1 رسائل «داعش» بعد الانهيار محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
مع انتهاء معركة الباغوز شرق سوريا، اختفى آخر عنوان لتنظيم «داعش»، وكثرت التحليلات والتكهنات حول مستقبله خاصة مع استسلام أعداد كبيرة من مقاتليه وظهور انهيارات معنوية واسعة في صفوفه، حرصت الجهات المختصة في العراق وسوريا البلدين اللذين نُكبا بشروره على الاستفادة منها إعلامياً كجزء من استراتيجية إضعافه.
في عالم السياسة هناك طرائق متعددة لتبادل الرسائل بين الدول بعضها عبر القنوات الدبلوماسية، وبعضها بطرائق أخرى قد تكون عبر وفد مبتعث أو مندوب خاص أو عبر دولة أخرى أو من خلال تسريب صحافي أو البريد الإلكتروني أو التغريد على «تويتر» بما يتناسب مع طبيعة الرسالة ودرجة أهميتها.
أما داخل الدول، فيتم تبادل الرسائل بين السلطات القائمة وبين القوى السياسية التي لها حضور في المشهد السياسي بوسائل تعتمد على طبيعة النظام السياسي القائم. ففي الدول الديمقراطية هناك منصات متنوعة متاحة للأحزاب تروّج من خلالها برامجها وتعبر فيها عن مواقفها وسياساتها. في حين تجد هذه الأحزاب في الدول غير الديمقراطية، حيث لا يسمح لها بممارسة نشاطاتها، نفسها مضطرة إلى اعتماد النشرات السرية أو وضع الملصقات سراً على الجدران في المناطق العامة أو تنظيم التظاهرات والاعتصامات في شوارع أو ساحات المدن المهمة أو الذهاب إلى أبعد من ذلك في حالات الاستقطابات والاحتقانات الشديدة كاللجوء إلى السلاح أو إنشاء محطات بث إذاعي خارج البلد للترويج لطروحاتها.
وهناك إضافة إلى ما ذكرنا طرائق أخرى تلجأ إليها المنظمات الإرهابية لبعث الرسائل إلى من تفترضهم خصوماً لها، دولاً أو مكونات إثنية أو دينية أو مذهبية، عبر عمليات الاختطاف والاغتيالات والتفجيرات وإلحاق الأضرار بالمؤسسات الاقتصادية أو الخدمية كما اعتدنا على ذلك من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش ومن غيرها.
رسالتان وصلتا أخيراً من تنظيم داعش معنونتان للجميع أفراداً ودولاً، الأولى عبر تفجيرات سريلانكا التي هزت العالم في عيد الفصح لفداحة الأضرار التي ترتبت عليها والتي شملت ثلاث كنائس وثلاثة فنادق في العاصمة كولومبو وبالقرب منها وراح ضحيتها ما يزيد على ثلاثمائة قتيل وأكثر من خمسمائة جريح. أما الرسالة الثانية فهي ظهور أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم في وسائل الإعلام بعد خمس سنوات من الاختباء ليلخص الاستراتيجية الجديدة للتنظيم بعمليات الاستنزاف والمطاولة للعدو، وليعلن عن تنفيذ اثنين وتسعين عملية في ثماني دول انتقاماً لما جرى لمقاتلي التنظيم في سوريا.
للرسالتين دلالاتهما في ناحيتين مهمتين أولاهما تتعلق بمستقبل التنظيم، حيث حرص البغدادي على تأكيد حضوره، شخصاً وتنظيماً، من خلال عاصفة التفجيرات في سريلانكا تعزيزاً ودعماً لمعنويات أنصاره وجمعاً لشتاتهم بعد الهزائم التي تلقوها، أما ثانيهما فتتعلق بمستقبل زعامته التي اهتزت بشكل كبير بعد سلسلة الانكسارات التي تجرعها التنظيم وخسارته لجميع مواقعه في العراق وسوريا، ومقتل العديد من قياداته على مدى السنوات المنصرمة.
خمس سنوات تفصل بين ظهورين إعلاميين متباينين للبغدادي، أولهما «عنفواني» يعلن فيه من مسجد النوري في الموصل انتصاره وميلاد خلافته المزعومة، وثانيهما «انكساري» يعلن فيه من مخبأ تحت الأرض في مكان ما هزيمته وانتهاء القتال في آخر معاقله. أولهما دفع الولايات المتحدة لرصد مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار لمن يساعد في القبض عليه، وثانيهما قد يغري واشنطن بإلغاء ذلك إلا أنه لم يثنها عن إيلاء أقصى درجات الاهتمام بالدقائق الثماني عشرة التي ظهر فيها البغدادي حيث أشبعتها دراسة وتحليلاً من أجل التعرف على معالم توجهاته ومستقبل العمليات التي يخطط لها. إذ من الصعب الاقتناع بأن هذا التنظيم قد انتهى بعد هزائمه العسكرية في جميع المعارك التي خاضها. فثقافة العنف التي أنجبته ليست حالة طارئة في المنطقة بل متجذرة فيها بعمق بفعل التعقيدات الفكرية والسلوكية الطائفية، ثقافة هناك، في المنطقة وخارجها، من يعمل على إدامتها.
الأجواء المتشنجة في المنطقة لا تساعد على التفاؤل، فعلى الرغم من قلة الثغرات في استراتيجية التحالف الدولي للتصدي للإرهاب عموماً ولتنظيم داعش بشكل خاص إلا أنه ليس هناك، على المدى البعيد، ما يكفي من الروادع للتحوط ضد عودته أو ظهور غيره، فالتفكك والتراخي قد بدأ يسري في أوصال هذا التحالف كما أن السياسات المتبعة محلياً في بعض دول المنطقة لا يزال فيها الكثير من الثغرات التي تسمح باحتضان مقاتليه وغض الطرف عن نشاطاتهم.
2 «صدام» في المدن الجريحة صالح الشايجي الانباء الكويتية
في استطلاع تلفزيوني مصور أجرته إحدى القنوات الأجنبية في مدن السلطة الفلسطينية، يسأل المذيع من يقابله ما رأيك بصدام حسين، جاءت إجابات من تم استطلاع آرائهم، بأنه أهم زعيم عربي وبطل وهو الوحيد الداعم للقضية الفلسطينية، وما إلى ذلك من آراء مادحة!
بالتأكيد لا نستطيع اعتماد هذه النتيجة وسحبها على الرأي العام الفلسطيني في مدن الضفة الغربية أو حتى خارجها، وربما حتى في هذا الاستطلاع العشوائي قد تكون هناك إجابات سلبية في صدام حسين، وتم استبعادها، وهو احتمال وارد.
واضح أن مثل هذه الآراء هي آراء عبثية غير واقعية وليست مستندة على حقائق أو وقائع إيجابية، ولكنها مجرد صدى للزعيق الإعلامي والشارعي الأهوج الذي يندفع بعاطفة كاذبة ليعاكس الحقيقة ويجري وراء سراب العاطفة الهوجاء.
وليس غريبا أن يكون هناك من ينظر لصدام حسين مثل هذه النظرة، ما دام هناك من ينظر لأسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي أو حسن نصر الله بحب وإعجاب يصلان حد التقديس.
هذه هي العقلية المنحرفة التي تصد صاحبها عن معرفة الحقيقة وتدفعه إلى اتباع السراب المعرفي المخادع الذي يجترح من الخيال قصصاً لا وجود لها ويرسخ مفاهيم غير موجودة.
في المقابل أتابع لقاءات مع عراقيين من ضحايا صدام حسين وممن تعرضوا للاعتقال والتعذيب والتنكيل، يشرحون حياة الرعب التي عاشوها في معتقلات صدام حسين والتي أدت بكثير من المعتقلين إلى الموت بسبب التعذيب، وعلى تهم ملفقة.
في أغلب تلك اللقاءات التي أجريت مع أولئك المعتقلين السابقين الذين كتبت لهم الحياة وخرجوا من معتقلاتهم، تخونني عواطفي فأتوقف عن المتابعة لهول ما أسمع عما تعرضوا له وعن حياتهم في المعتقل وانتظارهم اليومي لنداء المشنقة وسحبهم إلى ساحة الموت، قاطعين هذه المدة بأنواع من التعذيب والإهانات والإذلال. ومن نجا منهم ولم يتم إعدامه فهو ذو حظ عظيم، فإما أن يكون هناك من توسط له أو خرج لأسباب أخرى ولكن بأسوأ حال وبنفسية محطمة وبآدمية منقوصة.
فهل يستحق صدام حسين ورغم أعماله الوحشية تلك هذه الشهادات الإيجابية وذلك المدح.
عند أمة العرب نعم!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 «بائع الجرائد» محمد العويصي الجريدة الكويتية
“دخل القاعة لحضور حفل تكريمه إثر زيارته للعراق، بعد غياب دام أكثر من 15 عاما، إنه كبير استشاريي أمراض القلب في المستشفى الملكي بلندن الدكتور ضياء كمال الدين.
وعند مدخل القاعة استوقفه منظر بائع جرائد كبير السن مفترشا جرائده على الرصيف أغلق الطبيب عينيه ثم سرعان ما فتحهما، فتذكر ملامح هذا الرجل العجوز المحفورة في ذهنه، وجرجر نفسه ودخل القاعة ثم جلس، غير أن ذهنه بقي مع بائع الجرائد، وعندما نودي على اسمه لدى حلول فقرة تقليده وسام الإبداع قام من مكانه، بيد أنه لم يتوجه إلى المنصة بل توجه إلى خارج القاعة، فراح الكل ينظر في ذهول، أما هو فقد اقترب من بائع الجرائد وتناول يده فسحب البائع يده وقد فوجئ، وقال: “عوفني يا ابني ما راح أفرش هنا مرة أخرى”، رد عليه بصوت مخنوق: أنت أصلا ما راح تفرش مرة أخرى.
أرجوك بس تعال معي شوي… ظل البائع يقوم والدكتور يمسك بيده وهو يقوده إلى داخل القاعة، تخلى البائع عن المقاومة وهو يرى عيون الدكتور تفيض بالدموع، وقال: ما بك يابني؟ لم يتكلم الدكتور وواصل طريقه إلى المنصة وهو يمسك بيد بائع الجرائد، والكل ينظر إليه في دهشة ثم انخرط في موجة بكاء حارة، وأخذ يعانق بائع الجرائد، ويقبل رأسه ويده، ويقول: أنت ما عرفتني يا أستاذ خليل؟ قال: لا والله يا ابني العتب على النظر، فرد الدكتور وهو يمسح دموعه: أنا تلميذك “ضياء كمال الدين” في الإعدادية المركزية، لقد كنت الأول دائما، وكنت أنت من يشجعني ويتابعني سنة 1966م.
نظر الرجل إلى الدكتور واحتضنه، فتناول الدكتور الوسام وقلده للأستاذ، وقال للحضور: هؤلاء هم من يستحقون التكريم، والله ما ضعنا ولا تخلفنا ولا جهلنا إلا بعد إذلالنا لهم وإضاعة حقوقهم وعدم احترامهم وتقديرهم، بما يليق بمقامهم وبرسالتهم السامية، إنه الأستاذ خليل علي أستاذ اللغة العربية في الإعدادية المركزية ببغداد”.
قصة بائع الجرائد أثرت فيّ كثيراً وعيناي اغرورقتا بالدموع، وأنا أقرأ قصته مع تلميذه الوفي الدكتور ضياء كمال الدين، الذي لم ينس معلمه خليل الذي درسه في الإعدادية اللغة العربية، وهو صغير.
لا أدري ما السر في عالمنا العربي والإسلامي في عدم الاهتمام بالمعلمين لدرجة أن المعلم بعد تقاعده يبحث عن وظيفة تساعده في تحسين دخله المادي؟! العجيب أن راتب المعلم في عالمنا العربي أقل بكثير من راتب القضاة والمستشارين والمهندسين في البترول وضباط الجيش والشرطة والحرس الوطني والإطفاء، علماً أن شهاداتهم كلهم جامعية، فلماذا التفرقة في الراتب بحيث يكون المعلم أقلهم راتباً؟ المفروض العكس صحيح، لأن المعلم هو الذي أخرج لنا كل المهن التي ذكرتها آنفا.
يحضرني موقف من اليابان، حيث سُئل رئيس مجلس الوزراء الياباني عن سر تقدم اليابان وتطورها العلمي والتكنولوجي فقال: “أعطينا المعلم راتب وزير، وحصانة دبلوماسي سفير، ومكانة إمبراطور”. للأسف المعلم في عالمنا العربي لا يحظى بمعاملة لائقة بعد تقاعده لا من جمعية المعلمين الكويتية ولا من المسؤولين في الدولة؛ لذا أرجو من أصحاب القرار في الدولة النظر في موضوع المعلمين المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ومعاملتهم على الأقل معاملة المعلم الياباني أو الألماني المتقاعد، فهل وصلت رسالتي لكم؟ آمل ذلك.
4 إيران..وقائع أزمة لا سيناريوهات حرب
عبدالمنعم مصطفى اليوم السعودية
أزعم أنني كنت بين أوائل من توقعوا على صفحات هذه الجريدة قبل سنوات، مسار المفاوضات بين ايران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن بالإضافة الى ألمانيا، وأزعم أنني كتبت مراراً وقتها أن محورالمفاوضات هو مقايضة مشروع القنبلة النووية الايرانية، بحصة معترف بها من النفوذ الإقليمي لإيران، وأطلقت وقتها عنوان(الدور مقابل القنبلة).
ما حدث في المفاوضات التي انتهت باتفاق أبرم في عهد إدارة أوباما، هو أن الإيرانيين قد قبلوا-تحت ضغوط ثقيلة، وإغواءات لا تصد ولا ترد، أن يتخلوا (تعاقدياً) عن القنبلة، مقابل حصة في النفوذ الإقليمي تعترف بها واشنطن والدول الخمس الأخرى، لكنْ ثمة غموض قد اكتنف حجم ونطاق ذلك النفوذ الإقليمي، سعى كلا الطرفين الى تأويله وفقاً لمصالحه، فبينما كانت واشنطن لا تمانع في وجود (تأثير) ثقافي أو طائفي يسمح بنفوذ لطهران في «العالم الشيعي»، كانت طهران تتطلع الى (نفوذ) إقليمي راح يتمدد تحت راية الاتفاق النووي، ليشمل (طبقاً لعبارات حسين جعفري القائد السابق للحرس الثوري الإيراني الذي أقيل الشهر الماضي) كلاً من العراق ولبنان وسوريا واليمن.
لم يمانع الأمريكيون في تأثير إيراني إقليمي تحت سقف منخفض، فيما عمل الإيرانيون من أجل نفوذ إقليمي بلا سقف، وهذا ما أزعج ادارة ترمب التي تحركت عكس توقعات حلفائها الغربيين بانسحاب منفرد من الاتفاق النووي، استوجب بالتداعي تبني سياسة أمريكية تتصدى لمشروع القنبلة الايرانية، وترفض خارطة النفوذ الإيراني.
إيران تريد الدور والقنبلة، وأمريكا لا تريد لا الدور ولا القنبلة، أما الدول الغربية الثلاثة الأخرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) فلا يمانعون بدور إقليمي محدود لطهران، مقابل التخلي الى الأبد عن فكرة امتلاك ايران سلاحاً نووياً، بينما لا يمانع الروس والصينيون في أن يكون لإيران نفوذ إقليمي أعلى قليلاً من السقف الغربي، لكنهما يرفضان أيضاً أية خطط إيرانية لامتلاك رادع نووي.
المشهد الآن، قد يبدو على وشك الانفجار، بينما تقترب حاملة الطائرات الأمريكية ابراهام لينكولن من مياه الخليج، في تلويح أمريكي بإمكانية استخدام القوة ضد طهران، لكنني أستبعد احتمالات اندلاع حرب شاملة ضد ايران، لأسباب كثيرة لعل من بينها ما يلي:
أولاً: أن الظرف الإقليمي لم يبلغ بعد لحظة الانفجار.
لأن العقوبات الأمريكية ضد زبائن النفط الإيراني، لم تدخل بعد حيز التطبيق.
ولأن التهديد الايراني بالرد على العقوبات، بتعطيل بعض بنود الاتفاق النووي لن يدخل حيّز التطبيق بدوره قبل مرور مهلة ستين يوماً حددها الرئيس الإيراني حسن روحاني
ثانياً: أن الظرف الدولي لم ينضج بعد لإنتاج ظروف تتيح لواشنطن البدء في حرب شاملة أو حتى محدودة ضد إيران.
لأن مساحات الثقة، ومستويات التنسيق بين القوى الغربية الرئيسية بشأن التعامل مع الملف الايراني، تبدو محدودة .
لأن الأزمة تدور على خلفية سباق محموم بين الكبار عند قمة النظام الدولي، حول إعادة رسم خرائط النفوذ، وتوزيع المغانم بين قوى عظمى تتقاسم أدوار الزعامة في نظام دولي جديد قيد التأسيس.
ثالثاً: أن مقولة ادارة جورج بوش الابن بشأن قدرة واشنطن على خوض وكسب حربين متزامنتين على جبهتين مختلفتين في أفغانستان والعراق، قد برهنت على فشل ذريع، وحملت الخزانة العامة الأمريكية أعباء ناء الاقتصاد الأمريكي بحملها. وهو ما لا يقبل التكرار بخوض حرب ضد ايران قد تكون طويلة وممتدة، بينما تلوح في الأفق نذر حرب أمريكية أخرى في حديقة واشنطن الخلفية بفنزويلا.
رابعاً: أن بطاقة أحوال الظرف الذاتي الأمريكي، قد تمنح الأولوية لصراع محتمل في فنزويلا، يستدعيه مبدأ مونرو، الذي تمتحنه الأزمة في فنزويلا، وسط حضور عسكري رمزي للقوة الروسية، نكأ بدوره جراحاً أمريكية في خليج الخنازير، واستدعى ذكريات مواجهة مع السوفييت حين نشروا صواريخهم النووية في الفناء الخلفي الأمريكي عام ١٩٦٢.
أتوقع في مقبل الأيام، أن يرتفع الصخب الأمريكي ضد ايران، وأن تتوالى أخبار الاستعدادات الحربية الأمريكية في منطقة الخليج والبحر الأحمر، وأن تتصاعد وتيرة الضغوط السياسية والتجارية والاقتصادية ضد طهران، بينما سوف تتركز جهود الاستخدام الفعلي للقوة الأمريكية خلف هدف إسقاط النظام في فنزويلا، فالمهمة هناك أخف وطأة، وأقل كلفة، فضلاً عن أنها بفقه الأولويات، أكثر إلحاحاً، كمصلحة أمريكية يسهل بناء اجماع وطني حولها.
5 ايران واستراتيجية الجلوس على الطاولة
د.باسل حسين صحيفة العراق
قلت ذات مرة في احدى المحاضرات أن الدول تلجأ في بعض الاحيان الى اتباع استراتيجيات مبتكرة او فريدة من نوعها في التفاوض الدولي ومن هذه الاستراتيجيات ، استراتيجية الجلوس على الطاولة .
وتقوم هذه الاستراتيجية على فكرة مفادها أن البقاء على الطاولة هي غاية التفاوض وليس الهدف منها الوصول الى نتيجة، فالنتيجة هتا غير مهمة لكن إن اتت في النهاية بما يلائم مصالحها فكان بها، لكن تبقى الغاية العليا هي البقاء على الطاولة ( طاولة المفاوضات) لان ذلك يعني من بين ما يعنيه :
1. الاعتراف بك كطرف مفاوض.
2.الاعتراف بشرعيتك وفاعليتك في المجتمع الدولي.
3.تجنب استخدام القوة ضدك طالما ان هناك ابوابا للاتفاق ما زالت مفتوحة عبر المفاوضات.
4. تجنب فرض العقوبات اثناء المفاوضات لان الدول ستحرص على قيام بيئة مناسبة للتفاوض.
5. اعطائك فرصة كافية لفرض كثير من شروطك عبر سياسة الانهاك ، لاسبما اذا كان الطرف المقابل يريد نجاح هذا التفاوض والوصول الى اتفاق.
6.يتيح لصاحب استراتيجية ” الجلوس على الطاولة ” التحرك في مساحات اخرى بعيدة عن مجالات التفاوض ما كان من الممكن القيام بها لولا وجوده طرفا على طاولة التفاوض.
7. تمكن هذه الاستراتيجية من التخلص او التقليل من الضغط الداخلي ، تحت ذريعة ان بعض المطالبات مرتبطة بنتائج التفاوض او انها ستؤجل لما بعد التفاوض.
8.قمع المعارضة بوصفها عائقا امام صانع القرار في وصوله الى اتفاقات لصالح البلد عبر المفاوضات وان المعارضة سوف تضعف المكانة التفاوضية ازاء الطرف او الاطراف الاخرى.
لقد اتبعت ايران قبل التوصل الى الاتفاق النووي استراتيجية الجلوس على الطاولة بمهارة منقطعة النظير استمرت آخر مرة ( 21) شهرا ( 18 تفاوض مباشر حول المواضيع المتعلقة بالاتفاق زائد ثلاثة اشهر تمهيد للمفاوضات) ، لتحقق كثير من الاهداف التي تعطيها هذه الاستراتيجية، لتصل في نهاية الامر الى الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة ( “1+5″ التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الامن زائدا المانيا) في ( 14) يونيو / تموز عام 2015 .
وتتضح اهمية هذه الاستراتيجية جليا في تفكير صانع القرار الايراني مم شوهد عدة ، إذ بعد قرار الرئيس الامريكي ترامب في مايو/ آيار العام الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي قال وزير الخارجية الايراني في مؤتمر ميونخ بالنص ( هم ويقصد ” امريكا” الذين قرروا ترك طاولة المفاوضات نحن لم نتركها وما زلنا على الطاولة) ادراكا منه بأهمية أن تكون ايران جزءا من لعبة المفاوضات وطرفا اسياسيا على طاولتها .
في المقابل فأن للادارة الامريكية رأيا مغايرا مفاده ان قراراتها الاخيرة قد ابعدت ايران عن طاولة التفاوض ، وانه لا عودة لها الى الطاولة الا بالاشتراطات ( 12) التي حددتها قبل السماح لايران بالعودة الى طاولة التفاوض.
من جهة أخرى تبدو ( المانيا ، روسيا ، الصين، فرنسا، يريطانيا) فاقدة للمبادرة أو التأثير ، فهي لا تريد خسارة الاتفاق وفي الوقت نفسه غير قادرة على التأثير على القرار الامريكي او ثني الادارة الامريكية عن التخلي عن شروطها ( 12) أو تقديم مبادرة الى الان تنزع فتيل الازمة وتعود بالجميع الى طاولة المفاوضات . وقد ضاعف الامر تعقيدا اعلان ايران عن نيتها بتعطيل بعضا من بنود الاتفاق للضغط على الدول الخمس ويقال ان هذا الموقف قد اتخذ بناء على نصائح من وزير الخارجية الامريكية السابق جون كيري والذي دفع ترامب الى الدعوة لمحاكمته متهما اياه بخرق قانون لوغان.
هذا الموقف الايراني جوبه برد صارم حيث ابلغ مصدرا بالرئاسة الفرنسية لرويتر على بأن أوروبا ربما تضطر لإعادة فرض عقوبات على طهران، وهو ما يزيد الخناق على طهران ويفشل مناورتها هذه .
وعليه ومن منطلق هذه المدركات التي اشرنا اليها اعلاه فان عودة ايران لطاولة المفاوضات مرهون اما بأستجابتها للشروط الامريكية الاثنا عشر ، أو انتظار الانتخابات الامريكية وتغير الادارة الحالية ، او المغامرة بخيار الصدام ثم العودة اليها من دون شروط ، او الضغط على الدول المتبقية من الاتفاق للقيام لمبادرة لايجاد حلول وسطى .
صفوة القول ان ايران تجد نفسها الان في مأزق وخطر حقيقي وهي ترى نفسها خارج طاولة المفاوضات ، مع خيارات محدودة وتقلص ساحة المناورة بما تمليه عليها من اثمان كبيرة ستضطر في النهاية الى دفعها.
6 البغدادي بين شريطين جبريل العبيدي
الشرق الاوسط ال
لعبة قبعة الإخفاء لزعيم «داعش»، التي لم تعد تنطلي على أحد، ولا تدهش رواد السينما حتى الأطفال منهم، من حيث التوقيت ولا من حيث المحتوى. فالبغدادي منذ إظهاره في الموصل في مسجد النوري مرتدياً اللباس الأسود، في إشارة إلى تبنيه الخلافة العباسية، معلناً نفسه خليفة لدولته المزعومة، بينت هيئته أن هناك دولا تدعمه من أجل الإبقاء على استمرار حالة الفوضى كمشروع لتقسيم المنطقة، وإعادة رسم خريطة جديدة بمتغيرات مختلفة، تحققها فوضى صناعة «داعش».
نصَّب هذا المدعي نفسه أميراً للمؤمنين، بالقول: «وُلّيت عليكم»، ولا نعرف من ولّاه ولا من والاه من الدهماء، خصوصاً وهم يتلثمون ولا يعلنون عن هويتهم.
البغدادي الذي ظهر أو أُظهر في تسجيل فيديو لم يتجاوز عشرين دقيقة يحمل ملف «ولاية تركيا» معلناً أن «معركة الباغوز انتهت»، يبرز الكثير من علامات الاستفهام، فالظهور الثاني للبغدادي قد يكون لمجرد الإعلان عن أن زعيم «داعش» لا يزال حياً لتقديم دَفعة معنوية لأتباعه، وإظهاره في اجتماع يبدو أنه تنظيمي لإعادة هيكلة قيادات «داعش».
البغدادي ظهر في شريط فيديو دعائي عالي الجودة والإخراج تحت مسمى «في ضيافة أمير المؤمنين» سُجِّل في مكان يبدو أنه مخبأ تحت الأرض، يمتدح تفجيرات سريلانكا ويصفها بأنها «ثأر» للباغوز، مما يعطي تاريخاً زمنياً محدداً لتسجيل الشريط، الذي حاول البغدادي فيه إظهار هزائم تنظيمه على أنها انتصارات يباركها، مثل الهجوم الغادر لعصاباته على بلدة الفقها الليبية وذبح أفراد الحرس البلدي.
يبدو أنه يُراد لنا أن نصدق أنه صاحب قبعة الإخفاء، في زمن التضليل والاستخفاف الإعلامي بعقول الشعوب، فالبغدادي زعيم «داعش» هو في الواقع صنيعة دول إجرامية راعية للإرهاب كانت تسعى لإحداث فوضى في المنطقة، وأسهمت دولتان إقليميتان بالخصوص في تمويل هذا التنظيم الإجرامي لوجيستياً وبتنقل عناصره بحريّة أو الحشد والتحشيد لانضمام عناصر جديدة، كما أسهم تنظيم الإخوان في تسهيل حركة عناصر «داعش»، وتسهيل شراء النفط الذي كان «داعش» ينهبه من حقول النفط العراقية والسورية، ويتم بيعه عبر الحدود التركية بنصف سعره.
البغدادي استخدم منهج هولاكو في القمع والتنكيل بالقرى الصغيرة لتستسلم له المدن الكبرى، بعد أن أعمل فيها الذبح والدهس والسحل والحرق والإغراق، صنوف شتى من البشاعة والساديّة في القتل، تعكس حالة نفسية يعاني منها هذا السفيه ومَن تبعه من السفهاء.
البغدادي سقطت خلافته المزعومة وانضمّ إلى دكة المخلوعين أو السابقين، وهو مصارد وترصد الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في القبض عليه.
إظهار البغدادي في هذا التوقيت له دلالات كثيرة أخرى، لعل منها تهاوي سلطة تنظيم الإخوان في مصر وليبيا، ودك ربوع الإرهاب في كل مكان، ومواصلة تجفيف أمواله وكشف حيله وألاعيبه، ولعل إشادة البغدادي بأفعال الذبح والقتل والاغتيال التي تخدم تنظيم الإخوان تؤكّد تورط التنظيم في علاقة تقاطع مصالح، وبالتالي مَن يتولى حماية البغدادي طلب منه الظهور مجدداً بعد اختفائه خمس سنوات تمدد فيها «داعش»، وأصبح دولة تسكّ عُملة مدنية، وتسيطر على نصف العراق ونصف سوريا وبعض أجزاء من ليبيا وسيناء، إلى أن انتهت ذليلة في الباغوز، وانهارت دولة الباطل وقُطع قرنها.
البغدادي أو السامرائي أو قل ما شئت، كيف ما تسمى إبراهيم عواد، يبقى مجرد شريد وطريد وهارب فارّ يدعو أنصاره إلى «الصبر والثبات أمام الكفار» بينما يمارس هو الفرار والاختباء وجهاد النكاح، تاركاً الانتحار والموت للسفهاء من أتباعه، بينما هو يتنقل من جحر إلى آخر.
7 الرد الإيراني على العقوبات وثوران الميليشيات رضوان السيد الشرق الاوسط السعودية
اقترن ظهور البغدادي بظهور نصر الله، ولفت الانتباه تركيزهما معاً على السعودية وكبار المسؤولين فيها. وقد سارعت الجهات الدولية إلى اعتبار أنّ «داعشاً» لا يزال خطراً. بل وقد تذكر هؤلاء تقليد طرائق «القاعدة». أما زعيم «حزب الله»، فإنَّ أحداً من المسؤولين اللبنانيين لم يُجبهُ، إمّا بسبب الخوف، أو لأنّ الخضوع والإرضاء لا تزال لهما اليد العليا. بيد أنّ هناك من تذكّر تعاوُنَ «القاعدة» مع الإيرانيين من قبل، وترجيح أنَّ الإيرانيين إلى جانب الأتراك هم الذين يحاولون الإفادة من تحركات «داعش» في العالم العربي وأفريقيا الآن. وقد سبق لنصر الله أن زعم أن هناك تواصلاً مع «داعش» علناً عندما زعم أنه إنما يتواصل معهم لإخراجهم من لبنان!
وقد اجتمع لبنانيون في «7 مايو (أيار)»، ليذكِّروا باحتلال «حزب الله» بيروت بالسلاح في التاريخ نفسه عام 2008، وليقولوا إنّ العهد وتسوياته وهذا الخضوع للحزب، والتظاهر باستحسان تصرفاته، إنما أساء ويسيء إلى علاقات لبنان بالعرب والمجتمع الدولي، وليحذّروا بأنّ العرب لن يظلوا ساكتين أو مقبلين على دعم لبنان في أزماته، ما دام قد تحول إلى منصة لمناصبتهم العداء، والتهديد بالإضرار بهم، كما يفعل البغدادي، والاستمرار في العدوان على الشعب السوري، والتدخل في دول عربية عدة.
منذ سنواتٍ يُظهر الحزب انزعاجاً شديداً من دعم التحالف العربي للشرعية في اليمن، وهو الأمر الذي لا يخلو منه خطابٌ لنصر لله، وكان مشوباً من قبل بصيحات الانتصار، لكنه هذه الأيام مُلحٌّ في الانتصار لإيران في مواجهة العقوبات، واتهام المملكة بالتعاون مع الأميركيين وباقي الإمبرياليين في اليمن، وهذا إلى تعمد نصر الله ونائبه الإهانة الشخصية، والدعاية الطائفية الصُراح. وإلى صمت المسؤولين اللبنانيين أو استحسانهم لكل ذلك.
وفي الأيام الأخيرة تحرك الأميركيون في البحر المتوسط والخليج والمحيط الهندي وجلبوا طائراتٍ وسفناً حربية، عادّين أنهم إنما يردعون أو يحولون دون هجمات إيرانية كان الأخيرون سينفذونها بواسطة أنصارهم في البحر والبر. وقد جاء بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى بغداد ليُبلغ رئيس الوزراء عبد المهدي بجدية المخاطر، وليطلب صون المصالح الأميركية في العراق.
أما الوجه الآخر للحراك؛ والذي تقوم به إيران بنفسها، فيتمثل في مقاربتها للملف النووي بالذات وللاتفاق حوله، والذي خرجت الولايات المتحدة منه. لقد حثت الدول الأوروبية والصين وروسيا إيران على البقاء في الاتفاق، وقال الأوروبيون إنهم سيجدون مخرجاً لمساعدة إيران. وقبل أشهرٍ أعلنوا عن آلية لذلك قالت إيران إنها ليست كافية، لكنها مستعدة للانتظار من أجل التنفيذ. الآن تقول إيران إنّ الأوروبيين ما أنفذوا 10 في المائة مما وعدوا به (ظريف)؛ ولذلك، فإنّ إيران ستتخلى عن إنفاذ بعض «الالتزامات الطوعية» التي هي من حقّها عندما يخرج طرفٌ على الاتفاق. وما سُرَّ الفرنسيون بذلك، وقالوا إنّ على الإيرانيين أن ينفّذوا الاتفاق كاملاً، أو تجد فرنسا نفسها مضطرة للعودة إلى نظام العقوبات الذي كانت الدول تتبعه ضد إيران قبل الاتفاق عام 2015!
ما قالت إيران صراحة إنها ستخرج من الاتفاق، لكنّ الفرنسيين هكذا فهموا «الإجراءات» التي تريد إيران العودة إليها، ومنها زيادة التخصيب، والعودة لتفعيل مواقع عدة كانت قد أوقفت العمل فيها بمقتضى الاتفاق.
الرئيس دونالد ترمب خرج من الاتفاق لثلاثة أسباب؛ أولها وأهمها أنّ الاتفاق فيه ثغرات تسمح لإيران بمتابعة نشاطاتها النووية بحسب البرنامج الذي وضعته منذ عام 2003، وأنّ الاتفاق يؤجِّل ولا يُنهي البرنامج النووي، فتستطيع إيران العودة إليه بعد 10 أعوامٍ أو 15 عاماً. أما السبب الثاني فهو متابعة إيران برنامجها في إنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والتي تستطيع حمل رؤوس نووية في المستقبل. والسبب الثالث ممارسة إيران التخريب والإرهاب في محيطها وفي العالم من خلال الميليشيات الإجرامية التي كوّنتها والأخرى التي تدعمها، ودعم الدول الفاشلة والمارقة في الأعمال الإرهابية، والأُخرى غير المشروعة بنفسها أو من خلال التعامل مع منظمات إرهابية وإجرامية، مثل تجارة المخدرات وغسل الأموال، والإعداد والعمل ضد أصدقاء الولايات المتحدة في الإقليم والعالم.
أما الحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة على إيران من أجل إرغامها على العودة للتفاوض لتحسين شروط الاتفاق، وإيقاف إنتاج الصواريخ الباليستية، والمنع من ممارسة التخريب والإرهاب في الجوار والعالم؛ فأهم بنوده الكثيرة والتفصيلية أمران: منعها من تصدير وبيع البترول والغاز اللذين يمثلان نسبة 70 في المائة من الدخل القومي، ومنعها من المشاركة في النظام المالي العالمي إلا بشروطٍ قاسية جداً ومحددة المجالات.
وما أظهرت إيران تراجعاً حتى الآن في أي من النقاط الثلاث سالفة الذكر. وفي نظر المراقبين؛ فإن إيران تستطيع الصمود لبعض الوقت لأنّ عندها شبكات سرية واسعة، ولأنّ جهات دولية كبرى مثل الصين والهند وروسيا وتركيا ودول أوروبية عدة مستعدة للتعاون معها للتخفيف من تأثير العقوبات، وانتظار نهايتها بذهاب ترمب من السلطة عام 2020.
ونحن العرب لنا مصلحة استراتيجية في ألا يكون لدى إيران ولا لدى إسرائيل سلاح نووي. بيد أنّ العاملين الملحاحين الآخرين بالنسبة لنا الآن هما الصواريخ الباليستية، والتدخلات الطائفية والميليشياوية الإيرانية التي تنخر المجتمعات وتخربها، وتخلق دويلات داخل الدول. وإذا كانت الصواريخ تؤثر علينا وعلى غيرنا، ويمكن أن تكون لدى دولنا مضادات لها؛ فإنّ التدخلات الطائفية الإيرانية والمنتشرة في العالمين العربي والإسلامي، والتدخلات الميليشياوية المنتشرة في دول عربية عدة مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين؛ كل تلك التدخلات هائلة الضرر، وتبقى آثارها لآمادٍ وآماد. وفي بلادٍ مثل لبنان وسوريا واليمن، صار الوجود الطائفي والميليشياوي الإيراني داءً عياءً الخروج منه صعبٌ جداً. ولذلك يصبح أمراً لا يمكن غضّ النظر عنه على الإطلاق: التسامح مع سطوة ميليشيات إيران والخضوع لها – أو الدخول في تحالفاتٍ معها ذات طابع طائفي أو من باب «تحالف الأقليات». والأمران حاصلان في لبنان، ويزداد خطرهما وضررهما في هذه الظروف بالذات، لأنّ إيران مُحاصَرة، وتحتاج إلى استعمال أذرُعها في كل مكان لإزعاج أميركا، وإزعاج العرب؛ سلطاتٍ ومجتمعات، خصوصاً الذين يريدون حفظ استقرارهم ووحدة دولهم ومجتمعاتهم.
في ذكرى احتلال «حزب الله» بيروت بالسلاح في 7 مايو (أيار) 2008، واستمرار هجمات زعماء الميليشيات المتأيرنة على المملكة والإمارات، ينبغي أن تظل المواقف الوطنية والقومية واضحة في: التمسك بالاستقلال الوطني، والدستور والعيش المشترك، والتمسك بالانتماء العربي، والشرعية العربية والدولية.
8 مخاوف أوروبا الثلاثة إزاء إيران أمير طاهري الشرق الاوسط السعودية
عندما تحدثتُ إلى عدد من الباحثين وصانعي السياسات في أوروبا خلال الأسابيع الماضية، تولد لديّ انطباع بأنه عند النظر إلى الأمور من زاوية أوروبا، تبدو إيران بمثابة كابوس متكرر الحدوث يأمل الجميع في اختفائه. ومنذ عامين، ساد اعتقاد لدى كثيرين داخل أوروبا أن هذا الكابوس انتهى وتلاشى إلى الأبد. أما اليوم، فقد عاد الكابوس، ترافقه طبول الحرب في الخلفية. الحقيقة أنه لم يختفِ قط، في الوقت الذي لم يتبع الاتحاد الأوروبي قط سياسة متناغمة تجاه التعامل مع هذا الكابوس.
وبعد 8 سنوات قضاها الرئيس باراك أوباما في الرقص حول القضية الإيرانية، وجد الأوروبيون في ذلك فرصة لإرجاء عقد تحليل جاد للموقف المتعلق بـ«الجمهورية الإسلامية». ويبدو أن هذا قد أدى بدوره إلى اضطرار الأوروبيين للاحتشاد خلف الموقف المتشدد الذي اتخذته إدارة ترمب.
وبالنظر إلى المناقشات الدائرة حالياً داخل دوائر صنع السياسات الأوروبية، فإن القوى الأوروبية ربما تلقي بثقلها خلف سياسة ترمب القائمة على ممارسة «أقصى قدر من الضغوط»، وذلك خلال قمة مجموعة الـ7 في فرنسا في أغسطس (آب).
وخلال المحادثات غير الرسمية، يعرب صانعو السياسات والمستشارون الأوروبيون عن تخوفهم حيال 3 قضايا فيما يخص استراتيجية «أقصى قدر من الضغوط».
يتعلق أول هذه المخاوف من هذه السياسة، التي ترمي بوضوح فقط نحو إقناع القيادة الخمينية بتغيير سلوكها إزاء بعض قضايا السياسة الخارجية، بإمكانية أن تؤدي إلى انهيار منظم داخل إيران وإحداث تغيير في النظام يحمل تداعيات مستقبلية يتعذر التكهن بها.
والسؤال؛ من سيملك زمام الأمور داخل إيران، ويتأكد من عدم تحول هذه البلاد الواسعة إلى جزء جديد من أراضٍ في قلب الشرق الأوسط لا تخضع لحكومة؟
أعتقد أن هذا السؤال مصاغ على هذا النحو بهدف تفادي الدخول في مواجهة مع نظام مارق أثار الأزمة الراهنة. المعروف أن إيران بها هيكل بيروقراطي قديم وراسخ يعود إلى القرن الـ16 وقادر على العمل في ظل ثقافة حكم قوية. ورغم الأضرار الخطيرة التي تعرضت لها هياكل الدولة على أيدي الملالي وأعوانهم، فإن مخزون الخبرة والمهارات المتوافر ضخم بما يكفي ليضمن استمرار حكم البلاد بنظام أشبه بـ«الطيار الآلي».
ويتمثل التخوف الثاني في أن تغيير النظام داخل إيران قد يثير سيلاً من اللاجئين يتجهون نهاية الأمر نحو أوروبا، في وقت ما تزال دول الاتحاد الأوروبي تعاني صعوبة في التعامل مع المشكلات التي خلقها تدفق اللاجئين السوريين. يذكر أن عدد سكان إيران يبلغ نحو 4 أضعاف سوريا، ما يعني أن أوروبا تواجه عدداً أكبر بمقدار 4 أضعاف من اللاجئين حال حدوث ذلك.
ومع هذا، فإن هذا التخوف هو الآخر ربما لا يقوم على أسس متينة. في الواقع، بالنظر إلى أن إيران كانت بالفعل مصدراً للاجئين خلال الأيام الأولى من نظام الخميني، فإنه في الوقت الحالي يوجد أكثر عن 8 ملايين إيراني بالمنفي، يشكلون نحو 10 في المائة من أبناء إيران، يتركز معظمهم في أوروبا والولايات المتحدة، تبعاً للأرقام الصادرة عن وزارة الخارجية الإسلامية. واستبدال النظام الحالي والدفع بصورة أقل مقتاً محله، ربما يدفع بعض المنفيين الإيرانيين نحو العودة لبلادهم، مثلما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين. يذكر أنه خلال السنوات الخمس الأولى بعد التحرير، عاد نحو 3.2 مليون عراقي إلى العراق، كان نصفهم في إيران.
ويكشف التاريخ أن الأنظمة القميئة تفرز لاجئين خلال العقد الأول من وجودها. وقد رأينا ذلك في كوبا بعد سيطرة فيدل كاسترو على السلطة. اليوم، يكاد يكون في حكم المؤكد أن تغيير النظام في كوبا سيؤدي إلى عودة المنفيين الكوبيّين، وليس انطلاق موجة لاجئين. أما الوضع في سوريا فكان استثنائياً، ذلك أن الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد لم يسمح لها بالنجاح بسبب تدخل روسيا وإيران لسحقها.
فيما يخص إيران، من غير المحتمل أن ترغب روسيا أو تتمكن من تكرار السيناريو السوري لإنقاذ الملالي. كما أنه لا يوجد من يمكنه الاضطلاع بدور «الجمهورية الإسلامية» في سوريا، لكن هذه المرة في إيران.
ويبقى التخوف الثالث المتعلق بأن سياسة الضغوط القصوى التي يمارسها ترمب ربما تشعل فتيل الحرب. في هذا الإطار، يدعي بعض الأوروبيين أن الخوف من الحرب هو ما يؤجج نيران التطرف والتعصب داخل إيران. وقال لي أحد المسؤولين الأوروبيين البارزين إن «الجمهورية الإسلامية» تتصرف بعدوانية، لأنها تشعر أنها محاطة بـ«أعداد ضخمة من القوات الأميركية».
إلا أن هذا الرأي لا يولي اهتماماً كافياً للحقائق على أرض الواقع. يوجد لدى الولايات المتحدة حالياً نحو 170000 جندي، من إجمالي 1280000 فرد عسكري فاعل، متمركزين في 66 دولة عبر العالم، وهو أدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية. ومن بين هؤلاء، يتمركز الثلثان تقريباً في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. وفي مناطق قد تعتبرها إيران محيطة بها، لا يتجاوز عدد الجنود الأميركيين 15000 جندي.
في المقابل، نجد أن إيران لديها أكثر عن 100000 جندي، بينهم أفغان ولبنانيون وعراقيون وباكستانيون مرتزقة، داخل سوريا والعراق، ناهيك عن وحدات «حزب الله» والحوثيين في لبنان واليمن.
ومع هذا، لا يمكن استبعاد احتمالية اندلاع الحرب تماماً، فثمة مقولة فارسية شهيرة بأن «الكلمات أول سهام تنطلق في الحرب». من ناحيتهم، يطلق الملالي وأعوانهم عدداً يتعذر حصره من السهام المعادية لأميركا كل يوم. وفي المقابل، لا يكلّ جون بولتون ومايك بومبيو وبريان هوك من الردّ عليهم.
إلا أن حرب الكلمات قد تتحول إلى حرب فعلية. وقد كشف المؤرخ ثوسيديديس كيف أن حرب الكلمات بين أثينا وأسبرطة والاستعدادات العسكرية المستمرة من الجانبين أدت في النهاية لاشتعال حرب فعلية (431 – 404 قبل الميلاد).
وفي القرن الـ15، خاض ملوك البرتغال وإسبانيا حرباً على ملكية جزيرة اتضح أنها رسمت عن طريق الخطأ على الخريطة من جانب صانع خرائط. وحدث السلام أخيراً عندما وافق البرتغاليون على التنازل عن الجزيرة التي ليس لها وجود إلى الإسبان.
اليوم، يلعب الملالي بالنار… ومن يلعب بالنار ربما يحترق بها!
9 اكذب حتى يصدقك الناس
علي قاسم
العرب بريطانيا
عندما تذهب في المرة القادمة لصناديق الاقتراع اختر أكثر المرشحين كذبا.. لأنه، حتما، الأصلح لأداء المهمة.
“اصنع للناس شيطانهم، واتركهم ينسبون إليه كل شيء”.. وكانت “الشياطين” التي روجها بوش الابن، بشأن مبررات الحرب على العراق، من أشهر أكاذيب السياسيين في التاريخ.
الأميركيون ليسوا أول من وظف الخديعة والكذب في الممارسة السياسية. الجميع متفق على أن نيكولا ميكيافيلي هو من أرسى الأساس الأخلاقي للخداع، وأعلن، دون مواربة، أن ما يعتبر من الأخلاق الحميدة، والاستقامة بين الأفراد، لا يصلح في السياسة، وفي الحكم والعلاقات الدولية.
الغاية، عند ميكيافيلي، وعند كل من مارس السياسة، تبرر الوسيلة.. إنها أول خطوة لكل سياسي مبتدئ.
معاوية بن أبي سفيان، سبق الغرب، وسبق ميكيافيلي نفسه، في توظيف الخديعة سلاحا دبلوماسيا، وذلك في نصيحته لابنه: “يا بني، إذا خدعك أحدهم، فانخدعت له، خدعته”.
ولكن، متى يصبح الكذب عملا غير أخلاقي؟ عندما يكون الهدف تحقيق مكسب ذاتي، ومصلحة فردية، يصبح الكذب فسادا، ويصبح السياسي فاسدا.
السياسي الكذاب ينصب زعيما، بينما ينتهي الأمر بالسياسي الفاسد منفيا أو داخل زنزانة.
أحد دواعي الكذب، هو أن تكذب الدول لتحسين وضعها العسكري، كما يقول تشرشل، ففي زمن الحرب يصبح الصدق شيئا ثمينا، “لا بد أن يحاط بسياج من الأكاذيب”.
قد يجد الناس أن كذب السياسيين مبرر، عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن. ولتحقيق تلك المصلحة، لم يتوان دونالد ترامب عن خرق كل القيم، وتزوير التاريخ رافعا شعار “مصلحة أميركا أولا”.
نحن نعيش اليوم في عالم فوضوي، لا أحد يحرسنا من الأخطار. وفي عالم محفوف بالمخاطر على القادة بذل كل ما في وسعهم لصون دولهم وحمايتها. عليهم أن يعوا بأن الحياة، وليس فقط الحرب، خدعة تبررها الغايات. و”الكذب يصبح واجبا”، وليس فقط أن تكذب تحت بعض الظروف.
ليس المهم أن تكون صادقا في عالم السياسة، بل أن يصدقك الناس. وما ينطبق على العلاقات الدولية، ينطبق أيضا على العلاقات بين الأحزاب في أعتى الديمقراطيات.
توظيف الإشاعة، والتنقيب في الماضي، ونشر الفضائح، ممارسات لم يتردد زعماء سياسيون في استخدامها، محولين العمل السياسي إلى مصارعة حرة، يسمح فيها بالضرب تحت الحزام.
“اكذب حتى يصدقك الناس″، نصيحة كلفت أوروبا والعالم غاليا، وساهمت في خلق الأسطورة القومية والعنصرية، لتفوق العرق الآري.
الخديعة في الحكم والسلطة، حتى لا نقول السياسة، أقدم مما نظن، دعونا نسترجع بعض الأحداث والشخصيات التاريخية.
أدبيات ما زلنا نستلهمها في حياتنا اليومية، وأحيانا نأخذها نموذجا نحتذي به، ويقرها التربويون في المناهج الدراسية، تحت مسميات الأبطال الشعبيين، والأساطير. وهي في حقيقة الأمر أكاذيب أصبغنا عليها القدسية أحيانا، والشاعرية أحيانا أخرى.
إن كان الكذب ملح الحياة، فهو للسياسة روحها..