1 «داعش»: انتهى أو سيعود جهاد الخازن
الحياة السعودية
القوات الديموقراطية السورية، بقيادة الأكراد، هزمت الدولة الاسلامية المزعومة في آخر موقع لها على الحدود مع العراق، وأعلنت نهاية «الخلافة» بعد خمس سنوات من قيامها.
الرئيس دونالد ترامب ادّعى الفضل في هزيمة «داعش»، لكن أعلن أن بلاده ستظل على حذر بعد «تحرير» سورية، لأن «داعش» لا يزال له وجود في بلدان من نيجيريا إلى الفيليبين.
مضى وقت كان فيه «داعش» يحتل الموصل في العراق، وقواته قريبة من بغداد، إلا أنه بدأ يتقلص بعد قيامه في كانون الثاني (يناير) 2015، وأصبح داخل سورية مع حلول تموز (يوليو) 2017، ثم خسر أراضي يحتلها في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 وانتهى وجوده في مارس (آذار) هذا.
كان آخر موقع لـ«داعش» في قرية باغوز على الحدود بين سورية والعراق، ورجال القوات الديموقراطية السورية بدأوا هجومهم مع بدء هذا الشهر، ثم خفضوا حدة القتال مع وجود ألوف النساء والأطفال في منطقة القتال. وهؤلاء خرجوا ثم انضموا إلى لاجئين آخرين في مخيمات يديرها الأكراد.
أعلنت القوات الديموقراطية السورية، أن مقاتلي «داعش» هُزموا بعد أن شنّوا عمليات انتحارية وفجّروا سيارات أمام القوات المهاجمة.
الأكراد يريدون منطقة حكم ذاتي، وهم يطالبون الحكومة السورية بالاعتراف بها. المندوب الأميركي في المنطقة وليام روبوك قال إن «داعش» لا يزال يمثل خطراً إذا أعاد تجميع قواته، والرئيس إيمانويل ماكرون رحب بانتصار الأكراد وقال إن خطراً كبيراً على بلاده قد زال، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي رحبت بانتصار الأكراد وقالت إن حكومتها ستعمل جهدها لحماية البريطانيين وحلفائهم من خطر «داعش».
هناك مسؤولون أميركيون وعرب يقولون إن «داعش» هزم ولكن لم ينته. بعضهم يقدّر أنه لا يزال عند «داعش» حوالى 15 ألف مقاتل إلى 20 ألف مقاتل، بعضهم في خلايا نائمة وينتظرون فرصة للعودة إلى القتال.
رئيس الجماعة أبو بكر البغدادي تجنّب أن يؤسر أو يُقتل حتى الآن، إلا أن أماكن اختبائه أصبحت أقل، وإن كان مكان وجوده غير معروف الآن.
الإرهابيون تركوا وراءهم وثائق تشير الى أنهم يريدون الاستمرار في القتال وهم يهددون أوروبا حيث لهم خلايا تنتظر إشارة لبدء العمل. كانت هناك رسالة من رجل يحمل الاسم أبو طاهر الطاجيكي وهو يطلب من قيادة الدولة الإسلامية المزعومة الموافقة على عمليات في أوروبا ويعد بمساعدة رجال الخلايا النائمة هناك.
أقول إن «داعش» لم ينته، فالقيادة مختبئة والمسلحون موجودون للقيام بعمليات من بلادنا إلى أوروبا، وهناك خلايا بانتظار أوامر لبدء عملياتها، والقيادات المتبقية تبحث عن أنصار الأكراد أو النظام السوري، وتطلب صورهم وعناوين سكنهم لمحاولة قتلهم.
في غضون ذلك هناك أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري في لبنان والأردن وتركيا، وهناك خطط لإعادتهم إلى بلادهم. تركيا وحدها فيها حوالى ثلاثة ملايين لاجئ سوري وتريد أن يعودوا إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن. إذا كان القتال انتهى، إلى حين، فإن التعامل مع اللاجئين السوريين يمثل صعوبة أو صعوبات لم يحل شيء منها بعد.
2 انتهاء داعش.. وعودة القاعدة
رانيا مصطفى
العرب بريطانيا
أعلن مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، السبت الماضي، القضاء على تنظيم داعش، في جيب الباغوز، معقله الأخير في الأراضي السورية؛ لكن فرحة تلك القوات بإعلان الانتصار جاءت منقوصة، حيث تواجه ارتباكا مزدوجا.
السبب الأول لهذا الارتباك يتعلق بمصيرها، بعد انتهاء المهمّة الموكلة إليها من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أواخر 2015، وهي محاربة التنظيم المتطرف. والسبب الثاني أن هذه القوات عاجزة عن التصرف بأسرى التنظيم لديها، والبالغ عددهم 7000 مقاتل من داعش، من 54 دولة، عدا السوريين والعراقيين، وترفض دولهم استقبالهم وإعادة تأهيلهم.
لذلك، طالب مجلس سوريا الديمقراطية دول العالم بإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة مسلحي داعش. هذا فضلا عن مخيّمات النازحين من مناطق التنظيم، التي كان يقطنها قرابة 100 ألف مواطن مدني، قبل انضمام 73 ألفا آخرين ممّن استسلموا مؤخرا منذ مطلع العام الحالي، بينهم الآلاف من الأطفال الذين تربوا على ذهنية داعش العدمية، ويحتاجون إلى إعادة تأهيل.
قوات التحالف لم تحتفل بنهاية التنظيم على الأرض كما ينبغي، لأنّها تعلم أن ذلك لا يعني نهايته، خاصة أنه لم يتم العثور على مؤسسه أبي بكر البغدادي.
كما يمتلك التنظيم قدرات تنظيمية وتكتيكية واستخباراتية ولوجستية، وكذلك حاضنة شعبية، خاصة في المناطق السنية بالعراق، في ظل الاستقطاب السني- الشيعي، الذي تتسبب فيه الصبغة الطائفية للجيش والأمن العراقيين، فضلا عن ميليشيات الحشد الشعبي الموازية التابعة لإيران، والبالغ عددها قرابة 100 ألف مقاتل شيعي، والتي ترفع أعلامها وشعاراتها الطائفية علنا، مستفزة أهالي المناطق السنية.
عاش في ظل تنظيم داعش المتطرف، منذ 2014، قرابة 8 ملايين شخص موزعين بين سوريا والعراق، بينهم 42 ألف إرهابي أجنبي ينتمون إلى 120 دولة، ونسبة الأطفال بينهم 11 بالمئة، وفق تقديرات الاتحاد الأوروبي.
تواجه دول التحالف تحديات كبرى، بشأن استمرار نشاط التنظيم، بوصفه جماعة منهزمة عسكريا، وقد تعود باسم جديد؛ فقد فرّت قيادات وعناصر منه، حيث لا يزال التنظيم يتحرك في مساحة كبيرة من البادية السورية مترامية الأطراف، والمتصلة بمحافظة الأنبار العراقية.
وأفادت تقديرات بقدوم ما لا يقل عن 1000 مقاتل من داعش وصلوا إلى الأنبار من سوريا، وبحوزتهم ما يوازي 200 مليون دولار من الدعم المالي، فضلا عن استمرار هجمات داعش في العراق بسيارات مفخخة. ومن المتوقع تكرار الأمر في سوريا، مع ملاحظة تنشيط بطيء لشبكات الخلايا النائمة. هذا، عدا عن إطلاق قوات سوريا الديمقراطية سراح المئات من مقاتلي التنظيم، نتيجة الضغوط الشديدة، بما عرف بـ”صفقة العشائر”، وقد اتجهوا إلى شرق سوريا، حيث يتواجد التنظيم في منطقة ممتدة من محطة تي2 النفطية في ريف البوكمال الجنوبي، إلى ريفي السخنة وتدمر غربا، وأطراف بلدتي القريتين ومهين، وصولا إلى ريف مدينة الضمير، وشرقا إلى حدود منطقة تلول الصفا في ريف السويداء الشرقي.
إن إنهاء داعش على الأرض، مع بقاء الآلاف من عناصره طلقاء ، وآلاف آخرين محتجزين في سجون التحالف بالعراق، وفي سجون قوات سوريا الديمقراطية بسوريا، والآلاف من عائلاتهم وأطفالهم في المخيمات، سيعني لكل هذه العناصر انتظار فرصة الإعلان عن تنظيم جهادي جديد.
بالفعل تتوالى تقارير عن تصاعد نشاط تنظيم حراس الدين في العراق، المبايع لتنظيم القاعدة، واستقطابه للهاربين من عناصر تنظيم داعش؛ بينما تنفّس تنظيم الحراس، في إدلب الصعداء، ومجّدوا صمود عناصر داعش في معاركهم الأخيرة، ورغم أن الأخير كان قد كفّر الحراس..
حراس الدين هم التنظيم الأكثر ترشيحا لوراثة داعش، لكن مع تغيير في التكتيك؛ فقد خبرت الجماعات الجهادية مخاطر امتلاك الأرض عليهم وعلى السكان؛ لذلك من العقلانية بالنسبة لهذه التنظيمات العودة إلى سياسة تنظيم القاعدة في العمل السري، والتفجيرات والعمليات الخاطفة. وتنظيم حراس الدين يشبه القاعدة الأم في عملها التنظيمي، وسرية انتشارها، والقدرة على العمل في الخفاء، ما سيسمح له بالانتشار في زمن تراجع التنظيمات المشابهة.
من الضروري تذكّر أن داعش نشأ من بقايا تنظيم القاعدة في العراق، وانتشر في ظلّ الفوضى الطائفية وعدم الاستقرار الذي سببه الاحتلال الأميركي، ثمّ دخول إيران بميليشياتها ودعمها حكومات تابعة لها؛ وقد توسع في سوريا في ظلّ الفراغ الأمني الذي أحدثه تحرير الفصائل الإسلامية للرقة ومحيطها، وانسحاب النظام من شرقي الفرات وتسليمه لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي.
لكن التنظيم نشأ وانتشر أيضا بتسهيلات مقصودة، أميركية وغربية، وتركية عبر فتح الحدود لحركة الجهاديين. وكان انتشار التنظيم حجّة لتدخل التحالف وعودة الولايات المتحدة إلى العراق، وللتدخل في سوريا، ولمنع انفلاته بما يمنع التحكم فيه، حيث تضم قيادات الصف الأول والثاني في التنظيم عناصر استخباراتية تتبع دولا عدة.
لكنّ سوريا والعراق ما زالا يشهدان حالة عدم استقرار تسمح للعناصر الجهادية بإعادة تشكيل نفسها؛ فالعراق يعاني من تحكم ميليشيات طائفية شيعية تابعة لإيران، ما سيبقي المظلومية السنية واحتمال ظهور التنظيمات الجهادية، وفي سوريا لا يزال التوافق على حل سياسي بعيد، مع تمسك روسيا بالنظام، وبقاء الميليشيات الإيرانية، ورغبة كل هؤلاء في فتح معارك بإدلب وبشرقي الفرات، لاستعادة السيطرة عليهما، ومع عدم التوصل إلى توافق حول المنطقة الأمنية على الحدود مع تركيا.
كلّ ذلك يشكّل تحديا للجميع، بما فيهم واشنطن، خاصة أن تنظيم حراس الدين يتحدث في أدبياته عن تصويب ناظريه نحو “العدوّ البعيد أولا”، بما ينذر بعودة نشاط تنظيم القاعدة، خاصة إن صحت التكهنات بصعود نجل أسامة بن لادن إلى قيادة القاعدة، ما سيعني إلهام جيل جديد من الجهاديين.
3 العراق ودوره العربي في قلب الصراع الإقليمي د. خطار أبودياب
العرب بريطانيا
على مشارف الذكرى السادسة عشرة لـ”سقوط بغداد” إثر الحرب الأميركية – البريطانية، لم ينهض العراق حتى اليوم ولم يستعد دولته ودوره في محيطيه العربي والإقليمي، ولم يتمكن النظام الإقليمي العربي الذي أصيب في الصميم من تجاوز هذا الفراغ وملئه واستعادة تماسكه ولو في حده الأدنى.
وأثبت تسلسل الأحداث منذ العام 2003 أن إسقاط العراق كان بمثابة الزلزال الذي لا تزال ارتداداته مستمرة وقد تزايدت آثارها في زمن “الربيع العربي” منذ نهاية عام 2010.
واليوم مع نهاية التمركز الأرضي لما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” داعش يدخل العراق وجواره مرحلة أخرى في قلب الصراع الإقليمي المحتدم بين إيران التي تريد “بلاد الرافدين” امتدادا اقتصاديا واستراتيجيا، والمملكة العربية السعودية التي تعود بتمهل إلى الساحة العراقية في مسعى لإحياء دوره العربي وعدم تغييب هويته العربية.
لكن مهما كان الوزن الأميركي والنفوذ الإيراني والجهد العربي المستجد، يتعين على النخب العراقية تجاوز الانقسامات القاتلة والولاءات الخارجية باتجاه بلورة مشروع وطني إنقاذي يسمح لبغداد بأن تكون يوما نقطة تقاطع وتوازن بين العالم العربي وجواريه الإيراني والتركي وفي القلب من مشروع نهضوي تنموي عربي طال انتظاره.
في العاشر من مايو عام 2003، أعلن الرئيس جورج دبليو بوش “الانتصار” في العراق، وتصور المحافظون الجدد أن العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين ستشهد ولادة “الشرق الأوسط الجديد الديمقراطي”.
والآن بعد كل هذه السنوات العجاف وما تخللها من تناغمات وتجاذبات أميركية – إيرانية حتى 2010، وانسحاب عسكري أميركي في 2011، وعودة عسكرية لواشنطن في 2014 بالتزامن مع إعلان دولة الخلافة المزعومة إلى توتر بين الولايات المتحدة وإيران على الساحة العراقية منذ تمركز إدارة الرئيس دونالد ترامب، يتضح لنا بقاء العراق من المسارح الأساسية لتصفية الحسابات الإقليمية والدواية، وعدم النجاح في إعادة بناء الدولة العراقية نظرا لانتهاج عدالة انتقامية وعدم اكتمال شروط المصالحة الوطنية الحقيقية مع طغيان الفساد في نظام محاصصة يكاد يفرغ المؤسسات من محتواها وفعاليتها، كما حصل أخيرا في حادثة عبارة الموصل، وقبل ذلك ما حصل في البصرة خلال الصيف الماضي.
مع عدم القدرة على استكمال تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي نتيجة الضغط الإيراني في المقام الأول، وفقدان الحصانة في الداخل، تبدو العملية السياسية في العراق وكأنها تقتصر على تسيير الأعمال بين عادل عبدالمهدي رئيس الحكومة المتردد، الذي يختلف عن نوري المالكي الواضح في حلفه مع إيران، وعن حيدر العبادي الآتي من حزب الدعوة نفس حزب المالكي ولكنه برهن في معركته ضد داعش وفي تعامله مع العالم على قدر من الاستقلالية لم يستسغه قاسم سليماني المشرف الإيراني على الشأن العراقي، وبين برهم صالح رئيس الجمهورية محدود الصلاحية، وبرلمان لا يمارس مهامه ويغرق غالبا في الجدل البيزنطي أو تنفيذ الإملاءات الخارجية خاصة بعد تصعيد الحشد الشعبي ليكون قوة “فيتو” إيرانية تحاول التحكم بالمشهد السياسي العراقي.
في ظل هذا الانسداد الداخلي، يحتدم الصراع الإقليمي داخل العراق وحوله، ولا تشهد على ذلك فقط مرحلة “ما بعد داعش” وترتيباتها، بل جملة أحداث متتالية: زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، زيارة وزير التجارة والاستثمار السعودي إلى بغداد وأربيل، القمة المصرية – العراقية – الأردنية في القاهرة، واجتماع رؤساء أركان جيوش إيران والعراق وسوريا في دمشق، وهذا يضاف بالطبع إلى تلك الزيارة الخاطفة للرئيس دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد، وزيارة الرئيس برهم صالح لفرنسا، مما يدلل على أن العراق يوجد من جديد في قلب الاهتمامات العربية والدولية وأن حروب وتقاطعات الآخرين على أرضه لم تنته بعد، ولا يزال استقطابه من الرهانات الكبيرة للعديد من القوى الإقليمية والخارجية.
سلطت زيارة الرئيس حسن روحاني الأخيرة الأضواء على انغماس طهران في الشأن العراقي والذي تكرس أكثر في اللقاء مع المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، وسعي القيادة الإيرانية لجعل العراق متنفساً اقتصاديا لتخفيف وقع العقوبات الأميركية التي ستتصاعد على إيران في مايو القادم.
وحسب المعطيات الميدانية تريد إيران أن يكون العراق المنصة الإقليمية الأساسية لها (خاصة إذا زاد الضغط على منصتها في لبنان) وتعمل على تعطيل عودة العلاقة الطبيعية بين العراق والسعودية.
وفي هذا الإطار تجهد الدوائر الإيرانية لمواجهة التحرك السعودي مع رؤساء العشائر في غرب وجنوب غرب الأنبار، وبعض الوسط والجنوب العراقي، وكذلك تبدي إيران قلقا من انفتاح قيادات شيعية من أمثال حيدر العبادي ومقتدى الصدر على الرياض، وتتابع عن كثب التواصل القائم بين التيار الصدري والسعودية.
في المقابل، يشكل تفعيل معبر عرعر بين المملكة العربية السعودية والعراق مدخلا لتعزيز التعاون الاقتصادي، وتفعيل التبادل السياسي مع كل المكونات العراقية من كردستان إلى بغداد والجنوب.
يأتي التحرك السعودي الحذر والمتدرج بالترافق مع أدوار مصرية وأردنية موازية تزيد من الاهتمام العربي بتعزيز الهوية العربية لبلاد الرافدين، وعودة بغداد للعب دورها الطبيعي، بينما نلاحظ انحسارا للدور التركي في الشمال وتراجعا للدور القطري منذ مسألة خطف أفراد العائلة الحاكمة في الصحراء العراقية وتداعياتها.
ويتزامن هذا التموضع العربي الجديد في العراق مع تبدل في المزاج الشعبي إزاء الوجود العسكري والسياسي الأميركي. يجدر التذكير أن غالبية المكونين الشيعي والكردي رحبت بالتدخل العسكري لإسقاط نظام صدام حسين في العام 2003، أما اليوم فقد أدت مسارات الفشل في إعادة بناء الدولة إلى تبدل في موقف المكون السني العربي الذي يخشى “الهيمنة الإيرانية والاستلحاق” وأخذ يطالب بإعادة تعزيز واشنطن نفوذها العسكري في البلاد حاليا كضمانة ولو مؤقتة للتوازنات الهشة في البلاد.
في العراق، تتقدم إيران بخطى ثابتة أيضا لتعزيز مكانتها. وتورد تقارير ميدانية أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، تزداد قوة وثقة في النفس، مع تمتعها بحصانة إضافية. لكن الأجهزة الأمنية الرسمية تنجح أحيانا في تقليم أظافرها وتحديد أماكن تواجدها للحفاظ ولو بحذر على التوازن الرسمي بين واشنطن وطهران.
ينتشر نحو 5200 جندي أميركي في العراق، إلى جانب بعض القوات الغربية الأخرى، في إطار اتفاق مع بغداد لمحاربة تنظيم داعش وتدريب القوات العراقية. ويستعد مجلس النواب العراقي للتصويت على مشروعي قانون يدعو القوات الأجنبية إلى الانسحاب من العراق. لكن من المستبعد تمرير ذلك على الرغم من إصرار ظاهري للجنرال قاسم سليماني.
بالطبع، لا يسهم هذا التفاقم في الصراعات في تحسين أحوال العراقيين، إذ يزداد الانحدار في ترتيب الدولة ضمن تصنيف الدول الفاشلة، مع تزايد الفقر والبطالة وتراجع الخدمات في بلاد كانت قبل إدخالها في دورة الحروب المستمرة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي مثالا على البحبوحة والازدهار والتقدم العلمي.
لا ينفع البكاء على الأطلال بعد كل الذي تعرض له العراق في الحقبة الأخيرة. وفي موازاة الاهتمام العربي من أجل حسر النفوذ الإيراني، وصل الأمر حديثا بواشنطن إلى استضافة مؤتمر يضم بعثيين سابقين في تحذير مبطن لطهران. لكن إحياء الدور العربي للعراق والحفاظ على علاقاته الإقليمية والدولية المتوازنة يرتبطان بإقامة مشروع وطني عراقي عابر للطوائف والمكونات العرقية، يعيد تشكيل الدولة ويحصن بلاد ما بين النهرين في مرحلة إعادة تركيب الإقليم.