مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 ليلة القبض على الحرس الثوري مصطفى فحص
الشرق الاوسط السعودية

من جديد، تواجه طهران صعوبة في كيفية الرد على قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب وفريق البيت الأبيض الذي يبدو في هذه المرحلة أكثر انسجاماً مع مواقف ترمب الذي لم يترك لطهران إلا خيارين لا ثالث لهما؛ إما الجلوس على طاولة المفاوضات للبحث باتفاق نووي جديد وإما المواجهة.
وتعلم طهران المحاصرة بعقوبات شديدة أن في الخيارين حسابات ربح ضئيل ستكسبه بشروط، وخسارة قاسية لن تقدر على تحملها، وأن هذه الإدارة مصرة على استخدام كل أنواع الضغوط من أجل إجبارها على القبول بحوار جدي للوصول إلى اتفاق جديد تطبق فيه الشروط الاثنا عشر التي وضعها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، والتي يشكل بعض من بنودها نهاية لنفوذ لا يمكن للنظام القبول بها لأنها بداية نهايته. فوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة يتعارض مع دور وعقيدة الحرس الثوري في مشروع تصدير الثورة، كما أن إصرار طهران على تطبيق نموذجيها السياسي والعسكري بات في نظر واشنطن أداة لزعزعة الاستقرارين الإقليمي والدولي، لذلك تعمل على تقويض الدور الخارجي للحرس الثوري الذي يعود إليه رسم سياسات إيران الخارجية وتنفيذها عبر فيلق القدس الذي وصف الرئيس الأميركي قائده الجنرال قاسم سليماني بوزير خارجية إيران الفعلي، فتصنيف الحرس الثوري على قائمة الإرهاب الأميركية يجعل احتمال الاحتكاك المباشر أو شبه المباشر بين عناصر فيلق القدس الناشطين في أكثر من دولة يوجد فيها حضور أميركي، كبيراً ومؤثراً، هذا الاحتمال يفرض على حكومات هذه الدول اتخاذ تدابير إما تتوافق مع قرارات واشنطن والاستعداد لتحمل تداعياتها وإما رفضها، ما يضعها في عين العاصفة الأميركية، فنظام طهران الذي انتقل إلى معركة الدفاع عن النفس، بات أسيراً لتركيبته التي لا تساعده على القيام بأي تنازلات تخفف عنه وطأة الحصار الأميركي.
فشرعيته التي يستمدها من فكرة العداء للغرب خصوصاً الولايات المتحدة التي تشكل العصب العقائدي الذي قام عليه التماسك بوجه ضغوط الداخل والخارج ستتعرض للتفكك في حال قبل بالتراجع عن بعض من مواقفه، لذلك من المرجح أن يلجأ النظام إلى خيار التشدد حفاظاً على مكاسبه، ودفاعاً عن بقائه نتيجة معرفته العميقة بأن خطوة واحدة إلى الوراء لن تكون الأخيرة.
بعد 40 سنة على قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اتخذت واشنطن لأول مرة قراراً يطال حارس النظام ومصدر قوته وبقائه، فقد اعتبر الرئيس الأميركي أن هذا القرار ينهي عصر سياسة الإنكار حول علاقة الحرس الثوري بالإرهاب، مشيراً إلى أن «الحرس الثوري يقمع الإيرانيين في الداخل ويمارس الإرهاب في الخارج». اتهام ترمب للحرس برعاية الإرهاب ووزير خارجيته بالضلوع في مقتل 603 جنود أميركيين في العراق وبالمسؤولية عن انفجار الخُبر في السعودية، يعزز شكوك طهران في أن واشنطن لن تتوقف عند مطالبها من النظام بتغيير سلوكه الخارجي، بل إن هذه الخطوة مقدمة لمشاريع تطالب بتغيير طبيعة النظام، وهذا ما ترفضه طهران أصلاً كونه يتعارض مع الدستور الإيراني الذي ينص على أن الحرس الثوري (باسداران) يقوم بحماية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج. وإذا كان من الصعب التكهن بردات فعل الداخل الإيراني المحتقن نتيجة العقوبات الاقتصادية وهدر الثروات الوطنية على المشاريع الخارجية، فإن حماية النظام في الخارج تُحمل الباسداران مسؤولية الدفاع عن مصالح إيران الخارجية ونفوذها الاستراتيجي الذي حققته عبر قوى عسكرية واقتصادية غير حكومية من المرجح أن تكون تحت المجهر الأميركي في الفترة المقبلة، خصوصاً أنها من المفترض ستشكل الأداة التي سيستخدمها الحرس للرد غير المباشر على القرار الأميركي.
في 8 أبريل (نيسان)، أصدرت واشنطن قرار القبض على الحرس الثوري، في التاريخ ذاته قبل 18 عاماً وقفت دبابتان أميركيتان على جسر الجمهورية في بغداد، وانتظرتا 24 ساعة قبل التوجه إلى ساحة الفردوس من أجل إسقاط تمثال صدام حسين وإعلان انتهاء حقبة حكم البعث، فهل يجعل هذا التزامن في التواريخ النظام الإيراني يعيش تحت هاجس 9 أبريل إيراني؟ ليس بالضرورة أن يكون نسخة طبق الأصل عن العراقي، لكنه إما أن يمهد لانحصار للنفوذ الإيراني في الخارج أو يفتح الطريق لتغيير من الداخل.
2 ماذا يعني القرار الإيرانيّ بوضعِ القُوّات الأمريكيّة في آسيا والشّرق الأوسط والقرن الأمريكيّ على قائمة الإرهاب؟
عبد الباري عطوان
راي اليوم بريطانيا

لا يُمكِن النّظر إلى القرار الأمريكيّ بإدراج الحرس الثوريّ الإيرانيّ على لائِحة الإرهاب بعيدًا عن التّصعيد الأمريكيّ على كافّة الصّعد ضِد إيران، مع اقتِراب موعد تطبيق المرحلة الثانية من العُقوبات الأمريكيّة مطلع شهر آيّار (مايو) المقبل لمنع أيّ صادرات نفطيّة إيرانيّة إلى الخارج، ولا نستبعِد أن تكون الخُطوة الاستفزازيّة هذه أحد فُصول الخُطّة الأمريكيّة الإسرائيليّة وشيكة التّنفيذ بعد هذا التّاريخ.
إنّ هذا القرار ليس أمريكيًّا وإنّما هو قرار إسرائيليّ بالدّرجة الأولى فضحه بكُل وضوع بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، عندما وجّه الشّكر لـ”صديقه” ترامب الذي استَجاب لطلبه في هذا الخُصوص.
الرّد الإيرانيّ جاء سريعًا وعلى أعلى المُستويات ابتداءً من السيد علي خامنئي، المُرشد الأعلى، مُرورًا بوزير الخارجيّة المُعتدل، محمد جواد ظريف، وانتهاءً بالرئيس حسن روحاني، وتمثّل في تصنيف جميع القوّات الأمريكيّة العامِلة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي على قائمة الجماعات الإرهابيّة.
الحرس الثوري الإيرانيّ لن يتأثّر بالقرار الأمريكيّ، ولكن القوّات الأمريكيّة هي التي قد تدفع ثمنه دمًا فيما هو قادم من أيّام، لأنّها قد تكون هدفًا لهجمات من أذرع إيران الضّاربة في لبنان وسورية والعِراق وباكستان ودول أُخرى.
***
منع عناصر الحرس الثوري الذي يُعتبر رسميًّا أحد ألوية الجيش الإيرانيّ من دُخول الولايات المتحدة لن يكون له أيّ قيمة على أرض الواقع، فهؤلاء لا يقِفون في طوابير طويلة أمام القنصليات الأمريكيّة للحُصول على تأشيرة دخول لقضاء إجازاتهم للتسوّق من أسواق ومحلّات الموضة فيها، أو في كاليفورنيا لقضاء إجازة في مُنتجعاتها.
الرئيس روحاني كان مُحقًّا في اتّهامه للولايات المتحدة بأنّها زعيمة الإرهاب الدوليّ داعمًا هذا الاتّهام بالتّذكير بإسقاط صاروخ أمريكي لطائرة مدنيّة إيرانيّة فوق الخليج عام 1998 وقتل 290 من ركّابها، ونُضيف من عندنا لائحة طويلة من المجازر التي ارتكبها الجيش الأمريكيّ قبل وبعد احتِلال العراق، وفاق عدد ضحاياها المِليونين.
الأمير محمد بن سلمان اعترف بالصّوت والصّورة في أحد مقابلاته التلفزيونيّة أن الولايات المتحدة هي التي طلبت من بلاده نشر المذهب الوهابي، ودعم العديد من المنظمات الإسلاميّة المُتشدّدة لقِتال الشيوعيّة، وقوّات الاتّحاد السوفييتي، ليس في أفغانستان فقط، وإنّما في مُختلف أنحاء العالم، أمّا الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري الأسبق، فأكّد أن بلاده لم تدفع دولارًا واحدًا للجماعات “الإرهابيّة” في سورية دون تنسيقٍ مع الولايات المتحدة وأجهزة مُخابراتها، وعلى رأسها “سي أي إيه”.
الرئيس ترامب وهو يُغرّد بهذا القرار الخطير نسِي أن هُناك أكثر من 5500 جندي أمريكي يتواجدون في قواعد عسكريّة في العراق، وأن الفتوى التي أصدرها السيد خامنئي قبل بضعة أيام أثناء لقائه مع السيد عادل عبد المهدي طالبت بإخراج هذه القوّات بأسرعِ وقتٍ مُمكن، وهذا يعني استهدافها بهجمات انتحاريّة على غرار ما حدث لقوّات المارينز في بيروت عام 1983، وأدّت إلى مقتل 299 جنديًّا أمريكيًّا وفرنسيًّا، ولا نعتقد أن ترامب الذي بات “ألعوبة” بين يدي صديقه نتنياهو يعرف هذه الحقائق.
في العِراق هُناك فصائل الحشد الشعبي التي تضُم أكثر من ألف مُقاتل، إلى جانب امتدادات لها في سورية ولبنان ودول عربية وإسلاميّة أخرى، ولا نعتقد أن هؤلاء سيتردّدون لحظةً في تنفيذ أيّ أوامر تصدر لهم بمُهاجمة القوات الأمريكيّة، والإشارة للقرن الافريقي في البيان الصادر عن مجلس الأمن الإيراني الأعلى لا نعتقد أنها وردت بمحض الصّدفة، إنّما في اطار خطّة مدروسة، وربّما للتّذكير بإسقاط طائرة أمريكيّة في الصّومال عام 1993 ومقتل مُعظم الذين كانوا على متنها، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكيّة في حينها إلى الهُروب في أيّام معدودة من المِنطقة بأسرها خوفًا ورُعبًا.
الرئيس ترامب بات مهندس الحملة الانتخابيّة لنتنياهو ومُنفّذ أجنداتها، ومجنِّدًا النّاخبين الإسرائيليين في خدمتها، فبعد نقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس المحتلة، وضم هضبة الجولان، إسقاط صفة الاحتلال عن الضفّة والقطاع، ها هو يضع الحرس الثوريّ الإيرانيّ على قائمة الإرهاب.