5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 «داعش» لا يزال خطراً في العراق وسوريا شارلز ليستر الشرق الاوسط السعودية
مع استكمال قوات سوريا الديمقراطية هزيمتها الإقليمية لفلول تنظيم «داعش» الإرهابي في قرية الباغوز شرق سوريا، يبدو أن الاهتمام العالمي بتهديدات «داعش» بات في تراجع واضح.
وعلى نحو مماثل، مع واقع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة من المسلمات التي لا رجعة فيها، تحولت أنظار العالم عن الأزمة السورية لتعيد النظر والتركيز على مسائل وقضايا أخرى. ومع أن العالم المعاصر أبعد ما يكون عن السهولة والبساطة، فإن الحقيقة الدامغة بشأن «داعش» تفيد بأن التنظيم لا يزال من أخطر التنظيمات الإرهابية في الواقع السوري والعراقي حتى لحظة كتابة هذه السطور، باستثناء واحد وهو فقدانه الأراضي التي كانت تحت سيطرته قبلاً، وأن الصراع ممتد النطاق في سوريا أبعد ما يكون عن الانتهاء كذلك، بل إن سبل عدم الاستقرار هناك باتت أكثر مما يمكن التنبؤ به في الحقيقة.
وفي خضم هذا المحيط من الاهتمامات المتحولة والديناميات المتفاعلة، يبدو أن الولايات المتحدة فقدت بوصلة الاتجاهات. وفيما يتعلق بسوريا، أمر ترمب أول الأمر بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية، ثم عاد ليعكس مساره ووجه الأوامر ببقاء 400 جندي فقط. وتشير التقارير الإخبارية من مصادر أخرى إلى أعداد أكبر من القوات الأميركية في سوريا وهي لا تعدو مجرد التكهنات التي ينقصها الدليل في المرحلة الراهنة.
ومن المتوقع لسياسة «القوة العسكرية المتبقية» في سوريا – مع 200 جندي باقٍ في التنف، وأكثر من 200 جندي آخرين موزعين على الجبهتين الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد – أن تلاقي مصير الفشل رغم كل شيء، إذ يتطلب الأمر زيادة كبيرة في التدخل العسكري الأوروبي على الأرض في سوريا، الأمر الذي تعارضه كل من لندن، وباريس، وبرلين كل المعارضة. ولما وراء الحرب ضد تنظيم «داعش»، يبدو أن الولايات المتحدة قد فقدت أيضاً معظم نفوذها لما يتعلق بالقضايا السورية واسعة النطاق، سيما العملية السياسية الراهنة. وعلى الصعيد العراقي المجاور، تواجه الولايات المتحدة الضغوط المتزايدة من داخل البرلمان العراقي بشأن سحب قواتها العسكرية تماماً من البلاد، الأمر الذي يوهن من القبضة الأميركية الحاكمة على المسائل الإقليمية الشائكة في المنطقة.
ويثير الوضع الراهن للأمور القلق في أفضل الأوقات. وباتت الحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى إلى الدور الأميركي الواضح، والقوي، والبنّاء في سوريا والعراق. ربما فقد «داعش» مناطقه المزعومة إلى غير رجعة، لكن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً إرهابياً وعسكرياً قائماً. وتشير التقديرات الاستخباراتية الأميركية إلى وجود ما يقرب من 15 إلى 20 ألف مقاتل من مقاتلي «داعش» نشطين وموزعين عبر أرجاء العراق وسوريا كافة.
وتشهد هجمات «داعش» العراقية تصاعداً مستمراً في كل شهر على مختلف المدن والمحافظات، إضافة إلى العديد من السيارات المفخخة التي انفجرت في مدينة الموصل في الأسابيع القليلة الماضية، تلك المدينة التي لا تزال تشهد وجوداً واضحاً لعناصر التنظيم الضالعة في شبكات العنف والابتزاز الموسعة، وهناك ما لا يقل عن 1000 من مقاتلي «داعش» قد وصلوا مؤخراً إلى محافظة الأنبار العراقية قادمين من سوريا، يحملون بحوزتهم ما يوازي 200 مليون دولار من الدعم المالي، كما أفادت التقديرات.
وفي سوريا نفسها، تتصاعد هجمات عناصر التنظيم الإرهابي مع شبكات الخلايا النائمة التي يجري تنشيطها ببطء واضح، مع نقاط التفتيش المسائية المنتشرة في غير موضع من محافظة دير الزور وبصفة يومية، مما يفيد بأن هذا ليس الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن تبدو عليه الجماعة المنهزمة عسكرياً على الإطلاق.
وتجعل الإطلالة السريعة على البيانات ذات الصلة بالحملة على «داعش» من التحديات الراهنة أكثر إثارة للقلق والشواغل. إذ يحتجز العراق في الوقت الراهن نحو 20 ألفاً من السجناء ذوي الصلة بـ«داعش»، مع 20 ألفاً آخرين محتجزين في سوريا، ومن المقرر نقلهم إلى العراق خلال الأسابيع القادمة. وهناك عشرات الآلاف من المواطنين المدنيين ذوي الصلات غير المحكمة بالتنظيم الإرهابي يعيشون داخل مخيمات المشردين داخلياً بالعراق، في حين أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال العراقيين لا يزالون من دون جنسية محددة مع رفض حكومة بغداد المستمر الاعتراف بمولدهم تحت حكم «داعش» السابق.
وفي سوريا، هناك أكثر من 100 ألف مواطن ممن عاشوا تحت حكم «داعش» لا يزالون قابعين الآن في مخيمات المشردين داخلياً، مع 77 ألفاً آخرين قادمين من قرية الباغوز، وهي آخر معاقل التنظيم الإرهابي المحررة في البلاد. إضافة إلى 7 آلاف من مقاتلي «داعش»، بما في ذلك ألف من المقاتلين الأجانب، محتجزين داخل سجون قوات سوريا الديمقراطية، غير أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية قد حذرت من أنها لن تتمكن من الاحتفاظ بهم لفترة أطول من الوقت. وأسفرت هذه الضغوط الشديدة على موارد قوات سوريا الديمقراطية عن إطلاق سراح المئات من مقاتلي التنظيم الإرهابي صوب شرق سوريا، فيما عُرف إعلامياً باسم «صفقات العشائر». وتشير الأرقام المذكورة إلى كل شيء باستثناء نهاية التنظيم الإرهابي. وفي واقع الأمر، يبدو أن تهديد «داعش» سيظل يرافقنا في تلك المنطقة المنكوبة لجيل آخر أو ربما جيلين.
وبعيداً عن تنظيم «داعش»، يبدو أن تجربة تنظيم «القاعدة» في سوريا أسفرت عن تطور التنظيم الإرهابي بغير وسيلة من الوسائل، بحيث إنه بات يشكل تحديات وتهديدات متعددة للأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من انفصال «هيئة تحرير الشام» فعلياً عن أي ولاء يربطها بالتنظيم الأم (القاعدة)، فإنها تبدو على نحو متزايد مثل «حركة طالبان الشامية» التي تسعى كل السعي لنيل الاعتراف السياسي. ورغم أن الأوضاع في إدلب صارت أكثر تعقيداً وفوضوية، فإن نفوذ «هيئة تحرير الشام» هناك كبير للغاية ويعتمد بشكل أساسي على حماية الدول الأجنبية المعنية، ليس أقلها تركيا إن لم تكن روسيا كذلك. وفي حين أن «هيئة تحرير الشام» قد أثبتت القيمة المحلية والعملية لما يسمى القتال، فإن تنظيم «القاعدة» قد تمكن من إعادة اكتشاف الذات وأيام الزعيم الأول أسامة بن لادن عبر ما يسمى تنظيم «حراس الدين» الذي يحوّل ناظرَيه بنحو شبه مؤكد صوب استهداف «العدو البعيد» أولاً – وفق ما تفيد به أدبيات التنظيم – مما يجدد تهديدات التنظيم الأم وحياكة المؤامرات ضد الولايات المتحدة، أو أوروبا، أو حكومات بلدان الشرق الأوسط. وحتى الآن، فإن هذا التهديد ينطلق في مساره من دون ضابط يضبطه.
ثم نجد إيران التي تملك مجموعة واسعة من الميليشيات في العراق وسوريا، التي عند دمجها معاً فإنها تشكل ما مجموعه أكثر من 100 ألف مقاتل شيعي يشكّلون الهياكل الأمنية الموازية والقادرة على التأثير الكبير على سياسات الحكومة في بغداد ودمشق ربما لسنوات قادمة. ونجح ظهور ثم تطور هذه الميلشيات، أي الجيش الإيراني الإقليمي شبه النظامي، في إحداث تحولات جذرية في تفاعلات وتوازنات القوة والنفوذ السياسي في منطقة الشرق الأوسط وبطريقة يمكن أن تزداد سوءاً بمرور الوقت إذا ما سُمح لأمثال «داعش»، وهيئة تحرير الشام، وحراس الدين، وبشار الأسد، والميليشيات الإيرانية، بالبقاء، أو الاستمرار أو الازدهار.
وتفادياً لبلوغ مرحلة السيناريو الأسوأ، أو على أقل تقدير، للتقليل من التحديات التي نواجهها بشأنه، لا بد من تآزر مختلف القوى متعددة الأطراف وراء قضية واحدة، مع توحيد الرسالة، وتوحيد العمل. وإننا نفتقر إلى مثل هذا التوحد في الآونة الراهنة بشكل كبير.
وقدر لا بأس به من اللوم ملقى على عاتق واشنطن في ذلك وسياساتها الخارجية المرتعشة فيما يتعلق بالمنطقة سيما وأن الأوضاع لا تزال أبعد ما تكون عن الاستقرار. وإن لم يكن الوصف الأمثل لمواقف الرئيس الأميركي الحالية هو «المرونة المفرطة» فلا أدري أي وصف يناسبه! ونجده يطالب الحلفاء في أوروبا بما لا يطيقون وبأكثر مما اعتدنا عليه قبلاً، مع أن ذلك يتيح للمجتمع الدولي فرصة سانحة لممارسة مزيد من التأثير على طريقة تفكير الرئيس الأميركي. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي لا ينظر إلى القضيتين السورية والعراقية من منظور الأهمية الاستراتيجية الكبرى، فالأمر بات متروكاً لحكومات الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي لإقناعه بخلاف ذلك، إن نجحوا! فإن أخفقنا في هكذا مهمة، فلن نجني سوى الخسران فيما هو قادم في قابل الأيام. ولن يجني خصومنا إلا كل فائدة يستطيعون.
2 في الموصل… جريمة وليست فاجعة
هيفاء زنكنة القدس العربي
انها المرة الأولى، منذ غزو العراق عام 2003، التي يقوم فيها محتجون بمطاردة رئيس الجمهورية، يخترقون حاجز حمايته وحرسه المسلح الخاص، ويجبرونه على الفرار، وهو على وشك الاختناق من صرخات الغضب، وموجة الأجساد التي انهكها الحزن. أجبروه على نزع ابتسامته، المستهينة بالناس عادة، ليرتسم على وجهه ذعر، صورته أجهزة الموبايل المرتفعة على الرؤوس. سجلت العدسات كيف بات همه الاول في تلك اللحظات، هو الهرب ممن افترض انه جاء ليكذب عليهم. زحف الى السيارة المصفحة التي تحمل أسم «حماية القائد». تجاذبته الايدي، وسُحبت سترته عدة مرات حين اراد الجلوس فيها. أراد المحتجون ان يعرف ان غرق الضحايا، بالموصل، جريمة وليس فاجعة، وانه، يجب ان يحاسب كما كل مسؤول، أيا كان منصبه، فالفساد معروف، والإرهاب معروف، والاستهانة بحياة المواطنين وحقوقهم لم تعد سرا خفيا، وان السمكة فاسدة من رأسها.
المحتجون هم أهل ضحايا العبٌارة التي أودى غرقها، منذ ايام، بحياة 120 شخصا، بينهم 62 امرأة و18 طفلا، كانوا قد ارتدوا ملابس العيد متوجهين الى جزيرة أم الربيعين، للاحتفال بعيد نوروز، ببدء الربيع، وعيد الأم. المحتجون هم من أهل الموصل، المدينة التي لايزال ضحايا «تحريرها قصفا»، تحت الانقاض، بعد مرور ثلاثة أعوام. المدينة التي يتحكم بحياة أهلها اليوم ميليشيات طائفية، ومحافظ فاسد يمتهن السمسرة، مع آخرين، في عقود «اعادة الاعمار» الوهمية، حاميا نفسه بكل الطرق وبضمنها اعتقال الصحافيين المستقلين وحصر موافقات التصوير والتغطية الإعلامية به شخصياً.
هل كانت زيارة الموت مفاجئة وغير معروفة الأسباب؟ من يراجع يوميات الموصل، منذ الاحتلال، وحتى اليوم، سيجد نفسه ازاء جواب مخيف. فالموت بأشكاله غير المبررة، المبتذلة، والوحشية، مقيم في المدينة. يتجول في أزقتها وغاباتها، قد يغادرها لوهلة الا انه سرعان ما يعود اليها متخفيا أو كاشفا عن أوجهه. فللموت، بالموصل أوجه متعددة. كان المحتل الأمريكي أولها حين أولت قوات الاحتلال للمدينة «رعايتها» وذلك لموقعها الخاص وتنوعها الديني والعرقي. ولأنها، مثل مدينة الفلوجة، رفضت الخضوع للمحتل وقاومته، بكل الطرق الممكنة، كما ينص ميثاق الأمم المتحدة بحق الشعوب بمقاومة الاحتلال. فكانت معركة الموصل في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 التي نجحت المقاومة فيها من استعادة ثلثي المدينة، الى ان تم أرسال 20 ألف جندي من الفرقة 101، المحمولة جواً، بقيادة اللواء ديفيد بترايوس، الذي تمت ترقيته فيما بعد الى منصب القائد العام للقوات الأمريكية، ومن ثم رئيس وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي أي) مكافأة له على إنجاح سياسة «مكافحة التمرد» في الموصل أولا ثم بقية العراق. وأرسلت قوات الاحتلال، بالتعاون مع نوري المالكي رئيس الوزراء الذي كان يعرف نفسه بأنه «شيعي قبل ان يكون عراقيا» تعزيزات عسكرية لكبح «التمرد» مرة اخرى عام 2007.

عملت أجهزة الاعلام بحمية ومثابرة على التضليل وتخدير العقول، صاحبها فساد القضاء، لتوفير الحماية لساسة «العملية السياسية»، وارتكاب كل الخروقات والجرائم خارج نطاق القانون، بينما صار مصير أي شخص يحاول ولو اثارة التساؤل حول حقيقة ما يجري، الاتهام بالإرهاب

منذ ذلك الحين، وحتى العام الماضي، وعمليات قوات الاحتلال، سواء كانت أرضا أو جوا (بعد احتلال داعش للموصل في 2014) مستمرة تحت عناوين مختلفة ولمحاربة «أعداء» بأسماء تتغير بتغير المتطلبات. فاذا كان «العدو» في بداية الاحتلال هو البعثي والصدامي وضباط الجيش الصدامي المنحل، فأنه تحول تدريجيا الى الإسلامي الإرهابي، عضو تنظيم القاعدة، أولا ثم الدولة الإسلامية (داعش) ثانيا، ولاتزال ماكنة انتاج «العدو» ناشطة لتسويق عدو جديد.
بالتزامن معها، عملت أجهزة الاعلام بحمية ومثابرة على التضليل وتخدير العقول، صاحبها فساد القضاء، لتوفير الحماية لساسة «العملية السياسية»، وارتكاب كل الخروقات والجرائم خارج نطاق القانون، بينما صار مصير أي شخص يحاول ولو اثارة التساؤل حول حقيقة ما يجري، الاتهام بالإرهاب والعمالة بل والتصفية الجسدية.
وفي ظل الحكومات العراقية، ونتيجة للفساد المستشري، حسب التقرير الأخير لمرصد الحريات الصحافية الدولي، باتت «المؤسسات الحكومية تعتم على المعلومات، مما يعرض الصحافيين الى الخطر والملاحقة والتهديد، ولا سيما الساعين الى استحصال معلومات ووثائق متعلقة بالفساد المتعدد الاوجه، فغالباً ما تلجأ تلك المؤسسات إلى حظر نشر المعلومات ومنع تداولها». فتزايد عدد مكاتب «المتحدثين الرسميين» المختصين بتقديم البيانات حول «أنشطة» المسؤولين الايجابية فقط، بالإضافة الى منابر الاعلام الحزبية، بينما أغلقت الابواب امام الصحافيين.
هذه هي خلفية جريمة غرق العبارة. انها ليست « حادثا» مؤسفا أو كارثة بيئية نترحم فيه على أرواح الضحايا، نقيم مجالس العزاء وقد نقبض بعض التعويضات، ثم ننسى. بينما يواصل السراق النهب من جهة والجلوس في استديوهات القنوات الفضائية، متظاهرين بالنزاهة واتهام الآخرين بالنهب، من جهة أخرى. نحن ازاء عصابة تتقن الكذب على الشعب وتزوير الحقائق. إذ من الضروري تزوير التاريخ واضفاء صفة النبل على ما يرتكبونه.
وهذا هو بالضبط ما أعلنوا أنهم «سيقومون» به، إزاء «فاجعة العَبٌارة». أرسل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بعد ان رأى ما لحق برئيس الجمهورية برهم صالح، تغريدة الى رئيس البرلمان طالب فيها بإقالة محافظ نينوى «للاهمال والتقصير الواضحين في أداء الواجب والمسؤولية، ووجود ما يدل من تحقيقات تثبت التسبب بالهدر بالمال العام واستغلال المنصب الوظيفي». ووافق البرلمان على الطلب داعيا الى « تشكيل لجنة تحقيق». يهدف هذا القرار، كما هو واضح، الى القاء اللوم على ثلاثة أشخاص هم المحافظ ونائبيه، بعد ان اكتشف رئيس الوزراء، فجأة، وبقدرة قادر، اهمال وتقصير المحافظ، فأرسل تغريدته للاعلان عن اكتشافه وبيان نبل أخلاقه. غاية القرار الحقيقة هي طمر الفساد الأكبر، المتجذر بعمق المؤسسات الحكومية في كافة ارجاء العراق وليس الموصل لوحدها، بدءا من رأس السمكة حتى ذيلها.
أما الاعلان عن تشكيل لجان التحقيق أو فتح الباب لذوي الضحايا للمطالبة بالتعويضات، فانه مسخرة أخرى واستهانة لا مثيل لها بذكرى الضحايا وذويهم، فكلنا يعلم مصير مئات لجان التحقيق التي تم تشكيلها منذ الغزو وحتى اليوم. أنها لجان فضائية، حسب معجم العملية السياسية، واذا وجدت لغرض دفع مخصصات لأعضائها، فلم يحدث وتم الاعلان عن نتائجها. أما طلب اهل الضحايا بالتعويضات، فكلنا يعرف تكلفة التقدم بأي طلب كان الى أية جهة حكومية والذي من المستحيل انجازه بدون دفع مئات وآلاف الدولارات. إن ما قام به المحتجون، في أعقاب انتشال الضحايا، فعل نابع من فهم لما حدث والظروف التي ادت الى حدوثه، وهو أعمق من المخدر الذي تقدمه الحكومة والبرلمان.
3 حين رمى الأمريكيون أحجارهم على خلية النحل مثنى عبد الله
القدس العربي
في مثل هذه الأيام من عام 2003 بدأت القوات الأمريكية والمتحالفة معها، تنفيذ أكبر جريمة عرفها التاريخ الحديث، حين شرعت بغزو العراق وتهديم البنى المادية والمعنوية للدولة فيه، خلافا لكل القوانين والأعراف والشرائع الأممية التي نظمت العلاقات الدولية في العصر الحديث. ولم يكن هذا الفعل مشفوعا بما يبرر القيام به، حيث تم تجريد البلد من القوة العسكرية الضاربة، من خلال لجان التفتيش التي جابت كل زاوية من العراق لتدمير صناعاته ومعداته العسكرية.
كما سيطرت الولايات المتحدة الامريكية على مقدراته الاقتصادية، بعد أن وضعت، ومن خلال المنظمة الدولية يدها على وارداته المالية الناتجة عن صادراته النفطية، وراحت تتحكم بكل شؤونه، فتمنع ما تعتقد أنه يبقيه حيا، وتسمح بالنزر اليسير، وفقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء والدواء سيئ الصيت. ومع كل ذلك بقيت الإدارة الأمريكية تشعر بأن الحصار لم يعد كافيا لتنفيذ مخططها. فالمخطط المرسوم لدى صانع القرار لم يكن تحجيم العراق وإلغاء دوره العربي والإقليمي والدولي، بل كان سحق البلد تماما ثم رميه ليكون أسير أزمات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية لا تنتهي، وحروب ونزاعات أهلية على أسس طائفية وإثنية ودينية. حينها كان لابد من الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تطلبت العمل الفعلي على إعداد سيناريوهات الشيطنة، وإظهار العراق بأنه أكبر تهديد للأمن والسلم العالمي. فأنشأت ورشات التفكير والفكر، كشبكات واسعة من مراكز بحث استخباراتية، تركّز عملها على بلورة آليات ووسائل للتأثير النفسي، وانحصر اهتمامها في سُبل تحريض المجتمع الدولي على العراق، وإظهاره بأنه يخادع ويتحايل على القوانين الدولية المفروضة عليه، ويطور سرا أسلحة دمار شامل قادرة على تدمير البشرية في دقائق معدودة، حسب ادعاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول أمام مجلس الامن الدولي.
كما ذهبت هذه الورشات لنشر الفكر الفوضوي من خلال محطات الإذاعة والتلفزيون الموجهة، وتحريض الشعب العراقي على التشكيك في تاريخ بلدهم، والسخرية من مُثلهم العليا وشخصياتهم التاريخية، واستعداء بعضهم على الآخر لدواعي طائفية أو إثنية. وكان الهدف من وراء ذلك، كسب شرائح معينة من المجتمع وزجها في مشروع الاحتلال. سبقه جمع بعض الأصوات من عراقيي الخارج وتقديمهم إلى الداخل على أنهم هم النخبة التي تمثلهم طائفيا وإثنيا ودينيا.
وقد انساق المجتمع الدولي بعلمه أو بدون علمه خلف هذا المخطط الشرير بدوافع كثيرة، حيث كانت الفترة التي شُرع فيها بالتخطيط للغزو تشهد حالة من القطبية الفردية للولايات المتحدة، وبالتالي كانت قادرة على إجبار الآخرين على تأييد خطواتها ومخططاتها. فالتهديد كان واضحا من خلال شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا. وعن هذا يقول رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردون براون في كتاب صادر عنه، بأن الولايات المتحدة قامت بتوريط الحكومة البريطانية في حرب ضد العراق، وكانت وزارة الدفاع الأمريكية على علم تام بأن بغداد لا تملك أسلحة دمار شامل، كما أنها لم تشرك بريطانيا في التقرير السري الأمريكي، الذي كان يزعم امتلاك هذا السلاح، بل يذهب نائب رئيس الوزراء البريطاني عام 2003 جون سكوت في افتتاحية له نشرتها صحيفة «صنداي ميرور» البريطانية في 2016 لبيان عدم شرعية الغزو والاحتلال، فيقول بأن الغزو لم يكن شرعيا، أوقع المملكة المتحدة في غلطة كارثية. كما تنفي مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة كونداليزا رايس، في حديث لها في مايو 2017، حتى تبرير الغزو بهدف زرع الديمقراطية في البلد وتقول «إن تبرير ذلك الفعل بزرع الديمقراطية في البلد غير صحيح».
ومهما قيل وسيقال عن هذه الجريمة الكبرى، فلا شك أن الغزو كان وسيلة من وسائل تحقيق العقيدة السياسية الامريكية، التي تتخذ تحقيق نظرية الأمن القومي الإسرائيلية جانبا مهما فيها. ولأن العراق ارتبط مصيريا بالقضية الفلسطينية، ولم يكن هذا الارتباط حكرا على نظام سياسي محدد، بل كانت السياسة العراقية على مدى عقود تسير وفق حالة العداء الشامل مع الكيان الصهيوني، وإفشال كل جهود التطبيع والقبول به، ولأنه وضع كل إمكانياته البشرية والعسكرية والاقتصادية والسياسية في خدمة القضية الفلسطينية، ولأنه أظهر استقلالية أكثر من المسموح به، فقد كان لابد من إزاحة هذا الفاعل المضاد للسياسة الامريكية من المنطقة. وبما أنها عراب المافيا الصهيونية والمافيا الدولية، فيقينا لابد أن تنشب مخالبها في العراق، لأنه داس في هذه السياسة على أصبع قدم هذا العراب فحان وقت سحقه. وقد كتب بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي لدى الرئيس جيمي كارتر في هذا المآل فقال «سيكون هنالك شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية وبما يسمح لدولة إسرائيل أن تعيش في المنطقة». لكن الحديث عن الامكانيات الامريكية اللامتناهية، ذات ديمومة النجاح المنقطع النظير، أمر مبالغ فيه تماما في كثير من الاحيان، نعم يرتبط الوجود الامريكي في الغالب بالفوضى في أي مكان تتواجد فيه، وقد دفع الشعب العراقي أنهارا من الدماء في حقبة الغزو والاحتلال المستمرة مفاعيلها حتى اللحظة، لكنها هي أيضا لم تسلم يوما من الفوضى المرتدة عليها بسبب تفاعلات سياساتها العدوانية وردود الافعال عليها. فكان أن أُدميت في العراق ودفعت خسائر فادحة في الارواح والمعدات والأموال والاستراتيجية أيضا، نتيجة عدوان سافر لم يكن محسوب النتائج إطلاقا، فقد كان غرور صاحب القرار السياسي أحمق، لدرجة أنه تصور أن أهل العراق سيخرجون ناثرين الزهور على رؤوس جنوده، لكنه تفاجأ بأن أحجاره قد أيقضت كل خلايا النحل ضده.

غزو العراق كان وسيلة من وسائل تحقيق العقيدة السياسية الأمريكية، لتحقيق نظرية الأمن القومي الإسرائيلية

وتشاء الأقدار أن يستشهد أكثر من مئة طفل وامرأة ورجل من أهالي الموصل، في حادث انقلاب عبارة في نهر دجلة، في أيام ذكرى الغزو الأمريكي للعراق. وكأن المآسي سلسلة مترابطة تشابكت حلقاتها على رقاب العراقيين، وباتت تجرجرهم إلى حتفهم زرافات زرافات. في حين باتت كل قوانين الامم المتحدة وحقوق الانسان، وصون كرامة النفس البشرية، مجرد مصطلحات صماء لا تنطبق معانيها على هذا الكائن الحي في وادي الرافدين، أو في أحسن الاحوال أنه ليس مشمولا بها. من ذا الذي سيرفع راية قداسة المسؤولية ويعلن أنه هو المسؤول عما جرى، فيثبت أنه مازال في قاموس السياسة العراقية بقية من شرف؟ ومن ذا الذي ينصر هذا الشعب المُكبّل اليدين بحكومة لا تحكم وبرلمان لا يُشرّع وقضاء لا ينصف؟ لا أحد لان الجميع يقبلون أن يكونوا بيادق على رقعة رسمها المحتل.
يقينا أنهم العراقيون وحدهم هم القادرون على نصرة أنفسهم إن أرادوا ذلك، وعقدوا العزم عليه. وستبقى شعارات كلا كلا للفساد، وشلع قلع كلهم حرامية، مجرد بالونات ملونة لا ترتفع أعلى من رؤوس مطلقيها.
4 أسئلة القمة الثلاثية عريب الرنتاوي الدستور الاردنية

تطرح قمة القاهرة الثلاثية (الأردن، مصر والعراق)، أسئلة جوهرية ثلاثة:
الأول؛ هل نحن بصدد محاولة لاستعادة «مجلس التعاون العربي» الذي ضم اليمن إلى جانب هذه الدول الثلاث في ثمانينات القرن الفائت، وانتهى بغزو العراق للكويت؟
الثاني؛ هل يمكن لمصر والأردن انتظار أوثق العلاقات مع العراق في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة، فيما علاقات البلدين، متوترة مع إيران؟
الثالث؛ ما هي الحدود بين «السياسي» و»الاقتصادي» في العلاقات بين هذه الأطراف الثلاثة، وهل يمكن عزل تأثيرات الاختلافات السياسية عن المصالح الاقتصادية؟
في الإجابة عن السؤال الأول نقول؛ إن التاريخ لا يعيد نفسه، ومن قال بخلاف ذلك، وضع المسألة في سياق التراجيديا أو الكوميديا، وأحسب أن الأطراف لا يساورها شك بأن أمراً كهذا يمكن أن يحدث … للعراق مصلحة في تنويع علاقاتها الخارجية، وتأمين «ممرات عبور» لنفطه الوفير، بعيداً عن مياه الخليج المزدحمة بالفرقاطات وحاملات الطائرات … وللأردن ومصر، مصالح عميقة مع العراق، وفي شتى المجالات، فهو سوق كبير، ومصدر هائل للطاقة، وورشة عملاقة لإعادة الإعمار، وفي ظني أن السعي الأردني – المصري للاقتراب من العراق والتقرب منه، هو سعي مفهوم ومحمود، ويخدم مصالح مشتركة للدول الثلاثة، ومن هنا تكتسب القمة الثلاثية أهميتها القصوى.
في الإجابة على السؤال الثاني نقول؛ إن انتظار حدوث اختراق في العلاقات بين البلدين من جهة والعراق من جهة ثانية، من دون «تطبيع» في علاقات كل منهما مع إيران، يبدو ضرباً من «انتظار غودو»، فالعراق بعد صدام حسين، وبالأخص بعد حكومة حيدر العبادي، يقترب من إيران ولا يبتعد عنها، وطهران نجحت في بناء منازل عديدة لها في بلاد الرافدين … صحيح أن تطويراً في العلاقات مثلثة الأطراف قد يطرأ إن توفرت أحسن النوايا والخطط، لكن هذا التطور لن يصبح اختراقاً، طالما ظلت حالة العداء الشديد تخيم على العلاقات بين العاصمتين العربيتين والعاصمة الإيرانية.
صحيح أنه لا توجد مشكلات «ثنائية» بين كل من عمان والقاهرة من جهة وطهران من جهة ثانية، لكن كلتا العاصمتين ترتبطان بعلاقات وثيقة مع واشنطن ودول خليجية، وحالة العداء بين إيران وحلفاء مصر والأردن الأمريكيين والخليجيين، في أعلى ذرواتها، وهيهات أن تضحي أي من العاصمتين بعلاقاتها الوثيقة مع واشنطن والخليج على مذبح علاقة مستجدة مع العراق، مشروطة في جوهرها بـ»التطبيع» مع إيران».
أما في الإجابة على السؤال الثالث فنقول: في كثير من القضايا الإقليمية لا تلتقي مواقف الائتلاف الحاكم في العراق مع مواقف حكومتي عمان والقاهرة … قبل أيام فقط، كان رئيس أركان الجيوش العراقية في دمشق، يجتمع مع نظيريه السوري والإيراني، فيما عُدّ تعزيزاً لما يسمى بـ»محور المقاومة والممانعة»… وقبل أيام قلائل كان مسؤول إيراني رفيع يتحدث عن مائة ألف جندي في العراق، يدينون بالولاء لإيران، ومثلهم في سوريا، في إشارة للحشد الشعبي، فكيف يمكن فصل «السياسي» عن «الاقتصادي والتجاري والنفطي» في علاقات هذه البلدان؟ … هذا هو التحدي الأكبر الذي سيقف في وجه مسيرة التعاون الاقتصادي مثلث الأطراف.
ثمة من يرى أن التقرّب العربي من العراق، إنما يستهدف إبعاده عن إيران، وهذا صحيح، بل وهو توجه مدعوم من الولايات المتحدة كذلك، التي ترى أنها بحاجة لحلفائها في العراق لمحاصرة النفوذ الإيراني، هدفها الأول وليس الأخير … لكن هذه المقاربة بذاتها، قد تصبح السبب وراء تعثر مسار التقارب والتقرّب، بما تثيره من مخاوف وقلق إيرانيين.
بعض العراقيين يتحدث عن دور جديد لعراق ما بعد صدام حسين، دور الجسر بين إيران والعرب، بعد أن كان يلعب دور «السد» في وجه الطموحات الإيرانية التوسعية … حتى بفرض تصديق عن التوصيف الدبلوماسي الملطف للدور العراقي الجديد، فإن نظرية «الجسر» تفترض وجود طرفين له، واحد في إيران، تعبر منه إيران للعالم العربي، وآخر في العالم العربي، يعبر منه العرب نحو إيران، فهل تريد واشنطن، وبعض العرب، تسهيل عملية العبور المتبادلة هذه؟ … هل يريدون تشييد هذا الجسر، أم العودة لبناء السدود التي انهارت في العام 2003؟
5 اشتراطات بناء الدولة والمجتمع احمد صبري الوطن العمانية
ما جرى في العراق بعد غزوه واحتلاله ما زالت تداعياته تضرب المجتمع العراقي وجواره، وهي تداعيات ربما لم تكن محسوبة من دول الاحتلال التي بشرت بعصر جديد عنوانه الرخاء والحرية والديمقراطية، غير أن المتحقق بعد مرور 16 عاما على المغامرة الأميركية كان عنوانه الفوضى وعدم الاستقرار وغياب الأمن والتوازن، وتغول الفساد صاحبه صراع نفوذ بين القوى النافذة، وهو الأمر الذي وضع العراق في هذا الخانق الذي يتخبط به طيلة السنوات الماضية.
وعندما نسلط الضوء على ما آلت إليه أوضاع العراق بعد احتلاله فإننا لا نغفل فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤونه بعد أن غابت اشتراطات التغيير والتوازن المطلوبين في بلد يئن تحت وطأة غياب موجباتها.
من هنا يعتقد مؤلف كتاب التغيير والتوازن في بناء الدولة والمجتمع (الباحث السياسي كمال القيسي) أن جهده عبارة عن شمعة يراد منها رؤية الغاطس في المفهومين أسماها القوة الغاشمة والفساد والإرهاب في محاولة لتلمس بداية طريق وعر مليء بالمفاجآت.
والمؤلف باحث في علم الاقتصاد عمل في وزارة النفط العراقية ومنظمة أوبك، ودرس في جامعتي مانشستر وبرمنجهام البريطانيتين، وله مؤلفات في السياسية والفكر الاستراتيجي.
ويرى المؤلف أن صراع النفوذ والهيمنة الذي شهدته المنطقة والإقليم هو ناتج طبيعي لهذا الصراع الذي ما زالت تداعياته متواصلة على الخريطة السياسية، غير أنه يشير إلى أن هذه التداعيات كانت متوقعة بسبب تقاطع المصالح والنفوذ أدت إلى الفوضى وتدمير البيئة والإنسان معا.
ويصف مؤلف الكتاب أن ما أحدثته تداعيات غزو العراق واحتلاله على الإنسان والمجتمع والبيئة عموما هو لا يقارن بمحصلته الكلية بقنبلتي هيروشيما وناجازاكي النوويتين على اليابان.
ويربط القيسي بما حدث من نزاعات وصراعات دينية وأيديولوجية في الشرق الأوسط بما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر، موضحا أن الرؤية الأميركية لهذه الأحداث هي لمنع وقوع منطقة الخليج العربي تحت سيطرة دولة تتقاطع مع مصالحها ونفوذها معها.
ويفرد المؤلف حيزا لمفهوم النظام الدولي، ويصفه بأنه مفهوم سائب في ظل انعدام التوازن في القوى والمصالح، وتفكك الدول والمجتمعات لإخفاقه في حماية البيئة العالمية، ووقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، فضلا عن عدم التزام الولايات المتحدة بتحقيق معيارين اعتمدهما النظام الدولي وهما التوازن بين القوى العظمى في القوى وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وفي تشابك مصالح النفوذ والهيمنة والتسلط بين القوى الكبرى التي باتت ظاهرة خطيرة، كان العراق وما زال أحد ضحاياها، كما يوضح المؤلف أن خروج العراق من هذا الخانق يتطلب إيجاد مخارج تتضمن آليات وطنية وإقليمية ودولية تعيد تشكيل نظامه السياسي. غير أنه يستدرك وقارا بصعوبة الاستشراف والتنبؤ بما ستؤول إليه الوقائع بالمدى المنظور بسبب ما وصفه شدة الظلام الذي يلف المنطقة وحال التخبط الذي تعيشه.
ويشترط الباحث كمال القيسي لتحقيق التوازن المطلوب بوجود دولة بمنظومة حوكمة رصينة تتيح لقيادتها التنفيذية رؤية الاستشراف، وضبط إيقاعات مساراته، مع المرونة في التكيف مع الظروف والمستجدات.
ويخلص المؤلف إلى القول إن التغيير والتوازن هما ركيزتان أساسيتان من استدامة عمل الدولة وحياة المجتمع، ومن دونهما لا يمكن تحقيق اشتراطات البناء والتنمية والاستقرار.