1 تصنيف «الحرس» إرهابياً يمهّد لتصنيف إيران
عبد الوهاب بدرخان الاتحاد الاماراتية
ساهمت أحداث السودان وليبيا والجزائر في حجب الاهتمام الدولي والتركيز الإعلامي عن التصنيف الأميركي لـ«الحرس الثوري» الإيراني كـ«منظمة إرهابية»، لكن هذه الصدفة لا تُفقد القرار أهميته وخطورته اللتين استشعرتهما طهران كتشهير وإهانة وواجهتهما بردود شتّى، أبرزها تضامن أعضاء مجلس الشورى (البرلمان) مع «الحرس» بلبسهم زيَّه، أو بإصدار قرار حكومي يصنّف بدوره القوات الأميركية في غرب آسيا كـ«تنظيم إرهابي»! غير أن نظام الملالي أدرك أن الخطوة الأميركية الجديدة تزيد الضغوط عليه وتضاعف كلفة العقوبات، وإنْ لم تغيّر كثيراً في واقع «الحرس» الذي اختط لنفسه، منذ 2007، طريقة عيش متكيّفة مع «اقتصاد العقوبات»، إذ خصّص وحدات منه لاستخدام التكتيكات العسكرية في تنظيم عمليات التهريب، ليس فقط لتسيير اقتصاده الخاص وإنما لإقامة شركات كبيرة باتت تهيمن على معظم الاقتصاد الإيراني.
ورغم أن طهران استعدّت للقرار الأميركي، المعلن منذ وقت طويل بشكل غير رسمي، فإن ردّها جاء عاديّاً، بل باهتاً في خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، ولا يعني ذلك أن ردّهما سيبقى عند هذا الحدّ، لكن تعاملهما مع الضربات الإسرائيلية الموجعة في سوريا طوال العامين الأخيرين يفيد بأن خياراتهما محدودة، أما المتاح منها فقد يكون أكثر تكلفةً، لذا فضّل الإيرانيون وأتباعهم مواصلةَ العمل على الأرض لترسيخ وجودهم ونفوذهم في البيئات المدنية التي تعاني العوز وندرة الفرص والخدمات. وإذا كانت خياراتهم أفضل في العراق فإنهم أُنذروا عبر قنوات عدة بأن أي تعرّض للأميركيين أو احتكاك بهم سيعني مواجهة مباشرة تفضّل طهران أن تؤجّلها أو ألّا تحدث أبداً، أو تبقى قواعد الاشتباك كما هي الآن عبر أطراف ثالثة. غير أن متغيّرات كثيرة آخذة بالتبلور حتى في العراق، فحتى الأطراف ذات الولاء المطلق للولي الفقيه صارت مدركة الآن أنها مضطرّة للاستماع إلى بيئتها المحلية وإلا فإنها ستجازف بإمكانات التحشيد والعمل.
أثارت الإشارة الإيرانية إلى الوجود الأميركي في «غرب آسيا» تساؤلات، وبدت تحديداً للساحات التي تعتبرها طهران مرشّحة للمواجهة. ومع أن هذا المصطلح الجغرافي ليس جديداً، إلا أن تعمّد استخدامه يذكّر بـ«الشرق الأوسط الكبير» أو «الواسع»، كما استخدمته واشنطن في العقد الماضي، بل بما هو أوسع كما توحي به طهران لتحدّد المنطقة التي بات لها نفوذ فيها أو تستطيع التحرك فيها بالاعتماد على ميليشيات معتمدة لديها من «جبهة بوليساريو» إلى «طالبان» مروراً بباكستان وصولاً حتى إلى بلدان كأذربيجان وأرمينيا لم يسبق أن سُجّل لها ظهور فيها، لكنها تموّل وتدرّب وتسلّح مجموعات فيها وتعتبرها بمثابة «خلايا نائمة». لذلك دأب الإيرانيون وأتباعهم على القول بأن فتح أي جبهة استراتيجية بالنسبة إليهم (جنوب لبنان، مثلاً) سيعني تلقائياً فتح العديد من الجبهات.
ويعتبر خبراء ومحللون أن تأثير العقوبات على التحرّكات العسكرية الإيرانية لم يُختبر بعد، وفي انتظار ذلك لابدّ من أخذ هذا التهديد بجدّية لأنه قابلٌ للتطبيق بتحريك المجموعات المسلّحة هنا وهناك. ومع أنهم يشكّكون بفاعليته وقدرته على تشكيل مخاطر طويلة الأمد فإنهم يحذّرون من استراتيجية تعميم التوتّرات التي تتبنّاها إيران وتنفّذها حيثما استطاعت لتستثمرها في أي مواجهة شاملة. كل ذلك يفترض أن إيران ستتمكّن من الحفاظ على تماسك وضعها الداخلي وستبقى بمنأى عن أي استهداف مباشر لأراضيها إذا ما نفّذ قادة «الحرس» التهديدات التي أطلقوها ضد القوات الأميركية. وبمعزل عن التصريحات عالية النبرة فإن هذا الاستهداف وحده سيضطر إيران إلى مراجعة حساباتها.
وتفيد مصادر عديدة بأن تلك المراجعة حاصلة الآن، إذ عادت إلى الواجهة تسريبات عن وجود قناة اتصال سرّية مع الأميركيين، ومع أن الإيرانيين جمّدوها قبل بضعة شهور فإن النقاش الداخلي حول التحاور مع واشنطن يتواصل في انتظار قرار من المرشد. كانت طهران عزمت على الانتظار، معوّلةً على متغيّرات منها انتهاء التحقيقات بعزل دونالد ترامب أو مؤشّرات إلى عدم انتخابه لولاية ثانية، أو تصعيد خطير في العلاقة الروسية الأميركية. لم يعد الرهان على هذه المتغيّرات واقعياً، ثم إن الضغوط تزيد الملالي ارتباكاً، فبعدما صُنّف جيشهم إرهابياً بدأت واشنطن أخيراً تلوّح بأنها في صدد فتح ملف إيران وتنظيم «القاعدة»، ما قد يمهّد لتصنيف رسمي للدولة نفسها.
وترى عواصم عربية عدّة أن فتح هذا الملف تأخر كثيراً، رغم توفّر كمٍّ هائل من المعلومات الموثّقة التي تُظهر أيضاً علاقة إيران بتنظيم «داعش».
2 العراق وشروط الحياد الصعب مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
بإمكانات محدودة؛ يحاول العراق تجنب تداعيات المواجهة الأميركية – الإيرانية المحتملة بعد قرار واشنطن وضع «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب الأميركية، الذي من المتوقع أن يؤثر مباشرة على استقراره السياسي والأمني والاقتصادي، حيث تصرُّ طهران على تعاون بغداد الكامل معها من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية عليها، فيما ترفض واشنطن تمديد فترة السماح التي أعطتها للحكومة العراقية لوقف استيراد الغاز والمشتقات النفطية واستجرار الطاقة الكهربائية من إيران.
في المقابل؛ لم تتراجع طهران عن طلبها من الحكومة العراقية ضرورة الإسراع في إخراج القوات الأميركية من أراضيها. وفي هذا الصدد قال مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي إنه «يجب التأكد من أن الأميركيين سيسحبون قواتهم من العراق بأسرع ما يمكن، لأن طردهم يصبح صعباً عندما يستمر وجودهم طويلاً في أي بلد».
رغم موقف الدولة العراقية الذي جاء على لسان رئيس الجمهورية برهم صالح بأن «ثمة (توافقاً عاماً) على أن العراق بحاجة إلى تعاون مستمر مع القوات الأميركية طالما أن الأمر ضروري»، فإن طهران تصنف العراق ضمن مجالها الحيوي، الذي يشترط عليه مراعاة حسابات الأمن القومي الإيراني المستفَز من أي تقارب بين العراق وجواره العربي، خصوصاً مع الرياض، التي قامت بخطوات جدية في تمتين علاقتها مع بغداد في إطار سعيها إلى إعادة التوازن الإقليمي مع إيران.
حضور الرياض القوي في بغداد، والذي توَّجتْه زيارة وفد سياسي واقتصادي وثقافي منذ أسابيع، أثار حفيظة مرشد الجمهورية الإيرانية خامنئي الذي لم يراعِ الأصول الدبلوماسية أثناء استقباله رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، عندما قدم انتقاده العلني للتقارب العراقي – السعودي، حيث قال: «إن التقارب السعودي – العراقي لا يعكس حقيقة موقف الرياض»؛ الأمر الذي استدعى رداً سريعاً من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الذي أكد أن نهج حكومته «قائم على تقوية المشتركات وتعزيز فرص التعاون مع جميع دول الجوار، وعدم الدخول في محور على حساب أي دولة، ورفض سياسة المحاور، والرغبة في إقامة علاقات تخدم جميع شعوب المنطقة والتعاون مع جميع دول الجوار». فبين رفض عبد المهدي سياسة الانتماء للمحاور، وتشكيك المرشد في نوايا الرياض، يظهر قلق طهران من محاولات بغداد اتباع سياسة محايدة تجاه صراعات المنطقة في مرحلة يشهد فيها العراق عودة عربية لافتة تعزز بُعده العروبي الجماعي لأغلبيته، مع مراعاة مكوناته الإثنية والدينية كافة، بعدما استنفدت طهران العامل المذهبي الطائفي، الذي أتاح لها تاريخياً علاقة اجتماعية وثقافية مع العراق منذ توقيع «اتفاقية زهاب» بين السلطنة العثمانية والحكم الصفوي سنة 1639؛ حيث أقرت حينها إسطنبول للسلطة الصفوية بالبعد الديني في علاقتها مع العراق، فيما احتفظت إسطنبول لنفسها بالقرار السياسي في بغداد، بعد أن أعادت سيطرتها على كامل العراق.
في العلاقة الإيرانية – العراقية تفرض الجغرافيا شروطها القاسية على العراقيين المبتلين بنظام سياسي فاسد، هيمنت عليه طهران لسنوات، ولم تزل تؤثر على مفاصل صنع القرار فيه، حتى في المرحلة التي ضعف فيها تأثيرها نسبياً، فطهران المحاصرة لن تسمح بتضييق الخناق عليها، وهي تمتلك في جعبتها كثيراً من أوراق المواجهة التي ستستخدمها في اللحظة المناسبة وفقاً لحساباتها، حيث يعدّ العراق مجالاً مفتوحاً في إطار حربها المفتوحة مع واشنطن ومن تعدّهم حلفاء لها في المنطقة، وإذا عجزت طهران عن جرّ الحكومة العراقية إلى موقف يناسبها، فإنها لن تتردد في الاستعانة ببعض فصائل «الحشد الشعبي» سياسياً من أجل تعطيل عمل الحكومة وشلّ قراراتها ميدانياً من أجل استفزاز واشنطن ومقايضتها على أمن واستقرار العراق، الذي قد يتعرض لهزّات سياسية واقتصادية وأمنية إذا أجبر، بسبب موقف بعض الفصائل المسلحة، على اتخاذ قرارات تضرّ بمصلحة الدولة والشعب، مما يجعل المواجهة بين هذه القوة المسلحة والحكومة أمراً محتملاً، وهو الأمر الذي يحاول الجميع تجنبه، لأنه سيتسبب في عنف وصراع شيعي – شيعي بين جهات سياسية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة، وأطراف مدعومة من طهران وارتبط مصيرها السياسي بمستقبل النظام الإيراني.
يحتاج العراق بقواه كافة إلى اتخاذ قرار حاسم في اتباع سياسة حياد ضرورية، من أجل خروجه سالماً من مواجهة محتملة، وهو في موقف صعب يدرك حجم التغلغل الإيراني، ولا يقدر على تلبية متطلباته كافة، ولا يستطيع السير بالكامل خلف رغبات واشنطن، وهو الذي عانى من ترددها وتراجعاتها.
3 آثارنا المنهوبة من يبكيها؟
زهير ماجد الوطن العمانية
منذ طفولتي وأنا أحتفظ بذاكرة حية لفيلم سينمائي عنوانه “أحدب نوتردام” .. القصة للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيجو .. ظل الاسم يطن وبات من الذكريات الجميلة التي مرت في حياتي، إلى أن شاهدت الكاتدرائية عن قرب .. كان حلا أن يتعرف المرء على مشاهد رآها في السينما فإذا هي أمامه حية ناضرة..
اليوم احترق المشهد، كان ينقص الفيلم آنذاك مشهد النيران وهي تأكل أجمل هندسة خشبية داخلية .. ربما لم يرد مخرج الفيلم الذي يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، أن يطعم النيران واحدة من الجماليات التي أبدعها فنانون عملوا عليها منذ إنشاء الكاتدرائية في القرن الثاني عشر .. بل ربما لم يدر في خلد أحد أنه سيأتي يوم حزين كما جرى بالأمس فيها.
لا شك أنه تراث عالمي يستحيل زيارة فرنسا بدون مشاهدته .. بل إن الفرنسيين كانوا مغتبطين جدا لهذا الحرص النادر في العالم الذي تزوره الملايين من السياح كل عام ويشكل دخلا مهما لفرنسا، بل مأثرة لها.
هل كان هنالك فاعل أم ثمة أخطاء بشرية ادت إلى الحريق..؟ الفاعلون كانوا قد دمروا قبلها جملة آثار في بلادنا .. لعلها من الأكثر انتماء إلى التاريخ الإنساني .. فعلوها في العراق وقد شاهدناها أمام أعيننا، وفي سوريا أيضا .. كان تحطيم التراث الحضاري أول فعل لتلك الوحوش التي لا تتقن غير تنفيذ الأوامر .. من أصدرها لها هو المسؤول عن هذه الكارثة البشرية والإنسانية .. ثمة من لا تاريخ له ولا حضارة لا يريد كتابة تاريخ حضاري للعراق ولسوريا وغيرهما .. لم نشعر يومها أن ثمة حرصا عالميا على ما جرى لآثار سوريا والعراق، بل لم نقرأ أية تأثير من أي مسؤول عالمي أو أممي على الكنوز السورية والعراقية التي نهبت وسرقت أو تلك التي جرى تحطيمها وتكسيرها.
لا يعني ذلك أنهم يلغون تاريخا معروفا وقائما شهدته الإنسانية قبل التاريخ؛ أي قبل أن يكون هنالك تدوين كما يقول جبرا إبراهيم جبرا .. في منطقتنا وخصوصا في العراق وسوريا كانت بداية التاريخ الإنساني، كلما ذكرت حضارة بلاد الرافدين، أشير إلى أن الإنسان وضع بصمة وجوده الأولى هناك.
لم يتذمر أحد يوم هجمت الوحوش البشرية على متحف بغداد وعملت فيه نهبا وتكسيرا، وحدها وقفت مديرة المتحف وهي تبكي بمرارة وكادت أن تسقط على الأرض مرات .. صاحب التاريخ وحده من يعرف أنه أول مفتاح إنساني لحضارة ظهرت .. أما ذاك العالم يومها، فلم نسمع منه حرصا على مخزون تراثي تاريخي تم تدميره أمام الكاميرات ولم نجد صدى لهذا الفعل، بل إن وحوش الأرض الذين قاموا بالتكسير لآثار تدمر، قتلوا أبرز المتخصصين والمسؤولين عن آثار سوريا.
نتشارك مع فرنسا حزنها على معلم مهما أعيد بناؤه فلن يعود كما كان وأقلها أنفاس ماضيه وتاريخيته .. لكننا نسأل العالم الذي تضامن وتأثر، أين كنتم يوم نهب تراثنا الموغل في تاريخه والمعبر عن رحلة الإنسان عبر المكان والزمان..؟ وهل يعنيكم فقط معنى تراثكم، دون اهتمام بتراث البشرية الذي هو ملك للإنسانية كلها..؟
حزني وحزننا عميق على حريق لمكان مقدس لدى أصحابه أولا، وثانيا روعة بنائه وتحفته الفنية.. ونشارك الفرنسيين الذين صدموا بالمشهد الذي لم يتحسبوا له. أما مشاهد تدمير تراثنا فمن يبكيها..؟!