4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 جحيم الأطباء والمرضى
فاروق يوسف العرب بريطانيا
الأطباء في العراق في جحيم بعد أن عاشوا لعقود في نعيم، كونهم فئة ميسورة. فهم اليوم يمارسون مهنتهم في ظل غياب سلطة تحميهم من مزاج عشائري لا يقيم اعتبارا لمعنى أن يكون المرء طبيبا.
في سياق ذلك المزاج فإن الطبيب هو القادر على منع الموت. أما إذا وقع الموت فإنه سيكون مسؤولا عنه فيستحق العقاب. ذلك هو السيف المسلط على رقاب مَن تبقى من الأطباء في العراق. سيكون على الطبيب أن يحيي الموتى وإلا فإن مصيره القتل.
في المقابل فإن الفقراء يعانون من الابتزاز الذي صار الأطباء يمارسونه في ظل انهيار القطاع الصحي الحكومي وغياب الرقابة. فالدولة لم تعد معنية بتكاليف علاج المرضى وصار الأطباء يتفننون في ابتكار الوسائل التي يحصلون من خلالها على أموال طائلة، ستجلب عليهم النقمة والحسد.
في الحالين فإن التوتر هو ما يميز العلاقة بين الطبيب والمريض في بلد هرب منه الأطباء إلى بلدان اللجوء التي صارت مستشفياتها تغص بالأطباء العراقيين. وهو ما كان متوقعا بعد أن اعتبرت الميليشيات الموالية لإيران بعد عام 2003 الأطباء هدفا للقتل.
لقد تعرض عدد من الأطباء العراقيين المشهورين للقتل فكان ذلك إيذانا بالهجرة. أما مَن تبقى في العراق من الأطباء فهو إما اختار أن يمارس مهنا أخرى كالعمل في تجارة الأدوية أو أن يحتمي بواحد من الأحزاب الدينية الحاكمة أو بميليشيا تحصل على جزء من إيرادات عيادته.
ولقد ساعد نظام المحاصصة الطائفية على أن يأخذ الفساد في وزارة الصحة طابعا شبه قانوني، حيث شكلت إيرادات الوزارة مصدر تمويل لأحد الأحزاب الذي كانت الوزارة من حصته. وهو ما دفع الوزيرة عديلة الحمود إلى فرض رسوم على زيارة المرضى. وقد ذاع صيت تلك الوزيرة بسبب صفقة لاستيراد أحذية لغرف العمليات حامت حولها شبهة الفساد.
وفي مجال آخر فإن علاج المرضى خارج العراق (في إيران والهند وتركيا) هو الآخر يخضع لشروط طائفية، صارت اللجان الطبية تضعها في اعتبارها. كل تلك المعطيات تؤكد أن انهيار القطاع الصحي قد شمل بتأثيراته السلبية المرضى والأطباء معا. فالمرضى يتهمون الأطباء بالفساد فيما يضع الأطباء أيديهم على قلوبهم خشية أن تقودهم مهنتهم إلى الموت.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 إقليم الموصل.. استغاثة لإنقاذ العراق
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

الموصل بكل جمالها وربيعها وإنسانيتها وتاريخها وعروبتها، وبما تعرضت له في الماضي والحاضر من أزمات وكوارث وحصار وجوع وجرائم وإبادات مروعة، إلا أنها لم تنحز إلى الوجه المظلم والكئيب من شخصيتها، بل اختارت أن تقاوم أقسى الظروف وأن لا تستسلم لما يراد لها ضمن أجندة المشروع الإيراني المقيت الذي لم ولن يكتفي بما خلفه احتلال تنظيم داعش لها بتلك المهزلة من التوافقات السياسية والإملاءات الطائفية والتخادم السياسي للإيقاع بالموصل في مستنقع الإرهاب، ثم ازدواجية التحرير والتدمير.
كان المطلوب، كما تتضح الإجراءات والنيات لحكومة المركز وقوات الحشد “الشعبي” ومعهم قوى تنفيذية أخرى مدفوعة طائفياً، مصادرة مستقبل المدينة وتهشيم بقايا مجتمعها بما يقترب من صورة سرقة رجل مسجّى بعد إصابته بغيبوبة إثر حادث عرضي، بدلاً من إسعافه وإعادته إلى الحياة.
تناسق غريب في عزف جوقة من السياسيين ورجال الدين والأحزاب والميليشيات والإعلاميين، وإن كانوا متفرقين ومتباعدين في المكان والتوقيتات، لكنهم اجتمعوا على طعن الموصل رغم وهنها ومعاناتها من التخريب والموت وحجم الإهانة التي لحقت بها بذات اللعبة والسياق للتغيير الديموغرافي بالضغط على العصب الطائفي بالمزيد من الإجراءات الإدارية وآخرها فرض الضرائب، وبأثر رجعي لاستيفاء ما تراكم منها خلال سنوات احتلال تنظيم داعش للموصل، على العقارات والمباني والمشاريع الصغيرة من محلات الباعة والكسبة، وجزء كبير منها مهدم بالعمليات الحربية ومن بين أصحابها من قُتل أو فقد أفرادا من عائلته.
لا عجب أن يكون هذا مقدمة تمهد لقرار تنفيذي بإيقاف الإجراء الضريبي أو إلغائه لفترة الاحتلال فقط، لغرض التغطية على حصص الموازنة المشينة وفوارق التخصيصات التي وضعت محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، وهي مناطق منكوبة، مجتمعة بما يعادل ميزانية محافظة أخرى، وهي محاولة مكشوفة لإيصال رسائل عقاب جماعي طائفي إضافة إلى شحن المحافظات الأخرى بسياسة المفاضلة واحتكار السلطة والمال الذي يتسرب عادة إلى الأحزاب المتنفذة ويكون عرضة للشد والجذب والاتهام والإقالة حد الاشتباكات وما تسببت به من تعطيل انتخاب مجالس المحافظات.
هجوم ممنهج على الموصل وأهلها بنقص الخدمات وتأجيل حركة الإعمار في مدينة ضربت الأرقام القياسية في كميات الأنقاض ومخلفات عبوات الحرب غير المنفلقة في البيوت والأزقة والساحات، إضافة إلى الجثث والجسور المهدمة.
يتحجج بعضهم بسياسة الإبقاء على الموصل المدمرة باعتبارها عهدة عالمية تقع على ذمة دول التحالف والمجتمع الدولي، وبانتظار التعهدات المالية للدول المانحة المشاركة في مؤتمر الكويت التي لم يصل منها شيء يذكر لفشل الأداء الحكومي وتعدد مصادر السلطة بما ترك الباب مفتوحاً أمام فقدان الثقة في شفافية التصرف بالأموال ومخاوف انعدام الأمن الذي تساهم الدولة في الترويج له انخفاضا وصعودا على مقياس توصيات ولاية الفقيه الصريحة التي عجلت في حل معضلة موازنة إقليم كردستان مع حكومة بغداد في إطار إستراتيجية الصراع مع النفوذ الأميركي في الإقليم.
الحديث عن فترة زمنية مشابهة لما عاشته الموصل قبل احتلال تنظيم داعش لا يجانبه الصواب رغم أنه يضرب عصفورين بحجر من زاوية رؤية الحشد الميليشياوي وما ينفذه على أرض الموصل بتهيئة الأجواء المناسبة لاستملاك البيوت والعقارات والأراضي على طريقة مص دماء هؤلاء الجياع والمحتاجين والعاطلين عن العمل لمقايضتهم بأموال زهيدة مقابل بيوتهم المهدمة أو الآيلة إلى السقوط، بما يشجعهم على طلب الهجرة واللجوء خلاصاً من واقع مرير واحتمالات صراعات غاية في الخطورة ملامحها تتضح في الاختطافات والاغتيالات وارتفاع نبرة نظرية المؤامرة بين الأطراف المسلحة في المناطق المتنازع عليها، وسط موجة تنقيب عن ثغرات تعريب أو تكريد سابقة، وتنقيب آخر عن استدلال شركات عالمية على ثروات طبيعية ستقلب الكثير من المعادلات الاقتصادية التي صارت درعاً واقياً بيد هؤلاء الذين تصدح حناجرهم بالولاء للولي الفقيه، ولا يتأخرون لحظة واحدة عن تعميق جراح الموصل باستخدام أدواتهم التقليدية لغرس مأساة المدينة وما تحيا به من كوارث كسلاح للمِنّة والإذلال، لأنها تمثل أكبر نسبة إنتاج للنفط ولا تحظى بنعيم ثرواتها، في محاولة للتغطية على فسادهم وتغول خطابهم الطائفي وسيطرة ميليشياتهم الإيرانية على مقدرات البصرة.
للعراقيين فرصة للتوحد على مذبح مدينة الموصل، خاصة وأن 50 أو أكثر من رؤوس بناتنا الأيزيديات عثرت عليها القوات البريطانية في منطقة الباغوز السورية المحاذية للحدود العراقية، ومن هذا الوجع الملحمي المتكرر الذي تسعى الأجندات، وبالذات الإيرانية المتغلغلة في السلطة والسلاح والبرلمان لأن يكون أدوات تفرقة وتناحر واضعة أسباب فشلها الممنهج والمتعمد في سلة المال وتوزيع الثروات بعد أن استنفدت البعض من محتوى سلال دماء الأبرياء والاقتصاد والمحاصصة والتجهيل والإرهاب في تماه مع إرادة وحاجات النظام الإيراني في هذا التوقيت الحرج الذي تتكشف فيه كل يوم مخاطر الإفلات من العقاب المستمر على الجرائم والهوس بتعاليم ولاية دموية لعل أكبر شواهدها ما أقدم عليه الخميني أثناء الأيام الأخيرة من قرار تجرعه السم بإيقاف إطلاق النار في الحرب الإيرانية ضد العراق، تنفيساً عن غضبه، عندما أقدم على إصدار فتوى بإعدام أكثر من خمسة آلاف مواطن إيراني معظمهم من الشباب الذين يعتقد أنهم يشكلون طابوراً من المعارضين لسياساته.
العراقيون الأصلاء من شعبنا في الموصل وبعد ما حصل لهم، وصلوا إلى طريق مسدود ويأس مطبق من معالجات حكومة محلية أو حكومة مركزية، أو دور إقليمي لإنقاذهم أو مجتمع دولي ومنظمات أممية تنتشلهم من مرارة الموت والإهانة والاستهداف المبرمج لهويتهم ووجودهم وكرامتهم، وذلك أمر يتعلق بجميع أهل الموصل من مسلمين ومسيحيين وأيزيديين وشبك وكل من احتضنتهم الموصل.
لذلك ثمة روح تتنازع من أجل البقاء وتراوغ كي لا تجرح الآخرين لأن جرح العراقيين ليس من شيمها، لكن الموصل تريد أن توصل صوتها أو احتضارها من خلال خليط دعوة صفوة من أبنائها لإقامة إقليم دستوري إداري، ونحن أدرى أنها رسالة استغاثة للعالم كما تستغيث البصرة وكربلاء والناصرية أو الأنبار، أو كما تستغيث بغداد.
لهذا على الموغلين في ثلم كرامة الموصل من غلاة المشروع الإيراني في العراق أن يتحسبوا ليوم عراقي بكل معنى الكلمة، يقول كلمته الفصل في الاحتلال برمته، وليس فقط في كبار الفاسدين الذين سلموا الموصل مقابل صفقات مشبوهة إلى الإرهاب، وفعلوها مع البصرة وغيرها من مدن الجنوب عندما تم تسليمها إلى أحزاب إيران وميليشياتها.
بعد أن وصلنا في العراق إلى نقطة اللاعودة واللاتعايش مع مشاريع الاحتلال وفوضى الميليشيات الإيرانية ونظام المحاصصة المستشري في مفاصل الدولة، ماذا تعني لنا الموصل أو البصرة أو الدعوة إلى الأقاليم سوى استغاثة من أجل تحرير العراق.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 «داعش» والعودة إلى المنفى رضوان السيد
الشرق الاوسط السعودية

منذ عدة أسابيع يتوالى خروج الآلاف من «خلافة» «داعش» (قرية الباغوز بشرق سوريا) التي تصاغرت وتضاءلت حتى ما عادت تتجاوز حدود القرية الواحدة. يخرج السكان أولاً كأنهم خارجون من القبور، ويتبعهم المقاتلون الأشاوس فيزيد المشهد غربة ووحشة ومأساوية. وتقول الدعاية المعادية لـ«داعش» إنّ النساء والأطفال هؤلاء كانوا محتجزين دروعاً بشرية ليحتمي بهم الدواعش. لكنّ المتأمل لهؤلاء وهم يخرجون مترددين وضائعين كأنهم كانوا في مغاور معتمة، يحسب أنهم إنما خرجوا مرغمين: كأنهم يُساقون إلى الموت وهم ينظرون، بحسب وصف القرآن لأحد مشاهد يوم القيامة، أو كما يصف دانتي ذُعْر الذين يُراد رمْيُهُم في الجحيم!
فلنتذكر أمرين: أنّ هذه المشاهد رأيناها لملايين اللاجئين السوريين إلى لبنان والأردن وتركيا، على وجه الخصوص خلال ست أو سبع سنوات. والأمر الآخر: أنّ اللاجئين بشكلٍ عامٍ، وليس في جميع أنحاء العالم، بل في أفريقيا وآسيا على وجه الخصوص، يبدون على هذا البؤس واليأس واستنفاد الحياة في الأجساد والأنفس والأرواح! ما كانوا يملكون في الأصل إلاّ أقلّ القليل، مثلما خلَّفوه وراءهم وهم هاربون سيطر عليهم البؤس والذل، ولأنّ الخوف على الحياة هو الذي دفعهم إلى المنفى دفعاً فقد فقدوا الإحساس بالكرامة.
كل ذلك ونحن نتحدث عن الضحايا، فماذا عن الجزارين والجلّادين وشياطين الموت والخراب، والذين تكاثروا خلال العقود الأخيرة في العراق وسوريا والصومال وليبيا وبلدان الساحل ونيجيريا… إلخ.
هؤلاء صنفان كبيران: صنف أصحاب السلطة، وصنف الميليشيات الساعية للسلطة. والصنف الأول ينقسم إلى أجزاء أهمها: أهل السلطة بالداخل، والقوى الإقليمية والدولية التي تعاونهم أو تعاون خصومهم. أما أهل السلطة بالدواخل والذين قتلوا وهجّروا الملايين فيصعُبُ بالفعل فهمُ دوافعهم وقدراتهم الذاتية والمستعارة، وأحاسيسهم البشرية وحالتهم العقلية وهم يقومون بكل تلك الفظائع، لكي يبقوا متسلطين على بقايا أولئك الناس بعد نهاية الأحداث. رُوي لي على لسان واحدٍ منهم توفي قبل مدة، أنه كان ممزقاً بين عدة دوافع: إن لم أقتلْهم قتلوني، أو ستنقسم البلاد وتسقط إن تركتُ السلطة، أو لا أستطيع التردد أو التوقف عن القتل لأن أنصاري بالداخل والخارج سيشمتون بي ويسارعون إلى استبدالي. وقال آخر ما يزال حياً: لن أملَّ الضرب حتى يملُّوا!
وقد شهدت المدن الروسية في الأسابيع الأخيرة عروضاً للسلاح الثقيل والمتوسط التي غنمته القوات الروسية من الدواعش والمعارضة السورية المسلَّحة. والحمد لله أنهم لم يعرضوا جثث القتلى أو رؤوسهم كما كان المغول يفعلون! وكثيراً ما صرَّح القادة الروس وبينهم الرئيس أنهم جرّبوا المئات من الأسلحة الجديدة في سوريا، وقد أثبتت فعاليتها! وهذا يعني أنهم مثل أهل السلطة بالدواخل لا يخجلون، ويبررون ذلك أمام شعبهم بمنافسة الولايات المتحدة، وبالامتداد الإمبراطوري، وبوجود مصالح استراتيجية حاضرة ومستقبلية. وهذا فضلاً عما لا يقال ولا يُكتب: إفادة آلاف الضباط من الحرب بطرائق شتى!
والشأن لدى الأتراك المتدخلين بسوريا مختلف بعض الشيء، وهو الخوف من تشكل شبه كيانٍ كردي على حدودهم. ويجيبهم صالح مسلّم الرئيس السابق للحزب الديمقراطي الكردي: ستظلون خائفين إلى أن تُنهوا المشكلات مع أكراد الداخل التركي!
والحالة مع الإيرانيين المتدخلين في كل مكانٍ أعقد من ذلك بكثير. فمرة يقولون إنهم تدخلوا بسبب التحالف مع الأسد. ومرة سمعت نصر الله يقول: إنّ لم نتدخل فسيغزون النجف وكربلاء وقم! ومرة لأنّ سوريا كانت شيعية وينبغي استعادتها. ومرة للثأر من العرب الذين غزوا إيران قديماً وحديثاً، ولذلك «احتللنا» أربع عواصم عربية.
وفي كل الأحوال، وأياً تكن المعاذير فإنّ النتائج كانت وما تزال: القتل والتهجير، وفي الغالب لأُناسٍ غير مسلَّحين، لأنهم يريدون تقليل الأعداد أو إحلال سكانٍ آخرين محلهم. ولذلك فإنّ معظم المهجرين في سوريا والعراق من السنة بالطبع!
ولنذهب إلى الطرف الأقصى: طرف جماعات القاعدة و«داعش»، والذين أرادوا إقامة إمارات ودول وخلافة على ظهور الناس وقبورهم. ما هي دوافع هؤلاء للقتل والطرد؟ يقولون علناً: مخالفة أحكام الشريعة، أو التآمر. أما الشيعة والأقليات الأُخرى غير الإسلامية فلأنهم كفار أو خالفوا عقد الذمة… إلخ. وقد استمعتُ إلى جلساتٍ مع لاجئين سوريين من قرى الرقة، قالوا فيها: إنّ الأكثر قسوة (وقد تداول عليهم أهل السلطة والأكراد والدواعش) كانوا الدواعش وفي الصغيرة والكبيرة. أما الأكراد والأسديون فكانوا الأكثر تشجيعاً على الهجرة، وفي الوقت نفسه كانوا يتقاضون رشاوى لتسهيلها! فإدارة التوحش التي أعلن «الدواعشيون» عن ضرورتها لتأديب الناس وإعادتهم إلى حضن الشريعة، وتخويف الأقليات والأعداء، تلك الإدارة ما كانت احتكاراً لـ«داعش» أصحاب نظريتها، بل هي عامة وشاملة في سوريا والعراق ودونما تنظيرٍ أو تفكيرٍ كثير! وأحسب أنها غيرت من طبائع ملايين الناس إلى عقودٍ قادمة.
كنتُ أستمع قبل أيام إلى تقريرٍ عن الحالة في فنزويلا. وكان هناك شبه إجماع من أنصار مادورو وغوايدو أنّ الوضع لن يتردى إلى العنف، لأنه ليست هناك تقاليد عقائدية مسيحية أو يسارية لذلك. ولا أعرف إن كان ذلك صحيحاً أو دقيقاً، ليس لجهة التقاليد، بل لجهة: متى يلجأ الناس للعنف؟ وكنت أقول للراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين – رحمه الله – في مطلع التسعينات، وكان مهموماً بالاضطرابات في الجزائر: لن يلجأوا للعنف بسبب سيطرة فكرة «الجماعة» المالكية عليهم، فلما اندلع العنف، كان الشيخ شمس الدين يقول: «ليست المشكلة في الجماعة، بل في المناعة»! ويتابع: «لقد فقد ديننا مناعته وانضباطه في وجه الدم والعنف، وقد أدركتُ ذلك في الثورة الإيرانية وما بعدها، وفي قتل الرئيس السادات. ماذا نفعل لكي نصل إلى زمن لا يستطيع فيه أحدٌ تبرير عملٍ عنيفٍ باسم الدين، أو الصراخ بـ(الله أكبر)، ثم الإقبال على القتل! ولو ظل ذلك يحصل، فينبغي أن يكون معزولاً في نظر جمهورنا وفي نظر الغرب والعالم. لا بد من عملٍ هائلٍ من أجل استعادة المناعة، أو يتحول الدين إلى نثائر عنيفة، مهما كانت قلة عدد العنيفين! والمناعة ليست مناعة ضد العنف وحسْب؛ بل هي مناعة أخلاقية ودينية في التعامل مع الآخر».
إنّ المناعة المطلوبة في الدين ومن الدين، مطلوبٌ مثلها من أهل السلطة تجاه الجمهور معارضاً كان أو ساكناً. وقد بُذلت جهودٌ كبرى في السنوات الماضية من أجل منع العنف باسم الدين. لكن لم تُبذلْ جهودٌ مماثلة لمنع العنف باسم الدولة. والعنف يبرر العنف إن لم يكن يشارك في صنعه.
ما انتهى «داعش» في الأرض والواقع. لكنه انتهى دينياً وأخلاقياً وسياسياً ولدى الجمهور. تصر امرأة منقّبة تركت ولديها وراءها على استمرار الولاء لـ«داعش». وهذا حقدٌ وليس ديناً. وينبغي أن نستمرّ في الإصرار على ذلك. ويحتاج الأمر إلى سنواتٍ وسنواتٍ لشفاء الأجساد، فكيف بشفاء النفوس. لكننا نريد الذهاب للدولة الوطنية دون إرغامٍ ولا عنف. وهي عودة لأملٍ جديدٍ ولا نريدها أن تكون عودة للمنفى!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 العراق بعد 16 عاما على غزوه واحتلاله احمد صبري الوطن العمانية
شهد شهر مارس/ آذار من العام 2003 حمى التصعيد الأميركي البريطاني لغزو العراق واحتلاله، وبلغ التحشيد العسكري والإعلامي ذروته استعدادا للصفحة العسكرية التي بدأت فعلا في التاسع عشر من الشهر المذكور، وكانت خواتيمها احتلال العراق في التاسع من نيسان/أبريل.
وعندما نتوقف عند المبررات التي سوقتها الإدارتان الأميركية والبريطانية لغزو العراق واحتلاله بعد مرور 16 عاما نستطيع القول إنها كانت مجموعة من الأكاذيب والافتراءات استندت إلى مخطط مرسوم لتدمير العراق في مغامرة تورطت بها إدارة بوش الابن وحليفه رئيس وزراء بريطانيا توني بلير كانت بالمقاييس كافة فاشلة وكارثية أدخلت العراق والمنطقة والعالم في فوضى عارمة، وعدم استقرار ما زالت تداعياتها متواصلة على أكثر من صعيد حتى الآن.
وطبقا للتوصيف الأميركي الذي وضع العراق في صدارة الدول التي تهدد الأمن القومي الأميركي وارتباطه بالإرهاب العالمي كان يتطلب عملا عسكريا لتغيير النظام فيه، وإعادة إنتاج نظام جديد على وفق الرؤية الأميركية لتسويقه كنموذج للديمقراطية والتعايش السلمي في المنطقة عموما.
وهنا نتوقف عند المتحقق في عملية احتلال العراق .. ومن هم المستفيدون والمتضررون في هذه المغامرة الكارثية؟
ابتداء، إن الرابح الأكبر فيما جرى عدة أطراف في مقدمتهم إسرائيل، حيث خرج العراق من معادلة الصراع معها من دون حروب، كما أن المستفيدين كثر لا سيما قوى إقليمية استثمرت تداعيات احتلال العراق بإعادة تموضعها من جديد على ضوء ما جاء به الاحتلال لنظام جديد تمتد جذوره وعلاقاته ببعض هذه القوى، ما أعاد رسم خريطة التحالفات من جديد وعلاقته بتوازن الصراع بالمنطقة.
والسؤال الذي بات يؤرق وينغص حياة المتورطين في المغامرة الأميركية ومن ساعدها في حملة التحريض على العراق: لماذا ذهبنا إلى العراق؟ وما هو ثمن تلك المغامرة؟ وهل كسبت واشنطن قلوب العراقيين، كما ادعى صقورها بغزوها لبلادهم وتخليصهم من (نظام ديكتاتوري) ووضعهم على سكة الحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتنمية والسلم الاجتماعي؟
هذه التساؤلات وغيرها أجاب عليها بعض من كان يعمل ضمن إدارة بوش الابن ويحرض على غزو العراق، وأول هذه الشهادات كانت من وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي عبر عن أسفه واعتذاره للحرب على العراق ومشاركته بحملة التحريض عليه بمزاعم امتلاكه أسلحة محظورة وخطيرة، كما أن شهادة مدير وكالة المخابرات الأميركية جورج تينت هي الأخرى كشفت حملة التضليل ضد العراق وتصميم بوش الابن على الغزو، حيث أكد تينت نفي وكالته امتلاك العراق أسلحة محظورة.
وأمام هذه المعطيات التي تكشفت عن غزو العراق واحتلاله فإن الخاسر الأكبر فيها هو بالتأكيد العراق بكل ألوانه وطوائفه؛ لأن الاحتلال أنتج نظاما سياسيا هجينا ليس له علاقة بحاجات وتطلعات العراقيين بوطن تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة، ويحكمه القانون وخالٍ من إرهاصات الثأر والانتقام والاحتراب الطائفي.
ونحن نستذكر أجواء التصعيد وحملة التضليل ضد العراق في مثل هذه الأيام من العام 2003 تمهيدا لبدء الصفحة العسكرية فإن السنوات العجاف التي أعقبت احتلاله كانت كارثية تحول العراق من جرائها إلى بلد متداعٍ غير قابل للحياة، ثروته منهوبة بفعل تغول حيتان الفساد في جميع مفاصله، فضلا عن أنه أصبح مشروعا للتقسيم والتشظي بفعل عمق الصراعات الطائفية التي نالت من وحدته والمصير المشترك بين مكوناته.