1 لماذا سقط معمر القذافي وصدام حسين وبقي بشار الأسد؟
د. فيصل القاسم
القدس العربي
دعونا نعترف ونقر أولاً بعيداً عن العنتريات المهترئة بتاع حلف المماتعة والمقاولة بأن ليس هناك نظام أو حاكم عربي يستطيع أن يتحدى أمريكا أو يعصي أوامرها، أو يهدد مصالحها ومصالح ربيبتها الأولى في الشرق الأوسط الولاية الأولى (إسرائيل). لا تصدقوا مطلقاً أن أحداً يستطيع التمرد على العم سام ويبقى في مكانه، فإذا أسقط الغرب الاتحاد السوفياتي الذي كان يمتلك قنابل نووية تستطيع أن تدمر العالم ثلاثين مرة، فبالتأكيد لن يعجز عن إسقاط حام عربي وصل إلى السلطة عبر دهاليز الغرب وتحديداً عبر البوابتين الأمريكية والإسرائيلية؟ تعالوا الآن نرى لماذا سقط صدام حسين ومعمر القذافي وبقي بشار الأسد. أرجوكم لا أحد يقول لنا إن الأسد صمد بقوته أو بقوة حلفائه الروس والإيرانيين، فالحقيقة أن روسيا وإيران تدخلتا في سوريا بضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي لحماية الأسد من شعبه وخصومه الآخرين، وليس من التهديد الأمريكي أو الإسرائيلي. دعكم من ترهات وسخافات القومجيين العرب وبتوع حلف المقاولة.
إن من يحمي نظام الأسد حتى الآن ويمنع سقوطه وسقوط رئيسه هم الأمريكان والإسرائيليون حصراً، وليس الإيرانيين ولا الروس. وقد قال مسؤول روسي كبير في السنوات الأولى للثورة إن من يحمي الأسد ليست موسكو بل واشنطن. سمعت هذه العبارة بأذني من مسؤول كبير. وبصراحة لم أكن بحاجة لسماعها لأن الحقائق على الأرض تفقأ العيون، وليست بحاجة لتأكيد من روسيا. لاحظوا كيف تعامل الأمريكيون مع صدام والقذافي وكيف تعاملوا مع الأسد. لقد حاصروا صدام لثلاثة عشر عاماً حتى عاد العراق إلى العصر الحجري، ثم انقضوا عليه دفعة واحدة وعلى نظامه وجيشه، فسحقوا النظام عن بكرة أبيه، ووضعوا أسماء أركان النظام على ورق الكوتشينا، وراحوا يصفوّنهم الواحد تلو الآخر، فذاب النظام تماماً، ولم يبق منه إلا بقايا لا يجمعها سوى الضعف والتشتت والاندثار. كذلك فعلت أمريكا مع الجيش العراقي الذي حلته منذ بداية الغزو، بحيث لم يبق في العراق جيش ولا نظام، ناهيك عن أن أمريكا أيام الغزو منعت وصول صوت القيادة العراقية إلى أي وسيلة إعلام باستثناء شريط أو شريطين مسجلين لصدام وبعض المقابلات مع وزير إعلامه الذي اختفى بعدها فجأة. لقد تم حجب صوت النظام تماماً عن وسائل الإعلام بضغوط أمريكية.
كذلك حدث مع نظام القذافي، فلم يكتف حلف الناتو بقيادة أمريكا بالتدخل جواً وبراً للقضاء على النظام وجيشه، بل عملت أمريكا وحلفاؤها على اجتثاث نظام القذافي من جذوره. وقد شاهدنا بالطبع كيف ألقوا القبض على صدام حسين وعرضوه للعالم في مشهد مذل للغاية، وكيف قتلوا القذافي وعرضوا جثته وتباهوا بإظهارها على شاشات التلفزيون العالمية. ثم اعتقلوا أو قتلوا معظم أركان نظامه، ولم يبق منه سوى أنفار قلائل يمكن التحكم بهم والسيطرة عليهم بسهولة.
عندما قررت أمريكا إسقاط نظامي صدام والقذافي لم تذهب إلى مجلس الأمن كي تواجه الفيتو الروسي أو الصيني، بل تصرفت خارج مجلس الأمن تماماً، بينما في الوضع السوري، كانت تضحك علينا في مجلس الأمن وتتحجج بالفيتو الروسي
لقد كان واضحاً أن هناك قراراً أمريكياً باستئصال نظامي صدام والقذافي عن بكرة أبيهما تماماً. لماذا يا ترى؟ السبب بسيط جداً، فلو كان نظاما القذافي وصدام مناسبين للمصالح الأمريكية، لما سقطا مطلقاً، لكن الأيام علمتنا أن النظامين الليبي والعراقي كانا يشكلان خطراً من نوع ما على المصالح والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية، لهذا جاءت الأوامر باجتثاثهما من جذورهما وجعل رئيسيهما عبرة لمن يعتبر ولكل من يفكر ولو للحظة بمجرد التمرد على الأوامر الأمريكية. ولا تنسوا أن صدام أطلق صواريخ بالستية على قلب إسرائيل، بينما كان القذافي يحلم بعالم أفريقي بقيادة ليبيا، لكن المسكين نسي أن أفريقيا مازالت تحت الاحتلال الغربي، فذهب هو وصدام ضحية تفكيرهما الصبياني الطائش.
على العكس من ليبيا والعراق، لاحظوا كيف أن الجيش السوري وصل في مرحلة ما إلى أضعف حالاته، وكانت فرصة مؤاتية لإسرائيل كي تنهيه إلى غير رجعة. لكن إسرائيل، لم تحاول مطلقاً استغلال ضعفه والقضاء عليه، بل تركته وساعدته هي وأمريكا على استعادة كل المناطق التي خسرها لمعارضيه. ولو كان جيش الأسد يشكل خطراً فعلاً على إسرائيل كما يدعي، لكانت استغلت انهياره الوشيك ذات يوم وتخلصت منه، لكنها لم تفعل مطلقاً، بينما في العراق دمرت هي وأمريكا الجيش العراقي عن بكرة أبيه واستخدمت أمريكا في معركة مطار بغداد أسلحة كانت تذيب الدبابات.
لاحظوا ماذا فعلت أمريكا بأركان النظامين العراقي والليبي، وكيف تركت النظام السوري سليماً معافى. لم تسقط أي وزارة سورية، ولا فرع أمني ولا أي قطعة عسكرية، بل ظلت القيادة السورية ممسكة بكل تلابيب الدولة رغم كل ما حدث. ولو كانت أمريكا وإسرائيل تريدان تدمير مؤسسات دولة الأسد لما ترددتا لحظة واحدة، بل تركتا النظام بكامل سيطرته. وكل الذين انشقوا عن النظام لم يكونوا من صلب الدولة الطائفية، بل كان بالإمكان استبدالهم بلحظات.
لا أحد يحدثني عن صلابة الجيش السوري أو قياداته، فلو أراد الأمريكان والإسرائيليون اختراقه وتدميره لكان ذلك أسهل من شرب الماء، لكن لم يكن هناك قرار أمريكي بإسقاط النظام السوري أو استبداله، لأنه لم يشكل يوماً خطراً لا على المصالح الغربية ولا على إسرائيل بل كان يلعب دوره المرسوم على أكمل وجه، رغم كل العنتريات الإعلامية الأسدية الكوميدية ضد الصهيونية والامبريالية. وقد سئل مسؤول أمريكي ذات يوم عن عدوانية الإعلام السوري ضد أمريكا، فقال: «نحن لا يهمنا ما يقول النظام ضدنا، بل ما يفعل من أجلنا، فلو طلبنا منه أن ينفذ لنا أمراً بنسبة خمسين بالمائة، فكنا نجد في اليوم التالي أنه نفذه بنسبة مائة بالمائة. لم يرفض لنا طلباً، بل كان يزايد علينا في حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية».
وأخيراً وليس آخراً، لاحظوا أن أمريكا عندما قررت إسقاط نظامي صدام والقذافي لم تذهب إلى مجلس الأمن كي تواجه الفيتو الروسي أو الصيني، بل تصرفت خارج مجلس الأمن تماماً، بينما في الوضع السوري، كانت تضحك علينا في مجلس الأمن وتتحجج بالفيتو الروسي. ولا شك أنها كانت متفقة مع الروس على استخدام الفيتو لأنها لم تكن تنوي مطلقاً الإضرار بنظام الأسد الذي على ما يبدو مازال لديه دور كبير في المشروع الأمريكي. هل يستطيع أحد أن ينكر أنه بشار يلعب منذ سنوات دور قائد مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي في المنطقة سواء كان يدري أو لا يدري؟ لاحظوا أيضاً كيف أخرست أمريكا كل أبواق النظامين الليبي والعراقي الإعلامية.
في لحظة ما لم يبق للقذافي منفذ إعلامي واحد، فاضطر لشراء ساعات بث على قناة عراقية تبث من دمشق بملايين الدولارات كي يوصل صوته للعالم، وتبين لاحقاً أن المكالمة التي أجراها القذافي مع مالك القناة في دمشق هي التي دلت الفرنسيين على مكانه، فاصطادوه. على العكس من ذلك، لاحظوا كيف تتسابق وسائل الإعلام الأمريكية والغربية والعربية على إجراء المقابلات مع بشار الأسد ومع مسؤوليه وابواقه الإعلامية منذ بداية الثورة. هل امتنعت أي وسيلة إعلام دولية عن بث تصريحات مسؤولي الأسد وإفراد البرامج والمؤتمرات الصحافية لهم عمال على بطال؟ بالطبع لا، لا بل كانت القنوات تدفع لأبواق النظام السوري كي يظهروا عليها. وطبعاً لو كان هناك قرار أمريكي بخنق صوت النظام الأسدي إعلامياً لما تجرأ أحد على إجراء أي مقابلة مع أي مسؤول سوري.
ثم يحدثونك عن المؤامرة الكونية. المؤامرة كانت على سوريا صحيح، لكن ليس على النظام الذي يشارك المتآمرين في تدمير سوريا وتحويلها إلى خربة كي تنام إسرائيل قريرة العين لعقود وعقود..
2 مرحلة حرجة في إيران والشرق الأوسط
د. خطار أبودياب
العرب بريطانيا
الفترة الممتدة من مايو الحالي، موعد تشديد العقوبات على إيران، إلى يونيو 2020 موعد بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ستكون فترة حساسة ودقيقة ستحاول فيها طهران الاكتفاء بحرائق إقليمية تحت السيطرة مع استبعاد نزاع واسع.
تختتم الأزمة السورية عامها الثامن مع الحروب التي تتخللها في سياق “اللعبة الكبرى الجديدة” للقرن الحادي والعشرين التي انطلقت من بلاد الشام ولا تزال مستمرة بتشعّباتها التي تطال مجمل الإقليم. ولا يمثل الانتهاء الوشيك لتمركز دولة “داعش” على أرض “الخلافة المزعومة” نهاية ما يسمى “الإرهاب” أو بدايات الخلاص في شرق تلاحقه لعنة الأزمات والنزاعات والحروب بالوكالة، بل إن الشهور القادمة يمكن أن تحمل في طياتها احتمال حرب إقليمية مع انعكاسات تصعيد العقوبات الأميركية على إيران وردود طهران عليها وكذلك ما يدور حول إسرائيل وقرارها بمواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا وحزب الله.
من الناحية النظرية هناك من يدق نواقيس الحرب في أكثر من مكان، لكن من الناحية العملية يبرز الحذر من الذهاب بعيدا في مواجهة نعلم متى تبدأ ولا نعلم كيف ومتى تنتهي؟
يتوافق الكثير من المعنيين بشؤون الخليج والشرق الأوسط على أن الفترة الممتدة من مايو الحالي، موعد تشديد العقوبات على إيران، إلى يونيو 2020 موعد بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ستكون فترة حساسة ودقيقة ستحاول فيها طهران الاكتفاء بحرائق إقليمية تحت السيطرة مع استبعاد نزاع واسع لأنها تراهن ضمنا على عدم استمرارية الرئيس دونالد ترامب وإعادة الوصل مع واشنطن.
من جهتها، إسرائيل المنهمكة في حملتها الانتخابية ستحاول على الأرجح مع بنيامين نتانياهو أو مع بيني غانتس، الاشتراك في إعادة تركيب الخارطة السورية وتحجيم حزب الله أو القيام بحرب محدودة لتنفيذ هذه الأهداف. وإذا تابعنا الحراك السعودي من حرب اليمن إلى العراق والمشرق نجد الرياض معنية بتركيب إطار استراتيجي لا يهمّش الوزن العربي في الإقليم. هكذا توجد مروحة احتمالات لتنظيم المواجهات والتقاطعات لا يغيب عنها بالطبع لاعبون دوليون مؤثرون مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ولاعبون إقليميون مثل تركيا وباكستان ومصر والعراق والأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر.
في إطار الاحتقان الإقليمي، تزامن عن قصد أو بالصدفة في يوم 14 مارس الحالي، حدثان لافتان: دعوة المرشد الإيراني السيد علي خامنئي للتعبئة القصوى لجميع الإمكانيات والطاقات والقوى لإلحاق أكبر هزيمة بأميركا في تاريخها، ووصول صواريخ انطلقت من قطاع غزة إلى تل أبيب والغارات الإسرائيلية التي أعقبت ذلك.
والملاحظ أن كلام خامنئي كان بحضور رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة الذي يقرر مصير خلافة المرشد في إيران. وجاء بعد خطوات متشددة في مواكبة المرحلة الحرجة التي تعيشها إيران مثل تقليد قائد فيلق “القدس” للحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني، وسام “ذو الفقار” والذي يعد أعلى وسام عسكري في إيران، مما يعزز موقعه في محيط المرشد وضمن المشهد الإيراني.
أتى ذلك بعد خطوة استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي تجرأ على هذه السابقة الاعتراضية من ناحية الشكل والبروتوكول (تغييبه وعدم إعلامه بزيارة الرئيس السوري التي رتبها قائد فيلق القدس) والتي قام الرئيس حسن روحاني باحتوائها ورفضها لأن القيادة الإيرانية بحاجة في هذا الوقت الصعب للثنائي روحاني – ظريف لإبقاء خيوط الحوار مع أوروبا.
بيد أنه في هذه الأثناء قام خامنئي في الأسبوع الماضي بتعيين آية الله إبراهيم رئيسي رئيسا للسلطة القضائية في إيران. وكان رئيسي مرشحا متشددا منافسا لروحاني في الانتخابات الرئاسية سنة 2017. وكان قد جرى انتخابه نائبا لرئيس مجلس الخبراء المسؤول عن اختيار المرشد الأعلى. ومع هذا التعيين يتم استكمال تركيبة الحلقة الأولى من دائرة الحكم، إذ يجدر التذكير بأنه في أواخر يناير الماضي، عيّن خامنئي الرئيس السابق للسلطة القضائية صادق لاريجاني، وهو شقيق رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، رئيسا لمجمع تشخيص مصلحة النظام بعد وفاة آية الله الشاهرودي (الذي كان أبرز الخلفاء المنتظرين لخامنئي).
هكذا في ظل واجهة انفتاح شكلي للثنائي روحاني – ظريف، يتم إحكام القبضة نتيجة التدهور في الوضع الداخلي على أبواب العام الإيراني الجديد (1398 حسب التقويم الهجري الشمسي) مع تراكم المؤشرات التشاؤمية عن غليان داخلي متصاعد منذ أواخر 2017 ومعالم انهيار اقتصادي سيزداد حدة إذا نجحت واشنطن في مسعاها لتحديد سقف تصدير الخام بمليون برميل يوميا بعد الخامس من مايو القادم. في هذا المجال يتباهى براين هوك، الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية بشأن إيران، بأن “طهران خسرت 10 مليارات دولار من العائدات منذ العقوبات الأميركية في نوفمبر 2018 وذلك بعد إزالة حوالي 1.5 مليون برميل يوميا من الخام الإيراني من الأسواق العالمية”. ترافق ذلك مع إعادة فرض جميع العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة قبل الاتفاق النووي، وإضافة أكثر من 700 من الأفراد والكيانات والطائرات والسفن إلى قائمة العقوبات واستهداف 70 مؤسسة مالية وفرعية مرتبطة بإيران. مما “يرفع العدد الإجمالي للعقوبات المرتبطة بإيران التي فرضتها إدارة ترامب إلى 927 كيانا، من الأفراد والسفن والطائرات”.
إزاء ما يقال إنه الحد الأقصى الأميركي في استخدام سلاح العقوبات، تغمز بعض المصادر الإيرانية المعارضة من قناة واشنطن وتطالبها بوضع قوات الحرس الثوري ووزارة المخابرات على قوائم الإرهاب (الاتحاد الأوروبي استهدف بعض مسؤولي وزارة المخابرات بعد الاتهامات باعتداءات إرهابية على الأراضي الأوروبية). لكن يبدو واضحا أن المؤسسات في واشنطن لا ترغب في شدّ الخناق أكثر على طهران والحفاظ على إمكانية استعادة التفاوض علما وأن الفشل مع كوريا الشمالية يبدّد هذه الإمكانية.
إزاء التصعيد الأميركي والتحرك الإسرائيلي النشط مع روسيا والإجراءات الأوروبية الخجولة للالتفاف على العقوبات الأميركية والحفاظ على تبادل تجاري محدود مع طهران، حدد المرشد علي خامنئي خارطة الطريق قائلا “إن العدو يعني أميركا والصهاينة قد عبّأوا اليوم كل إمكانياتهم وطاقاتهم ضد الشعب الإيراني”، وإن “الغربيين والأوروبيين يعادون إيران على هامشهم بصورة ما”.
من دون شك فإن السعي إلى “تحييد” الأوروبيين وضمان تفهم روسيا والصين يدخل ضمن التكتيك، لأن طهران رفضت الطلبات الأوروبية بالتفاوض حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية أو الانخراط في أزمات الإقليم. أما بالنسبة إلى روسيا، فبالرغم من تقاطع المصالح في أكثر من ساحة تراجعت إيران عن الاتفاقية حول بحر قزوين ولم تصادق عليها، تماما كما رفضت التصديق على قانون دولي لمكافحة تبييض الأموال ودعم الإرهاب مما يدلل على الوجه الحقيقي للسياسة الخارجية الإيرانية.
تتراوح ردود الفعل الإيرانية إزاء الضغوط، إذ لا تصعد مع باكستان بالرغم من تكرار العمليات على الحدود المشتركة، بينما تعمل بقوة على إحراز الغلبة في العراق في التنافس مع واشنطن على النفوذ، وبدا من خلال زيارة الرئيس حسن روحاني الأخيرة الإصرار على أن يكون العراق الامتداد والمتنفس لمواجهة العقوبات. وبالطبع لا يقتصر الانخراط الإيراني على تعزيز الوجود في سوريا عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وكذلك تدعيم الأذرع من اليمن إلى لبنان.
وفي سياق التأهب والاستعداد تأتي التجارب الفاشلة والناجحة للصواريخ الفضائية والباليستية، وأخيرا أقامت إيران مناورات كبيرة في مياه الخليج تحت اسم “بيت المقدس 1”.
وتكرار اسم القدس من الفيلق إلى المناورات لا يعني أن طهران تتهيّأ لحرب مباشرة مع إسرائيل تفادتها أو لم تشأ خوض غمارها. من هنا يبرز الارتباك عند أصحاب القرار الإقليمي لأن الحروب بالوكالة أخذت تستنفد أغراضها ولأنه بعد النهاية المفترضة لداعش، سيتم التركيز الأميركي – الإسرائيلي على “الخطر الإيراني”. ومن ناحيتها طهران يمكن أن تلجأ كما في حرب تموز 2006 إلى حرب استباقية ضد إسرائيل “الحلقة الضعيفة للغرب” أو “بيت العنكبوت” الذي يمكن أن يتعرض لسيل الصواريخ من لبنان وسوريا وغزة في وقت واحد. وما إرسال الصواريخ إلى تل أبيب، بينما كانت مفاوضات تدور لتطبيع الوضع في القطاع تحت إشراف مصر، إلا على الأرجح رسالة إيرانية عشية الانتخابات الإسرائيلية للمشاركة في كل قرار إقليمي.
إنه إذن العد العكسي خلال الشهور القادمة في سباق بين التسويات شبه المستحيلة واحتمال حرب إقليمية يمكن أن تؤدي إلى إعادة تركيب المشهد الاستراتيجي أو إلى المزيد من الفوضى الهدامة.
3 التلاهث السعودي على العراق حبا بعثمان أم بغضا بعلي؟ د. احمد الاسدي
راي اليوم بريطانيا
طـوال صيـروة تـاريخهـا الحـديث كـانت ولا تزال مملكـة ال سـعـود عصـا وخنجر تآمـري ليس في ظهـر العـراق وحـسب , بـل في ظهـر كـل مـا هـو وطنـي وقـومـي وعـروبـي , ولكـن مـن الخطـأ الاعتقـاد ان للسعـوديين مشـروعـهم الخاص عـربـيا كـان او اقـليمـيا , بقـدر مـا إن الريـاض تنفــذ مـا يوكـل لهـا مـن دور وفـق مـا يـَرسم خطـوطـه العريضـه والضيقـة اصحـاب القـرار فـي واشـنطن ولـندن ومن وراءهمـا تل ابيـب , والذي يعطـي للريـاض دورا اكثـر مـن حجمهـا فـي مـوضوعـة غـزو واحتلال العـراق واسـقاط نظامـة الوطنـي إنما يتجنى على الحقـائق ويحاول تدوير زوايـاها لغايـة في نفس يعقـوب مثلما يقـال , حـيث مشروع غـزو العـراق ماكان سعـوديـا ولا كويتيـا ولا حتى ايرانيـا , بالـرغـم مـن الدور الذي لعبتـه الرياض والكويت عبر بوابـة التحريض والدعـم المالي والاعلامي , وفتح الاراضي والمطارات والمشـاركة الخبيثـة فـي صفحـات شيطنـة العراق وشخص الراحل صدام حسين والبعث تحديدا , بـل مشروعـا امريكيا صهيونـيا متطـرف بإمتيـاز وهذة الحقيقـة لخصهـا الراحل صدام حسين في احدى جلسات محاكمته عندما خاطب أحـد قضاتهـا بصراحته العراقية المعهـودة والشجاعه ( والله لو ما الامريكان فلا تكدر لا انت ولا ابوك يجيبني الى مكان مثل هـذا ) .
لـو وضعنـا جـانبـا الحصار الاقتصادي الذي كـان للسعـوديـة ودول الخليج دورا خبيثـا فـي ادامتـه و الذي دفـع ثمنـه العـراقيين بكل مسمياتهـم وانتمـاءاتهـم وعناوينهـم المجتمعيـة , وتنـاسينـا الغـزو والاحـتلال الذي تحملت فـواتيـره الريـاض وأخواتهـا في ما يسمى بمجلس التعاون الخليجـي , وتسـائلنـا
أيـن كـانت السعـوديـة مـن العـراق طـوال السنـوات التي اعـقبـت 2003 ؟ ولمـاذا تـركـت واخواتهـا الخليجيـات والعـربيـات العـراق سـاحـة مفتـوحـة الـى ايـران والآخـريـن ؟ وأيـن كـانت السعـوديـة مـن فتـاوي القتـل والارهـاب التي كـانت تفتـك بالعـراقيين و تصـدر مـن جوامعهـا ومـن مؤسسـاتهـا الوهـابيـة الدينيـة ؟ وأيـن كـانت حتـى الوقـت القـريب مـن الارهـاب الاعـلامي التحـريضي الذي تبث سمومـه قنـواتهـا الفضـائيـة وخطاب الكراهيه المذهبي الذي أتخمت به عقول الشارع ؟ وأيـن كـانت مـن فوضى ورقـة داعش التي لعبهـا الامـريكان فـي العـراق ودعمتهـا جهـات سعوديـة وخليجيـة تحت مسميـات واهيـة انكشف زيفهـا لاحقـا ؟
مـن دون دس رؤوسنا بالرمـال علينـا توصيف الحقـائق كما هـي , فالتـلاهـث السعودي على العـراق والتقارب المحموم الذي تستعـر وتيـرتـه منذ ما يقـارب السنتين تقـريبـا , لا عـلاقـة لـه بسياسـات واستراتيجيات جـديـده للملكـة وقادتهـا , و مثلما اسلفنـا , الريـاض لا تمتلك استراتيجيات ولا سياسـات ولا مشـاريع , وهـي تـابـع ومنـفذ لأوامـر وأجنده ترسمهـا لهـا دوائـر القـرار الامريكي الصهيوني حصـرا , وفق مـا يخدم المشروع الامريكـي واولويـاتــه , حيث يتغيـر اتجـاه بوصلـة سياساتهـا مـع تغيـر وتيـرة سيـاسات واشنطـن في المنطقـة , ومادام اتجـاه البوصلـة الامريكيـة اليوم بالضـد مـن طهـران , فالهـدف الـرئيسي مـن تقـارب الرياض مع بغـداد ليس عشقا بالعراقيين , بقدر ما ان هذا التلاهث السعودي يجسـد لعبـة وضــع العصـى فـي دولاب العـلاقات العراقية الايرانيـة من جهه , وتـأجيج الصراع العراقي الداخلي من خلال تحريض جهات سياسية عراقية بالضد من الاخـرى وتشكيل لوبي سعودي عراقي مضاد للوبي الايراني العراقي من جهـة أخـرى .
4 السيستاني والحشد الشعبي وزيارة روحاني فاطمة عبدالله خليل الوطن البحرينية
من هو الرجل الذي أطلقت عليه الصحافة الأوروبية لقب «دالاي لاما العراق» لمكانته؟ إنه السيد علي الحسيني السيستاني، المرجع الديني الأكبر للشيعة في العالم، الذي يتصدر زعامة الحوزة العلمية في النجف، ويعيش منذ ستين سنة في العراق في مدينة النجف. يعد السيستاني أحد أكبر الشخصيات النافذة في العراق نظراً لامتداد مرجعيته الدينية، فكان له دور كبير في كثير من التحولات السياسية بعد تغيير النظام عام 2003. وقد كان من قراراته الهامة فتوى الجهاد الكفائي وإنشاء ميليشيات الحشد الشعبي لوقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابية التي كادت أن تصل إلى بغداد. وقد أصبح الحشد الشعبي قوات نظامية عراقية، وجزءاً من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة ومؤلفة من حوالي 67 فصيلاً، حيث أقرّ قانون هيئة الحشد الشعبي بعد تصويت مجلس النواب العراقي بأغلبية الأصوات لصالح القانون في 26 نوفمبر 2016.
لكن الحشد الشعبي أخذ في القيام باقتراف الممارسات السيئة ضد المدنيين مما جعله عائقاً أمام تحول العراق من أرض حرب إلى أرض سلام. وزاد الطين بلة أن الحشد الشعبي موالٍ لإيران بشكل معلن ويقود تحركاته الجنرال سليماني الذي أرسل بعض وحداته للقتال في سوريا. وقبل أيام زار الرئيس الإيراني حسن روحاني العراق، وبينما يرى البعض أن الزيارة تحظى باهتمام البلدين لتوطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما، وتؤكد على أهمية العراق في أن يكون وسيطاً مؤتمناً على المصالح المشتركة بين الدول الإقليمية، يرى آخرون أن هدف الزيارة الأهم وغير المعلن يتمثل بالالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وسعي الأخيرة إلى مد نفوذها الاقتصادي في العراق.
لكن آية الله علي السيستاني استغل الحاجة الإيرانية للعراق فأصدر المرجع الشيعي الأعلى مطالبه بحصر السلاح بيد الدولة، باعتباره أهم تحدٍ يواجه السلام، فأثار هذا تساؤلات كثيرة، فالبيان صدر مباشرة بعد لقائه بالرئيس روحاني في مدينة النجف. فهل أراد السيستاني إبلاغ طهران أنه يتفق مع العالم أن الحشد الشعبي انتفت أغراض وجوده، وأنه أصبح هماً لا مكسباً للعراق حيث أنه أُعتبر ضمن ميليشيات مسلحة مصنفة دولياً ضمن مجاميع إرهابية تمتلك مقرات مستقلة في المدن العراقية وما زالت تحتفظ بأسلحتها بعد استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش، وتلقى دعماً مالياً وتسليحياً من الحرس الثوري الإيراني، وتدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وبإشراف من قائد فيلق القدس قاسم سليماني. فهل أصبح السيستاني يتحدى طهران؟
* اختلاج النبض:
إن غير القابل للتصديق هو مدى ضعف الحكومة العراقية حتى يكون أمر بقاء أو حل الحشد الشعبي في يد السيستاني أو روحاني أو سليماني ببساطة لكون الحكومة العراقية هي التي تمول الميليشيات وسهولة الاستغناء عن خدمات الحشد تتم بتسريح كوادره عبر وقف رواتب من لا ينضم للجيش العراقي.
5
الهزات الارتدادية لسقوط حلب ما زالت تزعزع المنطقة حسين إيبش ذي ناشيونال
على غرار ما شهدناه في العراق، ستُضطر معظم الدول العربية اليوم إلى الاعتماد على التقرب السياسي والاقتصادي، والقوة اللينة، وإعادة دمج سورية تدريجياً في التكتل العربي كي تضمن حماية مصالحها.
تشهد العلاقات الدولية تبدلاً مستمراً، مع أن هذا التبدل قلما يكون بارزاً، إذ تخضع الأنماط الكبيرة دوماً لعملية إعادة ضبط تبقى عموماً غير ملحوظة تشمل تبدلات طفيفة متحفظة، لكننا نشهد من حين إلى آخر تغييراً جذرياً يعيد فجأة خلط الأوراق بأكلمها.
يكون هذا التغيير في بعض الحالات واضحاً، مثل اعتداءات الحادي من سبتمبر أو غزو الولايات المتحدة العراق عام 2033، ولكن في حالات أخرى، لا تتضح أهميته الكاملة إلا بعد حين.
يشكّل سقوط مناطق حلب التي سيطر عيها الثوار بيد قوات حليفة للنظام في سورية في شهر ديسمبر عام 2016 المثال الأخير في الشرق الأوسط على اهتزاز سياسي خفيف أدى على نحو مفاجئ على الأرجح إلى إعادة تموضع عدد من الصفائح التكتونية الرئيسة تحت المشهد الاستراتيجي.
في تلك المرحلة، أدرك معظم المراقبين أن هذه خطوة مهمة مثلت النهاية الفعلية لعمليات القتال الكبرى في سورية، وأشارت بالتالي إلى الانتصار الشامل الذي حققه نظام بشار الأسد وداعموه الروس والإيرانيون وحزب الله.
لكن الهزات الارتدادية جاءت قوية جداً، حتى بات من الصعب اليوم بدء الكثير من المحادثات بشأن الوقائع الاستراتيجية في الشرق الأوسط من دون القول: “بعد سقوط حلب…”.
وكان تأثيرها الأكثر أهمية على الأرجح التبدل الجذري الذي شهده دور تركيا الإقليمي.
كانت أنقرة قد ابتعدت أساساً عن التزامها بتغيير النظام في دمشق وبدأت تركّز على احتواء المكاسب الكردية في شمال سورية، لكن حلب جعلت عودة تركيا عن مسارها المتبدل هذا مستحيلة عملياً.
ما عادت أنقرة منذ ذلك الحين ترى طهران خصماً رئيساً، بل عملت على تعديل مفهومها عن إيران (وعن روسيا أيضاً) لتعتبرها شريكاً ضرورياً بغية ضمان استقرار مقبول للأوضاع في سورية بعد الصراع.
عزز هذا وسرّع بروز تركيا كقوة إقليمية فاعلة وملتزمة بالكامل لها توجهها المميز الخاص، وبعد بدء مقاطعة قطر في شهر يونيو عام 2017، اتضح أن محور أنقرة-الدوحة كان يتحول إلى كتلة إقليمية ثالثة، منافساً المعسكر الموالي لإيران والمناهض لها في آن واحد.
إذاً، شكّلت حلب نقطة تحوّل حاسمة في انتقال الشرق الأوسط من منافسة ثنائية إلى ثلاثية، علماً أن هذا الواقع الجديد ساد على نحو شبه كامل، ولو بطريقة مبطنة، من المغرب إلى العراق.
ولكن بما أن مصر تعارض بشكل قاطع التوجه الموالي للإسلاميين الذي يتبناه هذا المعسكر الثالث بقيادة تركيا، خرجت القاهرة أكثر فأكثر من عزلتها التي عرقت فيها بسبب أزمتها وعادت للعمل على نطاق إقليمي أوسع.
بالإضافة إلى ذلك، في حين عملت الأطراف المنتصرة، روسيا وإيران وأنقرة، على تنظيم مؤتمرات الأستانة للتفاوض بشأن الترتيبات الضرورية كي ترسّخ مكاسبها، بلغت أنقرة وموسكو خصوصاً مستويات جديدة من التعاون.
ولكن مع دخول سورية بثبات أكبر مرحلة ما بعد الحرب، يظهر جلياً أن تركيا وروسيا تتساءلان عما إذا كانت طموحات إيران الأوسع نطاقاً في سورية ستبدأ بتقويض أهدافهما الحيوية الخاصة الأضيق في هذا البلد، أو بالأحرى متى سيحدث ذلك؟
بكلمات أخرى، قد يشير التأثير الطويل الأمد لسقوط حلب ونهاية الحرب، بخلاف ما نتوقع، إلى تراجع تدريجي على الأقل في التحالف الروسي الإيراني الذي حقق النصر في المقام الأول.
علاوة على ذلك، أدت حلب دوراً حاسماً في تقارب وجهات النظر العربية والإسرائيلية بشأن الخطر الذي تمثله إيران.
قبل هذه المرحلة، اعتبرت إسرائيل إيران عموماً خطراً نووياً، في حين ركز العرب اهتمامهم خصوصاً على سياسة إيران الإقليمية التي تزعزع الاستقرار، وطموحاتها الرامية إلى بسطها هيمنتها، ودعمها اللاعبين من غير الدول، مثل مجموعات الميليشيات.
لكن سقوط حلب أرغم إسرائيل على مواجهة نسختها الملحّة الخاصة من الخطر ذاته مع اقتراب الميليشيات الموالية لإيران وغيرها على نحو مقلق من حدودها، سعي إيران إلى إثبات نفسها كقوة مهيمنة في مرحلة ما بعد الحرب في سورية، وتحوّل حزب الله من منظمة لبنانية شبه عسكرية إلى القائد الإقليمي لشبكة الميليشيات والمجموعات الإرهابية الموالية لإيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
إذاً، ساهم الانتصار الإيراني في حلب في التقريب بين الخصوم العرب والإسرائيليين، رغم خلافاتهم الكبيرة المتواصلة بشأن حقوق الفلسطينيين، ولا شك أن هذا لا يخدم مصالح طهران.
بما أن المجموعات الإرهابية تتغذى على الحروب، والفوضى، وفشل الدول، شكّل سقوط حلب خبراً سيئاً بالنسبة إلى تنظيم “داعش” على الأمد القصير، فقد أطاح بالعقبة الأخيرة أمام الحملة الدولية المركّزة الساعية إلى تدمير “خلافته” المزعومة.
صحيح أن انتصار النظام في حلب أتاح للمجموعات التابعة لتنظيم القاعدة السيطرة على أجزاء من المعارضة السورية المسلحة المتبقية تفوق ما حظي به في أي من المراحل السابقة، إلا أن هذا قد يعني في نهاية المطاف أن هذا التنظيم الإرهابي سيُرغَم عموماً على الخروج من سورية.
ولكن بعد كل أعمال العنف العبثية، قد يواجه النظام على الأمد الطويل صعوبة كبيرة في حكم سورية بسلام وهدوء، وإذا عجز عن ذلك ولم يتوصل إلى طريقة للتصالح مع الكثير من مواطنيه، فقد تعود المجموعات الإرهابية، مثل داعش، بقوة وشراسة.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق سقوط حلب، بإشارته إلى نهاية الحرب السورية، سلسلة من الجهود العربية المتواصلة التي تسعى إلى استئناف التعامل مع سورية، وقد تجلت هذه الجهود أخيراً بشكل واضح من خلال إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق.
على غرار ما شهدناه في العراق، ستُضطر معظم الدول العربية اليوم إلى الاعتماد على التقرب السياسي والاقتصادي، والقوة اللينة، وإعادة دمج سورية تدريجياً في التكتل العربي كي تضمن حماية مصالحها.
ما هذه سوى عدد قليل من التبدلات الكبيرة التي أفضى إليها سقوط حلب أو سرّعها بقوة، إلا أنها تثبت بشكل حاسم أن هذا السقوط شكّل بمرور الوقت نقطة تحول تاريخية أكيدة في الشرق الأوسط.
6 مر عليّ يا حلو
خالد القشطيني
الشرق الاوسط السعودية
وصلتني رسالة لقارئة مطلعة لم تذكر اسمها كالعادة، لا لأنها تتكلم في السياسة أو تشتم الحكومة أو تشك في انتصاراتنا ومستقبلنا الزاهر أو تتطرق لعلاقات غرامية وإنما – كما يخيل إلي – لأنها امرأة تبدي رأياً قد لا يعجب الرجال، فهي تتغزل في الباذنجان وتخشى الوقوع في غضب عشاق الباميا. ولكنها تذكر شيئاً عما ورد في «مروج الذهب» الذي تعرض للموضوع في قصيدة قديمة فأشار وقال: «وباذنجان بوراني به نفسك مفتونة»!
والباذنجان البوراني هو أكلة باذنجان مقلي بالدهن حتى الهريس يضاف إليه اللبن الناشف والثوم والقشطة وقليل من الماء. يوضع على نار هادئة بحيث ينشف الماء إلا قليلاً منه.
وبالمناسبة، أن الاهتمام بالباذنجان حدا بالسلطات قبل آونة إلى إضافته إلى قائمة الفواكه والمخضرات الخاضعة لقائمة التسعيرة الرسمية ويعاقب أمام محكمة تنظيم التجارة كل من خالفها. وأعتقد أنه ما زال تحت سلطان التسعير في شتى البلدان العربية.
وهذا إجراء ليس بجديد في تاريخ العراق الحديث. وله تاريخ يدغدغ مشاعر الضحك والسخرية. حدث أن قررت حكومة نوري السعيد إدراج الكثير من الفواكه والمخضرات في التسعيرة الرسمية. وكان منها تسعير اللفت «الشلغم». أثار ذلك روح السخرية في نفس أحد المواطنين فبعث ببرقية إلى مجلس الوزراء قال فيها: تسعيركم للشلغم أثلج صدورنا. سيروا على بركة الله. يظهر أن أحد موظفي مجلس الوزراء بعث بنسخة من البرقية إلى صحيفة «صوت الأهالي»، فنشرتها مع صورة فوتوغرافية للأصل. فأثارت زوبعة من الضحك والسخرية. ما زال العراقيون يتندرون بها، بعد أن أصبحت نكتة الموسم!
والمعروف أن «الشلغم» هو اللفت المغلي بالماء والدبس. يرش عليه الملح عند أكله. كان وما زال يعتبر من الأكلات الشعبية. تسمع الباعة المتجولين يطوفون به في طنجرة معدنية كبيرة تغلي في عربة خشبية بدائية. ينادون به بأعلى صوتهم: «مرهم الصدر يا شلغم»!
ولكن السلطات لم تعجبها تقليعة «تسعيركم الشلغم أثلج صدورنا» فأصدرت أمراً بتعطيل صحيفة «صوت الأهالي» ومقاضاة صاحبها في المحاكم.
والمعروف أن «الشلغم» المغلي بالماء والدبس كان وما زال من الأكلات الشعبية في سائر المدن والقرى داخل العراق وخارجه. يتباركون به ويعزون إليه قدرته على الشفاء من شتى العلل، ولا سيما السعال والنزلة الصدرية. تسمع البائع ينادي به بأعلى صوته «مر علي يا حلو!» والعبارة تنطوي على تورية ظريفة في ظاهرها إشادة بحلاوة اللفت مفادها أن المعروض للبيع ليس مراً بل حلو، وفي باطنها نداء للحبيبة الحلوة بأن تمر على البائع.
7 إيران والمرحلة الثانية من العقوبات الأميركية
وليد خدوري الحياة السعودية
تبدأ في 3 أيار (مايو) المقبل المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على ايران، والتي تهدف الى خفض الصادرات النفطية الإيرانية “أقرب ما يمكن من الصفر”. وتشمل العقوبات التي بدأ تنفيذها في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي منع الدول والكيانات او الافراد من دخول الأسواق الأميركية في حال استمرار شراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية وذلك لمنع الوصول الى المنظومة المالية الأمريكية.
والهدف منع المؤسسات المالية الإيرانية عن نظام “سويفت” الدولي للتحويلات المالية، باستثناء التحويلات الإنسانية، كما تضمنت العقوبات حظر تجارة الذهب والالمنيوم والحديد، وشملت حظر التجارة في قطاعي السيارات والطيران التجاري، وفرض حظر على الواردات الأميركية من السجاد والمواد الغذائية الإيرانية.
لكن على ضوء التجارب السابقة، سيكون من الصعب جداً، إن ليس من المستحيل، تنفيذ هدف منع الصادرات النفطية الى “أقرب ما يمكن من الصفر”. فاستطاعت ايران من خلال تجاربها السابقة تفادي سياسات الحصار النفطي، وأنشأت منافذ للتهرب من الحصار. فهناك، على سبيل المثال، البورصات المتخصصة التي لا تتعامل فيها الشركات المعنية بالدولار، وهناك المصارف التي ركزت عملياتها مع الدول المحاصرة والتي هي بدورها لا تتعامل بالدولار. من الطبيعي أن تصبح عمليات هذه المؤسسات محدودة النطاق لعدم تعاملها بالدولار. لكن تتحقق الأرباح من خلال حجم العمليات او الارباح لتي تجنيها في التعامل مع ايران المحاصرة. ونشأت هذه المؤسسات في الصين والهند، كما هناك سياسة شحن الناقلات الإيرانية الى الدول المستوردة قبيل بدء الحصار وقبض ثمن الشحنات المرسلة من المصافي مسبقاً من دون أي تجاوز رسمي للحصار. وهناك أيضاً التعامل التجاري الإيراني المتوسع النطاق مع الدول المجاورة مثل العراق وروسيا وكازاخستان وتركيا. ففي السنة المالية الماضية، استورد العراق من ايران ما قيمته نحو 6 بلايين دولار من المواد الغذائية والزراعية وأدوات منزلية ومواد احتياطية للسيارات، إضافة الى 6 بلايين دولار أخرى من الغاز الإيراني. وتشير تقارير إلى أن الرئيس حسن روحاني حاول خلال زيارته الأخيرة إلى العراق زيادة قيمة التجارة بين البلدين من 12 الى 20 بليون دولار سنوياً. وأبدت واشنطن انزعاجها من هذا التوسع التجاري بين الدولتين.
وعلى رغم كل المحاولات لتفادي الحصار، تضرر الاقتصاد الإيراني بقوة وتراجع مستوى المعيشة المواطنين وزادت عمليات الفساد والتضخم اللذين يتفشيان جراء الحصار. واضطرت طهران الى تقليص الموازنة والنفقات وتقليص الاعتماد على النفط.
وتكمن أهمية موعد 3 أيار المقبل ، بأنه نهاية موعد الاستثناءات التي منحتها واشنطن لأهم الدول المستوردة للنفط الإيراني. وبدأت الصادرات تتدهور الى نحو مليون برميل يومياً مقارنة بمستواها قبل الحصار البالغ 2.3 مليون برميل يومياً. وتوقعت الموازنة المقترحة ان يتقلص الريع المالي خلال السنة الحالية، ورسمت الموازنة على معدل سعري نحو 54 دولاراً للبرميل في حين تراوحت أسعار نفط برنت خلال النصف الأول لهذا العام ما بين 60 و70 دولاراً للبرميل، كما توقعت الموازنة أن ينخفض معدل الصادرات إلى نحو مليون برميل يومياً.
تدل سياسات العقوبات التي تم تبنيها بشكل مفرط على الدول النفطية، على أن هذه العقوبات لا تؤدي بحد ذاتها الى تغيير نظام الحكم، من دون إتباعها لاحقاً بخطوات عسكرية، وأن جل ما يحققه الحصار هو ضعضعة اقتصاد الدولة المحاصرة، والحاق الضرر بالطبقات الفقيرة، نظراً إلى فقدانها القدرة المالية لشراء الطعام والأدوية، ولعدم تمكن الدولة من الاستمرار في دعم المواد الأساسية هذه. وتسبب أيضاً هذه العقوبات بتهجير عائلات الطبقة المتوسطة نظراً الى تدهور النظام التعليمي وبث الخوف من التطورات المستقبلية لأفراد هذه الطبقة الذين ينشدون الاستقرار والانخراط في الحرف المهنية في بلادهم.
فرض العقوبات على دولة، يؤدي الى فرض ضرائب إضافية ووضع قيود وعراقيل على الاستيراد بالعملة الصعبة، ما يقلص النشاط الاقتصادي ويزرع القلق والبلبلة عند التجار والمستوردين والمستهلكين. واقترحت الحكومة الإيرانية على المجلس في كانون الأول (ديسمبر) 2018، الموازنة للسنة المقبلة، آخذة في الاعتبار الحصار الذي ستفرضه واشنطن. واقترحت الحكومة موازنة للسنة الإيرانية المقبلة (بين آذار (مارس) 2019 وآذار 2020) تزيد 40 في المئة على الموازنة السابقة. والسبب هو توقعها زيادة الضرائب 38 في المئة، والاعتماد على الريع النفطي بما نسبته 35 في المئة من الموازنة، و13 في المئة على بيع السندات وانواع أخرى من الديون، و14 في المئة من مصادر أخرى.
وتتوقع حكومة روحاني زيادة الضرائب في موازنة 2019-2020 إلى 38 في المئة من دخل الموازنة، بدلاً من الاعتماد العالي السابق للربع النفطي. وازدادت بالفعل الرسوم على استيراد السيارات والرسوم على المواطنين عند تعاملهم مع دوائر الدولة. وشكل زيادة الضرائب على السفر اعلى ارتفاع ضمن هذه الزيادات، بما نسبته 300 في المئة، ما اثار الكثير من الانتقادات. ومنذ اذار الماضي، يضطر المواطن الإيراني أن يدفع ما بين 50 و60 دولاراً للسفر خارج ايران. وتزداد هذه الضريبة 100 في المئة للمسافر أكثر من ثلاث مرات سنوياً. ويتوقع ان تحصل الموازنة على نحو 340 مليون دولار خلال هذه السنة المالية من ضرائب السفر هذه.
ووافق المجلس على اقتراح الموازنة بعد التأخير والانتقادات، وكان من الواضح أن الحكومة أخذت في الاعتبار الآثار المترتبة والمتوقعة من المقاطعة، كما عكست الموازنة آثار المقاطعة بتقليص نفقات الوزارات والمساعدات لذوي الطبقات الفقيرة. لكن لم تتقلص بالنسب ذاتها عن السنة الماضية المخصصات لنهج الحكم في دعم بسط النفوذ الإيراني إقليمياً، خصوصاً مؤسسة الحرس الثوري. واخذت الموازنة بالاعتبار أن الصادرات النفطية ستبقى عالية نسبيا خلال الأشهر الأولى من المقاطعة، ولكنها ستنخفض بشكل اكبر بعد أيار.
وتوقعت الموازنة أن يتقلص التعاون مع بعض المصارف الأجنبية التي استمرت بالتعاون مع ايران في البداية. فنظراً إلى شدة بنود المقاطعة لتلك المؤسسات المالية التي ستستمر في التعامل مع المؤسسات الإيرانية بعد أيار، يتوقع ان ينخفض عددها، أو على الأقل عدد التعاملات التجارية معها.
8 السفير الاقتصادي
سلامة الدرعاوي
الدستور الاردنية
صحيح ان وزارة الصِناعة والتجارة ممثلة بوزيرها وأمينها وطاقمها لعبوا دوراً حيويّاً في الاختراق الإيجابيّ للعلاقات الاقتصاديّة الأردنيّة العراقيّة مؤخراً، لكن هُناك جنديّ بالخفاء لَعِبَ دوراً حيويّا وداعما للمفاوضات التي أثمرت عن الاتفاقيات الاقتصاديّة الأخيرة، والانفتاح بين البلدين وهو السفير الأردنيّ في بغداد الدكتور مُنتصر العقلة.
دور السفير العقلة كان مُنذ البدايات الأولى للمُفاوضات إلى نِهايتها والمتابعة المُستمرة لتنفيذ تلك والعمل على مُعالجة أيّة اختلالات تُظهر في العمليّة التنفيذيّة من خلال معرفته العميقة بالإجراءات الاقتصاديّة لأيّة اتفاقيات ثُنائيّة بِحكم خلفيته الاقتصاديّة الطويلة في جهاز الدولة الحُكوميّ والذي شَغَلَ فيها العقلة مناصب إداريّة مهمة أبرزها أمين عام وزارة الصناعة والتجارة وقبلها سفيرا للاتحاد للأوروبيّ ومديرا عاما لمؤسسة تشجيع الاستثمار.
خبرة العقلة الحكوميّة في المجال الاقتصاديّ والاستثماريّ أتاحت له كما كبيرا من المعرفة العميقة مع القطاع الخاص الأردنيّ والعربيّ، لذلك كانت المفاوضات لإحياء العلاقات الاقتصاديّة الاردنيّة العراقيّة تَسير وفق خارطة طريق واضحة مدعومة بجهاز تنفيذيّ صاحب إرادة في أحداث الاختراق ومتابعة حثيثة منذ البداية من قبل السفير العقلة.
هذا الأمر يقودنا للحديث عن احدى المبادرات التنمويّة المُهمة التي أطلقت في عهد الملك عبدالله الثاني وهي الدور الاقتصاديّ للسفير الأردني والتي اشرف على تنفيذها سفير الأردن الحالي في القاهرة المُبدع علي العايد الذي استطاع أن يُطلق بالتعاون مع فريق عمل مميز في وزارة الخارجية قبل أكثر من 15 عاما ثلاث مؤتمرات متتالية برعاية ملكيّة مُباشرة لتطوير العمل الاقتصادي للسفراء الأردنيين، لِمُساعدة الحكومة في إحداث إنجاز في علاقات الأردن الاقتصاديّة مع دول العالم، وهذا تفكير غير تقليديّ بدور السفراء في الخارج والخروج من العمل الدبلوماسيّ الروتينيّ إلى المُشاركة الفعليّة في وضع التصورات التنمويّة للحكومة بالتعاون مع الحُكومة، بحيث يكون هُناك انسجام بين برنامج عمل الحُكومة الاقتصاديّ والجهود الدبلوماسيّة الخارجيّة وتوظيفها في تعزيز العلاقات الاقتصاديّة وتنميتها مع دول العالم.
لا يمكن أن يبقى عمل السفير مَحصورا بإطاره التقليديّ الروتينيّ، فالتحدّيات التي تعصف بالاقتصاد الأردنيّ تفرض تطورا هاما في الأداء والانتقال إلى شكل جديد في المهام، فاليوم حتى تتمكن الصادرات الوطنيّة من النُمُوّ لا يكفي أن يعنى القطاع الخاص لوحده في هذا الأمر، وان كان هناك اتفاقيات بين الأردن ودول العالم تُنظم هذا الأمر، فهذا لا يكفي أبداً، فالسفارة الاردنيّة في الخارج والسفير سيكون له دور أساسيّ في تنشيط الاقتصاد الوطنيّ من خلال التشاركيّة مع المُصدّرين الأردنيين من صناعيين وتجار ومزارعين ومبادرين ومستثمرين لمساعدتهم في إزالة العقبات التي تقف في وجه عملياتهم التقديريّة من جهة، واطلاعهم على آفاق التعاون والفرص مع نظرائهم في الدول التي يمثلونها، وهذا كله سيمكنهم من إيجاد أسواق خارجيّة جديدة لمنتجاتهم، فالدخول اليوم إلى الأسواق الخارجيّة يُشكّل العائق الأكبر أمام تصدير المُنتجات الوطنيّة مع العلم أنّها تتمتّع بالمواصفات والجودة المطلوبة وفق المعايير العالميّة، وهنا يأتي دور السفير في تسهيل هذه المهمّة بالتنسيق مع المؤسسات الوطنيّة الرسميّة والخاصة وتحديداً غرف الصناعة والتجارة القادرة على تزويد السفارات بالمعلومات والمعطيات التي تساعد القطاع الخاص في اختراق تلك الأسواق.
الجانب الاستثماريّ في دور السفير له بعد مهم جدا في الرحلة الراهنة، فالسفير هو الأقرب في الدولة التي يمثلها في معرفة القوى الاقتصادية الفاعلة هناك، وبعلاقاته يستطيع الانخراط معهم في توثيق أواصر التعاون الاستثماريّ مع الأردن، من خلال اكتشاف اهتمامهم الاستثماريّة القطاعيّة ومساعدتهم في شرح تنافسيّة الاقتصاد الأردنيّ والآفاق الواعدة به والفرص التي ممكن أن تُعزز وتترجم هذا العمل إلى شراكات استثماريّة يكون له المردود الإيجابيّ على الاقتصاد الوطنيّ.
لا بد للحكومة من إعادة تفعيل الدور الاقتصاديّ للسفراء في الخارج، وإعادة إحياء مُلتقى السفراء في الخارج، وإعادة أولا وقبل كل شيء شراكات السفراء مع مؤسسات الاقتصاد الوطنيّ الفاعلة في الأردن من غرف صناعيّة وتجاريّة واستثماريّة، وممثلي القطاع الخاص والاستفادة أيضا من مواردهم الماليّة وعلاقاتهم الخارجية وتوظيفها لبناء منظومة جديدة من العلاقات الاقتصاديّة والشراكات مع مُجتمعات الأعمال في الخارج.