1 كفاءات عراقية تواجه تحديات المستقبل
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
يلتئم في الثاني من الشهر المقبل في مدينة إسطنبول التركية شمل النخب والكفاءات العراقية باجتماع يعقده لها المنتدى العراقي للنخب والكفاءات على مدى يومين.
والمنتدى هو مؤسسة شعبية وطنية عراقية تأسست سنة 2014 تسعى إلى إعادة الاعتبار للعقل العراقي، بعد أن انحدرت العملية التعليمية في البلاد ووصلت بمستوياتها الدراسية وحلقاتها العلمية كافة إلى الحضيض، إذ أن تخريب التعليم والإجهاز على مؤسساته الأكاديمية كانا الهدف المركزي للاحتلال الأميركي والمستوطنة الخضراء، ومصداق ما نقول أن الحكومات المتعاقبة واصلت نهجا تخريبيا متعمدا تجاه العملية التعليمية وصل إلى حد الإهمال المطلق، وما يحدث في التعليم من تزييف وتزوير يحدث أيضا في مجال البحث العلمي، فقد انتهى زمن الجودة والرصانة، ودخلت الأحزاب الدينية طرفا رئيسيا في تخريب التعليم، إذ أقامت هذه الأحزاب وميليشياتها جامعات وكليات ومعاهد وهمية، وبدأت تمنح شهاداتها لقاء مبالغ مالية.
وأحزاب الأرصفة التي تتحكم بمصائر العراقيين ومقدرات العراق، جيش من الجهلة والمزورين والأميين واللصوص في التعليم، يشرف على العملية العلمية في البلاد، ولم يبق في العراق من مجموع علمائه وخبرائه وباحثيه أكثر من 25 بالمئة.
ولا تجد عناء في العثور على العقول العراقية، التي قام على خبراتها بناء البلاد إذا ما زرت المقاهي والكافيهات الموجودة في لندن وعمان والقاهرة والشارقة وأبوظبي ودبي والمنامة وباريس وجنيف وفيينا وغيرها، ولكنك ستجدها طاقات معطلة، وإذا كان في نية من جاء مع المحتلين إلى العراق، بناء البلد، فلماذا استهدف هذه العقول بالاغتيالات والاعتقال والتشريد؟
واجهت النخب العراقية وضعا استثنائيا بعد كارثة الاحتلال وتدمير بنى الدولة الوطنية، وما اصطفافها في إطار المنتدى إلا للمحافظة على أداء دورها في مستقبل البلاد إذا ما أتيحت لها فرصة إعادة البناء بعد الخراب الذي عمّ أرجاء البلاد بفعل الاحتلال والتدخلات الأجنبية وانتشار الميليشيات المنفلتة التي تحارب أي مظهر حضاري وفقا لأجندتها الإيرانية، التي تريد العراق تبعا لبلاد فارس، وتتجلى في اجتماع الحزمة الفاعلة من النخب العراقية في مقابل حالة التداعي والتدهور، حالة منيرة، عبر صيغ تنظيمية حضارية فاعلة، من خلال تنظيم المؤتمرات وورش العمل لتشخيص المشكلات ودراستها واقتراح الحلول والإجابات الفاعلة لها، وهذه الصيغة العملية تتحقق باجتماع تلك النخب لتبادل الخبرات ومناقشة المقترحات ووضع برامج الإصلاح والبناء.
انطلقت اللجان التخصصية للمنتدى، منذ تأسيسه، لعقد المؤتمرات التي جمعت خبرات العراق وكفاءاته الموجودة داخل البلاد وخارجها على منصة واحدة، وتصدت بمسؤولية للمشكلات القائمة، وخرجت بقرارات وتوصيات عملية وشاملة، مثلت حلولا جذرية للمشكلات القائمة في العراق اليوم، وتصدت بشجاعة بحكم ما تحمله من خبرة ميدانية متراكمة، للمعضلات والمشكلات المتراكمة كلها، ورسمت خارطة الطريق لإعادة إعمار العراق وبنائه.
وتشكل الدراسات والبحوث، المقدمة إلى المؤتمرات التخصصية وورش العمل، ذخيرة لكل البناة والمجددين في ميادين العمل المختلفة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية في العراق، إذ لم تذهب تلك الدراسات والبحوث إلى مجرد إطفاء الحرائق للمشكلات الراهنة، التي شهدها العراق منذ الاحتلال إلى هذا اليوم، بل وضعت الخطط المستقبلية لإنجاز برنامج شامل لإعمار مناحي الحياة كلها في العراق، والإنسان في مقدمة ذلك. تتجاوز هذه النخب والكفاءات المصطفة في خلية العمل الوطنية (المنتدى العراقي للنخب والكفاءات) العناوين الفرعية التي جاء بها الاحتلال بعد سنة 2003 مثل الطائفية والمناطقية والعشائرية وغيرها، فهي تمثل التكوينات والتيارات الفكرية والاجتماعية المجتمعية كلها، وترتبط بصفة وثيقة بأهداف التنمية البشرية الإنسانية والمستدامة، وهذا الارتباط الوثيق يؤكد هويتها الوطنية، ويضعها في المكان الفاعل الصحيح في مسيرة البناء والتغيير.
لكن يتعين على المنتدى أن يدخل فورا إلى المعالجات الواقعية ويعمل على تنظيم الكفاءات العراقية المهاجرة واستثمارها، وأن يسعى إلى إيجاد مؤسسة تنسق العمل بين الداخل والخارج لمصلحه البلاد، وأن يجد التمويل اللازم لبناء مشاريع تعمل فيها هذه الكفاءات كمصانع الأدوية والمستشفيات والجامعات والمعامل والمصانع بشتى أنواعها، لكي لا تبقى هذه الطاقات معطلة.
2 حكام العراق.. الحب لإيران والخوف من أميركا حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
ما كان يبعث على خيبة الأمل في نفوس أهل العراق أن الإرهاب الإيراني الذي بدأ منذ وصول الخميني إلى السلطة، قبل 40 سنة، وكان موجها ضد وطنهم ووجودهم، لم يستشعر حينها به الكثيرون بل ذهبوا إلى تأييد الثورة لأسباب عديدة أهمها طابعها الإسلامي ولمسات بمقاييس متباعدة في الظاهر لكنها اجتمعت على عناصر خارجة عن المألوف تمثلت في الموقف الفرنسي وبخلفية قناعة أميركية جيوسياسية أملتها تطورات الأحداث والعلاقة مع الاتحاد السوفييتي.
مبعث الأمل الآن في وضوح صورة الإرهاب بهيئة ولاية الفقيه للمجتمع الدولي وللولايات المتحدة وللعرب في المقام الأول، لأن الإرهاب الإيراني وُضِع أخيرا على طاولة الاهتمامات الجادة في رؤية جديدة وفاعلة تعيد إلى الأذهان معاناة العراقيين وتعايشهم مع هذا الإرهاب عمليا بحدوده القصوى في إشعال فتيل حرب الثماني سنوات بفيض من الدماء والمآسي، وكذلك بتناسي العالم لها في نظام دولي يفيض هو الآخر برموز السياسات التي طحنت بين فكيها شعب العراق والشعوب الإيرانية، ومازالت رغم نهاية حقبة الاتحاد السوفييتي وصولا لبداية صعود طموحات الاتحاد الروسي.
الولايات المتحدة، برعايتها للتجمع الدولي في العاصمة البولندية وارسو، تثبت حقيقة الإحباط من المنظمة الأممية وتحديدا مجلس الأمن في استمرار غياب التوافقات والتفاهمات بين الأعضاء الدائمين لإصدار ما يمكن أن يكون قرارات ملزمة لحل الأزمات البالغة الخطورة في منطقة الشرق الأوسط التي عصف بها إرهاب التنظيمات المتطرفة، وما ارتكبته من جرائم وحشية وتمدد إرهاب تنظيم الدولة الإيرانية الذي فاق كل التصورات في تقمص منهجية العصور المظلمة من تاريخ البشرية بسلوكه ومخططاته التي سخر لها معظم موارده تصديرا لنزاعاته الإمبراطورية واختلالاته الفكرية الغابرة.
الولايات المتحدة باحتلالها العراق في أبريل 2003 وما سبق ذلك التاريخ من دعم لما يسمى بالمعارضة، وهي في معظمها أحزاب طائفية وبقيادات ميليشياوية خاضعة لإيران، لا يمكنها أن تتجاهل بعد 16 سنة من الاحتلال طبيعة انتماءات السلطة الحاكمة في العراق وميولها العقائدية المُلزِمة أكثر من السياسة بالولاء إلى سلطة الولي الفقيه المرشد علي خامنئي.
لذلك فإن التغييرات الجوهرية في العلاقة بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والنظام الإيراني تطرح العديد من الأسئلة عن واقع السياسة الأميركية وما يشاع عن الدولة العميقة التي وجدت لها مبررا لاحتلال العراق كحماقة أو ردة فعل لدولة عظمى أصيبت بجروح غائرة في 11 سبتمبر 2001 بإسقاط برجي التجارة العالمي في نيويورك في عهد الرئيس جورج بوش الابن الذي عثر على ضالته في الأحزاب الطائفية وقادة الميليشيات من العراقيين الذين خانوا وطنهم لأسباب مذهبية، وقاتلوا في الحرب مع الخميني ضد جيش بلادهم، وبسلوكهم المشين في معاملة الأسرى وبتفجيراتهم وعبواتهم وعملياتهم التي أرخت للإرهاب في العراق والمنطقة.
أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان إلى العراق ولقائه رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، صدرت تصريحات تؤكد احترام سيادة العراق واستقلاله وبقاء القوات الأميركية بطلب من حكومة العراق لمجابهة التحديات التي وصفتها الخارجية الأميركية بعد اللقاء بأنها تستجيب لمعلومات استخباراتية عن وجود 18 ألف مقاتل من تنظيم داعش في العراق وسوريا، وبتأكيد من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وتحت سقف توقعات يشير إلى تواجد غالبيتهم في العراق، إضافة إلى انتقال أفراد التنظيم المحتمل من سوريا إلى العراق بعد الهجمات على معاقل التنظيم الأخيرة.
سبب رئيسي آخر في توضيحات وزارة الخارجية الأميركية لمسألة البقاء في العراق يقوم على مواجهة الميليشيات ومراقبة أنشطة إيران الخبيثة والهدامة، على حد وصفها، وهو ما قاله الرئيس ترامب وأثار ردودا غاضبة يبدو أنها عجلت بزيارة الوزير شانهان للاطلاع على واقع التصريحات وبما انتهت إليه من دعوة عبدالمهدي لبرلمان العراق بإعداد رؤية متكاملة حول الوجود الأجنبي.
ولكل الواهمين بمفاهيم السيادة والاستقلال في العراق، خاصة لدى اللاعبين على حبل الوطنية من الذين يخضعون بالمطلق في ولائهم العقائدي لولاية خامنئي وينفذون حلمه الإمبراطوري في العراق، نقول إن الولايات المتحدة هي دولة الاحتلال التي ضحت بالآلاف من مقاتليها وبالتريليونات من الدولارات، فهل كان ذلك فقط لإسقاط النظام ولتتسلم تلك الأحزاب الطائفية وميليشياتها حكم العراق؟
خروج القوات الأميركية من العراق بالاتفاقية الأمنية بين إدارة الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، يراه الرئيس ترامب وإدارته بعضا من تهم دعم الإرهاب الإيراني وتمدده تمهيدا لإبرام صفقة الاتفاق النووي وتسليمه المليارات من الدولارات في شحنات مشبوهة وبخدمات مسبقة تسيد فيها نوري المالكي المشهد بفتح أبواب السجون والحدود لإطلاق إرهاب تنظيم الدولة ومبررات تدمير المدن وتهجير المواطنين في عمليات تطهير مذهبي ممنهجة.
عدم حضور العراق مؤتمر وارسو يأتي منسجما مع الولاء العقائدي لولاية المرشد، لكن ذلك لا يمنع من إيجاد مخرج لتواجد القوات الأميركية في العراق تحت حجة التدريب والإسناد الجوي والمعلومات الاستخباراتية، بما سعت إلى تصديره للإعلام قيادات الحشد الشعبي وأيضا بما توجهت إليه من غلق بعض المقار التي وصفتها بالوهمية وغير الخاضعة لهيئة الحشد رغم أنها تمارس منذ سنوات مهام القرصنة والسرقات والتهديد وفرض الإتاوات، فلماذا هذا التوقيت؟
العراق لا يحتاج إلى قواعد عسكرية أميركية ليتأكد العراقيون أن الاحتلال حقيقة واقعة على أراضيهم، فآثار الاحتلال لا يمكن إزالتها باتفاقيات أمنية أو بالولاء لمحتل آخر، إنها في الانقسام المجتمعي الذي فرضته الحكومات والأحزاب والميليشيات في طريقة إدارة الدولة والوزارات والموازنات الاتحادية وحصص المحافظات بأثر سياسي أو توافقات أو أفضليات طائفية وعرقية. دولة العراق هي نتاج الاحتلال التي بذخت على الشعب الطائفية والإرهاب والميليشيات والصراعات والتلوث على عموم العراقيين، ومنعت عنهم الخدمات والسلم الأهلي والتعليم والأمن والصحة والأمل بالحياة المستقرة الكريمة.
الولايات المتحدة باقية وتتمدد في سفارتها العملاقة في المنطقة الخضراء بواجباتها التي تتعدى واجبات القواعد العسكرية وبما تهيئ له من توسعة لقنصليتها في أربيل التي تتجه إلى أن تكون “سفارة” أكبر من سفارتها في بغداد، وبمطارات محكمة في قواعد جوية ومهمات مراقبة وعمليات هجومية بلا حدود ضد الإرهاب الذي بات يعني أولا الدولة الراعية للإرهاب في العالم كما يعني التنظيمات المتطرفة.
مؤتمر وارسو ترافق مع فعاليات وتصريحات وزيارات وجلسة لمجلس الأمن أكدت فيها المبعوثة الأممية إلى العراق جينين هينيس على ما يعانيه العراقيون من إرهاب متعدد يمنع مكافحة الفساد والميليشيات ونقص الخدمات، واضعة النقاط على الحروف في مرحلة أقل ما توصف به أنها مرحلة تبعث على الأمل عند العراقيين الذين ترسخت لديهم القناعة خلال 40 سنة الماضية أن لا شفاء لأمراض وطنهم المزمنة إلا بسقوط ونهاية النظام الإرهابي في إيران.
3 قلق فرنسي من الدواعش العائدين
إدريس الكنبوري العرب بريطانيا
يساور القلق الحكومة الفرنسية هذه الأيام بشأن موضوع الدواعش الفرنسيين الموجودين في سوريا والعراق، والذين يقدر عددهم بالمئات ممن قصدوا المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش بداية من العام 2014 وإلى حين هزيمته النهائية على يد التحالف الدولي وسقوط معاقله الرئيسية في الرقة والموصل خلال العامين الماضيين.
ففي فبراير من العام الماضي قام وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بزيارة لبغداد لبحث قضية الفرنسيين المجندين في تنظيم داعش مع الحكومة العراقية، وصرح من هناك بأن المقاتلين الذين لديهم الهوية الفرنسية يمكن للنظام العراقي محاكمتهم وفق القوانين المحلية. لكن موقف الوزير الفرنسي أثار انتقادات واسعة داخل فرنسا، لأن القانون العراقي ينص على الإعدام في الجرائم الإرهابية، فيما يعدّ الإعدام داخل فرنسا خطا أحمر ومسا بحقوق الإنسان.
لكن الجديد في النقاش الفرنسي حول الدواعش مرتبط بالموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف ديسمبر الماضي حول عزمه سحب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا، حيث أدى ذلك إلى تجدد المواجهة بين الرافضين والموافقين على ترحيل الدواعش الفرنسيين لمحاكمتهم أمام القضاء المحلي.
فمنذ تصريحات ترامب حصل تحول في موقف باريس إزاء ملف المجندين الفرنسيين السابقين في التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. ذلك أن واشنطن ولندن وباريس، البلدان الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، هي التي تتولى اليوم الإشراف على المراكز التي تؤوي هؤلاء المجندين في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” داخل سوريا، التي تتشكل في غالبيتها من الأكراد، ومن شأن الانسحاب الأميركي أن يجعل مصير هؤلاء المقاتلين السابقين بين أيدي هذه القوات، علاوة على أن هذه الأخيرة غير معترف بها دوليا وأي محاكمة لهؤلاء الفرنسيين طبقا للقوانين المطبقة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد لن يكون لها طابع “شرعي” بحسب الحكومة الفرنسية.
وخلال الأسبوع الماضي دافع وزير الداخلية الفرنسي كريستوفر كاسانر عن ترحيل المقاتلين الفرنسيين إلى بلادهم، مبررا ذلك بالقول بأنهم “فرنسيون أولا قبل أن يكونوا جهاديين”، وقال إن هؤلاء العائدين سيتم إيداعهم السجن المؤقت فور دخولهم التراب الفرنسي، على أن يتم تقديمهم للمحاكمة بعد ذلك. نفس الموقف تبناه الناطق باسم “وزارة أوروبا والشؤون الخارجية”، حيث أشار إلى أنه في ظل سحب القوات الأميركية من سوريا وحالة الفوضى المنتشرة في البلاد وغياب الاستقرار فإن “الحكومة الفرنسية تخشى من فقدان أثر هؤلاء الجهاديين”، لذا تفضل ترحيلهم إلى فرنسا من أجل محاكمتهم، باعتبار أنهم لا يزالون يشكلون خطرا على الأمن الداخلي الفرنسي.
ومنذ سقوط الرقة والقضاء على تنظيم داعش فيها، في أكتوبر 2017، وقع العديد من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم، بينهم عشرات الفرنسيين، بأيدي مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية”، أو بأيدي قوات النظام السوري. وتقدر الحكومة الفرنسية عدد هؤلاء بنحو 131 شخصا ما بين العراق وسوريا.
وفي حال ترحيل هؤلاء إلى فرنسا سيضافون إلى 323 آخرين كانوا قد عادوا في أوقات سابقة وتم احتجازهم ومحاكمتهم، وهو ما سوف ينعكس على النقاش السياسي في البلاد ويحول القضية إلى قضية رأي عام، خصوصا في ظل التحذيرات المستمرة من تنامي المخاطر الإرهابية وبقايا رواسب الأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد واستهدفت باريس ونيس في الأعوام الثلاثة الماضية مخلفة مئات القتلى والجرحى.
ولا تقف قضية الدواعش العائدين عند المحاكمة والاعتقال، بقدر ما ترتبط بتداعياتها على المستقبل. فبين هؤلاء العائدين أو المرشحين للعودة يوجد العشرات من القاصرين، يقدر عدد الموجودين داخل فرنسا اليوم بثمانية وستين قاصرا، بينما يقدر عدد الذين لا يزالون في العراق وسوريا بنحو 500 عنصر.
ويطرح هؤلاء القاصرون مشكلة كبرى بالنسبة للحكومة الفرنسية، لأن جل هؤلاء عاشوا تجارب صعبة في المناطق التي ولدوا أو ترعرعوا فيها، وبعضهم رأى أعمال قتل وحشية، أو عاش على رؤية الأسلحة داخل البيت لأعوام، أو حصلت له ألفة مع مشاهد رجال يحملون أسلحة في الشارع، ومثل هذه الحالات تستدعي المتابعة النفسية المستمرة من أجل العلاج لفترات طويلة، وتشكل خطورة على مستقبل هؤلاء الأطفال.
لكن القضية الأكبر بالنسبة للفرنسيين هي مرحلة ما بعد الاعتقال وقضاء مدة السجن بالنسبة للجهاديين العائدين من ساحات القتال، كيف يتم التعامل معهم مستقبلا؟ وما هي الضمانات على أنهم لن يعودوا إلى الإرهاب والعنف؟ وما هي احتمالات نجاح اندماجهم في المجتمع؟
أسئلة دفعها إلى الواجهة وجود حوالي عشرين معتقلا في السجون الفرنسية ممن كانوا في سوريا والعراق وانتهت مدة سجنهم وسيخرجون إلى الشارع في بحر الشهور القادمة، مما يطرح على الحكومة الفرنسية معضلة مزدوجة في مواجهة “أزمة العائدين”، خصوصا وأن هؤلاء لديهم تجربة في حمل السلاح وفي حروب العصابات وأعمال القتل.
4 مائة عامٍ من الاغتيالات السياسية في العراق سعيد الحمد الايام البحرينية
هو عنوان تقرير تلفزيوني يكاد يقول للعراق ما أشبه الليلة بالبارحة، فالاغتيال السياسي حكاية مكتوبة ومؤرخة بالدم والرصاص والخلاص.
وقد شهد العراق منذ تأسيسه كدولة حديثة عام 1921 العديد من حوادث الاغتيال السياسي للتخلص من الخصم الذي يكاد يقف حجر عثرة امام خصم سياسي آخر لم يجد أنجع من الاغتيال وسيلة للانفراد والسيطرة ولكن إلى حين، فمن قتل يُقتل، ولم تقف شلالات الدم اغتيالاً إلى يومنا هذا في العراق المنكوب بحوادث الاغتيال السياسي.
وكان أول ضحية للاغتيال السياسي في العراق الحديث هو توفيق بيك الخالدي، وكان مناوئًا للعهد الملكي بشكل أساسي، حيث كان من دعاة العهد الجمهوري، اغتاله شخص يُسمى شاكر الغره غولي، وهذا الاغتيال فتح بوابةً واسعة لم تغلق إلى يومنا هذا لعمليات الاغتيال السياسي.
قائد الجيش بكر صدقي يؤرخ لسيرته بأنه صاحب أول انقلابٍ عسكري يشهده العالم العربي عام 1936، وقد دشن انقلابه باغتيال وزير الدفاع العراقي آنذاك جعفر العسكري، ولكن سرعان ما كان الاغتيال نصيب بكر صدقي ذاته، فبعد عامين فقط اغتاله ضابط برتبة ملازم في نادي الضباط في العراق، حين اقترب من مكان جلوسه حاملاً صينية القهوة ومخبئًا تحتها مسدسه فأطلق عليه بضع رصاصاتٍ كانت كفيلةً بأن تودي بحياته.
ومن حوادث الاغتيال المشهودة في العهد الملكي أيضًا عملية اغتيال رستم حيدر وهو لبناني الاصل، وكان قد جاء إلى العراق مع الملك فيصل الأول من الشام، وقد واجهت رستم حيدر مشكلة طائفية «شيعي المذهب» وقد اغتاله مفوض شرطة يدعى حسين توفيق حين دخل إلى مكتبه واغتاله هناك، ويُقال ان نوري السعيد باشا أراد التخلص من منافسة رستم حيدر له في ثقة الملك فيصل، ولكن لا توجد وثيقة تاريخية تؤكد ذلك القول.
ولن نحيد عن الصواب حين نقول هنا، ان تلك الاغتيالات السياسية كانت مجرد بروفة او مجرد تسخين قبل ان تبدأ عهود من الاغتيالات السياسية الدموية الجارفة، حين دشن انقلاب عام 1958 عهده بمجزرة قصر الرحاب التي راح ضحيتها عدد من الاسرة الملكية من الرجال والنساء، في طليعتهم الملك الشاب فيصل الثاني وخاله الوصي على العرش عبدالإله بن علي.
كانت تلك المجزرة من الاغتيالات صفارة الانطلاق في ماراثون الاغتيالات السياسية والتصفيات بالرصاص، فعبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف اللذان قادا انقلاب 1958 ودشناه بالاغتيال يقعان الواحد تلو الآخر ضحيةً للاغتيال السياسي، وليقع بعدهما حردان التكريتي وزير دفاع البعث العراقي ضحية للاغتيال وهو مخطط الاغتيالات، فتكون نهايته نظمي كزار الذي خطط هو الآخر لاغتيال حردان.
وبين اغتيالٍ واغتيال في سيرة العراق الحديث تبرز مشاهد دموية لتصفيات واغتيالات الحرس القومي عام 1963 لمجموعات كبيرة من الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين لم تقف حتى تمت تصفيتهم.
عندها فقط بدأت سلسلة اخرى من الاغتيالات السياسية بين فرقاء وجماعات البعث العراقي دشنها صدام حسين عام 1979 باغتيال مجموعاتٍ من رفاقه البعثيين بزعم المؤامرة ضده وبالتنسيق مع حافظ الأسد أو بعث سوريا كما قيل عنهم يومها.
ومنذ العام 2003 بدأت سلسلة أخرى من الاغتيالات السياسية في المشهد العراقي ومازالت مستمرة بقيادة ميليشيات وجماعات الاحزاب والتنظيمات الموالية لنظام الملالي الايراني والتي ذهبت ضحيةً لها العديد من ألمع الوجوه السياسية العراقية رجالاً ونساءً وشيبًا وشبابًا.
سؤال، هل قدر العراق المقدور ان يكون معمدًا بالاغتيالات السياسية طوال تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة منذ العام 1921 حتى اليوم؟؟
5 نكتة الموسم: نهاية ««داعش»» فارس بن حزام الحياة السعودية
يصدمني التفاؤل الدولي غير المسبوق بالقضاء على «داعش» نهائياً. وليس في أعوام قريبة، بل في أسابيع. تلك نكتة غير مقبولة، ولا يجب أن يأخذ بها عاقل.
تنظيم «داعش» ليس لعبة كرتون تفكك وترمى في سلة القمامة. «داعش» فكرة، بل أكثر من ذلك؛ تطوير عبقري لنواة جهنمية اسمها «القاعدة». وعمره ليس خمسة أعوام، هي مشروع عمره 31 عاماً. ولا يمكن القضاء سريعاً على مشروع استغرق هذا الوقت الطويل.
فعندما يؤسس لأعمال شريرة طويلاً، تحتاج سنوات من العمل لإنهاء خطره.
ولعلنا نتأمل التجربة القطرية؛ توسعت صلاحيات ولي العهد حينها، الشيخ حمد بن خليفة، فزرع بذور شرها في العام ذاته 1988، ودشن حراكه تحرشاً بالحدود السعودية عام 1992، ومن ثم نقل العمل السري إلى داخل المملكة ودول أخرى منذ عام 1996، وصنع شبكاته الإعلامية وخلاياه شرقاً وغرباً، واستعد للانقضاض الواسع، لكي يلتهم المنطقة كلها عقب 2011. وقبل نحو عامين صارت المواجهة الواسعة مع قطر، ومع ذلك لم يتأثر نفوذها العربي كثيراً، لأن ذلك يستلزم أعواماً من المواجهة.
وعودة إلى «داعش»، فما فعله ليس أكثر من سرقته خريطة عمل «القاعدة»، واستعجل في تطبيقها، واعتقد سريعاً أنه نجح في إقامة دولته، ليجد أن العالم كله يُحشد لمحاربته بما لم تواجهه «القاعدة» في 2001. ولذا على الغرب أن يتذكر هذه الحقيقة: «داعش» هو النسخة المفعلة من برنامج «القاعدة». فما سيجري الفترة المقبلة، أن يسعد الغرب بنهاية آخر جيب من جيوب «داعش» في سورية والعراق، ويرفع رايات النصر فوق رماد الإرهاب، وينسى أن الدواعش قد عادوا إلى برنامجهم الأصلي، وهو القاعدة، وبدأوا في إعادة ترتيب صفوفهم وفق صيغة العمل السري والخلايا النائمة، وانتقلوا إلى العمل الفتاك تفجيراً واغتيالاً.
ما يجري في الغرب من تقييم لمشهد العنف في المنطقة، وما يترتب عليه من سعي للتعامل معه وفق ذلك، هو خطأ يضاف إلى رصيد الأخطاء الغربية، عندما تبنى وفق صيغة «1+1=2»، ويعتمد على مقياس واحد لفهم الإرهاب في منطقتنا. فدراسة الإرهاب لا تكفيه المعلومة المجردة من دون الإلمام الواسع بالثقافة الإسلامية وطبيعة كل مجتمع، فالدول العربية ليست واحدة، والمجتمع العربي مجتمعات، وتشكل وصعود الإرهاب في كل دولة يختلف عن جارتها، وفي حالات عدة مثل العراق وسورية، للعامل السياسي دور بارز.
ولذا، لن ينتهي «داعش» طالما بقيت أسبابه، والصغير قبل الكبير، في العراق وسورية وغيرهما من أنظمة حكم دينية أو دول فاشلة، يعرف أن المعضلة هناك سياسية أكثر من كونها دينية، وإذا تم علاجها لن يجد مرضى العالم من الإرهابيين فرصة للالتحاق بالتنظيم في أي من البلدين.
6 هل ضاعت الحقيقة «بين نيران» أياد علاوي؟ حميد الكفائي الحياة السعودية
لاشك أن إقدام رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي على كتابة مذكراته «بين النيران» خطوة جيدة في عالم عربي يمتاز باحتفاظ الحكام بأسرارهم لأنفسهم، لا يطلعون عليها حتى أقرب المقربين. ولكن هل عكست مذكرات علاوي حقيقة حصل؟ أما أنها محاولة لتبرير المواقف؟
ابتداء اشكر الدكتور علاوي على إهدائه الشخصي لكتابه الذي حملته إلي من بغداد الراحلة لمياء الكيلاني، ولولا هذا الإهداء فلربما لم أقرأ الكتاب الذي يطنب فيه علاوي في الحديث عن حياته السياسية منذ طفولته وانتمائه إلى حزب البعث مطلع الستينيات، منتقلا إلى فترة المعارضة منذ السبعينيات حتى الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 تحت دبابات القوات الأميركية، وتوليه السلطة كأول رئيس وزراء بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
قرأت الكتاب بجزأيه بصبر ومثابرة وأشّرت على الأحداث التي واكبتها، إذ اشتركت مع علاوي في المعارضة لنظام صدام حسين في الثمانينات والتسعينات وفي حكومة ما بعد الاحتلال الأميركي وكنت شاهد عيان على كثير منها. أما الأحداث الأولى عن حزب البعث في الحكم والمعارضة، فإنني لم أشهدها ولكن توصلت إلى استنتاجات حولها عبر التحليل خصوصا وأن معظمها ليس سرا.
يبرر علاوي انتماءه لحزب البعث بدوافع وطنية ودينية وأنه حصل نتيجة لنشأته العائلية (وتجذر المبادئ الدينية المتمثلة بأحاديث الرسول والأئمة الأطهار في نفسه) وأنه (وجد في البعث صدى لما تعلمه من الأهل) الذين قال إنهم ملتزمون دينيا ويأتون بمقرئي القرآن المعروفين من مصر كي يحيوا ليالي رمضان! ولكن هذا الادعاء يتحدى المنطق، فحزب البعث حزب علماني قومي أسسه شخص مسيحي هو ميشيل عفلق وليست لديه أي قيم دينية. ويضيف علاوي أن ما جعله يندفع أكثر نحو حزب البعث هو أن النظام الجمهوري (نفى أباه وعمه إلى السليمانية لا لشيء إلا لأنهما من أسرة كان لها شأن في النظام الملكي)! فتحمس لمحاربة الشيوعيين عبر إنتمائه (لجهة قومية مناقضة للشيوعية) لما أن البعث كان مشاركا في حكومة عبد الكريم قاسم. يعود علاوي ليدين حزب البعث (وسلوكياته السيئة خصوصا ما حصل في قصر النهاية من قتل وتعذيب واستباحة للشيوعيين)! ويعترف بأن البعث انتهى فعليا عام 1963، لكنه لم يبين سبب تمسكه بالحزب حتى منتصف السبعينيات، مع اعترافه بأنه لم يرَ (كقساوة صدام). دأب قادة حزب البعث صغارا وكبارا على استخدام القضايا العربية، خصوصا القضية الفلسطينية، كغطاء للسياسات التي تتجاهل مصالح العراق، وكل أحاديثهم الرسمية تتركز على قضايا خارج العراق، ويمكن ملاحظة هذا المنحى في خطاب علاوي الرسمي حتى مع الأمريكيين أثناء نشاطه المعارض إذ كان يأخذ بنظر الاعتبار مواقف الدول الأخرى وليس مصلحة العراق.
لم يفصح علاوي عن درجته الحزبية، فحزب البعث منظمة شبه عسكرية تعتمد التدرج التراتبي للقيادة، ربما لأنها متدنية، وقد أسرني مطلعون بأن علاوي كان بدرجة (عضو شعبة) وهي ليست قيادية، بينما كان رفيقه صلاح عمر العلي عضوا في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، وكذلك إسماعيل القادري، وهي أعلى درجة. لكن صدام كان يخشى علاوي فعلا، وقد أرسل فريقا لاغتياله في لندن عام 1978، لكنه نجا بشكل أسطوري حسب المذكرات. وخشية صدام من علاوي ليست لأنه منافس حقيقي له، بل لعلاقاته الدولية الواسعة، إذ كان يُستقبل على مستوى رؤساء أجهزة المخابرات في دول العالم المهمة، ولاحقا على مستوى رؤساء الدول. وهناك أيضا جانب شخصي في خصومة الرجلين، فعلاوي من عائلة بغدادية ارستقراطية ثرية، بينما ينتمي صدام إلى عائلة قروية في تكريت. والملاحظ في سيرة علاوي أنه طبقي في أعماقه وهذا واضح في (نيرانه)، إذ أولى اهتماما كبيرا للأسر (العريقة) وقسّم العراقيين إلى قسمين، أحدهما ينتمي إلى عائلات (كريمة) والثاني إلى عائلات (متواضعة)! كما كرر إنفاقه على النشاطات العامة من (ماله الخاص)! وليس صحيحا أن ينفق المسؤول على الدولة، خصوصا وأن فالعراق ليس فقيرا.
أصر علاوي على إسقاط النظام عسكريا بالتعاون مع بعثيين داخل النظام وتسبب هذا النهج في إعدام العشرات بسبب عدم قدرته على تنظيم عملية بهذا الحجم وعدم إخلاص الأشخاص الذين اعتمد عليهم. وعلى رغم الكوارث التي خلفتها محاولاته تلك، بقي يعتبر العمل العسكري الموجه من الخارج الوسيلة الوحيدة لإسقاط النظام، بينما ظل يعمل وحيدا ولم يتعاون حتى مع القريبين من خطه السياسي.
الكثير من الأحداث التي سردها علاوي غير دقيقة وكنت شاهدا على بعضها. أطنب في توضيح مواقفه “الودية” من مقتدى الصدر، قائلا أنه كان يسعى لحمايته والتعامل معه بما بمكانته الرفيعة. لكن الحقيقة مختلفة تماما فعلاوي وقف بقوة ضد الصدر وقرّب الفرع الآخر من العائلة محاولا إضعافه، لكن شعبية الصدر هي التي حمته وعززت مواقفه، وظل علاوي خصما لدودا للصدر حتى جرت المصالحة بينهما في دمشق بوساطة سورية عام 2010. ادعى علاوي بأنه منح نائبه، برهم صالح، صلاحيات واسعة، لكن الحقيقة أنه تعامل معه بفوقية وتدخل حتى في اختياره مستشاريه وألغى أمراً ديوانياً (ذ/2/63/4277) اتخذه صالح بترقية مدير عام إلى مستشار. ويعترف علاوي باعتراض صالح على محدودية صلاحياته ومغادرته بغداد احتجاجا، لكنه تباهى بأنه احتجاجه لم يجلب له صلاحيات جديدة. كما تعامل مع وزرائه بالطريقة نفسها، وكان عصبي المزاج، وقد ضرب الطاولة بيده في اجتماع مجلس الوزراء ما أدى إلى كسرها، وهناك أحداث كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. يمتلئ كتاب علاوي بالمجاملات والتبريرات وتغيب عنه الحقائق، فلم يعترف بخطأ واحد ارتكبه خلال حياته، بينما كانت مسيرته السياسية سلسلة من الأخطاء التي جلبت الكوارث على العراق، سبب فرديته واعتماده على أتباع ذي قدرات متدنية لا يجرأون على مصارحته. يصر علاوي على أنه أسس حركته المعارضة (الوفاق) مطلع السبعينيات والحقيقة أن (الوفاق) تأسست عام 1990، وقد اختلف مع معظم رفاقه القدامى الذين غادروه تباعا مستائين من أخطائه وتجاهله آراءهم، واعتمد على أقاربه وعينهم في مناصب مهمة، فقد عين صهره نوري البدران وزيرا للداخلية، وابن عمه محمد علاوي وزيرا للاتصالات (مرتين)، وابن عمه الآخر علي علاوي وزيرا للدفاع، والآن يهيئ ابنته لتخلفه في الزعامة السياسية. معيار علاوي الأساس في العمل السياسي هو العلاقة الشخصية أو العائلية، لذلك ملأ المواقع المهمة في الدولة بأصدقائه وأصدقائهم، دون اعتبار للكفاءة. زعم بأنه أصر على إجراء الانتخابات في موعدها، والحقيقة أنه حاول جاهدا تأجيلها، والقوى السياسية العراقية تعرف ذلك جيدا وقد حضرتُ جلسات لمناقشة الموضوع. الأمريكيون هم من أصروا على إجراء الانتخابات في المواعيد المثبتة في قانون إدارة الدولة.
أشعل علاوي النيران في مساراته السياسية بنفسه وكرر الأخطاء نفسها بسبب انفراده في اتخاذ القرارات وعدم استشارته رفاقه، فلم يبقَ معه أحد يتمتع بقدرات سياسية. لا أعتقد بأن أحدا من الذين ذكرهم علاوي في (نيرانه) يتفق مع الأحداث التي سردها، رغم محاولته إرضاءهم بإسباغ الألقاب الفضفاضة عليهم مثل (وطني وشريف ونزيه وبطل وشهم)! لقد كانت (نيران) علاوي “نيرانا صديقة” وجهها ضد نفسه، فأضاع فرصا ثمينة وخيّب آمال التيار الوطني العلماني الذي لم يجد في الساحة غيره قائدا.
7 غياب حواضن الأدباء الجدد
وليد الزبيدي
الوطن العمانية
مجلة الآداب البيروتية ومجلة الأقلام العراقية ومجلة نزوى العمانية ومجلات كثيرة أخرى ساهمت خلال عقود القرن العشرين في احتضان عشرات الآلاف من الكتاب الشباب، والغالبية منهم أصبح له شأن كبير في الساحة الإبداعية، في الشعر والنقد والقصة والرواية، ويتفق الجميع من المختصين والمهتمين في الأدب والإبداع، أن تلك المنصات حفَّزت ودعمت وشجعت هؤلاء على طريق صقل مواهبهم وتطوير قدراتهم الإبداعية، وهذا يقود إلى طرح سؤال في غاية الأهمية عن الواقع الإبداعي ومستقبل الطاقات الشابة في ظل غياب شبه تام للمنصات العملاقة، التي مرّ من بواباتها الأدباء ومن خلالها وصلت كتاباتهم لجمهرة القراء.
ليس وحدها المجلات الأدبية التي احتضنت الطاقات الجديدة قبل أن ينتقل الكثير من هؤلاء إلى واحات الإبداع والشهرة، فقد كانت هناك منصات كثيرة أخرى احتضنت المواهب الإبداعية الجديدة، ومن تلك المجلات التي لم تقتصر على الأدب فقط، بل اهتمت بالثقافة بصورة عامة، وخصصت صفحات وأقسام عديدة لنشر إبداعات الكتاب الشباب، من تلك المجلات، مجلة العربي الكويتية التي وصلت إصداراتها إلى الغالبية العظمى من المدن العربية ودول أجنبية كثيرة أخرى حيث تتواجد الجاليات العربية، ورغم أنها ما زالت تنبض وتنشر الكثير إلا أن ثمة بعض العزوف من الجيل الجديد عن قراءة المطبوعات الورقية، بسبب العادات القرائية التي تربوا عليها ونقصد بذلك القراءة من خلال الشاشة، في الحاسوب وأكثر من ذلك الهواتف المحمولة التي توفر فرصا واسعة على هذا الصعيد، ومجلة الدوحة الثقافية ومجلة الثقافة العربية التي تصدر في المملكة العربية السعودية، ومجلة آفاق عربية التي تصدر في العراق، وكذلك مجلة الطليعة الأدبية التي تخصصت بأدب الشباب ليس في العراق وحده وإنما في عموم الوطن العربي، ومجلة الرافد التي تصدر في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومجلة الجديد في لندن، وهناك مجلات كثيرة تهتم بالثقافة والأدب في عواصم ومدن عربية عديدة.
وإذا ساهمت المجلات الأدبية المتخصصة بدور فاعل ومؤثر في تشجيع ودعم القدرات المبدعة فإن المجلات الثقافية قد أدت دورا كبيرا على هذا الصعيد، كما أن للصفحات الثقافية في الصحف اليومية والأسبوعية ذات الدور الفاعل والمؤثر في التشجيع والتعريف والوصول بالنتاجات الإبداعية لمئات الآلاف من القراء، ولا ننسى الملاحق الأدبية والثقافية لكبريات الصحف العربية.
لكن الصورة ليست وردية في الوقت الحالي بعد أن تراجع حضور المجلات الأدبية المتخصصة وتوقف صدور الكثير من المجلات الثقافية وذات الأمر أصاب الصحف الورقية، ويتفق الجميع أن هذا الواقع المعتم يؤثر سلبا على حركة الإبداع، وبغياب المنصات الحاضنة للمبدعين الجدد والقدامى قد نصل مرحلة يغيب فيها العدد الأكبر من المبدعين. وجلّ ما نخشاه أن تكون الصورة أكثر من قاتمة في هذا الميدان.
8 من يقرر مصير الوجود العسكري الأميركي في العراق؟ احمد صبري
الوطن العمانية
انشغل الرأي العام العراقي بمستقبل ومصير الوجود العسكري الأميركي بالعراق ليعود من جديد الى الواجهة بالتزامن مع حراك نيابي لتشريع قانون ينهي هذا الوجود.
ويأتي هذا الانشغال مع تفاقم الأزمة السياسية ويزيدها تعقيدا، خصوصا تباين مواقف القوى السياسية بشأن الوجود الأميركي وسط تزايد ضغوط ممثلي الحشد الشعبي في البرلمان لإنهائه.
وبالتوازي مع الحراك العراقي بشأن الوجود الأميركي يواصل أركان الإدارة الأميركية في مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب التأكيد على بقاء القوات الأميركية بالعراق طالما اقتضت الحاجة للمساعدة من أجل تحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “داعش”، وأيضا مراقبة إيران ونشاطها في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أمر بانسحاب معظم القوات الأميركية نهاية عام 2011، لكنهم عادوا مرة أخرى إلى العراق بذريعة محاربة تنظيم “داعش” على شكل تحالف دولي تقوده أميركا ضد التنظيم.
وأهم الذرائع التي تتذرع بها الولايات المتحدة لوجودها العسكري في العراق، والتي تم على أساسها إبرام الاتفاق الأمني مع بغداد، تتلخص في ثلاثة محاور هي: أولا: التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية. ثانيا: تدريب القوات العراقية. ثالثا: حتى لا يؤدي فراغ الوجود الأميركي في الساحة العراقية إلى استئناف الأزمات الطائفية في العراق.
ويسود الاعتقاد على نطاق واسع أن تصاعد الدعوات لإنهاء الوجود الأميركي في العراق هو بسبب ضغط إيران على حلفائها بالبرلمان والحكومة وارتباطه بالصراع الأميركي ـ الإيراني، وهو الأمر الذي حذرت منه قوى سياسية من تحول العراق إلى ساحة صراع أميركي إيراني.
وما أثار تصاعد الدعوات لإنهاء الوجود الأميركي بالعراق هو تصاعد الخلاف بين واشنطن وطهران تزامن مع تجوال قوات أميركية بوضع قتالي في الأنبار والفلوجة ووسط بغداد وأمام مقرات مسلحي الحشد الشعبي الموجودين في تلك الأماكن.
وما يشير إلى تصميم الإدارة الأميركية على بقاء قواتها في العراق هو الاتفاقية الأمنية المبرمة مع بغداد التي أتاحت إنشاء عدة قواعد عسكرية في سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين في حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك، فيما اتخذت القوات الأميركية قاعدتي “عين الأسد” في قضاء البغدادي و”الحبانية” في الأنبار كقاعدتين عسكريتين. وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقرا لها للتحكم بطلعات طائرات “أف 16″ أما في معسكر التاجي شمال بغداد، فتوجد قوة أميركية قتالية.
واستنادا إلى ما تقدم، فإن الوجود العسكري الأميركي ومصيره في العراق هو الشغل الشاغل للطبقة السياسية وكيفية التعاطي مع تداعياته المستقبلية، خصوصا أن هذه القضية أصبحت قضية سياسية تقدمت على سواها من قضايا، وارتبطت بشكل مباشر بمسار الصراع بين أميركا وإيران.
وما يعزز هذا الاعتقاد تهديد قيادات في الحشد الشعبي بمقاومة الوجود الأميركي حتى بالسلاح لإجباره على الرحيل في وقت بدت حكومة عادل عبد المهدي عاجزة عن اتخاذ أي موقف واضح وصريح من تفاعلات هذه القضية، اللهم إلا من تصريحات تتحدث عن سيادة العراق وقراره المستقل، والنأي من دخول العراق بأتون صراعات خارجية.
إن الأيام المقبلة ـ مع تصاعد حدة الخلاف الأميركي ـ الإيراني ـ قد تحمل معها مفاجآت قد تعيد رسم خريطة التحالفات السياسية من جديد، واتضاح مواقف أطراف الطبقة السياسية من هذه القضية على ضوء مستجدات الموقف الأميركي من إيران وانعكاسه على ميزان القوى في داخل العراق.