1 زيارة روحاني للعراق: حسابات الحقل وحسابات البيدر
صادق الطائي
القدس العربي
عدت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق في 11 مارس الجاري التي استمرت ثلاثة أيام من التحركات الدبلوماسية التي أثارت الكثير من اللغط والتحليل والتوقعات والتوقعات المضادة. ففي البدء جاءت وقائع الزيارة غريبة بعض الشيء عن السياقات الدبلوماسية المعتادة لزيارة الرؤساء للدول الصديقة، إذ وبحسب مصدر مطلع، فإن وزير التجارة محمد هاشم العاني كان هو من استقبل روحاني والوفود المرافقة له، في مطار بغداد، ولم يكن في الاستقبال نظير روحاني الرئيس العراقي برهم صالح.
كما قام الرئيس روحاني بدوره بالتوجه الى مرقد الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد في مدينة الكاظمية لأداء الزيارة قبل بدء مراسم استقباله الرسمي من رئيس الجمهورية برهم صالح في قصر السلام. كما انهى روحاني زيارته الاولى للعراق التي عدها البعض تاريخية، بزيارة المرجع الأعلى للشيعة في العراق السيد علي السيستاني في مقر إقامته في النجف، وبذلك يكون الرئيس روحاني قد أطر زيارته الرسمية بقوسين من الاداء الطقوسي الديني بزيارة المراقد المقدسة في البدء واختتمها بزيارة المراجع الدينيين، بينما جاء متن الزيارة منصبا بشكل كامل على العلاقات الاقتصادية والسياسية، ومحاولة الابتعاد عن الجانب العسكري من العلاقات بين البلدين.
وقد اعتبر التيار السياسي العراقي المقرب من إيران زيارة الرئيس روحاني تحركا غايته البحث عن تقوية أواصر العلاقة بين البلدين، والاستفادة من العقود الاقتصادية التي تم توقيعها لتحسين مستوى الخدمات المتردي في العراق. أما ما قدمه العراق لجارته عبر العقود التي تم توقيعها، بحسب رأي هذا التيار فرأى فيها وقوفا مع صديق يمر بمحنة عصيبة، نتيجة العقوبات الاقتصادية الامريكية، ونوعا من رد الجميل للدولة التي وقفت مع العراق إبان حربه ضد عصابات داعش الارهابية. وتحدث سياسيون عراقيون مقربون من إيران، تعليقا على ما تم إنجازه من اتفاقات، بالقول بإمكانية استفادة الطرفين من العلاقات الثنائية، بشكل ندي ومجدٍ، خاصة على مستوى الاقتصاد، فقد تحدث الناطق باسم ائتلاف دولة القانون عباس الموسوي في ندوة حوارية، عن مناطق صناعية مشتركة بين العراق وايران، وتسهيلات كمركية على مواد خام تستخدم في الصناعات العراقية، سيكون من شأنها أن تنشط قطاعات إنتاجية عراقية واسعة. وربما كانت هذه المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران التي تم توقيعها منتصف السبعينيات، التي تم بموجبها ترسيم الحدود بين ايران والعراق، الذي انقلب على هذه المعاهدة أبان الحرب العراقية الايرانية في سبتمبر 1980. وقد اثير موضوع اتفاقية الجزائر بشكل غائم في زيارة الرئيس روحاني ولقاءاته بالرئاسات الثلاث، ولم تتضح أبعاد الموضوع بشكل واف حتى الآن. بينما جاءت كل التأكيدات على الجوانب الاقتصادية التي تضمنت مناقشة أكثر من 12 ملفاً وقطاعاً مشتركاً، تمت مناقشتها وفق مراقبين بعيداً عن نمط العلاقة السابق بين الدولتين، الذي كان يقوده الجنرالات وزعماء الفصائل المسلحة بشكل ثنائي بعيداً عن الاتفاقيات الرسمية.
لكن استهجان الشارع العراقي انصب على عدة نقاط مفادها أن هذه الاتفاقات رغم ادعائها تحقيق مصلحة الطرفين، الا ان واقع الحال يشهد حاليا وسيشهد مستقبلا طوفانا من الصادارات الايرانية في القطاعين الصناعي والزراعي مقابل فقر صادرات العراق بالمقابل، وبالتالي فإن رفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين للوصول الى عتبة 20 مليار دولار سنويا، لن يمثل إلا استثمارات ستسند الاقتصاد الايراني، الذي شهد تراجعا واضحا نتيجة العقوبات الامريكية التي فرضت على ايران بعد انسحاب ادارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي.
لذلك، اعتبر أنصار التيار المناهض للنفوذ الايراني في العراق زيارة الرئيس روحاني للعراق نوعا من الالتفاف على العقوبات الامريكية المفروضة على ايران، وتحميل الاقتصاد العراقي، الذي يعاني الكثير من المشاكل، أعباء كبيرة سيتم بموجبها استقطاع اللقمة من فم المواطن العراقي لتقديمها لإيران، كما نبهوا لخطورة استعمال العراق قنطرة تمرر ايران المحاصرة امريكيا عبرها صفقاتها المريبة مع العالم. وقد قرأ منتقدو الزيارة كل العقود والصفقات التي تم توقيعها على انها ابتزاز إيراني وفرض سطوة وتكريس نفوذ يتم بعلم صناع القرار الامريكي الذين عملوا على تسليم العراق لايران.
لكن القراءة الامريكية للزيارة الرسمية للوفود الايرانية للعراق من جانبها، يمكن قراءتها عبر تصريحات ممثل أمريكا الخاص لشؤون إيران، برايان هوك، ففي تصريح اعلامي محرض ضد الزيارة قال هوك:»على العراقيين أن يتساءلوا عن دوافع زيارة رئيس إيران لبلادهم؟». وأضاف أن: «الحكومة الإيرانية لا تضع الشعب الإيراني نفسه على سلم أولوياتها، فلماذا سيضع روحاني رفاهية الشعب العراقي على سلم أولوياته؟». كما بين برايان هوك في حوار تلفزيوني بقوله: «إذا كان الأمر يتعلق بأمن وسيادة واستقرار العراق فإن إيران ليست المرتجى، إذ تريد إيران فتح طريق عسكري سريع عبر شمال الشرق الأوسط لاستخدامه من قبل الحرس الثوري في نقل الصواريخ والأسلحة والمقاتلين، وبالمحصلة فإن إيران تريد تحويل العراق لمحافظة إيرانية».
قرأ المتفائلون زيارة روحاني للعراق على أنها فتح لصفحة جديدة من العلاقات الإيرانية العراقية القائمة على أسس السياسة والاقتصاد
من جانب آخر قرأ المتفائلون زيارة روحاني للعراق على أنها فتح لصفحة جديدة من العلاقات الإيرانية العراقية القائمة على أسس السياسة والاقتصاد، والمبتعدة عن سطوة العسكر والميليشيات والسلاح، وقد سرب الكثير من التلويحات التي تشير إلى إقالة الجنرال قاسم سليماني في شكل إحالة على التقاعد، ومراسم توديع رسمية، والغرض غير المعلن من ذلك كما وصفه المتفائلون هو»دخول العلاقات الإيرانية العراقية من الباب، وإغلاق شباك تدخلات الحرس الثوري الايراني في العراق. ويبدو أن النقطة الاكثر غموضا في تلافيف الزيارة التي وصفت بالتاريخية للرئيس روحاني للعراق، تمثلت في ما وصفته بعض وسائل الإعلام بـ» إقالة الجنرال قاسم سليماني». فقد وصفت الاجراءات التي تمت بحق سليماني بأنها ذات صفة «توديعية»، فقد قلّد المرشد الايراني السيد علي خامنئي، وقبل ساعات من وصول الرئيس الإيراني إلى بغداد، الجنرال قاسم سليماني وسام ذو الفقار، الذي يعد أرفع الأوسمة في إيران، كما جاء في نص تهنئة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لسليماني تعبيره عن «تقديره للجهود والتضحيات التي قدمها سليماني والمحاربين» معتبرا أن تلك «الجهود انتهت إلى استتباب الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة».
كما جاءت نتائج مقابلة المرجع الاعلى للشيعة في النجف السيد علي السيستاني للرئيس روحاني خلال لقائهما، بمفاجآت، فقد رفض السيد السيستاني قبل ذلك مقابلة الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد أبان زيارته للعراق، لكنه وافق هذه المرة على مقابلة الرئيس البعيد عن التيار المتشدد، المحسوب على التيار الاصلاحي في اشارة قرأها المراقبون على انها توجه ثابت لمرجعية النجف التي تدعم الاعتدال وترفض التشدد في الاداء السياسي. كما قال السيد السيستاني للرئيس الإيراني بحسب البيان الرسمي الصادر عن مكتب المرجع الاعلى في النجف إن «السيادة العراقية يجب أن تحترم، ويجب أن تبقى الأسلحة في يد الدولة»، في إشارة ضمنية إلى الفصائل المسلحة التي تدعمها إيران وتحظى بنفوذ متزايد. وأفاد بيان مكتب السيد السيستاني أنه رحب «بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه.. على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».. وأضاف أن «أهم التحديات التي يواجهها العراق هي مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وحصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الأمنية».
فهل سيحظى العراق بعلاقات متوازنة مع جارته الاكثر تأثيرا في وضعه الداخلي في مقبل الايام؟ أم ستسعى الاطراف المناوئة للنفوذ الايراني في العراق الى تقويض اي نوع من العلاقات مع الجارة الشرقية حتى إن اتسمت بغلالة العقلانية؟ وهل هناك سعي حقيقي لانهاء سيطرة جنرالات الحرس الجمهوري على مسالك العلاقات بدول الجوار؟ أم هي مناورة مؤقتة غايتها ترميم ما تصدع من الاقتصاد الايراني نتيجة العقوبات؟ كل ذلك بات متروكا لما ستؤول له الاتفاقات التي أبرمتها الوفود الايرانية التي صحبت الرئيس روحاني في زيارته التاريخية.
2 الفشل في مدارس التاريخ: رسالة من القائد الاسطوري الفيتنامي “جياب”.. إلى الجزائر… وفنزويلا.. العراق وسوريا واليمن وفلسطين.. د. نهى خلف
راي اليوم بريطانيا
يجد الباحث والكاتب والمفكر العربي اليوم صعوبة في الربط بين الماضي والحاضر وبين الاماكن المختلفة من العالم أكان بين الجنوب والشمال أوبين المغرب والمشرق وذلك بسبب تسارع الاخبار وكمية القضايا والمشاكل والكوارث التى تحدث يوميا وتلاعب الاعلام بها وتشويهها اوتضخيمها اوتهميشها حيث يركز على البعض منها ويفرضها علينا كمواضيع أساسية وخطيرة فالفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب ادوارا تحريضية وتؤدي إلى تشتيت العقل وتفتيت المعرفة وإلى لفت الانظارعن المخططات الحقيقية وبالنهاية إلى نشوء فكر فوضوي غيابي وآني، فإذا بدأنا صباحا بالتفكير في أهمية قضية ملحة وخطيرة بناء على تطور هام.. نجد انفسنا نتحدث في آخر النهار ونفكر بموضوع آخر تماما.. وفي نفس الوقت نجد أنفسنا مضطرين ان نتابع كل شيء لكي لا نحرج عندما يقول لنا أحد الفطاحل ‘الم تسمع آخر خبر.. فبنيما كانت الانظار تركز على ما يحدث على الصعيد الاوروبي في باريس وظاهرة السترات الصفر المثيرة وقضية “البريكسيت” في بريطانيا، تحولت اليوم إلى نيوزيلاندا بعد ان كانتتركز الى خطورة الوضع في فنزويلا ,,,ثم نسينا فنزويلا لنتابع وننشغل بالحراك الثوري والشعبي في الجزائر، بينما ننسى مثلا الهجوم السافر على اليمن والمجاعة والقتل… ثم ننتقل إلى الاحداث الجديدة في غزة… والقصف الاسرائيلي والخلافات الداخلية وقضية الأقصى لنجد انفسنا نتابع قضايا أخرى، بينما يلوح طبعا في خلفىة اللوحة وبشكل دائم شبح قضية فلسطين الكبرى والشاملة النازفة منذ سنوات والتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني الغاشم و‘صفقة القرن‘ الهزيلة والاحداث في سوريا وايران والعراق …
بينما قد أصبحت ضية ’اللاجئين‘القضية المركزية التي تشغل المؤسسات الدولية والمالية العالمية في محاولة لنزع صفتها السياسية وتحويلها إلى قضية انسانية بحتة دون تحميل المسؤولية المباشرة للقوى الخفية..في نفس الوقتالذي أصبحت قصة محاربة الارهاب الهلامي المعولم أكان في اطار الاسلاموفوبيا أوعلى عكسها الفكر الداعشي المسألة المركزية التي تركز عليها وسائل العلام والمحللين والتي اصبحت شغلنا الشاغل تدخلنا في حلقات مفرغة دون تحليل علمي لطبيعة المرحلة عبر سياسة تحويل الانظار عن الاستراتيجيات الحقيقية للولايات المتحدة والحركة الصهيونية، فهذا المسلسل الهوليودي المستمر بشكل خرافي منذ سبتمبر عام 2011 ومنذ عهد بوش حتى عهد ابهلول الجديد ليس الا اختراع امريكي من أجل تحريض الطرفين الافتراضيين من الارهاب ضد بعضهم البعض لخلق مزيد من الفوضى الذهنية واختراع حروب دينية يأملون أن تدوم مئات السنين بينما تعمل أياديمؤسساتهم اللصوصية الخفية على السيطرة على موارد العالم وزيادة ربحها من بيع الاسلحة وانتشارها وخلق جيوش من العاطلين على العمل ليعملون بالأجرة ويتحولون إلى ارهابيين من كل الاشكال والانواع..
المشكلة الأساسية التي نواجهها في مجال البحث والفكر والعلم ناتجة عن نفس هذا التشرذم والفوضى والتفتيت الذي يصيب العقل …بالاضافة الى مشاكل البطالة والتهميش للمفكرين والمثقفين والعقلاء في العالم العربي الذي شرذموا وتفتتوا فأما هاجروا لتستوعبهم المؤسسات والجامعات الغربية اولكي يتحولوا إلى جيوش من المرتزقة والمهللين لجهة أوأخرى ولمن يدفع أكثر…مثلهم مثل الاغلبية المهمشة الاقل علما وثقافة واكثر فقرا والتي تتحول إلى لاجئين في قوارب الموت بينما يتحول الاكثر جنونا من بينهم بعد غسيل ادمغتهم إلى ارهابيين
لقد غابت ودمرت كل المحاولات التي نشأت لانتعاش الفكر العربي الثوري وخاصة في منتصف الستينيات وبداية السبعينيات مع خاصة بعد الهزيمة العربية في حرب 1967 وبداية التفكير بأساليب أخرى وأهمها حرب التحرير الشعبية والمقاومة المسلحة واستيعاب الدروس من الثورات العالمية حتى اصبحت كلمة ‘فدائي‘وصورة الفداىي أجمل وأهم صورة للوضع الجديد المستوحى ايضا من ثورات اخرى هزت العالم مثل الثورة الفيتنامية وبعد تاسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 التف حولها المفكرون والمثقفون العرب من مصر والعراق وسوريا والبحرين واليمن والمغرب العربي ومن شتى انحاء العالم حتى تمركزت في بيروت والتي اصبحت منارة للفكر والاضواء. وقد دامت هذه الفترة الفكرية المزدهرة حتى عام 1982 حيث جاءت حرب اسرائيل المدمرة على لبنان لتوضح بكل تأكيد انها تمت ليس فقط لتقضي على الثورة الفلسطينية ومؤسساتها الناشئة. بل أيضا على صحوة الفكر الثوري العربي الذي نشأ وانتشر لمساندة ونصرة الثورة الفلسطينية.
وتمثل قصة ومأساة ونهاية مركز الابحاث الفلسطيني الذي تأسس في بيروت في 28 شباط عام 1965 بقرار من اللجنة التنفيذية الاولى والذي قصف من قبل اسرائيل،ةمن المصادفة أيضا في شهر شباط 1983، أي بعد اقل من ثلاث عقود من تأسيسه مثالا مركزا للمأساة الفكرية التي نواجهها اليوم والناتجة عن الحرب الشعواء التي تقودها اسرائيل لتدمير الفكر العربي والفلسطيني وقد قامت الأيادي يالاسرائيلية ضمن هذه الفترة من حياة المركز بمحاولات عدة لاغتيال عدد من المفكرين والكتاب الفلسطينيين البارزين ومن اهمهم الروائى الثوري غسان كنفاني الذي اغتيل من قبل الموساد الاسرائيلي في عام 1972 ، في نفس الوقت الذي تمت فيه محاولات اخري لاغتيال شخصيات فلسطينية مؤثرة اخرى في بيروت ومن اهمها الدكتور انيس صايغ مدير مركز الابحاث الفلسطيني لمنظمة التحريرومن اول مؤسسيه مع اخيه فايز صايغ، بعد قراراحمد الشقيرى رئيس اللجنة التنفيذية الاولى للمنظمة على تأسيسه. كما تمت في نفس الفترة محاولة اغتيال الصحفي البارز بسام ابوشريف ثم القيام باغتيال الموساد الاسرائيلي في العاشر من نيسان عام 1973 ثلاثة من قادة منظمة التحرير البارزين اي القادة كمال عدوان وابويوسف النجارمن القيادات العسكرية وكمال ناصر الذي كان مثقفا وشاعرا بارزا وعضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤولاعلامها والمتحدث باسمها ومشرفا على مجلة فلسطين الثورة، وذلك فيما فيما سمى ‘بعملية فردان‘ تحت قيادة يهود باراك وفي عهد رئاسة غولدا مئير.
ما اريد ان أقوله عبر هذا الاستذكار لمأساة تشرذم العقل العربي والفلسطيني الحالي‘ ان عملية ضرب التراكم الفكري والذاكرة الفلسطينية والذاكرة العربية الوطنية اجمالا ليست مسألة جديدة بل عملية متجزرة بالفكر الصهيوني حتى منذ بدايات القرن العشرين حيث تم خلاله ايضا عمليات تصفية مبرمجة لاغتيال النخب الفكرية والاعلامية الفلسطينية بأساليب مختلفة، إما عبرإثارة فتن داخلية مصطنعة اواغتيالات مباشرة وذلك بهدف تحطيم الذاكرة وتغييب العقل..
وان كنت قد بدأت مقالي اليوم بالحديث عن فيتنام ثم عن فنزويلا والجزائر وعلاقتهم بفلسطين والعالم العربي، فيعود ذلك الى خلطة غريبة في معالم مختلفة للذاكرة، اولا لأنني كطالبة ماجستير في العلوم سياسية في الجامعة الامريكية في بيروت في بدايات السبعينيات كان عنوان اطروحتي حول العلاقة بين حرب فيتنام والثورة الفلسطينية عبر دراسة المقالات التي كانت تصدر في الولايات المتحدة من قبل اليساريين الامريكيين الذين كانوا يربطون بين الثورة الفيتنامية والثورة الفلسطينية كما كنت أجد معظم اعداد من هذه الصحف في ارشيف مركز الابحاث الفلسطيني في بيروت، بالاضافة إلى ان احدى الهتافات والشعارات الي كانت متداولة حينئذ بالمظاهرات الطلابية بيروت كانت ‘ فلسطين وفيتنام نفس القضية! وامريكا رأس الحية !‘ كما حصل لي الشرف للعمل في نفس هذا المركز الفلسطيني في اواخر السبعينيات بعد رحيل العالم الدكتور أنيس صايغ منه بسبب ما يسمى ‘بخلافات داخلية’ حيث كان موضوع تخصصي في السياسة الامريكية التي كانت تعاني في ذلك الحين من ما يسمى ‘بعقدة فيتنام‘ ومن المصادفة الغريبة ان خلال عملي في جامعة جزائرية في منتصف السبعينيات ، زار الجنرال الفيتنامي الاسطوري ’جياب‘ قائد الثورة الفيتنامية الجزائر في ذلك الوقت، واتذكر جيدا جملة مفيدة سمعتها عن لسانه باللغة الفرنسية في الإذاعة وتشكل درسا لن انساه ابدا حيث قال ‘ان الامريكيون طلاب فاشلون في مدرسة التاريخ، يعيدون نفس الصفوف مرة تلوالأخرى‘ بما معناه دون ان يتعلموا ويستنبطوا العبر ويكررون نفس الاخطاء الغبية .
ان هذا التحليل الدقيق والصادق الصادر عن قائد من أعظم الثورات في القرن العشرين التي انتصرت على الفرنسيين والامريكسيين ، بقي مسجلا في ذهني لسنوات ..ورأيتهم يكررون نفس الأخطاء في عالمنا حتى هذا اليومويفشلون ويفشلوننا معهم وجاء الحراك الثوري الجزائري اليوم ليرغمني على ضرورة ذكر هذه المقولة خاصة ان السؤال ال
السؤال الهام والغريب الذي يطرح نفسه بشدة اليوم والذي يمكن استنباطه من هذه المقولة يتعلق بفشلنا نحن باستنباط العبر من التاريخ … فهل نحن امريكيون؟؟ نعم امريكيوالهوى والثقافة والفساد…امبريقيون لا نفهم التاريخ .. فاشلون في مدرسة التاريخ ..فوضويون,, ذاتيون .. مهرجون,, مطبعون.. نشتري اسلحتهم باموال طائلة لنصفي بعضنا البعض وليتضخم جيش الفقراء والعاطلين عن العمل…
لقد جاء الجنرال جياب إلى الجزائر بعد ان هزم الاستعمار الفرنسي والامريكي وبعدما انتصرت هي الاخرى على الاستعمار الفرنسي وازدهرت كقوه عالمية ناشئة تناضل من أجل حقوق الجنوب في وجه الشمال وتؤيد الثوار في العالم حتى سميت ‘مكة الثوار‘ كما ان الرئيس الراحل بومدين (وعندما كان الرئيس الحالي وزيرا لخارجيتيه) هي التي ناضلت من أجل وصول منظمة التحرير إلى الأمم المتحدة وذلك باعتراف مباشر من الرئيس الفلسطيني الراحل ابوعمار الذي شرح في مقابلة مفصلة كيف قال له الرئيس بومدين والذي وهبه طائرة خاصة للذهاب إلى نيويورك في عام 1974‘ على العالم ان يعرف ان الجزائر خلفكم‘ … هذا الرئيس الذي توفى ايضا بظروف غامضة تشبه ظروف اغتيال وتسمم الرئيس عرفات فقط اربعة اعوام بعد العتراف بمنظمة التحرير وهوبسن اسادسة والاربعون فقط من عمره …فهل كل من يقول للفلسطينيين نحن معكم ومنكم يحارب ويقتل؟ وماذا حدث لمرحلة الازدهار الفكري والتضامن الدولي …ولماذا هيمنت اسرائيل على افريقيا وحتى على دول كبيرة في أسيا؟
رسالة اخيرة للشباب الجزائريين ,,, لتبقى الجزائر من اواخر قلاع الصمود في وجه الهجمات الامريكية والصهيونية المخفية والمعلنة …نعم الجزائر مثل العراق وسوريا وفنزويلا قلاعا يريدون هدمها ليسيطروا على امريكا اللاتينية وافريقيا …فعلى الشباب ان يتعلموا من مدرسة التاريخ وأن لاينجروا مثل شباب مصر وغيرهم في الفوضى المغيبة للتاريخ.. كما يجب على الجيل الأول من الثوار في الجزائر وغيرها ان يتعلموا من الحاضر وان لا يتمترسوا على مواقفهم الجامدة وكراسيهم البالية ويعوا ان العالم قد تغير وانعليهم ان يتخلوا عن الضباب والفساد الذي تعشش في ابراجهم العاجية ..وأن لا يقفوا امام أمواج الثورة الآتية وعليهم ان يتركوا بصمات مشعة للتاريخ عبر التواصل بين الاجيال التي هي مسألة مصيريةومحاربة الفساد الذي احاطهم وهي مسألة حيوية ..
نعم من فيتنام الى الجزائر.. إلى فنزويلا..الى.فلسطين ,,, الذاكرة متشابكة والاخطاء تتكرر وكما جاء فيما كتبه المفكر الشهيد الراحل غسان كنفاني :’أتعرفين ما هوالوطن يا صفية؟ الوطن هوالا يحدث ذلك كله’(غسان كنفاني في روايته ’عائد إلى حيفا‘)
3 إيران تعترف بتجنيد مئات آلاف الإرهابيين
فريد أحمد حسن
الوطن البحرينية
من دون تردد قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، لمجلة «سروش» إن «الحرس الثوري قام بتجنيد 200 ألف عنصر في العراق وسوريا». أكدت ذلك وكالات الأنباء الإيرانية التي نقلت الخبر وتأكيده أن «هذا الإجراء هو من ضمن سياسات إيران في دول المنطقة» وأن مهمة تلك العناصر هي «محاربة داعش والنصرة والمعارضة السورية».
ما قاله جعفري إعلان عن أن إيران تقوم بدعم وتمويل عدد كبير من الميليشيات في كل من سوريا والعراق، فالحرس الثوري يقوم بالتدريب وبتوفير المال والسلاح ليضمن قيام تلك الميليشيات بالضغط على القرار السياسي في بغداد ودمشق، وهو الحاصل حالياً حيث القرار النهائي في أمور كثيرة تخص العراق وسوريا بيد طهران.
ليس معلوماً الغرض من تأكيد جعفري لهذه المعلومة الآن لكنها حقيقة لا يوجد ما ينفيها، والأكيد أن هذا الفعل ليس بجديد حيث سبق لنائب بالبرلمان الإيراني أن أدلى في العام 2014 بتصريح مماثل وكشف عن أرقام أكبر.
خطورة الأمر ليست في هيمنة طهران على القرار في بغداد ودمشق فقط ولكنها في أن بعض تلك الميليشيات إرهابية ومنها «حركة النجباء» التي صنفتها الولايات المتحدة كذلك وهي أحد الأذرع الأساسية للسياسة الإيرانية في العراق.
من المعلومات الأكيدة في هذا الخصوص أن النظام الإيراني دعم ولايزال يدعم نظام بشار الأسد بإرسال ميليشيات من دول مختلفة ومنها أفغانستان وباكستان تحت عناوين «لواء زينبيون» و«كتائب فاطميون».
جعفري قال إن «بعض القوات الإيرانية ذهبت إلى العراق كي تنقل التجارب الإيرانية إلى هناك.. وليقوم الحرس الثوري بتدريب المجندين العراقيين» وأكد أن سبب التدخل العسكري الإيراني هو أن «محور المقاومة يطالب إيران بالدعم العسكري».
حسب المحللين فإن هذا الأمر كان أحد أسباب خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران وإعادة فرض العقوبات على إيران، وحسب الكثيرين فإن دول المنطقة ودول الغرب ومنها الولايات المتحدة تصف تصرفات النظام الإيراني في سوريا والعراق بالمخربة. في المقابلة نفسها أكد جعفري على الدعم الصاروخي الذي تقدمه إيران لميليشيا «حزب الله» في لبنان وقال إن «صواريخ «حزب الله» يمكنها الوصول إلى جميع المناطق الإسرائيلية وإن إسرائيل محاصرة اليوم من جميع الجهات»، وزاد بأن «قوة الميليشيات في المنطقة من نجاحات النظام الإيراني».
بعد هذا التصريح وقبله يتبين ما يرمي إليه النظام الإيراني وهو السيطرة على كامل المنطقة أملاً في استعادة الإمبراطورية الفارسية البائدة، أما ما يتبجح به من قول عن محور المقاومة وتحرير فلسطين وإبادة إسرائيل فكله لا قيمة له ولا مقابل في الواقع بدليل أن هذا النظام لم يتخذ حتى الآن أي إجراء ضد إسرائيل رغم رؤيته للمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة والغرب ودول المنطقة إجمالاً تعتقد بأن النظام الإيراني يسعى إلى تقويض دول المنطقة و«تغيير الهويات الوطنية بهوية دينية» وأن هذا هو الذي «أدى إلى حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتسبب بالعنف وسفك الدماء»، وهو ما لا يختلف معهم فيه أي متابع لأحوال المنطقة، فالنظام الإيراني صار يعمل على المكشوف، وليس ما قاله رئيس الحرس الثوري عن تجنيد وتدريب ذلك العدد الكبير في سوريا والعراق وإمداد الميليشيات المختلفة بالمال والسلاح إلا تأكيداً على أنه تجاوز مرحلة العمل في الخفاء وانتقل إلى مرحلة العمل المعلن، فهذا النظام -وبعد أن تمكن من القرار في سوريا والعراق ولبنان واليمن- يعتقد أنه صار قوياً إلى الحد الذي يمكنه الإعلان عن كل تحركاته وأهدافه من دون خوف.
ترى كم عدد الذين قام النظام الإيراني بتجنيدهم في البحرين ودول المجلس؟
4 القرحة العراقية
عادل سعد
الوطن العمانية
هل أصيب المواطن العراقي بمتلازمة الفساد؟ وأنا أطرح هذا السؤال لا أنكر سطوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي ما زالت سارية المفعول وإن تباينت التطببقات، ولا أنكر أيضا أن حصة الأنقياء والأتقياء ونظيفي اليد وأصحاب الذمة الطاهرة من عدد سكان العراق كبيرة إلى حد ما، ولكي لا أتورط في لعبة الأرقام والزيادات والنقصان وبين نسبة عدد الرجال والنساء، وكم هوعدد الفاسدين من الفئتين، أقول إن المسألة لا تستجيب للمفهوم العددي بل إلى مواقع التأثير و(العدوى بالاقتداء)، وأقصد هنا المواطن الذي لا يتحمل أية مسؤولية وظيفية سياسية ومع ذلك أصيب بهذه المتلازمة، وإذا كان قد قيل أن ليس كل الأغطية تمنع التسرب فلي أن أقف عند هذا التهويل المتعمد في إلقاء اللوم على الحكومة فحسب بأنها سبب الخراب الأساسي، وأنها تغطي على المفسدين وأن تفعيل القوانين القضائية ما زال في مرحلة الحبو وليس المسير السريع.
هناك مواطنون عراقيون خارج المسؤولية السياسية، ولكنهم مصابون بمتلازمة الانفصام الأخلاقي الذي يضرب عميقا فيهم، إذ تجدهم لا يملون ليل نهار من كيد التهم للطواقم الحكومية على ما استشرى فيها من فساد، ولكن في الوقت نفسه لم يتورع أغلبهم من الطيران فرحا عندما تطرح عليه فرصة للدخول في مسؤولية سياسية مع طواقم يتهمها دون أية ضوابط بأنها وراء ما يجري من نهب للمال العام، وأعرف في الوسط الإعلامي والثقافي أشخاصا لا يملون من الشكوى في تحميل الحكومات على ما يجري، وكذلك يشملون الأحزاب السياسية الدينية وغيرها.
أستطيع أن أتلمس مواقفهم أسبوعيا من خلال وجودهم في سوق المتنبي شارع الكتب العراقية، وفي زوايا من مقهيي حافظ والشابندر اللذين يضمان يوم الجمعة أطيافا من المتأدبين ومروجي الإشاعات وسياسيين وأكاديميين متقاعدين وأصحاب دكاكين بضائع ثقافية، بل إن بعضهم (يتحرش) بفضائيات توجد هناك لأجل أن يظهر في لقطة معينة يتحدث فيها عن الورع ونظافة اليد وضرورة إعادة النظر بالمناهج السياسية القائمة، في حين لا يترك مناسبة لدعوة من كتلة سياسية إلا وتصدر المشهد فيها ما دامت هناك عروض تلفازية وولائم تقام بلا حساب.
أذهب أبعد لأقول إن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المسؤولة الآن عن صرف مرتبات للعوائل الفقيرة اكتشفت في العام الماضي على وفق بيانات رسمية أكثر من ٤٥ ألف عراقي يتقاضون هذه الرواتب وهم أعلى من سقف الفقر عشرات المرات، فقد قدموا وثائق مزورة تثبت فقرهم المزعوم، بل إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اكتشفت أكثر من ١٥٠٠ وثيقة مزورة أراد أصحابها الحصول على وظائف من خلالها، وبالمقابل هناك صحفيون يحتلون مناصب قيادية في الساحة الإعلامية شملوا أنفسهم بهبة نقابة الصحفيين رغم أن رواتبهم يسيل لها لعاب البعض، وهكذا تستطيع أن تكتشف متلازمة الإصابة بالفساد عراقيا في الشعور المفتوح بالاستهلاك وإلا كيف يستطيع مواطن أن يجد متعته في التجول البليه في الأسواق على أنها مفتاح للفرح والسعادة، في حين يرى فيها علماء النفس تعبيرا عن التعاسة.
والفساد أيضا وبذات (النسخة الاعتبارية) يتغلغل في مناهج مواطنين عراقيين لم يقولوا لحد الآن الحمدلله على ما هم فيه من مرتبات ومكافآت وفرص ارتزاق أخرى، هناك أساتذة ومدرسون وضباط كبار متقاعدون وأصحاب أعمال وصفقات ليس لها حدود، ولكن عندما يجلسون للحديث فليس لهم مادة إلا سيئات الحكومة والفاسدين وتقصير الحكومات المتعاقبة بعدم إزالة مدارس مبنية من الطين لحد الآن، وأتحدى كل هؤلاء إن كان واحد منهم قد تبرع بلبنة (طابوقة) بناء واحدة، لكن ألسنتهم تطول كثيرا بالهجاء لأية محاولة حكومية من شأنها أن تعيد العدل للرواتب، هم يتحدثون عن الحكوميين فحسب وكأنهم بذلك ينقلون المعركة إلى متاريس المسؤولين، في حين يتقاتلون لتحصين متاريسهم الشخصية من شظايا الاتهامات اليومية.
الخلاصة من كل ذلك، لقد أصيبت المنظومة الأخلاقية الوطنية بالتقرح، كم هو حجم هذه القرحة وإمكانية المعالجة، فهذا هو السؤال الجدير بالإضافة إلى السؤال الذي طرحته مقدما، ومن يريد المكاشفة أحيله إلى أن سقراط فضل أن يخضع إلى حكم الموت بالإعدام، وأبى أن يهرب رغم الفرصة السانحة التي توفرت له امتناعا من الإخلال بسلطة القانون.