3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 القوات الامريكية في العراق: لمن ستكون الغلبة للمطالبين ببقائها ام للساعين لطردها؟ ادهم ابراهيم
راي اليوم بريطانيا
كثيرا ماتطرح تساؤلات عن اسباب عدم استطاعة الشعب العراقي الاعتماد على نفسه وينتظر المنقذ من الخارج، ولكننا نعلم ان الشعب العراقي من الشعوب الحية التي لاتسكت على ضيم، وهو كطائر العنقاء قادر على ان يخرج من الرماد ليعيد دورة حياته مجددا.. ولكنه سقط الان في كبوة نتيجة ادخاله في متاهات الدين والتدين والطائفية ودولة الخلافة المزعومة والفتاوي التي ما انزل الله بها من سلطان، وهناك مرجعيات دينية ومرجعيات سياسية ومخابراتية .
فاصبح البلد ساحة للصراعات الاقليمية والدولية، وقد خضع الشعب لاكبر عملية غسل دماغ وتشوش فكره وتبنى مواقف مختلفة كل حسب بيئته ومنطقته . اضافة الى ان هناك اكثر من خمسين فضائية تبث السموم على مدار الساعة . ومحطات رسمية اخرى تتعمد تجهيل الشعب للسيطرة عليه وابتزازه . وهناك دولتان رئيستان لهما مصالح دولية واقليمية في العراق يظهران العداء العلني بينهما ويتوافقان على تنصيب اللصوص لقيادة الدولة . فكل الحكومات المتعاقبة في العراق منذ احتلاله عام 2003 والى يومنا هذا تتشكل بالتوافق بين امريكا وايران , بهدف بقاء العراق دولة ضعيفة يسهل السيطرة عليها.
ونتيجة لهذا الالتباس والتشويش في ذهن المواطن العراقي فقد ضاقت به الحياة , وانشلت ارادته وحل اليأس محل الامل والتفائل في حياته , فاخذ يبحث عن من يخلصه من هذا الاخطبوط الجاثم عليه من احزاب وميليشيات تمول من الفساد وتدار من الدولة العميقة . فانقسم الى من يؤيد هذا الطرف او ذاك . حيث هناك من يأمل الخلاص على يد الامريكان وهو يعلم جيدا انهم السبب الرئيس لكل هذه الفوضى وهم من جلبوا الطغمة الفاسدة التي يريد الخلاص منها على ايديهم . والطرف الاخر يتصور ان المخلص هو ايران , مدفوعا بالضغوط الاعلامية والدعائية وهو يعلم ايضا ان السلطة الغاشمة التي تحكمه مسنودة من الجانب الايراني بالتوافق مع الامريكان .
وهناك من ينتظر المخلص الميتافيزقي مثل غودو ليخلصه من واقعه الاليم . كل ذلك في غياب الطبقة المثقفة او تغييبها عمدا , حتى اصبحت بلاحول ولاقوة لها , وكثير من المثقفين فروا الى الخارج نتيجة اعمال العنف المتبادلة . اضافة الى ان هناك من يدعون اليسارية والوطنية قد تحالفوا مع اطراف من العملية السياسية ذاتها وهم يتصورن ان الخلاص سيأتي بايدهم . . ومازل الجميع يدور في حلقة مفرغة.
وفي هذا الوضع الضبابي نرى ان حرب التصريحات والتصعيد الاعلامي بين امريكا وايران قد جعلت الشعب العراقي هو الاخر ينقسم بين مؤيد لبقاء الوجود العسكري الامريكي وبين من ينحاز للنفوذ الايراني في العراق.
ايران تضغط على مناصريها في العراق لاخراج القوات الامريكية باصدار تشريع لهذا الغرض . وامريكا تهدد صراحة بان اخراج القوات الامريكية من العراق سيعيد داعش ودولته المشؤومة الى داخل الحدود العراقية , وان كركوك ستخرج نهائيا من نطاق الحكومة الاتحادية . اضافة الى فرض عقوبات اقتصادية على العراق في حالة قيامه بالتهرب من العقوبات الامريكية على ايران.
بعض قادة الاحزاب الحاكمة مافتئوا يعلنون رغبتهم باخراج القوات الامريكية من العراق . وقد نسوا او تناسوا ان هذه القوات هي من نصبتهم حكاما وجعلتهم يتحكمون بالدولة ويتكلمون باسم الشعب . . كما اننا نعلم جيدا ان حكام العراق لا يملكون اي مقومات ذاتية للبقاء لولا دعم ومساندة الدولتين الامريكية والايرانية وهاتين الدولتين تتحكمان بسياسة العراق الداخلية والخارجية وان اي انحياز لطرف على حساب طرف اخر سيغير من موازين القوى ويثير الكثير من المشاكل والصراعات , ويجعل من العراق ساحة احتراب هو في غنى عنها.
ان ايران لاتجازف بمواجهة امريكا عسكريا , الا اذا اضطرت لذلك . كما ان امريكا تتجنب الصدام مع ايران لانها تراهن على ورقة العقوبات وهي لاتريد ان تضحي باي جندي امريكي . انها لعبة توازنات وقع ضحيتها الشعب العراقي فلا تصدقوا ان امريكا ستتعاطف مع الشعب العراقي الا اذا اقتضت مصالحها ذلك . وايران هي الاخرى تريد بقاء العراق ضعيفا حتى يصبح حديقة خلفية لها , وهي لن تتخلى عن نفوذها فيه حيث ان تواجدها في العراق يساعدها على الصمود اكثر امام العقوبات الامريكية , اضافة الى ان العراق هو الممر الاستراتيجي لتمددها في سوريا ولبنان حتى البحر المتوسط . وهي ترغب في ان تكون من دول الطوق لاسرائيل حتى تساهم في لعبة الحلول السياسية للقضية الفلسطينية ويعطيها نفوذا مهما في المنطقة كلها لقد اصبح العراق دولة بلا سيادة حقيقية وتحكمه عصابات ومافيات ولم يحصل الشعب حتى على فتات الموائد .
وقد تعطلت كل الخدمات العامة وكذلك الصناعة والزراعة , وحصرت التجارة بايدي الحيتان الكبيرة , فاي مستقب ينتظره . ويوما بعد يوم تزداد وتيرة التبعية لايران خصوصا بعد العقوبات الامريكية عليها . اننا لسنا ضد التعامل التجاري مع دول الجوار وخصوصا ايران , الا ان ذلك لايمكن ان يتم على حساب مصلحة البلد حيث تم تدمير الصناعة والزراعة وهما عماد الاقتصاد العراقي خارج الاقتصاد الريعي . ويحققان تشغيل ايدي عاملة عراقية وتحريك الاقتصاد للتخلص من الاعتماد الكلي على النفط ذو الاسعار المتذبذبة ويجنبنا التبعية لهذا الطرف او ذاك ان الارتماء باحضان ايران لايقل خطورة عن الارتماء باحضان امريكا او اي دولة اخرى . وان حفظ حقوق العراق وتحقيق السيادة له يقتضي اقامة علاقات متوازنة مع كل الدول على قدم المساواة . ان التغلغل الايراني في كل مفاصل الدولة والاستجابة لمطاليبها في الاصطفاف معها ضد الولايات المتحدة الامريكة سيؤدي الى اضرار فادحة للشعب العراق ومستقبله من الناحية الاقتصادية والسياسية .
ونحن نرى واقعه الان من خلال هذه التبعية . لقد ارتكبت الحكومات السابقة نفس الاخطاء , ووقعنا في دوامة من الحروب الداخلية وانهار الاقتصاد العراقي , كما تم احتلال اجزاء كبيرة من اراضيه من قبل دولة الخلافة الفاشية , الدواعش المجرمين . وفقدنا سيادتنا وقرارنا المستقل اننا لانتوقع من الامريكان تصحيح ماقاموا به من اخطاء قاتلة , وعلى الاخص تخليصنا من هذه الطغمة الحاكمة وذيولها من الذين يعتاشون على دماء شعبهم واستغلالهم , ولكننا نثق بقدرات الشعب العراقي لاخذ زمام المبادرة والقيام بانتفاضات عارمة في عموم العراق . وهم اولاد ثورة العشرين والانتفاضات الخالدة>
ان انتفاضة الشعب لن تخيف الحكام المحليين فقط , بل كذلك كل من يقف ورائهم ويدعمهم . فالقوى المساندة لهم يحسبون حسابا للشعب اكثر مما لحكومته الفاسدة . والدولتين الحاكمتين في العراق لن تحترمان ارادة الشعب الا اذا وجدتا من يرفض وجودهما ويزلزل الارض تحت اقدامهما، فهل سنشهد في قابل الايام صيفا ساخنا يزيح الطغمة الحاكمة , ويطيح بكل الرؤوس الفاسدة ومن وراءهم
2 من «دولة البغدادي» إلى «الذئاب المنفردة» غسان شربل الشرق الاوسط السعودية

«دولة البغدادي» موعودة بسقوط وشيك. ولم يكن مقدراً لها أن تدوم. غداة إطلالتها المدوية توقع الخبراء أن يبادر العالم إلى اقتلاعها. ليس فقط لأنه لا يستطيع التعايش معها، بل أيضاً لأن الإرهاب يرتكب خطأ قاتلاً حين يجلس تحت عنوان معروف. قوة الإرهاب تكمن أولاً في غياب العنوان ما يصعب استهدافه أو القبض عليه.
ضرب «داعش» المنطقة كزلزال وافد من أعماق الماضي. وبدا واضحاً أنه يسير في الاتجاه المعاكس للتاريخ والعصر. أفاد الجيش الأسود الغامض من تراث «القاعدة». وإسقاط نظام صدام حسين. وسياسات الثأر التي استحكمت في بغداد. ومن التصدع الدموي للدولة السورية. ومن المعبر التركي المفتوح الذي أتاح لـ«الدواعش» وأشباههم التسلل إلى الحلبة السورية.
كانت سنوات «دولة البغدادي» عنيفة ومخيفة وحافلة بمشاهد لم يعاين العالم مثيلاً لها في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. مسلحون وافدون من كهوف التاريخ يستخدمون آخر إنجازات التكنولوجيا لإرعاب العالم بمشاهد النحر والرؤوس المقطوعة وإحراق الأسرى والتصفيات أمام الكاميرات. كانت أطول عملية تخريب وترهيب شهدتها المنطقة التي لم يبخل عليها سوء الحظ بالقساة وممارساتهم.
كانت سنوات «دولة البغدادي» باهظة في العلاقات بين المكونات. ليس فقط لأنها مشروع شطب وطلاق، بل أيضاً لأنها صيغة لتوزيع الدمار على المدن والدول والشراكات الوطنية وجسور التعايش. وشهدت شطباً للحدود الدولية بين العراق وسوريا، وهو ما لا يستطيع العالم القبول به، ونذكر كيف ردَّ على محاولة صدام شطب الحدود الدولية بين العراق والكويت.
لم تكتب قصة «داعش» بعد. إنها معقدة وتشمل أدوار من حاربها ومن اخترقها وحاول توظيف وحشيتها في خدمة برنامجه، ومن تذرع بوجودها لتبرير سياسات من قماشة تلك التي تسببت في ولادة «داعش». وثمة من يعتقد وبينهم القيادي الكردي السوري صالح مسلم أن «داعش» تحول إلى سوبرماركت دخلته أجهزة الاستخبارات مركزاً اتهاماته على الاستخبارات التركية.
أمضينا سنوات مع «دولة البغدادي» والحرب عليها. فرضت نفسها على الصفحات الأولى وأثارت فضول الصحافيين، وكنت واحداً منهم.
في العاشر من يونيو (حزيران) 2014، كنت على موعد في باريس مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. قبل مغادرة الفندق استوقفني خبر عاجل على قناة «العربية» يعلن سقوط مدينة الموصل بيد «داعش». وجدت بارزاني قلقاً رغم طبعه الهادئ. كان يتلقى التقارير ويتساءل عن السبب الذي جعل آلاف الجنود العراقيين يفرون من المدينة ومحيطها تاركين ترسانة أسلحتهم الأميركية في قبضة أفراد التنظيم. أكد أن إقليم كردستان «لا يستطيع التعايش مع هؤلاء الوحوش على حدوده». وروى أنه لفت رئيس الوزراء نوري المالكي إلى نشاطات مشبوهة للإرهابيين في محط الموصل، وأن الأخير رد مؤكداً أن الوضع تحت السيطرة، ملمحاً إلى أن على بارزاني أن يكتفي بحمل هموم الإقليم وحده. وقبل المغادرة، قال بارزاني: «هذا هو الشرق الأوسط للأسف. لا نكاد نخرج من حرب حتى ندخل في أخرى». ورأيته لاحقاً يجول على خطوط التماس مع «داعش» خصوصاً أن بدايات المواجهات كانت مكلفة بسبب التفوق العسكري للتنظيم بفعل الترسانة التي غنمها في الموصل.
الفضول مرض ملازم للمهنة يتقاعد الصحافي فور انحساره. شاءت المهنة أن ألتقيَ بمتهمين بالإرهاب وأحاورهم، لكنني كنت متشوقاً لمحاورة «داعشي»، خصوصاً من هؤلاء الذين قدموا من أماكن بعيدة للانضواء تحت رايات ما زعم أنه «دولة الخلافة». في الأسبوع الأخير من أغسطس (آب) 2017 تمنيت على الرئيس بارزاني التدخل لأتمكن من لقاء بعض «الدواعش» المعتقلين في مقر مكافحة الإرهاب في أربيل، فتجاوب مشكوراً.
أعطاني مسؤول المقر مكتباً وتم إحضار المعتقلين تباعاً مع مترجم حين تستدعي الضرورة. روى لي الصيني س. ق. ك. أنه جاء مع عائلته من تركستان الشرقية إلى تركيا ونفدت مدخراته فيها، لكن شبكة تعمل هناك دفعت تكاليف انتقاله إلى الرقة ومنها إلى تلعفر، حيث ألحقوه بـ«معسكر أبو هاجر التركستاني» وأخضعوه لـ«دورة شرعية» تضمنت تدريباً على السلاح. وبرر التحاقه بـ«داعش» بما صور له أنه سيعثر على «دولة» تشبهه ويتيسر له فيها العيش بحرية وفق معتقداته، وهو ما قال إنه غير متاح في الصين. واعترف في النهاية أنه «خدع» وأنه لم يعثر على ما ادعوا وجوده.
قوبلان أوزاق حسن جاء من كازاخستان أرسلوه إلى تلعفر، حيث التقى متحدثين بالروسية جاءوا من أوزبكستان وطاجيكستان وداغستان وتركمانستان والشيشان. اعترف أنه شارك في عمليات عسكرية، لكنه نفى القيام بعمليات قتل فردية. وأعرب عن خيبته لأنه لم يعثر في «دولة البغدادي» على الصورة التي نقلت إليه.
الأميركي ر. ك. درس العلوم الدينية في ترينيداد. قال إنه شاهد على «يوتيوب» شريطاً لامرأة سورية تنزف وسط الركام وتنادي المسلمين النجدة. قرر المجيء واصطحب زوجته الطبيبة إلى تركيا. وهناك كانت الشبكة في انتظارهما وتولت نقلهما إلى مناطق «داعش» حيث أخضع لـ«دورة شرعية».
والتقيت أيضاً عراقياً من تلعفر وسكان بغداد. قال إنه التحق بـ«داعش» بسبب «السياسات الطائفية التي استهدفت السنة في العراق في عهد المالكي». والتقيت سورياً من عامودا قرب القامشلي. قال إنه التحق بـ«الجيش الحر» وحين طرد الأخير التحق بـ«داعش» لمواصلة القتال ضد النظام.
لم يجتذب «داعش» فقط المقاتلين الجوالين الباحثين عن مسرح للاشتباك. اجتذب أيضاً بسطاء انطلت عليهم الصور والأشرطة والدعاية المسمومة التي استدرجتهم إلى ما قدمته في صورة «أرض الخلاص والأحلام». لهذا لا بد من العودة إلى دراسة ظاهرة «داعش» مع الإعلان عن نجاح التحالف الدولي في الانتصار عليه واجتثاث دولته. لا بد من التفكير في التصدعات التي سهلت ولادته وعمليات الاستقطاب وتوفير المعبر الآمن للراغبين في الالتحاق به.
سقوط «دولة البغدادي» لا يعني نهاية «داعش». فالتنظيم قد يتشظى في صورة «ذئاب منفردة» شديدة الخطورة بانتظار العثور على ملاذ جديد. وقد يؤدي تشظيه إلى تقدم «القاعدة» لوراثة بعض عناصره. انتهت صفحة المواجهات العسكرية بالطائرات وبدأت صفحة من الحرب الأمنية والاستخباراتية المفتوحة.
3 طائرة بغداد ـ العلا… رحلة ناجحة في المدار العربي عدنان حسين الشرق الاوسط السعودية
هي مجموعة من صور «السيلفي» التذكارية العادية التي يُلتقط مثلها يومياً عشرات الآلاف على متون الطائرات لمختلف شركات الطيران عابرة الأجواء والحدود فوق القارات… هذه الصور المنشورة في صفحات التواصل الاجتماعي لعراقيين في الأيام الأخيرة مُلتَقطة داخل طائرة مدنية خاصة أثناء رحلة غير مألوفة. العراقيون الظاهرون في الصور عددهم يزيد على عشرين، نساءً ورجالاً، وقد طفحت وجوههم بعلامات البِشر. هم جميعاً ليسوا مسافرين عاديين… معظمهم شخصيات مرموقة، يعرفون بعضهم بعضاً جيداً مثلما هم معروفون ومقدّرون في العراق وخارجه، فهم ممثّلون ومخرجون وكتّاب في قطاعات المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون وموسيقيون ومغنون وصحافيون وسواهم من العاملين في هذه القطاعات والقطاعات المساعدة.
صور كهذه مألوفة في العالم كلّه، فعلى الدوام تسافر مجموعات من الفنانين والكتاب للمشاركة في مسابقات وفعاليات أدبية وسينمائية ومسرحية. مثل هذا يحدث على مدار السنة في أوروبا واليابان وأميركا وأفريقيا مثلاً، وفي عالمنا العربي أيضاً حيث مهرجانات السينما والمسرح والموسيقى والغناء ومعارض الكتب.
مع ذلك، الصور التي نشرها بعض الفنانين المشاركين في الرحلة هذه أثارت حفيظة البعض في العراق ممن اختاروا أن يشنّوا حملة ضد الركّاب، رغم نوعيتهم المميّزة، بل بسبب نوعيتهم هذه… والسرّ يكمن فقط في وجهة الرحلة وفي المناسبة التي استقلّ الفنانون والكتاب العراقيون الطائرة للمشاركة في أحداثها الفنية.
أما الوجهة فمدينة العلا التاريخية السعودية، وأما المناسبة فالاحتفالية الكبيرة بإطلاق قناة «MBC العراق» (الأحد الماضي) المُعلن عنها منذ مدة، وهي قناة انتدِبت للعمل فيها وإعداد برامج لها نخبة من الفنانين والفنيين والكتاب العراقيين، ولم تكن مشروعاً سرياً.
أصحاب الحملة عابوا على الفنانين والكتّاب مشاركتهم في مشروع تلفزيوني سعودي (قناة عامة ترفيهية) هو الوحيد الموجّه إلى العراق، الذي يزدحم فضاؤه الآن (بل منذ خمس عشرة سنة) ببثّ العشرات (55) من القنوات التلفزيونية الإيرانية أو العراقية الممولة مباشرة من إيران، فضلاً عن محطات راديو وصحف ورقية وإلكترونية، وهي جميعاً موجَّهة سياسياً ودينياً ومذهبياً.
الحملة سبقت رحلة الطائرة المسافرة من مطار بغداد الدولي إلى مطار العلا المحلي بأيام، فهي انطلقت منذ اللحظة التي أُعلِن فيها من دبي عن عزم مجموعة «MBC» إطلاق قناتها العراقية، مع أن عدداً غير قليل من الكتاب والفنانين والإعلاميين العراقيين استقبل الإعلان بترحاب شديد. واحد من أسباب الترحاب الأمل بأن يؤثّر هذا المشروع الجديد إيجابياً في وضع الإعلام العراقي المتردّي، فهو يمكن أن يجتذب الإعلام العراقي، خصوصاً إعلام الدولة الممول جيداً، إلى الانخراط في منافسة إيجابية. واحد آخر من الأسباب أن مشروع «MBC العراق» يمكنه أيضاً أن يوفّر فرصاً مهنية للكتاب والفنانين العراقيين عزّت عليهم في بلادهم أمداً طويلاً، لإنتاج أعمال فنية ودرامية عجز عن إنتاجها الإعلام المحلي على مدى خمس عشرة سنة. وثمة سبب ثالث للترحاب بالمشروع السعودي أنه يُعيد ما انقطع من حبال الوصل بين العراق وبعض العرب في العقود الأخيرة.
لم يكن من الصعب، على العراقيين خصوصاً، تبيّن الصلة الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة بعملية تنظيم الحملة المناهضة لحفلة العلا ورحلة الطائرة من بغداد إليها، وللمشروع الأم (MBC العراق)، فثمة خشية من أن هذا المشروع يشكّل تهديداً لمشروع الدعاية الإيراني الموجّه إلى العراق، وهو مشروع مُفتقد إلى فعالية التأثير، لأنه مُؤسس على السياسة والمذهبية (نظام ولاية الفقيه ومبادئه وأحكامه)، وتحفل تفاصيله بالبرامج الدينية ذات الطابع الطائفي غير المستساغ في العراق.
على أي حال، الطائرة المنطلقة من بغداد، المزدحمة بالفنانين والكتّاب والإعلاميين، وصلت إلى وجهتها السعودية في الموعد المحدّد، فازدادت وجوه المسافرين بشراً، ونجحت الحفلة التي شاركوا في إحيائها، بل كانوا هم عماد فعالياتها، لينجح بالتالي انطلاق مشروع «MBC العراق». لكن الأهم من كلّ شيء أن المشروع الذي حقّق أكبر مستوى من النجاح هو فشل محاولة أخرى في قطع حبال السرّة بين العراق ومحيطه العربي، والسعي للانتقال به إلى محيط غريب، فحملة التسقيط لم تسجّل أي نجاح يُذكر؛ خصوصاً في الوسط الثقافي والإعلامي المؤثّر الذي قابل الحملة بالرفض والامتعاظ.
هذه رسالة مهمّة جداً للعرب خارج العراق على وجه الخصوص، فثمة بعض منهم ظلّ يظنّ لسنوات أن عراق ما بعد صدام لن يعود واحداً من أقمار المدار العربي. هذا بالطبع وهمٌ أكثر منه ظنّاً، يتعيّن الآن أن يتبدّد ليجري السير بالاتجاه المؤدي إلى الوجهة الصحيحة، وهي وجهة لا تبتعد عن مسار ووجهة طائرة الفنانين والكتاب العراقيين المنطلقة من عاصمة العراق إلى إحدى المدن العربية القديمة في جزيرة العرب.