7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 الجولان وعقوبات بومبيو وفساد السلطة
حنا غريب
الاخبار اللبنانية
أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، تلك هي القاعدة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية بعد سلسلة الضربات التي منيت بها في لبنان وسوريا والعراق… فبعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا بصورة نهائية، وبدأت بعض الدول العربية تستعد لفتح سفاراتها في دمشق والعمل لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، عمدت الإدارة الأميركية إلى التراجع فجأة عن قرارها وأبقت على هذه القوات بضغط صهيوني ورجعي عربي.
وإذا كانت هذه الإدارة في عهد ترامب قد اعتادت تغيير موقفها من القضية الواحدة بين ليلة وضحاها تبعاً لما تقتضيه مصالحها في ظروف متغيّرة، إلا أن هذا الواقع يعكس بوضوح حال التخبط التي تعيشها الإدارة الأميركية، كما يؤشر إلى عمق تأثير الضربات التي تلقّاها المشروع الأميركي في المنطقة على المستوى الاستراتيجي.
وارتباطاً بتراجع الولايات المتحدة عن قرارها، تراجع أيضاً القيّمون على قرار الجامعة العربية وأعادوا إطلاق هجمتهم في ساحات المنطقة: فالقمة العربية التي ستعقد في تونس أواخر هذا الشهر لن تطرح على جدول أعمالها بند عودة سوريا، كذلك فإن القمة الثلاثية المصرية-الأردنية-العراقية المنعقدة مؤخّراً تجاهلت هي أيضاً هذه العودة. وتنفيذاً لصفقة القرن، أطلق هؤلاء العنان لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني كما تجلّى في مؤتمر وارسو، وعملوا ويعملون على منع عودة النازحين السوريين كما حصل في مؤتمر بروكسل، مؤكدين على مشروعهم الرامي إلى تقسيم سوريا وفدرلة العراق ومواصلة الحرب على اليمن ومحاصرة إيران…
وبالاستناد إلى الخلافات بين الثلاثي تركيا وإيران وروسيا حول عدم حسم موضوع إدلب والشمال الشرقي من سوريا، بادرت الإدارة الأميركية إلى رفع مستوى العقوبات الاقتصادية على سوريا وإيران وروسيا، جاهدةً لتجميع أوراقها لمنع الحل السياسي في سوريا في ظل اختلال موازين القوى لغير مصلحتها. فبعد قرار ترامب بإعطاء القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها، جاء قراره بضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني ليصعّد من الهجمة ويضرب القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها القرار 242، ليأخذ بطريقه كل المراهنين على تنفيذ هذه القرارات من دون مقاومة، وتبقى الإدانة والتضامن مع الشعب السوري ومع قواه الوطنية والتقدمية واجب بكل المقاييس مع التأكيد على أهمية الرد على هذا القرار من خلال إطلاق مقاومتها الوطنية والشعبية ولو جاءت متأخرة فهي أفضل من أن لا تأتي أبداً.
هذا بالإضافة إلى وجوب استعداد القوى اليسارية والتقدمية العربية وكل في بلده وعلى المستوى القومي العام للعب الدور المطلوب منها في مواجهة تداعيات هذا القرار الترامبي الذي قرع طبول الحرب على جبهة الجولان ــ التي ظلّت منذ حرب تشرين محكومة باتفاقية فك الاشتباك ــ والتي إذا ما وقعت لن تبقى محصورة بالجبهة السورية.
ولعلّ الاجتماع العسكري لرؤساء أركان جيوش الدول الثلاث إيران وسوريا والعراق الذي عقد في دمشق، جاء ليحاكي توسّع هذه الحرب المتوقعة وليوجّه رسالة واضحة بأن هذه الحرب التي إذا ما فتحت ضد أيّ من هذه الدول الثلاث أو ضدّ المقاومة في لبنان، فإن الردّ سيكون من قبل الجميع وعلى طول الجبهة من جنوب لبنان إلى طهران مروراً بسوريا والعراق.
وإذا كان قرار ضم الجولان السوري المحتل يندرج في إطار الدعم الانتخابي المتبادل بين ترامب ونتنياهو وكورقة أميركية ــ صهيونية تطرح في المفاوضات اللاحقة، إلا أن هذا القرار يستدعي من جهة أخرى خوض المعركة المطلوبة، وبالاتجاه الصحيح، عبر إعادة إبراز الصراع العربي ــ الصهيوني إلى الواجهة، وهو الصراع الذي طالما استهدف المشروع الأميركي طمسه وإلغاءه عبر الفتن الطائفية والمذهبية المتنقلة تعزيزاً للانقسامات، حيث لم يعد لدى الإدارة الأميركية من أدوات إرهابية قادرة على المضيّ في تأجيجها داخل سوريا، في حين أن قضية الجولان توحّد السوريين ولا تفرّقهم.
وفي الفترة الأخيرة كان للبنان النصيب الأكبر من رزمة العقوبات والضغوط السياسية والاقتصادية والمالية التي طالت حزب الله عبر القرار البريطاني باعتباره «تنظيماً إرهابيّاً» بجناحيه السياسي والعسكري، إضافة إلى ما حمله المبعوث الفرنسي بيار دوكان من تعليمات وتحذيرات للمسؤولين اللبنانيين من عدم إقرار ما يسمى بإصلاحات سيدر، ليخلص إلى تكليف السفير الفرنسي في لبنان للقيام بدور المراقب على عمل الحكومة اللبنانية بدل أن يكون هو المراقب من قبل السلطة اللبنانية. وفي ذلك مسٌّ بسيادة لبنان وخرق الأصول الدبلوماسية، كما أنه مؤشّر فاضح على ما آل إليه وضع الحكم والقوى الحاكمة في لبنان من عجز وفساد.
ثم كرّت السبحة الأميركية مع وصول المبعوثين الأميركيين ديفيد هيل وديفيد ساترفيلد وتوّجت مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حيث شكلت هذه الزيارات تدخلّاً سافراً في الشؤون اللبنانية الداخلية من خلال التصريحات الفجّة لهؤلاء ومحاولاتهم فرض الإملاءات على لبنان، وممارسة المزيد من الابتزاز والتهديدات العدوانية والضغوط السياسية والاقتصادية عليه. وهو الأمر الذي جرى التحرك لشجبه من قبل الحزب والتحذير من نتائجه عبر الدعوة لتنفيذ الاعتصام أمام السفارة الأميركية في عوكر، لما تحمله هذه الزيارة من تهديد بتفجير الأوضاع الداخلية في لبنان.
إن الضغوط السياسية الأميركية تتمثل أوّلاً بمحاولة فرض تنفيذ صفقة القرن على لبنان عبر توطين الفلسطينيين فيه ومنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين خدمة للكيان الصهيوني في تصفية قضيتهم، وثانياً في سحب سلاح حزب الله، وثالثاً في منع عودة النازحين السوريين عودة آمنة إلى سوريا وبالتنسيق مع حكومتها.
أما الضغوط الاقتصادية والمالية على لبنان، فتتمثّل أوّلاً في منعه من المشاركة في إعمار سوريا، وثانياً في فرض ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني بما يستجيب لمصالح هذا الكيان في نهب ثروتنا النفطية والغازية، وإلا مُنع لبنان من استخراج النفط والغاز، وثالثاً في ابتزاز لبنان بأموال سيدر وتحميله كل الأعباء المالية المترتبة على إقامة اللاجئين الفلسطينيين بعدما توقفت الإدارة الأميركية عن دفع الأموال المتوجبة عليها لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ــ وعلى إبقاء النازحين السوريين، مستفيدة من مخاطر الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي أوصلتنا إليها الحكومات المتعاقبة.
كما تندرج هذه الضغوط الأميركية في إطار الصراع الدولي والإقليمي حول موقع لبنان من هذا الصراع في محاولة أميركية، أوّلاً لوقف الاندفاعة اللبنانية نحو روسيا في ملفّي النازحين والتسليح والنفط، حيث أتت زيارة بومبيو إلى لبنان عشية سفر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى موسكو. وثانياً في إطار التوظيف الداخلي وشد عصب حلفاء أميركا وتشجيعهم على إعادة اصطفافاتهم لتفجير الوضع الداخلي، عبر إدارة الأزمة المالية المهدّدة بالانهيار بالتزامن مع العقوبات على حزب الله لتنعكس الأزمتان معاً سلباً على بيئته وتؤدّي إلى إرباكه في الداخل. وهو ما يفسّر عدم انخراط حزب الله، لا هو ولا حلفاؤه الأقربون، في النزول إلى الشارع لا في مواجهة الأزمة المالية، ولا في أيّ تحرّك اعتراضي ضدّ زيارة ترامب خشية تغيير الأولويات.
هكذا تضغط الإمبريالية بالعقوبات الاقتصادية والمالية على الشعب اللبناني، وتضغط معها السلطة السياسية عبر المزيد من الإفقار والفساد ونهب المال العام. فأي فارق بين هذين النوعين من الضغط؟ إن المعركة ضد الاثنين يجب أن تكون معركة واحدة، وتتجسد في تغيير النظام الطائفي المذهبي، نظام المحاصصة والفساد الذي يستند إليه الطرفان: الإمبريالية من الخارج والسلطة السياسية ونظامها الرأسمالي الريعي من الداخل، ولا يمكن الانتصار في مواجهة الإمبريالية عبر أنظمتها الرأسمالية التابعة لها.
ومع تداخل كل أشكال الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، لا خيار سوى توسيع مفهوم المقاومة ليشمل كل هذه الجوانب: تحرير القرار السياسي والاقتصادي من التبعية للخارج، ومن النظام السياسي الطائفي والمذهبي ودولته الفاشلة وسلطته الفاسدة من الداخل. وهو ما حاولنا التعبير عنه في مبادرة الحزب المزدوجة في إطلاق الحراك الشعبي حول القضية الاقتصادية ــ الاجتماعية من جهة، وفي الاعتصام ضد زيارة بومبيو في عوكر لما تحمله من شروط سياسية تمسّ القضية الوطنية في الصميم من جهة أخرى، مؤكدين على تلازم العداء للإمبريالية مع العداء للرأسمالية المحلية وصولاً إلى الانعتاق من أسر التبعية ودمج التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي.
ولا شك في أن المقاومة في مثل هذه الظروف ــ أيّ مقاومة ــ لا تجد نفسها تواجه العدو الخارجي فقط، بل هي تصطدم أيضاً بالقوى السياسية والطائفية الداخلية المرتبطة بهذا النمط من الدولة والنظام والاقتصاد، المتعارض مع المصالح الحقيقية لغالبية اللبنانيين. وبذلك، تكون القوى الدينية الممانعة ــ المستهدفة بمقاومتها ــ أمام مفترق طرق اليوم، إما أن تواجه الخطرين معاً لإنقاذ مقاومتها بتحويلها إلى حركة تحرر وطني واجتماعي، أو أن تبقى مستمرة في تغييب الاستغلال الطبقي والاجتماعي وإخفائه لتجد نفسها بالنهاية تتلاقى موضوعيّاً عند منتصف الطريق مع طبيعة مشاريع تقسيم المنطقة طائفيّاً ومذهبيّاً التي لا تتناقض مع تركيبتها.
2 هدية أمريكا إلى العراقيين… كوكتيل الملوثات السامة هيفاء زنكنة القدس العربي

احتل خبر علمي، في الاسبوع الماضي الموقع الثاني بعد « البريكست» في اجهزة الاعلام البريطانية. وتناول خبر ثان موضوعا مماثلا ولكن في أمريكا. وللخبرين علاقة وثيقة بالعراق والدول المحيطة به. تناول الخبر الأول نتائج الابحاث التي أجرتها جامعة « سنترال لانكشاير»، ببريطانيا، على مقربة من «غرينفيل تاور»، بلندن، الذي تعرض لحريق هائل أودى بحياة 72 من سكانه في حزيران/يونيو 2017.
أجريت الابحاث بعد ان اشتكى عدد من السكان المقيمين على مقربة من المبنى من مشاكل صحية تراوح أعراضها بين السعال المصحوب بالدم والامراض الجلدية وصعوبة التنفس. بعد مرور ستة أشهر على الحريق، تم تجميع عينات من التربة، فتبين إن مستويات المواد الكيميائية السامة التي أطلقها الحريق عالية وأن كثيرا منها سامة بشكل حاد أو مزمن، مما سيزيد من احتمال الاصابة بأمراض الربو والسرطان. وحين قام فريق من جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، بتحليل عينات من التربة والحطام مأخوذة من ستة مواقع على بعد 1.2 كم من المبنى، كشفت الدراسة عن «تلوث بيئي كبير» في المنطقة المحيطة، بما في ذلك الرواسب الزيتية التي جمعت بعد 17 شهرًا. بناءً على مستوى المواد الكيميائية التي تم اكتشافها، خلص العلماء إلى زيادة خطر حدوث عدد من المشكلات الصحية لتلك الموجودة في المنطقة. وأوصوا باجراء فحص صحي، طويل الأجل، لتقييم أي آثار صحية ضارة للحريق وما أفرزه من مواد، على المدى البعيد، على السكان المحليين وحتى فرق الانقاذ وعمال التنظيف.
أما الخبر الثاني فمفاده تبنى الكونغرس الأمريكي مطالبات الجنود بالتعويضات المادية والرعاية الصحية، وهم الذين قاتلوا بالعراق وأفغانستان واصيبوا بالامراض جراء التلوث الناتج عن حرق النفايات في القواعد الأمريكية. وصفت السناتور آمي كلوبوشار، من الحزب الديمقراطي، حرق النفايات قائلة «هذا هو عامل جيلنا البرتقالي»، في إشارة إلى مبيد الأعشاب السام الذي رشته أمريكا على غابات فيتنام بين 1955 و 1975، للقضاء على المقاومة الفيتنامية، وأصاب رذاذه الجنود الأمريكيين ايضا، مسببا لهم أمراضا مستعصية.
لهذين الخبرين، علاقة وثيقة بالتلوث البيئي الهائل، المسكوت عنه رسميا، الذي يعيش في ظله المواطن العراقي. وقد يصلحان، بالاضافة الى ما هو متوفر من بحوث عراقية ودولية، كنقطة انطلاق لمحاكمة الدول التي استخدمت أنواع الاسلحة (وبعضها محرم دوليا) وما نتج عنها من تفجيرات واطلاق لملوثات سامة على مدى عقود بدءا منذ التسعينيات. ان ما توصل اليه العلماء من تأثير السموم الكيمياوية على السكان المقيمين على مبعدة كيلومترات من غرينفيل تاور نتيجة حريق تم حصره بشكل سريع بالمبنى نفسه ولم يمتد الى أماكن أخرى (وهذا ما يجب ان يكون حرصا على حياة المواطنين)، يشكل مقارنة مرعبة بما تعرض له العراقيون، في عديد الأماكن والمدن، على مدى عقود وليس أياما.
تشكل أصناف الاسلحة ونوعية القنابل والمواد الكيميائية التي تم استخدامها ضد العراقيين، من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا وبريطانيا، قائمة لا تساويها بطولها غير قائمة الامراض التي تغزو أجسادهم، وتتجذر في حالة النساء الحوامل وصولا الى الأجنة حيث أثبتت البحوث المستقلة قدرتها على التغيير الجيني.
من بين الأسلحة التي تم استخدامها، بالاضافة الى التجريبية، اليورانيوم المنضب، القنابل العنقودية والنيوترنية والحرارية، الفسفور الابيض (نوعه المحرم)، النابالم، وبحدود 19 ألف قنبلة « ذكية» و حوالي 9 آلاف «غبية». هذا جزء بسيط مما رصدته. د سعاد ناجي العزاوي، الاستاذ المشارك في الهندسة البيئية، في بحوثها وأوراقها العلمية العديدة. ومن أهم هذه البحوث 12 بحثا، حول التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب في العراق، بعد حرب الخليج الأولى، واختيار أفضل المواقع لردم والتخلص من النفايات الصناعية والمشعة. توصلت في آخر ورقة علمية لها، بعنوان «نمذجة انتقال ملوثات اليورانيوم المنضب جنوب العراق»، الى استنتاجات مهمة من بينها ان التربة الملوثة بتركيز عال ومتوسط هي مصدر مستمر لانبعاث غاز الرادون الذي يستنشقه المواطنون بشكل مستمر. وان المناطق الملوثة بأكاسيد ونويدات انحلال اليورانيوم المنضّب بتراكيز عالية تعتبر مصادر تلوث مستمرة لأنها تصبح عالقة في الجو مع كل عاصفة رملية في المنطقة، مما يعرض السكان والبيئة الاحيائية لجرعات اشعاعية اضافية ترفع من مستويات معاملات الخطورة، للاصابة بالأمراض الناجمة عن مثل هذا النوع من التلوث.
واذا كان ما أطلقه حريق «غرينفيل تاور» من سموم، قد سبب أعراضا مرضية للسكان وهو مبنى واحد، فماذا عن قصف المدن (الفلوجة والموصل مثلا) و حرق قوات الاحتلال لمخلفاتها في حفر مكشوفة في 52 قاعدة عسكرية (بضمنها كردستان وكربلاء)؟ لم يعر المحتل اية اهمية للسموم التي نثرها الى ان ظهرت نتائجها على قواته. وكان لوفاة ابن جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، الذي كان ضمن قوات الاحتلال بالعراق، واصيب فيما بعد بسرطان دماغ من النوع النادر، تأثير اعلام، خاصة حين قال جو بايدن في مقابلة تلفزيونية مع «بي بي أس نيوز أوار» الأمريكية، بانه يعتقد «أن السموم الموجودة في الدخان الناتجة عن حرق النفايات في المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التسبب في سرطان قدامى المحاربين». وان «نسبة الإصابة بالسرطان الأعلى بكثير تأتي من العراق الآن ومن أفغانستان أكثر من الحروب الأخرى».
ومن يزور الموقع الحكومي للمحاربين القدامى الأمريكيين، سيجد معلومات مخيفة عن نوعية النفايات التي يحرقها المقاولون والجيش في حفر مفتوحة. من ضمنها: «المواد الكيميائية والطلاء والنفايات الطبية والبشرية وصناديق المعادن / الألومنيوم والذخائر وغيرها من الذخائر غير المنفجرة ومنتجات البترول ومواد التشحيم والبلاستيك والمطاط والخشب والأغذية الفاسدة. ويضاف الوقود النفاث كمعجل»، ويعتمد مدى انتشار الدخان على مواقع الحرق والرياح السائدة.
في أواخر صيف 2008، تم حرق 147 طنا من النفايات في اليوم، في قاعدة بلد لوحدها. وحسب الموقع الحكومي الأمريكي ان السموم المتصاعدة من الحرق تؤثر على الجلد والعينين والجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي والأعضاء الداخلية. وفي نوفمبر 2018 نشرت قناة « فوكس نيوز»، نتيجة دراسة علمية، عنوانها «قدامى المحاربين يعانون من وفيات عالية بسبب السرطان نتيجة التعرض لحرق النفايات في الهواء الطلق»، أعدها باحثون في جامعة أوغوستا في جورجيا، خلصت الدراسة الى ازدياد احتمال وتطور سرطانات خطيرة وأمراض أخرى.
مقابل ذلك، ماذا عن ضحايا السموم والتلوث من العراقيين؟ هناك تعتيم حكومي شامل يتغذى على الفساد الأمريكي – العراقي المشترك، ويبقى الأمل الوحيد، حاليا، هو بعض المبادرات الفردية المعنية بتجميع المعلومات ونتائج البحوث واعداد الملفات لمقاضاة المسؤولين، على أمل النجاح، كما في فيتنام، مستقبلا.
3 عراق ما بعد الغزو… غياب السلطة وفساد وتظاهرات
كاظم الموسوي
الاخبار اللبنانية
لم تتوقّف التظاهرات في العراق يوماً منذ عام 2003، بعد الغزو والاحتلال. تتنوّع هذه التظاهرات وتتوزّع زمنياً ومكانياً، في المحافظات والمدن وحتى القرى والمناطق النائية. أو بقول آخر إن التظاهرات شملت العراق كلّه وباشتراك كل القطاعات والمهن والأجيال العمرية. كشفت التظاهرات الاحتجاجية عموماً عن حالة غياب السلطة وهيبة الدولة وعن شعارات مخادعة عن الديمقراطية والحريات التي جلبها الغزو والاحتلال للعراق. هذه التظاهرات رفعت شعارات مطلبية حرمت من مضامينها وأصرّت عليها الجماهير، مطالب لم تتحقق لها ولم تتوفر فرصها وظلت كل هذه الفترة الزمنية غير القليلة دون تنفيذ أو تطبيق. كما أن الشعارات المطلبية التي تميّزت بها التظاهرات في العراق قد تصاعدت أو تباينت بين موقع وآخر، ولكنها ظلت في حدود المطالب المشروعة رغم تضحيات كبيرة خسرتها فيها أو قدمتها من أجل تحقيقها. هذا يعني أن السلطات الأمنية واجهتها وأطلقت الرصاص الحي عليها مما سبّب خسائر بشرية فيها. ومعروف أن سقوط شهداء أو دماء في أية تظاهرات يعزز أو يشدّ من عزيمتها واستمرارها. وهي حالة أصبحت قاعدة اجتماعية أو قانوناً متكرراً يراكم سير التظاهرات وتصاعدها أو تموجاتها المستمرة. تبلورت أغلب الشعارات والمطالب طيلة تلك الفترة الزمنية على توفير الخدمات العامة والأعمال واحترام حقوق الإنسان والقانون. غياب الخدمات الأساسية، كانعدام الكهرباء وشحّ المياه وضعف مجال الصحة وسوء المعاملة وخراب التعليم والمدارس والتسرّب وغيرها من المشاكل المتفاقمة في هذه الخدمات الأساسية دفعت الشعب إلى التظاهر والاحتجاج وتصاعد الغضب الشعبي والاحتقان المدني وكسر الصمت. وهذا ما تكرر في أغلب التظاهرات في عموم العراق ومناطقه، سواء في جنوبه أو شماله أو وسطه، بمعنى أن سوء الإدارة والتخطيط في أداء هذه الخدمات الأساسية عمّت العراق كله، وبيّنت بتراكمها وتناقضات التعامل معها الخلل الصارخ في الأداء الرسمي والعمل الوظيفي وقدرات السلطات المحلية والمركزية.

بلا شكّ، لعب الفساد الإداري والمالي دوره البارز في تأجيج حالة التظاهر والغضب، وعمّ بأساليبه المختلفة كل مؤسسات ومكاتب الخدمات الأساسية، مما يضطر المواطن إلى الصراخ بصوت عالٍ في سبيل إيقافه وردع الفاسدين. المضحك في العراق أن أغلب الفاسدين أو الداعمين للفساد أو المروّجين لانتشاره هم في مواقع القرار السياسي وهم الذين يُعتبرون واقعياً رأس الفساد بكل أشكاله، يزعمون في تصريحات إعلامية محاربته أو الدعوة إلى مكافحته، والأغرب فيه هو التغاضي أو تغطية العناصر القائدة للفساد والمناورة في اتّساعه والسماح لأعمال أخطبوطه ومافياته وكل أصنافه. لم يعد العراق في أول قائمة الفساد في التقارير العالمية للمنظمات الدولية المتابعة أو المحققة فيه، بل أصبح مضرب المثل في نوعه وحجمه وطرقه وممارساته. دفع هذا الانتشار للفساد في العراق جماهير الشعب إلى التظاهر والاحتجاج والغضب، ولأنه مستمرّ ومتسع فالتظاهرات مقابله كذلك، في عموم العراق وعمر الغزو والاحتلال وما بعدهما.
لم يكتفِ الفساد الإداري بالرشوة والمحسوبية والتخلف في تسيير أمور الناس اليومية والوظيفية المعروفة، بل زاد في التعيين والتوظيف لأفراد لا علاقة لهم في الموقع الذي يحتلّونه أو من الفاشلين في إدارته علمياً ووظيفياً، وتمّ تعيينهم في لعب المحاصصة والتقسيم التحازبي والعائلي وغيرها من الأمور التي ألحقت بالأجهزة الإدارية أضراراً غير قليلة وأساءت إلى مسمّيات الدوائر أو المنظمات أو الأجهزة أو المؤسسات. ولعلّ بعض برامج النقل المباشر في عدد من القنوات الفضائية المحلية مع المواطنين في الشارع مباشرة تعطي بعض صور عن الواقع المزري فيها، ويتطلّب من السلطات المسؤولة متابعتها والردّ على الاستفسارات والطلبات والمواضيع التي يثيرها المواطنون مباشرة، بالصوت والصورة والوثيقة واللوعة الإنسانية المحرجة والمخجلة لأيّ إنسان طبيعي.
كثير من المعاملات التي يحتاج لها المواطن تُكتب باليد، رغم كل التطورات التقنية في آلات الكتابة والنشر والإنترنت، فيقع فيها الكثير من الأخطاء في الكتابة، وإذا أراد التصحيح فيُجبر على العودة إلى المربّع الأول في الطلب والمراجعات والسجلات والمساومات، والأبشع فيها المطالبة بموافقة الوزير المختص لتلك الظاهرة وتتكرر هذه الإجراءات البيروقراطية والروتينية وتهدر وقت المواطن وماله وصبره ورؤيته لبلده الذي يتراجع حتى عمّا كان عليه قبل سنوات. إضافة إلى جهل أو فقدان معرفة ما يتعلق بالعمل وخدمة المواطن. موظف لا يكتب إلّا بخط يده في طلبات مطبوعة ومخططة، وآخر لا يعرف قوانين الهجرة واتفاقية جنيف لعام 1951 للاجئين السياسيين ولا متعلقاتها وتعديلاتها وهو من الذين يقررون قبول معاملة أو ملف الهجرة أو رفضها لمن عانى بقدر عمره الزمني. فضلاً عن الفساد الآخر، المالي، والنهب للثروات والخيرات والتبذير والهدر والضياع في أصول الصرف أو التخصيص، مع ما يُنشر من أساليب لا يمكن أن تكون أو تحصل إلا في العراق الجديد..
هذا الفساد المعلَن والمخفي، ومن باب الهزل، يتحدث عنه نواب في برلمان الشعب في تصريحات وبرامج تلفزيونية علناً، وعن مشاركتهم فيه دون خوف أو خشية أو وجل من ضمير أو رقيب أو حسيب. رغم وجود منظمات حكومية تحمل أسماء الشفافية والنزاهة والمراقبة وغيرها من التسميات فقط.
تضاف بالتأكيد إلى عوامل استمرار التظاهرات في العراق النسب العالية للعاطلين عن العمل بعد تخرجهم من المعاهد والكليات وغيرها، وهؤلاء بعمر الشباب، المتطلّع للحياة والمستقبل، ويعتبر نفسه ثروة بشرية للوطن، وأدى ما عليه وينتظر أملاً له في العمل والبناء. كما أن غياب روح التجديد والتغيير في البنى والرؤى المستقبلية للبلاد يعرقل عملية التحديث والتطوير وحتى البناء والتنمية البشرية والعمران. ما يخلق أجواء وبيئات جاهزة للاحتجاج والغضب وحتى لأبعد من ذلك. وهو ما يحصل فعلياً في العراق الجديد، بعد الاحتلال والتآمر الأميركي عليه.
لذا نرى كل يوم تظاهرة أمام مباني الوزارات أو الدوائر المختصة والمتعلقة بالعمل. وتواجه أغلب الوزارات مطالب الشباب بالوعود والتحايل عليها، وكذلك المحافظات والمؤسسات المحلية الأخرى. وليس آخر التظاهرات للخريجين من مختلف الاختصاصات والمهن، بل وشملت المعلمين، الذين لبوا نداء نقابتهم إلى الإضراب ليومين عن التعليم وتعطيل الدراسة، والتشديد على تلبية مطالبهم ببرمجة التوظيف وتحسين سلم الرواتب والاهتمام بظروف المباني والتخطيط لزيادة أعدادها وتطوير المناهج الدراسية واحترام الحقوق المشروعة.
4 الفشل الأميركي والدرس الأفغاني
فاروق يوسف
العرب بريطانيا

ما نجحت الولايات المتحدة في تطبيعه في العراق أخفقت في أن تدير له ظهرها في أفغانستان.
وإذا ما صدقنا ذوي الرؤية المتشائمة في نظريتهم التي تقول إن الفشل الأميركي كان مقصودا لذاته في الحالتين، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى أن لا يكون فشلها في أفغانستان مدويا بعد أن استطاعت أن تغطي على فشلها في العراق بحروب أهلية وفتن طائفية وفساد غير مسبوق، وسواها من الظواهر التي هي من صنع أهل البلاد وحدهم كما تزعم.
إن اضطرار الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات مع حركة “طالبان” وحده يكفي لتأكيد عجز الولايات المتحدة عن وضع الأفغان أمام الأمر الواقع الذي نتج عن فشل سياستها.
لقد أخفقت الولايات المتحدة عبر كل السنوات التي احتلت فيها أفغانستان في فرض فشلها على الأفغان باعتباره الحل الوحيد الذي يمكنهم من خلاله تصريف وإدارة شؤونهم بطريقة بلهاء ورثة كما هو الحال في العراق.
حين نعود إلى قراءة الماضي القريب نجد أن الولايات المتحدة التي أسقطت نظام “طالبان” عام 2001 كانت قد وعدت بإقامة نظام ديمقراطي بديل. كان ذلك النظام عبارة عن وصفة أميركية لم ترق للأفغان فقاوموها. لذلك استمرت الولايات المتحدة في حربها هناك.
لم تنجز القوات الأميركية مهمتها في أفغانستان مثلما فعلت في العراق. كان عليها أن تستمر في الحرب، أو تعلن عن هزيمتها. أمران صعبان. فتلك الحرب حسب التقديرات الأميركية لن تنتهي هناك. لذلك فإن كلفتها الباهظة ستكون من غير جدوى. أما إعلان الهزيمة فهو ما لا يمكن أن تتحمله الولايات المتحدة في عصر صعودها الخارق.
لقد صُدمت الولايات المتحدة برفض الأفغان القبول بتصريف فشلها واعتباره أساسا لإقامة دولة فاشلة كما هو حال الدولة في العراق. صحيح أن سلطة الاحتلال استطاعت أن تمكن حكومات منتخبة من السلطة في كابول، غير أن تلك الحكومات ظلت عاجزة عن إقامة دولة، تكون تحت سلطتها.
ظلت حكومة كابول عالقة بالهواء الاستعماري الذي يهبها الحياة.
كان من المؤكد أن تلك الحكومة ستسقط تلقائيا ما إن تعلن القوات الأميركية عن نيتها في مغادرة البلاد. وهو ما وضع الأميركيين أمام حقيقة إخفاقهم في تمرير كذبتهم. لم يكن لـ”فشلهم” أي تأثير يُذكر على الثوابت الأفغانية التي لم ينجحوا في اختراقها.
قبل سنوات كان من الصعب على الأميركيين قبول فكرة التفاوض مع جماعة إرهابية مثل طالبان، تم إقصاؤها إلى الجبال. غير أن التجربة القاسية علمتهم أن انسحابا منظما بعد مفاوضات أفضل من هزيمة هي أشبه بالفضيحة التي لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
لقد فرض الأفغان على المحتل الأميركي مبدأ عدم الحاجة إلى فشله “خذ فشلك معك أينما تشاء، فهو لا يصلح قاعدة لحياة سوية”.
حين نلتفت إلى العراق نرى أن العراقيين الذي احتلت بلادهم عام 2003 لا يزالون مستمرين في الاستثمار في الفشل الأميركي، مقتنعين أنه الحل الوحيد الذي يمكنهم من خلاله أن يصرفوا شؤونهم.
ذلك ما لم يفعله الأفغان، وهو ما جعلهم يتفوقون على الصورة التي رسمها المحتل الأميركي لهم. فبغض النظر عن رأينا السلبي بحركة طالبان، كونها جماعة متشددة دينيا ومتخلفة في سياق مفاهيم العصر، فإنها استطاعت أن تحافظ على الثوابت الأفغانية التي يمكن اعتبارها باللغة المعاصرة مشروعا وطنيا.
سيكون من الصعب في المستقبل التغاضي عن النظر إلى الدرس الأفغاني.
هناك أمم لا تقبل أن يكون فشل الآخرين سببا في فشلها. لقد فشلت الولايات المتحدة في احتلالها لأفغانستان وكان عليها أن تتحمل فشلها وحدها.
5 العراق وقوانين الجغرافية والتاريخ احمد صبري الوطن العمانية
لم تكن قوانين الجغرافيا والتاريخ معزولة عن الصراع السياسي الذي شهده العراق والمنطقة والإقليم عموما الذي وضع دوله أمام استحقاقات تقاسم النفوذ والأدوار والمصالح على الرغم من غبنها وابتعادها عن مصالح وتطلعات الدول المشمولة بالنفوذ، إلا أنها في الوقت نفسه كرست هذا الواقع المليء بالألغام وتقاطع المصالح إلى حد استخدام القوة لتصحيح مساره بعد أن تقاطعت المصالح والتمدد على الأرض.
والموقع الاستراتيجي للعراق وضعه من حيث عمقه بالتاريخ ودوره كلاعب مهم ومؤثر في مسار الأحداث بالإقليم الذي يحيط به من جهاته الست في قلب دائرة الصراع في المنطقة، ودفع من أجل ذلك الكثير ليتجنب ارتدادات هذا الصراع وتأثيراته على كيانه ووحدته.
وما أضاف إلى هذا الدور والموقع الذي يتمتع به العراق أهمية وتأثيرا، ثروته وحضارته وعقوله النيرة. إلا أن العراق ظل يعاني من انكفائه على اليابسة من دون إطلالة على البحر مثل دول الجوار المنفتحة على البحار والخلجان.
وخسر العراق جراء هذا الانكفاء نافذة الانفتاح على العالم، وأصبح ذلك هاجس ساسته منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وما تلاها، وأصبحت دول الجوار العراقي وهي: إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت كمصدات الرياح تحول دون إطلالته على البحار إلا من خلالها حسب قوانين الجغرافيا والتاريخ، جراء غبن الجغرافيا دفع العراق الكثير من دون تصحيح هذه المعادلة رغم أنه يطل على الخليج العربي بأفق محدود. غير أن هذا الأفق ظل على مدى التاريخ مثار خلاف مع جيرانه، وبسبب الخلاف على المصالح وتصحيح معادلة الصراع، خاض العراق حربا مع إيران دامت ثماني سنوات، وكلفت البلدين خسائر جسيمة بالأرواح والأموال من دون تصحيح لهذه المعادلة رغم تبدل الأنظمة والحكام.
وبفعل الإحساس بغبن الجغرافيا التي حرمت العراق من منفذ على البحر، وتدني معدلات المياه التي تصب في أراضيه عبر نهري دجلة والفرات، فإن واقع الحال يشير إلى أن العراق مقبل على أزمة مائية ربما ستحوله إلى بلد يعاني من التصحر، ويشكو الظمأ حسب ما أكدته وزارة الموارد المائية.
ويضاف إلى هذه التحديات التي تواجه العراق تحديات الأمن والانقسام السياسي والطائفي بين المكونات العراقية والفساد والنازحين وإعمار المدن المدمرة ومخلفات داعش التي وضعته على طريق المجهول بعد أن أخفقت الطبقة السياسية التي ورثت مرحلة ما بعد الاحتلال في التصدي لهذه التحديات، وتلبية حاجات العراقيين بوطن آمن وموحد، تسوده العدالة والعيش المشترك. غير أنها استدارت إلى انتهاج طريق الإقصاء، وكرست خطاب الكراهية بين المكونات العراقية، الأمر الذي فتح الأبواب مشرعة أمام دعوات التقسيم واللجوء إلى خيارات قد تضع العراق على حافة المجهول.
غبن الجغرافيا التي يئن تحت وطأتها العراق والتحديات الأخرى فإن قدره هو في وحدته وعمق ارتباطه بمحيطه العربي وأمنه القومي؛ لأن هذا الخيار رغم دعوات تغييبه والقفز عليه من قبل بعض الأطراف إلا أنه يبقى الخيار الذي يقربه من نافذة إطلاله على البحار والخلجان عندما يتوحد مع أقطار أمته، ويصبح جزءا من الأمن القومي لأمته.
6 العراق بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني عبدالمنعم ابراهيم
اخبار الخليج البحرينية
مع تزايد العقوبات الأمريكية على إيران تتجه الأنظار نحو (العراق) الذي تتعامل معه إيران كحديقة خلفية لها للتحايل على العقوبات الأمريكية. أوضح ذلك مراسل «أخبار الخليج» في بغداد أمس حين رصدت خلية أمنية تابعة للقوات الأمريكية في العراق الحراك التجاري الصناعي العراقي-الإيراني المشترك الذي أسست له زيارة الرئيس روحاني لبغداد مؤخرا.. حيث تلقى مسؤولون عراقيون رسائل من السفارة الأمريكية في بغداد مفادها ان انشاء 3 مراكز صناعية إيرانية في العراق، فضلا عن تأسيس أسواق تجارية حرة مشتركة بين البلدين، أصبحت تحت مجهر الرصد الأمريكي.
من جهة أخرى طلب العراق من الإدارة الأمريكية اعفاء العراق من ضوابط الحصار على إيران فيما يتعلق باستيراد الكهرباء مدة ثلاث سنوات يكون العراق خلالها قد حقق الاكتفاء الذاتي من انتاج الكهرباء.. وحتى الآن لم يتم البت في طلب العراق.
إذن العراق سيكون في المرحلة المقبلة مضغوطا بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني.. لا يستطيع الافلات من كلا الطرفين.. أمريكا لن تقبل بأن يكون العراق (حديقة خلفية) لإيران مثلما كان إبان حكم الرئيس الأمريكي (أوباما)، وبات وجود المليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران يقلق الإدارة الأمريكية، وخصوصا مع وجود هذه المليشيات على الحدود العراقية-السورية لتأمين حرية حركة الجنود الإيرانيين والمرتزقة الممولين بالمال الإيراني في هذه الحدود ودخولهم ودخول الأسلحة إلى سوريا.
لكن العراق من جهة أخرى لديه مشكلة (الكهرباء) التي يعتمد في جزء كبير منها على الكهرباء الايرانية، وخصوصا في البصرة وجنوب العراق، وهناك متنفذون عراقيون موالون لإيران لا يريدون للعراق أن يعتمد على نفسه في توفير الكهرباء، لكي يبقى محتاجا دائما إلى الكهرباء الإيرانية.. ودول الخليج العربي أبدت استعدادها لمساعدة العراق في توفير الكهرباء، وخصوصا السعودية والكويت المجاورتين للعراق جغرافيا، لكن الاحزاب والمليشيات العراقية الموالية لإيران لا ترحب، بل ترفض وتعطل المساعدات الخليجية، بل فرضت رسوما جمركية على مولدات كهربائية كويتية كانت في طريقها لمساعدة المواطنين في البصرة ومدن الجنوب العراقي.
وهكذا فإن العراق بعد تخلصه من (داعش) الإرهابي لم يتخلص من النفوذ الإيراني المتعاظم في دائرة اتخاذ القرار السياسي في العراق.
7 السلطان يربح قطر ويخسر أنقرة سمير عطا الله الشرق الاوسط السعودية
ذهب الرئيس صائب سلام إلى العراق بدعوة من «السيد النائب، صدام حسين» وعاد يحدّث بما شهده من نهضة: المصانع، الزراعة، العلوم، وتفاؤل الناس بالمستقبل. بعد سنوات ذهبتُ أزور الرئيس سلام في جنيف على أثر احتلال صدام للكويت. وقال لي جملة واحدة: الغرور، لا يبقي على شيء!
شاهدنا بدايات ونهايات كثيرة في العقود الأخيرة. كلها متشابهة. وعندما أتأمل مسيرة رجب طيب إردوغان، تفزعني المقارنات. أليس غريباً أن يصر على أن يكون قصره من ألف غرفة، عدد غرف قصر نيكولاي تشاوشسكو؟ أليس غريباً أن يفاخر، مثل صدام، بمغامراته العسكرية و«صموده» الأبي فيما أرزاق الناس تتهاوى، وفيما التضخم ينبئ بأنه سيصل ذات يوم إلى ما وصل إليه الدينار العراقي والدينار اليوغوسلافي و«بوليفار» نيكولاس مادورو؟
بدأ إردوغان رجلاً لين العريكة، يشارك رفاقه الرأي والسلطة، يطمح إلى ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ثم بدأ برمي الرفاق على جانبي الطريق. وإذ يخوض معركة انتخابية جديدة، لا يتوقف عند أي مستوى سياسي. اثنان أثارا في يوم واحد حروب أوروبا المسيحية – الإسلامية: هو، وبطل مجزرة نيوزيلندا.
عندما يتحول السياسي من رجل دولة إلى شعبوي، تتساقط الأشياء من حوله. ليس فقط النقد والليرة، بل كل ما يقع في طريق الغرور والصلف. ولا يمكن لأحد أن يفهم، أو يبرر، أهداف الغرور: كيف لدولة مركزية مثل تركيا تجعل مصر والسعودية والخليج أعداء لها، وتكتفي بحلف مع قطر؟ وكيف لدولة لها دور سياسي في العالم، تتحول إلى معبر لأموال ورجال «داعش»، في الذهاب وفي الإياب؟ وأي سياسة بعيدة النظر تجعل تركيا تُسقط مقاتلة روسية اليوم وتصبح حليفة موسكو العسكرية بعد أيام؟
من يراجع سياسة تركيا منذ تفرد إردوغان، سوف يجد خطاً مستقيماً وسريعاً نحو الانهيار. وسوف يجد رجلاً يتلذذ بالأقوال الكبرى والسياسات القصيرة النظر. وسوف يجد رجلاً مزهواً بعناده، مثل صدام حسين. وللعناد طريق واحدة كشفت عنها الانتخابات البلدية أول من أمس. الشعب التركي يرفع في وجه رئيسه بطاقة الإنذار الصفراء. لكن ربما يلقى التعزية بالهزيمة في انسحاب أمير قطر من قمة تونس احتجاجاً على الموقف العربي من الثنائي التركي – الإيراني. فالسياسة القومية الحكيمة تقضي بمنح تركيا قاعدة عسكرية وإقامة تحالف مع إيران.