7 مقالات عن العراق في الصحف العربية والاجنبية يوم الاربعاء 

1 حرس الثورة متأهب للرد كولين كلارك وأريان تاباتاباي فوراين بوليسي

الولايات المتحدة عمدت إلى تعزيز احتمال التصاعد المتبادل مع طهران، تصاعد يتطلب موارد دبلوماسية كبيرة لتفادي تحوله إلى صراع إقليمي أوسع يشمل إسرائيل ودول الخليج العربي وإغراق المنطقة في الفوضى.
صنّفت إدارة ترامب، في خطوة غير مسبوقة، حرس الثورة الإسلامية الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، ولم يأتِ هذا القرار من دون مبرر: فقد أنشأ حرس الثورة قوات تضم آلاف المقاتلين خارج حدود إيران، فدرّبها، وموّلها، وسلّحها، ونشرها. ولا تقتصر هذه القوات على حركات تمرد محلية بل تشمل أيضاً مجموعات إرهابية مثل “حزب الله”. وتُعتبر القوات المدعومة من حرس الثورة مسؤولة عن مقتل مئات الجنود الأميركيين.
هدف قرار إدارة ترامب إلى خدمة مصالح الولايات المتحدة بعزل إيران، ولكن يبدو أنه لم يأخذ في الاعتبار الطرق الكثيرة التي يستطيع هذا النظام الرد من خلالها.

تحمل التصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومة الإيرانية إشارات إلى أن طهران تستعد لتفسير هذا التصنيف اعتداء وللرد وفق ذلك، فبعد ساعات قليلة على الإعلان الأميركي، ردت طهران بخطوة مشابهة مصنفةً القيادة المركزية الأميركية (قيادة الجيش المسؤولة عن المخاطر في الشرق الأوسط، جنوب آسيا، والقرن الإفريقي) منظمة إرهابية، وأعلن قائد حرس الثورة محمد علي جعفري أن الجيش الأميركي في المنطقة “لن ينعم بيوم سلام”. إذاً، التداعيات واضحة: سيبدأ الحرس الثوري باستهداف العاملين في الجيش الأميركي.
إذا كانت إيران تسعى اليوم إلى الرد بتصعيد التوتر ضد الجيش الأميركي، فأمامها خيارات عدة. قد تركّز على المناطق التي يملك فيها حرس الثورة وجوداً مباشراً أو على الأماكن التي يتمتع فيها عملاء إيران من غير الدول بنفوذ كبير. صحيح أن الولايات المتحدة خفضت مستوى جنودها في سورية، إلا أن إيران ما زالت تحتفظ بوجود قوي هناك وتحظى بدعم من وحدات حزب الله اللبناني في هذا البلد، فضلاً عن أنها تدير شبكة واسعة من المقاتلين الأجانب الشيعة من الممكن استخدمها لضرب الجنود الأميركيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. على نحو مماثل، في العراق حيث لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 5200 جندي، تتمتع طهران بولاء عدد من الميليشيات الشيعية البارزة، منها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر.
بالإضافة إلى ذلك، قد يبدأ حرس الثورة باستهداف المدنيين الأميركيين في الخارج إما بطريقة مباشرة أو بالعمل من خلال مجموعات بالوكالة. سبق أن أشار أفراد وقنوات لهم علاقة بحرس الثورة إلى المتعاقدين مع الولايات المتحدة وأعضاء المجتمع الاستخباراتي الأميركي العاملين في المنطقة كأهداف محتملة. ويُعتبر حزب الله المرشح الرئيس لارتكاب اعتداءات مماثلة، وقد تشمل هذه الاعتداءات الخطف أو هجمات مباشرة على الموظفين الأميركيين أو البنية التحتية الأميركية. ذكّر حسن نصر الله الولايات المتحدة بقدرات حزبه، وأكّد أنه لن يقف على الهامش مع ازدياد أعمال الولايات المتحدة في المنطقة عدائية، ويملك حزب الله القدرة على تنفيذ تهديداته بما أنه يحظى ببنية تحتية عالمية واسعة، وقد نفذت هجمات في الأرجنتين وبلغاريا، في حين أُحبطت اعتداءات له في أماكن عدة مثل قبرص، وكينيا، والهند، وتايلند، وجورجيا.
علاوة على ذلك، قد تنظّم إيران اعتداء مستخدمة وحدات الحرب عبر الإنترنت في حرس الثورة، التي سبق أن استهدفت أميركيين وشركات مالية وبنى تحتية أميركية. بخلاف الأمم الأخرى التي تملك قدرات تقنية متطورة، لا تركّز نشاطات إيران عبر الإنترنت على التجسس بل على العمليات الهجومية داخل شبكات أعدائها. على سبيل المثال، وجّهت الولايات المتحدة في شهر مارس عام 2016 تهماً إلى عدد من المواطنين الإيرانيين الذين زعمت أنهم يعملون قراصنة لدى حرس الثورة والحكومة الإيرانية. اتُّهم هؤلاء الأشخاص بشن هجوم على بورصة نيويورك، ناسداك، وعدد من المصارف والمؤسسات المالية، فضلاً عن سد بومان أفنيو في راي بروك بنيويورك، حيث تمكن القراصنة بطريقة غير مشروعة من الولوج من بعيد بجهاز كمبيوتر يتحكّم في السد.
بالإضافة إلى الاعتداءات العسكرية، قد تواجه الولايات المتحدة تداعيات دبلوماسية نتيجة تصنيف إيران القيادة المركزية الأميركية مجموعة إرهابية، فما كان يُعتبر سابقاً سوء تفاهم بسيطاً بين خصمين قد يتحول اليوم إلى شرارة تعزز التصادم. هددت إيران بالعمل ضد السفن الأميركية في الخليج العربي، الذي يتولى حرس الثورة عموماً مهمة حراسة سواحله الإيرانية، وإذا نشأ وضع شبيه بما شهدناه عام 2016 حين أمسك حرس الثورة ببحارة أميركيين في الخليج، فلن تملك واشنطن قنوات التواصل الرسمية وغير الرسمية التي أتاحت لها حينذاك تحرير البحارة. بدلاً من ذلك، قد يحتجز الإيرانيون الأميركيين رهائن لفترات زمنية مطوّلة أو حتى يؤذوهم، على نحو مماثل، صحيح أن الجيش الإيراني النظامي لا حرس الثورة هو المسؤول عموماً عن نشاطات البلد في مضيق باب المندب، وخليج عدن، وخليج عمان ويركّز خصوصاً على محاربة القرصنة، إلا أنه قد يستغل موقعه هذا ليستفز الولايات المتحدة أكثر.

حتى لو لم تثر إيران وضعاً مماثلاً، فلا مفر على الأرجح من الاحتكاك بين الجيشين الأميركي والإيراني، ومع المخاطر المتبادلة، مثل خسارة داعش أراضيه في المنطقة، تدخل الولايات المتحدة وإيران حقبة جديدة من التنافس على مسارح استراتيجية أساسية، منها أفغانستان والعراق. تعمل إيران على تعزيز نفوذها في سورية والعراق باستمرار، وتعني شبكتها المتنامية من المجموعات التابعة لها في لبنان، والبحرين، واليمن، أن إدارة ترامب لا تستطيع بكل بساطة تمني زوال الإيرانيين. على العكس، يجب أن تتوصل واشنطن إلى طريقة للاتفاق مع الإيرانيين بشأن المسائل الجيو-سياسية الدقيقة، مثل إعادة إعمار سورية، واستمرار الحملة ضد بواقي داعش، والحؤول دون غرق أفغانستان في الفوضى، وعقد مصالحة سياسية بين السنة والشيعة في العراق.
لكن الولايات المتحدة عمدت بدلاً من ذلك إلى تعزيز احتمال التصاعد المتبادل مع طهران، تصاعد يتطلب موارد دبلوماسية كبيرة لتفادي تحوله إلى صراع إقليمي أوسع يشمل إسرائيل ودول الخليج العربي وإغراق المنطقة في الفوضى.

2 دولة داخل الدولة!
صالح القلاب الرياض السعودية

هناك إن ليس إجماعاً فشبه إجماع في العراق وأيضاً في سورية، يُستثنى منه المصابون بداء الطائفية المقيتة، على ضرورة التخلص من الميليشيات الإيرانية المسلحة التي على رأسها حراس الثورة بقيادة محمد علي جعفري وبالطبع فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني والحشد الشعبي و»النجباء» ولواء «زينبيون» وكتائب «فاطميون» وسلسلة طويلة من تشكيلات يتصرف منتسبوها، وكلهم غرباء ليس بينهم أي عربي على الإطلاق، كمحتلين ويعتبرون أنه على العراقيين والسوريين أن يخضعوا لاحتلالهم الذي يعبر عن إرادة الولي الفقيه.
لقد أعلن محمد علي جعفري وبكل تباهٍ وبأعلى صوته أن حراس الثورة الخمينية قاموا بتجنيد 200 ألف عنصرٍ في العراق ومثل هذا العدد نفسه في سورية وهؤلاء قد تم استيرادهم من أفغانستان وباكستان وهذا يعزز المعلومات المؤكدة التي تحدثت والتي لا تزال تتحدث عن أن إيران وبقرار، على أعلى المستويات، عازمة على إقامة «الدولة الصفوية» مجدداً في هذين البلدين العربيين والتمدد منهما إلى باقي الدول العربية القريبة والبعيدة.
ولعل ما يؤكد أن «الحشد الشعبي» الذي تم تحويله إلى جيش عرمرمي، كما يقال، بحجة مواجهة «داعش» هو قوة عسكرية إيرانية لا تخضع لا للقوانين العراقية ولا لدولة العراق وأجهزتها العسكرية والأمنية لا بل إنها قد تصرفت ولا تزال تتصرف كدولة داخل الدولة لها محاكمها العسكرية وسجونها الخاصة وهي مطلقة اليد وتستطيع اعتقال من تريد اعتقاله وإعدام من تريد إعدامه وهذا حصل، حسب شهادات العراقيين المطلعين على حقائق الأمور، مرات متعددة ولا يزال يحصل الآن وفي كل يوم وليلة.
ولذلك وعلى هذا الأساس فقد أطلق إياد علاوي نداءً يقطر وجعاً طالب فيه بضرورة حلّ ميليشيات الحشد الشعبي «للوصول إلى دولة مدنية» وذلك في حين أن صالح المطلق قد قال وفي الوقت نفسه: إن هذا التنظيم بات غير مرغوب فيه بعد القضاء على «داعش» في حين أن منظمات حقوقية عراقية متعددة قد اتهمت الميليشيات «الحشدية» بارتكاب جرائم حرب ضد كثير من العراقيين، سنة وشيعة، ومن كل المكونات العراقية الأخرى مثل التركمان والأزيديين والمسيحيين والأكراد.. وهنا فإن الأدهى هو أن دولة الولي الفقيه قد استدعت قبل ثلاثة أيام قوة كبيرة من هذا التنظيم ومن تنظيم «النجباء» أيضاً لمواجهة عرب «الأحواز» الذين يواصلون انتفاضات متلاحقة ضد ما يتعرضون له من اضطهاد منهجي لدفعهم إلى الهجرة من «عربستان» التي هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والمؤكد أنها ستعود إليه وسواء أطال الزمان أم قصر.
3 حماية القدسية في العراق أم حماية المسؤولين الفاشلين؟ حميد الكفائي
الحياة السعودية

لا شك أن الهلع قد وصل بالأحزاب المتشدقة بالدين إلى درجة أنها تسعى لتشريع قوانين «لحماية المقدسات» من الشباب المتمرد الذي لم يعد يصدق بأي شيء تقوله! ولكن هل يمكن القانون أن يحمى القدسية؟ وكم مدينةٍ في العراق تحتاج إلى قانون يحمي قدسيتها من غضب الناس! وكم شرطيٍ ومحققٍ وقاضٍ تحتاج هذه القوانين لتفعيلها إن كانت الناس قد جزعت فعلا من استخدام المتنفذين الدين للقمع والقتل والخطف والسرقة وإهانة الآخرين وتهديدهم؟!
الفيديو الذي وضعه شاب في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن يقصد به الإساءة للإمام الكاظم الذي هو محل احترام الجميع، والدليل أن الناس من مختلف الطوائف تزور مرقده وتتسمى باسمه، لكنه كان يتحدى أدعياء الدين، الذين يربكون حياة الناس بحجة الطقوس ويغلقون الشوارع وينصبون الخيم وسط مراكز المدن، ويدخلون الجِمال والخيول في شوارع بغداد والمدن الأخرى، مستفزين الناس ومعطلين الأعمال والنشاطات، في وقت تبتعد أفعالهم عن التقوى.
منذ عام 2003 وحتى الآن، يحتدم السباق بين الشخصيات والأحزاب باسم الدين والمذهب والفضيلة من أجل الوصول إلى المناصب ونهب المال العام والتمترس بالقدسية الدينية والزي الديني وأماكن العبادة ضد أي ملاحقة قانونية أو محاسبة شعبية. معظم الأحزاب والشخصيات السياسية والدينية والأمنية والعسكرية والاقتصادية استولى على ما استطاع من المال أو الممتلكات العامة إما بالقوة أو الرشى أو الاحتيال أو الشراء أو الإيجار (الرسمي) بأبخس الأثمان، أي بالتواطؤ المتبادل، بينما بقي الإنسان العادي يقاسي شظف العيش وسوء الخدمات وهشاشة الأمن وتبعات تفكك الدولة وضعف الالتزام بالقانون.
لقد استغل السياسيون الإسلاميون الدين أبشع استغلال دون خوف من الله أو القانون ودون حياء من الناس، وفي كل انتخابات تغير الأحزاب الدينية لونها وأسماءها وشعاراتها وخطابها كي تخدع الناس من جديد، لقد بلغت «الصفاقة» حدودا بعيدة جدا بحيث أصبح الإنسان العادي يكتشف زيف الادعاءات بسهولة حتى وإن كان مطلقوها يدعون الفضيلة ويرتدون الزي الديني والانتساب إلى النبي.
عندما اعتدى «داعش» على المسيحيين والإيزيديين، بالقتل والسبي والاغتصاب، لم يكن ذلك مستغربا من تنظيم إرهابي متطرف، لكن أن يُهاجَم المسيحيون ويُحرَّم تقديم التهاني لهم في عيد الميلاد من قبل رجال دين (سنة وشيعة)، بعضهم يحمل صفة رسمية، فإن الأمر أصبح أكثر من مستهجن وسكوت الحكومة عنه أكثر من معيب. عندما يهاجِم مسؤول في الدولة أبناء شريحة مهمة من شرائح المجتمع العراقي ويتهمهم بأنهم يرتكبون الفظائع والرذائل في احتفالات عيد الميلاد، ولا يُساءل عن هذا التحريض، فعلينا أن نتوقع من الناس أن تتجاوز على القانون. كيف يتوقع هؤلاء (الروحانيون) أن يقتنع الناس بكلامهم إن كانوا يحرضون بعضها ضد بعض؟ وكيف عرف هذا (العالِم) أن المسيحيين يرتكبون (الفظائع والرذائل) في احتفالات أعياد الميلاد وهو لم يحضرها، بل ويتوهم أن تأريخ ميلاد السيد المسيح هو الأول من يناير، والسؤال الأهم هو: لماذا تتمسك الحكومة بشخص متطرف وتكلفه بمسؤولية مهمة في الدولة؟
يقول عالم الاجتماع السياسي جون رولز إن المجتمع الحديث يرفض الاضطهاد وإن سعت مجموعة سياسية أو اجتماعية لممارسة الاضطهاد ضد مجموعة أخرى فإن المجتمع بأجمعه سيقف ضد هذا الاضطهاد. وها هم العراقيون اليوم يقفون صفا واحدا ضد الاضطهاد، خصوصا وأنه يمارس باسم الدين والمذهب.
من المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا هي جهل السياسيين في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية وعدم اطِّلاعهم على تجارب الشعوب الأخرى في التعايش السلمي والنهوض الاقتصادي، كم من سياسيينا اطلع على التجارب الناجحة في المصالحة الوطنية أو التحول الديموقراطي أو الإصلاح الاقتصادي؟ للأسف، هدف السياسي عندنا هو الوصول إلى المنصب، وعندما يجلس على الكرسي، فإنه يتوهم بأنه حقق «المُنى» وبلغ غاية الطموح، بينما الوصول إلى المنصب ليس إنجازا، وقد يحصل لأسباب كثيرة لا تتعلق بالخبرة أو الكفاءة أو القدرة، كما حصل في الحكومات المتعاقبة، خصوصا الحكومة الأخيرة، ولو استعرضنا عدد الرؤساء والوزراء والوكلاء والسفراء في العراق منذ 2003 لوجدنا أن عدد المؤهلين منهم قليل جدا، بلوغ المنصب ليس إنجاز بقدر ما هو فرصة للنجاح، والأخير يعتمد على التصميم والخبرة والمعرفة بالتجارب الناجحة للاستفادة منها في التجربة الجديدة.
قليلون هم الذين يقاومون سحر المنصب، وحتى مثقفون كبار مثل جابر عصفور، تلقفوا المنصب الوزاري من دون تفكير عميق، لكن ما يسجل لجابر عصفور أنه غادره راكلاً إياه بقدميه بعد أسبوع واحد، عندما أدرك خطأه.
فاكلاف هافل، مثقف تشيكي قفز إلى الرئاسة في لحظة الثورة، لكنه تمسك بالرئاسة ولم يقدم أي إنجاز، بل عاش في أحلامه وأوهامه ولم يخدم تشيخيا مطلقاً لعدم إلمامه بما تتطلبه الرئاسة من معرفة سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية. ليخ فاليسا، نقابي بولندي قفز إلى الرئاسة في بولندا في لحظة هيجان عاطفية، ولكن بعد فترة رئاسية واحدة، لفظه البولنديون لجهله في السياسة والإدارة.
هناك حاجة ماسة لأن يتحلى السياسيون، ومن يتولون المناصب العامة، بقدر من الثقافة والمعرفة في شؤون المجتمعات الحديثة كي يبقوا على تماس مع حياة الناس المعاصرة ويبتعدوا عن الحقب الزمنية الغابرة. أفكار الناس ومزاجها في حالة تغير مستمر، وهذه طبيعة الحياة، ومن يتحجر وهو في دفة المسؤولية، سيلحق أضرارا ببلده، وسيتجاوزه الزمن وينتهي به الأمر خارج التأريخ والجغرافية.
لقد تعرض العراق إلى أبشع عملية نهب في التأريخ، شارك فيها (صائمون مصلون مزكون حاجون مجاهدون)! وكل أربع سنوات يقدم هؤلاء (المؤمنون الأتقياء) الوعود بالجملة للشعب العراقي، فتذهب الناس إلى صناديق الاقتراع وتصوت لهم على أمل أن تتغير الأوضاع، لكن العكس حصل، فكل شيء سار نحو الأسوأ بالنسبة للشعب، بينما تحسنت أوضاع القادة الأتقياء الذين بنوا القصور وامتلكوا الأراضي وكسبوا الأتباع ووظفوا الأقارب وافتتحوا أبواقاً للتطبيل لأنفسهم وتبرير مواقفهم أو تغييرها بحسب المزاج. الحلقة المفرغة التي تطورت عبر هذه الممارسات هي أنهم كلما تمددوا، ازدادت حاجتهم إلى المال وازداد جشعهم وتعديهم على المال العام.
القوانين لن تحميكم يا سادة. فقد تماديتم في استغلال الدين حتى أبعدتم الناس عنه ولم يعد هناك من يصدق بأقوالكم ووعودكم ومدعياتكم، لستم بأحرص على المقدسات من أي فرد عراقي، متدينا كان أم غير متدين، فالعقائد محترمة وهي جزء من ثقافة الناس ولا أحد يعارض أداء الطقوس، إن كانت تُؤدى دون تعطيل لعجلة الحياة والإضرار بمصالح الناس. المطلوب بإلحاح من المسؤولين جميعا، قبل أن تجتاحهم موجة الغضب الشعبي وتقذف بهم في مهاوي الردى، هو ترك الناس يعبّرون عن آرائهم ومشاعرهم بحرية، كل على طريقته الخاصة، حتى وإن كانت تعابيرهم غاضبة أو بدت مسيئة أحيانا، فهذا هو الحد الأدنى للعيش الكريم في بلد منكوب بالفساد والجهل.
4 هامشية المجتمع بين السلطوية والدين
عزمي عاشور
الحياة السعودية

أصبح تعميم الاستثناء على حساب القاعدة وتهميش المركز لصالح الأطراف والتراجع بدلاً من تجددها، ظاهرة لافتة في ظل جمود العلاقة بين شعوب العالم العربي والأنظمة التي تحكمهم، ما صبغ مجتمعاتهم بالركود على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن ثم أصبح التساؤل يتمحور حول سبب عقم هذه العلاقة والإصرار، من قِبل أنظمة الحكم، على مواصلة القمع والاضطهاد وغلق القنوات الشرعية التي يعبّر بها المجتمع عن مكنون طاقته بشكل يمكنه من جني الثمار بشكل طبيعي يتناسب مع الجهد المبذول بعيدا عن نفحات السلطة. وتعكس هذه العلاقة هامشية حركة المجتمع بتركزها في مجموعة أفراد؛ سواء الذين يرمزون إلى النظام السياسي أم الذين يخدمونه. وخطورة وجود هذه الظروف تكمن في تداعياتها التي تتخطى اللحظة التي توجد فيها إلى المستقبل، بحيث يتوازى معها في المقابل تفشي الفراغ المعنوي والمؤسسي في المجتمع، الأمر الذي يمهّد الطريق لملئه بأي وسيلة أخرى غير مشروعة ترتبط بسلوكيات هذا الفرد المغيَّب.
ومن هنا، فإن الوجود الشكلي للدولة يفرز تلقائياً سلطوية متوازية تتمثل في الدين الذي يمارس دوراً وإن كان مختلفاً في الشكل عن الدور الذي تمارسه الدولة الديكتاتورية، إلا أنه في تأثيره يتساوى إن لم يفق بتقييده للعقول والأفكار والحريات بعامة، وتكمن الخطورة في أنه عندما باتت عملية الإصلاح السياسي تطرق أبواب الكثير من الدول العربية برز الدين كمتغير سياسي مطروح في الإسهام في هذه العملية، كما في العراق على سبيل المثال والذي باتت تحكمه «صحوة دينية» بتجليات متصادمة.
يحدث هذا التفاعل في وقت كان يفترض أن يبقي الدين -أي دين – محور احترام الجميع حين يكون في إطاره الصحيح، فعندما يتوجه به إلى الآخرين يفترض أن يبقى في نطاق القيم الأخلاقية أما إذا تحول إلى عمل سياسي فيصبح عندئذ ذريعة لسلب حرية الإنسان وإرغامه على الامتثال كما يصبح وسيلة لقهر الآخرين وتبرير استغلالهم في الكثير من الأحيان. وهذه المعضلة يمكن اعتبارها من أبرز المشكلات التي تقف عائقاً أمام تطور وبناء المجتمعات العربية على أسس مدنية حديثة، سواء في حالة وجود أنظمة علمانية وديكتاتورية أم حتى في وجود جماعات تسعى إلى الحكم باسم الدين، ففي كلتا الحالتين الدين يوظف بازدواجية على حساب الحريات والتقدم ومواجهة العصر بعقل خال من القيود والحلول الجاهزة، فهو عند مستوى النظم السلطوية يستخدم في تبرير سلطويتهم خشية قفز الإسلاميين أو من على شاكلتهم إلى السلطة ومن ثم من المباح تأجيل الإصلاح حتى لو بشكل تدريجي، وهذا يشكل في حد ذاته أزمة حقيقية في كون أن حالة الاختناق التي تعيشها هذه المجتمعات هي التي خلقت وجوداً لهذه التيارات، ومن ثم لم يكن من الغريب أن يكون الحبل مشدوداً بين التيارين: السلطوي والديني لاتفاقهما في نهج الاستحواذ ونفي أو تهميش الآخر (المجتمع) بغية التمسك بالسلطة، إذ يكون التخفي وراء الشرعية تارة باسم المصلحة الوطنية وتارة أخرى باسم الدين وهو الأمر الأشد خطورة على المجتمعات التي تسعى للنهضة لكونهما يشكلان عائقاً يعمل على تكبيل المجتمع وعدم فتح الطريق لتحرره من هذه الأعباء ويرجع ذلك بخاصة لحساسية عامل الدين الذي يشكل نقطة ضعف داخل هذه المجتمعات، إذ إن نزعة التدين لدى كثيرين إذا كانت نابعة من الاعتقاد فإنها لدى آخرين أقرب إلى العادة، كما أن وجود هذه النزعة التي تبيح تحويل الدين ذاته إلى سلطة تتجاوز حق الإنسان في الاختيار الحر أو شكلاً من أشكال العصبية والتعصب لا تقل خطورة إن لم تزد عن سلطوية الدولة ما يجعل الجرأة على المخالفة غير موجودة خشية الاتهام بالزندقة والكفر في حالة الاعتراض أو الاقتراب بالنقد من هذه الشرعية، وهو أمر تتعدى خطورته اللحظات التي يحدث فيها إلى المستقبل، ما يضع المجتمع في مشكلات مستمرة تربك أي ديناميكية للتطور نظراً لوقوعه أسير هذه الازدواجية، فيجعل فئة صغيرة منه تستفيد من الوضع القائم باقترابها من السلطوية، وفئة أخرى تبدأ في البحث عن ذاتها حتى لو كان بأسلوب مخالف للواقع بأن تسير وتتبع نهج تيار التطرف. وفي ظل ذلك تبقى الفئة العظمى للمجتمع مهمشة بفعل حالة الاختناق التي أحدثتها هذه الازدواجية العقيمة ما بين السلطوية وكل ما هو راديكالي. الوضع كان سيختلف لو أن المجتمع بات حراً لا تقيده سلطوية أو أفكار راديكالية.
وبالمنظور نفسه تترجم هذه العلاقة ما بين التنظيمات الدينية ذات الطابع السياسي والمجتمع باختزالها للدين تحت شعار امتلاك الحقيقة وتقديم الحلول الجاهزة لكل المشكلات, وكل ماعدا ذلك فهو باطل بمنطق يناقض طبيعة التطور البشري نفسه الذي لعب فيه عقل الإنسان دوراً كبيراً في الحفاظ عليه من الاندثار بأن صنع له تاريخاً يستفيد منه ويبني عليه، فـ«تديين» عقل المجتمع بهذا النمط الأحادي التفكير يقتل مبدأ طالما كان عنصراً مهماً في النهضة الحديثة ويتمثل في «الحرية» التي كانت نتاجاً للتوازن الذي حدث في المجتمعات الغربية؛ باعتبارها تعبيراً عن حاجة ملحة من ناحية وعن توفر الوسائل لتلبيتها سلمياً من ناحية أخرى، أما في واقع المجتمعات الإسلامية فإن الأمر يختلف كثيراً عن ذلك، وهذا ما جعل التيار الأصولي في جانب منها رد فعل لفشل الأنظمة السياسية القائمة ولعجز القوى والأحزاب العلمانية في أن تكون بديلاً لهذه الأنظمة.
5 انعطافة إستراتيجية عميقة بين الرياض ـ بغداد إميل أمين الشرق الاوسط السعودية

يمكن وصف المبادرات السعودية الأخيرة ناحية العراق الشقيق بأنها، وعن حق، انعطافة إستراتيجية عميقة، تؤكد وضوح الرؤية لدى صانع القرار في المملكة، والعزم على بلورة منهج ضبط المسافات في الأوقات القيمة ما بين الرياض، وبقية عواصم العالم، لا سيما العربية القريبة جغرافياً، والوثيقة واللصيقة الصلة ديموغرافياً، وحيث روابط الدم والإخوة، الدين والثقافة، عاصم في زمن العواصف.
زيارة الوفد السعودي إلى العراق الأيام القليلة المنصرمة، وبمزيج فريد من وزارة التجارة والاستثمار من جهة، والثقافة من جهة ثانية، يبين ما أشرنا إليه أكثر من مرة، عن حالة نهضة فكرية سعودية، نهضة تدرك الحاجات العصرانية للسياسات الدولية، إذ لم تعد القضايا أمنية أو عسكرية فقط، بل بات البعد الاقتصادي، وكذا الاجتماعي، عطفاً على عوامل الموروث التاريخي، جميعها فاعلة في إعادة تشكيل الهويات اللزجة والمتغيرة، في عالم جيوبوليتيكي متغير وسريع.
حين تجري المقادير بافتتاج قنصلية سعودية جديدة في بغداد، فإن حساب الحصاد الأولي يعني بناء جسر جديد بين عاصمة الرشيد والمملكة، جسر إنساني من اتجاهين كما وصفه وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، يعزز العلاقات بين البلدين، ويسهل التعامل الحياتي على كافة الأصعدة.
يلفت الانتباه في زيارة الوفد السعودي الذكاء الاجتماعي في مصاحبة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، الذي بات حقاً وقولاً أحد محركات الوعي السعودي المتجدد في الآونة الأخيرة، للوفد الاقتصادي، وكأنهما جناحان لا بد لهما من أجل مستقبل علاقات سعودية عراقية تستنهض من الماضي التليد مآثره، وكلماته خلال زيارته لشارع المتنبي عن العراق و«الحضارات التي لها قصة لم ترو»، يشبع ولا شك حاجات الشوفينية الإيجابية إن جاز القول عند الإخوة العراقيين، ويعيد إليهم ثقتهم في أنفسهم بعد عقود طويلة من الاضمحلال، كاد الرماد يغطي فيها على دولة وشعب تتراكم تحت جلده حضارات خمس، وليس حضارة أحادية.
الذين قدر لهم متابعة زيارة الوفد السعودي بنظرة تحليلية عميقة، أدركوا أن المملكة تذهب في طريق العراق ضمن إرادة عربية واسعة لاستعادته مرة أخرى إلى الأحضان العربية، والسعودية لا تلعب على المتناقضات الطائفية، أو تغازل الأوتار العرقية المتباينة، ولم تكن يوماً مدفوعة بفلسفة المحاصصات الضيقة الأفق، التي تؤدي إلى التشارع والتنازع، وإنما رأينا وفداً يتوجه إلى العراق الدولة، وإلى الشعب العراقي، بمختلف أطيافه وأطرافه كتلة واحدة، والهدف المنشود هو بث المزيد من التشجيع والحماسة في صفوف العراقيين، من أجل الوصول إلى حالة الاستفاقة الكاملة والخلاص من الأسر الآيديولوجي والدوغمائي وحتى اللوجيستي، لقوى لا تحمل خيراً للعرب طوال التاريخ.
قبل زيارة الوفد السعودي إلى العراق بدا وكأن هناك صحوة عربية جهة العراق، فقد رأينا على سبيل المثال السيد عادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق في مصر، وشاهدنا قمة مصرية أردنية عراقية، وقرأنا عن شراكات مستقبلية ترتسم في الأفق، لا سيما أن الحاجة الآنية تولد الكثير من الرغبات عند العرب لمزيد من التضامن المنشود والمفقود، فمن تجارة واقتصاد مشترك، وعراق يحتاح إلى إعادة بناء البنية التحتية، إلى أزمة لاجئين ومشردين، وإرهاب لا يظن أحد أنه اختفى مرة وإلى الأبد، بل ينتظر الفرصة ليعود من جديد بأقنعة مختلفة، تبقى الحاجة للقاء والحوار والجوار.
أدركت المملكة وبعمق أن كافة مربعات العلاقات التي تترك فارغة من الجانب العربي والخليجي في العراق، سوف تسعى إلى ملئها ثلاث قوى غير عربية، لا تقيم للمصالح العربية وزناً، ولا تحفل بها، ونحن نتكلم عن إيران وتركيا، وحتى إسرائيل التي لا توفر مؤخراً جهداً لإيجاد مداخل طروادية لكافة بقاع وأصقاع العالم، وهو إدراك جيد وفاعل يراعي واقع العراق القادم. لا يفوتنا أن نشير إلى تصريح أخير أطلقه المرشد الإيراني على خامنئي قبل أيام وغداة زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى إيران، فقد انتقد التقارب السعودي – العراقي، معتبراً أنه لا يعكس حقيقة موقف الرياض من بغداد. لا تدهشنا تصريحات خامنئي ولا شهوات قلبه السلبية ناحية التقارب بين الإخوة في المحيط العربي، ولهذا لا يوفر أن يضع العصا في دواليب العلاقات التي وصفها الرئيس العراقي برهم صالح بأنها ذات جذور تاريخية، وتنمو وتتعزز باطراد، وبما ينسجم وتطلعات قادة وشعبي البلدين الشقيقين.
يحتاج العراق إلى الطوق العربي بأسرع ما يمكن لإنقاذه من الخناق الإيراني التركي الذي يحاول أن يقبض على رقبته، وبخاصة في ظل معطيات مرتبكة وملتبسة شرق أوسطياً، بعضها نتيجة طبيعية لأحداث عقدين من الانحدار العربي، والبعض الآخر إفرازات منطقية لمعطيات صراع شرق أوسط محتدم، ولا يعرف أحد إلى أين تمضي بوصلته.
الانفتاح السعودي الأخير على العراق يفتح الأبواب واسعة، ويعبد طريق حلم إنتاج مشروع عربي جديد في المنطقة، بجناحيه التكامل الاقتصادي، ورؤية للدفاع العربي المشترك.
لا يتوجب على العرب انتظار «عودة غودو» العراقي، الذهاب إليه أرفع وأنفع في الحال دون الاستقبال.
6 شكرا جوليان أسانج
هيفاء زنكنة

القدس العربي
«احرقهم… نعم كلهم!»، يقول الجندي الأمريكي مشجعا زميله وهو يرش العراقيين الذين يتراكضون في الشارع، في بغداد الجديدة، تحت مروحية الاباتشي. يعجبه مرأى الضحايا على الأرض، فيصرخ فرحا «آه، نعم، أنظر إلى هؤلاء الأوغاد الميتين. منظر لطيف». وعندما اكتشفت قوات الاحتلال، فيما بعد، وجود طفلين بين الجرحى، قال المسؤول عن رش الضحايا بالرصاص، مبررا جريمته «حسنًا، إنه خطأهم… جلب أطفالهم إلى المعركة». ليس هذا الحوار واطلاق صرخات الفرح بالقتل المتعمد هو لقطة في فيلم هوليوودي. بل هو واحد من الأفلام والوثائق السرية التي كشفها الصحافي جوليان أسانج عام 2010، في تسريبات، ما بات يعرف بـ«ويكيليكس»، التي أدت إلى القاء القبض عليه من قبل الشرطة البريطانية، يوم الخميس 11 نيسان/ أبريل، بعد إخراجه عنوة من سفارة الاكوادور، في لندن، بعد سبع سنوات ونصف من بقائه لاجئا فيها. تم خلال سنوات لجوئه الكشف عن مئات الآلاف من الوثائق الأمريكية وغيرها الفاضحة لتبادل المعلومات التي طالما أريد لها ان تبقى طي النسيان، والا يطلع عليها المواطنون لما تحويه من مساس بحرية الفرد والرأي ومساحة التآمر عليه، غالبا، بذريعة «الأمن القومي».
كان الفيديو الذي كشف جريمة قتل 12 مواطنا عراقيا، عام 2007، بضمنهم صحافيون عاملون لدى وكالة أنباء رويترز، وهما نمير نور الدين ( 22 عاما) ومساعده سعيد شماغ ( 40 عامًا، متزوج. ترك أرملة وأربعة أطفال)، والذي ساعدت صحيفة «الغارديان» البريطانية، على توزيعه بشكل واسع، ومن ثم تناقلته أجهزة الإعلام، في جميع انحاء العالم، هو الذي سلط الأضواء بقوة على أهمية عمل فريق «ويكيليكس» التحقيقي الصحافي، المستند إلى حق حرية التعبير، وهو الذي جعل الادارة الأمريكية تطالب برأس الفريق أسانج، حسب فرضية إقطع الرأس تتخلص من الجسد، وبعد أن القت القبض على الجندي الأمريكي برادلي ماننغ، الذي قام بتسريب الفيديو، مع 750 ألف وثيقة عسكرية ودبلوماسية أخرى، إلى «ويكيليكس».
احتل الفيديو أهمية خاصة، أيضا، على الرغم من كشفه بعد مرور ثلاث سنوات على ارتكاب المذبحة، لأنه أوضح بالصوت والصورة، زيف الادعاءات عن « التحرير» و«انسانية» المحتل.
اذ بينت صرخات الابتهاج بحصد الأرواح من طائرة مروحية من طراز أباتشي (المرتبطة بالاذهان بالمجازر الأمريكية بفيتنام)، وبآلات القتل المتطورة، كيف تعتبر قوات الاحتلال نفسها: إنها فوق البشر. وكيف ترى العراقيين كأوغاد مجهولي الهوية، يحاولون الحاق الضرر بهم وهم الذين جاؤوا لـ« تحريرهم».

كان الفيديو الذي كشف جريمة قتل 12 مواطنا عراقيا، عام 2007، بضمنهم صحافيون عاملون لدى وكالة أنباء رويترز، هو الذي سلط الأضواء بقوة على أهمية عمل فريق «ويكيليكس» التحقيقي الصحافي، المستند إلى حق حرية التعبير

العراقيون، إذن، أوغاد، بلا اسماء، بدون إنسانية – وتجريدهم من إنسانيتهم، كفعل منهجي متعمد، يجعل قتلهم سهلاً. هكذا، مارس المحتل الأمريكي والبريطاني التعذيب، بأبشع صوره، في سجن أبو غريب ومعسكر «بريد باسكت»، وارتكب المجازر في مدينة حديثة (التي تمت مقارنتها بمذبحة ماي لاي خلال حرب فيتنام) ؛ والاسحاقي (حيث قتل 11 مدنيا عراقيا في يونيو 2006) ؛ والفلوجة التي تم هدم 70 بالمئة منها، بالاضافة إلى اغتصاب وحرق الطفلة عبير الجنابي وعائلتها، ومن ثم اتهام « المتمردين السنة» ليغطي الغزاة جريمتهم. وغالبا ما يأتي أحدهم ليبرر جرائم قتل الاطفال بأن الخطأ هو «خطأهم»، أي اهل البلاد، لأنهم يجلبون الاطفال إلى أرض المعركة. ولأن جوهر المحتل واحد أينما كان، استمعنا إلى ذات التبرير من قبل ناطق باسم الكيان الصهيوني عندما وثقت كاميرا (قناة فرانس2) في 30 أيلول/سبتمبر 2000، جريمة قتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة ( 11 سنة)، وهو بحضن والده جمال، وسط قطاع غزة، لحظة بلحظة. حيث واصل جنود الاحتلال رشهما بالرصاص بعد أن اختبأ خلف برميل إسمنتي طلبا للحماية من عمليات إطلاق النار. إدعى متحدث الكيان الصهيوني، للتبرؤ من قتل محمد الدرة، بعد أن هزت صورته ضمير العالم «أن الفلسطينيين يضحون بأطفالهم لتشويه صورة إسرائيل»!
بالاضافة إلى الفيديو، نشرت منظمة «ويكيليكس» الاعلامية، يوم 22 أكتوبر 2010، أكبر تسريب عسكري سري في التاريخ، وهو نشر 391،832 من «سجلات حرب العراق»، التي توثق الحرب واحتلال العراق، من 1 يناير 2004 إلى 31 ديسمبر 2009 (باستثناء شهري مايو 2004 ومارس 2009) كما سجلها جنود الأحتلال في التقارير الرسمية، ووصفوا فيها الاحداث، كما رأوها وسمعوا عنها، دقيقة دقيقة. وهي أول لمحة حقيقية عن التاريخ السري للحرب التي كانت حكومة الولايات المتحدة مطلعة عليه طوال الوقت، حسب تعبير ويكيليكس.
توثق السجلات المنشورة في موقع Iraq War Logs ))، بالتفصيل، وفاة 109،032 شخص في العراق، تتألف من 66،081 ‘مدني’ ؛ 23984 «عدو» (من يطلق عليهم اسم المتمردين) ؛ 15،196 «دولة مضيفة» (قوات الحكومة العراقية) و 3،771 «صديقة» (قوات التحالف). غالبية القتلى أي 60 بالمئة من 66 ألف هم من المدنيين. بلغ معدل القتلى 31 مدنيا في اليوم خلال فترة السنوات الست. للمقارنة، توضح «مذكرات الحرب الأفغانية»، التي أصدرتها ويكيليكس سابقا، والتي تغطي نفس الفترة، مقتل حوالي 20 ألف شخص. مما يجعل ضحايا العراق الموثقين لدى قوات الاحتلال خلال نفس الفترة، خمسة أضعاف العدد في أفغانستان لنفس النسبة السكانية. وغني عن القول ان أعداد الضحايا أكبر بكثير اذا ما حسبنا وفيات الجرحى بعد حين، وكذلك الوفيات نتيجة دمار المستشفيات وانتفاء الخدمات الطبية وسوء المواصلات.
هذه الأعداد المسماة بـ«الوفيات الإضافية» هي التي تم التعامل معها عالميا لتقدير نتائج الحروب السابقة، والتي استخدمت في تقديرات مجلة لانسيت الطبية المعروفة عالميا، عام 2006 عن وفيات العراق الإضافية، وهي 654 الف عراقي في السنين الثلاث الاولى للاحتلال.
بالنسبة الينا كعراقيين، للسجلات الأمريكية العسكرية التي كشفها جوليان اسانج، مهما كانت نسبة تسجيلها، أهمية قصوى، خاصة في مجال محاسبة المسؤولين عن شن الحرب ضد العراق كمجرمي حرب، والى ان يبادر عدد من الباحثين العراقيين بتفكيك الرموز المتعارف عليها عسكريا، التي استخدمت بكتابتها، ومن ثم ربطها بمجريات الاحداث والجرائم التي غطتها الصحافة، وتقديم ولو جريمة واحدة إلى المحاكم الدولية، إلى ان يتم ذلك اقول شكرا جوليان اسانج فلولا ما سربته لنا أنت وفريق منظمة «ويكيليكس» من سجلات جرائم بحق شعبنا، من حقائق عن الحرب الامبريالية القذرة، لما كان بامكاننا حتى ان نحلم بذلك.
7 هبوط مؤشر الميليشيات الإيرانية في بورصة عروبة العراق حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

أصبح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكما يبدو بعد نتائج تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بعدم وجود دلائل على تعاون بين أي من أعضاء حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016 وبين روسيا، أكثر انصرافا لتنفيذ رؤيته في السياسة الداخلية والخارجية، إضافة إلى استقرار تطلعاته نحو كسب معركته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية.

قرار إدراج قوات الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية وإن كانت تكملة للعقوبات الأميركية المفروضة على النظام الإيراني، هو قرار يحتل مرتبة متقدمة من الثقة بدعم مجلس الشيوخ وأيضاً مجلس النواب وتوافق لأعضاء من الحزب الديمقراطي في كلا المجلسين، وبتوقيت صار بالإمكان فيه تفهم دور الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يتولى مهمة إدارة الميليشيات في دول المنطقة، ومنها الميليشيات التي ابتلعت العراق في السياسة والأمن وارتهنت اقتصاده لتقويض آثار العقوبات.
الميليشيات الإيرانية تتباهى وتتفاخر منذ سنوات بأنها جزء من الحرس الثوري في التمويل والتدريب والتجهيز، وهي بذلك لا تحتاج إلى فتاوى من مراجع مذهبية أخرى في بلدان نشاطها، وإن كانت تستغلها، كما حصل في العراق لتبرير تشكيلها أو بقائها رغم أن كياناتها كمنظمات مسلحة ارتبطت بالحرس الثوري استجابة لحماية سلطة الخميني منذ 22 أبريل 1979.
التصريحات المفعمة بغرور الولاء للولي الفقيه الإيراني وحرسه الثوري، تحولت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات إلى نقمة، خاصة بعد إدراج حرس النظام وفيلق ميليشياته على قائمة الإرهاب، بما يعني تصنيف عناصرها كإرهابيين ينبغي ملاحقتهم كمطلوبين للعدالة الدولية، ولاحقاً سيطرح السؤال الذي ظلّ معلقاً بشأن تقييد حركة قائد فيلق “القدس” قاسم سليماني وتحديدها، وهو ما ذهب إليه النظام لإتاحة المجال لدبلوماسية وزير الخارجية محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني لتكملة أداء الشوط الإضافي لمشروع إرهاب ولاية الفقيه.
ترتفع بعض الأصوات بثنائية الخوف والسخرية من تصنيف الحشد في العراق كمنظمة إرهابية جنباً إلى جنب مع أصوات لا ترى أصلا في الحشد “الشعبي” إلا منظمة إرهابية تقع تحت طائلة العقوبات على الحرس الثوري استنادا إلى اعترافات زعماء الحشد والميليشيات المنضوية فيه بانتمائهم إلى حماة الثورة الإيرانية.
الحرس الثوري في إيران له واجبات لا صلة لها بالجيش الإيراني، أي بمن يحمي الوطن والشعب والحدود. الحرس واجبه ضمان بقاء النظام وهذا ينطبق بالمطلق على الحشد في العراق وعموم الميليشيات الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري، أي إنها تقوم على حماية النظام وبقائه، لكن أي نظام؟ هل المقصود حماية النظام السياسي في العراق، أم حماية المشروع الإيراني الذي تتصدى لتنفيذه الأحزاب والحكومات التي تدين بالولاء العقائدي لولاية الفقيه؟
النظام الحاكم في العراق يفترض أن يدين بالولاء للمحتل الأميركي، لتواطئه القديم معه منذ زمن ما يعرف بالمعارضة، وهي فترة تفضح الاندفاع الإيراني لتوصيل الخدمات، بتلك الأحزاب المتوطنة على العداء مع وطنها الأم لصالح ولائها العقائدي لمشروع الملالي. خدمات موثقة بالتقارير والصور إلى الاستخبارات المركزية الأميركية، لكن ما الذي صنع من الشيطان الأكبر حليفاً “مؤقتاً” إذا اعتبرنا ذلك مناورة لإسقاط النظام الوطني السابق في العراق واستبداله بنظام حكم خاضع لولاية المرشد؟
هل فات نظام ولاية الفقيه أن الولايات المتحدة الأميركية ستجاورها مع عملائها عند احتلال العراق؟ بمعنى أدق إن إيران ساهمت في إدخال الأفعى التي تخشاها إلى الحجرة المجاورة، أم أنها خططت لذلك ضمن منطق أمنيات الاستئثار بالسلطة في العراق بالتقرب المسبق من الدولة العظمى بوسطائها لفرض نظام سياسي يتناغم مع إرادتها في تمزيق العراق، نظام يتماشى مع توجهات الإدارة الأميركية في فترة الرئيس جورج بوش الابن، وما أكدته الإدارة التالية لها للرئيس باراك أوباما من مساومة ومهادنة المشروع الإيراني في العراق والشرق الأوسط مقابل الاتفاق النووي سيء الصيت والنوايا.
بعد أن استنفد النظام الإيراني غاياته المرحلية في تدمير العراق وأجزاء مهمة من المدن العربية تحت مظلة الاحتلال الأميركي، أصبح النظام يدرك تماماً مخاطر مهنة الإرهاب والاستمرار فيها، لذلك هو يلجأ في ظل المتغيرات إلى تقديم الميليشيات كخسائر ضمن حساباته المتوقعة لإعاقة وتأخير المواجهة مع النظام وقوات حرسه، أو لإعطاء المزيد من فرص المراجعات والمبررات السياسية للعودة إلى طاولة المفاوضات امتثالا لأوضاعه الداخلية.
بعد 40 سنة من إرهاب النظام الإيراني ما عادت لعبة المرونة في السياسة أو الاختباء في جلباب حجة الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية لترويض الاحتقانات، لعبة تجريب للثقة. فالوقائع تشير إلى هروب أعداد من منتسبي الحرس الثوري إلى الخارج من الذين تقادمت عليهم السنين في الخدمة وأحيلوا على التقاعد أو من الذين أصبحوا خارج الخدمة لأسباب مختلفة، وهؤلاء معظمهم وضعوا تحت المراقبة خوفاً من فرارهم بما يمتلكونه من معلومات، وتحديداً بعد قرار تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.
في بريطانيا ودول أوروبية أخرى برزت إلى السطح ملامح تأييد لقرار الرئيس دونالد ترامب في أعقاب جرد متواصل لسلسلة من الاغتيالات أو الهجمات الإرهابية، أو دعم التطرف أو الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وعلى مستوى العالم نفذها الحرس الثوري الإيراني.
ما يهمنا أن العلاقات العربية مع أهلنا في العراق تأخذ مداها في عودة الروح والأمل بالغد بعيداً عن معاناة سنوات ليست بالقصيرة استنزف فيها شعب العراق بحماقة الاحتلال الأميركي، وبمناورات النظام الإيراني ومشروعه الإرهابي المتخلف والدموي الذي استهلك أيضاً حياة الشعوب الإيرانية.