4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 مواسم الزيارات الدينية في العراق… حسابات وشجون صادق الطائي القدس العربي

باتت مواسم الزيارات الدينية في العراق تمثل محنة حقيقية على عدة أصعدة؛ أمنيا واقتصاديا وخدماتيا. فالزحام يخنق العديد من المدن وفي مقدمتها العاصمة بغداد، أما بقية المحافظات فإن الاختناق يرتبط بمدى قربها أو بعدها عن مركز الزيارة الدينية. ونحن نعيش هذه الأيام إحياء ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم، ونشهد ما تعانيه العاصمة في كل عام مع حلول هذا الموسم، وقد وجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتعطيل الدوام الرسمي يوم الثلاثاء الثاني من إبريل/نيسان الجاري، بمناسبة الذكرى، وقد أعلن رئيس الحكومة الأمر أثناء مؤتمره الصحافي الأسبوعي.
وتعد ظاهرة مواكب الزوار للمشاهد المقدسة ظاهرة قديمة تعود لمئات السنوات، فهي موغلة في القدم في التاريخ العراقي، لكنها لم تشهد الزخم الذي نعيشه الآن، إلا بعد إطاحة نظام صدام حسين عام 2003، اذ تحول مشهد حشود الزائرين الماشين متوجهين لمدينة كربلاء في زيارة أربعين استشهاد الإمام الحسين، بعيد إطاحة نظام صدام في شهر إبريل 2003 إلى مظاهرة، لإعلان هوية وتبيان زخم الوجود السياسي الطائفي أمام كاميرات التلفزة العالمية، التي غطت الحدث ونقلت الرسالة إلى العالم. مع تصاعد زخم الإسلام السياسي في العراق بعد التغيير، بات التركيز على مظاهر الأسلمة من النقاط ‏المهمة في تأطير الهوية الطائفية، والنفخ فيها لمواجهة الخصوم الافتراضيين، الذين بات فرزهم يتصاعد ‏يوما بعد آخر، حتى بات الفضاء الاحتفالي الديني يمثل أحد أهم عناصر التغالب الاجتماعي الذي أفرزه ‏واقع العراق بعد التغيير.‏
من المعلوم أن مواسم الزيارات الدينية في أي بلد في العالم يشهد مثل هذه النشاطات، تمثل موسما لازدهار السياحة ‏الدينية، ومكسبا للعاملين في قطاعات عدة، بالإضافة إلى ما تمثله هذه الفعاليات من فضاء معرفي ‏وفولكلوري وديني، يلعب دورا مهما في توطيد لحمة الهوية الوطنية، لكن الأمر في العراق مختلف جملة ‏وتفصيلا، فالفعاليات تعد خسارة اقتصادية من عدة أوجه، فمئات الآلاف من الزوار القادمين من خارج العراق ‏لا يدفعون رسوما لدخولهم، كما تقدم لهم الخدمات المختلفة من مأكل ومبيت وخدمات صحية وخدمات ‏لوجستية مجانا، من جهات عراقية متطوعة لأداء هذه الخدمات، وبالتالي فهي تحمل نفقات وجود كل هذا الكم من الزوار على عاتق الاقتصاد العراقي. ومن جانب آخر فإن كل أو جل مؤسسات ‏الدولة العراقية تصاب بالشلل، وتتوقف عن العمل، وفي الكثير من الأحيان يعلن عن إجازات رسمية لعدة ‏أيام نتيجة إغلاق الشوارع وعدم قدرة الناس على الوصول لأشغالهم.‏ كما أن قوى الأمن والجيش تكون في حالة إنذار قصوى لمنع حدوث الهجمات الإرهابية المتوقعة في هذه المواسم. ونحن نعيش هذه الأيام أحد أضخم الزيارات الدينية التي تشهدها محافظة بغداد، وهي زيارة وفاة الإمام موسى الكاظم، المدفون في مدينة الكاظمية شمال بغداد. وهنا لابد أن نتساءل هل يجرؤ أحد مهما علا شأنه دينيا أو سياسيا على مواجهة زخم مواكب العزاء، سواء في هذه المناسبة أو غيرها من المناسبات، التي أصبحت تتناسل وتتكاثر بشكل غير مسبوق؟ والإجابة القاطعة هي بالتأكيد أن لا أحد يجرؤ على ذلك.
ففي بداية الاحتقان الطائفي عام 2005 في زيارة مماثلة للزيارة التي نعيشها هذه الأيام، كان عشرات الآلاف من الزائرين يزحفون باتجاه مدينة الكاظمية، ونتيجة انطلاق صرخات ادعت وجود انتحاري بين الجموع، حدثت الكارثة نتيجة التدافع وإلقاء الناس أنفسهم من على جسر الائمة الرابط بين مدينتي الأعظمية والكاظمية، والنتيجة كارثة بكل معنى الكلمة، ذهب ضحيتها حوالي ألف انسان بريء سقطوا نتيجة التدافع الشديد على جسر الائمة، بسبب اكتظاظ الجسر بالمشاة وإغلاقه من أحد طرفيه بنقطة تفتيش، فسقط العديد من الزوار في النهر، أو دهسوا بسبب الفوضى التي عمت بعد انتشار الإشاعة، ما أدى إلى موتهم دهسا أو غرقا. وقد شكلت حكومة إبراهيم الجعفري حينها تحقيقا في الأمر لم يسفر عن أي نتيجة. وحينها طرح عدد من المتابعين والصحافيين تساؤلا مفاده؛ لماذا لا تقول المرجعية الشيعية في النجف رأيها في هذا الأمر، وتوقف مراسم الزيارات حتى استتباب الأمن وتوفر الظروف الملائمة لأداء مناسك الزيارات الدينية، حفاظا على دماء الناس التي تذهب هدرا نتيجة هجمات الإرهابيين أو الحوادث المؤسفة التي تحدث. فقامت الدنيا ولم تقعد، واتهم من طرح هذه الأفكار بمعاداة الإسلام والمذهب، وتعرض بعضهم للتهديد والتهجير والقتل من عرابي هذه المواسم.
ومع تنامي كثرة عدد مواسم الزيارات الدينية التي تكاد تغطي كل أشهر السنة، لانها تزيد عن عشرين موسم زيارة في السنة، باتت مظاهر المبالغة في طقوس هذه الزيارات أمرا لافتا، فالمعروف تاريخيا أن زيارة مرقد الإمام الحسين في كربلاء في زيارة الأربعين، أو ما يعرف محليا بزيارة (مرد الرؤوس) هي الزيارة الوحيدة طقوسيا التي كانت تحوي ظاهرة المسير على الأقدام باتجاه المشهد الحسيني. أما بقية المواسم فكانت تتم في مواقيتها علما بأنها من الأمور المستحبة وغير الواجبة دينيا، ولم يكن الشيعة حتى الملتزمون دينيا منهم يتركون أشغالهم ومصالحهم لأدائها. لكننا نشهد اليوم ما يمكن وصفه بظاهرة انفجار وتغول طقوسي غير مبرر دينيا، وهي ظاهرة مؤذية على كل الأصعدة، ظاهرها التقرب لآل البيت وزيارة مراقدهم وتذكر فواجعهم، وباطنها مكاسب تديرها أقلية ترتزق من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها جو الاحتقان المفروض على الشارع العراقي في هذه المواسم.
كما أن ثمة اشتغال على ممارسة طقوس دخيلة على المذهب وعلى الدين، وتعكس صورة سيئة للطقوس، مثال ذلك مواكب الجمال والخيول التي تسير على طول الشوارع التي تقطع وتوقف حياة السكان، بسبب مرور هذه المواكب التي لا أصل ديني أو مذهبي أو فقهي لها، فما معنى أن تسير مئات الهوادج المحمولة على الجمال لتقطع الطرق السريعة من مدن وسط وجنوب العراق، متجهة لزيارة مرقد الإمام الكاظم في ذكرى وفاته؟ من أين أتوا بهذه البدعة؟ وماذا تخدم؟ وما هي رمزيتها؟ إنها مشاهد لا تثير في نفس من يشاهدها إلا مشاعر الاستياء والاستنكار والغضب، مما يفعله بعض المتكسبين ممن يقودون قطعان الجهلة من الناس عبر طقوس لا أصل ديني أو تاريخي لها.
ومع كل ما يعانية البلد من أزمات ومحن وتحديات، تجد سياسيا وقياديا في أحد أحزاب السلطة هو سامي العسكري القيادي في كتلة دولة القانون التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي يغرد في صفحته على تويتر قائلا في هذا الصدد؛ «أليس من السخرية والتناقض أن تحيي بغداد ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم (ع) وتعطل الحكومة الدوام في الدوائر الرسمية، ويبقى أحد ابرز شوارع بغداد وأقدمها يحمل اسم هارون الرشيد القاتل الذي استشهد الامام الكاظم بامر منه؟». فإذا كانت النخب الحاكمة تتعاطى مع الأمر بهذه العقلية فيمكننا أن نتوقع ما ستؤول له الأمور في المستقبل.
2 «بندر عباس» يتحدى الجمارك العراقية
مشرق عباس
الحياة السعودية

يعاني العراق منذ 2003 من محاولات ضبط حدوده، وفي حماية منتجاته المحلية التي انهارت، أو في حق الدولة بالرقابة على البضائع المستوردة وجودتها، أو دعم الموازنة من ضرائب التجارة مع العراق، وهذه المعاناة المستمرة سببها خلل وتكالب داخلي يعيق تطبيق القوانين النافذة، ويعرقل انسيابية العمل الجمركي، وآخر خارجي يتعلق بعدم مد دول الجوار يد المساعدة في تقويض التهرب الجمركي والضريبي وغسيل الاموال المستمر.
المناسبة حديث لتجار عراقيين مازالوا يهربون بضاعتهم إلى العراق من خلال ميناء بندر عباس الإيراني، الذي تحول إلى أكبر ممر اقليمي لضرب قوانين الجمارك العراقية، وعدم الالتزام بالسياقات القانونية لتمرير البضائع من دولة إلى أخرى.
بلا إجازات استيراد رسمية، ومن دون شهادة جودة، وخارج النظام الجمركي، يجد بعض التجار العراقيين وغير العراقيين منافذ غير قانونية لإدخال بضاعتهم، وهم يعترفون بأن الضوابط التي وضعتها بغداد أخيراً لمراقبة الاستيرادات ومنها طلب إجازة استيراد، ودفع الرسوم الجمركية، والخضوع إلى قانون الضرائب، كلها تصب في صالح البلد، لكنهم يشكلون على التنفيذ الانتقائي لهذه القوانين، ووجود بدائل لإدخال البضائع إلى العراق خصوصاً من ميناء بندر عباس باتجاه منافذ إقليم كردستان، وبعض طرق التهريب الخاصة بالمخدرات والأسلحة في جنوب العراق.
وقد يكون التهريب بهذه الكيفية مقبولاً في حال كان ضمن سقف معلوم ومحدود تصعب السيطرة عليه، لكن قصص التجار العراقيين تشير إلى تجارة هائلة، استثمرت إغلاق الحكومة العراقية المستمر لميناء أم قصر، وفتحها أبوابا غير واضحة للاستيراد عبر ميناء العقبة، وأخيراً عدم وضع آليات موحدة لتطبيق القوانين بين بغداد وإقليم كردستان.
التجار العراقيون يعترفون بأنهم يرتكبون مخالفات جسيمة، لكنهم يرون أن السياقات الضريبية الحالية تنقصها آليات عادلة للتطبيق، وأن الأحزاب السياسية النافذة تستولي بطريقة وأخرى على الحقوق الحصرية بتمرير البضائع من المنافذ، وتفرض على التجار شرط المشاركة في الأرباح مقابل الحصول على إجازات الاستيراد، ما يدفعهم إلى الطرق البديلة التي كما يبدو تشجعها دول الجوار وتدعمها كنوع من الحرب غير المعلنة على الاقتصاد العراقي المفكك أصلاً.
إن استعادة عافية العراق لا بد أن تبدأ من إعادة إحياء الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة والثقيلة، مهما تكلف هذا الهدف من احتجاجات وغلاء في أسعار السلع المستوردة، وتململ من الشارع ومن الأحزاب التي تحاول ركوب أية موجة غضب شعبية حتى لو كانت ضد مصالح البلاد العليا.
وعلى الحكومة العراقية إذا أرادت المضي إلى أهدافها أن تتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة الأصوات الشعبوية التي تطعن بالاقتصاد العراقي، مثلما عليها أن تتعامل بحزم مع التسهيلات التي تتيحها دول الجوار لتهريب البضائع عبر موانئها ومطاراتها إلى العراق.
ولا يمكن البدء فعلاً بهذه الخطوة العملاقة، قبل قطع يد الأحزاب التي ما زالت تستولي على أرصفة الموانئ والمطارات وحقوق تسهيل التهرب الضريبي، والجميع يعلم أن يد هذه القوى أقوى من أن تتمكن الحكومة الحالية من قطعها.
أن يغلق ميناء أم قصر أمام البضائع بشكل متكرر، يعني أن يد الأحزاب وأصابعها تتحرك لتحقيق مكسب هنا وهناك، وأن تتم عرقلة مساعي أصحاب رؤوس الأموال العراقية للالتزام بالضوابط والشروط الجمركية وإجبارهم على الدخول في متاهة بيروقراطية معقدة قد تستمر شهوراً وسنوات من دون الوصول إلى منتهاها، فإن ذلك يعني تدخل القوى الحزبية والمسلحة كبديل مختصر لهذا النظام البيروقراطي، ويعني بالأساس أن تعقيدات النظام هي مدخل فساد قبل أن تكون محاولة لضبط الفساد.
ميناء بندر عباس، وموانئ دول الجوار الأخرى، يجب أن تلتزم بضوابط البضائع المصدرة إلى العراق التي تنتهي إلى التهرب الجمركي والضريبي، في نطاق الاتفاقات الثنائية المعروفة بهذا الشأن، والتسهيلات التي تمنح لتقويض فاعلية القوانين العراقية هي ضربة أشد فتكاً من غيرها من الضربات، وحان دور الحكومة العراقية لتبدأ الحديث المعلن.
3 العراق وضرورة تجنّبْ شُبهات التطبيع مع إسرائيل د. جواد الهنداوي راي اليوم بريطانيا

دّونتُ في مقالات سابقة ملاحظات وافكار، عن التطبيع الرسمي بين كل من مصر والاْردن واسرائيل، وكذلك عن التطبيع غير الرسمي والعلني، السائد في الوقت الحاضر، بين اسرائيل وبعض الدول الخليجية .
اذا كان التطبيع الرسمي، حينها، قد تّمَ بثمن (وهو استرداد ما احتلّته اسرائيل )، فأن التطبيع غير الرسمي، الآن، يتمُّ بمكافأة اسرائيل على ما احتلّته واستوطنّته اقترفتّه من جرائم .
بين العراق واسرائيل علاقة عداء، العراق يعتبر اسرائيل عدواً وكياناً مغتصب ومُحتلْ، واسرائيل تعتبر العراق عدواً، ليس بالمواجهة الحدودية وانما بالمواجهة الاستراتيجية .
الهدف الوجودي لإسرائيل هو خدمة العقيدة الصهيونية، وهذه العقيدة ترى في اسرائيل الركيزة الاساسية والاولى لتأسيس كيان اكبر واوسع، وممتداً من الفرات الى النيل، ليضم شعب الله المختار، حسب أدبياتهم . وليس بالضرورة ان يكون هذا الامتداد جغرافياً، وانما أمتداد بالهيمنة والسيطرة، وسلب ارادة القرار، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، واسرائيل ترى في امريكا نموذجاً حيّاً لاستراتيجية الهيمنة والتمّدد والتوسّع النوعي (وليس الجغرافي )، وسلب ارادة القرار . وهدف الحرب السياسية والاقتصاديّة التي تشّنها امريكا على ايران وسوريا والمقاومة في لبنان هو لاستكمال الهيمنّة على المنطقة وتجريدهم من ارادة القرار اورهنْ ارادتهم في اتخاذ القرار .
ليس لدول المنطقة الحق في اتخاذ قرار سياسي وعسكري، بل وحتى اقتصادي (الطاقة)، دون الرجوع الى امريكا، والاستئذان منها ؛ ليس لتركيا الحق بشراء منظومة سلاح s 400، الروسية دون الحصول على الموافقة الامريكية، وإِنْ اقدمت تركيا على الامر، دون الموافقة، فانها تتعرض الى عقوبات مُعلنة ومتوقعه، واخرى غير مُعلنة ! .
أصبحَ موضوع عودة سوريا الى الجامعة العربية محلْ تنافس بين روسيا وامريكا ؛ الاولى تسعى وتحاور الدول العربية لعودة سوريا، والثانيّة (امريكا ) تُعارضْ .
سيُطرح موضوع عودة سوريا الى الجامعة العربية متى ما أُعطيَّ الضوء الأخضر الامريكي .
هذه بعض شواهد واقعنا على التمّدد بالهيمنة وليس بالضرورة تمّدداً جغرافياً !
مسعى الرئيس ترامب في الوقت الحاضر هو نقل وترسيخ “تكنلوجيا الهيمنة ” الى اسرائيل، وتذليل التحديات والعوائق التي تحول دون ذلك .
مِنْ أولويات السياسية الخارجية والعلاقات الدولية هو أنْ نعرف خصمنا وعدونا وكذلك صديقنا وحليفنا، وأن نأخذ اكثر مما نعطي أو بقدر ما نعطي، وأنْ لا نُفيد الخصم او العدو حتى بتصريح !
العراق، بكل تأكيد، ليس معنياً لا بالتطبيع مع اسرائيل، ولا بصفقة القرن وما فيها من آليات لتبادل اراضي وتمويل، وموقفه الرسمي ثابت ومعروف وهو عدم الاعتراف بأسرائيل، ولا بمشروع حل الدولتّين، ولا بالقدس الشرقية ! ومصلحة العراق عدم التصريح والخوض في أمرٍ حساس، وغير مُتفقْ عليه، ولا يُعنيه !
وهل تعترف اسرائيل بحلْ الدولتيّن؟
وهل ترضى اسرائيل بالتنازل عن القدس بعد تهويدها وسعيها الدولي لاتخاذها عاصمة؟
وهل وافقت اسرائيل على المبادرة العربية التي تقدّمت بها المملكة العربية السعودية ؟
لم ندرك، حتى الآن، بأنَّ اسرائيل أوهمتْ وخدعتْ وضللّتْ العرب والعالم بأوهام حل الدولتيّن، وهدفها هو كسب الوقت والتوسع والمزيد من الجرائم والاحتلال .
التصريحات السياسية لصالح حلول رفضتها اسرائيل تّضرُ ولا تنفع، ويحسبهُا الكثير بانها مِنْ علامات الرضى على مسار التطبيع .
قناعاتنا بأنَّ تصريح حل الدولتيّن، وتوقيع العراق على بيان مشترك اردني مصري عراقي في القاهرة، يردُ فيه ذكر القدس الشرقية، لا تؤشر مطلقاً على نيّة وارادة العراق في التطبيع، ولكن كيف سيفهما نتنياهو والاصدقاء ؟
4 الموصل آخر ضحايا الفساد مينا العريبي الشرق الاوسط البسعودية

ما زال أهالي 63 مفقوداً ينتظرون خبراً عن مصير أحبتهم الذين اختفوا بعد غرق عبّارة الموصل يوم 21 مارس (آذار) الماضي، بينما تم الإعلان عن وفاة 100 ضحية بعد الحادث المؤلم. مأساة عبّارة الموصل تجسّد جزءاً من معاناة العراقيين الذين يعانون من الفساد المستشري في البلاد، وانعدام أبسط معايير الجودة والانضباط في إجراءات الأمن والسلامة. الطمع دفع مالكي العبّارة إلى تجاهل سلامة الركاب، وغالبيتهم من الأطفال والنساء، والفساد سمح لهم ولغيرهم بالاستهتار بأرواح العزل.
لا يمكن الحديث عن فاجعة عبّارة الموصل من دون الحديث عن فاجعة الفساد الذي يعصف بالبلاد. محافظ الموصل نوفل العاكوب الذي عُيّن في فترة حكم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي كان رمزاً لهذا الفساد المعلن، وتم أخيراً إقالته بعد سنوات من مطالبة أهالي الموصل بالتخلص منه بسبب فساده والمجموعة المحيطة به، وعدم تقديمه أبسط الخدمات للمحافظة. وكان من اللافت أنه كلما أثير موضوع العاكوب أمام مسؤول عراقي، كانت الإجابة إن «مجلس المحافظة هو من انتخبه». لكن في الواقع تعيينه جاء من المالكي وبقي مدعوماً بسبب الفساد الذي أوصل مبالغ طائلة لداعميه من الساسة والميليشيات. لكن قرار إقالة العاكوب ونائبيه بعد ثلاثة أيام من غرق العبّارة، في سرعة أظهرت بوضوح أنه في حال كانت هناك عزيمة لاتخاذ قرار ما، يتم العمل به.
وكما أوضح رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في رسالته إلى مجلس النواب العراقي مع طلب الإقالة، أنه «للإهمال والتقصير الواضحين في أداء الواجب والمسؤولية، ووجود ما يدل من تحقيقات تثبت التسبب بالهدر بالمال العام واستغلال المنصب الوظيفي (….) نقترح عليكم إقالة المحافظ ونائبيه». التقصير والهدر واستغلال المنصب ليست جرائم مرتبطة بالعبّارة فحسب، وإنما استمرت لسنوات وعانى منها الملايين.
وبالإضافة إلى إقالة العاكوب وملاحقته، تم اعتقال مالكي الجزيرة السياحية، وكان إجراء مهماً، لكن يجب أن يليه تحقيق شفاف، ومحاكمة عادلة تحاسب المسؤولين عن هذه الفاجعة.
سرعة تحرك رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس العراقي برهم صالح وزيارتهما للموصل، برهنت على إدراكهما مدى شدة الفاجعة التي حلت بالمدينة. وغضب بعض الأهالي عند استقبال بعض المسؤولين أظهر لهم مدى الغضب من المحافظ ومن تقصير الحكومة في حقهم. الثقة معدومة في دوائر الدولة حالياً، وعلى الرغم من شدة مصيبة عبّارة الموصل، قد تكون نقطة تحول في التعامل مع المحافظة. لكن إن لم يتحقق ذلك، ستكون الكارثة على مستويين، من جهة الخسارة الإنسانية، ومن جهة خسارة الثقة كاملة تجاه سلطة الدولة.
الفساد في الموصل حال دون إعادة إعمار ثاني مدينة في العراق، والتي عانت من احتلال «داعش» لها لثلاث سنوات. وعلى الرغم من تخصيص الملايين لإعادة الإعمار، فإن الآلاف من المنازل ما زالت مهدمة بينما نسب البطالة والفقر تتصاعد. وأفاد تقرير برلماني عراقي، شارك في إعداده 43 نائباً عراقياً، وحصلت وكالة الصحافة الفرنسية على نسخة منه، بأن حجم الفساد في المحافظة هائل، وأن الميزانية الخاصة بالمحافظة مهددة بالهدر والضياع، في وقت توجد هناك «هيمنة لجان اقتصادية تدعي الانتماء إلى الحشد الشعبي وتسيطر على المشاريع والأراضي والمزادات». وقد حذرت منظمات مجتمع مدني في الموصل من أن أصحاب المحال باتوا مجبرين على دفع «أجور» لميليشيات مسلحة لـ«حمايتها»، على شكل عصابات «المافيا» تحمل السلاح، واحتل بعض أفرادها مناصب رسمية.
وقد حذر معهد «جيمستاون» المختص في دراسة الحركات الإرهابية، والذي يتخذ من واشنطن مقراً له، من أن حالات الفساد وانعدام المحاسبة في الموصل ستجعل من الممكن عودة الإرهاب إلى المحافظة. كان هذا التحذير في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبالطبع كغيره من تحذيرات، لم يأخذه المسؤولون على محمل الجد.
الفساد يمتد إلى كل عوامل الحياة، من الحصول على أبسط المستندات الحكومية، إلى عمليات جمع الركام من جراء القصف. بعد عامين و8 أشهر من هزيمة «داعش» في الموصل، ما زالت أكوام من الركام والحطام في المدينة. وعندما اشتكى أهالي الموصل من الحال، ونشروا الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر المحافظ (المقال) في بداية العام قانوناً رسمياً يمنع التصوير؛ كي لا تخرج الصورة الحقيقية للعالم.
كلما طالت عملية إعادة الإعمار، زاد شعور الموصليين بأن النظام السياسي القائم في بغداد إما غير قادر أو غير مهتم بتحسين الأوضاع في المدينة وصد الفساد والعصابات. فبينما الميزانية المخصصة للموصل من قبل الحكومة العراقية 560 مليون دولار فقط لهذا العام، ذكرت وكالة «رويترز» أن مسؤولاً من الأمم المتحدة أبلغها بأن المحافظة تحتاج على الأقل إلى 1.8 مليار دولار لهذا العام فقط. والأموال القليلة المخصصة للمحافظة أساساً معرّضة للسرقة.
لكن هناك قصصاً أخرى يجب تسليط الضوء عليها، منها شجاعة من قفز في المياه الجارية لمحاولة إنقاذ من يمكن إنقاذه وقت غرق العبّارة، بالإضافة إلى كل من يواصل عمليات البحث عن المفقودين. كما أن جهود أهالي المدينة قادت إلى عمليات تبرع مهمة، منها حملة «عمر بيت» التي تعتمد على جمع التبرعات من أهالي الموصل، ومن يريد مساعدتهم لإعادة ترميم بعض المنازل في المحافظة. إحياء المجتمع المدني وعمله الدؤوب يبقي بصيص الأمل في البلاد. كما أن قرار إقالة المحافظ والعمل على تحقيق جدي لملابسات فاجعة العبّارة يجب أن يشكل نقطة تحول في معالجة الفساد. لا يمكن لأي إجراء أن يعيد أروح شهداء العبّارة، لكن يجب ألا يكون موتهم من دون محاسبة حقيقية وإزالة ظلم الفساد عن الموصل المستضعفة وباقي العراق الجريح.