مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1
على خرائب الموصل
مشرق عباس
الحياة السعودية

في العادة لا يحطّم الخلاف على منصب محافظ مدينة التحالفات السياسية العراقية التي شيدت على أساس صفقات أكبر بكثير من منصب محافظ، لكن ذلك حصل أخيراً مع تفجر الصراع بين القوى العراقية حول منصب محافظ نينوى بعد إقالة محافظها السابق وصدور أوامر اعتقال بحقه، وكان الأمر كفيلاً بشق تحالف “المحور” الذي يضم قوى سنية في كتلة “البناء” وانطلاق الاتهامات المتبادلة ببيع المناصب والمدينة.

ليس الأمر أن ثمة اعتراضا على محافظ نينوى الجديد بحد ذاته، فالأسماء لا تشكل أهمية كبيرة في هذا المجال، بل إن المشكلة تكمن في التعهدات والاتفاقات التي مررت بتمريره، والقوى التي وقفت خلف تنصيبه، والأثمان التي تنتظرها من هذا التنصيب.

ولكن.. كيف لمحافظ مدينة محطمة ما زالت تعاني آثار الحرب، فيما نصف سكانها ما زالوا خارجها مهاجرين ولاجئين، أن يزلزل العملية السياسية العراقية برمتها، ليس على صعيد التوازنات السنية – السنية فقط، بل جوهر صفقات تشكيل الحكومة العراقية والتحالفات التي شيدت على أساسها؟

الجواب.. نعم، بإمكانه أن يفعل ذلك، ليس لأن الموصل التي لم تُمنح ربع موازنتها، ولم تُمد لها اليد لتضميد جراحها، تمتلك عرشاً من السلطة والنفوذ، بل لأن خرائبها وآهات أطفالها، وحسرات سكانها الذين لم تغادر رائحة البارود أرواحهم، هي الفرصة المواتية الدائمة لتعظيم موارد الشركات الحزبية العراقية.

و.. نعم، الصراع محتدم بقسوة، وقد تستخدم فيه كل الأسلحة، لأن الموصل تنتظر تنفيذ عشرات من الدول والشركات تعهداتها بتقديم مبلغ 30 بليون دولار تتكون من منح واستثمارات وقروض خصصها مؤتمر الكويت 2018 لإعمار المدن المدمرة بعد حرب “داعش”، وما زالت تأمل باستقرار سياسي يمرر قرار الإعمار المعترض على تمريره.

وهذا الحال في العراق.. فعندما اختير أخيراً محافظ بابل بالطريقة نفسها، كانت القوى قد تبادلت الاتهامات بشراء المنصب، ومع ذلك اتفقت في النهاية، وأغلب الظن لأن بابل ليست صيداً مالياً كبيراً في الوقت الحالي تحطّم من أجله العروش، وبالتأكيد لن تكون واسط كذلك، ولا حتى بغداد التي تغيرت حكومتها بالجدل والاتهامات والاعتراضات نفسها، ومن ثم أُغلقت القضية.

وعندما تكون الموصل “صيداً” فمن المبرر أن تتجه القوى ليس إلى تحطيم توازناتها المصلحية في الحكومة، بل إلى التهديد بتغيير رئيس البرلمان المعترض، وإلى تدخل قوى شيعية وكردية وسنية من خارج الموصل في تحديد مصيرها.

المفارقة.. أن المعركة المتواصلة تتم على منصب من المفروض أن صلاحيته القانونية انتهت قبل أكثر من عام بنهاية العمر القانوني للحكومات المحلية في العراق، وأن هناك شكوكاً دستورية جادة في الطريقة التي استخدمت لتمديد إعمار مجالس المحافظات، وثمة مساع لتحديد موعد جديد للانتخابات المحلية، وبهذا المعنى فإن عمر المنصب المتنازع عليه قد يكون شهوراً فقط!

.. “حتى لو كان عمر المنصب شهراً واحداً فقط” هكذا سيرد الجميع، فالموضوع لا يتعلق فقط بصفقات الإعمار المنتظرة التي قد يطول انتظارها، بل بالطرف الذي سيمسك السلطة في الموصل وقت إجراء الانتخابات فيها، والذي يمكن من أجله تعطيل خطط إعمار المدن المنكوبة.

أن يمنع أهالي الموصل من ممارسة أبسط حقوقهم بتحديد محافظ لمدينتهم، وأن يتم التلاعب بمصائرهم وتحويل قضية إعمار منازلهم إلى صراع سياسي وحزبي بدلالات إقليمية ودولية، فذلك جوهر الفساد الذي يطالب الجميع بمكافحته.

وأخيراً كان “المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق” الذي شكّله رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، قد طلب من الطاعنين بنزاهة القوى والأحزاب والشخصيات السياسية العراقية أن يقدموا أدلتهم أو تتم ملاحقتهم قضائياً، فيما لسان حال الناس يقول: “تجدون دليلاً في عرش على خرائب الموصل”، وآخر في عرش خرائب البصرة، بل إن كل عرش على خرائب العراق دليل.

2 ماذا لو غدر بنا ترمب؟

عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط السعودية

عمد عدد من المهتمين بالشأن السياسي إلى التشكيك في الوقوف ضد إيران في الأزمة الحالية، بعضهم يرى في طهران صديقاً، وبعضهم من بلدان خارج دائرة الصراع، ولا يشعرون بالخطر. الأصوات المتشككة أقلية حتى الآن، على اعتبار أن المواجهة العسكرية مع إيران غير محسومة بعد.
من بين هؤلاء وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم. فقد غرد في «تويتر» ضد مواجهة إيران، وأن الأميركيين والإسرائيليين سيتفقون على حساب مصالح العرب، وأن دافع التصعيد وجود إيران في سوريا، وسيفعل الرئيس دونالد ترمب ما فعله الرئيس الذي سبقه، باراك أوباما، في اتفاقه النووي مع إيران، وأن دول الخليج سبق أن أيدته.
رأي حمد يعكس، ويخدم فقط، موقف حكومته المعادي لدول الخليج الأخرى، وحكومة قطر صارت صديقة لإيران. عدا عن ذلك، فهو، أيضاً، يلعب على الشك. ولو لعبنا على الوتر نفسه، لكان الأجدر بحكومة قطر ألا تستضيف القاعدتين العسكريتين الأميركيتين، اللتين تدفع ثمنهما غالياً أيضاً!
بالنسبة للموقف من إيران فإن دول الخليج، كلها بلا استثناء، نستطيع القول إنها لا تريد حرباً معها، ولا مواجهة، ولا حتى توترات سياسية. إنما إيران لم تترك لها خياراً كهذا. سعي إيران الدؤوب للتمدد والسيطرة يتمحور حول تطويق السعودية وبقية دول شبه الجزيرة العربية، العراق شمالاً واليمن جنوباً. وتمويلها لنشاطات عسكرية وإرهابية مسلحة مخطط ضد هذه الدول لم تتوقف طهران عن تنفيذه منذ بداية الثورة. وقد ارتفع مستوى التصعيد العسكري في السنوات الأخيرة. فاستولت على اليمن من خلال وكيلها الحوثي، مما أشعل الحرب، في نفس الوقت الذي أرسلت فيه قواتها وميليشياتها إلى سوريا والعراق.
ويقول حمد بن جاسم إنكم، يا سعوديين وخليجيين، «طبلتم»، أي امتدحتم الاتفاق. الحقيقة لم يمتدَح ولكن بالفعل صدر تأييد لاتفاق JCPOA بلغة عامة. موقف عقلاني تأييد أي اتفاق يقلص وسائل الحرب في ترسانة إيران، وخاصة أسلحة الدمار الشامل. تأييده ليس خطأً، فالاتفاق جيد لكنه ليس كافياً، ولا يشمل إلا السلاح النووي. دول الخليج أيدته واستمرت تدعو لمنع استخدام إيران الميليشيات في زعزعة المنطقة. وجاء دور الرئيس ترمب، وهو من عامين يحث الرئيس الإيراني حسن روحاني على التفاوض، ويذكره بأن هاتفه مفتوح. ترمب الآن يقولها بصوت أعلى في الوقت الذي يرسل أكبر قوة عسكرية أميركية للمنطقة منذ الانسحاب من العراق، وفي نفس الوقت الذي يحرم إيران من تصدير نفطها، سلعتها الاستراتيجية، وتتجه حاملة الطائرات العملاقة «يو إس إس إبراهام لينكولن» نحو الشواطئ الإيرانية تهديداً باستخدام القوة.
لماذا نؤيد ترمب؟ بصيغة مشابهة يسأل مستنكراً حمد بن جاسم، السؤال الأكثر صواباً، لماذا لا نؤيده. فطالما أنه يتفق معنا في الضغط على إيران ويدعوها للامتناع عن نشاطاتها العسكرية خارج حدودها، وتعديل الاتفاق النووي ليكون أكثر صرامة على سلاحها النووي، نؤيده فهي نفس مطالبنا. يقول حمد: «لكن ترمب سيفعل ما فعله أوباما، وسيوقع اتفاقاً يناسب إسرائيل فقط». أولاً، أوباما وقع اتفاقاً لم يناسب إسرائيل التي نجحت في إفشاله. ثانياً، بالنسبة لنا، ما هو أسوأ اتفاق يحتمل أن يتوصل إليه ترمب وروحاني؟ فعلياً، لم يبق هناك ما لم تفعله إيران، من تهديد دولنا، وتمكين الحوثي من صواريخ باليستية تصل إلى الرياض، والسعي للهيمنة على العراق. وأي اتفاق جديد قد يوقع عليه الإيرانيون سراً أو علناً لن يكون أسوأ من الوضع القائم. مثالياً، نأمل في أن يتوصل الطرفان، الأميركي والإيراني، إلى اتفاق ينهي التهديدات الإيرانية للمنطقة كلها وليست السعودية، أو الكويت، أو قطر فقط. وإذا فشل الضغط ونشبت الحرب، حينها نتطلع إلى أن تنهي القوة الوضع السيئ في إيران. أما إذا لم يوقَع اتفاق، ولم تقع حرب، فإن ما فعله ترمب حتى الآن، في حد ذاته إنجاز كبير، حيث يعاني النظام معاناة لم يجرب مثلها من قبل، وقد افتضحت هشاشته، لم يستطع أن يقنع أي دولة أن تشتري منه نفطه، ولا أن يبيع منتجاته من سجاد وفستق وكافيار. العبرة في الأزمة، أن يكون نظام طهران معتدلاً مسالماً مثل معظم الأنظمة في المنطقة وأن يتحول للتنمية والاستقرار.