1 أوروبا ترفض تسلُّم «دواعشها» وأمريكا تهدد بإطلاق سراحهم! عبدالمنعم ابراهيم
اخبار الخليج البحرينية
الخلايا النائمة والذئاب المنفردة كلها تعبيرات انتشرت مؤخرًا لوصف الجماعات الإرهابية الداعشية، وهذا قد ينطبق على أكثر من 800 عنصر داعشي محتجزين لدى (قوات سوريا الديمقراطية) ذات الأغلبية الكردية، بالإضافة إلى عائلاتهم ونسائهم وأطفالهم الذين يقدرون بالآلاف. وقد طلب الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مؤخرًا من دول (الاتحاد الأوروبي) استعادة مواطنيها من الدواعش، وإلا سوف يضطر إلى إطلاق سراحهم، لأن قوات (سوريا الديمقراطية) في شمال سوريا لا تملك سجونا كافية لهم، فضلا عن إمكانية هروبهم ودخولهم أوروبا من جديد، ولكن الدول الأوروبية وتحديدًا (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) رفضت تسلُّم هؤلاء الإرهابيين، الأمر الذي قد يشكل خطرًا حقيقيا على الأمن في أوروبا والشرق الأوسط والعالم. دول كثيرة تورطت في صناعة (داعش) بالمنطقة، سواء كانت استخبارات أجنبية أوروبية أو إقليمية، لكن أكثر هؤلاء وضوحًا هو (نوري المالكي) رئيس الحكومة العراقية الأسبق، الذي أعطى أوامره للضباط والجنود في الموصل بالتخلي عن المدينة لصالح قوات (داعش)، وذلك بتوجيهات من (إيران)، بقصد (شيطنة) المكون السني في العراق، ومنذ تلك اللحظة انتشر وباء (داعش) في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، وفي دول أوروبية كثيرة.
إذن، لا تزال هناك (قنبلة موقوتة) اسمها (داعش) موجودة لدى (قوات سوريا الديمقراطية)، وتمتلك (واشنطن) قرار مصيرهم، إما الإفراج عنهم مع عائلاتهم، أو تتسلم أوروبا مواطنيها (الدواعش) وتحاكمهم هناك، ولكن كل دولة تخشى فعل ذلك خوفًا على أمنها الداخلي من هؤلاء (الدواعش) وعائلاتهم في حال عودتهم إلى الشوارع والمدن الأوروبية. فما مصير هؤلاء الإرهابيين؟ فإن رفض أوروبا لتسلمهم، وتهديد (ترامب) بإطلاق سراحهم، سوف يضع (الشرق الأوسط) أمام عودة جديدة لداعش في مناطق أخرى من العالم كإفريقيا وآسيا والعالم العربي، حين يلتحق هؤلاء الإرهابيون بالخلايا النائمة والمتحركة في هذه المناطق. ولا تستبعدوا أن تكون (كشمير) المتنازع عليها بين الهند وباكستان منطقة خصبة جديدة جاذبة للإرهاب الداعشي هناك. المهم بالنسبة إلى أوروبا وأمريكا أن يكونوا هم بمأمن!
2 حين ترتكب إيران خطأ صدّام
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا
ليس ما يحدث في العراق تطوّرا عاديا بأي مقياس من المقاييس. يشهد هذا البلد العربي المهم الذي يعتبر أحد الأعمدة التي قام عليها النظام الإقليمي منذ انهيار الدولة العثمانية قبل مئة عام تغييرا في المزاج الداخلي لا يمكن إلا أن تكون له انعكاساته على التوازن في المنطقة كلّها، بل ما هو أبعد منها.
في أساس التغيير، ذلك التحوّل في المزاج الشيعي الذي بدأ يكتشفه زوّار بغداد. يعبّر عن هذا التحوّل الرفض الشعبي، خصوصا في الأوساط الشيعية، لأن يكون العراق جرما يدور في الفلك الإيراني. هناك بكلّ بساطة روح وطنيّة عراقية عادت تظهر من جديد. كان أفضل تعبير عن تلك الروح في الماضي القريب الدور الذي لعبه شيعة العراق في منع إيران من الانتصار في حرب السنوات الثماني بين 1980 و1988، وهي حرب انتهت بشبه انتصار عراقي أضاعه صدّام حسين عندما اعتقد أنّه صار في استطاعته احتلال الكويت.
أقدم على تلك الحماقة، التي هي مغامرة مجنونة أكثر من أي شيء، غير مدرك لما سيترتب على فعلته. أصدر عمليا حكما بالإعدام في حقّ نفسه مُدخلا العراق في نفق مظلم، بدل التفكير جدّيا في استغلال الفرص المتاحة أمام بلد صدّ شعبه الأطماع الإيرانية. وقف العراق بفضل مكونيه الشيعي والسنّي سدّا منيعا طوال ثماني سنوات في وجه رغبة آية الله الخميني في “تصدير الثورة” التي قضت على نظام الشاه إلى خارج حدود إيران.
كانت لديه قراءة خاطئة لخريطة التوازنات الإقليمية والدولية. جاء الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 ليدفع إيران إلى الاعتقاد أنّها باتت قادرة على لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة انطلاقا من أوهام تراكمت داخل رؤوس المتحكمين بالقرار السياسي والاقتصادي في طهران. على رأس هؤلاء “المرشد” علي خامنئي الذي صار يظنّ أن بلاد فارس أمام فرصة لا تعوّض، وأن في الإمكان بذل محاولة جديدة لـ”تصير الثورة” إلى كلّ أرجاء المنطقة.
لم يتيقّن في أيّ لحظة من الفشل الداخلي الإيراني على كلّ صعيد، خصوصا لجهة اعتماد “الجمهورية الإسلامية” أكثر من أيّ وقت على دخلها من النفط والغاز، بدل تطوير اقتصادها والاهتمام برفع مستوى المعيشة والانفتاح على العالم عن غير طريق الابتزاز عبر البرنامج النووي.
كان العراق وسوريا ولبنان ثمّ اليمن من ضحايا الانطلاقة الجديدة لـ”تصدير الثورة” في 2003 بعدما قدّمت إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى إيران. يتبيّن اليوم كم كانت هذه الهديّة مسمومة.
كانت مسمومة إلى درجة جعلت إيران تظنّ أنّها أهمّ لاعب في المنطقة، وأنّ لا شيء يمكن أن يقف في طريقها، خصوصا في العراق حيث قبل باراك أوباما بأن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في البلد ابتداء من العام 2010. أسكرتْ الصفقة التي عقدتها “الجمهورية الإسلامية” مع إدارة أوباما المسؤولين الإيرانيين. جعلتهم لا يأبهون بالرأي العام العراقي وبوجود وطنية عراقية.
حلبت إيران العراق وثرواته في مرحلة تولي نوري المالكي موقع رئيس الوزراء. ثمّ استفادت إلى أبعد حدود من تسهيلات الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما الذي لم يكن لديه من همّ سوى استرضاء طهران خشية خروجها من المفاوضات التي أدّت إلى توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي في تمّوز – يوليو 2015.
هناك الآن معطيات جديدة في العراق. بين أبرز المعترضين على الدور الإيراني أشخاص مثل عمّار الحكيم ومقتدى الصدر وحيدر العبادي الذي حالت طهران دون عودته إلى موقع رئيس الوزراء بعد انتخابات الثاني عشر من أيّار – مايو 2018. لم يتمكن رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي الذي خلف العبادي، إلى الآن، من تسمية وزير للداخلية حتّى بعدما يأس الجنرال قاسم سليماني من إيصال أحد قادة “الحشد الشعبي” إلى تولي هذه الحقيبة بغية تأكيد أن “الحشد” صار جزءا لا يتجزّأ من مؤسسات الدولة العراقية، على غرار “الحرس الثوري” في إيران.
بين من يرفض الهيمنة الإيرانية على العراق أشخاص مثل الحكيم والصدر والعبادي، معروف جيّدا أنّهم عادوا إلى بغداد على ظهر الدبابة الأميركية. هذا الواقع ليس سرّا.
لم يعد سرّا أيضا أن المزاج الشيعي العراقي تغيّر من دون أن يعني ذلك أن إيران فقدت كلّ أوراقها في العراق. تغيّر هذا المزاج حتّى حيال المرجعية في النجف التي على رأسها آية الله السيستاني. بات مطلوبا من المرجع الأعلى في النجف عدم الاكتفاء بالعموميات وأخذ مواقف صريحة من السياسة الإيرانية تجاه العراق ومن الدولة المدنية فيه.
كيف ستتعاطى إيران مع المستجدات العراقية؟ هل تدرك أنّ التغييرات التي أجرتها على الأرض والتي شملت عمليات تطهير ذات طابع مذهبي لم تؤد إلى النتائج المرجوة، أي إلى جعل المدن العراقية مثل بغداد والبصرة أشبه بإحدى ضواحي طهران. لم يعد صيف البصرة بعيدا. الصيف في هذه المدينة، ذات الأكثرية الشيعية، يبدأ في نيسان – أبريل.
سيكون صعبا على سكانها الرضوخ لحياة البؤس التي يعيشونها في ظل غياب الكهرباء والماء وانتشار الأوبئة في وقت يعرف كلّ بصراوي الدور الذي لعبته إيران في عملية إفشال كلّ مشروع حيوي استهدف إعادة الحياة إلى البنية التحتية للمدينة. تعوم البصرة على النفط. أين ذهبت مليارات الدولارات من العائدات النفطية منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما حين بدأت إيران، عبر ميليشياتها، تفرض نمطا جديدا للحياة في المدينة؟
لم تعد من حدود للاعتراضات العراقية على إيران. لمس ذلك كلّ من ذهب إلى بغداد حديثا لمس اليد. عاجلا أم آجلا، ستكون هناك أحداث كبيرة في العراق حيث بات المواطن العادي يعرف أن الخيار واضح بين خطين. إما مؤسسات لدولة عراقية… وإما دولة لتغطية “الحشد الشعبي” الذي ليس سوى مجموعة من الميليشيات المذهبية تدار من طهران. الخيار واضح، تماما كما الحال في لبنان. إمّا الجيش اللبناني وإمّا سلاح ميليشيا مذهبية تريد السيطرة على مؤسسات الدولة والتحكّم بها إرضاء لنظام مفلس اسمه النظام الإيراني.
لا شكّ أن على العرب، عموما، التعاطي بحذر مع المستجدات العراقية. لكنّ عليهم أخذ المستجدات على محمل الجدّ. لن تتغيّر الأوضاع بين ليلة وضحاها، ذلك أن عمر الوجود الإيراني في العراق منذ 2003. هذا لا يمنع ضرورة وضع العراق تحت المراقبة الدقيقة. لا بدّ من هذه المراقبة في ظلّ رغبة لدى قيادات شيعية كبيرة في إعادة المياه إلى مجاريها بين العراق ومحيطه العربي من جهة، وفي ظلّ العقوبات الأميركية التي بدأ مفعولها يظهر داخل إيران من جهة أخرى.
3 الولايات المتحدة تجرب سياسة القلق في سوريا والعراق
حامد الكيلاني العرب بريطانيا
الفصائل الكردية في الشمال السوري تحت مختلف عناوينها السياسية والمسلحة وبعيدا عن المواقف الدولية والإقليمية منها حتى مواقف النظام الحاكم التي بدت متعالية في الخطاب الأخير لبشار الأسد، تساهم بعدم استسلامها ومواصلتها القتال ضد تنظيم داعش وجيبه المتبقي في منطقة الباغوز في الإفصاح عن أهدافها بما قدمته من تضحيات بين صفوف مقاتليها ومنهم عناصر نسوية بأعداد لا يستهان بها في مشاركة صريحة وفاعلة وليست رمزية كما يحاول أن يصور بعضهم للتقليل من أهمية تواجد تلك العناصر في ساحات المعارك بتشتيت الأثر الإعلامي البالغ الذي يسلط الضوء على حقيقة طالما تعرضت لمزايدات وأهواء متباينة.
حقيقة نعني بها قضية الأمة الكردية التي تريد أن توصل رسالة مفادها الاعتراف بنضال الأسرة الكردية في بيتها على الأرض السورية، حالها حال حركات المقاومة الإيرانية في نضالها الإنساني العابر فوق الاحتكار الذكوري للكفاح المسلح، أو في أمثلة تجارب عالمية متعددة مازالت عبرة وقدوة لأي نداء خلاص من وطأة الظلم والتعسف
المطالب الكردية في سوريا تتناغم مع طبيعة المطالب في إيران وتركيا والعراق، وإن كان الأكراد في العراق في ظروف أفضل بحكم التجارب التي عصفت بالأكراد وأحزابهم أو فصائلهم المسلحة خلال الصراع مع حكومة المركز لعقود طويلة، أو التي عصفت بالعراق وما تخللتها من تفاهمات يبدو أنها كانت متقدمة بعلاقات وقوانين في مقدمتها قانون الحكم الذاتي أو ما حصل بعد حرب سنة 1991 بإقامة المنطقة الكردية الآمنة بالقرارات الدولية وبحظر تحليق سلاح الجو. منطقة توفرت لها مقومات قيام الدولة الكردية المستقلة ولو شكليا لغاية الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 وهي فترة ليست قصيرة أدت إلى تفاوت الاستقرار الأمني والبناء والإعمار إلى يومنا هذا بين الإقليم وعموم المحافظات في العراق.
النداء الكردي في سوريا يتوجه إلى طلب الحماية من دول الاتحاد الأوروبي لتأمين بقاء دورهم بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، وهو قرار يأتي منسجما مع توجهات ترامب في حملته المبكرة لدورة رئاسية ثانية، لكنه لم يلق تأييدا من القيادات العسكرية واستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس كانت رد فعل تجاه قرار يتناقض مع السياسة الخارجية المعلنة للرئيس ترامب بما تفترضه من تناقض وإلغاء لإخفاقات الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما.
قرار الانسحاب من سوريا ترك مساحة تدعو إلى القلق من الموقف الأميركي عند أوروبا، وظهر جليا في كلمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما وصفت الانسحاب بما يشبه اللغز الذي يضع التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب على مسافة من تحديد الواجبات العسكرية أو التخطيط لها لعدم وضوح الرؤية الأميركية من البقاء أو تأجيل الانسحاب أو مصير الفصائل الكردية المسلحة أو أنها مجرد مناورات أميركية على صعيد السياسة الخارجية.
تبعات القلق أشد وطأة على الفصائل الكردية بما يعطي الانطباع أنها أدوات لمن يحميها، رغم أنها مضت في حربها ضد إرهاب داعش إلى آخر الشوط من أجل تثبيت أهدافها في الإدارة الذاتية للمناطق الكردية ضمن الدولة السورية، مقابل تضحيات مقاتليها ودمائهم رغم معرفتهم بالتجريب القريب لإمكانية تخلي الولايات المتحدة عنهم، أو استمرارها في استخدامهم ضمن مقاربات سياساتها مع تركيا وإيران وروسيا والاتحاد الأوروبي وأيضا في جرد الحسابات بين إدارة ترامب ومناوئيه في مجلسي النواب والكونغرس.
سياسة دونالد ترامب بدعائمها الأساسية تقوم على مبدأ عدم التبذير في الاقتصاد الأميركي أو بالدماء الأميركية، فأميركا لديه أولا، وذلك لن يكون إلا بسياسة أميركا “بزنس أولا” بدلالة الحرب على الإرهاب وتحديدا في العراق حيث خسائر القوات الأميركية بالأرواح تكاد لا تذكر، ومن قتل منهم كان بحوادث عرضية بعضها لوجستي وغير قتالي، أما سلاح الجو ومساهمته في الحرب فهو خاضع في واجباته ومديات تحليقه ونوعيته لضمانات شبه مطلقة بعدم قدرة الأسلحة الأرضية على استهدافه.
أي إن واجبات القوات الأميركية تندرج ضمن التدريب والمساعدة في رسم الخطط داخل غرفة العمليات المشتركة إضافة إلى الرصد الفضائي وإدارة شبكة الاتصالات والمعلومات، وهي أعمال بمجملها للإسناد حتى في ما يتعلق بواجبات سلاح الجو، وعلى هذا السياق جرت المعارك لإخراج ودحر تنظيم داعش في مدن صلاح الدين والأنبار وما يحيطها من أقضية ونواح وقرى صعودا إلى كارثة “تحرير” الموصل.
القوات الأميركية استخدمت وتخادمت في التغطية الجوية مع أهداف المشروع الإيراني في تدمير المدن عندما كانت فصائل الحشد الطائفي تتربص بالمشهد السياسي في العراق بسياسة التبذير بدماء العراقيين وتدمير مدنهم تحت مبررات التحرير، ومنها تبذير حياة هؤلاء البسطاء الذين اندفعوا تحت منهجية فتوى المرجعية المذهبية ليكونوا وقودا لاحتلال قادة الميليشيات الإيرانية لمعظم مقاعد البرلمان.
المقاتلون الأكراد في سوريا لديهم حقوق يطالبون العالم بالاعتراف بها، وهي حقوق مسلوبة منذ العام 1916، ويتأرجحون في ولاءاتهم من أجلها باتجاه الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى النظام الحاكم في دمشق، وذلك ما يجعلهم في المرحلة المقبلة موضع تأييد دولي نسبي ولن يكون التأييد حاسما بسبب الموقف التركي، لأنهم استجابوا لمطالب الحرب على الإرهاب والقضاء على داعش للنأي بأنفسهم عن تهمة الإرهاب، وهي تضحيات سوف لن يتم إنكارها في أي دولة سورية قادمة.
النظام الإيراني يسعى جاهدا في العراق للتقارب مع إقليم كردستان ويخطط للمزيد من التنازلات تحت سقف الإجراءات التي رافقت الاستفتاء وبالذات الإيقاع بين الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني) في أحداث كركوك، ليترك لكليهما حرية الحركة وما قد ينتج عنها من إزاحات أو اصطفافات داخل الإقليم أو المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك بما ينذر برغبة إيرانية في خلط الأوراق وصناعة الفوضى في العراق تحسبا لسياسة أميركية لا تعتمد التبذير في المواجهات العسكرية أو الاقتصادية، وذلك ما يرسم شكل الصراع بين الولايات المتحدة وإيران في العراق.
إقليم كردستان بالنسبة لإيران يمثل بابا لكسر العقوبات بالتهريب أو بالتبادل التجاري من المنافذ الحدودية، ولجبال كردستان تاريخ في تهريب البضائع أو الأسلحة، لكن الإقليم لن يفرط في الدعم الأميركي في المواقف أو الإعمار أو بترصين الأمن في الإقليم أو بتأثير علاقته بالولايات المتحدة من أجل الإبقاء على دعم الفصائل الكردية في سوريا في حالة انسحاب القوات الأميركية أو تأجيل انسحابها.
لقاء رئيس وزراء العراق عادل عبدالمهدي بقائد القيادة المركزية الأميركية، جوزيف فوتيل، أسفر عن تصريح إعلامي رسمي تداول خروج القوات الأميركية من سوريا دون التطرق إلى مصير وجود تلك القوات في العراق مكتفيا، أي التصريح، بالطلب من الولايات المتحدة دعم العراق في مجال الأمن والإعمار، بما يضع العراق في زاوية قلق الانسحاب الأميركي كما لو كان دولة فصائل مسلحة ترجو أن يكون لها موطئ قدم على أرضها عند نهاية الحرب المفتوحة على الإرهاب.
4 الشهيد علاء مشذوب (!)
إسحاق يعقوب الشيخ الايام البحرينية
… وقفتُ لقول أحدهم… لأحدهم… إن الاستشهاد لا يُطلق على أهل اليسار (…) فالاستشهاد لأهل اليمين (…) وليس لأهل اليسار (…) رددتُ بيني وبين نفسي (لا حول ولا قوة إلا بالله) كأن الذي يُقال… لا يعنيني بشيء بل وليست في مقام أن أدخل في نقاشٍ عقيمٍ لا يعنيني بشيء (…) فاللغة العربية ليست حكراً على أهل الاسلام السياسي ومن لفّ لفهم في هذا الميدان (!)
إن شهداء اليسار من الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين كثرٌ والحمد لله ولا أحد يستطيع إنكار ذلك أو إخفائه.
وكان اغتيال الأديب العراقي الفذ (علاء مشذوب) ما يُشير إلى ذلك حين توجهه إلى مقر اتحاد الكتاب في كربلاء لحضور أمسية أدبية وبعد عودته إلى بيته كما تُشير مجلة (أخبار الأدب) سبقته أيادٍ آثمة بثلاث عشرة رصاصة استقرت داخل صدره لتنتهي مسيرة مبدع حر دفع حياته ثمناً لجرأة ما يخطه قلمه، ولم يتم الكشف عن هوية المسؤولين عن عملية الاغتيال أو الدوافع لها إلا أن التكهنات تُشير إلى أن السبب هو انتقاده لروح «الله» الخميني، حيث كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» قبل أسابيع قليلة من اغتياله: هذا الرجل (الخميني) سكن العراق ما بين النجف وكربلاء لما يقارب (12 عاماً) ثم رحل إلى الكويت التي لم تستقبله فقرر المغادرة إلى باريس ليستقر فيها ومن بعد ذلك صدّر ثورته إلى إيران عبر كاسيت التسجيلات والتي حملت اسم ثورة الكاسيت لتسلم الحكم فيها ولتشتعل بعد ذلك الحرب بين بلده والبلد المضيف له سابقاً (العراق).
وقد ولد علاء مشذوب عام 1968 وتخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد 1992، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه، بدأ الكتابة منذ صغره حيث كان يُراسل جريدة (الراصد) من قبل ان يُكمل العشرين عاماً، ومــن أبــرز رواياته (فوضــى الوطــن) و(جمهورية باب الخـــان) و(انتهازيون.. ولكن) و(شارع أسود) و(بائع السكاكر) و(مدن الهلاك) و(الشاهدان) و(جريمة في الفيس بوك) و(آدم سامي – مور)، كما أصدر مجموعات قصصية منها (ربما أعود اليك) و(زقاق الأرامل) و(خليط متجانس)، اضافة إلى كتب متخصصة في السينما والتلفزيون والنقد من بينها (توظيف السينوغرافيا في الدراما التلفزيونية) و(الحداثة وفن الفيلم) و(تأويل التاريخ الاسلامي في الخطاب الدرامي التلفزيوني) و(مقاربات نقدية في الصورة السينما توغرافية)، وقد حصل راحل الفكر والثقافة علاء مشذوب على عدد من الجوائز منها الجائزة الثانية في أدب الرحلات عن رحلته «عواصم ايران»، واختيرت روايته (فوضى الوطن) ضمن أفضل خمس كتب في معرض ابوظبي. كما نال الجائزة الثالثة للقصة القصيرة بالقصيري في المغرب عام 2015، رحم الله شهيد الوطن العراقي علاء مشذوب وأسكنه فسيح جناته وألهم محبيه الصبر والسلوان (!).
5 محنة «الدواعش» عثمان ميرغني الشرق الاوسط السعودية
«عروس (داعش)»، شميمة خان (19 عاماً)، ما تزال تشغل بريطانيا مثيرة جدلاً واسعاً حول كيفية التعامل مع مراهقة «هربت» قبل أربعة أعوام من أهلها ومدرستها للالتحاق بدولة تنظيم داعش المزعومة في سوريا. حتى خطوة تجريدها من الجنسية البريطانية التي اتخذها وزير الداخلية ساجد جاويد، لم تنه الجدل بين مؤيد، ومعارض، وفريق ثالث يطالب بمزيد من الإجراءات بما فيها تحديث وتعديل قانون الخيانة الذي يعود إلى القرن الرابع عشر لكي يطبق على «الدواعش» البريطانيين.
بريطانيا بالتأكيد حائرة حول كيفية التعامل مع أكثر من 900 شخص سافروا خلال السنوات الماضية للالتحاق بـ«داعش» في سوريا والعراق، وهي في ذلك ليست وحدها، إذ إن الأمر يثير نقاشاً واسعاً في عدد من الدول الغربية الأخرى، لا سيما الدول الأوروبية التي توجه منها أكثر من خمسة آلاف شخص إلى سوريا والعراق للالتحاق بـ«داعش»، وفقاً لتقرير منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. من بين هؤلاء عاد نحو 1750 «داعشياً» إلى بلدانهم الأوروبية، بينما قتل الباقون أو وقعوا في الأسر، وبقي عدد منهم يقاتل مع «داعش» في آخر الجيوب من بقايا «الدولة الإسلامية» المزعومة أو توجهوا إلى دول أخرى مثل ليبيا وأفغانستان. قلة من العائدين أخضعوا للمحاكمة بينما الغالبية يعيشون تحت ظل المراقبة الأمنية باعتبارهم قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة مثلما اتضح في عدد من العمليات الإرهابية المتفرقة في أوروبا.
فعلى الرغم من تشديد قوانين مكافحة الإرهاب، فإن «الدواعش» العائدين يبقون مشكلة أمنية وقانونية وسياسية للدول الأوروبية لا يوجد اتفاق حول كيفية حلها. فمحاكمتهم تتطلب الحصول على أدلة دامغة بشأن مشاركتهم في القتال وارتكابهم جرائم، وفي معظم الحالات يكون الحصول على الأدلة الكافية مشكلة؛ لأن العائدين ينكرون مشاركتهم في القتال ويخترعون قصصاً عن أنهم ذهبوا لتقديم عون طبي أو إنساني. كما أن تنقلهم المستمر بين مناطق القتال يصعب مهمة متابعتهم، مثلما يعقد الحصول على شهود ضدهم بين ملايين الناس الذين شردوا من هذه المناطق. الأهم من ذلك أن السلطات تحتاج إلى إقناع القضاء بأن «الداعشي» الماثل أمام المحكمة يشكل تهديداً إرهابياً جدياً وليس فقط افتراضياً، وإلا فإن الشخص قد يخرج بحكم البراءة أو بالسجن فترة بسيطة.
عدد «الدواعش» الذين عادوا إلى بريطانيا يقدر بنحو 425 شخصاً لا يعرف على وجه التحديد كم منهم قدموا لمحاكمات وكم منهم أخضعوا للمراقبة المستمرة، علماً بأن عدداً منهم ربما لم يصنفوا أنهم يمثلون تهديداً أمنياً على أساس أنهم إما عدلوا عن الأفكار التي جعلتهم يلتحقون بـ«داعش»، أو أنهم أصلاً ليسوا من غلاة المتطرفين الذين يمكن أن يوجهوا مشاعر العداء نحو بلدانهم التي يعيشون فيها، وأن قتالهم إلى جانب «الدولة الإسلامية» المزعومة كان بسبب أفكار حالمة أو ساذجة. هناك أيضاً من يرى أن بعض هؤلاء العائدين يمثلون «كنزاً معلوماتياً» لأجهزة الاستخبارات التي تستجوبهم لمعرفة أسرار تساعد في منع أي عمليات إرهابية، وفي التعرف على العناصر الأشد تطرفاً التي تمثل خطراً أمنياً سواء بالتنفيذ أو التخطيط أو التجنيد.
في الجانب المقابل، توجد أصوات تعتبر أن قتل «الدواعش» في ميادين القتال حيث يوجدون هو الحل الأفضل. وفي هذا الصدد كانت هناك تصريحات لافتة أدلى بها بريت ماكغورك المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي الذي كان مكلفاً التنسيق في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» قبل استقالته احتجاجاً على قرار الرئيس دونالد ترمب بالانسحاب من سوريا، التي قال فيها «إن مهمتنا هي أن نضمن أن أي مقاتل أجنبي التحق بـ(داعش) في سوريا، فسيموت هناك». هذا الرأي قد يكون له أنصاره الذين لا يجاهرون به، لكن المشكلة تبقى أنه على الرغم من القصف المكثف لأكثر من أربع سنوات، والحرب على الأرض، فإن عدداً لا يستهان به من مقاتلي «داعش» الأجانب ما زالوا على قيد الحياة يقاتلون في صفوف التنظيم، أو عاد بعضهم إلى بلدانهم في الغرب، لتتواصل محنة السلطات إزاء كيفية التعامل معهم، وتحمل التكلفة العالية لعمليات المراقبة على مدار الساعة لتحركات ونشاطات من يعتبرون خطراً محتملاً على الأمن القومي.
الواضح أن الرأي الشعبي العام في غالبيته يؤيد منع عودة «الدواعش». ففي حالة شميمة خان مثلاً أشارت استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من 70 في المائة من البريطانيين يرون أنه لا ينبغي السماح لها بالعودة، وهو ما حدث عندما قرر وزير الداخلية تجريدها من الجنسية. لكن القرار قد لا يكون حلاً في دول تخضع لحكم القانون، وبالتالي تضمن للشخص حق الاستئناف أمام المحكمة التي قد تلغي سحب الجنسية إذا لم تقتنع بأن المتضرر يشكل تهديداً أمنياً جدياً للأمن القومي، وهو ما حدث في حالتين نظرتهما المحكمة العام الماضي. وفي حالة شميمة خان التي أعلنت أسرتها أنها ستستأنف القرار، قد تكون هناك أسباب قوية ترجح إلغاء القرار أمام المحكمة. عامل السن قد يكون من الاعتبارات التي ستنظر فيها المحكمة، لأن الفتاة كان عمرها 15 سنة عندما هربت إلى سوريا وتزوجت بعد أشهر قليلة من أحد مقاتلي التنظيم، مما يدعم حجة التغرير بها. صحيح أنها آذت نفسها بتصريحاتها المثيرة للجدل وعدم إظهارها للندم أو الإدانة لممارسات وجرائم التنظيم الإرهابي، لكنها في الوقت ذاته أوضحت سذاجتها التي ستكون ضمن المعايير التي ستوضع أمام المحكمة.
الأمر الآخر أن القانون يمنع سحب الجنسية من الشخص إذا كان ذلك سيجعله مشرداً بلا بلد. ومن هذا المنطلق أعلن محامي أسرة شميمة خان أن المراهقة ليس لديها جنسية أخرى غير البريطانية على الرغم من أن أسرتها مهاجرة من بنغلاديش، مما يعني أن قرار وزير الداخلية سيجعلها مشردة. أضف إلى ذلك أنها وضعت مولوداً في مخيم اللاجئين حيث تحتجز، وحدثت الولادة قبل قرار تجريدها من الجنسية مما يثير مشكلة أخرى لكون الطفل بريطانياً، وفقاً للقانون.
كل هذه التعقيدات توضح حجم المشكلة التي تواجهها دولة مثل بريطانيا بشأن كيفية معالجة قضية «الدواعش». فمنعهم من العودة لا يعتبر حلاً للمشكلة بل رميها على دول أخرى سواء سوريا والعراق، أو دولهم التي هاجرت منها أسرهم. تعديل القوانين وتغليظ العقوبات هما السبيل لمعاقبة العائدين وردع من يفكرون في الالتحاق بـ«داعش» أو غيرها، لكن يبقى الأهم من ذلك هو تفكيك هذه التنظيمات وتكثيف الجهود الدولية لخنقها عسكرياً ومالياً وأمنياً وفكرياً.
6 خرافة نهاية «داعش» فهد سليمان الشقيران الشرق الاوسط السعودية
لم تمضِ أيام على الاغتباط الدولي بالحديث عن «نهاية تنظيم داعش»، إلا وضرب انتحاري بشكلٍ وحشي بالقرب من الجامع الأزهر. استهداف يفتح النقاش على الأحاديث المستعجلة الساذجة حول نهاية هذا التنظيم أو ذاك.
راقبنا طوال عقدين تطور تنظيم «القاعدة» وكيف تشكّل وتطوّر وتحالف وتمركز في العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب. وضع له عواصم فعّالة، ولعب على وتر القبائل، واستطاع بسط سيطرته الميدانية في أكثر من مكان، ولكن نقطة التحوّل بدأت في عام 2006، حينها تصاعدت الأصوات المتفائلة التي تظنّ أن تنظيم «القاعدة» قد انتهى فقط لأن العالم قصم ظهر التنظيم ولاحق قياداته بالطائرات المسيَّرة وجعل حركتهم أقل، وأضعف من قدرتهم على التجنيد، واستطاع ردم منابع التمويل، حينها لم أؤمن بتاتاً بأن التنظيم قد انتهى وذلك لأسباب موضوعية تتعلق بطريقة تشكل التنظيم وتمدده وحركته. زعم بعضهم أن التنظيم قد انتهى لكنه خرج من الباب وعاد من الشباك.
الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، يحذّر من ذلك الركود تجاه التنظيمات والذي قال بوضوح تام خلال لقاءاته في كلٍّ من معهد واشنطن، والمجلس الوطني للعلاقات الأميركية – العربية في واشنطن: «أحذِّر من التساهل مع التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم (داعش). إن (القاعدة) يظل أخطر، وإنه حالياً في وضع كمون ينتظر ضعف المناعة لينشط مجدداً. إن الهزيمة الكاملة للتطرف العنيف والتطرف الإرهابي لا تكون إلا من خلال تفكيك أفكاره التي بنى عليها كيانه الهش».
رؤية مهمة تتحدث عن الإرهاب بواقعية من دون الدخول ضمن أوهام نهايات التنظيمات أو أفولها.
من الطبيعي أن تخسر التنظيمات الإرهابية أراضي سيطرت عليها، وذلك من خلال القصف الجوي أو المدد الميداني، ولكن التنظيمات ليست دولاً ولا حكومات، وبالتالي حين تُطرد من العراق، ومناطق شاسعة في الشام فإنها تفر إلى مناطق أخرى تستطيع أن تتمركز فيها وبخاصة المناطق الهشة في الساحل الأفريقي أو أجزاء من شمال أفريقيا، أو التغلغل في دول أوروبية تمتلك فيها حاضنة ومأوى مثل بلجيكا التي ضرب بها «داعش» بكل قسوة، ولا تزال الإشارات على وجود خلايا نائمة في أوروبا قائمة، والأحداث الأخيرة وإن كانت محدودة غير أنها تعلن عن قوة التنظيم وقدرته على الاستهداف، هذا من الناحية الميدانية البحتة.
ولكن على المستوى النظري فإن أي إعلان لنهاية تنظيم إرهابي شرطه القدرة على سحق التطرف ومحاربة المحاضن النظرية التي تنبت فيها الطروحات التكفيرية، وبخاصة مفاهيم مثل الخلافة، والحاكمية، وتجهيل المجتمعات، ونشر ثقافة الإضراب عن الدنيا والتأفف من الحكومات. ونرى الآن ثقافة التطرف منتعشة في العالم الإسلامي، والحرب عليها ضعيفة للغاية، لسببين اثنين؛ الأول: أن التطرف سابق على الإرهاب، والمفاهيم المرتبطة به منتشرة ومبثوثة ضمن خطاب ليس كله معلناً بل أخطره الخفيّ والمضمر، ومن دون فحص قوي لطرق التعبير وأساليب الأمر والنهي، ونظام الخطاب المطروح فإن أي مهمة ستكون فاشلة. السبب الثاني: أن بعض الدول الإسلامية لديها نظم برلمانية رموز التطرف معششون فيها، مما يمنعها من الدخول في عش الدبابير والقبض على المخاطر النظرية ونقدها ولجم الخطاب المتطرف عبر عمل مؤسساتي ثقافي فكري اجتماعي قبلي وذلك يأتي بموازاة المواجهة الأمنية الضرورية.
طوال عقود الإرهاب المريرة وصعود جماعة «الإخوان المسلمين» في الثلث الأول من القرن العشرين مع بدء تشكل الدول الحديثة التي هي منبعه الأساسي، كان سؤال الهوية أبرز سبب لانتشار مفاهيم التطرف والعنف. جميع الكتابات الإخوانية التي تتحدث عن جاهلية القرن العشرين، وضلال الحكومات، وضرورة الحرب ضد الغرب، قدحت من ضمن جذوات اشتعالها مع قلق الهوية، لم يكن الارتباط بمفهوم الدولة حاضراً في الخطاب، بل تم تعميم الخطاب الأممي، ورثت الشمولية الإسلامية أنقاض الأممية القومية -كما يعبر محمد جابر الأنصاري- وكتب سيد قطب مؤلفاته كلها منطلقاً من انعدام إيمانه بانتمائه لمصر على مستوى الدولة أو المجتمع بتاريخه وإرثه وثقافته وآدابه، ورث هذا الإنكار كل المنظرين للمفاهيم أو الموجَّهين العسكريين، وباتت الهوية لدى «الإخوان المسلمين» والجماعات المتطرفة منعدمة، الخطوط للانتماء عريضة، الأمة هي المرجع، وتحقيق الخلافة هي الهدف، والمرشد الأعلى (سواء لـ«الإخوان»، «القاعدة»، «داعش»، «بوكو حرام»، «حزب الله») هو الموجه السياسي والمفتي والناصح وطاعته بها النجاة من الكفر في الدنيا وصولاً للنعيم المقيم بالآخرة.
إن جميع المتطرفين في العالم يعادون الدولة ويعارضون «العقد الاجتماعي» ويطمسون الفرد.. هذا هو هيكل التنظيم الأساسي. ويمكن التذكير مجدداً بكتابٍ رائع لبول دوموشيل بعنوان «التضحية غير المجدية – بحث في العنف السياسي»، وفيه يشرح نظرية توماس هوبز للدولة وعلاقات الدولة والعنف والجماعة المارقة. تفضل الجماعات المارقة العيش في ما يعرف بـ«حالة الطبيعة» التي تسبق الدولة، وشعارها «حرب الجميع ضد الجميع» من دون عقد اجتماعي، أو قانون نافذ، أو مؤسسة فاعلة، وضع أشبه ما يكون بالغابة، به تتجلى حالة «السبع» أو «الذئبية»، إنها حرب أبدية من دون مبرر، بينما مفهوم الدولة يحقق العقد الاجتماعي الضابط لعلاقات الأفراد بالمجتمعات وبالدولة، ومهمة الدولة نزع السلاح من أجل أن تحتكر وحدها استخدام العنف، وذلك ضمن القانون ومهام كل مؤسسة لإنفاذ العدالة المنصفة.
هذا بيان للناس، أن الإرهاب لم ينتهِ، وحذار أن تطمئن الحكومات والمؤسسات الأمنية، والصروح الفكرية لهذا الوهم. إن خروج «داعش» من أراضٍ معينة لا يعني أبداً نهاية التنظيم، ويا له من وهمٍ خطير إنْ انطلى على أحد. والحال يشبه قول الشاعر الحكيم خلف بن هذال العتيبي:
ولا تامن فروخ الداب ولو عاشن وابوهن مات
يجنّ الظهر بانيابٍ تنسّل كنها انيابه
صحيح أهل القرى ماياخذون إلا على الغفلات
عِبرْ والمعتبر يعيا الأمور وياخذ حسابه
7 دواعش الغرب د.احمد مصطفى الوطن العمانية
ملخص النداء الأميركي لدول الغرب: “خذوا دواعشكم وإلا أطلقناهم”، مع تفصيل بأن الولايات المتحدة لا ترغب في أن ترى “هؤلاء الإرهابيين يعيثون دمارا في دولهم” التي يحملون جنسياتها. ويتعلق الطلب الأميركي بحوالي 800 من المتطرفين الذين انضموا للجماعات الإرهابية في سوريا وأسرتهم قوات سوريا الديموقراطية (ميليشيا كردية في أغلبها) التي تحارب تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وهي قوات مدعومة أميركيا. لكن أعداد الإرهابيين الذين يحملون جنسيات دول غربية أكبر من ذلك بكثير وربما يزيد عن ضعف هذا العدد، بعضهم خرج من سوريا والعراق وكمن في تركيا وبعضهم ذهب إلى بؤر إرهاب أخرى في إفريقيا أو آسيا أو حتى هرب إلى بعض دول أوروبا. ويأتي الطلب الأميركي للدول الغربية أساسا لرغبة الولايات المتحدة في التخلص من عبء هؤلاء الإرهابيين، إذ لا تريد واشنطن حتى نقلهم إلى معتقل جوانتانامو الشهير.
ما يثير الاهتمام حقا هو ذلك الجدل الدائر في بريطانيا حول عودة هؤلاء، وركزت الضوء عليه حالة المراهقة شميمه بيجوم – التلميذة اللندنية التي ذهبت مع غيرها إلى سوريا وتزوجت من داعشي آخر وحملت منه لتضع مولودها قبل أيام. ومع اندحار “داعش” وأسر من لم يفر أو يقتل من الإرهابيين، تعيش الأم الداعشية مع وليدها في معسكر للأسرى (أو اللاجئين كما تصفه الصحافة البريطانية) وتسعى للعودة إلى أسرتها في لندن. وفي مقابلة مع وسائل إعلام بريطانية دافعت شميمه عن نفسها بأنه لا دليل على أنها تمثل خطرا، وبررت انضمامها لـ”داعش” بأنها “أغريت بالفيديوهات الجهادية” ولم تكتشف حقيقة الوضع إلا بعد مدة. وتطلب تعاطفا من الناس مع حالتها، وكذلك أسرتها التي تريد استعادتها. ولذلك الجدل في بريطانيا أكثر من مستوى، يمكن بتعسف وصفهما بالمستوى الرسمي (القانوني) والمستوى الشعبي العام (وضمنه الإعلامي).
على المستوى الرسمي تخشى الأجهزة الأمنية من عودة هؤلاء الدواعش، وترى أنهم يمثلون خطرا ـ إن لم يكن أمنيا مباشرا فعلى الأقل خطر نشر أفكار التطرف وجعلها مقبولة بين الأجيال الشابة. في الوقت نفسه، يرى القانونيون ومؤيدو الحقوق المدنية أنه لا يمكن لدولة أن تتخذ إجراء يجعل مواطنيها بلا بلد. ويجد السياسيون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، فإذا أخذوا بوجهة النظر الأمنية سيتهمون بأنهم يخرقون القانون والدستور وحقوق الإنسان الأساسية، وإذا أخذوا برأي الأخيرين يؤخذ عليهم أنهم تجاهلوا الخطر الأمني على البلاد. ويشكل الضغط الأميركي لإدارة الرئيس دونالد ترامب على الشركاء الغربيين ليعيدوا هؤلاء المتطرفين إليهم عاملا آخر يزيد من إرباك السياسيين. ولا أحد هنا يناقش كيف لأجهزة الأمن والاستخبارات أن سكتت عن هؤلاء ولم تنتبه لخطرهم في حينه، ولا حتى حالت دون انضمامهم إلى صفوف الإرهابيين. وبالطبع لا يجادل أحد القانونيين في أن هؤلاء إنما خرقوا القانون وتجاوزوا حدود المواطنة السليمة بانضمامهم لتنظيمات إرهابية ـ حتى لو لم تكن ترتكب إرهابها على الأراضي البريطانية.
المهم والأخطر هو ما يجري على المستوى الشعبي، خصوصا وأن الجماهير العادية لا تعبأ بانضمام هؤلاء المتطرفين لـ”داعش” أو غيرها طالما أنهم يرتكبون إرهابهم في سوريا أو العراق أو غيرهما من بلاد المسلمين. وبالتأكيد، لا يهم معظم البريطانيين موضوع حقوق الإنسان وحق المواطنة القانوني طالما أن هؤلاء اختاروا الإرهاب والتطرف، خصوصا مع ارتفاع موجات الشعبوية المتطرفة والتمييز ضد البريطانيين من أصول مهاجرة وأكثر ضد المسلمين من آسيويين وأفارقة. وربما لا يعلم كثيرون أن من العوامل الرئيسية التي جعلت البريطانيين يصوتون عام 2016 في استفتاء البريكزت على الخروج من الاتحاد الأوروبي هو تصورهم أنهم “سيعيدون المهاجرين إلى بلادهم”. ولم يكن في ذهن كثيرين منهم أن القصد هو الهجرة من أوروبا، بل الهجرة بشكل عام ـ حتى هؤلاء الآسيويين والأفارقة الذين أصبحوا بريطانيين بالجنسية. ولا يتوقع أن تستجيب الغالبية من هؤلاء إلى دعوات التعاطف والتسامح التي تطلقها الزوجة الداعشية أو أسرتها، ما يشكل معضلة أخرى للسياسيين.
يبقى أن قضية شميمة بيجوم، ودواعش بريطانيا والغرب عموما، إنما تغذي حالة الإسلاموفوبيا التي تتصاعد مع المد الشعبوي وزيادة معدلات العنصرية تجاه المهاجرين والذين ينحدرون منهم من بلاد مسلمة بصفة خاصة. وللأسف الشديد، يدفع ذلك بعض السياسيين والشخصيات العامة من المهاجرين إلى المغالاة في “السلامة السياسية” Political Correctness فتكون مواقفهم عبئا على جاليات المهاجرين أكثر منها مخففة لما يتعرضون له. هذا ما يجلبه دواعش الغرب، ليس فقط من إرهاب ودمار على المناطق التي ينشطون فيها بل أيضا على المسلمين وغيرهم من بلادهم الأصلية الذين يلتزمون بالقانون ويعيشون حياة سليمة. ولطالما كانت تلك غاية لقادة التطرف والإرهاب بقصد دفع الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين لرد الفعل على الاضطهاد والتمييز ـ الذي هو في جزء منه بسبب أفعال الإرهابيين ـ بالتطرف وسهولة تجنيدهم. تلك الدائرة الجهنمية من التطرف والإرهاب ورد الفعل عليه يصعب كسرها بالتزام القانون أو برد الفعل المتطرف في العنصرية، وإنما تحتاج لنسف الحلقة الأساسية فيها: الإرهاب والتطرف.