9 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 المربد في نسخته الثالثة والثلاثين يعد بالتجديد وارد بدر السالم العرب بريطانيا
تنطلق اليوم الأربعاء في مدينة البصرة العراقية فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان المربد الشعري، الذي يعتبر من أعرق المهرجانات الشعرية العربية، حيث يستقطب شعراء وباحثين في قضايا الأدب والفكر من مختلف الأقطار العربية.
يبدو أن المعركة “الصامتة” بين اتحاد أدباء البصرة والمركز العام في بغداد قد انتهت بسلام، بعدما ثبّت الأول موعد انعقاد مهرجان المربد الدولي للشعر في يوم 6 مارس الجاري حتى التاسع منه، ورفض أن ينعقد بعد الانتخابات المقبلة للاتحاد العام لأدباء العراق في أبريل المقبل، عادّا التأجيل المقترح من قبل المركز العام كما لو أنه تحشيد ضمني للجو الانتخابي المقبل، وهو أمر، وإن لم يظهر إلى العلن صراحة، إلا أن البصريين تمسكوا بموعدهم باعتبار أن المربد مهرجان بصري قديم ولا علاقة له بصراعات الانتخابات وما جاورها من هوامش تالية، بينما اكتفى المركز العام بقبول التاريخ موعدا لانعقاد المربد وأصدر بيانا أعلن فيه دعمه للمهرجان وإبداء مساعداته المالية والاعتبارية.
السرد يجاور الشعر

المربد في دورته الثالثة والثلاثين يحمل شعار “المربد واحة الشعر” مدعوما من جهات حكومية كثيرة تتقدمها وزارة الثقافة والسياحة والآثار والحكومة المحلية في البصرة والشركات النفطية في المحافظة وشركة موانئ العراق وشركة آسيا سيل للاتصالات، بوصفه مهرجانا محليا يحمل صفة عربية ودولية يُدعى إليه سنويا شعراء وأدباء وإعلاميون من شتى بقاع العالم، وهو الحدث الأبرز في مدينة البصرة تاريخيا وحاضرا. مثلما يحمل، عبر دوراته الكثيرة، محاولات الوقوف على ملامح التغييرات في القصيدة العربية وتحولاتها في ندواته النقدية التي يديرها نقاد وباحثون متمرسون في تاريخية الشعر العربي ومتغيراته المتعددة.
أطلقت اللجنة التحضيرية لاتحاد أدباء البصرة اسم الشاعر الراحل حسين عبداللطيف على هذه الدورة وهو الذي كانت له إسهاماته الشعرية البارزة في خمسة دواوين شعرية، إضافة إلى دوره في إثراء الحركة الأدبية البصرية بتأثيثه مفاصل التجديد والتحديث في جوهر الحياة الأدبية في مدينته البصرة، وهو الشاعر الذي كان لصيقا لمدينته، ولم يغادرها حتى رحيله، بالرغم من كل الظروف السيئة التي مرت بها طيلة أكثر من أربعة عقود.
وبإطلاق اسم عبداللطيف على هذه الدورة يكون اتحاد أدباء البصرة قد كرّس بعض أسماء أدباء المدينة من الشعراء الراحلين والأحياء على مر دوراته الشعرية تثمينا لعطاءاتهم الشعرية والأدبية.
وإذا كانت اللجنة التحضيرية كما في كل سنة تعتني بالشعر ومؤشراته وآفاقه الحداثية المتعددة، إلا أنها ارتأت هذه المرة أن تُدخل السرد في محاوره من خلال محور الهوية الثقافية ليكون ساندا إلى شعرية المربد وأجوائه، ونعتقد أن الإدخال السردي والنقدي سيضاعف من أهمية المربد الشعري، حينما تتداخل الأجناس الأدبية تحت خيمة مربدية لتعيد تأصيل الماضي بالحاضر في جدلية ثقافية نرى أنها ستقدم هذه النسخة من المربد بصورة مغايرة لبقية الدورات التي مضت، وهو ما يأمله المتابعون المهتمون بشأن الشعر وقضاياه المتعددة المعروفة، مثلما يأمله آخرون حتى تتعدد محاور المربد ولا تقتصر على الشعر عندما تكون السرديات النقدية تناقش محاور الهوية والمثقف والسلطة.
أكثر من 60 شاعرا وشاعرة يمثلون وجهات نظر إبداعية عربية متعددة، قد تشكل خارطة شعرية على طاولة النقد العربي الذي دُعيت منه أسماء عربية منتخبة لتواكب هذا الحراك الشعري المتجدد في مدينة السياب، وتكون على تماس مباشر مع الشعر العربي في آخر تحديثاته الفنية، بعدما استحوذ المشهد السردي العربي على فرشة الشعر الواسعة في العقود الأخيرة.
تضاف إلى كل هذا دعوة شعراء من أذربيجان وتركيا وإيران ودول أخرى لمحاولة الفهم المشترك بين الأنا والآخر، الذي تغيب ترجماته العربية في الكثير من الأحيان، ليبقى عائما في المشهد العربي. لهذا يُبقي المربد على الصلة مع الآخر وإن كانت الصلة ضعيفة إلى حد ما، غير أن التفاعل المستقبلي سيفتح بابا واسعا لتبادل وجهات النظر.
وتسنى لنا الاطلاع على بعض أسماء المدعويين من الشعراء والشاعرات العرب والأجانب، أبرزها قاسم حداد من البحرين، منير وسلاتي من تونس، جودت فخرالدين من لبنان، ومن تركيا كل من عائشة أصلان وشمس الدين كوده جي، رولا حسن من سوريا، ارادا عليفا من أذربيجان، كريم معتوق من الإمارات، طلال الطويرقي من السعودية، عبدالواحد عمران من اليمن، أنور الخطيب وطه العبد من فلسطين، محمود حسين وضياء الكيلاني من مصر.
برنامج مختلف

الهيئة التحضيرية لاتحاد أدباء البصرة أعدّت برنامجا واسعا عدا القراءات الشعرية، يليق بمقام البصرة كمدينة حاضنة للشعر والثقافات والحضارة الأدبية، ولدورها التاريخي في حركة الشعر العراقي والعربي المشرق في صورته القديمة والحديثة منذ طروحات الخليل الفراهيدي والجاحظ حتى بدر شاكر السياب وما تبعه من شعراء حداثيين في تجاربهم الشعرية.
ولعل هذه الدورة الشعرية التي شرّفها اسم الراحل حسين عبداللطيف حرية بأن تكون بعض محاورها النقدية والدراسية والبحثية عن هذا الشاعر المجتهد، يساهم فيها باحثون ونقاد عراقيون في تناول تجربته الشعرية والإبداعية ودوره البارز في تحديث القصيدة التي ظل مواكبا لتطوراتها واستحداثاتها التي طرحها في مشروعه الشعري عبر دواوينه الشعرية، وهذا ما سيتحقق في محور البحوث التي تحمل عنوانا مشتركا هو “القصيدة.. مشروعا حداثويا.. حسين عبداللطيف”.
إضافة إلى ذلك فإن هذه الدورة الثالثة والثلاثين ستشهد انعطافات مميزة في محاورها للخروج من السائد الشعري وفقراته النقدية إلى “علاقة المثقف بالسلطة والفعل الثقافي”، وهو محور متجدد في مناسبات عربية مختلفة لا ينتهي قريبا ما لم يأخذ المثقف دوره الطليعي والريادي في الحياة العامة، وإذا كان هذا المحور عاما فإن محور “الهوية الثقافية في منجز إسماعيل فهد إسماعيل” هو ذو خصوصية تتعلق بالمنجز السردي للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، الذي كان نصفه عراقيا والآخر كويتيا، وظل معلقا بين هاتين الهويتين حتى رحيله، يضاف إلى هذا المحور الخاص محور عام يتعلق بـ”الهوية الوطنية والوعي الاجتماعي/ الحداثة والتقليد”.
سيكون على هامش المربد مهرجان توقيع كبير لأدباء البصرة، حيث يتزامن موعد المهرجان مع 22 إصدارا أدبيا بين الشعر والقصة والرواية، وهو مساهمة من اتحاد أدباء البصرة لتشجيع أدباء المحافظة على النشر والانتشار، وسيكون الفنانان المعروفان كوكب حمزة وطالب غالي صيفين موسيقيين وغنائيين في أمسيات فنية سيشهدها المربديون.

2 الثقافة وميزانية الدولة
محمد حياوي
العرب بريطانيا

كنت قد كتبت هنا قبل عام تقريبًا عن اقتصاديات الثقافة في أوروبا وآلية تخصيص الأموال للفعاليات الثقافية في ميزانية الدول الأوروبية، واخترت كلا من هولندا وألمانيا وفرنسا، نماذج، ومن ضمن المقترحات التي قدّمتها، كان مطلب تخصيص ما نسبته 1 بالمئة من ميزانية الدولة للثقافة، أسوة بالبلدان المتحضرة، فتلقّف الكثير من الأصدقاء هذا المقترح وتبنوا المطالبة به، بما في ذلك اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين، ولا أجد بأسًا في ذلك، بل إن المطالبة بتحقيق مثل هذا الهدف والإصرار عليه، هو جهد يصب في الاتّجاه الصحيح بالتأكيد.
ولكن هناك جملة من العوامل المهمّة ينبغي أخذها بنظر الاعتبار كي يكون الطرح موضوعيًا وواقعيًا، ليس أولها عدم أهلية ونزاهة الكثير من البرلمانيين الحاليين وأمّيتهم وانشغالهم بمصالحهم الخاصة والدفاع عن ولائهم إلى إيران، أكثر من اهتمامهم بالثقافة العراقية التي يجدون فيها ممارسة علمانية مشبوهة قد تطيح بهيمنتهم على مقدرات البلاد، ناهيك عن تحريمها أو تجريمها من قبل الكثيرين منهم، إضافة إلى الترهل المهول والتضخم الكبير بعدد موظفي وزارة الثقافة وعدم اختصاصهم وغيرها الكثير من الأسباب التي لا مجال لذكرها هنا.
والقضية الأهم التي لم يلتفت إليها أغلب المطالبين بنسبة الواحد بالمئة من الميزانية، هي ضرورة العمل على إصدار تشريع برلماني خاص يجبر واضعي الميزانية العمومية على تخصيص مثل هذا البند، وطالما أن البرلمان منشغل بقضايا ـ أهمّ ـ مثل الدفاع عن مصالح إيران وتبرير وجودها واللهاث من أجل إصدار قرار يطالب القوات الأميركية بالخروج العشوائي من العراق، ليخلو الجو للنفوذ الإيراني والميليشيات المرتبطة به، فإن مثل هذا البرلمان آخر ما تؤرقه قضية الثقافة العراقية، إذ تجاهل أو فشل، على سبيل المثال في تشريع قانون حماية الملكية الفكرية منذ أكثر من عشر سنوات، على الرغم من أهميته وارتباطه في دخول العراق منطقة الحماية والاعتراف الدولي بالمنتج الثقافي والإبداعي العراقي في عموم العالم.
وإذا ما غضضنا الطرف عن تلك المشكلات الكبيرة والبنيوية التي تحول دون تحقيق مثل هذا المطلب، فإن ثمة مشكلة إجرائية أهم ينبغي على المطالبين بتخصيص الـ1 بالمئة من ميزانية الدولة للثقافة الالتفات إليها، تتعلق بآلية الصرف والتحكم بمثل هكذا مبالغ كبيرة، وطبيعة الجهات المسؤولة أو المخولة بتوجيه تلك الأموال في اتّجاهاتها الصحيحة، وما تتطلبه من خبرة ودراية ونزاهة وتقاليد ثقافية متجذرة وحيادية تامّة وإخلاص لقضية الإبداع.
لقد أثبتت الممارسات السابقة بما لا يدع مجالا للشكّ، عدم توفر مثل تلك الاشتراطات في ظرفنا الراهن، ولعل أبرز مثال ما حصل من صفقات فساد كبرى جرت ضمن ما سمّي في وقتها بفعالية “بغداد عاصمة الثقافة العربية” التي أهدرت فيها أكثر من 500 مليون دولار وزعت على الأعوان والبطانات والمريدين، على شكل منح وعطايا لإنتاج أفلام وهمية ونشر أعمال هزيلة.
إن تخصيص ما يعادل 1 بالمئة من الميزانية العمومية البالغة حوالي مئة مليار دولار، يعني ما يعادل واحد مليار دولار تُخصص للثقافة، في بلد يعاني من تغول الفساد وانتشار المحسوبية وانتشار الأميَّة وعدم إخلاص الغالبية من السياسيين للعراق وقضاياه المصيرية وثقافته، ومثل هذا المبلغ سيسيل له لعاب مافيات الفساد والسياسيين، وسيكون مدعاة لحياكة المؤامرات على الثقافة والمنظمات الضعيفة التي تمثلها. ولا أشك لحظة واحدة في استحالة تحقيقها في العراق في ظل الأوضاع المأساوية الراهنة.
3 البصرة بين الإرهاب الإيراني والكوليرا
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

إعلان وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان عن تسديد العراق لـ5 مليارات دولار من الديون التي بذمته والبالغة 6 مليارات دولار، مع تأكيده على إعداد بلاده لخطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء في العراق خلال السنوات الثلاث المقبلة، هو استباق لزيارة الرئيس حسن روحاني وما يمكن أن تسفر عنه من توقيع اتفاقيات ستكبّل اقتصاد العراق بالأزمة الإيرانية، لتضيف أعباء جديدة لنتائج العلاقات بعد الاحتلال.
فاتورة الديون وما سدد منها يوضح أهم مكامن فشل الحكومات المتعاقبة في حل معضلة توفير الكهرباء لمحافظات العراق، باعتمادها على تعاقدات مجتزأة مع شركات ثانوية رغم أن الشركات العالمية المتخصصة معروفة، ولا تتجاوز أصابع اليد وتحظى بالشفافية والملاحقة القانونية الصارمة ومعايير الجودة والالتزام بالتوقيتات، وتوفر أفضل الفرص لتدريب الكوادر المحلية بما يقلل من نسب البطالة وكذلك الرشاوى.
لكن هذه الشركات لا تنسجم مع سياسة نظام يرتبط بمشروع وعليه سداد ديون مُلزِمة بإدارة موارد الدولة، وفق رؤية المصالح الإستراتيجية التي ترى في تبعية اقتصاد العراق بعضا من تبعية الولاء العقائدي لولاية الفقيه. آلاف المشاريع الصناعية في العراق تعثرت لأنها في حالة إنجازها ستعيق استيراد المنتجات الإيرانية وتخفض من حجم التبادل التجاري وميوله باتجاه إيران، والكهرباء واحد من أهم المنتجات المستهدفة بالفساد أو التخطيط أو حتى التخريب.بعد 16 سنة من الاحتلال كان لا بد من تغيير السياسات الإيرانية في مجال تصدير الطاقة لأن الفضائح تزكم الأنوف، لذلك تتجه طهران وتحت شعار تأهيل الكهرباء للاستحواذ على مشاريع الطاقة لتقطع الطريق على الشركات العملاقة، ومنها الأميركية والألمانية في خطوة استباقية لتقييد العراق كاملاً بالأهداف الإيرانية.
الدور الإيراني في العراق لا يحتاج إلى دليل أكبر من قطع بعض إمدادات الطاقة في الصيف الماضي تحت حجة عدم تسديد المبلغ المتبقي من الديون، ونعني به المليار دولار، وهو ذات المبلغ الذي أعلن عنه وزير الطاقة الإيراني عندما أشار إليه قبل أيام بعدم وجود مشكلة، رغم ما تسبب به القطع من احتجاجات في مدن العراق و في البصرة، ومقتل العشرات من الأبرياء بعد حرق صور الخميني وخامنئي وبعض مقرّات الأحزاب والميليشيات إضافة إلى القنصلية الإيرانية.
معالم التحركات الإيرانية بعد الانتخابات ما زالت قائمة لفرض إرادتها على مصادر أي قرار وطني عراقي ولو بحده الأدنى، في محاولة للحد من تأثير العقوبات على النظام الإيراني، خاصة ضمن الظروف الحالية التي باتت تلقي بظلالها على العراقيين والإيرانيين، بما يدلل على وحدة الهدف في سياسة الأواني المستطرقة لتحمل الأعباء وتخفيفها على الجانب الإيراني، مع احتمال ردة فعل لا يمكن تجاهل ظواهرها الشعبية في إيران والعراق بازدياد حجم الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات وشرائح متعدّدة ونقابات كإضرابات المعلمين في البلدين.
الإعلام الحكومي والميليشياوي، وإعلام الأحزاب الطائفية، يهيئ لزيارة الرئيس الإيراني بالسخرية من زيارة دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد الجوية، وما رافقها من تحوطات أمنية بإطفاء أضواء الطائرة، في إشارة إلى أن طائرة روحاني ستهبط في بغداد في وضح النهار مع احتمال رمزية إشعال المصابيح رغم عدم الحاجة إليها في تحدّ للتواجد الأميركي على أرض العراق.
سيصل روحاني إلى العراق وفي جعبة نظامه وولاية مرشده ما وصفه ذاته بأنه أصعب وضع اقتصادي مرت به إيران منذ 40 سنة. إيران حسب مؤشر بازل لمكافحة غسيل الأموال تقع في أعلى السلم من بين 149 دولة شملها الاستقصاء بما أجبر نظامها التوقيع على الالتزام ببيان مجموعة العمل المالي (فاتف) الذي أمهل حكومة إيران حتى شهر يونيو القادم للقيام بالإصلاحات بما يتعلق بجرائم غسيل الأموال.
صراع محتدم داخل أروقة ولاية الفقيه بين واجهة الدولة الدبلوماسية التي عبّرت عن ورطتها في العلاقات الخارجية باستقالة محمد جواد ظريف، لعجزها عن تبنّي واجهة سياسات الحرس الثوري، وتوجهات المرشد علي خامنئي بما فيها من تهجم على إذعان السياسة الخارجية لمجموعة العمل المالي، وما طرأ على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي وتعويل إيران على دول الاتحاد الأوروبي لكسر واقع العقوبات الأميركية.
العراق في هذه المرحلة الإيرانية مطالب بسداد ديون في ذمة السلطة وأحزابها وميليشياتها. ديون لا علاقة لها بالاستحقاقات بين الدول المتجاورة، إنما لتعويض النكبات والمصائب الناجمة عن إرهاب ولاية الفقيه وتمدده في الشرق الأوسط ودول العالم التي كان من نتائجها ما عبّر عنه وزير النفط الإيراني، بيجن زنفته، عن عدم وجود أي طلبات لشراء النفط من دول أوروبا حتى من إيطاليا واليونان وهما دولتان من ضمن 6 دول أخرى مشمولة بالإعفاء، إلا إنهما توقفتا عن استيراده استجابة لمصالحهما الإستراتيجية مع الولايات المتحدة.
نسبة التضخّم في إيران وصلت إلى 39 بالمئة وخط فقر 80 بالمئة، مع بيانات لزيادات في الأسعار سيتم تطبيقها مع بداية السنة الإيرانية في 21 من هذا الشهر على السلع الاستهلاكية في مقدمتها الخبز.
وسط هذه الفوضى الإيرانية هناك توقعات طبية وميدانية باستضافة العراق والبصرة تحديدا لوباء الكوليرا في الصيف القادم، الذي يأمل منه النظام الإيراني مقايضة التلوث بعودة مياه الأنهار إلى مجاريها الطبيعية، مقابل طابور من الاتفاقيات مع الشركات الإيرانية غير الرصينة. طابور يعادل تلك الطوابير التي تتمدد كل يوم في المدن الإيرانية بانتظار فتات من إنسانية مفقودة.
4 فرضية إعادة سيناريو تنظيم داعش في العراق ميثاق مناحي العيسى راي اليوم بريطانيا

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن أن هناك سيناريو يحاك من أجل تكرار أحداث حزيران/يونيو 2014، وإعادة تنظيم داعش في العراق إلى الواجهة السياسية والأمنية والعسكرية. يأتي هذا الحديث في ظل تصاعد نشاط تنظيم داعش الإرهابي في بعض مناطق العراق الهشة أمنياً، أو تلك التي سيطر عليها التنظيم أبان اجتياحه لمحافظة الموصل وبعض المحافظات الغربية أو حتى في تلك المناطق التي طالما سببت صداعا في رأس الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية.
إذ قام التنظيم خلال شهر فبراير/شباط بأكثر من عملية تعرضية ضد المدنيين العزل في مدينة حديثة في محافظة الأنبار وفي مدينة النخيب بين محافظتي كربلاء والأنبار، وفي جبال مكحول في صلاح الدين، فضلاً عن تعرضاته الأمنية ضد قوات الأمن العراقي المرابطة في تلك المناطق.
بموازاة ذلك وعلى الصعيد السياسي، فهناك من يتحدث عن مجريات العملية السياسية والظروف التي رافقت عملية تشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات 12 آيار 2018، وللتأكيد من فرضية المقال لابد لنا أن نتناول الأوضاع الداخلية والتطورات الإقليمية والدولية بجوانبها المختلفة بالمقارنة مع الظروف والأوضاع ما قبل عام 2014.
الأوضاع الداخلية
إن الحديث عن الوضع الداخلي العراقي بعد تحرير الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي نهاية العام 2017 لا يختلف كثيراً عن الوضع الداخلي قبل 10 حزيران عام 2014. فالوضع السياسي لا يزال متأزماً وعملية تشكيل الحكومة العراقية لم تكتمل لحد الآن، وبدايات تشكيلها وسلوكها على الصعيد (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) لا يختلف عن عملية تشكيل الحكومات العراقية السابقة، فما زال الفقر والبطالة وغياب الرؤى الاقتصادية معوقات حقيقية في بناء الدولة، كذلك ما تزال حالة عدم الاستقرار وعدم الثقة بين الفرقاء السياسيين وتغليب المصالح الحزبية على المصالح الوطنية وتصاعد الصراع السياسي على الحقائب الوزارية، معوقات تعتلي المشهد السياسي العراقي.
أما على الصعيد الاجتماعي، فما تزال أغلب المدن التي حُررت تعاني من أزمات حقيقية على المستوى الاقتصادية والخدمي وما يزال بعض سكانها نازحين لحد الآن، لكن المفارقة بين الفترتين (فترة ما قبل عام 2014 وفترة ما بعد التحرير) تكمن في طبيعة تعاطي سكان المحافظات الغربية مع عناصر تنظيم داعش، فقبل عام 2014 كان هناك ترحيب كبير لعناصر التنظيم نتيجة تراكم السياسات الفاشلة للحكومات العراقية التي سبقت حكومة السيد العبادي؛ ولذلك مثلت تلك المحافظات بيئة ملائمة وحاضنة كبيرة لتجمعات عناصر التنظيم.
أما اليوم فإن عناصر تنظيم داعش منبوذة ومطاردة داخل المجتمع السني، وجميعنا يتذكر مشاهد تجوال عناصر التنظيم في مدينة الرمادي في العام قبل وبعد عام 2014 أمام مرأى أهل الأنبار والموصل وصلاح الدين، أما اليوم فلا يمكن لعناصر التنظيم أن تظهر ولاءها للتنظيم أمام سكان تلك المدن، بل أن بعض العشائر العراقية في محافظة الأنبار أخذت تلاحق عناصر التنظيم في الصحراء والمناطق المأهولة.
فضلاً عن ذلك، فالقوات الأمنية العراقية بمختلف تشكيلاتها والمؤسسة العسكرية بشكل عام، تختلف عما عليه قبل العام 2014. على الرغم من ذلك، فما تزال كثير من مسببات دخول تنظيم داعش موجودة، لاسيما ما يتعلق بحجم الفساد المالي والسياسي والإداري الموجود في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية (بشكل أقل) نوعا ما، كذلك ما تزال الفجوة الأمنية موجودة بين الأجهزة الأمنية والمواطن العراقي، فالكثير من عناصر قوات الأمن العراقية غير منضبطة في تعاملها مع المواطن، سواء في السيطرات والأماكن العامة أو أثناء المداهمات. فضلاً عن ذلك، فأن الأحزاب والقوى السياسية العراقية لم تصل بعد إلى النضوج السياسي، وما تزال الكثير من سلوكياتها دون المستوى المطلوب، وأن الحكومة لم تمتلك البرنامج الشامل والأدوات الكافية في التصدي لكل تلك التحديات والمعوقات على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي. فما يزال السلاح المنتشر خارج إطار الدولة، وهذا بمثابة تهديد حقيقي لهيبة الدولة وأمن المواطن بشكل مستمر، فضلاً عن استمرار أزمة النازحين وغياب الفاعلية الحكومية في بناء المدن المحررة.
الأوضاع الإقليمية والدولية
ما يزال العامل الإقليمي، العامل الأكثر تأثيراً في الساحة السياسية العراقية، وتزداد شدته عندما يمتزج مع العامل الدولي، فلا يمكن الحديث عن التأثير الإقليمي في العراق دون الإشارة إلى دور العامل الدولي. هذا التأثير يأتي من طبيعة الصراع الموجود على السلطة وطبيعة تعاطي الاحزاب والقوى السياسية العراقية معه. فالعملية السياسية العراقية منقسمة في صراعها السياسي الإقليمي بين دور إيران في العراق والمنطقة وبين دور العرب وطبيعة تعاطيهم مع الحكومات العراقية بعد عام 2003، أو حالة التغيير السياسي بشكل عام. تكمن مشكلة الدولة العراقية الحالية، بأنها تمثل ساحة للصراع الإقليمي والدولي، فما يزال الصراع الإيراني – السعودي أو الإيراني – الأمريكي، يشكل التهديد الأكبر والتحدي الحقيقي أمام صانع القرار العراقي.
وهذا ما يزيد من هشاشة العملية السياسية العراقية، ويغذي نشاط الحركات الإرهابية والمتطرفة في العراق، فالانسحاب الأمريكي من سوريا وإعادة انتشاره في العراق، يزيد من فرضيات الصراع الإيراني – الأمريكي، لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تعوض خسارتها للصراع ضد إيران في سوريا على الساحة العراقية؛ ولهذا يرى البعض بأن هذا الصراع ربما يعيد تكرار سيناريو داعش في العراق. لكن ربما يبدو الوضع مختلفاً عما كان عليه قبل 2014، فالموقف الدولي والإقليمي اليوم يبدو أكثر انفتاحاً وتوافقاً مع الدولة العراقية، وداعم بشكل كبير للحكومة العراقية الحالية، لاسيما بعد هزيمة داعش عسكرياً. وهذا بحاجة إلى تعزيز فعلي على المستوى التطبيقي لسياسات الحكومة العراقية من أجل إصلاح سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وطريقة إدارة الحكم فيها.
أن تراكم الأزمات العراقية منذ عام 2003، واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، وطبيعة تعاطي الحكومات السابقة مع المظاهرات والاعتصامات، فضلاً عن حجم الفساد الذي أصاب جميع مرافق الدولة (المدنية والعسكرية) أدى إلى ظهور تنظيم داعش. وعلى الرغم من أن مسببات داعش كانت في معظمها عوامل داخلية، تتعلق بإدارة الحكم وطبيعة تعاطي الحكومات السابقة مع المحافظات الغربية، إلا أنها وجدت التمويل والدعم اللازمين (الإقليمي والدولي) من أجل إنجاح مشروعها من أجل فرض ارادات إقليمية توازي الدور الإيراني في العراق.
لكن تجربة داعش كانت تجربة فاشلة بالنسبة للإرادات الداخلية والخارجية سواء كانت على المستوى الإقليمي في سوريا أو على المستوى المحلي في العراق، وأن فرضية التعويل على تكرار سيناريو آخر لداعش مستبعدة تماماً في الوقت الراهن أو في المدى المتوسط (على أقل تقدير). إلا أن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق، واستمرار الفجوة السياسية بين السلطة والشعب في ظل إنعدام ثقة المواطن العراقي بالعملية السياسية، ربما سينتج مشروع داعش أو مشروع مماثل له على المستوى البعيد، لاسيما في ظل استمرار سياسة تهميش المواطن وعدم تمكن الدولة العراقية ومؤسساتها من بناء وإحتواء الإنسان العراقي وكسب ثقته من أجل إعادة الثقة بالدولة والعملية السياسية بشكل عام وسد الفجوة والانقسام الاجتماعي الذي تسبب به سياسات ما بعد 2003 على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري.
5 عن يوم المرأة وجيل عراقي بلا عُقد حزبية هيفاء زنكنة
القدس العربي
كما جرت العادة، ستقام بمناسبة يوم المرأة العالمي، احتفالات رسمية في معظم البلدان العربية. حيث سيقوم أولياء الامر من الحكام والساسة ورؤساء الأحزاب وأصحاب منظمات المجتمع المدني، بتلاوة المديح النسائي والتسبيح عليها وطليها بالثناء، وكيف انها تشكل نصف المجتمع ولولاها لما قامت للمجتمع قائمة… وأنها…. الى آخر الأسطوانة المشروخة، وهم ذات الحكام والساسة الذين يمارسون كل أساليب القمع والاضطهاد والتمييز ضدها، أما بشكل مباشر أو غير مباشر. فخطاب الوقوف بجانب المرأة والدفاع عنها كليشيه، تزويقية، ضرورية للأنظمة العربية للظهور بمظهر حضاري ومتمدن ونفي سمات التخلف والرجعية.
ولا يقتصر استغلال « قضايا» المرأة على الأنظمة، بل استنسختها، في ظل « الديمقراطية» منظمات المجتمع المدني، المتلقية للدعم بحجة «تمكين» المرأة والدفاع عن حقوقها. وكما جرت العادة، ما ان تشارف ساعات « يوم المرأة» على الانتهاء حتى يكرر المسؤول والسياسي وعوده بتحسين الأوضاع وإصدار القرارات بين يديه ويرميها بأقرب سلة مهملات. أما منظمات المجتمع المدني فإنها ستواصل خطاب التمكين الى أن ينتهي الدعم المالي المكرس للتسويق والذي وفر لأصحابها ما لم يكونوا يحلمون به لولا المتاجرة بقضايا المرأة.
هذا، بطبيعة الحال، لا ينطبق على كل منظمات المجتمع المدني، اذ يخوض عدد منها صراعا قد يستهلكها، أحيانا، من اجل الحفاظ على استقلاليتها المادية والعملية. كما تبرز، بين الآونة والأخرى، مجموعات مكونة من ناشطين، يجمعهم هدف الحراك من أجل الكل، بلا استثناء، وبلا تمييز بين المرأة والرجل، مما يعيدنا الى حقب حركات التحرر الوطني، التي شارك في خوضها ودفع ثمن التحرر من الاستعمار وهيمنته واستغلاله للشعوب، كل أبناء الشعب من الرجال والنساء معا. مثل هذه النشاطات، بآليتها وسيرورتها، المستقلة، تساعد على التشبث بالأمل، وابعاد شبح الأسى والإحباط العام، بعيدا عن « الأيام» المُختطفة من قبل الأنظمة والساسة.
من بين النشاطات التي نثرت حماسا، غير معهود، في الأسابيع الأخيرة، في الاوساط العربية، والعراقية خاصة، بلندن، وهي المنشغلة عادة بمراكمة المآسي، قيام مجموعة من الناشطين، بنشاط نوعي جديد، استحوذ على تغطية إعلامية متميزة، نسبيا، من قبل أجهزة الاعلام الغربية.
تضمن النشاط أوجها عدة. اعتصامات وأفلام وملصقات ومعرض وورشة فنية. فخلال شهر كامل، سبق افتتاح المتحف البريطاني معرضا بعنوان «أنا آشور بانيبال ملك العالم ملك آشور» عن الامبراطورية الآشورية، ومركزها نينوى عملت المجموعة (لا يزيد عدد أفراد نواتها على أصابع اليد الواحدة) على الاعتصام المتكرر داخل وخارج المتحف، بحضور مئات المشاركين، وتصوير كل ما يحدث ومن ثم نشر الأفلام والتصريحات والمقابلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي باستهداف مكثف. احتج الناشطون على تمويل شركة النفط البريطانية «بريتيش بتروليوم» للمعرض. وهي الشركة التي تركت آثار استغلالها البشع على كل البلدان التي عملت فيها، ومنها العراق «ووفقاً لوثائق الحكومة البريطانية الصادرة في عام 2011، كانت شركة بريتش بتروليوم مستقتلة للدخول إلى العراق قبل غزو عام 2003، حيث «مجال النفط الكبير». مما يجعل الشركة، متواطئة في حرب أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتشريد الملايين، حسب تصريح الناشطين.
عند مراجعة تفاصيل نجاح المجموعة، والتغطية الإعلامية التي حظيت بها، من قبل صحف معروفة مثل « الغارديان» و«الاندبندنت»، وعدد من المواقع الفنية، نتوقف لنتساءل: ما الذي جعلها تحقق ما لم تتمكن نشاطات أخرى للجالية العراقية وغيرها من تحقيقه؟
هناك أسباب عديدة.
أولا: قامت المجموعة بعدة نشاطات متنوعة لتستقطب بذلك جمهورا متعدد الاهتمامات. ثانيا: تمت الاعتصامات داخل وخارج حيز غير سياسي، بل معروف، عالميا، باحتضانه للحضارات من جميع ارجاء العالم، بحيث ان « استعمارية» المكان، من ناحية الاستيلاء على كنوز وآثار البلدان المستَعمرة، مختلف عليها حتى بين الكثير من المثقفين الذين تعيش بلدانهم حروبا ونزاعات «أهلية». إذ يرون في المُستعمِر من يحافظ على الآثار في مكان واحد بينما يقوم أبناء البلدان، أنفسهم، بتهريب آثارهم لتباع في الأسواق العالمية وتُركن، الى الابد، في خزانات لا يمكن حتى القاء النظر عليها. ولم تستهدف الاعتصامات «حضارية» المكان بل تمويل المعرض لتضيء جانبا يحمل أقسى التناقضات.
ثالثا: لم يقتصر النشاط، بأوجهه المتعددة، الاحتجاجية والفنية، على تأثير سياسة الشركة على العراق، لوحده، بل فضح سياستها في بلدان مختلفة من العالم. هذه المعالجة أنقذت المجموعة من السقوط في «غيتو» الصراع بين الضحايا وتنظيم نشاطات تفتقد الى التواصل التضامني. وهو مطب كبير، بات سائدا في العقدين الأخيرين، حيث يتم جلب الانتباه الى مأساة بلد ما أو مجموعة بشرية أو أقلية أو جندر، دون ربطها بما يجري للآخرين في البلد نفسه أو في بقية ارجاء العالم، فتكون النتيجة تفتيت القضايا الإنسانية واستهلاك جهد الناشطين.
رابعا: رأينا في النشاط المتنوع عودة الى التضامن، بمفهومه الحقيقي، بين مجموعة من الناشطين الذين ينتمون الى بلدان مختلفة ويجمعهم الوعي بعولمة الاستغلال من قبل شركات احتكارية عابرة للأوطان، يهيمن عدد منها على الثروات الوطنية، بينما تقوم أخرى ببيع السلاح.
وتراعي كلها تبييض الوجوه بـ«المساعدة الإنسانية» وتوفير الدعم لنشاطات ثقافية وحضارية. ازدواجية هذه الأدوار، تطرق اليها منظمو الاعتصامات والمعرض بشعارات ذكية واعمال فنية رائعة، ساعدت الجمهور على النظر أبعد من الاعراض السطحية.
خامسا: ينتمي أفراد المجموعة التي قامت بالتنظيم، كونهم شبابا، الى جيل عراقي لا يحمل حقائب العُقد السياسية، وموروث صراعات الماضي، وانعكاساته على نشاطات المنتمين الى الأحزاب السياسية التقليدية. ما يحملونه هو حب العراق والاعتزاز بحضارته وعدالة قضيته، وهذا هو الأهم. وهم يماثلون، بذلك، الجيل الفلسطيني الذي وُلد وعاش، بعيدا عن الوطن، ولم يزر افراده فلسطين الا ان فلسطين، بالنسبة اليه، قضية عادلة، تمس جوهر الوجود الإنساني، ولا يمكن التخلي عنها الا إذا تجرد الفرد من انسانيته.

6 لماذا تخشى أوروبا «دواعش» مهزومين؟ د. وحيد عبد المجيد الاتحاد الاماراتية

يمثل مقاتلو تنظيم «داعش» الأوروبيون المحتجزون في سوريا معضلةً لدولهم حتى بعد هزيمته. قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة التي تحتجزهم «قوات سوريا الديمقراطية» فيها شرقي الفرات، يفرض تحديد مصيرهم، وكيفية التعاطي معهم. طلب الرئيس ترامب من دولهم أن تتسلمهم وتحاكمهم. ولم يكن تلويحه بإطلاق سراحهم، إذا لم تتحرك هذه الدول لتتسلمهم، إلا تعبيراً مجازياً عن خطر ينبغي عدم التهاون به. وعبّر مسؤول في «قوات سوريا الديمقراطية» عن أحد أشكال هذا الخطر عندما نبّه إلى احتمال هروبهم إذا نفذت تركيا تهديدها بشن هجوم في شرق الفرات.
يبلغ عدد هؤلاء المقاتلين بين ثمانمئة وألف، فضلاً عن 1500 طفل و700 امرأة. ويبدو رفض الدول التي ينتمون إليها، تسلمهم مدهشاً لكثير من متابعي تطور الأوضاع في سوريا. ولا يتصور بعضهم أن تخاف دولة من أشخاص محتجزين ومهزومين.
غير أن لهذه الدول منطقها في مسألة شائكة من الناحية القانونية. فالمفترض أن تشرع أية دولة تتسلم أشخاصاً مارسوا عملاً إرهابياً في محاكمتهم، لكن هذه المحاكمة قد لا تسفر عن إدانة كثير منهم، بل ربما يكون هذا هو الأرجح لثلاثة أسباب: الأول أن القوانين المعمول بها في هذه الدول تمنح أي شخص يُحاكم فيها ضمانات تتيح له الإفلات من العقاب، ما لم تتوافر أدلة قاطعة لا يرقى إليها الشك، ويمكن إدانته بموجبها. والثاني أن محاكمة مقاتلي «داعش» في دولهم الأوروبية ستجري وفق القانون العادي، وفي إطار المنظومة القضائية الطبيعية، وليس وفق قانون الحرب، لذا تريد هذه الدول محاكمتهم في سوريا أو العراق، حيث خاضوا حرباً أعلنها تنظيمهم وهُزموا فيها. أما إذا أُعيدوا إلى بلادهم، فستُطبق عليهم قاعدة أن قوانين القتال لا تسري في محاكمات ما بعد الحروب. وهناك سبب ثالث بالغ الأهمية، وهو أن محاكمتهم بعيداً عن مكان الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها، يحول دون جمع الأدلة اللازمة لإدانتهم، وإحضار الشهود الذين يمكن أن يؤكدوا ضلوعهم في هذه الجرائم. ولذا، سيكون صعباً، بل مستحيلاً في كثير من الأحيان، أن يقدم الادعاءُ أدلة تكفي لإقناع القضاة بإدانتهم حالَ محاكمتهم في أية دولة أوروبية.
والحال أن الدول التي ينتمي إليها دواعش محتجزون في سوريا، سيكون عليها أن تتسلمهم بلا معلومات كافية عنهم، ومن دون تحقيقات أُجريت معهم. وحتى إذا كانت السلطة الذاتية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في شرق الفرات أجرت تحقيقات معهم، فلن يتيسر اعتمادها من الناحية القانونية، لأن هذه السلطة لا تمثل دولة، وليست كياناً حكومياً معترفاً به من المجتمع الدولي. ولذا لن يقبل القضاء الأوروبي نتائج تحقيقات أُجريت بواسطة سلطة أمر واقع، وفي ظروف غير معلومة لديه. كما ترفض هذه الدول تسليمهم إلى نظام الرئيس بشار الأسد، لأنها لا تثق فيه، وتخشى أن يستخدمهم لابتزازها، بدلاً من تخليصها منهم.
أما العدد الكبير من زوجات «الدواعش» الأوروبيين وأطفالهم المحتجزين معهم، فلا تستطيع هذه الدول تسلمهم في المدى القصير على الأقل، لأنها بحاجة إلى معلومات موثوقة عنهم تمكنها من فرزهم. فقد جند التنظيم عدداً غير قليل من الأطفال في أعمار بين 12 و17 عاماً، وتلقوا تدريبات عسكرية، وشارك بعضهم في القتال. وتحتاج هذه الدول معلومات موثوقة تتيح الفصل بين هؤلاء وغيرهم. كما أن بين زوجات «الدواعش» الأوروبيين من ارتكبن جرائم إرهابية أو شاركن فيها، فضلاً عن أن كثيرات منهن ذهبن إلى سوريا لاقتناعهن بما فعله «داعش». فلسن كلهن زوجات عاديات.
والمتوقع، والحال هكذا، أن تمتنع الدول الأوروبية عن تسلم دواعشها المحتجزين في سوريا، سواء أكانوا مقاتلين أم زوجات وأطفالاً، وأن تتعامل معهم وفق كل حالة على حدة، وأن تتسلم مَن تحصل على معلومات تكفي لإدانتهم، أو تدل على إمكان إعادة دمجهم في المجتمعات في حال عدم وجود أدلة قاطعة تدينهم.
والأرجح ألاَّ يتوافر هذا الشرط سوى في عدد قليل منهم. ولذا، سيكون على الولايات المتحدة في النهاية أن تلجأ إلى ما يُعد ملاذاً أخيراً، وهو إرسال من تمتنع دولهم عن تسلمهم إلى قاعدة جوانتنامو العسكرية الأميركية المشهورة في كوبا.

7 يا ظريف.. أنت تنفذ سياسة قاسمي
محمد المختار الفال الحياة السعودية

استقالة الوزير ظريف، ورفض قبولها من المرشد خامنئي والرئيس روحاني، والتأكيد على أن وزارة الخارجية هي المسؤولة عن علاقة إيران بالعالم، يكشف عن واقع يدركه المتابعون الذين يعرفون حقيقة صنع القرار في ذلك البلد ويرصدون توزيع المهام وتجاذب القوى، فالخارجية لا تتحكم في توجيه سياسة البلد وعلاقاته بالعالم، وبالأخص ما يتصل بالإقليم وتنفيذ سياسة «الثورة» وتشكيل «الوكلاء» ورعايتهم والعمل على تمكينهم في بلدانهم، فالحرس الثوري وقادته هم من يقومون بذلك، ويصبح دور الخارجية هو «الدفاع» عن تلك السياسة وتوظيف الأدوات «الترهيب والترغيب» لابتزاز الجيران وخلق المشكلات لهم، وليس من المتوقع أن «يستعيد» الوزير المغاضب كل الملفات، فالجنرال قاسمي، ومساعدوه، هم من يدير سياسة «الأمر الواقع» على الأرض، ويتركون للوزير ظريف تسويقها والتفاوض حولها وجني ثمارها، فإذا اقترب من الأهداف، كان له أن «يجير» النجاح لجهوده وكفاءته وإن «تعثر» أو أبدى مرونة وواقعية ونظر إلى المآلات «أعيد إلى الجادة»، حتى وإن غضب وهدد بالاستقالة، هذه حقائق مكشوفة، لم تعد الدعاية الإيرانية، ومن يحلب في وعائها، بقادرة على إخفائها أو التعمية عليها، ولم تعد تنطلي على أحد.
ومن باب الموضوعية والإنصاف أن يعترف المراقب بالكثير من نجاح السياسة الإيرانية، بغض النظر عن رفضها أو الحكم عليها بالصواب، ولعل من أسباب ما تحقق من نجاح يعود إلى: «وضوح الرؤية» وانسجام الأدوات مع الافكار، طوال العقود الأربعة الماضية، فكل أجهزة الدولة وقنوات اتصالها بالخارج تتضافر لتحقيق نشر «المشروع» وتكثير الأتباع وتوسيع دائرة المحايدين، على امتداد الساحة الإسلامية. نعم لم تكن المسارات سالكة، من دون عقبات ولم يكن الميدان خاليا من المناوئين والمقاومين، لكن المتحقق واضح، وإن جاء على حساب المواطن الإيراني الذي ترفع معنوياته القوة العسكرية والشعور بالقدرة على مواجهة الأعداء، لكنه يشعر بالإحباط حالما يعود إلى نفسه ويمشي في شوارع مدنه ويتجول في طرقات بلداته ويقارن واقعه بأحوال الشعوب من حوله، حينها يدرك حجم الخسارة وضخامة ضريبة الشعور بالوطنية، فهل ستطول قدرة الشعب الإيراني على تحمل تدني مستوى معيشته في سبيل «لحظة شعورية» لا تدوم إلا دقائق العرض العسكري أو خطاب البلاغة الفارسية؟
سيكون من مصلحة أهل المنطقة، جميعاً، أن تدرك طهران تعذّر تنفيذ «مشروع الهيمنة» القائم على توتير العلاقات وتفجير النسيج الاجتماعي بالصيغة الطائفية وخلق جيوب غير منتمية لأوطانها، فهذه السياسة قد تحقق بعض «الاختراقات» في المنطقة، لكنها لن تكون محصلتها في مصلحة الجميع، استطاعت الدعاية أن تستغل شعار «وحدة الأمة في مواجهة قوى الاستكبار» وتوظف إمكاناتها المادية في بيئات فقيرة في أفريقيا وأخرى بعيدة عن مناطق التوتر في شرق القارة الآسيوية، وإلى حدما في أوروبا وأميركا، وظنّت إيران أنها، بتوقيع الاتفاق النووي مع إدارة أوباما، واندفاع أوروبي للمشاركة في «كعكة» إعادة تأهيل طهران للعودة إلى المجتمع الدولي وفتح أبوابها للشركات والمال الغربي، قد تحررت من الضغط وتخففت من تهمة السياسة الطائفية وتشجيع النزاع في المنطقة، واعتقد قادة طهران أن الظرف موات لإلقاء تهمة الطائفية على من يقف في طريقهم، المملكة العربية السعودية، مستغلين حال عدم «الانسجام» بين الرياض وإدارة أوباما، خاصة في دورته الثانية، التي تكشفت فيها بعض نتائج سياسة «الفوضى الخلاقة»، تحسّن العلاقة ما بين واشنطن وطهران، في تلك الفترة، فتح شهية الدعاية الإيرانية لتتخلص من تهمة الطائفية ملقية باللوم على متحديها في المنطقة، ولم تكتف بالمنابر الإقليمية، لدى «وكلائها» فاتجهت إلى الإعلام الأميركي، ولم تقتصر على الكتاب والصحافيين والمعلقين المتعاونين معها واللوبي الإيراني النشط، فإذا بوزير خارجتها جواد ظريف يكتب مقالةً في النيويورك تايمز (سبتمبر 2016) بعنوان: «فلنتخلص من الوهابية»، لينتهي إلى أن الجماعات الجهادية هي حصيلة «رعاية الرياض للتطرف»، وكان الوزير نفسه نشر مقالةً في الصحيفة نفسها (يناير 2016) بعنوان: «التطرف السعودي الطائش»، قال فيها: «إنه في الوقت الذي وضع الرئيس حسن روحاني الصداقة مع جيراننا والسلام والاستقرار في المنطقة والتعاون الدولي على رأس أولويات إيران، كما برهن على ذلك الاتفاق النووي (يوليو2015)، إلا أن بعض الدول، وخاصة السعودية، وقفت حجر عثرة أمام جهود طهران لتحقيق الانخراط في البناء».
وهذا كلام لا يصدقه عاقل منصف، في المنطقة وخارجها، وينطبق عليه المثل: «رمتني بدائها وانسلت»، فالسياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية، للأسف، سياسة طائفية (في العراق وسورية ولبنان واليمن)، تستغل المشاعر لتحيي ما مات ودفن في مقابر التاريخ، ولتفتح به ثغرات يتسلل منها الشك والحقد وتصفية حسابات غاب أهلها، وتفسد به صورة استقرت لمئات السنين، فها هو لبنان: الثقافة والفن والسياحة وتجسير التواصل بين الشرق بالغرب، يربط الأحزمة ويصبر على تراكم المخلفات في شوارع عاصمته، ليصنع الصواريخ بإرادة وكيل الفقيه!! وها هو الشعب اليمني، يتساقط قتلاه ويئن جرحاه وتجتاحه الأوبئة وتتهدم منازله وتتمزق مؤسساته بأمر «وكيل وكيل الفقيه».
هذه الصورة القبيحة، هل يستطيع ظريف، مهما كان عليه من خفة دم وظرف، أن يطمس معالمها ويلمع تشوهاتها ويخدع المواطن العربي بأن سياسة بلاده تهدف إلى تحسين العلاقات مع الجوار، وأنها تحارب الطائفية والتطرف؟ سيتعب ظريف، وهو يحاول أن يصرف ذاكرة الإنسان في هذه المنطقة ويغيب وعيه عن أن إيران كانت وراء حال التوتر التي اجتاحت الكثير من المجتمعات، وأدخلتها في دوامة من الكراهية المتبادلة، مهما كانت الحجج والمجادلات واستحضار الأخطاء وسياسات غالبية الدول العربية تجاه التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، سيظل الجميع مدركاً أن طهران كانت وراء ما حدث في العراق ولبنان واليمن، وأن الخروج من هذه الحلقة يستلزم توقف أدوات تحريكها.
8 عندما تتأخر «المصالحة السياسية العراقية» عن أوانها مشرق عباس الحياة السعودية

الجدل العراقي حول «المصالحة» وابعادها، واطرافها، لم يتوقف، لكنه يتخذ اليوم مسارات جديدة، فالقوى السياسية والمسلحة التي وقفت لسنوات معارضة للمصالحة السياسية، واتهمت مروجيها بانهم اما ارهابيون او بعثيون، تقود بنفسها جهود اعادة مجموعة من اهم السياسيين السنة الملاحقين بتهم ارهاب، وزعماء عشائر او رجال دين تعاونوا مكرهين او مختارين مع تنظيم «داعش» خلال وجوده في مناطقهم، الى الواجهة السياسية وفتح صفحة جديدة معهم.
وبالطبع فان طروحات شهدتها السنوات الماضية قدمها مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي لاطلاق مثل هذه المصالحات، جوبهت بهجوم شديد من الاطراف الأكثر قرباً من ايران، حتى ان مبادرة اطلقها الحكيم عام 2014 باسم «انبارنا الصامدة» وصفت بانها قد صممت لاطفاء نار الفتنة التي اشتعلت وقادت فيما بعد الى ظهور «داعش» وسيطرته على ثلث العراق، اعتبرتها الاطراف المعارضة، دعوة لـ»مصالحة الارهاب» وتم الحديث بشيء من الاستخفاف عن مبادرة الصدر لما بعد «تحرير الموصل»، وبالتأكيد فأن طروحات القوى المدنية التي ما انفكت تطالب بمشروع «عدالة انتقالية» يعالج كل الوضع المضطرب في العراق بعد 2003 جوبهت باتهامها بالانتماء الى مشروع «صهيواميركي».
الفارق الوحيد ان بعض طروحات الامس كانت تضع الشرط الوطني كمعيار لتحقيق العدالة الانتقالية وان طريق المصالحة ينطلق من بغداد ويصل اليها، فيما ترى الاوساط التي تقود مشاريع المصالحة اليوم سواء اعترفت بذلك ام لم تعترف، ان باب المصالحة يجب ان يمر عبر طهران ايضاً، ولذلك فان التسوية في جوهرها لا تتعلق بالمشاكل والازمات وبحور الدم التي حفل بها العراق، بل بتسوية بين الشخصيات السنية وبعض دول المنطقة وايران، وهذا ما حدث ويحدث فعلاً.
ربما تلك النقطة الاخيرة، دفعت القوى التي حملت سابقاً شعارات المصالحة السياسية، وجوبهت بمشاريع ما يسمى «المصالحة المجتمعية» التي لم تكن سوى اطار للتسويف، الى معارضة جهود منافسيهم الحالية، والاعتراض سراً او علناً، وبمواقف سياسية او عبر القنوات الاعلامية، واستخدام الطعن، والتشكيك، والاتهامات بالطريقة السابقة.
والطعون الحديثة مطعون بها ايضاً، فسواء تحققت المصالحة السياسية من خلال القوى الاقرب الى ايران او سواها، فالمهم انها تحققت، وان تقتنع اطراف سياسية رفضت اي حديث عن المصالحة، بان خياراتها السابقة كانت خاطئة، وان مرحلة ما بعد «داعش» تتطلب حواراً حقيقياً ومباشراً مع الخصوم السياسيين وربما «المذهبيين» فان ذلك يعد خبراً جيداً وصالحاً للبناء عليه، ويجب تشجيعه.
المشكلة الوحيدة في الخطوات السياسية المتأخرة نحو المصالحة، انها تنتمي الى قراءات غير دقيقة لواقع المرحلة العراقية، فلم شمل الوسط السياسي العراقي السني والشيعي والكردي في تشكيلاته وشخصياته المعروفة، لم يعد علاجاً مؤثراً لازمة العراق، التي انتقلت خلال انشغال القوى والاحزاب السياسية بحروبها ومؤامراتها واتهاماتها لبعضها، وسفك الدماء البريئة بسببها، الى ازمة كبرى بين الوسط السياسي العراقي وكل ما يمثل السياسة في العراق، وبين الشعب وطليعته المدنية، التي دفعت وحدها الثمن باهضاً لسوء التقدير السياسي وحرب الاستنزاف الداخلي، والقيمومة الاقليمية المخجلة.
لن يكون بالامكان بناء سلام حقيقي على اساس المصالحات السياسية المقترحة اليوم، لأن معادلات ما بعد الخراب الاقتصادي والاجتماعي والنفسي التي خلفتها ازمة «داعش» تجرد خطوات المصالحة البروتوكولية الحالية من فاعليتها، وتجعلها متأخرة عن وعي جديد للاجيال العراقية الشابة مختلف عن وعي سابقاتها، ومتعثرة امام حالة الغضب والاحباط لاجيال انطلت عليها استراتيجيات الشعارات الحزبية والطائفية والقومية، ووجدت نفسها ضحية وحيدة في حفلات الذئاب.
في عام 2003، طرحت القوى المدنية والثقافية الشعبية منهج «المصارحة والمصالحة» بين القوى والفعاليات السياسية من اجل السماح ببناء «مشروع عدالة انتقالية» يختصر الزمن امام النهوض العراقي المنتظر، وطرح مثل هذا المشروع ايضاً بعد الحرب الاهلية 2006 – 2008 ليشكل تسوية بين الاطراف التي شارك في تلك الحرب، لكنه في عام 2019 مختلف تماماً ويجب ان يتحدد طرفان فيه فقط، الاول هو كل الوسط السياسي متصالحاً او متخاصماً، والثاني هو الشعب العراقي بمكوناته المتعددة، على يعتمد منهج «الاعتراف والمحاسبة» ومن ثم «التصحيح القانوني والدستوري» وأخيراً «المصالحة».
9 استمرار التظاهرات في العراق
كاظم الموسوي
صحيفة الوطن العمانية
لم تتوقف التظاهرات في العراق يوما منذ عام 2003، بعد الغزو والاحتلال. تتنوع هذه التظاهرات وتتوزع زمنيا ومكانيا، في المحافظات والمدن وحتى القرى والمناطق النائية. أو بقول آخر إن التظاهرات شملت العراق كله وباشتراك كل القطاعات والمهن والأجيال العمرية. كشفت التظاهرات عموما عن حالة غياب السلطة وهيبة الدولة وعن شعارات مخادعة عن الديمقراطية والحريات التي جلبها الغزو والاحتلال للعراق. هذه التظاهرات رفعت شعارات مطلبية حرمت من مضامينها وأصرت الجماهير المشتركة فيها عليها، التي لم تتحقق لها ولم تتوفر فرصها وظلت كل هذه الفترة الزمنية غير القليلة دون تنفيذ أو تطبيق. كما أن الشعارات المطلبية التي تميزت بها التظاهرات في العراق قد تصاعدت أو تباينت بين موقع وآخر، ولكنها ظلت في حدود المطالب المشروعة رغم تضحيات كبيرة خسرتها فيها أو قدمتها من أجل تحقيقها. وهذا يعني أن السلطات الأمنية واجهتها وأطلقت الرصاص الحي عليها مما سبب الخسائر البشرية فيها. ومعروف أن سقوط شهداء أو دماء في أية تظاهرات يعزز أو يشد من عزيمتها واستمرارها. وهي حالة أصبحت قاعدة اجتماعية أو قانونا متكررا يراكم سير التظاهرات وتصاعدها أو تموجاتها المستمرة. تبلورت أغلب الشعارات والمطالب طيلة تلك الفترة الزمنية على توفير الخدمات العامة والأعمال واحترام حقوق الإنسان والقانون. غياب الخدمات الأساسية، كانعدام الكهرباء وشح المياه وضعف مجال الصحة وسوء المعاملة وخراب التعليم والمدارس والتسرب، وغيرها من المشاكل المتفاقمة في هذه الخدمات الأساسية دفع الشعب إلى التظاهر والاحتجاج وتصاعد الغضب الشعبي والاحتقان المدني وكسر الصمت. وهذا ما تكرر في أغلب التظاهرات في عموم العراق ومناطقه، سواء في جنوبه أو شماله أو وسطه، بمعنى أن سوء الإدارة والتخطيط في أداء هذه الخدمات الأساسية عمت العراق كله، وبينت بتراكمها وتناقضات التعامل معها الخلل الصارخ في الأداء الرسمي والعمل الوظيفي وقدرات السلطات المحلية والمركزية.
وبلا شك لعب الفساد الإداري والمالي دوره البارز في تأجيج حالة التظاهر والغضب، وعم بأساليبه المختلفة كل مؤسسات ومكاتب الخدمات الأساسية، ما يضطر المواطن العراقي إلى الصراخ بصوت عالٍ في سبيل إيقافه وردع الفاسدين. المضحك في العراق أن أغلب الفاسدين أو الداعمين للفساد أو المروجين لانتشاره هم في مواقع القرار السياسي وهم الذين يعتبرون واقعيا رأس الفساد بكل أشكاله، يزعمون في تصريحات إعلامية محاربته أو الدعوة إلى مكافحته، والأغرب فيه هو التغاضي أو تغطية العناصر القائدة للفساد والمناورة في اتساعه والسماح لأعمال أخطبوطه ومافياته وكل أصنافه، ولم يعد العراق في أول قائمة الفساد في التقارير العالمية للمنظمات الدولية المتابعة أو المحققة فيه، بل أصبح مضرب الأمثال في نوعه وحجمه وطرقه وممارساته. ودفع هذا الانتشار للفساد في العراق جماهير الشعب إلى التظاهر والاحتجاج والغضب، ولأنه مستمر ومتسع فالتظاهرات مقابله كذلك، في عموم العراق وعمر الغزو والاحتلال وما بعدهما.
لم يكتفِ الفساد الإداري في الرشوة والمحسوبية والتخلف في تسيير أمور الناس اليومية والوظيفية المعروفة، بل زاد في التعيين والتوظيف لأفراد لا علاقة لهم في الموقع الذي يحتلونه أو من الفاشلين في إدارته علميا ووظيفيا، وتم تعيينهم في لعب المحاصصة والتقسيم التحازبي والعائلي، وغيرها من الأمور التي ألحقت في الأجهزة الإدارية أضرارا غير قليلة، وأساءت إلى مسميات الدوائر أو المنظمات أو الأجهزة أو المؤسسات. ولعل بعض برامج النقل المباشر في عدد من القنوات الفضائية المحلية مع المواطنين في الشارع مباشرة تعطي بعض الصور عن الواقع المزري فيها، ويتطلب من السلطات المسؤولة متابعتها والرد على الاستفسارات والطلبات والمواضيع التي يثيرها المواطنون مباشرة، بالصوت والصورة والوثيقة واللوعة الإنسانية المحرجة والمخجلة لأي إنسان طبيعي.
كثير من المعاملات التي يحتاجها المواطن تكتب باليد، رغم كل التطورات التقنية في آلات الكتابة والنشر والإنترنت، فيقع فيها الكثير من الأخطاء في الكتابة، وإذا أراد التصحيح فيجبر على العودة إلى المربع الأول في الطلب والمراجعات والسجلات والمساومات، والأبشع فيها المطالبة بموافقة الوزير المختص لتلك الظاهرة، وتتكرر هذه الإجراءات البيروقراطية والروتينية وتأكل من المواطن وقته وماله وصبره ورؤيته لبلده الذي يتراجع حتى عما كان عليه قبل سنوات. إضافة إلى جهل أو فقدان معرفة ما يتعلق بالعمل وخدمة المواطن. موظف لا يكتب إلا بخط يده في طلبات مطبوعة ومخططة، وآخر لا يعرف قوانين الهجرة واتفاقية جنيف لعام 1951 للاجئين السياسيين ولا متعلقاتها وتعديلاتها وهو من الذين يقررون قبول معاملة أو ملف الهجرة أو رفضها لمن عانى بقدر عمره الزمني. فضلا عن الفساد الآخر، المالي، والنهب للثروات والخيرات والتبذير والهدر والضياع في أصول الصرف أو التخصيص، مع ما ينشر من أساليب لا يمكن أن تكون أو تحصل إلا في العراق الجديد..
هذا الفساد المعلن والمخفي، ومن باب الهزل، يتحدث عنه نواب في برلمان الشعب في تصريحات وبرامج تلفزيونية علنا، وعن مشاركتهم فيه دون خوف أو خشية أو وجل من ضمير أو رقيب أو حسيب. رغم وجود منظمات حكومية تحمل أسماء الشفافية والنزاهة والمراقبة وغيرها من التسميات فقط.
تضاف بالتأكيد لعوامل استمرار التظاهرات في العراق النسب العالية للعاطلين عن العمل بعد تخرجهم من المعاهد والكليات وغيرها، وهؤلاء بعمر الشباب، المتطلع للحياة والمستقبل، ويعتبر نفسه ثروة بشرية للوطن، وأدى ما عليه وينتظر أملا له في العمل والبناء. كما أن غياب روح التجديد والتغيير في البنى والرؤى المستقبلية للبلاد يعرقل عملية التحديث والتطوير وحتى البناء والتنمية البشرية والعمران، ما يخلق أجواء وبيئات جاهزة للاحتجاج والغضب وحتى لأبعد من ذلك. وهو ما يحصل فعليا في العراق الجديد، بعد الاحتلال والتآمر الأميركي عليه.
لذا نرى كل يوم تظاهرة أمام مباني الوزارات أو الدوائر المختصة والمتعلقة بالعمل. وتواجه أغلب الوزارات مطالب الشباب بالوعود والتحايل عليها، وكذلك المحافظات والمؤسسات المحلية الأخرى. وليس آخر التظاهرات للخريجين من مختلف الاختصاصات والمهن، بل وشملت المعلمين الذين لبوا نداء نقابتهم إلى الإضراب ليومين عن التعليم وتعطيل الدراسة، والتشديد على تلبية مطالبهم ببرمجة التوظيف وتحسين سلم الرواتب والاهتمام بظروف المباني والتخطيط لزيادة أعدادها وتطوير المناهج الدراسية واحترام الحقوق المشروعة.