؛ الأول أن تتشكل كتلة حرجة في الداخل الإيراني، تؤسس لحراك مجتمعي واسع، يقلل من قدرة النظام على الاستمرار، وهذا افتراض إلى حد كبير غير محتمل التحقق، لأن الشعوب الفقيرة لا تنتفض، ومع عدم وجود طبقة وسطى وشيء من الحريات، فإن تشكل تلك الكتلة الحرجة غير متاح في المنظور القريب، والثاني أن يرضخ النظام الإيراني، مع قليل من حفظ ماء الوجه، إلى التوجه إلى طاولة المفاوضات وإرسال وزير الخارجية «الظريف» إلى تلك الطاولة، ربما بمساعدة أوروبية.
إدارة السيد باراك أوباما راهنت على التغيير من الداخل الإيراني، وكانت مراهنة لتشجيع وإغراء معسكر الاعتدال، من خلال توقيع اتفاقية عام 2015 التي تعترف بالنظام كما هو قائم، على أمل أن يقود ذلك إلى اعتدال في السلوك السياسي الإيراني واستبدال سلوك الثورة بسلوك الدولة، إلا أن تلك المراهنة فشلت بسبب بنية النظام الإيراني الآيديولوجية الشبيهة بالنازية، والتي لم تفهمها الإدارة الأوبامية حق الفهم، سياسة إدارة أوباما الاسترضائية أرسلت الرسائل الخطأ؛ حيث قرأت طهران تلك الاتفاقية على أنها ليست اعترافاً بنظامها فقط، ولكن أيضاً إطلاق ليدها في الجوار! كلا الطرفين الإيراني والأميركي يبني موقفه على افتراضات، بعضها متخيل، وقليلها صحيح، كما أسلفنا. المخرج الأقرب في إدارة الصراع الماثل أمامنا أن يتحول إلى ساحات أخرى، خاصة الساحة العربية، فتتصاعد التضحية بالدم الفلسطيني والعراقي واليمني وفي أماكن أخرى من أرض العرب، وما دام دماً عربياً وليس إيرانياً ولا أميركياً، فكلا الطرفين قابل لتقديم ذلك الدم كوقود للصراع، دون الصدام المكلف المباشر بينهما. وفي وضع عربي تختلف المراهنات السياسية فيه وتشتعل الحروب الأهلية، فإن الأرجح أن يكون الاشتباك الإيراني والأميركي على أرض عربية، وبثمن عربي، أسهل الحلول. كل التهويل بحرب إيرانية أميركية شاملة هي تمنيات إعلامية، لأن الجميع يعرف في طهران وفي واشنطن أنه إن نشبت الحرب، فلا أحد سيعرف كيف ستسير أو على أي شكل سوف تنتهي، وتكاليفها البشرية والمادية والسياسية سوف تكون باهظة. ما نشهده أمامنا هو استخدم أدوات «رجل الأعمال الأميركي Business man» بالاشتباك مع أدوات البازار، جلها «مساومة». مواجهة هذا السيناريو عربياً لا تكون بالانتظار و«الفرجة» واستقبال الكارثة، المواجهة تكون بأن تحسم بعض الملفات الخلافية العربية بسرعة وبجدية، وهي ملفات متعددة يحسن التدرج في غلقها، ومن الأسهل إلى الأصعب، وتكوين الكتلة الحرجة العربية التي تدافع عن مصالح العرب وتحقن دماءهم، ويكون لهذه الكتلة رأي فيما يحدث من صراع، وتتوخى الحيطة، وتعمل على خلق مشروع مقنع، بديل للمشروع السياسي الإيراني المطروح.
آخر الكلام… قدرة إيران على التخريب كبيرة، وقدرتها على المواجهة الشاملة ضئيلة، هي تختار الأولى، وتتجنب الثانية.
5 منع إيران من الحرب سلمان الدوسري الشرق الاوسط السعودية

الأجواء نفس الأجواء، والتوترات ذاتها، فقبل 39 عاماً اندلعت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980 – 1988)، والثانية حدثت لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991. والثالثة جرت لإسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003. أما هذه الأيام فتعيش المنطقة توتراً سياسياً وعسكرياً ليس بخافٍ على أحد، كأن نذر غيوم حرب رابعة تحوم، وتعزز ذلك بعد إرسال الولايات المتحدة لحاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، ثم تعرض أربع سفن تجارية مختلفة المنشأ، اثنتان منها سعوديتان، لهجوم تخريبي خطير في مياه الخليج العربي أمام إمارة الفجيرة، توصل فريق تحقيق أميركي فحص السفن، إلى تقييم مبدئي يفيد بأن «إيران أو وكلاء تدعمهم» وراء الهجوم الذي استخدمت فيه «أجهزة متفجرة»، قبل أن تنفذ إيران، عبر وكيلها الحوثي، هجوماً إرهابياً بـ«درون» مفخخة، استهدف محطتي ضخ لخط الأنابيب الذي ينقل النفط من حقول المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع غرب المملكة. كل أسباب التوتر وعدم الاستقرار مرتبطة بدولة واحدة هي إيران، التي كثيراً ما حذرت الرياض من خطورة أدواتها على أمن المنطقة واستقرارها، فعندما تتعرض أنابيب النفط السعودي لهجمات إرهابية فليست المملكة المعنية وحدها بهذه الهجمات وإنما كل دول العالم، ولولا قدرة المملكة على السيطرة على هذه الاعتداءات لوجدت أوروبا والولايات المتحدة وآسيا تحت وطأة أسعار نفط تصل إلى 200 دولار. فهل يتحملون هذه الكارثة من دون المساعدة السعودية؟!
من الطبيعي أن نتساءل هنا: هل احتاج العالم أربع سنوات ليعرف خطأ التساهل مع إيران وميليشياتها المنتشرة في المنطقة؟ هل استوعب العالم الآن فقط أن قرار السعودية بعدم السماح لانقلاب حوثي إيراني في اليمن كان قراراً حكيماً وأنقذ العالم من تبعات كارثية؟ من السهل انتقاد القرارات الكبرى في وقتها، ومن الصعب كثيراً الجزم بصحتها عند اتخاذها، الأيام وحدها كفيلة بمن يتخذ القرارات الصعبة ومن يكتفي بأن يتفرج. ولولا اتخاذ المملكة قراراً استراتيجياً بالحرب ضد الوجود الإيراني في اليمن لوجدنا النظام الإيراني يطل على أهم مضيقين في العالم، هما مضيق هرمز ومضيق باب المندب، وها هي إيران تقع في الفخ بقدميها.
صحيح أنها تنكرت للهجوم على السفن الأربع، رغم أن التحقيقات أشارت بأصابع الاتهام إليها، إلا أن حليفها الحوثي أعلن مسؤوليته عن الهجوم على أنبوب النفط، ولا أظن أن هناك من يشك في أنه لا الحوثي ولا «حزب الله» ولا غيرهما من الميليشيات يتجرأون على مثل هذا العمل الإرهابي من دون موافقة إيرانية مسبقة. الغريب أن العنجهية الإيرانية لم تستوعب الرسالة الأميركية شديدة اللهجة بإرسال حاملة الطائرات الحربية إلى الخليج العربي، سواء بهدف قصير المدى عبر مراقبة عن كثب لسلوكيات إيران ووكلائها والرد عليهم، أو هدف بعيد المدى بعدم السماح بمشروع نووي إيراني. نسي النظام الإيراني أن الرقص مع أوباما يختلف عن مواجهة ترمب.
لكن ماذا تفعل القوات الأميركية في الخليج العربي؟ ولماذا ترسل «يو إس إس أبراهام لينكولن» وقاذفات B – 52 إلى المنطقة؟ ليس صحيحاً ما يحاول تصويره أصدقاء إيران بأنها لحماية دول الخليج فحسب، وإن كان ذلك هدفاً يسعد الجميع عندما يكون حليفك أميركا وليس إيران، الثابت أن واشنطن تتكبد كل هذا العناء من أجل إرسال رسالة شديدة اللهجة لإيران بأنها لن تتوانى عن الدفاع عن جنودها ومصالحها من التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى رغبة الجميع في منع إيران من الوصول إلى حافة الحرب التي تتمناها. أما أولئك الذين يقلبون الحقائق، وما أكثرهم في منطقتنا، فإليهم الحقيقة الوحيدة، بالأدلة والبراهين: لا أحد يدفع بحرب من دول المنطقة، وحدها إيران تريد إشعالها، وبقية الدول تريد منعها.
6 انحسار مساحة مناورة النظام العراقي في صراع أمريكا وإيران أمير المفرجي القدس الع ربي بريطانيا

يتصاعد اهتمام الشارع العراقي بتداعيات تطور الأزمة الإيرانية بين إدارة الرئيس الأمريكي ونظام الولي الفقيه، نتيجة إرسال الولايات المتحدة للمزيد من التعزيزات العسكرية إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث ترجم عبور حاملة الطائرات «يو أس أس لينكولن» قناة السويس ووصولها إلى مياه الخليج العربي، عن تطور واضح في الاستراتيجية الأمريكية، واحتمال تحولها إلى صراع عسكري، يضمن للولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها الإمبريالية، ردًا على ما وصفته الإدارة الأمريكية بتهديدات من «وكلاء» إيران في العراق.
في الوقت الذي تفاجأ العديد من العراقيين، بوصول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في رحلة غير معلنة إلى بغـداد، كان غرضها على ما يبدو، الضغط على النظام العراقي، بحسب تصريحات الوزير الأمريكي في ما يتعلق «بمخاطر متزايدة على الأمريكيين قد يقوم بها حلفاء إيران في العراق».
وعلى الرغم من التباين الواضح في طبيعة توقعات الشارع العراقي المُنقسم طائفيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم استغلال الإيرانيين للفوضى التي أحدثتها عملية غزو العراق، لإرساء المشروع القومي الفارسي، بعد تغليفه بعباءة مذهبية كاذبة، قسمت العراقيين، وأعاقت استمرار وحدتهم في عراق عابر للطوائف والقوميات، بيد أن طبيعة هذا الصراع الاستعماري الخطير على المصالح بين أمريكا وإيران، قد يحوله سريعا إلى مواجهة عسكرية مباشرة على التراب العراقي، في حالة فشل الجانبين في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث عززت التطورات الأخيرة التي وقعت على بعض السفن في مياه الخليج، بالقرب من مضيق هرمز، وتحذير الولايات المتحدة الأمريكية لرعاياها بعدم السفر إلى العراق، احتمال نقل هذا الصراع إلى العراق من خلال مهاجمة وكلاء إيران للتواجد الأمريكي، وهذا ما قد يُفسر قيام البنتاغون، إرسال مجموعة من حاملات الطائرات، وقاذفات سلاح الجو إلى الخليج العربي كتحذير لطهران، وإلغاء زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى ألمانيا، وقيامه برحلة غير معلنة إلى العراق ولقائه برئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح، للضغط على النظام العراقي، حول ما سماه بالمخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الأمريكيون من القوات الإيرانية، عن طريق ميلشياتها في العراق، حين قال «تحدثنا إليهم حول أهمية العراق لضمان قدرته على توفير الحماية الكافية للأمريكيين في بلادهم»، مضيفاً «لقد قدم العراقيون تأكيدات بأنهم فهموا أن هذه هي مسؤوليتهم»، حيث عززت تصريحات رئيس الوزراء العراقي المتمثلة في مسؤولية الحكومة العراقية في حماية القوات الأجنبية المتواجدة في العراق.
من الجدير بالذكر أن وزير الخارجية مايك بومبيو، هو الذي أدرج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، نتيجة لتقرير من المخابرات الأمريكية والبنتاغون، اللذين حذرا من قدرة إيران في استعمال ميليشياتها المتواجدة في العراق، حيث عززت تصريحات المسؤولين الأمريكيين لصحيفة «نيويورك تايمز»، المخاوف من تأثير دور فيلق «الحرس الثوري الإيراني» من خلال علاقاته بالعديد من الميليشيات المسلحة. في المقابل، أصبح من الصعوبة على الحكومة العراقية، التوفيق في مسؤوليتها المعلنة أمام الوزير الأمريكي في حماية القوات الأجنبية المتواجدة في العراق، نظراً لارتباط مليشيات «الحشد الشعبي»، مع أسس تنظيم الدولة العراقية الجديدة، والإشكالية القائمة جراء توظيفها للدفاع عن طبيعة النظام العراقي بشكله الطائفي، وعلاقته الحيوية المرتبطة مع مصالح إيران. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك ما يقارب من ثلاثين تنظيما من الميليشيات المسلحة، مع ما لا يقل عن 125 ألف مقاتل في الخدمة الفعلية، على الرغم من زوال تنظيم «الدولة» (داعش) حيث يخشى عامة العراقيين من نفوذ هذه المليشيات وخروجها في النهاية عن خط السيطرة، بعد فشل الجهود المبذولة لإخضاعهم لسيطرة الحكومة. وعلى الرغم من أن هذه الميليشيات تم استيعابها في قوات الأمن العراقية، إلا أن قادة هذه المجاميع المسلحة تتمتع بوضع خاص ومستقل، لا يخضع فعليا لقيادة وزارتي الدفاع والداخلية، ولديها العديد من الممثلين في البرلمان العراقي، وكما أن لهم القدرة في تعيين الوزراء واختيار الحقائب الوزارية المهمة، لتقديمها إلى رئيس الوزراء، بالإضافة إلى انتساب العديد من كوادرها في الحمايات الخاصة للشخصيات القيادية البارزة في الحكومة العراقية ومن خلال ارتباطهم الخاص برئيس مجلس الوزراء.
من هنا يُترجم الموقف الرسمي لرئيس الحكومة العراقية في الدفاع عن تنظيمات الحشد المسلحة، عن حقيقة ضيق مساحة مناورة النظام العراقي في الحرب المقبلة على إيران. حين قال: «يمكن للأمريكيين اتخاذ القرارات التي يريدونها، لكن الأمريكيين يرون الأمور بطريقة مختلفة عن الطريقة التي نقوم بها، وموقفنا من الحشد الشعبي معروف وواضح». «نحن نحترم جميع مجموعات الحشد التي قدمت التضحيات». وهنا لابد من التذكير بتصريحات الرفض الرسمية للنظام العراقي لإدراج ميليشيات «حزب الله» و»النجباء» التابعتين للحشد الشعبي من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في مارس/ آذار في لائحة المنظمات الإرهابية. وهذا ما يُفسر في النهاية، أسباب تعمد المسؤولين العراقيين، والتزامهم الحذر والمناورة، في وصفهم لأسباب زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة المرتبطة في موضوع تهديدات «وكلاء» إيران في العراق، التي هي في الحقيقة، المليشيات المسلحة المعترف بها من الحكومة العراقية، إذ اكتفى الجانب العراقي في التعليق على أسباب زيارة الوزير الأمريكي بهذه العبارة المُبهمة «ناقش الجانبان العلاقات الثنائية والتحديثات الأخيرة في أمن المنطقة وجهود مكافحة الإرهاب»، وتذويبها بالتالي مع المطالب الأمريكية، بالتوقف عن الاعتماد على إمدادات الطاقة الإيرانية المستوردة، وقبول منح إدارة ترامب للعراق تنازلاً لشراء الكهرباء الإيرانية، ينتهي في شهر يونيو/حزيران المقبل.
لقد أصبح من الواضح من خلال قراءة موضوعية للمشهد السياسي العراقي، التنبؤ بالتداعيات المقبلة للمشهد العراقي، نتيجة التنافس الأمريكي ـ الإيراني، والإشكالية الناتجة من تأثير قوى الضغط الإيرانية داخل مؤسسات الدولة السياسية العراقية، من خلال دور المليشيات المسلحة كعامل ضغط للمصالح الإيرانية في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير هذه الإشكالية على النظام العراقي، بعد انحسار مساحة المناورة وضيقها وانتهاء اللعب على الحبلين في حالة إعلان الولايات المتحدة الحرب على إيران. لا شك بأن تداعيات الصراع الأمريكي ـ الإيراني المقبل، ستضع لا محالة النظام العراقي أمام خيارين.. فإسناد إيران يعني تخلي واشنطن عن النظام العراقي، أما الوقوف ضدها فيعني إنهاء الدور الإيراني الطائفي وهذا في كلا الحالتين، إشارة للتغير المقبل في العراق.
7 شيزوفرانيا السياسة تعقيب على مقال الأستاذ فؤاد بطاينة عن العراق زهير كمال راي اليوم بريطانيا
منذ أربعين عاماً والعلاقات الإيرانية الأمريكية كرجل واقف على رجل واحدة على حافة الهاوية يحاول أن يتوازن حتى لا يسقط ، فالسقوط سيكون مدوياً وقاسياً.
إذا وقعت الحرب بين الطرفين فالاقتصاد العالمي سيصاب بضرر قد لا تنجو منه الكرة الأرضية وقد يرتفع سعر برميل النفط ، عصب الحياة الحديثة ، الى خمسمائة دولار على الأقل
وقد تنهار كثير من الدول خاصة في منطقتنا.
لهذا يقوم الغرب بمحاولة احتواء الخطر الإيراني ، أوروبا تهادنه ، وأمريكا تريد التخلص من نظامه الحاكم.
ربما كانت فترة التقاط الأنفاس في فترة اوباما حيث تم توقيع الاتفاق النووي وأفرجت أمريكا عن بعض الودائع المجمدة لديها منذ قيام الثورة.
ومنذ أربعين عاماً وكل صباح تقوم ايران الرسمية بترديد عبارات الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام.
منذ سبعين عاماً يقوم النظام السعودي بإعلان الولاء والطاعة الكاملة لأمريكا سراً وجهاراً.
تقول أمريكا خفضوا سعر النفط يقولون سمعاً وطاعة، زيدوا انتاج النفط يقولون أبشروا يا طوال العمر. حاربوا عبدالناصر ، لم لا ، دمروا سوريا والعراق واليمن والجواب فوراً فأوامركم واجبة التنفيذ.
هذا التاريخ معروف ولكن لا بد من سرده لنصل الى موضوع العراق. حيث يقول الأستاذ فؤاد البطاينة في مقاله ( العراق ينزلق……) أن العراق وأمريكا يتقاسمان النفوذ في هذا البلد العربي ، وأن هناك تفاهم ضمني بين الطرفين على ذلك.
تصوير الأمر بهذا الشكل يعني أن هناك شيزوفرانيا في السياسة يمتد أيضاً الى المبادئ.
إذ ليس هناك نظرة بعين واحدة الى هذا الأمر.
إنما الموضوع كما أراه أنه بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تم اعتبار هذا البلد محمية أمريكية مثلها مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
قامت ايران بالتسلل عبر رجالها من العراقيين الذين كانوا منفيين عندها لمحاولة تغيير الوضع لصالحها ، وقد حالفها التوفيق مع بعضهم وفشلت مع بعضهم الآخر مثل المالكي الذي كان كارثة حقيقية ونقطة سوداء في تاريخ العراق.
وللتاريخ استطاعت المقاومة العراقية بشقيها السني والشيعي ( وعفواً للتعبيرات الطائفية) من إجبار الاحتلال الأمريكي على الرحيل الصوري عن العراق. (التواجد في المدن)
ما حدث بعد ذلك معروف فالشق السني كان مفتتاً لا يتمتع بأي تمثيل سياسي قوي بعد انهيار حزب البعث، بينما نجد أن الشق الشيعي الناشئ كان مدعوماً من المراجع الدينية والنظام الإيراني.
ولهذا نجد أن الصوت الأعلى المسيطر هو الصوت الشيعي.
والآن لنأتي الى الحقائق الصادمة:
رغم وجود رئيس جمهورية وبرلمان وحكومة ، إلا أن العراق ما زال تحت الاحتلال الأمريكي
نجد نفس الوضع في اليابان التي لها امبراطور وبرلمان وحكومة ، ولكنها لا تستطيع أن تخالف الأوامر الأمريكية ، ربما ليس الأمر بهذه الحدة في الوقت الحاضر ولكنه كان كذلك لفترة طويلة.
في اليابان قواعد أمريكية هامة من بينها اوكيناوا، وفي العراق قواعد أمريكية هامة تسمح لها بالتمدد في سوريا مثلاً.
ولعل أبسط مثل على سطوة الاحتلال الأمريكي أن رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيته ووزير دفاعه يقوم بدخول العراق بدون إذن أو دعوة زيارة من حكام العراق.
بينما يقوم الإيرانيون بذلك بناء على دعوة حكومية كما هو متبع بين الدول.
ومن هنا تصبح الظواهر الموجودة في العراق مثل دعوات التصالح مع إسرائيل والتنسيق مع الرجعيات العربية والأهم من ذلك انتشار الفساد على نطاق واسع والنهب المنظم للمال العام وإهمال مصالح الناس، وخير دليل مظاهرات البصرة خاصة وجنوب العراق عامة، مفهومة وواضحة المعنى.
هناك مثل آخر لمتابعي الموضوع : فقد كرر السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في أكثر من تصريح أن العراق سيلتزم بتطبيق العقوبات الأمريكية على ايران.
فكيف تفهم هذه التصريحات ؟ بغض النظر إن كان يستطيع ذلك أم لا.
مسألة تصوير أن إيران تسيطر على العراق إنما غير صحيحة.
ولكن لا بد من الاعتراف أن لإيران بعض الأذرع القوية والمؤثرة وخاصة في التنظيمات العسكرية مثل الحشد الشعبي وهذه التنظيمات كانت محاولة للالتفاف على الجيش العراقي الجديد وعقيدته العسكرية المسالمة المطابقة لعقيدة الجيش الياباني.
ومثل بسيط على ذلك احتلال الموصل من مجموعة لا تتجاوز خمسمائة شخص وهروب واستسلام خمسين ألف جندي.
كما أوردت وكالات الأنباء مؤخراً فقد زار وزير الخارجية الأمريكي بومبيو العراق لبحث موضوع هذه التنظيمات العسكرية وتحييد خطرها على التواجد الأمريكي في حالة نشوب حرب كبرى في المنطقة.
أما متى يصبح العراق مستقلاً فإنما عندما لا يكون هناك أي جندي أجنبي على أرضه وعندما يتفق ساسة العراق على وضع دستور غير دستور بريمر الطائفي وعندما تخلص نواياهم لخدمة وطنهم وتمثيل شعبهم تمثيلاً حقيقياً، وليس ذلك ببعيد.
8 تفخيخ الوداد عدلي صادق العرب بريطانيا

في واحدة من مقاربات التودد الزائف لشرائح واسعة من العرب الذين راقت لهم وأضحكتهم أدوار الممثل الكوميدي عادل إمام؛ أعلن الناطق باسم نتنياهو عن احتفاء إسرائيل بعيد ميلاده، وأزجل له الدعاء بالصحة وطول العمر، فبدا هذا الاحتفاء استهبالا وتفخيخا لمعنى الوداد، لم يسبق لأي جهة رسمية في أي دولة أن عبرت عنه، حتى وإن كانت الأنباء تتحدث عن اعتلال صحة الشخص المُحتفى به!

وقبل نحو سنة، تبنى رئيس بلدية القدس المحتلة، الصهيوني المتطرف نير بركات، ذو الأصول الروسية، احتفالية من نوع اصطناع الشجن، لتسمية زقاق ذي عشرين مترا، يتفرع من شارع استيطاني يخترق ضاحية “بيتحنينا” المقدسية، باسم المطربة أم كلثوم، ودعا بركات وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية، وأحضر معه فرقة موسيقية وفتاة عربية فائزة في مسابقة غنائية، تدعى نسرين قدري، أدت مقطعا من أغنية “إنت عمري”.

وفي المناسبتين، تعرض الذين دبروا الاحتفاليتين لهجوم من عُتاة المستوطنين، استذكروا أعمالا لعادل إمام، وأغاني حماسية لأم كلثوم في أوقات النزاع، كانت جزءا من الفن الموجه لتأثيم إسرائيل والحث على محاربتها، لكن هؤلاء الذين يصطنعون الشجن، يعرفون أن مثل هذه اللقطات تساعد في التغطية على سياساتهم وصرف الأنظار عن جفائهم لفكرة العدالة والسلام والتبديب المظهر الإنساني الرقيق، وكأنما وصل تقدير هؤلاء المتطرفين للفنون، لدرجة الاحتفاء برموز الفن لدى عدوهم العربي.

وقد أوحى بالتسمية الكلثومية للزقاق، أن مريم داود، المسيحية الفلسطينية، صديقة أم كلثوم في الثلاثينات، قد عاشت حياتها في أحد مساكن الحي وكانت أم كلثوم تزورها في مسكنها. ومريم تلك، عملت مستشارة ومعاونة لأم كلثوم كلما ارتحلت إلى بلاد الشام، واتخذت المصادر الإسرائيلية من وصف مريم في مفكرتها، طبيعة علاقتها بأم كلثوم، سببا لإطلاق شائعة الميول المثلية لمطربة العرب الأولى.

لأم كلثوم تجربة مثيرة في فلسطين، من خلال زيارات منتظمة استمرت عشر سنوات تخللتها ثورة 1936 وقد لقيت الحفاوة من الجمهور الفلسطيني، الذي زاحمه في الصالات يهود كانوا لا يزالون متأثرين لترحالهم من بلدانهم العربية ويحنون إليها، وينفعلون كلما أدت أم كلثوم أغنية “على بلد المحبوب وديني” وهناك لقطة مدونة في أرشيف إسرائيل، انفجر بانفعال هستيري بالأغنية، عوفاديا يوسف، القادم لتوّه من العراق، وقد أصبح بعدئذ من أشد الحاخامات تطرفا وكراهية للعرب ومن أكثرهم بذاءة في وصفهم جميعا، بمن فيهم أم كلثوم!

9 التلاعب بالأمم والشعوب
سميرة رجب
العرب بريطانيا

في 9 أبريل 2003، يوم دخول القوات الأميركية إلى بغداد واحتلال العراق، خرج الدكتور محمد الدوري، آخر سفير وممثل لحكومة العراق الوطنية في الأمم المتحدة، من مبنى الأمم المتحدة يلحقه الصحافيون بأسئلتهم؛ وعند باب سيارته واجههم بجملته الشهيرة “انتهت اللعبة” (game over) وغادر من غير عودة، ودخل العراق في مرحلة التدمير المنظم منذ تلك الساعة.
في الذكرى الثانية عشرة للاحتلال الأميركي للعراق، وجه الإعلامي طاهر بركة في قناة العربية سؤاله إلى الدكتور الدوري قائلا “ذكرت جملتك الشهيرة ذلك اليوم وغادرت، واليوم نسألك ما هي تلك اللعبة التي أعلنت نهايتها؟ ومتى بدأت؟”.
ذكر الدوري بكلمات بسيطة أن اللعبة بدأت يوم تأميم وتحرير النفط العراقي من سيطرة الشركات الغربية (1972)، واللعبة هي بإيجاز عبارة عن منظومة من العمليات السياسية والمؤامرات المخابراتية اللاأخلاقية، قام بها الغرب ضد العراق منذ ذلك التاريخ بهدف عودة سيطرتهم على النفط العراقي (والعربي)، وها قد نجحت اللعبة أخيرا.
كلمات بسيطة ومختصرة تلخص تاريخا من الغدر والخداع، والأزمات التي تتالت، بما في ذلك خطة إنشاء قوات التدخل السريع الأميركية، التي بدأت في منتصف سبعينات القرن الماضي، بموجب توصيات مركز راند للدراسات حول أهمية تدريب القوات الأميركية على حروب الصحراء العربية بهدف احتلال منابع النفط (كان أول تدريبات هذه القوات في صحراء نيفادا الأميركية، وآخرها في الصحراء المصرية، قبل استخدامها مباشرة لأول مرة في حرب “عاصفة الصحراء” ضد العراق، يناير-فبراير 1991).
تحديث اللعبة الدولية

ما حدث للعراق لم يكن أمرا جديدا في الشأن الدولي، بل هو حلقة من حلقات لعبة الأمم، التي سبق التعرف على جزء يسير منها عبر الكاتب وضابط الاستخبارات الأميركي مايلز كوبلاند، وكتابه “لعبة الأمم، اللاأخلاقية في سياسات القوة” بما تضمن من سرد حول اللعبة الأميركية الغربية ضد مصر خلال فترة رئاسة جمال عبدالناصر (1952-1969).
تعد اللعبة ضد العراق الحلقة الأكثر تطورا في مسلسل لعبة الأمم، بحيث تم تحديث اللعبة القديمة بما يتناسب مع عصرنا هذا ذي القوة الأميركية المفرطة والمستفردة بالبطش العسكري والسياسي والتكنولوجي، دون رادع، بينما كانت اللعبة الأممية القديمة، التي بدأتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تدور في فترة الحرب الباردة، ووجود ردع القطب السوفييتي الاشتراكي الذي كان يملك بجانب قوته المادية والنووية، قوة أيديولوجية تهز عرش المعسكر الرأسمالي برمته.
إضافة إلى ذلك، بدأت لعبة الأمم القديمة تلك خلال فترة كانت الولايات المتحدة في بداية تأسيسها لسياساتها الخارجية، وقوتها العسكرية الاستخباراتية، بعد تسلمها للتركة الاستعمارية في شرق المتوسط من القارة العجوز عموما، وبريطانيا العظمى خصوصا. فكانت مرحلة تجريب وتخبط ضرورية أسست القواعد الرئيسية للعبة.
ومع سبعينات القرن الماضي تسارعت التطورات في السياسات الخارجية الأميركية واللعبة الدولية مع التطور الرأسمالي في عناصر الإنتاج والاستهلاك، ثم الثورة التكنولوجية، التي كان لها جميعا دور رئيسي في تنميط عقول الأجيال المتعاقبة، وثقافاتها في مواجهة القوة الرأسمالية الإمبريالية المنبثقة.
ومع عقد التسعينات بدأت ثمار كل هذه العناصر تبدو واضحة في ضمور الأفكار الثورية، والروح الوطنية وفكر العدالة الاجتماعية القومية واليسارية، لصالح انتشار وامتداد الحركات الأصولية والعقائدية الدينية وأحزاب الإسلام السياسي بمختلف توجهاتها، التي اتفقت على استبدال الوطن بالدين، والهوية بالعقيدة، حتى تغوّلت هذه الحركات بدعم أطراف مختلفة، على رأسها الحكومات المحلية.
قديما كان هناك الكثير من التساؤلات في خواطر الكثير منا عمّن كان وراء العديد من الأزمات والحروب في الشرق الأوسط، والعديد من الخلافات العربية، والأحداث والانقلابات وحركات العنف والتطرف؛ كانت تساؤلات لا تلقى الإجابة، حيث “المؤرخون عندما يؤرخون الحوادث، يهملون الجواب على مثل هذه التساؤلات، ويمتنعون عن إلقاء الأضواء عليها لأنهم نادرا ما يعلمون عن خفاياها شيئا. وكذلك يهملها الدبلوماسيون في مذكراتهم مدفوعين باعتبارات الأمن تارة، وبالرغبة في عدم الإيقاع بين الحكومات وشعوبها تارة أخرى. وهكذا تبقى حقيقة الأحداث مدفونة لا تعرف منها خافية، ولا ينكشف للجماهير منها سر، إلا ما كان بمحض الصدفة….” (لعبة الأمم).
اليوم، لم تعد للصدفة أو أحاديث الدبلوماسيين وتقارير المؤرخين أهمية، حيث فهم العالم نظرية لعبة السياسات الدولية اللاأخلاقية التي جسدها مايلز كوبلاند في كتابه. وتطورت وسائل المعرفة. وبات من السهل قراءة الحدث وما وراءه للحصول على الإجابات المضمونة للكثير من التساؤلات، حتى صار للدراسات المستقبلية شأن وأهمية قصوى في رسم السياسات الإستراتيجية لدقة مضامينها.
هذه هي اللعبة (لعبة الأمم) التي تحدث عنها الدكتور محمد الدوري في ذلك اليوم، وتمكن اللاعبون من استكمالها بعد احتلال العراق بمنهجية وإستراتيجية تضمنان نجاح مشروع الاحتلال على المدى الطويل.
لعبة التحالفات بالباطن

التطورات تسارعت في السياسات الخارجية الأميركية واللعبة الدولية مع التطور الرأسمالي في عناصر الإنتاج والاستهلاكالتطورات تسارعت في السياسات الخارجية الأميركية واللعبة الدولية مع التطور الرأسمالي في عناصر الإنتاج والاستهلاك
بناء على مبدأ اللاأخلاقية في تلك اللعبة، يمكننا التأكيد على أن تدمير العراق، وتحويله من دولة ذات سيادة وجيش واقتصاد قويين، إلى دولة ممزقة منزوعة السيادة، فقيرة، دون جيش وطني، وموئل للإرهاب والفساد والميليشيات والعصابات المسلحة، كان في قمة أولويات وأهداف مشروع الاحتلال الأميركي-البريطاني.
لأجل ذلك، ولعدم ترك أي فرصة لفشل المشروع، خصوصا بعد تصاعد المأزق الأميركي أمام المقاومة العراقية، نفّذ الاحتلال الخطة البديلة، والتي تتلخص في استثمار الحقد الإيراني-الإسرائيلي على العرب، فتم علنا إهداء كل العراق وشعبه إلى إيران لتستبيحهما تدميرا وتقطيعا وقتلا وتشويها وترهيبا؛ وتم سرا إطلاق يد إسرائيل للعبث بما تبقى من تاريخ ومستقبل العراق.
إذن المخطط الأميركي-الإيراني لم يكن من نتائج اللحظة، بل كان ضمن إستراتيجية الاحتلال، والاتفاق المسبق؛ ولولا الدور الإيراني الدموي في تحطيم الشعب العراقي ومقاومته، لما تمكّنت شركات النفط الأميركية من الهيمنة على نفط العراق، من منابعه إلى موانئه. ولما نجح المحتل في تحويل العراق من أقوى وأغنى دولة نفطية إلى واحدة من أفقر دول العالم، حتى صار يستورد الغاز والمواد الغذائية من إيران. ولما نجح في تحويل هذا العراق من دولة متقدمة علميا، تزخر بالعلماء، خالية من الفساد، إلى دولة متخلفة، يتفشى فيها الجهل والأمية والأمراض وتحكمها الشعوذة، وتتصدر قائمة الدول الفاسدة. ومن دولة فريدة في خلوها من المخدرات والاتجار بالبشر، إلى دولة تعيش كل تفاصيل مؤامرة حرب الأفيون التي يلجأ لها الغرب دائما لتحطيم الشعوب الرافضة للاحتلال والاستعمار الغربي.
ولربما نحن اليوم بأمس الحاجة للتذكير بهذه اللعبة الخطيرة للحلف الأنجلوأميركي-الإيراني-الإسرائيلي. ورغم ما يشوب هذا الحلف من تجاذب وتنافر في المصالح إلا أنه يعد أهم أركان مشروع القرن الأميركي الجديد في المنطقة… وإنه لم، ولا، ولن، يتغير لصالح العرب.
ولن يتغير مادامت البوصلة العربية معطلة ولا تميّز اتجاهات المستقبل؛ ولن يتغير حتى لو قَبَلَ العرب إسرائيل عضوا في الجامعة العربية، أو تم التطبيع العربي الجماعي مع إسرائيل، سواء في معاهدة أمنية عربية إسرائيلية أو أي معاهدة أخرى؛ ولن يتغير مهما قدّم العرب من ضمانات وتضحيات لإسرائيل.
من يعتقد أن الولايات المتحدة ستدخل في حرب ضد إيران، بينما تتحالف مع إيران في العراق، فهو يعيش في وهم كبير (ونطلب من الله ألا تقع بلداننا الخليجية في كمين الزج بها في أتون حرب كارثية جديدة لن نجني منها سوى الدمار)؛ ومَن يعتقد عكس ذلك فهو غير ملم بالتاريخ، ولم يأخذ من الواقع العربي المدمر أي عبرة.
ولأولئك الذين يستهزئون بأهمية قراءة التاريخ وفهمه لتجنب إعادة تجاربه المريرة يقول ابن خلدون “إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق”، فالشعوب التي لا تقرأ التاريخ تبقى أبد الدهر تابعة ومُهدّدة، لا تعي من حقيقة الواقع إلا الظاهر، ولا تتمكن من بناء المستقبل.
ولأولئك الذين يعتقدون أن الإدارة الأميركية الحالية أكثر رأفة بالعرب من إدارة باراك أوباما، السابقة، نعيد ما قاله الزعيم البريطاني ونستون تشرشل عن نهج الولايات المتحدة أن “الأميركيين ينتهجون الخطوة الصحيحة بعد تجريب كل الخطوات والأساليب الخاطئة”، بمعنى أن الإستراتيجية الأميركية في ما يتعلق بالمنطقة ثابتة، والتغيير يتم فقط في أنماط التعامل وفقا لنوع الحدث وظروفه وطبيعته.
ولكي لا نقع ضحية سياسة الاستغفال، التي لطالما مارستها وتمارسها الإدارات الغربية ضد العرب، وقبل أن نكتشف بأننا أهدرنا المزيد من مصالحنا وثرواتنا المهدورة في “لعبة الأمم” الجديدة، لربما نحن بحاجة للتأكيد، وبقوة، على أن الغرب لم يكن، ولن يكون، حليفا للعرب، حكومات وشعوبا، ما لم يفهم العرب عقيدة هذه اللعبة وسبل مواجهتها، وما لم يفهم العرب حقيقة الدولة الأميركية العميقة، الصانعة للقرارات الإستراتيجية طويلة الأمد، والتي تتوارث تنفيذها الأجيال والإدارات الأميركية المتعاقبة، وبأدق الأدوات التي لا تستثني منها الدبلوماسية، ولا أولئك الدبلوماسيين المبعوثين إلى مناطقنا لتمرير الإملاءات التي عادة ما تكون عبارة عن مشورة لا تزيد على جملة، أو رأي أو ابتسامة.
هناك فاصل استراتيجي في تاريخ عالمنا العربي بين ما قبل احتلال العراق وما بعده؛ هذا الفاصل الذي يتجاهله العرب كي لا يعترفوا بخطيئتهم عندما سمحوا للجيوش الغازية بدخول المنطقة واحتلال العراق، كدولة إستراتيجية كانت على مدار التاريخ عاملا رئيسيا في التوازن الأمني والسياسي الاستراتيجي العربي القومي، سواء أمام جيوش الغزاة أو أمام الغزوات الفكرية والأيديولوجية التي كانت ولا تزال تستهدف الهوية العربية، منذ الحروب الصليبية حتى يومنا هذا.
عند مرحلة ما بعد العراق، انتهت اللعبة القديمة، وبدأت لعبة الأمم الجديدة بأدواتها وأهدافها، ومصطلحاتها. بدأت مرحلة: التغيير الجيو-استراتيجي، الحرب الاستباقية، الحرب الوقائية، الحرب بالوكالة، مبادرة الشراكة المجتمعية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، الإرهاب، الطائفية، الربيع العربي، الإسلام المعتدل، نظرية المؤامرة، وسائل التواصل، القوة الناعمة… وغيرها من مصطلحات نستقبلها في المنطقة دون عمق فكري أو وضوح سياسي، ونستخدمها كما نستخدم التكنولوجيا، بعيدا عن امتلاك القوة المعرفية التي تؤمّن لنا سبل صناعتها والحماية من مخاطرها الشرسة.
في خضم ذلك التغيير العميق في استراتيجيات اللعبة الدولية الجديدة، بدت واضحة مؤشرات تدني الوعي والفكر الاستراتيجيالعربي في مواجهتها، وأهم تلك المؤشرات كانالدور العربي الخطير الذي لم يتوقف عند تدمير العراق، بل استمر في المشاركةبتدمير دول أخرى من ليبيا إلى سوريا وغيرها من الأحداث الراهنة… والنموذج الساطع أمامنا اليوم هو الحدث السوري الذي دخله العرب بإرادتهم، وتوغلوا فيه، حتى فقدوا بوصلة الخروج، بل فقدوا إرادة الخروج منه،حتى بدا ذلك فاضحاً عند توقفهم المفاجئ عن فتح سفاراتهم في دمشق وتراجعهم عن التصريحات الانفتاحية التي استبشروا فيها ببداية دور جديد لتصحيح ذلك الوضع المأساوي في سوريا… متناسين أن الأمربيد مَن يقود تلك اللعبة اللعينة.
بوصلة العلاقات العربية

في القرن الواحد والعشرين، نعيش عصرا بات فيه البيت الأبيض يمارس اللعبة بالعصا الغليظةفي القرن الواحد والعشرين، نعيش عصرا بات فيه البيت الأبيض يمارس اللعبة بالعصا الغليظة
إننا في القرن الواحد والعشرين، نعيش عصرا بات فيه البيت الأبيض يمارس اللعبة بالعصا الغليظة، فلا يعرف غير لغة القوة والبطش والابتزاز والإملاءات سبيلا لتحقيق مصالحه. عصر باتت المصالح الأميركية أولا وبعدها الطوفان. عصر فيه المصالح الأميركية تستبيح قتل زعماء الدول علنا، بعد أن كانت تفعل ذلك عبر منظماتها السرية. وتستبيح تدمير الدول وتشريد وتجويع وتعذيب الشعوب علنا لتصبح عِبرة ووسيلة ترهيب أمام الدول الأخرى. عصر يتميز بالتهديد الأميركي العلني للدول والملوك والرؤساء والشعوب، بمصير العراق وقادته وشعبه، فصنعت من جريمتها في العراق نموذجا للترهيب والابتزاز. وبذلك النموذج، الذي صنعت نسخته الثانية في ليبيا، تعمل على مواجهة كل من تسوّل له نفسه معارضة القرار الأميركي مهما كان نوعه. عصر بات من أهم متطلباته إيجاد القوة الرادعة للبطش الأميركي العسكري والإرهابي والاقتصادي والاستخباراتي والتكنولوجي.
ويبدو واضحا أن هناك خللا في علاقاتنا العربية الدولية، وفي بوصلة اتجاهنا نحو الأقطاب العالمية… فالبوصلة التي توقف اتجاهها على علاقات نظام الحرب الباردة القديمة، غير قادرة على تصحيح اتجاهها نحو بناء قوة نوعية ذاتية داخلية وخارجية يهابها الغرب، وتوجهنا نحو قوة معرفية وعلمية وصناعية تحمينا، شعوبا وأنظمة، من الاستغلال والابتزاز الذي أصبح علنيا.
وأخيرا لن تستقيم علاقاتنا العربية مع الأمم الأخرى، بالندية وتبادل المصالح، ما لم نمتلك العلم والمعرفة والذكاء السياسي والبراغماتي الذي يضع مصلحة الكتلة العربية، القومية والقطرية، في قمة أولويات صانع القرار السياسي العربي؛ وما لم نملك أمر شأننا الاقتصادي والعلمي والتعليمي؛ وما لم نتمكن من استثمار ثروات وموارد المنطقة واقتصاداتها استثمارا رشيدا لصالح الأمن القومي العربي، في مشروع تنموي يصنع القوة العربية. وبخلاف ذلك فإن كل السياسات العربية الفردية لن تجلب للمنطقة ولكل بلاد العرب سوى الدمار الذي يتم تنفيذه بمنهجية عالية الدقة، ولقد ثبتت صحة هذه الشهادة منذ أحداث “ربيع″ 2011، واحتلال العراق 2003، وكارثة ما بعد 11 سبتمبر 2001. والشواهد لا تعد ولا تحصى.

10 عبدالرزاق الصافي يساري عراقي بقي حتى آخر لحظة ينتظر المهدي الأحمر
زيد بن رفاعة
العرب بريطانيا

أمضى عبدالرزاق جميل الصافي نحو تسعين عاماً محاولاً مع الفكرة الشيوعية، وعلى الرغم مِن هزتها العظمى، بهدم قلاعها الكبرى في العالم، ظل الصافي يحلم ويترقب تحقيقها، كأنها مهديه المنتظر، والفكرة ليست من وحينا إنما عبّر عنها علي الوردي، في مجد المنظمة الاشتراكية والأحزاب الشيوعية، في بداية السبعينات، وهو يُناقش الفكرة المهدوية، فمما أشار إليه أن الشيوعية هي المهدي الذي ينتظر ظهورها الماركسيون، وذلك في كتابه “لمحات من تاريخ العراق الحديث”.
بين عسر ويسر

ظل أبومخلص، وهذه كنيته، مخلصاً للنظرية أو العقيدة التي تبناها في نهاية الأربعينات، يوم كان عمره أقل مِن عشرين عاماً. دخل السجن آنذاك بسببها، واستمرت أيامه بين عسر كثير ويُسر قليل. مَن يعرفه يراه كائناً حزبياً، لا يعرف الراحة ولا التقاعد.

لم يفكر بامتلاك منزل كبقية النَّاس ولا بالبحث في ما سيكون عليه مستقبله، وهذا حاله حتى وفاته منتصف مايو الجاري بلندن. المكان الذي قضى فيه الشيخوخة والوفاة وهو يوهمنا بأمر، ألا وهو كيف لهذا الكائن السياسي الدؤوب ضد الاستعمار، وعلى وجه الخصوص الاستعمار البريطاني، أن يحط به المقام بعاصمة الاستعمار، ليجد فيها ما لم يجده في العواصم التي قضى العمر في الدفاع عنها، حتى صارت في ذمة التَّاريخ؟.

لكن الصافي، الصادق مع نفسه والنزيه في تعامله، لم يحبطه سقوط الاتحاد السوفييتي ولا بلغاريا التي وصلها للدراسة الحزبية العام 1960، فالنظرية عنده من الصلابة بمكان حيث لا تحتاج إلى برهان التَّطبيق، ولا شأن له بالفارق بينها وبين الواقع المعاش.

ولد الصافي في كربلاء، لعائلة وجيهة بالمدينة، حتى غلب عليها في فترة من الفترات لقب الجلبي، الذي كانت تُدعى به العائلات الميسورة، أو ذات المنزلة الاجتماعية، سوى كان ذلك لقباً رسمياً من قِبل العثمانيين أو لقباً يصطلح عليه النَّاس. أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في كربلاء، وهناك تعلق بالحزب الشيوعي العراقي، ونشط ليكسب رفاقاً تقدموا في الدرجات الحزبية حتى عملوا معه في اللجنة المركزية والمكتب السياسي.
لم يكن طارئا

حياته تزخر بالحوادث السياسية والعامة، ولكلِّ حدث قصة تتعلق بمجرى السياسة وتاريخ الدولة في العراق، من الخمسينات وحتى الوقت الحاضر. وقد أصدرها الصافي في كراسين تحت عنوان “مِن ذاكرة الزمن”، و”شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية”

كانت حياة الصافي مليئة بالحوادث السياسية والعامة، ولكلِّ حدث قصة تتعلق بمجرى السياسة العراقية، وتراه لو حدب على كتاب مذكراته مفصلاً وبحيادية لسجل لشطر من تاريخ الدولة العراقية، من الخمسينات وحتى الوقت الحاضر، لكنه أخذ يُسجل النزير منها بعد التقدم في العمر، فتساقطت من ذاكرته سقوط أوراق الخريف، وصدرت بكراسين تحت عنوان “مِن ذاكرة الزمن”، و”شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية”، لكن لمن تعرف على الصافي وسمع منه، لا يُشكل هذان الكراسان إلا جزءاً من الذاكرة.

ليس لدى الصافي، المشغول في حزبه، حتى بعد الخروج من لجنته المركزية ومكتبه السياسي، الوقت لاسترجاع مخزون ذاكرته. تراه ملأ الكراسين برؤوس أقلام، ليس هناك مَا يتوسع بها ويكملها غيره. فإلى جانب السياسة والحزبية برز الصافي في الصحافة وكتابة المقال، حتى صار في وقت مبكر مديراً للإعلام الحزبي أينما حل وأقام، في الداخل والخارج حيث الإعلام المعارض. لكنه ليس الكاتب ولا الصحافي الطارئ، الذي يمارسهما من أجل العمل الحزبي أو عند الحاجة في وقت الضيق أو لانعدام الثقة في ظل العمل الحزبي السري، إنما كان أصيلاً في الكتابة.

علّمَ الكثيرين كيفية الكتابة، من ناحية الأسلوب واللغة، فتجده لا يغفر لمن لا يُميز بين “مازال” و”لا زال”، ولو ناقشته لعرض عليك الفارق، فالأولى للحاضر والثانية للماضي، وهذه هي حقيقتهما، وكذلك الحال في الصرف والإعراب، لأنه كان يعتقد أن التمكن من كيان اللغة جزء أساسي في فن الكتابة، وكم حرص أبومخلص على استنساخ قواعد اللغة والإملاء ليوزعها على حديثي العهد بالكتابة، بل ويكتب الأوراق في القاعدة بين “ض” و”ظ”، التي قد يخطئ في التفريق بينهما ماهرون في الكتابة.

العمل الحزبي السري داخل العراق خطير للغاية، وكثيراً ما يكون ثمنه الحياة نفسها، لكن الصافي، وذوبانه في الكيان الحزبي، كثيراً ما ترك الجنان التي وفرتها له عواصم البلدان الاشتراكية، ليعود سراً وبجوازات ملفقة إلى العراق، كي يختفي تحت الأرض ويبدأ في العمل الحزبي، معتمداً على ما يوفره له الحزب من مصروف لا يكفي إلا لخبز وماء في الكثير من الأحوال.
حماية كيان الجمهورية

كان شاهداً على ما عُرف بـ”وثبة كانون” في العام 1948، واعتقل إثرها، وشاهداً على حوادث الخمسينات، وخلالها فُصل والتحق بكلية الحقوق ببغداد، ولما أنهى دراسته فيها، رفضت الكلية منحه الشهادة، كي لا يصبح محامياً، حتى جاء 14 تموز/ يوليو، فصعد حزبه إلى الصف الأول من ناحية التأثير في الحكم، لكن دون أن تكون له وزارة، حيث اعتمد عليه الحزب، لكثرة الأتباع، في حماية الجمهورية، بوجود كيان مسلح شعبي عُرف بالمقاومة الشعبية، وله تنظيم داخل الجيش. كان الصافي أحد أعضاء قيادة ذلك التنظيم الشبه علني، حتى صار معتمداً لدى الفرقة الأولى، وهي على ما نعلم أكبر فرق الجيش العراقي، وقائدها عبدالحميد الحصونة، حيث تمتد من وسط العراق ومقرها بالديوانية حتى البصرة، أي تشرف على العديد من المحافظات، الجنوبية والوسطى.

كان الحصونة معادياً للشيوعيين في سِره، وله صلات مع مرجعية محسن الحكيم، وهو الشخص الآخر الذي دأب على معاداة عبدالكريم قاسم وحكمه، بسبب القوانين التي أصدرها، ومنها “قانون الأحوال الشخصية العراقي”، ويُعد مِن أكثر القوانين تقدمية للمرأة، وهذا ما لا ترضاه القوى الدينية، وفي مقدمتها مرجعية النجف والمتمثلة بالحكيم، وكذلك “قانون إلغاء القوانين العشائرية”، و”قانون الإصلاح الزراعي”، والقانونان الأخيران يؤثران على الشريحة الاجتماعية التي تُقدم الخمس للمرجعية، أي الإقطاع ورؤساء العشائر وأصحاب الثروات منهم، أما قانون الأحوال الشخصية فيتعلق بالتقليل من دور الفقيه في شؤون الزواج والطلاق والإرث إلى غير ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون تجاوز النص القرآني في التمييز بين النساء والرجال في مسألة الإرث “للذكر مثل حظ الأنثيين”.

صار الصافي الرجل المعتمد من قبل الحزب الشيوعي لدى قيادة الفرقة الأولى، وشعر بتملق من قِبل قائدها، على الرغم من أنه يعرف موقفه السلبي من الحزب الشيوعي، لذا ما إن انقلب قاسم على الحزب الشيوعي في الذكرى الأولى لثورة 14 تموز/ يوليو، تغير موقف الحصونة، وعمد إلى منع توزيع صحيفة الحزب الشيوعي “اتحاد الشعب” في الألوية والمحافظات التي كانت تشرف عليها الفرقة الأولى، وهي المحافظات الجنوبية والوسطى.

بهدف الدراسة الحزبية سافر الصافي ليلتحق بمدرسة الحزب الشيوعي البلغاري، وبينما كان هناك حدث انقلاب 8 فبراير عام 1963، وكان التنكيل بالحزب الشيوعي العراقي، بعد الحوادث التي حصلت بين القوميين والبعثيين من جهة والشيوعيين من جهة أُخرى، فتولى الصافي هناك أمر الإذاعة التي تبث بالعربية بيانات ضد الحكومة في بغداد، وظلت لسنوات، حيث بدا الحظ وكأنه حليف الصافي حين غادر العراق قُبيل الانقلاب، وإلا لكان ضمن رفاقه القتلى.
صراع الاتجاهات

[ الصافي يرحل اليوم بعد أن بقي يحلم ويترقب تحقيق الاشتراكية وكأنها “مهديه المنتظر”، على حد تعبير المفكر العراقي الراحل علي الوردي الذي كتب إن الشيوعية هي المهدي الذي ينتظر ظهورها الماركسيون.الصافي يرحل اليوم بعد أن بقي يحلم ويترقب تحقيق الاشتراكية وكأنها “مهديه المنتظر”، على حد تعبير المفكر العراقي الراحل علي الوردي الذي كتب إن الشيوعية هي المهدي الذي ينتظر ظهورها الماركسيون

كان أحد الذين كتبوا الوثائق التي ستُقدم إلى المؤتمر الثاني، الذي عُقد في ظروف شبه سرية بين جبال كردستان، حيث القاعدة العريضة آنذاك للحزب من الأكراد، وكان مكلفاً بكتابة الوثيقة الخاصة بالعمل الجبهوي، هو ورفيقه رحيم عجيبنة، وكانت الأمور تسير نحو قيام جبهة وطنية مع حزب البعث، وعلى وجه الخصوص بعد اتفاق مارس عام 1970 بين الحكومة العراقية والحركة الكردية البارزانية.

تحققت الجبهة الوطنية، وصار الصافي رئيسا لتحرير الجريدة الرسمية “طريق الشعب” للحزب الشيوعي، والتي أصبحت علنية، وذلك لباعه في مجال الصحافة. يذكر أن الصافي كان على صِلة بالضابط والوزير سعدون غيدان، وسمع منه تفاصيل ما حدث في 17 يوليو عام 1968، وكيف عمل على إنزال الرئيس الأسبق عبدالرحمن عارف من مكان سكنه في القصر الجمهوري، وعندما دخل البكر ورفاقه، هاتف غيدان الرئيس عارف، وكان مسؤولا عسكريا كبيرا في القصر الجمهوري، بلا لقب قائلاً “عبدالرحمن انزل”، ولما تأخر هاتفه مرة أخرى قال بحدة “انزل”، فأجابه عارف “شتريد”، ولم ينزل حتى أطلقت طلقة مدفع، فنزل طالبا راتبا تقاعديا والسفر إلى تركيا.

ما يلفت النظر أن الصافي، الذي عاش معظم العهد الملكي، وشاهد بأم عينه الإنجازات تلو الإنجازات في البنى التحتية، وبناء المدن وتطويرها، وتوسيع التعليم، والصحة، وجعل النفط صكاً كاملاً للبناء، وشهد التطوير الصناعي والزراعي والاجتماعي، وظهور الثقافة في المجالات كافة، والبعثات للدراسة في الخارج، وعودة المبتعثين للانخراط في تخصصاتهم، كل هذا لم يجعل الصافي حيادياً في تذكر إيجابية واحدة من ذلك العهد، كان ذلك جليا في ما كتبه عن سيرة حياته، وما كان يتحدث به، فعندما تقرأ له وتسمعه، تعتبر ذلك العهد عهداً ظلامياً، وبسقوطه تحرر العراق وانطلق إلى الأمام.

ظل مصراً على شيطنة الآخر بشكل كامل، صحيح أنه صاحب حق عندما يتحدث عن معتقلات وسجون وتعذيب للقوى السياسية، في العهود كافة، لكنه لا يفصل بين الإيجابي والسلبي، فما إن بدأ العهد الملكي بالعمل منذ عقدي العشرينات والثلاثينات، مِن القرن الماضي، حتى بدأت الخلايا الشيوعية تتشكل وتتوسع يوماً بعد يوم، ناسفة كل ما كان يعمله ذلك العهد، وبدأت بتسقيط وشيطنة النظام، فجوبهت بالقوة من قِبل الحكومة.

في المقابل أسرفت الحكومة في شيطنة الخصوم أيضاً، جرى كل ذلك في عهد المحاور الدولية. ولكل حزب داخل العراق، صاحب أيديولوجية شمولية، محور يستند إليه، فالقوميون كانوا مع النازية والفاشية، والماركسيون كانوا مع الاتحاد السوفييتي، بينما كانت الحكومة العراقية تعتقد أن العراق في حاجة إلى حاضنة، وكانت حاضنته بريطانيا.
طريق الشعب وطريق المنافي

ترك الصافي العراق متخفياً مرة أخرى عام 1979، وكان أكثر الحزبيين علانية، لأنه رئيس تحرير صحيفة الحزب المركزية “طريق الشعب”، وطاف على المنافي، وظل باذلاً كل جهد وقوة للعمل الحزبي، فحط به المطاف في جبال ووديان كردستان العراق، مسؤولاً عن العمل الإعلامي في ما عُرف بالأنصار، وهي القوة المسلحة التي كانت تُقاتل النظام السابق.

لم تحد الذبحة الصدرية الحادة، التي تعرضها لها الصافي أواخر التسعينات، وهو المقيم في الشام، من مثابرته في العمل الحزبي، على الرغم من خروجه من المواقع القيادية، وبعدها شد الرحال إلى لندن، العاصمة التي كثيراً ما تظاهر ضدها، وأغضبه تعامل الحكومة الملكية معها، بداية من معاهدة العام 1930 إلى معاهدة بورتسموث، وهي معاهدات كان للعراق نفع فيها، ومناسبة للظرف آنذاك، يوم كان العراق دولة فتية في حاجة إلى حاضنة، مثلما يرى العديد من السياسيين، قبل العيش في الأزمات الحادة بعد العام 2003 وحتى الآن.

يكاد لا يخلو مجلس عراقي من حضور الصافي فيه، وما إن تُقال كلمة في حق الحزب الشيوعي ناقدة أو غاضبة، يبرز الصافي لقائلها بكلمة “حزبنا”. لكنه لم يكن حاداً في نقاشه، ولا مستفزاً، وله قابلية لمخالطة مختلف الأطياف السياسية، دينية أو مدنية. أخذ يزور العراق بعد فترة وأخرى، لكنه لم ير من بغداد، تلك التي طوى جل عمره في جاداتها وأوكارها الحزبية، غير مقر الحزب الشيوعي ومقر جريدة “طريق الشعب”، عاملاً مع طاقمها أكثر وقته، وكأنه لا يزال رئيس تحريرها.

ختاما، في حياة عبدالرزاق الصافي، التي اقتربت من التسعين، تجربة هائلة لإنسان أكل جُل عمره الحلم بعراق اشتراكي. فكم صار هذا الحلم خيالاً حين تحالف الحزب الذي بنى نفسه على عقيدتها مع أشد أعدائها مِن القوى الدينية؟.