1 لغط حول الوجود الأمريكي في العراق د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
يبدو أن الاستقرار السياسي والأمني في العراق لا يزال بعيد المنال، فحجم الخلافات في الرؤى بين فرقائه السياسيين كبير، ولا تزال تتسم بأبعاد قد تخرجها عن سلمية مقاربتها في القادم من الأيام، لأن الساحة العراقية مسرح مرشح لاندلاع صراعات إقليمية أكبر من قدرات هؤلاء الفرقاء على الابتعاد عنها أو احتوائها أو التأثير على مساراتها.
المتاعب التي تواجه حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كثيرة وفي تزايد مستمر، فهي إضافة إلى إخفاقها في استكمال طاقمها الوزاري مع مرور ما يقرب من سنة على تكليفها بذلك أصبحت في مواجهة ضغوطات شديدة جديدة تتعلق بالوجود الأمريكي وموقفها منه.
كتل سياسية ذات ثقل كبير في المجلس النيابي لا تخفي عداءها للولايات المتحدة وتحسسها من الوجود العسكري لقواتها، هذه الكتل تعمل على استصدار قانون في المجلس النيابي يتعلق بهذا الشأن.
وهو إلزام الحكومة بالطلب من الولايات المتحدة إنهاء وجودها العسكري في العراق خاصة بعد أن أعلنت القضاء على تنظيم «داعش»، وهو إعلان سابق لأوانه وذو طابع سياسي قد لا يرقى إلى المستوى المهني الذي يقنع الأجهزة الأمنية المحلية بصدقيته.
وقد أسهمت في تعزيز هذه الاتجاهات الضاغطة أحداث عديدة منها زيارة الرئيس الأمريكي المفاجئة لقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية، بمناسبة أعياد الميلاد والتصريحات التي أدلى بها من هناك والتي قال فيها إن وجود القوات الأمريكية في العراق ضروري لمراقبة إيران.
مما أثار موجة ردود كانت تنتظر ما يساعدها على الانطلاق على خلفية تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران ودخوله طوراً جديداً تتحسب له إيران كثيراً مع انعقاد مؤتمر وارسو حول الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الذي تركز حول إيران المتهمة الأولى بتعكيره وبالإساءة إليه.
ثمة أمر آخر أسهم في تصعيد هذه القضية الحساسة وهي الصور التي انتشرت وظهر فيها قائد عمليات التحالف الدولي الجنرال أوستن رينفورث بصحبة قائد عمليات بغداد بملابسهما العسكرية في شارع المتنبي وسط بغداد والتي أثارت جدلاً واسعاً حول دلالات هذا الظهور خاصة أنه تزامن مع ذكرى انسحاب القوات الأمريكية في الثلاثين من ديسمبر2011.
وقد سبق ذلك ظهور علني للقوات الأمريكية في بعض مدن محافظة نينوى مما أتاح للمعارضين للوجود الأمريكي مساحة واسعة نسبياً للحديث عن مدى الخروقات التي تقوم بها الولايات المتحدة لنصوص الاتفاقية الاستراتيجية التي وقّعتها مع العراق والتي تحدد بموجبها شروط حضورها العسكري على الأراضي العراقية.
وقد ترافق ذلك مع قيام إيران بالإعلان عن سحب مستشاريها العسكريين من العراق تمهيداً أرضياً للدعوات المتصاعدة. زيارة باتريك شاناهان وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة للعاصمة العراقية في الثاني عشر من فبراير الجاري واجتماعه مع المسؤولين العراقيين جاءت في سياق وضع الأسس لرؤية مشتركة حول الوجود الأمريكي في العراق في حقبة ما بعد «داعش»، وفق الحاجة الآنية لهذا الوجود وآفاق المستقبل بما لا يسبب الحرج للحكومة العراقية.
فمن المستبعد أن يكون موضوع الانسحاب من العراق متداولاً في الأوساط السياسية الأمريكية. أمام هذه الضغوطات دفع عبد المهدي بالقضية إلى مجلس النواب طالباً وضع تصور شامل حول ذلك.
القوات الأمريكية لم ترجع إلى العراق وبأعداد محدودة إلا ضمن قوات التحالف الدولي الذي تشكل لمحاربة الإرهاب مع دخول تنظيم «داعش» واحتلاله مساحات واسعة من الأراضي العراقية، إلا أن هذا الحضور ذا الطابع الأمني محلياً لا يقلل من أهمية الطابع السياسي لحضورها إقليمياً.
بالطبع من صلاحيات بل من واجبات أي نائب في المجلس الوطني أو أي مواطن عراقي أن يعمل ما بوسعه للدفاع عن السيادة العراقية، وتعزيز قدرات الدولة على الحفاظ على استقلالية قراراتها، ويبدي الرأي صراحة في ما يتعلق بالوجود الأجنبي في بلاده وبالمهام التي يقوم بها رفضاً أو قبولاً بشروط وضمن إطار زمني.
ولكن القرار النهائي بشأن ذلك يخضع لاعتبارات لا تحددها المزايدات السياسية، ولا الأهواء الشخصية لقادة بعض الكتل السياسية، ولا استجابة للضغوطات الإقليمية بل تخضع لمصلحة العراق الأمنية بالدرجة الأولى على الأمدين القريب والبعيد.
فهناك ضرورة لا تزال قائمة لتطوير التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة ومع غيرها في أطر احترام السيادة العراقية، والالتزام بحيثيات الأهداف التي يُتفق عليها.
2 ثنائية العنف والعنف المضاد احمد صبري الوطن العمانية
تجذر نظام المحاصصة الطائفية في الحياة السياسية، وتغول الفساد في مؤسسات الدولة تسببا في تعطيل أي جهد للإصلاح، وأديا إلى احتكار السلطة وإقصاء الآخرين في تقرير مصير ومستقبل العراق.
لأن غزو العراق واحتلاله أفرز طبقة سياسية زعمت أنها تقاسمت السلطة على مبدأ التوافق السياسي والشراكة في إدارة شؤون العراق، إلا أن الوضع بعد 16 عاما لم تتحقق الشراكة الحقيقية، وحال الانقسام السياسي والطائفي هو المهيمن على المشهد السياسي.
حتى لا نبالغ إذا قلنا إن من الصعب أن ينأى العراق من تداعيات ما يجري بالإقليم، الأمر الذي يتطلب الحاجة إلى رؤية واقعية تتعامل مع هذه التطورات لتجنب العراق مخاطرها، يضاف إليها السعي لمشروع وطني جامع ينقذ العراق ويخرجه من محنته، ويؤسس لمرحلة تخلصه من أثقاله التي أرهقته تستند إلى خريطة طريق عابرة للطائفة والعرق تكرس مبدأ المواطنة، وتعيد للهوية الوطنية دورها باعتبارها الضامن لديمومة الحياة المدنية، وتنهي سياسة الإقصاء والتهميش وتحقق العدالة في المجتمع، وتترجم مبدأ الشراكة وتقاسم السلطات بين المكونات العراقية.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيقها فإنها كفيلة بإخراج العراق من الخانق الذي أرهقته ارتدادات الصراعات الخارجية ومشاريعها عسى أن يجد بابا تخرجه من هذه المحن ليحافظ على كيانه موحدا.
لقد بات واضحا واستنادا إلى ما يجري في العراق وارتدادات أزمات الإقليم أن العنف والعنف المضاد هما من يهدمان أسس الشراكة والمصير المشترك، ويحطمان روح التسامح ومبدأ القبول بالآخر والمواطنة العابرة للطائفة والعرق.
وتداعيات لعبة العنف والعنف المضاد تدعونا إلى تلخيص الأسباب التي أدت إلى تغذية هذه اللعبة والنتائج الكارثية المتوقعة من استمرارها على العراق أرضا وشعبا وهي:
* نظام المحاصصة الطائفية الذي كرسه الاحتلال الأميركي في الحياة السياسية الذي تحول العراق بموجبه إلى كيان أسير للطائفة والعرق، وشل فعاليته، وانقسم على نفسه على مدى السنوات الماضية.
* تمرير الدستور على عجل من دون توافق جماعي على بنوده ما زال موضع خلاف بين العراقيين.
* لم تحقق الطبقة السياسية التوافق على آلية واقعية لتجسيد مفهوم الشراكة، وبناء الدولة المدنية العابرة للمحاصصة الطائفية.
* فشل المؤسسة العسكرية رغم الدعم المالي والتسليحي لها في تحقيق الأمن والاستقرار، ووضع حد للعابثين بأمن المواطن واستقراره.
* بقاء مشروع المصالحة الوطنية حبرا على ورق رغم أهميته في تحقيق السلم الأهلي.
* تدني فاعلية مجلس النواب بالقيام بدوره كمؤسسة تشريعية ورقابية لضبط إيقاع الأداء الحكومي.
* تغول الفساد في المجتمع وفشل الإجراءات التي تحد من مخاطره على الفرد والمجتمع.
واستنادا إلى ما تقدم، فإن المطلوب لوقف دائرة العنف هو إعادة النظر في القوانين التي زرعت بذور الفتنة في العراق من خلال إجراءات تصالحية تعيد الثقة والأمل بتحقيق التوازن في المجتمع لسد الطريق أمام من يريد إبقاء العراق في مربع الخوف والقلق والمجهول، وهذه الخطوات المطلوبة تستدعي من جميع الأطراف تنازلات متبادلة لإنقاذ العراق من محنته لمنع دخوله مجددا في دوامة العنف والعنف المضاد.
3 الوجهة الساخنة التالية لـ»الإرهاب العالمي» عريب الرنتاوي
الدستور الاردنية
يتساءل خبراء ومراقبون عن «الوجهة التالية» للإرهاب العالمي بعد خسارته معقليه الرئيسين في سوريا والعراق …بعضهم ذكر سيناء، بعضهم الآخر ذكر مالي وليبيا والصحراء الغربية، آخرون تحدثوا عن نيجيريا والصومال والقرن الأفريقي، فيما أشار فريق منهم إلى أفغانستان … جميع هذه الوجهات تبدو محتملة، وثمة قرائن على أنها بدأت تستقبل طلائع «المهاجرين الجدد» على أية حال.
لكن في ظني، أن ثمة وجهة أخرى قلما يجري الحديث عنها، يمكن أن تكون الجبهة الأكثر سخونة في معارك الإرهاب والحرب عليه، وأعني بها جبهة الحدود الباكستانية – الإيرانية التي قد تفتح قريباً وعلى نطاق أوسع مما يُظن، وهي بدأت بالسخونة على أية حال، وبلغت ذروة مهمة في الهجوم على حافلة الحرس الثوري الذي أوقع 27 قتيلاً وعددا من الجرحى، وقبلها كانت شهدت عمليات تسلل واختراقات أمنية، ضربت أهدافاً في العمق الإيراني.
وفي ظني كذلك، أن قوى دولية معادية لإيران، وتنظر إليها بوصفها «العدو الأول» و»التهديد الأكبر» للأمن والاستقرار والسلم الإقليمي والدولي، ستكون شديدة الحماس لإشعال هذه الجبهة لإشغال السلطات الإيرانية، و»نقل المعركة إلى الداخل الإيراني» واللعب بورقة «الأقليات»، البلوش في هذه الحالة، وسوف تفعل ما بوسعها لـ»كسب تأييد» المؤسسة العسكرية والاستخبارية الباكستانية، التي تحتفظ بعلاقات وطيدة وتاريخية مع مدارس السلفية الجهادية بمختلف مسمياتها، وعلى اختلاف أهدافها، من طالبان والقاعدة في أفغانستان، مروراً بجيش محمد و»لشكر طيبة» في كشمير، وانتهاء بجيش العدل وما يماثله من فصائل على جبهة الحدود مع إيران … ولا يخفى على أحد أن هذه المسميات تنهل جميعها، من معين واحد: التكفير الإرهابي.
للباكستان علاقات فاترة إن لم نقل باردة جداً مع واشنطن … وقد يشكل أمرٌ كهذا، مدخلاً لتحسين العلاقات إن كان الثمن إضعاف إيران … وثمة عواصم ترتبط بعلائق تاريخية مع الباكستان، وسبق لها أن تعاونت معها في معارك «الجهاد العالمي» ضد نظام نجيب الله وحكم الشيوعيين في أفغانستان، كما سبق لها أن دعمت برنامجا نوويا واستراتيجيا للباكستان، ولديها الآن شبكة علاقات أمنية ومالية واقتصادية وتجارية معها، والباكستان اليوم في أسوأ مراحل أزمتها الاقتصادية، والبنك المركزي يكاد يخلو إلا من ثمانية مليارات دولار هي إجمالي الاحتياطات من العملات الصعبة التي يحوز عليها.
وثمة بيئة حاضنة ومنتجة للسلفية الجهادية في تلك البلاد وعلى المناطق الحدودية … فالتيارات المتشددة نمت وترعرعت في مدارس بيشاور ولاهور كما في مدارس هيرات وقندهار، على نحو متوازٍ وبمرجعية دينية واستخبارية واحدة … ولدى واشنطن وعواصم الغرب، ما يكفي من المعطيات والتقارير التي تظهر حجم تغلغل هذه التيارات، وتداخلاتها مع عمل مؤسسات أمنية وعسكرية في البلاد … لكن الغرب الذي أتقن لعبة توظيف «الجهاد» أكثر من المسلمين أنفسهم، لا يلقي بكل الأوراق على المائدة، ويبقي بعضها قريبة من صدره؛ إذ ربما احتاج لها في قادمات الأيام، وهذا ما قد يحصل قريبا في سياق استهداف إيران والحرب عليها.
ومثلما كان يقال في منطقتنا عن «تلازم المسارين» السوري واللبناني، أو مثلما فعلت داعش عندما أزاحت خطوط سايكس بيكو بين سوريا والعراق، فإن هناك من يعتقد بتلازم المسارين الباكستاني والأفغاني، وربما نجد جبهة الحدود الإيرانية الممتدة مع البلدين المذكورين، وقد تحولت إلى جبهة واحدة، يتلازم مساراها ومصيرهما.
وسيقابل ذلك، ربما، هدوءٌ حذر على جبهة كشمير، وستعمل أطراف إقليمية ودولية صديقة للهند، على تفعيل الدور الباكستاني في حفظ الحدود وصون أمنها واستقرارها، بل ومطاردة الجماعات الجهادية التي تنشط في كشمير … ثمة مؤشرات دالّة على ذلك، تصدر عن عواصم عربية فضلاً عن تل أبيب وواشنطن.
ربما هي تكهنات وتحليلات، لا تستند إلى وقائع استخبارية ومعلوماتية صلبة، ولكن من يتتبع الحراك السياسي والميداني في الإقليم الممتد من هنا إلى ما بعد إيران، وصولاً للهند والباكستان، وما يلاحظ من تطورات محيطة بمصائر داعش ومصير المقاتلين الأجانب أو من تبقى منهم، لا بد يدرك أن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، ولا بد أن يتوقع للباكستان دوراً شبيها للدور التركي في سوريا في سنوات الأزمة السورية، أو ربما يفوق عليه، والأيام وحدها ستثبت صحة هذه التقديرات من عدمها.
صحيفة عراقية مستقلة صدرت عام 2006 - مملوكة بالكامل للصحفي العراقي علاء الساعدي