8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 الفلسفة الحبزبوزية!
عبدالعزيز حسين الصويغ المدينة السعودية

يمكن اعتبار الصحفي العراقي نوري ثابت المعروف باسمه المستعار «حبزبوز» والذي ذاع به صيته رائد الصحافة الهزلية في تاريخ الصحافة العراقية، حيث اكتسب شغف الناس وكسب شعبية بينهم وصنع له فئة من القراء والمريدين، كان مردُّها إلى أسلوبه البسيط ولغته السلسة والأهم تلمسه لهواجس المواطن البسيط وعرض همومه، منتقداً لاذعاً حالات اجتماعية وسياسية كثيرة.

وقد أخذني ما قرأته عن قصص ونوادر نوري ثابت التي يقوم بها تحت المسمى الذي اختاره لشخصيته «حبزبوز» إلى إطلاق مصطلح «الفلسفة الحبزبوزية» على نهجه الفكاهي الساخر في تناول القضايا التي يتحدث عنها. وقد امتلك حبزبوز روحاً فكاهية وكانت مقالاته الساخرة تقرأ بلهفة، بما احتوته من حكاوى وأحاجٍ وسرد لأمثال ومصدرها «ورباط» مقصدها، وكان متأثراً بالكتَّاب الأتراك الساخرين واضحاً جداً بالرغم من انحسار النشر في العراق حينئذ.
ومن بين النوادر التي يرويها نوري ثابت قصة تعاونه مع جريدة «البلاد» العراقية عند إصدارها أول مرة، حيث يحكي الحوار التالي مع رفائيل بطي (رئيس تحرير البلاد):

– أنا راح أصدر جريدة باسم «البلاد».

– موفق إن شاء الله.

– لكنني أريد معاونتك.

– مثل إيش؟

– مقالات منزلية تحت عنوان «منزل وفكاهة».

– ممنون لكن أنا لا أكتب ببلاش.

– يعني تريد فلوس؟

– طبعاً وذلك لا لأنني مفلس، وإنما أريد أن أعطي درساً لكتاب العراق في أن الكاتب لا يتعب قلمه ببلاش..

وهكذا كان.

***

وهكذا كان التعاون بين الكاتب وجريدته «كل شي بحسابه» كما كتب نوري ثابت في أول مقالاته في «البلاد». وهو ما يجعلني أُفكر أحياناً وأنا أكتب هنا وهناك دون تقاضي مقابلٍ لما أكتبه: إذا كان هذا هو موقف حبزبوز، فما بالك تكتب ببلاش يا «عبزبوز»؟!
2 الخيارات تضيق على طهران
وليد شقير
الحياة السعودية

لجأت طهران مرة أخرى إلى المواجهة بالواسطة مستخدمة الميليشيات التي تستطيع إدارتها، في ردها على تصاعد العقوبات الأميركية ضدها بإلغاء الإعفاءات لثمان دول من شراء نفط إيران، ومنعها من تصدير الحديد والصلب منذ مطلع الشهر الجاري، بعد تصنيف “الحرس الثوري” منظمة إرهابية مطلع الشهر الماضي.
في وقت كانت واشنطن ترصد إمكان استهداف قواتها ومصالحها في العراق، بعد المعلومات التي تلقتها عن نصب ميليشيا حليفة لـ”الحرس الثوري” صواريخ قرب إحدى القواعد الأميركية في بلاد الرافدين، استخدم “الحرس” الحوثيين، لاستهداف حلفاء واشنطن، في شاطئ دولة الإمارات ثم خطوط النقل النفطية السعودية. يتجنب حكام طهران الاحتكاك المباشر مع الأميركيين.
الجانبان لا يريدان الحرب كما أعلن كل من دونالد ترامب، الذي لا ينوي تكرار مغامرة جورج دبليو بوش الذي دخلها من دون خطة للخروج منها، هي غير متوافرة حاليا، والمرشد الإيراني علي خامنئي الذي طمأن شعبه القلِق إلى أن الحرب “لن تقع” مع الولايات المتحدة. يدرك الإيرانيون كلفة أي خطأ قد يدفع واشنطن إلى المواجهة. فالحرب إذا وقعت لن تكون برية وباحتلال أميركي لأراضٍ إيرانية، كما في أفغانستان والعراق، بل بقصف مجنون ضد المنشآت العسكرية والنفطية والاستراتيجية لا قدرة لها على احتماله، مهما كان رد فعل طهران عليه قوي حيال دول المنطقة الحليفة.
في رأي الخبراء أن الترسانة الأميركية الموجودة في القواعد العسكرية في المنطقة وفي البحر، لا تحتاج إلى تعزيزات لأنها كافية لمواجهة أي طارئ وعديدها يناهز الـ150 ألف عسكري. والحشد الأميركي لحاملات طائرات وقاذفات استراتيجية في مياه الشرق الأوسط ليس هدفه الحرب بقدر الردع من جهة، وحماية إجراءات الضغوط على الاقتصاد الإيراني من سعي الحرس الثوري إلى تفريغها من فعاليتها، بالالتفاف عليها، من جهة ثانية.

ما زال رهان ترامب على تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني، أساس خطته نحوها، وهو ما جعله يعلن أنه “واثق بأنها سترغب قريبا في إجراء محادثات”. المعطيات الواردة من الداخل أن الاقتصاد يسوء أكثر فأكثر، إلى درجة النقص في مواد غذائية أساسية منها السكر مثلا، ويتسبب باحتجاجات شبه يومية في الشارع يجري طمسها في الإعلام، تتصاعد إلى درجة أن “البزدران” اضطر قبل أيام إلى إغلاق بعض الجامعات ومحاصرتها لإبقاء التظاهر في داخلها والحؤول دون انتقاله إلى الشوارع. كيف لشعب أن يحتمل بلوغ التضخم نسبة 40 في المئة، وفرض المزيد من القيود عليه إلا بتصاعد آلة القمع؟

قد لا يكون حكام طهران بلغوا مرحلة الإقبال على التفاوض وتقديم التنازلات بعد كما قال خامنئي، معتبرا أن “مبدأ التفاوض مع واشنطن خاطئ حينما تريد استهداف صواريخنا ونفوذنا الإقليمي”.

وقد يعتقد المتشددون في طهران أن بإمكانهم اللعب على حافة الهاوية مع ترامب، لأن بينهم من يؤمن بقدرتهم على مقابلة الضغوط بالصمود وبالتسبب بالإزعاج والضغط الأمني على دول الخليج، بالواسطة كما حصل في الأيام الماضية، وأن هناك ساحات عدة تتيح ذلك، أو لأن من يتصدرون ديبلوماسيتهم يرون أن ترامب لن يتشدد معهم بالقدر الذي يظهره في مواقفه المعلنة، لأن أولويته كوريا الشمالية لا إيران. إلا أن هناك جملة عوامل تعاكس المقامرة الإيرانية الرافضة للتفاوض، وتضيّق الخيارات على طهران في “صراع الإرادات” كما سماه خامنئي. فخفضها تعهداتها في الاتفاق النووي بالعودة إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، وإمهال الدول الخمس الباقية المعارضة لانسحاب ترامب منه، بما فيها الصين وروسيا، مدة شهرين، لقي رد فعل معاكس من هذه الدول. فالفقرة نفسها في قرار مجلس الأمن، التي تنص على التزامات طهران، تنص أيضا على عودة العقوبات الأممية عليها، في شكل تلقائي من دون العودة إلى الأمم المتحدة. ولربما هذا ما جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلق على ذلك بموازاة لومه واشنطن، بالقول بعد يوم من استقباله وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو: “روسيا ليست فريق إطفاء ولا يمكنها أن تنقذ كل شيء وحدها.. (الأمر) لا يعتمد علينا وحدنا، بل على جميع شركائنا”. بات معروفا أن القيصر يتقاطع مع ترامب وأوروبا في شأن دور “الحرس الثوري” في سورية، ويراعي الموقف الخليجي في ما يخص اليمن. يضاف إلى ذلك السؤال الذي فرضته الأفعال العسكرية للحوثيين: هل ستتفرج واشنطن على طهران تُفلت أذرعها بهذا الشكل، أم أنها ستنحاز أكثر إلى الحلفاء في اليمن، سواء حربا أم سلما؟
مع تحييد ساحة لبنان، حتى إشعار آخر، ونجاح قادة العراق في اعتماد سياسة التوازن، يصبح خيار التفاوض تحديا كبيرا على طهران التي يخشى متشددوها من أن يتسبب بضعف النظام وسقوطه.
بعض الإيرانيين القاطنين في الخارج يقولون إن رد فعل بعض الشباب الإيراني ردا على نبأ “سي إن إن” بأن ترامب بعث برقم هاتفه إلى القيادة الإيرانية عبر القنصلية السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية في طهران، كانت بأن كتبوا في الميترو لافتة نصت على الآتي: “اتصل يا حسن”. (المقصود الرئيس حسن روحاني).
3 أحياناً (إيران.. حرب من دون مواجهة)
عبدالعزيز السويد
الحياة السعودية

ليست هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الإرهاب منشآت نفطية سعودية، لكن الاستهداف لمضخات نفط في السعودية وقبلها لناقلات سعودية وإماراتية ونروجية في الخليج هذا الأسبوع يحمل بصمات إيرانية، فالتوتر أميركي – إيراني وتصدير النفط ومنعه هو الهدف، وإيران لا تقوم بعمليات الإرهاب إلا من خلال وكلاء حتى تتمكن من التنصل من المسؤولية، ولديها خلايا من المرتزقة من لبنان إلى اليمن، والملاحظ أنها لم تختار أهدافا أميركية على رغم تهديداتها لواشنطن وقوات لها في العراق والخليج، وعلى رغم أن الأخيرة هي من يحاصر ويضغط.

في تصريحاتها لم تفرق واشنطن بين إيران ووكلائها من الإرهابيين، لكنها غير راغبة فيما يبدو باستهدافهم، وخصوصاً الحوثي في اليمن، الهجمات الإرهابية من خلال المرتزقة يراد بها تسريع المواجهة خارج إيران طمعا بحشد تأييد داخلي للنظام في طهران وسط ظروف وصفها روحاني بأنها مماثلة للحرب العراقية – الإيرانية، لكن نظام الملالي غير قادر على تحمل المسؤولية أمام شعبه ويعلم أن لا قدرة لديه لمواجهة القوة الأميركية، وهذا ما يفسر اللجوء للإرهابيين.

هل هناك حرب على الأبواب؟ تصريحات واشنطن وطهران الأخيرة تقلل من هذا الاحتمال، ولذا من المتوقع أن التهيئة للمفاوضات المحتملة يتم التأسيس لها من خلال هجمات إرهابية من وكلاء طهران وحصار اقتصادي وحرب نفسية من قبل واشنطن.

لذلك، لا بد لنا من اليقظة والاستعداد التام لكل الاحتمالات، كما أن من واجب المواطن والمقيم أن يكونا على قدر المسؤولية في الإبلاغ عن التحركات المشبوهة والجدية في التفاعل مع إرهاب إيراني يستهدفنا وكل معلومة تكتب يستفيد منها العدو.
4 العراق صمام للأمن العربي د. شمسان بن عبد الله المناعي الشرق الاوسط السعودية

الموقع الجيوبولتيكي للعراق شكّل أهمية استراتيجية له وللدول المجاورة، حيث نجد في الطرف الجنوبي الغربي من قارة آسيا من منطقة تؤلّف جزيرة العرب التي تعد نقطة الوسط للقارات الثلاث، أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويعد هذا الموقع من العناصر الثابتة في العراق، وبذلك يمثل العراق البوابة الشرقية للدول العربية كافة، خصوصاً دول الخليج العربي والجزيرة العربية المطلة على بحر العرب والقريبة من العراق والتي لها نشاطها التجاري والاقتصادي، ولذا أصبح العراق صمام أمان ليس فقط لدول الخليج العربية ولكن لكل الدول العربية، إضافةً إلى أن العراق من الناحية الاقتصادية يتمتع بمميزات كثيرة مثل وجود النفط والمعادن والثروات الزراعية والمياه بحكم ما فيه من أنهار كبرى كنهرَي دجلة والفرات وشط العرب.
من هنا حظي العراق بهذه الأهمية الاستراتيجية، كونه دولة قريبة من دول الخليج العربي والجزيرة العربية التي ترتبط بمصالح استراتيجية مع أميركا والدول الأوروبية، إضافة إلى أن العراق أصبح مرتكز قوة اقتصادية حيث الموانئ التجارية المهمة التي تربطه بالعالم الخارجي مثل ميناءي البصرة وشط العرب، ولذلك كان العراق ولا يزال محل أطماع الدول المجاورة له وبخاصة إيران التي ظهرت أطماعها واضحة وجليّة بعد الغزو الأميركي وانسحاب القوات الأميركية من العراق، وبذلك أصبح الوضع سانحاً لإيران لمد نفوذها إلى العراق وتقوية الميليشيات الشيعية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج واليمن وسوريا ولبنان، وأصبح العراق دولة ممزقة نتيجة الفسيفساء التي أوجدها الانسحاب الأميركي منها.
وتضاعفت أهمية العراق أكثر بسبب أن إيران، وفي هذا الوقت بالذات، تقع تحت طائلة العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترمب عليها بسبب قلاقلها في المنطقة وصناعتها الصواريخ الباليستية. لذا نجد أن كل هذه المعطيات جعلت الإدارة الأميركية، مصرة على زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران بحجة أنها أصبحت الدولة الكبيرة الداعمة للإرهاب في المنطقة وفي كل أنحاء العالم.
كما جاء حادث الاعتداء على أربع سفن تجارية في ميناء الفجيرة، وبعد ذلك العمل الإرهابي الذي استهدف مضختي نفط في السعودية بطائرات من دون طيار مفخخة وتبنته ميليشيات الحوثي المدعومة من طهران، لكي يزيدا الأمور تعقيداً. وأفردت وسائل الإعلام مساحات مطولة من تغطياتها للهجوم على المنشآت النفطية. وهذان الحدثان هدف إيران منهما جس نبض التهديد الأميركي لإيران، وفي الوقت نفسه رسالة تريد إيران إيصالها إلى أميركا وإظهار قوتها، وأعقبهما تصريح من وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، لكي يؤكد ما نذهب إليه حيث هدد فيه دول الخليج العربي، وما تضمنه أيضاً أن العراق سوف يصبح دولة تتبع الإمبراطورية الفارسية.
من هنا أصبح الوضع أكثر تعقيداً، وأصبحت إيران تلعب بالنار التي قد تحرقها.
5 النهج الإيراني في الهجوم على العرب رضوان السيد الشرق الاوسط السعودية

بينما كانت الاستعدادات الحربية الأميركية تتصاعد في المنطقة، للمعلومات التي امتلكتها الأجهزة الأميركية عن النيات الإيرانية شنّ هجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها؛ قامت إيران بهجومين: الأول ضد أربع سفن بميناء الفجيرة بدولة الإمارات العربية، والثاني ضد مرفقين بتروليين سعوديين. وهذا تحدٍّ كبيرٌ للدول العربية والولايات المتحدة. وهو الأمر الذي ما كتمته إيران منذ البداية عندما قال المسؤولون الإيرانيون: إذا لم تستطع إيران تصدير بترولها، فلن يتمكَّن أحدٌ من ذلك! وكان الأميركيون قد توقعوا أن تحصل هجماتٌ إيرانية مباشرة أو بالواسطة في البحر ضد الملاحة في مضيق هرمز وخارجه، كما توقعوا أن تشكل ميليشيات الحشد الشعبي التي زوّدها الإيرانيون بالصواريخ تهديداً أيضاً. وهناك توقعاتٌ الآن أن يأتي مسؤول أميركي إلى لبنان للإنذار بوجود خطرٍ من «حزب الله»، كما ذهب بومبيو إلى العراق للغرض نفسه.
يشتبه الأميركيون إذن، وهم يحاولون إحكام الحصار على إيران، بأن الإيرانيين سيردّون بالقيام بأعمالٍ مسلَّحة: ضد وجودهم في العراق وربما في لبنان، وضد الملاحة الدولية في موانئ الخليج وممراته. إنما الذي حصل حتى الآن الإغارة على جهتين عربيتين. والمعروف منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، أنه ليست لدى إيران جهة عربية معصومة من القيام باختراقاتٍ أو عملياتٍ ضدها في سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها ومجتمعاتها ومواطنيها. ولا فرق في ذلك بين مشرقٍ ومغرب، وإن كان تخريبها في المشرق والخليج أكثر فظاعة وظهوراً. وقد سلكت في ذلك ثلاثة مسالك: الأول، بناء جماعات من الأقليات الشيعية في سائر الدول حتى تلك التي لا يكاد يوجد فيها شيعة. وقد تنوعت المهام الموكولة إلى تلك الجماعات من اغتيال الخصوم إلى العمل ضد السلطات، ومحاولة الاستيلاء على السلطة عندما تقدّر أنَّ ذلك ممكن. وقد نشرت الأجهزة الأميركية قبل يومين صوراً لمعسكر تدريبٍ في لبنان لعناصر من لبنان والخارج يدربهم «حزب الله» و«الحرس الثوري» للقيام بأعمال تخريبية. وقد حدث ذلك في البحرين والكويت ولبنان واليمن ومصر، وربما كان الهجوم على السفن في بحر دولة الإمارات عملاً من هذا النوع قام به مخربون قادمون من إيران أو بأوامرها.
والمسلك الثاني، تجنيد جماعات سُنية بالاستهواء العقائدي أو التجاري للقيام بهجمات أو اغتيالات، أو أعمال غير مشروعة مثل الاتّجار في المخدرات أو غسل الأموال أو أعمال الجرائم والقرصنة. والظاهر البارز في ذلك المتعاقدون السياسيون أمثال «حماس» و«الجهاد الإسلامي». لكنّ هناك جماعات فلسطينية أُخرى في سوريا ولبنان لا تحمل شعارات إسلامية، وتقوم بأعمال تخريبية تُكلَّفُ بها. إنما الأكثر لفتاً للانتباه ما أمكن للأجهزة الإيرانية القيام به في العقدين الأخيرين، من توجيه وإعادة توجيه لتنظيماتٍ إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش». ذلك معروف عن «القاعدة» منذ مدة، أما «داعش» ففي السنتين الأخيرتين بعد ازدياد التعاون بين أجهزة الاستخبارات التركية والإيرانية. والذي أراه، واستنتاجه غير صعب: أنّ الهجمات الأخيرة في السعودية وبعضها من إرهاب «داعش» و«القاعدة»، وبعضها الآخر من الإرهاب الشيعي؛ كل ذلك موجَّهٌ من إيران. تماماً مثلما وُجَّه الحوثيون (رغم انهماكهم مع الشرعية في مفاوضات في الحديدة وفي الأردن، وأنه لا مصلحة لهم في التصعيد). وتماماً مثلما وُجّه التنظيميون الغزاويون («الجهاد الإسلامي» هذه المرة) للقذف باتجاه إسرائيل، وذهب ضحيةَ ذلك أكثرُ من مائة قتيل وأدى إلى خرابٍ كبير. وعندما قلت لأحد مؤيدي «الجهاد»: إيران دفعتكم، وماذا استفدتم وقد مات مَن مات؟! فأجاب: «لكنّ هناك 6 إسرائيليين قُتلوا وآخرين جُرحوا، ونحن حلفاء إيران من زمان ولا نقاتل ونقتل إلا في فلسطين»! فالواضح أنّ تفجير السفن والضرب في السعودية والتصعيد في اليمن وإزعاج إسرائيل؛ كل ذلك من ضمن الرد الإيراني على العقوبات الأميركية. والذي قد يمتد إلى البحر الأحمر وباب المندب، وإلى مواطن أخرى على الأرض.
أما المسلك الثالث، فهو مسلك سياسي. ففي الوقت الذي تُموِّلُ فيه إيران في البلدان العربية والإسلامية التي فيها شيعة قيامَ أحزاب طائفية مسلَّحة وغير مسلَّحة، تلعب في البلدان العربية المختلطة بين السُّنة والمسيحيين أيضاً. وبالنظر إلى الضيق والضعف من جهة (في العراق وسوريا مثلاً) والانتهازية (لبنان مثلاً)؛ فإنّ هؤلاء يتحولون إلى طابورٍ يزعزع سياسات دولته بحجة دعم المقاومة أو معاداة أميركا وإسرائيل، وأحياناً من دون حجة، وهو الأمر الذي حصل في العراق وفي لبنان في الانتخابات، وفي تشكيل الحكومات، وفي السياسات. ويبدو هذا التخاذُلُ الآن في مواقف عدة دولٍ عربية وإسلامية من الهجوم على الإمارات وعلى المملكة.
منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 صارت إيران تهديداً أكبر لأمن الدول العربية والإسلامية بسبب طموحات العقائد والنفوذ، والشحن بالأحقاد، والالتفات إلى التاريخ والمستقبل. وزادت الحربُ العراقية على إيران الأمورَ اشتعالاً. ولأنّ من طبيعة الأنظمة الدينية والعسكرية – الأمنية أن تعوّض فشلها في الداخل بسياسات خارجية عدوانية؛ فإنّ سائر دول الجوار الإيراني عانت من تدخلات إيران وأجهزتها الثورية في أنظمتها وسيادتها ودواخلها ومجتمعاتها. وقد أطمعها في بعض الدول ضعفُ إداراتها (مثل لبنان والعراق بعد الغزو الأميركي)، وقدرتُها على استهواء الشيعة في العالم العربي، وحمْلُ لواء فلسطين، والتحالفُ العربي مع الولايات المتحدة التي تُعاديها. ولذلك، وكما ذكرتُ في المسالك الثلاثة، صارت لها مواطئ أقدام في عدة أمكنة ودولٍ عربية وبالترهيب قبل الترغيب. وهذه مشكلة كبرى أدركْنا هولها الهائل بعدما حصل في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وبخاصة في فترة انجذاب أوباما باتجاه إيران.
إنما في كل تلك السنوات، ورغم استخدام سائر «الأحزاب الإلهية» و«القاعدة» و«داعش»؛ فإنّ دول الخليج بقيت مستقرة ولم ينل منها التهديد الإيراني، ولا حدثت فيها اختراقاتٌ يمكن أن تؤثر سلباً إلاّ لجهة اليمن.
ونحن الآن على عتبة موجة مرتفعة من موجات التوتر الأميركي – الإيراني. والواضح منذ البداية أنّ إيران لن تركّز على إسرائيل، ولن تجرؤ على الهجوم (ولو غير المباشر) على الآلة الحربية أو المصالح الحيوية الأميركية؛ بل ستركّز جهدها وبأشكالٍ مختلفة على زعزعة أمن الخليج، والتأثير على إنتاج النفط وتصديره. فنحن محتاجون الآن إلى تضامنٍ عربي قوي من حول الخليج، وآخر إسلامي في قمة مجلس التعاون. وقد أدركت المملكة ذلك منذ سنواتٍ ودخلت في مشروعاتٍ للتحالف الإسلامي والعربي. والعلاقات جيدة ليس مع الأميركيين وحدهم بل ومع الروس والصينيين. ولذلك لا بد من إظهار أوضح للقدرات الدفاعية والسياسية والدبلوماسية – أو تزداد مخاطر الانقسامات وعدم الاستقرار تحت وطأة الإحساس بالضعف أو بالاختلال. الولايات المتحدة سياساتها متقلبة. وإيران تركّز علينا، فينبغي أن نُظهر لها العين الحمراء بأنفسنا وليس العين الحمراء الأميركية وحسب.
6 الحياد الإيجابي.. خطة للطوارئ في العراق
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

الولايات المتحدة تحث الخطى نحو تسريع إجراءاتها لأنها غير قادرة على استيعاب الإيقاع البطيء ولا مبالاة مصادر السلطة في العراق، لذلك لجأت إلى أسلوب التبليغ المباشر عن طريق أعلى سلطة دبلوماسية تبلورت في زيارة وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى بغداد وطرحه لما بين يديه من معلومات استخباراتية عن تموضع وتنقل المقاتلين في الميليشيات التابعة للحرس الثوري مع بطاريات الصواريخ الباليستية، رغم أن هذه المعلومات ليست جديدة وسبق أن أشارت إليها إسرائيل، وأبدت احتمال استهدافها بسلاح الجو أو الصواريخ. أعقب ذلك تفاهمات مع الإدارة الأميركية لتأجيل أو استثناء الساحة العراقية من ملاحقة نشاطات الحرس الثوري، واقتصارها مؤقتا على الأهداف الإيرانية في سوريا.

السفارة الأميركية في بغداد خفّضت من أعداد موظفيها وأجْلتْ الأكثرية منهم إلى خارج العراق بمن فيهم العاملون في قنصليتها بإقليم كردستان، وعلّقت الولايات المتحدة برامج تدريبها للقوات العراقية وقوات البيشمركة حسب ما صرّح به الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار ياور، ثم عادت السفارة وفحصت صفارات الإنذار بالتزامن مع إعلان القيادة المركزية الأميركية رفع التأهب إلى الدرجة القصوى، لكنّ المسؤولين في العراق، كما يبدو، ليسوا في عجلة من أمرهم لقراءة مخاطر الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، وما يمكن أن تتركه من مصاعب أمنية واقتصادية وسياسية على العراق، ولو من باب توقع الأسوأ.

ألمانيا بادرت إلى استشعار الاحترازات الأميركية بإيقاف الواجبات التخصصية لأكثر من 120 من جنودها المتعلقة بتدريب مجموعات من القوات النظامية وتستعد لترحيلهم. هولندا هي الأخرى علقت مهام بعثتها الدبلوماسية، يضاف إليها تعليمات متواترة عن استجابات التحالف الدولي للالتحاق بخطة الطوارئ الأميركية لحماية المصالح والشركات والدبلوماسيين، علما أن أصداء إجلاء الموظفين ترددت أيضا في السفارات الأميركية في لبنان وكازاخستان وبعض دول الخليج العربي، إضافة إلى تنبيه المواطنين المتواجدين في المناطق الساخنة وتحديدا في العراق للمغادرة. في مثل هذه التحضيرات الجادة انتقدت لجنة الأمن والدفاع النيابية في مجلس نواب العراق واشنطن لمطالبتها بإخلاء الموظفين في سفارتها مؤكدة أن مبنى السفارة مؤمّن تماماً.

السلطات في العراق عموما، من الرئاسات الثلاث إلى الأحزاب والكتل السياسية وحتى وزارة الخارجية، تتحدثُ عن “الحياد الإيجابي” في الموقف من المواجهة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني في استعادة لذاكرة المنظمة التي جمعت في خمسينات القرن الماضي دول العالم الثالث بفكرة عدم الانحياز لأحد المعسكريْن الرأسمالي أو الاشتراكي، حيث اختارت الحياد لخلق التوازن أو الدفء على ضفتيْ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكان لتلك المنظمة أو المرحلة قادتها الذين ساهموا في خلق مناخات احترام لدورها، ثم ذوت برحيلهم وبتغير الوقائع وما طرأ على العالم من انفتاح نحو الاقتصاد الحر.

السفارة الأميركية في بغداد خفّضت من أعداد موظفيها وأجْلتْ الأكثرية منهم إلى خارج العراق بمن فيهم العاملون في قنصليتها بإقليم كردستان، وعلّقت الولايات المتحدة برامج تدريبها للقوات العراقية وقوات البيشمركة

الحياد الإيجابي للسلطات في العراق يتنافى مع منطق الولاء لولاية الفقيه، فتشكيل حكومة عادل عبدالمهدي مثال قريب لميول ميزان القوى إلى النظام الإيراني، عدا عن اصطفافات النظام السياسي طيلة سنوات الاحتلال رغم أنه وصل إلى الحكم متعلقاً بأذيال سرفات الدبابات الأميركية. لذا فإن ما يقال عن عدم تهديد فصائل الحشد الشعبي للمصالح الأميركية لأنها ليست بمعزل عن موقف الدولة وتأتمر بصلاحيات رئيس الوزراء، تفنده سيطرة فصائل الحشد على مقاليد السلطة في البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية وسلطة القضاء ولم تعد تقتصر على حملة السلاح، إلا إنها في المحصلة تشكل نظاماً خاضعاً بنسب متفاوتة في أهوائه لنظام الملالي.

الولايات المتحدة جربت مزاج فصائل الحرس الثوري سواء في محاذير الاستهداف الأمني، ومنها ما تأكد في استحضارات زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى قاعدة عين الأسد ليلا وما أثير حولها من جدل، أو في تزايد مطالب الحشد البرلماني لمناقشة استصدار قانون لإخراج القوات “الأجنبية” من العراق في هذا التوقيت الحرج، متجاهلين ومؤجلين موقفهم من تداعيات الصراع بين الطرفين على شعب العراق.

الاسترخاء في سياسة المسؤولين العراقيين لا تقترب منه إلا تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي من أن الحرب لن تقع، وأن الصراع يرتبط بالإرادات وبالحرب النفسية، رغم أن الحقيقة بين يديه وملء سمعه وبصره. فالقيادات في الحرس الثوري تصف الوضع في إيران بشفا الحرب أو بما قاله الرئيس الملا حسن روحاني عن الحرب حين قارنها بما يتجاوز نتائج حرب الثماني سنوات مع العراق.

لكن الأكثر دقة في تناول أزمة النظام الإيراني وخرافة قدراته العسكرية ما ورد على لسان وزير التعليم الإيراني، محمد بطحائي، حين قال إن “14 مليون طالب إيراني جاهزون للقتال عند اندلاع الحرب”، بمعنى أن رهانهم على أعداد المقاتلين ومن بينها خروقات تجنيد الأطفال الصغار في دلالة على تخلّف الفكر القتالي للقوات الإيرانية، التي مازالت ترى إمكاناتها في الحرب البرية وصنف المشاة والدفع بالمتطوعين. ولذاكرة الحرب مع العراق شجون لا تغتفر لذات قيادات الملالي لعدم مبالاتهم بالفتيان المغرّر بهم بمفاتيح جنة الخميني عندما حاول فتح حقول الألغام بأجسادهم الغضة.

جاء الدور الآن على المرشد خامنئي ليلقي بهم إلى أتون جبهات مجهولة في حرب يظنها لن تقع، ربما لديه خبرها، رغم أن سعيرها عند حافة كرسيه، لكن هذه المرة برفقة الأرقام السرية لهاتف الرئيس دونالد ترامب وعلى توقيت الساعة السويسرية التي تضع النظام الإيراني عند مدخل بوابة إعادة المفاوضات، ومواجهة الكشف عن البرنامج السري النووي الذي طالما هدد به خامنئي وحرسه والرئيس روحاني بإمكانية النهوض به لإنجاز نسبة 50 ألف جهاز طرد مركزي، وبتخصيب يورانيوم يتجاوز الـ20 بالمئة في وقت قياسي إذا تطلب الأمر ذلك. هل أصبح الحديث عن “الحياد الإيجابي” قاربا لأتباع ولاية الفقيه لعبور الأزمة؟ قارب قد لا ترضى به الولايات المتحدة، وربما لا ترضى به حتى ولاية الفقيه في محنتها لأن الوقت نفد من بين يديها.

7 إيران واستراتيجية التصعيد غير المباشر
سلام السعدي
العرب بريطانيا
إذا كان الغموض قد أحاط بحادثة تعرّض أربع سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، لعملية تخريب قرب ميناء الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أظهر استهداف محطتي ضخ للنفط شرقي المملكة العربية السعودية في اليوم التالي الطرف المدبر للعمليتين معا. تبنّت جماعة الحوثيين استهداف محطات ضخّ النفط باستخدام طائرات موجهة من دون طيار. وقد جاء التصعيد الحوثي في ظل بدء عمليات الانسحاب المزعوم للجماعة من ميناء الحديدة، أي في ظل تقدّم مفترض في محادثات التسوية في اليمن، وهو ما كان من المنتظر أن يترافق مع تهدئة العمليات العسكرية لا مع رفع نسقها بهجوم غير مسبوق.

ليس من العسير، إذن، الإشارة إلى إيران باعتبارها الطرف المسؤول عن تخطيط وتنفيذ العمليات تلك، وهو ما يمثل استراتيجية إيرانية جديدة للرد على العقوبات الاقتصادية وعلى منعها من تصدير النفط، وذلك بزعزعة استقرار سوق النفط وإثارة المخاوف الأمنية في المنطقة.

بعد الهجوم قرب ميناء الفجيرة، شكك بعض المراقبين في مسؤولية إيران، إذ بدا أنه من الحماقة قيامها بمثل ذلك الهجوم في ظل التصعيد الأميركي وقرع طبول الحرب من قبل واشنطن على مدى الأسبوعين الماضيين. إذ قامت الأخيرة بتوسيع العقوبات الاقتصادية ومنع تصدير الفولاذ والرصاص الإيرانيين، إلى جانب النفط. الأهم تمثل في إرسال تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط، تضمنت حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” وخمس سفن حربية أخرى. كما وردت تقارير عن خطط أميركية لنشر 120 ألف جندي أميركي في حال تطلبت التطورات ذلك.

هكذا، كان من الغريب بعض الشيء أن يأتي الهجوم الإيراني قرب ميناء الفجيرة بالتزامن مع استعراض العضلات الأميركي ذاك. ولكن التصعيد غير المتوقع هو سياسة إيرانية قديمة برزت منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وتستمر حتى اليوم. تعتبر أزمة الرهائن بين طهران وواشنطن في العام 1979 أحد الأمثلة على تلك السياسة الإيرانية، إذ جرى اقتحام السفارة الأميركية واعتقال 52 أميركيا، في مرحلة كانت القيادة الإيرانية قد وصلت فيها للتوّ إلى السلطة وتحتاج، نظريا، إلى تثبيت الاستقرار وإضفاء شرعية دولية على النظام الجديد. ولكن التصعيد هو وسيلة طهران المفضّلة لخلق الاستقرار وإحكام سلطتها في الداخل.

التصعيد الذي تقوم به طهران يساعد على تحشيد الرأي العام الداخلي خلف القيادة الإيرانية

لن تقف إيران، إذن، صامتة على تشديد العقوبات الأميركية ومنعها من تصدير النفط، بل من المرجح أن تقوم بسلسلة ردود مدروسة ومحدودة. وقد جاءت أولى خطوات التصعيد بإعلان عزمها رفع سقف إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة ردا على عدم التزام الولايات المتحدة بالاتفاق النووي. وأعطت إيران للأوروبيين مهلة شهرين لتقديم اقتراحات تخفف الحصار عن القطاعين النفطي والمصرفي، مهددة بالانسحاب من الاتفاق.

تمثّلت ثاني آليات التصعيد الإيراني بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لنقل النفط. ويمر عبر المضيق حوالي ثلث إمدادات النفط العالمية. وتكمن المفارقة في أن أهمية المضيق القصوى تلك تجعله ورقة ضغط استراتيجية غير قابلة للاستخدام من قبل إيران. تدرك طهران تماما أن إقدامها على إغلاق مضيق هرمز سوف يتسبب في تحشيد دول العالم ضدها، وفي تصاعد احتمالات العمل العسكري.

هكذا، كان على إيران أن تجد استراتيجية تصعيد بديلة تتسبب في زعزعة استقرار كل من سوق النفط العالمي والوضع الأمني في المنطقة، ولكن من دون القدرة على تحميلها المسؤولية المباشرة عن ذلك. ويبدو أن الهجمات الأخيرة قرب ميناء الفجيرة وعلى منشآت النفط السعودية تأتي في سياق هذه الاستراتيجية.

ليس مستبعدا إذن أن تواصل طهران التصعيد في المنطقة من خلال توظيف الميليشيات التابعة لها لتنفيذ هجمات محدودة ضد دول إقليمية بصورة خاصة، ولكن أيضا ضد أهداف أميركية تختارها بعناية. قد تحرك طهران مجموعات جهادية تنشط في المنطقة لتحقيق أهدافها تلك، وذلك من خلال تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لها. استخدمت إيران تلك الاستراتيجية في العراق، حيث دعمت الهجمات على القوات الأميركية بالشراكة مع النظام السوري الذي كان ينظم رحلات الجهاديين إلى العراق.

هكذا يمكن فهم طلب الولايات المتحدة، قبل أيام، من جميع موظفيها غير الأساسيين مغادرة سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل، مبررة ذلك بوجود “تهديد وشيك على صلة مباشرة بإيران”.

وأخيرا، يساعد التصعيد الذي تقوم به طهران على تحشيد الرأي العام الداخلي خلف القيادة الإيرانية. يمكن ملاحظة أنه وفي حين تبدو نبرة الخطاب الإيراني الموجه للعالم معتدلة نسبيا وتنحو نحو “ضبط النفس”، اتخذت الخطابات الداخلية بعدا تحشيديا واضحا. قبل أيام، توقّع الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، قرب حدوث “مواجهة شاملة مع العدو”. تبدو عسكرة الوضع الداخلي وتحشيد الرأي العام ضد “العدو الخارجي” أفضل وسيلة لكتم الأصوات المعارضة والتخفيف من حجم النقمة الشعبية على التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي.

8 تحديات حالة الحرب الدائمة في الخليج العربي وحوله
د. خطار أبودياب
العرب بريطانيا

تلاحقت الأزمات والحروب في منطقة الخليج منذ بداية الثمانينات، وواجه الأمن القومي للدول العربية المعنية اختبارات متنوعة، وحاليا يتعاظم التحدي على ضوء التطورات التي شهدها الأسبوع الماضي من الاعتداء على السفن التجارية قبالة ميناء الفجيرة، إلى استهداف منشآت النفط السعودية.

أيا كانت السيناريوهات في وضع فيه كثير من التهويل وتصعيد في التوتر واحتمال محدود في الانزلاق إلى حرب خاطفة أو مواجهة شاملة، فليس هناك ما يطمئن في الأداء الأميركي إزاء التجرؤ الإيراني على الاستفزاز وضرب الجوار بشكل مباشر أو عبر أدواتها ووكلائها وخلايا الإرهاب النائمة التي تأمرها طهران أو تتبادل معها الخدمات. وما يزيد من الحذر أن أطراف اللعبة الدولية التنافسية فوق بحيرة النفط العالمية وممرّ الطاقة الرئيسي لا يأخذون بعين الاعتبار المصالح العربية ويتغاضون، بشكل أو بآخر، عن الدور الإيراني المزعزع للاستقرار والمهدد لشريان الاقتصاد العالمي.

من هنا تعتبر الأشهر القادمة مرحلة حساسة، لأن إيران ستعمل من الآن إلى يونيو 2020 (موعد بدء الحملة الانتخابية الرئاسية في واشنطن) على كسب الوقت بالابتزاز أو بالتفاوض “المسرحي” مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، إن بشكل مباشر أو عبر وسطاء من وراء الكواليس، وذلك للحفاظ على مكاسبها ومنع الانفجار الداخلي. وهذا يعني استمرار الانكشاف الاستراتيجي العربي في ظل التهديد المتمادي من على الضفة الأخرى للخليج إلى اليمن ومجمل المشرق.

لذا يطرح البعض أهمية قيام منظومة أمن إقليمية (دون الاستغناء عن رافعة مجلس التعاون الخليجي) ويمكن أخذ “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” التي تأسست وفق مسار هلسنكي عام 1973 في عز الحرب الباردة كنموذج لإمكانية تنظيم الاختلافات واحترام المصالح وسيادة الدول. لكن الوصول إلى ذلك دونه عقبات كأداء أبرزها طبيعة النظام في طهران ودائرة صنع القرار فيه، وبناء على التجارب السابقة للمملكة العربية السعودية معها منذ حقبة علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى حقبة محمود أحمدي نجاد.

ولذلك فإن العلاقة الإلزامية والحيوية مع واشنطن، بالرغم من تقلبات الإدارات وخصوصية ظاهرة ترامب، ليست كافية لتأمين ضمانات آنية ومستقبلية، ويستلزم الوضع تطويرا في تنويع العلاقات مع اللاعبين الدوليين الأساسيين من الصين إلى روسيا والدول الأوروبية والآسيوية الفاعلة، من أجل نسج شبكة أمان لأن المسألة لا تخص قط الدفاع عن دول بعينها، بل تمس الاقتصاد والأمن العالمي.

دفع العرب أثمانا باهظة من “حالة الحرب الدائمة” التي تسود عمليا منذ حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية- الإيرانية بين 1980 و1988) إلى حرب الخليج الثانية (1990 -1991) إثر غزو الكويت، وحرب الخليج الثالثة في العام 2003 إثر الحرب على العراق وما تلا ذلك، وصولا إلى تفاقم التدخل الإيراني في العالم العربي وأزمة الملف النووي الإيراني والحرب ضد الإرهاب بعد نشأة تنظيم داعش في 2014 وكذلك الحرب اليمنية في السنوات الأخيرة.

خلال مرحلة طويلة منذ الستينات على الأقل، ارتبطت السياسة الخارجية الأميركية بالثوابت الآتية؛ حماية دولة إسرائيل وتأمين تدفق واردات المحروقات وحديثا الحرب ضد الإرهاب. وأتى تقييم إدارات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالانسحاب تدريجيا من المنطقة نظرا للاكتفاء الأميركي بعد إنتاج الغاز والنفط الصخري، ولأن المسرح الأساسي لإعادة تركيب النظام الدولي يستدعي وجودا أقوى في آسيا والمحيط الهادي. وفي هذا الإطار كما في التفاوض مع إيران على الملف النووي جرى إهمال أو تغييب الأطراف العربية المعنية.

لم تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر بالنسبة لصاحب القرار في واشنطن الذي اضطر أو ارتأى -بعد إتمام الانسحاب العسكري من العراق في 2011- إعادة الانتشار في صيف 2014 لمحاربة الإرهاب، وسرعان ما امتد ذلك إلى بعض المناطق في سوريا وتعزيز هذا الوجود في الكثير من البلدان.

وأدى ذلك إلى استمرار الانخراط الأميركي، ولكن ليس بالضرورة بنفس الزخم، إذ في مجمل الحصاد لحروب الولايات المتحدة لم تدعم واشنطن هيمنتها وصدقيتها بشكل مديد، بينما كسبت إسرائيل وإيران وتركيا من انهيار النظام الإقليمي العربي، واستخدمت واشنطن الهواجس العربية واستثمرت في الضعف العربي البنيوي. بالطبع هذا لا يلغي المسؤوليات الذاتية ويفرض إعادة ترتيب الأوراق العربية وما تبقى من عناصر القوة اقتصاديا واستراتيجيا وسياسيا، قبل فوات الأوان حتى لا تكون الأطراف العربية الخاسرة فعليا في حالات الحرب والسلام أو اللاسلام واللاحرب.

يتساءل البعض، عن حق، هل يخدع ترامب العرب؟ ويعود البعض الآخر إلى ترديد نظريات “تآمر” أو “تواطؤ” الجميع من غربيين وفرس وإسرائيليين ضد العرب. لكن القرار السياسي يتوجب أن يستند إلى جملة معطيات واقعية عن فهم موازين القوى العالمية وأولوية المصلحة الوطنية وربطها بالتحالفات الفعالة والاستثمار في المكان المناسب، لأن الدول سواء كانت كبرى أو متوسطة أو صغرى، ليست جمعيات خيرية وهي تلعب من أجل مصالحها في المقام الأول.

إزاء التصعيد الدائر على ضفاف الخليج يبرز حذر أوروبي من مخاطر اندلاع نزاع واسع نتيجة سياسة حافة الهاوية وإمكانية اندلاع حرب غير مقررة نتيجة خطأ في التقدير أو بعد تهور إيراني مباشر أو عبر الوكلاء ردا على ما تعتبره محاولة خنق اقتصادي تمارسه واشنطن.

ويضاعف القلق الأوروبي أسلوب ترامب في التصعيد والتفاوض، إذ يقول مصدر فرنسي “حتى الآن فشلت طريقة التفاوض مع كوريا الشمالية والصين، أما مع إيران فإن السقف العالي للمطالب يقلص هامش المناورة، لأن التفاوض العقاري في نيويورك يختلف عن التفاوض مع الدول”. ويرافق هذا التشكيك تخوفٌ من اهتزاز الاستقرار الإقليمي والدولي.

بيد أن أوروبا “القطب الدولي الخاسر إزاء دومينو ثلاثي أميركي- صيني- روسي” وجدت نفسها ما بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني منذ الانسحاب الأحادي الأميركي من الاتفاق النووي، وفشلت الآن في منع إيران من بدء التملص من الاتفاق النووي، وقد استدعى كل ذلك بدء تحييد روسيا عمليا لنفسها من خلال تصريح الرئيس فلاديمير بوتين عن عدم الاستعداد للعب دور فرقة الإطفاء في السجال الأميركي- الإيراني.

أما طهران ومن خلال جولة محمد جواد ظريف إلى اليابان والهند والصين، فتسعى بعناء لعدم تضييق الخناق الاقتصادي عليها. وتتحدث على لسان مرشدها عن عدم وقوع الحرب وترفض التفاوض حتى الآن. إن ذلك يقود إلى مأزق التوتر المستديم وحالة الحرب من دون حرب، ويستمر استنزاف الطاقات العربية في حروب وكلاء إيران، وستكون أي مواجهة على أرض العرب وعلى حساب شعوبهم ودولهم.

منذ قرار وقف التصدير الجزئي للبترول العربي إثر حرب عام 1973، قررت واشنطن وضع هذه المنطقة على قائمة أولوياتها، وصولا إلى دخول بغداد في 2003. وارتبط ذلك بالملف العربي- الإسرائيلي من “كامب ديفيد” إلى مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو. وهذه المرة يجري ربط المواجهة المقننة مع إيران، أو التخفيف الشكلي لنفوذها بما يسمى إطلاق “صفقة القرن”، أي تصور فريق ترامب للحل النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إنه منعطف حساس إذ أن الاعتراض الأوروبي غير مؤثر ومن على رؤوس الشفاه، بينما توجد اتصالات أميركية- روسية- صينية لبلورة توافق حول الموضوع وتوزيع المصالح ومناطق النفوذ.

يضع هذا التصعيد الخليج العربي على صفيح ساخن ويزيد من التحديات لأمنه الاستراتيجي في هذا المنعطف الحرج، حيث يتوجب التذكير بأن نهاية الحرب الباردة تزامنت مع حرب الخليج الثانية وتأكيد الأحادية الأميركية، فهل يقود التصعيد الحالي إلى تشكيل الثلاثي الدولي الأقوى من دون حرب، أو يستدعي الأمر مواجهات متفرقة وتنفيس الاحتقان لتسهيل ترسيم الحدود والصفقات.