4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 الوجود الامريكي في العراق اهدافهم واهدافنا
كاظم الحاج
راي اليوم بريطانيا

الاحتلال : حسب القانون الدولي يتحقق بوجود قوات عسكرية اجنبية على ارض دولة اخرى رغما عنها
في 20-3-2003 بدأت القوات الامريكية غزو العراق تحت عنوان” تحرير العراق”، في 1-5-2003 ، اعلن بوش انتهاء ما يسمى بتحرير العراق وانطلاق ” الحرب على الارهاب”.
في 22-5-2003 صدر قرار مجلس الامن رقم 1483 الذي حول القوات المحررة الى قوات محتلة، بعد سنة تقريبا صدر قرار مجلس الامن رقم 1546 في 8-6-2004 الذي غير المسمى الى قوات الاحتلال متعددة الجنسيات والتي تعمل في العراق بطلب من حكومته وبتجديد سنوي استمر حتى 28-12-2007 عندما اصدر مجلس الامن قراره رقم 1790 الذي جدد لها حتى 31-12-2008 بناء على طلب الحكومة العراقية.
مقاومة الشعب العراقي التي كبدت قوات الاحتلال بمختلف جنسياتها وخصوصا الامريكية منها الخسائر الجسيمة بالأرواح والمعدات، هي السبب الرئيسي والحقيقي لخروج القوات الامريكية وتوابعها من قوات الدول الاخرى من العراق.
استمرار الهيمنة …
ولان امريكا تريد استمرار هيمنتها على العراق فرضت على الحكومة العراقية نوع من الاتفاق سمي “اعلان المبادئ” الذي وقعه رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي وجورج بوش في عام 2007، وهو الاساس الذي بني عليه ” الاتفاق الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية ” المتكون من احدى عشر قسما؛ الاهم فيه بالنسبة لأمريكا القسم الثالث والذي حدد التعامل العسكري مع العراق وفق الاتفاقية الامنية SOFA والتي تنص في المادة الاولى ” المجال والغرض” :-” يحدد هذا الاتفاق الاحكام والمتطلبات الرئيسية التي تنظم الوجود المؤقت لقوات الولايات المتحدة في العراق وانشطتها فيه وانسحابها من العراق”.
ردع المخاطر الامنية …
عنوان المادة السابعة والعشرون من الاتفاقية الامنية والتي الزمت في الفقرة الاولى منها امريكا باتخاذ الاجراءات المناسبة التي تشمل الاجراءات الدبلوماسية او الاقتصادية او العسكرية او اي اجراء اخر لردع اي تهديد خارجي او داخلي يتعرض له العراق او وقوع عدون ما عليه.
وهذا مالم تفعله امريكا عندما استولت داعش بتخطيطها ودعمها على عدة محافظات ووصلت الى اطراف العاصمة بغداد، بل انها غدرت بالحكومة العراقية ومن وثق بها من الشخصيات والكتل السياسية التي كانت تراهن عليها.
بينما الفقرة الثانية من هذه المادة والخاصة بما يسمى التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الامن العراقية، فقد ركزت عليها لأنها الخطوة الاولى التي انطلقت منها لإبقاء قواتها في العراق واقامة قواعد عسكرية قتالية تمددت بعد عام 2014 لتشمل اغلب محافظات العراق.
سيناريو هوليوودي…
من حسنات ترامب ان كانت له حسنات انه كشف المتبقي من حقيقة صناعة داعش عندما قال في 10-8-2016 ان داعش صناعة امريكية وبتأسيس اوباما وشراكة هيلاري كلينتون.
في 10-6-2014 وبسيناريو هوليوودي ادُخلت داعش الى العراق وسلمت لها الموصل وصلاح الدين واجزاء من ديالى حتى وصلت الى حدود العاصمة الشمالية، عندها طلبت العراق تطبيق بنود الاتفاقية الامنية وتحديدا المادة السابعة والعشرون، الا ان الامريكان رفضوا ذلك وقالوا للحكومة العراقية لن نتدخل الا بقرار من مجلس الامن الدولي وتحت الفصل السابع.
في 15-8-2014 اصدر مجلس الامن القرار رقم 2170 تحت الفصل السابع والذي اعادة قوات الاحتلال الامريكي للعراق مع انشاء ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش ( قوات متعددة الجنسيات ) بمعنى العودة الى القرار رقم 1546 في 8-6-2004.
الاهـــــــــداف :-
احتلال الثاني …
منذ 10-6-2014 بدأت القوات الامريكية تنفيذ مخطط الاحتلال الثاني للعراق من خلال ادخال قواتها الى بغداد واربيل، وخلال فترة محاربة العراقيين لداعش، القوات الامريكية احتلت اراضي عراقية وتوسعت فيها، فهي اليوم تمتلك (31) قاعدة ومعسكر ومحطة ثابتة ومتحركة وما لا يقل عن (34000) عنصر مقاتل، عدد القواعد التي تحتوي على مطارات سبعة هي قاعدة عين الاسد-الحبانية-المطار-التاجي-بلد-القيارة وحرير، الاباتشي والشينوك هي الطائرات المتواجدة في هذه القواعد، العدد الاكبر من القوات الامريكية في قلب بغداد وتحديدا في التاجي – المطار- المنطقة الخضراء ومحيط بغداد ، كافة انواع الصنوف القتالية متواجدة واخطرها القوات الخاصة الامريكية (المجوقلة)، وابرز مهام هذه القوات هي تطويق المدن وتأمين الانقلاب على النظام السياسي المستهدف، هذا فضلا عن القوات الاسترالية والفرنسية وباقي قوات ما يسمى بالتحالف الدولي وقوات الناتو، واقعا كل هذه القوات وعلى رأسها الامريكية هي قوات احتلال لها اهدافها التي تعمل لتحقيقها.
الاعتداء على دول الجوار…
تصريحات ترامب في قاعدة عين الاسد بتاريخ 26-12-2018 ، وفي تصريحات اخرى له لشبكة سي بي اس بتاريخ 2-2-2019 حدد الهدف من وجود هذه القوات بالاعتداء على سوريا والتجسس على ايران‘ هذه مهامها الخارجية والتي تتقاطع مع الدستور العراقي وتحديدا المادة السابعة ثانيا، والمادة ثامنا منه، والهدف الرئيسي للاعتداء والتجسس على دول الجوار العراقي هو حماية الكيان الاسرائيلي.
داعش والمرتزقة…
لجنة الامن والدفاع البرلمانية السابقة والحالية مع اغلب القيادات الامنية تؤكد ان القوات الامريكية تنقل وتدرب وتسلح وتدعم الدواعش في سورية والعراق، وهي الان تعمل بخط ثاني موازي وهو تجنيد مرتزقة يحملون الجنسية العراقية وتدريبهم وتسلحهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وفي وقت لاحق سيكون الانتقال الى المرحلة القادمة المبنية على تحقيق هدفين لقوات الاحتلال، الاول استهداف المدن واستقرارها بالدواعش، والتصادم مع القوات الامنية وخصوصا الحشد الشعبي بواسطة المرتزقة.
برلمان شجاع وحكومة قوية …
المخطط الامريكي متعدد السيناريوهات للمنطقة عموما وللعراق خصوصا اصبح واضحا جدا ومفتاح خريطة تطبيقه اشد وضوحا منه، لذلك العراق يحتاج ان يكون برلمانه على مستوى مواجهة هذا المخطط وبشجاعة المقاومين الذين يشكلون جزء كبير ومهم من مجلس النواب، واحدى وجوه هذه الشجاعة الذهاب بقوة وبحزم لإصدار قانون اخراج القوات الاجنبية وعلى رأسها القوات الامريكية، بسقف زمني ملزم للحكومة التي يجب عليها ان تكون حازمة وقوية بتنفيذ ارادة الشعب العراقي بالتوجه اولا وفق الاطر الدبلوماسية للقوات الاجنبية بقرار الطرد، وحتما ان القوات الامريكية سوف لن تقبله او تنفذه وعندها لكل حادث حديث.
شعب واعي حشد باقي عراق مستقل …
الفتنة (بكل انواعها) اهم سلاح تستخدمه امريكا لتنفيذ مخططاتها في اي مكان في العالم ومنه العراق، الا ان مرحلة مقاومة الاحتلال الامريكي والانتصار عليه في 2011، ومرحلة محاربة داعش والانتصار العسكري عليه في 2017، وكل التجارب التي مرت على الشعب العراقي قبلهما او فيهما او مما سيأتي بعدهما، اعطت الدروس الكبيرة في الوعي، وظهرت فيها مصاديق كثيرة للوطنية والانتماء للأرض والتضحية من اجل العراقيين، كل هذه التجارب وغيرها خلقت لدى العراقيين وعي مبني على اسس وطنية صحيحة هو اساس التعامل مع المتغيرات في كافة الاصعدة ، والحفاظ على ما تم انجازه وعدم جعل التضحيات الكبيرة التي قدموها تذهب سدى خصوصا في بقاء العراق دولة واحدة قوية مستقلة.
2 عناصر هلاك” عرض تشكيلي من البصرة
وارد بدر السالم
العرب بريطانيا

مؤسسة “رؤيا” أول كاليري للفن التشكيلي يُفتتح في شارع المتنبي الثقافي بأقل مساحة ممكنة لا يكفي حائطها غير بضع لوحات صغيرة أو متوسطة الحجم ولا تتسع لزوارٍ كثيرين إلا لبضعة أنفار، وتنطلق هذه المؤسسة من رؤية أساسية في تشجيع النشاط الفني والعمل على دعم المشاريع المحلية وإحياء سلسلة من النشاطات الثقافية المشتركة التي من شأنها أن تساهم في تطوير المجتمع المدني كما جاء في رؤيا “رؤيا”.
قد أطلقت المؤسسة اسم “دكّانة” على هذا الكاليري، أي أصغر من دكان أو حانوت، وهذه المساحة الصغيرة (3 × 3 متر) تكفي لفكرة كبيرة تعرض جانبا من الحياة العراقية في ظل أسوأ ظروفها السياسية والاجتماعية، وفي أول عرض لها اختارت “رؤيا” الفنان البَصْري هاشم تايه ليقدم سبع لوحات حملت عنوان “عناصر الهلاك” التي تحاكي الأزمات الكبيرة التي تعاني منها مدينة البصرة والتي جاءت مخاضا عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة كعلامة إنذار في مواجهة الكارثة البيئية والإنسانية.
وتقدم “رؤيا” هذا الفنان لما تحمله أعماله التشكيلية من علامات دالّة على الكارثة البيئية في جو وطني غارق في العنف السياسي.
ولهذا فإن مجمل أعمال الفنان جاءت من جسد مريض تمكن من تشخيصه الفنان كونه ابن المدينة وقد عايش انقلابات الحالة فيها، واكتنزت لوحاته في موضوع البيئة التي تشكل خطرا مزدوجا على الحياة بالكثير من هواجس الشك والحزن والترقب، لا سيما وأن لوحاته قريبة من هذا التشخيص باستعماله القمامة الورقية والكارتونية المهملة وما تقذفه مخلفات الطمر الصحي والعشوائيات التي لا ينتبه الناس إليها، في محاولة لخلق عالم جديد من الأشياء عديمة الفائدة والأشخاص من ذوي الوجوه المشوهة، ولهذا فإن أغلب لوحاته كانت كالحة بلا ألوان براقة أو جاذبة وفيها الكثير من الحزن واليأس، وهذا تعبير مباشر ربما عن التشويه الخلقي الذي وصلت إليه المدينة عندما شُوّه مناخها وبيئتها وتضاريسها بسبب الجهل الذي تعيشه البصرة، في إشارات متصلة عن فقدان الناس للحس الاجتماعي المشترك الذي أوصل البصرة إلى هذه الحالة المأساوية.
وحتى تلك الوجوه المشوهة التي تعرضها لوحاته هي الميل إلى تشخيص المسوخ السياسية التي عبثت وتعبث في حاضرة العراق البصرة، وهي مسوخ سياسية – دينية مزدوجة الملامح في الاستحواذ على مدينة مكتنزة بالتاريخ والعلم والمعرفة.
معرض

المعرض احتوى على لوحات رؤيوية ذات طابع كابوسيالمعرض احتوى على لوحات رؤيوية ذات طابع كابوسي
مشكلة المياه التي تسببت في اندلاع ثورة عارمة في المدينة يفسرها الفنان هاشم تايه عبر لوحاته على أنها موقفه من الكارثة البيئية التي تهدد مدينته وتهدد أشكال الحياة فيها من جفاف وتصحّر ووجود نفسي يتأثر بالمتغيرات المناخية الكبيرة، لهذا فأعماله تتعاضد وتتضامن بتنوعات تعبيراتها الجمالية عن أكثر من مشكلة تضرب في روح البصرة ومستوياتها الاجتماعية التي لا تزال تعاني من آثار التخريب والإهمال.
وفي “عناصر الهلاك” تتجسد هذه الرؤيا التي وثقها الفنان من المادة المهملة والأشياء البسيطة المتروكة التي لا تلفت الأنظار إليها (بقايا الورق – الكارتون) لإيصال رسالة جمالية – فنية تشير إلى الخراب البَصْري من زوايا متعددة ليس أقلها الخراب التحتي الذي طال البصرة وأجهز على قيمتها الاعتبارية والتاريخية.
بطاقة فنية
الفنان هاشم تايه من مواليد البصرة سنة 1948
أقام عددا من المعارض الشخصية في البصرة وبغداد في الأعوام 1974، 1976، 1989، 1992.
آخر معرض له حمل عنوان “نفايات” عام 2007 ضم 24 منحوتا مستخدما خامات غير تقليدية.
ويمارس هواية التصوير الفوتوغرافي ويكتب القصة القصيرة والشعر والنقد التشكيلي، وهو أحد فناني البصرة الذين لهم دور بارز في تأكيد العلاقة بين الفن والحياة اليومية.

3 أهمية زيارة الغانم للعراق عبدالمحسن محمد الحسيني الانباء الكويتية

قام رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بزيارة رسمية إلى العراق بناء على توجيهات سامية من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، في إطار حرص سموه على استكمال الأنشطة السياسية التي تقوم بها الكويت تجاه العراق لمساعدته في مواجهة العناصر المندسة التي تستغل ما يعاني منه العراق من تحديات مختلفة.
وقد أوفد صاحب السمو هذه المرة رئيس مجلس الأمة كممثل عن الشعب الكويتي الذي يهمه أن يكون امتداد العراق إلى داخل الوطن العربي وضياع الفرصة أمام من يريد أن يهيمن على العراق باسم الطائفية، وهي لا شك خطوة صحيحة في اتجاه المحافظة على المد العربي في العراق ليعود سندا للتضامن العربي.
وكان صاحب السمو قد أعلن خلال المؤتمر العربي – الأوروبي في شرم الشيخ ضرورة التعاون مع أوروبا من أجل إنجاز السلام المنشود في منطقة الشرق الأوسط، وأشار سموه إلى أن حل القضية الفلسطينية يأتي في مقدمة المساعي من أجل إنجاز السلام في المنطقة، ولا شك أن زيارة الرئيس الغانم للعراق تأتي في إطار مجهودات الكويت لحماية التضامن العربي وعدم السماح لمحاولة البعض للسعي نحو اختراق هذا التضامن.
وكما عهدنا من الرئيس الغانم مواقفه السياسية تجاه قضايا الأمة العربية فهو من أكثر المسؤولين تحمسا لدعم كل المساعي للمحافظة على تماسك التضامن والتعاون العربي والالتفاف حول القضية الفلسطينية التي تعتبر مفتاح الطريق إلى إنجاز سلام الشرق الأوسط، ان هذه الجهود السياسية التي يقوم بها الرئيس الغانم وبتوجيهات صاحب السمو ستضع الكويت من الدول المؤثرة في نشاطات السياسات على المستويين الإقليمي والدولي.. وتواجدها هذا هو الذي اكسبها احترام العالم للموقف الكويتي وموقف أميرها الداعم بصورة مستمرة لكل القضايا ومساعيها في حل الخلافات بين الدول وفي مقدمتها الخلاف الخليجي الذي نال من خلال موقفها قبول العالم للجهد الكويتي وترشيح صاحب السمو لقيادة المفاوضات السياسية للوصول إلى حلول مقبولة لدى كل الأطراف المعنية كذلك تتحرك الكويت وبدون أي تراجع في دعم القضية الفلسطينية، وهذا ما أكد عليه صاحب السمو في مؤتمر شرم الشيخ.
الآمال معقودة على دور الرئيس الغانم في تصفية الأجواء العربية ودعمه المتواصل للمواقف العربية التي ستقف بالمرصاد لكل من يحاول اختراق المد العراقي إلى داخل الوطن العربي وإضاعة فرصة من يحاول استغلال تداخلاته داخل العراق لتكريس الطائفية البغيضة.. وتمنياتنا بالتوفيق للرئيس مرزوق الغانم في مساعيه لصالح الأمة العربية.
4 افهموا العراق كما هو خالد حسين الشطي
الجريدة الكويتية

يبني علماء الاجتماع ويمضي الفلاسفة والحكماء على أن للأمم والشعوب أرواحاً، وللبلدان والأوطان سمات وخصالاً، تخلق لها شخصيات وتظهر في كيانات معنوية أقرب إلى الروحيات، ولا سيما الموغلة منها في الحضارة والعراقة، فكيف بمن استل اسمه منها واندكّ وجوده واضمحل فيها، حتى عاد رمزاً لها وعنواناً؟
وأمام العراق، لا بد من حكمة في التعاطي وعمق في الفهم، وبُعد عن المكابرة ونأي عن الارتجال… وأول ما يلوح لك هنا من روح العراق وشخصيته، هو هويته، القبول بها نزولاً على الحق وإيماناً به، أو الإذعان والتسليم لها مجاراة للواقع وأخذاً بالأسباب.
الهوية التي صبغته، واضطرت كلَّ حكّامه لمراعاتها وحملتهم على التماهي معها، إما إخلاصاً وصدقاً أو كُرهاً واحتيالاً، من خلفاء بني العباس الذين ادَّعوا الدخول في أهل البيت ووظفوا نسبهم الهاشمي لذلك، حتى المغول أنفسهم والإليخانيين ثم الصفويين، الذين اندكوا في الهوية وتطابقوا معها، وانتهاء بملوك الحجاز «الهاشميين» فيصل وغازي (أما العثمانيون فلم يكونوا حكاماً للعراق بقدر ما كانوا استعماراً عاماً للمنطقة والبلاد العربية ككل)… كلهم انطلقوا من أن العراق هو عراق المقدسات وعراق التشيّع لآل محمد، الذي يحمل من التمدن والتحضر والزخم العاطفي وسعة الصدر ما يطيق تعدد المذاهب ويفسح لجميع الفرق الإسلامية، بل يسع الأديان الأخرى من مسيحية ويهودية وصابئة ويرحب بها.
الوحيد الذي تعالى على هوية العراق وازدراها هو صدام. ولم يكتف بذلك حتى عمد لمسخها وسعى إلى تغييرها في عمليات ديمغرافية نوعية، تعيد التركيبة السكانية وتقلبها، بما يزيل الهوية التاريخية للعراق منذ ظهور الإسلام! فكان كمن يردم بحراً بل محيطاً بمجرفة، ويهدّ جبلاً، بل سلسلة جبال، بمعول! وهذا بالتحديد كان السبب الأعمق والسر الأبعد لسقوط نظامه وهلاكه.
وهنا علينا أن نتوقف، ونهمس في آذان من يهمهم الأمر، ممن شمَّر عن ساعده وأقبل، وكشف عن ساقه وتحزَّم، أن «ائتوا البيوت من أبوابها»… إنَّ الدخول إلى العراق من «البوابة العربية» عبر خطاب يستبطن ملء الفراغ بما يحول دون الامتداد الفارسي، هو المقولة الصدامية والنظرية البعثية بعينها، وهي فلسفة «البوابة الشرقية» التي جرَّت على العراق والمنطقة ما جرَّت.
علينا أن نخرج من «عُقدتنا» ونتعاطى بما يتجاوز محنتنا، ونتفهم الحقائق التاريخية والجغرافية كما هي، ونرى الأمور من خلال ما تفرزه معطيات الساحة ومخرجات الواقع المعيش… وقد يفاجأ جملة من السياسيين، بل القادة العرب، الذين غلبهم الإعلام وأخذهم التلقين، وقُل إن شئت دس الرأس في التراب، من هذا الظهور الصارخ للشعائر الدينية الشيعية، وتصدمهم القدرة على هذه التعبئة المليونية السنوية، والحضور الجماهيري الكاسح، الذي يمسح العراق من أقصاه إلى أدناه براية «الحسين» الحمراء.. ولكن هذا ليس لنا نحن في الكويت، الجيرة الأقرب إلى ضلعي المثلث الذي يعتصرنا: العراق وإيران، بل حتى الضلع الثالث في امتداده الساحلي ومنطقته الشرقية، فنحن نعرف جيداً أن هذه هي الهوية الحقيقية للمنطقة، وهذا هو الواقع الذي عجزت مطحنة الحروب المتلاحقة، وأخفقت السجون والمعتقلات، وعجز الاضطهاد والتنكيل وحتى المقابر الجماعية، وفشلت سياسات التهجير القسري وعمليات التغيير الديمغرافي… عن أن تمسها وتنال منها، بقي العراق كما كان، بل ازداد تألقاً وإشراقاً.
وهذه هي الرؤية والسياسة التي كانت تحملها دولة الكويت، قبل التوغل التكفيري، ونماء التيار الديني، والسقوط في هاوية التطرف، الذي أنزل بالبعض لوثة عقلية وألحق بآخرين العمى والصمم! ولو عدنا لأرشيف علاقتنا بالعراق، لطالعتنا أول ما طالعتنا صور حكام الكويت ورجالاتها في زيارات للعتبات المقدسة. ومما علينا فهمه واستيعابه، أن عبدالله أو صباح السالم لم يذهبا لزيارة العتبات المقدسة من فراغ، ولم يحملا الهدايا والقربات من تشيُّع لعليّ أو ولاء للحسين! بل من فهم وتعاطٍ استراتيجي، وحكمة تفرض تجاوز التعصب المذهبي والحقد التكفيري، والنظر في مصلحة الكويت قبل كل شيء، التي تفرض احترام الجار، وأولى مراتب الاحترام هي النزول على هويته والاعتراف بشخصيته. ولو كان العراقيون الحقيقيون يملكون أمرهم، وكانت أيديهم مبسوطة، وكان الاضطهاد عنهم محسوراً، لما كانت مطالبات عبدالكريم قاسم لتكون، ولا حادثة «الصامتة» لتقع، ولا كان الغزو الصدامي ليجري، لكنها الأيدي التي غيَّبت الشعب، وراحت تغذيه عبر إعلام شمولي، صوَّر لها ما شاءت، وساقها نحو ما أرادت.
العراقيون كرماء، بل في صدارة العرب كرماً دون منازع، وعاطفيون لقلوب ملأها حب أهل البيت ومعايشة ظلاماتهم، تتفوق فيهم الأريحية ويغلبهم الحياء، ولا يهزمهم شيء ويُشعرهم بالعجز إلا الإحسان. وهم متسامحون في كل شيء، إلا في هويتهم وكرامتهم، ومذهبهم أمر في صميم هويتهم، فالعراق عندهم لا يُذكر إلا مضافاً إليه المقدسات، إنه عراق المقدسات، عراق العتبات، عراق علي والحسين، من سامراء الى النجف وكربلاء، وفي القلب بغداد، رايات رفعتها سواعد فتية آمنوا بربهم، وسقيت بأنهار من دمائهم، والرجال لا يتخلون عن راياتهم.
في رأيي المتواضع أننا تأخرنا كثيراً في الانفتاح على العراق، وإن كان العذر في عدم الاستقرار، فإن أبواب التدخل في الحقل الاجتماعي، الرافد الأصلي للميدان السياسي، كانت مشرعة، ولا سيما عن طريق المرجعية الشيعية التي كانت وما زالت منفتحة على الكويت بشكل كبير، ويبدو أنها حفظت لها عدم تلوثها المباشر بملف الإرهاب، وعدم تدخّلها بما يفتت الساحة ويعقِّدها ويزيد من تأجيج الصراعات فيها.
عموماً، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً… لكن علينا أن نعرف من أي الأبواب ندخل، وكيف عسانا أن نكسب هذا الشعب، فهو الثروة الحقيقية، قبل الصفقات وتكوين الأسواق التجارية وخلق التكامل الاقتصادي الذي يولد حرصاً متبادلاً يبعث على الاستقرار، فإن الضمانة الأولى والأخيرة هي بناء سد من الرفاهية والنعيم الذي يجب أن يعيشه العراقي (ولا سيما في جنوبه)، مما يجعله يزهد في الهجرة إلى الكويت، ناهيك بغزوها واحتلالها.